
مستجدات الحرب الإيرانية الإسرائيلية: حوارات مع كبار المحللين (1 - 3)
تقديم
تشكل الحرب بين إيران والكيان الصهيوني واحدًا من أخطر نزاعات الشرق الأوسط، بما تمثله من أبعاد سياسية، وعسكرية، ودينية واقتصادية تتجاوز حدود المنطقة لتؤثر على الأمن والاستقرار الدوليين. ومع تصاعد التوترات والعمليات العسكرية، تأتي هذه الحوارات المعمقة مع نخبة من المحللين والخبراء، لتقدم تحديثات شاملة وتحليلات دقيقة لمجريات هذا الصراع المعقد.
ليست الحرب بين إيران والكيان مجرد نزاع عسكري تقليدي بقدر ما هي امتداد لصراع أيديولوجي واستراتيجي متجذر في تاريخ طويل من الصراعات التي تتشابك فيها المصالح الإقليمية والدولية، ويتداخل فيها الطائفي مع القومي، وتتنوع فيها الرؤى والقراءات بطريق تجعل فهمها تحديًا حقيقيًا يتطلب إضاءة الكثير من الزوايا.
يعكس هذا الحوار الاهتمام العالمي المتزايد بفهم التطورات الأخيرة لهذا الصراع، خاصة مع تزايد المخاوف من تحوله إلى مواجهة أوسع قد تمتد لتشمل دولًا أخرى في المنطقة أو تدخل قوى دولية بشكل مباشر. وتتيح هذه الحوارات بين مجموعة من الخبراء المعروفين للقارئ رؤية متعددة الأبعاد تشمل تحليل سياسات الأطراف، وتقييم الاستراتيجيات العسكرية المتبعة، وقراءة التداعيات المحتملة على جغرافيا القوى في الشرق الأوسط. كما تكشف هذه الحوارات أيضًا عن كيفية تعامل كل طرف مع الضغوط الداخلية والخارجية، ومدى تأثير التحالفات الإقليمية والدولية، مثل دور الولايات المتحدة وروسيا والصين في تفجير -أو تهدئة- التوترات.
من ناحية أخرى، تقدم الحوارات تأملات في دوافع كل من الطرفين في هذا الصراع، مع التركيز على كيف استخدام كل طرف لأدوات القوة المختلفة -بما في ذلك العمليات العسكرية المباشرة، والحرب السيبرانية، والدبلوماسية السرية- لتحقيق غاياته. كما تسلط الضوء على الأبعاد غير المعلنة للنزاع، مثل الحروب بالوكالة في دول أخرى، والعمليات الاستخباراتية، والدور الحاسم للتكنولوجيا في معارك السيطرة على الفضاء الجيوسياسي. وفي هذا الإطار، تبرز أهمية فهم السياقات التاريخية والسياسية التي أدت إلى اشتعال الحرب في المقام الأول، حيث الصراع بين إيران والكيان ليس معزولاً عن تاريخ الصراعات في المنطقة، وإنما امتداد لصراع أوسع بين التحالفات والطموحات التي تتجاوز الحدود الوطنية.
تحاول هذه الحوارات أيضًا كسر الصورة النمطية التي قد تضع هذا الصراع في قالب بسيط من العدائية التقليدية، وتكشف تعقيداته العميقة، حيث تتجاوز تجلياته المعارك التقليدية لتمتد إلى صراع من نوع جديد يتضمن مجالات متعددة كالاقتصاد، والإعلام، والتكنولوجيا، إلى جانب الجوانب السياسة والعسكرية. وتوضح هذه الحوارات التحليلية كيف أن الحرب بين إيران والكيان يمكن أن تكون نقطة تحول في رسم مستقبل الشرق الأوسط، وتحديد شكل النظام الإقليمي الذي تتصارع فيه القوى الكبرى على النفوذ وتوازن القوى في مواجهة التهديدات والأزمات المتزايدة.
أخيرًا، تقدم هذه الحوارات مساهمة مهمة لفهم ديناميات الصراع بين إيران والكيان في مرحلة حرجة من تاريخ الشرق الأوسط، من خلال عرض رؤية موضوعية ومحايدة تستند إلى تحليلات عميقة للخبراء المختصين. وتتصدى للأسئلة الجوهرية المتعلقة بمسارات الصراع، واحتمالات تصعيده أو تهدئته، وتأثيره على السلام والاستقرار في المنطقة والعالم. ويريد هذا التناول التحليلي الذهاب أبعد من توثيق الأحداث الراهنة نحو تقديم أدوات فكرية واستراتيجية لفهم كيفية تطور هذا الصراع الذي لا يمكن اعتباره مجرد مواجهة بين قوتين بقدر ما هو ساحة من ساحات الصراع الأوسع من أجل المصير الإقليمي والدولي.
اضافة اعلان
دانيال فالكوني* - (كاونتربنش) 1/7/2025
في هذا الحوار الأخير والموسع حول الضربات الأميركية على المواقع النووية الإيرانية، تستضيف مجلة "كاونتربنش" ثلاثة من أبرز المحللين: أستاذ العلاقات الدولية ستيفن زونس (1)، والمؤرخ المتخصص في الشرق الأوسط لورانس ديفيدسون (1)، والخبير القانوني والمقرر الأممي السابق ريتشارد فولك (3)، لتوضيح ديناميات السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، مع تركيز خاص على اتجاهات إدارة دونالد ترامب.
تتناول هذه المحادثة موضوعات عدة: استمرارية الإمبريالية الأميركية؛ الاستخدام الاستراتيجي لإسرائيل كوكيل؛ تراجع المساءلة الديمقراطية وتآكل القانون الدولي؛ التحديات التي تواجه المجتمع المدني؛ والحاجة إلى بناء أطر أخلاقية أكثر إنصافًا لتقييم السياسات الخارجية. وأخيرًا، يركّز هذا الحوار على الضربات الأخيرة المشتركة التي وجهتها الولايات المتحدة وإسرائيل لإيران، وأهدافها الفردية والجماعية.
* * *
الجزء الأول: السياسة الأميركية تجاه إيران والشرق الأوسط
- دانيال فالكوني: هل يمكنكم أن تشرحوا لنا كيف واصلت إدارة ترامب، والسياسة الخارجية الأميركية عمومًا تجاه الشرق الأوسط وإيران، نهجها الاستعماري في توزيع القوة الصلبة والناعمة في المنطقة؟ وكيف قد يبدو التصعيد؟
*لورانس ديفيدسون: على الرغم من النزعة الانعزالية السائدة لدى جزء من مؤيدي ترامب، فإن الفرضية السائدة في أوساط معظم "الطبقة الاقتصادية الحاكمة" ما تزال ترى أن على الولايات المتحدة أن تفرض سيطرتها على الأسواق والموارد. ولذلك، لا يوجد سبب يدعو إلى توقع تراجع كبير في مغامراتها الخارجية (على الرغم من أن كيفية إعطاء الأولوية لهذه المغامرات في الداخل الأميركي هي مسألة مرتبطة بقوة اللوبيات).
في الواقع، لا يعدو تقليد ترامب المقزز لموسوليني وهتلر -من خلال مطالبته الأحادية بالسيادة على قناة بنما، وغرينلاند، بل وحتى كندا- كونه تجليًا عصريًا، وإن كان محرجًا، للكولنيالية الأميركيز.
ولدى ترامب، بطبيعة الحال، أسلوبه الخاص في هذا المجال؛ إنه يريد فرض السيطرة، وسيحاول القيام بذلك بالكثير من الصخب والتهديدات. وموقفه الأخير في محاضرته لإيران وإسرائيل مثال واضح على ذلك. مشكلة ترامب هي أنه لا يستطيع أن يظل متساوقًا وثابتًا على الموقف. وهو يعاني من قصر الانتباه، ويقع تحت التأثير المتواصل لضغط اللوبيات.
*ستيفن زونس: قصف إيران هو الامتداد المنطقي لاستراتيجية الأمن القومي الأميركية التي وُضعت في العام 2002، والتي نصّت بوضوح على أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع أي قوة إقليمية تتحدى هيمنتها في مناطق مهمة مثل الشرق الأوسط الغني بالنفط.
بعد الإطاحة بصدام حسين في الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، وسقوط الأسد في سورية على يد شعبه نفسه في العام الماضي، أصبحت إيران الدولة الوحيدة التي يمكن تمييزها والتي ما تزال تقاوم السيطرة الأميركية الفعالة على المنطقة بأكملها.
عندما نتأمل الهوس الذي ميّز صانعي السياسة الأميركيين تجاه كوبا على مدى 65 عامًا، ونحو نيكاراغوا وتشيلي في العقود الماضية بسبب مقاومتهم للهيمنة الأميركية، لن يكون مفاجئًا أن تصبح دولة كبيرة، ذات قوة نسبية، وغنية بالموارد مثل إيران، هدفًا محوريًا للضغوط الأميركية. وبالنظر إلى الطبيعة الرجعية والاستبدادية للنظام هناك، وعزلته الإقليمية، وعدم شعبيته في الداخل، أصبحت إيران بمثابة "العدو المثالي".
يجب أن نتذكر أن ترامب لم يكن في أي يوم مناهضًا للحروب؛ كان يعارض فقط الحروب التي يشنها الآخرون. لقد آمن دائمًا بالحرب كوسيلة لتعزيز الهيمنة الأميركية. ادعاءاته بمعاداة الحروب كانت زائفة، تمامًا مثل ادعاءاته بأنه سيواجه "وول ستريت" -كان يدرك أن هذه اللغة هي أفضل وسيلة لكسب دعم الطبقة العاملة البيضاء التي رأت كيف أن الصقور الديمقراطيين، مثل هيلاري كلينتون وجو بايدن، دعموا إرسال أبنائهم ليموتوا في صراعات الشرق الأوسط.
من المؤكد أن إسرائيل وحلفاءها مفيدون جدًا في تنفيذ هذه السياسة، لكنهم ليسوا مصدرها.
بالنظر إلى كارثة العراق، تم استخدام إسرائيل كوكيل بالطريقة نفسها التي استخدمت بها الولايات المتحدة الشاه في سبعينيات القرن الماضي -أي تعزيز المصالح الأميركية من خلال شن الحروب من دون التضحية بحياة الأميركيين.
في الحقيقة، تجعل هجمات إسرائيل على غزة ولبنان وسورية واليمن وإيران من تدخل الولايات المتحدة حدَثًا نادرًا، لا يحدث إلا في حالات استثنائية، مثل إيصال قنابل تزن 30 ألف رطل من ارتفاعات شاهقة.
الأمر كما قال المستشار الألماني فريدريش ميرتس: "إسرائيل تقوم بالأعمال القذرة نيابة عنا جميعًا" -وهي في الحقيقة عبارة مقلقة لأنها تستحضر كيف أن الطبقات الحاكمة في أوروبا خلال العصور الوسطى وأزمنة أخرى استخدمت بعض اليهود لأداء "الأعمال القذرة" (مثل جمع الضرائب، أو العمل كمقرضي أموال) ليكونوا في وقت لاحق كبش فداء بدلاً من السماح للجماهير باستهداف أصحاب السلطة الفعليين. إن استخدام إسرائيل لمهاجمة أعداء الغرب في الشرق الأوسط هو امتداد لهذا النمط. وقد بدأنا بالفعل نسمع بعض منتقدي الحرب يزعمون أن "الصهاينة" يجبرون الولايات المتحدة وأوروبا المترددتين على دعم حروب عدوانية، بدلاً من إدراك الدور الحقيقي لإسرائيل كوكيل للإمبريالية الغربية -ومن المرجّح أن تزداد هذه الأصوات إذا انجرّت الولايات المتحدة إلى صراع عسكري طويل مع إيران.
لطالما أقرت واشنطن بدور إسرائيل كبديل لها. قال الرئيس بايدن: "لو لم تكن إسرائيل موجودة، لكان علينا اختراعها". ووصفها وزير الخارجية الأسبق، ألكسندر هيغ، بأنها "حاملة طائرات لا يمكن إغراقها".
لو كان الهدف ببساطة هو منع إيران من امتلاك سلاح نووي -وهو ما ركزت عليه إدارة أوباما- لما قام ترامب بتقويض "خطة العمل الشاملة المشتركة" JCPOA، (أو "الاتفاق النووي الإيراني"). بانسحابه من الاتفاق وإعادة فرض العقوبات، دفع ترامب إيران فعليًا إلى تخصيب اليورانيوم بدرجة قد تؤدي في نهاية المطاف إلى التسلّح النووي، وهو ما وفّر ذريعة للحرب. كان الهدف الحقيقي، إذن، هو إضعاف إيران قدر الإمكان، وكانت إسرائيل مستعدة تمامًا، لأسبابها الخاصة، للانخراط في هذا المسار. في الواقع، تجاوزت الضربات الجوية الإسرائيلية الأهداف المرتبطة ببرنامج إيران النووي، وساندتها واشنطن في ذلك.
كنتُ قد التقيت بوزير الخارجية الإيراني آنذاك، جواد ظريف، في طهران في العام 2019. وشرح لي كيف استغرق الأمر ما يقرب من عقد من التمهيد، وسنتين من المفاوضات المكثفة، لصياغة الاتفاق النووي الذي وقعت عليه سبع حكومات وصادقت عليه الأمم المتحدة. وأشار إلى أنه التقى وزير الخارجية الأميركي حينها، جون كيري، أكثر من 50 مرة لمراجعة المسودة بندًا بندًا. كان الاعتقاد بأن ترامب قادر على فرض اتفاق أكثر تقييدًا بمجرد المطالبة به ساذجًا في أحسن الأحوال، وكان على الأرجح مجرد ذريعة لخوض الحرب.
في الواقع، كانت المحادثات النووية قد استؤنفت وكانت جارية فعليًا عندما بدأت الحرب الأميركية-الإسرائيلية ضد إيران. ويبدو أن أيًا من الولايات المتحدة وإسرائيل لم تكن راغبة في نجاح المفاوضات.
بذلك، لم يكن القصف الأميركي لإيران في جوهره متعلقًا بالسياسة النووية أو بإسرائيل. كان يدور حول الهيمنة. وكان قرار إيران بالرد المحدود مصدر ارتياح كبيرا. فعلى الرغم من أن إسرائيل ألحقت أضرارًا بقدرات إيران الهجومية، إلا أن الإيرانيين احتفظوا بما يكفي من الأسلحة لإلحاق ضرر كبير بالمصالح الأميركية. هناك نحو 40.000 جندي أميركي يعسكرون على بُعد بضع مئات من الأميال من إيران، ضمن مدى صواريخها، وطائراتها المسيّرة، وسلاحها التقليدي. ويمكن للميليشيات الموالية لإيران أن تستهدف القواعد الأميركية.
كما أن البحرية الأميركية متمركزة قبالة السواحل الإيرانية، مما جعلها معرضة للاستهداف أيضًا. وكان بإمكان إيران محاولة إغلاق مضيق هرمز، وهو ما كان سيشلّ إمدادات النفط العالمية ويهدد الاقتصاد العالمي. وفي المقابل، هدّد ترامب صراحةً بأنه سيطلق العنان لـ"مأساة لإيران أكبر بكثير مما شهدناه خلال الأيام الثمانية الماضية" إذا ما ردّت إيران.
*ريتشارد فولك: لكي نفهم خطورة الوضع الراهن، أبدأ بالإشارة إلى استجابة السياسة الخارجية الأميركية لـ"عملية السويس" التي كانت قد شنّتها إسرائيل والمملكة المتحدة وفرنسا خلال رئاسة آيزنهاور في العام 1956. كانت هذه المناسبة هي الأولى والأخيرة والوحيدة التي اتخذت فيها الحكومة الأميركية موقفًا نأت فيه بنفسها عن مبادرة استعمارية في الشرق الأوسط أو أي مكان آخر. وكانت المناسبة هي التحدي الوحيد في السياسة الخارجية الذي أعطت فيه الولايات المتحدة الأولوية لالتزامها القانوني بميثاق الأمم المتحدة، حتى حين تعارضت هذه الالتزامات مع اصطفافاتها الجيوسياسية، سواء مع شركائها في حلف (الناتو) أو مع إسرائيل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية -وما تزال كذلك بعد مرور خمسين عامًا.
وكان ذلك الموقف مثيرًا للإعجاب بشكل خاص في ذلك الوقت، لأن مصر بقيادة ناصر كانت معادية للغرب، وناقدة شرسة لقيام دولة إسرائيل على حساب فلسطين، وفوق ذلك كانت على علاقة ودية مع الاتحاد السوفياتي في وقت كانت فيه التوترات بين الشرق والغرب تتصاعد خلال الحرب الباردة.
على السطح، كانت استجابة الولايات المتحدة لعملية السويس ومطالبتها بالانسحاب من الأراضي المصرية متسقة مع قيادتها للأمم المتحدة بعد أن قامت كوريا الشمالية بمهاجمة كوريا الجنوبية، أو على الأقل بدت كذلك في بداية الحرب الكورية، حيث حصل الدفاع عن كوريا الجنوبية على تفويض قانوني من الأمم المتحدة، بما في ذلك من مجلس الأمن. وكان ذلك ممكنًا فقط لأن الاتحاد السوفياتي كان يقاطع الأمم المتحدة في ذلك الحين، احتجاجًا على رفض المجلس الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية كممثل شرعي للصين، وبالتالي لم يتمكن من استخدام حق النقض (الفيتو) لمنع دعم الأمم المتحدة لكوريا الجنوبية. وقد تعلّم الاتحاد السوفياتي الدرس، فعاد إلى مجلس الأمن، ولم يقاطع المنظمة مجددًا.
مع ذلك، تظل سابقة الحرب الكورية مختلفة تمامًا، حيث تميل الولايات المتحدة إلى تبني نهج قانوني فقط عندما ينتهك خصومها مبادئ ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة باستخدام القوة الدولية، ولا تفعل ذلك في أي وقت آخر. كانت كوريا الشمالية دولة شيوعية متشددة، ولهذا كانت تعد خصمًا، ومن هنا جاءت المناشدات الغربية للأمم المتحدة، مثل رد الفعل الفوري للولايات المتحدة على الهجوم الروسي على أوكرانيا في العام 2022. في كل من الحربين الكورية والأوكرانية، جاء اللجوء إلى القوة نتيجة استفزاز من حكومات موالية للغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إلا أن ذلك جرى التستر عليه من قبل وسائل الإعلام الدولية المؤثرة.
من اللافت أن "الدولة العميقة"، وتجلياتها الظاهرة مثل "مجلس العلاقات الخارجية" ومراكز الفكر في واشنطن، كانت قد قد انتقدت رد الفعل الأميركي في العام 1956 لأنه التزم -خطأً- بالقانون الدولي على حساب إضعاف علاقاتها مع حلفائها، وهو ما فُسّر بأنه إضعاف للمصالح الاستراتيجية القومية المرتبطة بقضية محورية: معارضة الاتحاد السوفييتي بلا شروط، وكل امتداد مباشر أو غير مباشر لنفوذه خارج حدوده الجيوسياسية.
سادت هذه القراءة التحليلية بأثر رجعي لصناعة القرار الأميركي، ولم تعد الحكومة الأميركية بعد ذلك تضحي بمصالحها الاستراتيجية احترامًا للقانون الدولي أو للأمم المتحدة، لا في الشرق الأوسط ولا في أي مكان آخر في العالم.
في المراحل الأولى لقيام إسرائيل، كان الأمر يتطلب موازنة العلاقات مع هذا الكيان بوصفه حالة استيطانية استعمارية استثنائية تتعارض مع الاتجاه العالمي نحو إنهاء الاستعمار، مقابل أولوية براغماتية تمثلت في ضمان وصول الغرب إلى نفط الخليج بأسعار مستقرة. وقد استدعى ذلك بذل أقصى الجهود لتقليص النفوذ السوفياتي، حتى لو كان ذلك على حساب التسبب في نشوب حروب كبرى، وكذلك بذل محاولة قصوى لتفادي استفزاز المواقف المناهضة لإسرائيل لدى الحكومات العربية طوال ما تبقى من القرن العشرين.
قبل أزمة السويس بزمن طويل، كان الاختراق الاستعماري للمنطقة قد بدأ في شكل استشراقي مقنّع، تمثل في "وعد بلفور" الذي صدر في العام 1917، وتعهد فيه وزير الخارجية البريطاني بدعم إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، من دون حتى أدنى تظاهر بالتشاور مع السكان العرب الأصليين لفلسطين ما بعد العهد العثماني.
كان وعد بلفور تعبيرًا عن غطرسة استعمارية فجة، هدفت إلى حل مشكلات أوروبا المرتبطة بمعاداة السامية على حساب حق الفلسطينيين في تقرير المصير، من دون أدنى اعتبار للطموحات الصهيونية الكبرى التي تجاوزت بكثير مجرد إنشاء "وطن غير حاكم" داخل دولة ذات سيادة أجنبية، حتى في تلك المرحلة المبكرة.
شملت الدوافع البريطانية تطبيقًا نموذجيًا لاستراتيجية "فرّق تسد" في الحكم الاستعماري، من خلال تشجيع الهجرة اليهودية بوصفها وسيلة لاحتواء تصاعد القومية الفلسطينية. إلا أن هذه الخطة ارتدت على البريطانيين، حيث ازدهرت النزعة الوطنية المناهضة للاستعمار، وانتقل المشروع الصهيوني من الامتنان لوعد بلفور إلى اعتماد الكفاح المسلح ضد الإدارة البريطانية في فلسطين.
كان إرث هذه الأشكال المختلفة من السياسة الاستعمارية هو فرض سلسلة متواصلة من الحروب على حياة الشرق الأوسط بعد العام 1945، وتوترات مطولة عززت الحكم الاستبدادي الإسرائيلي المعتمد على الولايات المتحدة -والأسوأ من كل ذلك، تجسيد الهيمنة الصهيونية على الدولة الإسرائيلية، والتي تضمنت الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان والتطهير العرقي، وبلغت ذروتها في الفصل العنصري والإبادة الجماعية، وإنشاء دولة استعمارية استيطانية متطورة وقاسية لا ترحم جعلت الفلسطينيين غرباء مضطهدين في وطنهم، وضحايا لمزيج قاتل من الفصل العنصري والإبادة الجماعية.
جرى اختبار هذه الموازنة بين المصالح الاستراتيجية، وأُعيد التأكيد عليها في سياق حرب العام 1967، حين فقدت إسرائيل هويتها كعبء استراتيجي ينبغي حمايته لأسباب سياسية، وأصبحت شريكًا عالي القيمة لضمان سيطرة الغرب على المنطقة، على الرغم من الاستقلال الشكلي الذي حققته الحركات القومية العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما في ذلك الدول المغاربية.
ومنذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا، لم تعترض الولايات المتحدة على استخدام إسرائيل للقوة في المنطقة، بما في ذلك انتهاكاتها الفاضحة لاتفاقيات جنيف في إدارتها للأراضي الفلسطينية: القدس الشرقية، والضفة الغربية، وغزة، والتي احتلتها بالقوة خلال حرب العام 1967.
بطبيعة الحال، جرت محاولة ساذجة لإيجاد حل للنزاع الفلسطيني/ الإسرائيلي على أساس الإطار الذي وضعه قرار مجلس الأمن 242، الذي تم اعتماده بعد انتهاء الحرب مباشرة، وتوقعت -خطأً- انسحابًا إسرائيليًا مبكرًا من تلك الأراضي الفلسطينية بعد إجراء تعديلات طفيفة على الحدود. وكما نعلم اليوم، بعد أكثر من نصف قرن، لم يحدث هذا الانسحاب مطلقًا، ومن المرجّح أنه لم يكن ضمن حسابات القيادة الصهيونية التي كانت تسيطر على تل أبيب من الأساس.
وهكذا، تسير الطبيعة غير المكتملة للأجندة التوسعية الإسرائيلية، جنبًا إلى جنب ويدًا بيد، مع الطابع الإمبريالي للنهج الأميركي تجاه الشرق الأوسط.
كانت النتيجة تطبيعًا تدريجيًا لهذه الوقائع، أفضى إلى توافق بين الحزبين الأميركيين لا يقل صلابة عن التوافق المناهض للشيوعية خلال الحرب الباردة. في الواقع، أصبحت الولايات المتحدة البديل عن المملكة المتحدة وفرنسا في إدارة المصالح السياسية والاقتصادية الغربية في الشرق الأوسط، وهي سياسات أصبحت متناقضة باطراد مع دعم القانون الدولي، وتوجهات الأغلبية في الأمم المتحدة، والروح الأساسية لإنهاء الاستعمار وتحقيق تقرير المصير الوطني.
أصبح الاعتماد المتزايد لحكومات دول الخليج العربية على استقرار العلاقات مع الولايات المتحدة واضحا في أعقاب حرب العام 1973، حين أدى الحظر المؤقت على بيع النفط للغرب إلى تكون طوابير طويلة أمام محطات الوقود الأميركية، وإلى سيناريوهات رد فعل تضمنت تصوّرات لتدخل أميركي مسلح، تم تجسيده على غلاف إحدى المجلات الأميركية الكبرى بصورة لجنود أميركيين وهم يهبطون بالمظلات في أجواء الخليج للسيطرة على إنتاج وتوزيع النفط والغاز لصالح الغرب.
بعد ذلك، توصلت الحكومات العربية الكبرى والولايات المتحدة، بل وحتى إسرائيل، إلى نوع من التفاهم غير الرسمي، اعترفت فيه بحق الفلسطينيين في إقامة دولة، لكنها في الوقت نفسه تغاضت عن سياسات الاستيطان الاحتلالي الإسرائيلي، التي تهدف إلى جعل قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة أمرًا مستحيلًا. وقد رفضت الحركات السياسية الفلسطينية هذا التوجه باعتباره "دبلوماسية فتات"، أو نسخة جديدة من نموذج البانتوستانات في جنوب أفريقيا.
*دانيال فالكوني Daniel Falcone: مؤرخ متخصص في ثورات العام 1848 واللاجئين السياسيين الذين سعوا للجوء في مدينة نيويورك. يركز عمله الأكاديمي على تأثير جوزيبي غاريبالدي في تاريخ نيويورك المحلي، وعلى سياسات الذاكرة في القرنين التاسع عشر والعشرين. إلى جانب أبحاثه، يعمل فالكوني مدرسًا وصحفيًا، ظهرت أعماله في الكثير من المنشورات. تُعنى مقالاته وحواراته الصحفية مع مثقفين عموميين بتقاطع التاريخ مع القضايا الجيوسياسية الراهنة.
(1) لورنس ديفيدسون Lawrence Davidson: مؤرخ أميركي وأستاذ فخري في التاريخ بجامعة ويست تشيستر في بنسلفانيا. تخصّص في تاريخ الشرق الأوسط والسياسة الخارجية الأميركية، وله العديد من الكتب والمقالات حول العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، كما تناول بشكل نقدي التأثير الصهيوني على السياسات الأميركية. من أبرز مؤلفاته كتاب "السياسة الخارجية الأميركية نحو الشرق الأوسط"؛ و"الثقافة والمقاومة: من الاحتلال إلى التحرير". يشتهر بتحليلاته الجذرية التي تسلط الضوء على الاستمرارية الإمبريالية في السياسة الأميركية.
(2) ستيفن زونس Stephen Zunes: أستاذ الدراسات الدولية بجامعة سان فرانسيسكو وخبير بارز في قضايا السياسة الخارجية الأميركية، والشرق الأوسط، واللاعنف الإستراتيجي. وهو من الأصوات التقدمية البارزة في تحليل السياسات الأميركية. كتب بشكل موسع حول الصراع العربي الإسرائيلي، والاحتلال الأميركي للعراق، ودور الحركات الاجتماعية في التغيير السياسي. نشر العديد من المقالات والدراسات في منصات أكاديمية وصحفية، ويعمل كمستشار ومُعلّق في مؤسسات بحثية تعنى بحقوق الإنسان والعدالة الدولية.
(3) ريتشارد فولك Richard Falk: أستاذ فخري في القانون الدولي بجامعة برينستون. عُرف عالميًا بصفته مفكرًا قانونيًا وناشطًا في مجال حقوق الإنسان. شغل منصب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة من العام 2008 إلى العام 2014، وألف كتبًا ومقالات واسعة التأثير عن القانون الدولي، والاستعمار، والعدالة العالمية. يُعد من أبرز المنظّرين لمفهوم "الشرعية الأخلاقية" في العلاقات الدولية، وداعمًا قويًا للقضية الفلسطينية، وقد أثارت آراؤه الكثير من الجدل في الأوساط الدبلوماسية الغربية.
*نشرت هذه الحوارات تحت عنوان: Updates on the Iran-Israel War: Conversations with Leading Analysts
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رؤيا نيوز
منذ 36 دقائق
- رؤيا نيوز
دراسة حبس المدين
ما أثر إلغاء حبس المدين العاجز عن الوفاء بالتزاماته التعاقدية على النظام المالي والائتماني في الأردن؟ وهل ساهم هذا الإلغاء في تعزيز الحماية الاجتماعية للمدينين المعسرين أم تسبب في اختلال العلاقة التعاقدية بين الدائن والمدين؟ وهل أصبح الدائن بلا وسيلة فعالة لتحصيل حقه؟ وهل تراجعت شهية البنوك للإقراض؟ وما مصير فعالية أدوات التحصيل التقليدية؟ وهل التجربة الأردنية تتوافق مع التجارب الدولية أم تختلف عنها من حيث الجاهزية والبنية التشريعية؟ في ضوء هذه التساؤلات، أعدت جمعية البنوك الورقة التحليلية لتسليط الضوء على الآثار المحتملة للتعديلات الأخيرة على قانون التنفيذ الأردني رقم (9) لسنة 2022، والتي تضمنت إلغاء حبس المدين للمدين العاجز عن الوفاء بالتزاماته التعاقدية، واستعرضت من خلالها تجارب الدول العربية والأجنبية التي طبقت بدائل لحبس المدين. وقد أشارت الورقة إلى عدة تحديات يفرضها إلغاء حبس المدين دون توفير بدائل تنفيذية فعالة، أهمها: ارتفاع محتمل لمعدلات التعثر وضعف الانضباط المالي، واختلال التوازن في العلاقة بين الدائن والمدين، وتراجع شهية البنوك للإقراض، وضعف فعالية أدوات التحصيل التقليدية، وتهديد محتمل للاستقرار المالي والائتماني، وازدياد الضغط على الجهاز القضائي نتيجة ارتفاع النزاعات. فهل كان إلغاء الحبس بحد ذاته خطأ؟ أم أن المشكلة كانت في توقيت الإلغاء دون توفير منظومة بدائل متكاملة كما فعلت دول أخرى؟ وقد توصلت الورقة إلى أن المشكلة لا تكمن في إلغاء حبس المدين بل في غياب منظومة بدائل فعالة في الأردن وغياب التمييز بين المدين المعسر والمماطل في الإطار القانوني الأردني، وضعف أدوات الردع غير السالبة للحرية مثل المنع من السفر وتقييد الخدمات والحجز الإلكتروني، إضافة لعدم وجود إطار قانوني للتسوية وجدولة الديون للفرد المعسر كما في الدول الأخرى، فهل يُعقل أن يُعامل المماطل والمتعسر بنفس الطريقة؟ وهل يمكن تحميل القضاء عبء التعامل مع كل هذه الحالات دون أدوات تنفيذية؟ وفي ضوء تطبيق التعديلات الجديدة خاصة المادة (22) التي تمنع حبس المدين في حال العجز عن الوفاء بالالتزامات التعاقدية، تبرز مجموعة من التحديات الجوهرية التي قد تواجه المنظومة المالية والمصرفية في الأردن، فهل أدّى ذلك فعلاً إلى تراجع أدوات الضغط القانونية على المدين غير الملتزم؟ من المتوقع أن تؤدي إزالة أداة الحبس من منظومة التحصيل إلى تراجع الالتزام بالسداد من قبل بعض المقترضين، وخاصة أولئك الذين كانوا يعتمدون على التهديد القانوني بالحبس كعنصر رادع. أما فيما يتعلق بالبنوك، فهل تأثرت فعلاً شهية الإقراض؟ قد تؤثر التعديلات الحالية سلباً على توجهات البنوك نحو التوسع في منح التسهيلات الائتمانية، لا سيما للمقترضين الأفراد أو المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر الذين لا يمكن تأمين قروضهم بضمانات كافية، ففي ظل انعدام أدوات التحصيل الفعالة، تزداد درجة المخاطرة المرتبطة بالإقراض، مما يدفع البنوك والمؤسسات المالية إلى تشديد شروط التمويل أو تقليص حجم الائتمان الممنوح. هل البدائل الحالية للتحصيل كافية؟ الحلول البديلة المتاحة حالياً لتحصيل الديون – مثل الحجز على الأموال أو الأصول – تتطلب إجراءات قانونية معقدة ومكلفة، وغالباً ما تكون محدودة الجدوى في حال عدم وجود ممتلكات مسجلة باسم المدين، وبالتالي، فإن فعالية النظام التنفيذي بأكمله تتراجع، مما يُضعف الثقة لدى الدائنين ويُعزز ظاهرة الإفلات من المسؤولية المالية. وخلصت الورقة إلى مجموعة من التوصيات التشريعية والتنظيمية والإجرائية، منها إعادة إدراج الحبس كأداة استثنائية في حالات 'الامتناع المتعمد' عن السداد، وإدخال بدائل مثل المنع من السفر والحجز الإلكتروني، وإعداد قانون للإعسار المدني للأفراد، وإنشاء سجل ائتماني سلبي للمتعثرين، وربط محاكم التنفيذ إلكترونياً بالبنوك والجهات الحكومية، ووضع خطة وطنية متكاملة لتفعيل البدائل بمشاركة جميع الجهات ذات العلاقة مع التدرج في التطبيق لتفادي الأثر السلبي المفاجئ. المطلوب اليوم ليس التراجع عن الإلغاء، بل استكماله بمنظومة متكاملة تحفظ التوازن وتعيد الثقة إلى العلاقة التعاقدية والاقتصادية في الدولة.


رؤيا نيوز
منذ ساعة واحدة
- رؤيا نيوز
حالة 'طوارىء سياسية' لترتيب البيت الداخلي
بهدوءٍ، وقليلٍ من الكلام، بدأت الدولة الأردنية إعادة ترتيب البيت الداخلي، كل ما جرى منذ بداية هذا العام، على الأقل، كان يصب في هذا الاتجاه، صحيح، الخطاب العام الرسمي ظل يدور في فلك التحديث ومنظوماته الثلاثة، ويعزز قرار الاستدارة للداخل، وينسحب من التصعيد في قضايا خارجية، لكن الصحيح، أيضاً، «القلق» من الاستحقاقات التي تمخضت عن الحرب على غزة وما بعدها ظل بمثابة «الدينامو» الذي حرك عجلة السياسة، ثمة مخاطر قادمة بلا شك، الاستعداد لمواجهتها واجب وطني، والخيار هو «لمّ الشمل» الوطني على وعي محدد، عنوانه حماية المصالح العليا للدولة، والأردن فوق كل اعتبار. لا أدري إذا كانت الرسالة وصلت للمجتمع أم لا، لا أدري، أيضاً، إذا كانت اللحظة التاريخية التي تمر بها المنطقة، وبلدنا تحديداً، تستدعي مكاشفات أوضح وأعمق، وكذلك استنفاراً عاما تقوده قوة وطنية موثوقة تتحدث باسم الدولة، وتشكل الروافع لمقرراتها وخياراتها، لا أدري، ثالثاً، إذا كانت عملية «الترتيب» التي جرت، سواء على صعيد النقابات والبلديات، المجال السياسي والاقتصادي، الثقافي والديني والاجتماعي، قد اكتملت، أو أنها جاءت ناضجة بما يكفي لإقناع الأردنيين، ما أعرفه، تماماً، إدارات الدولة تعمل بانسجام وتوافق، وثمة إجماع على التعامل مع القادم واستحقاقاته بمنطق إعلان صامت لحالة الطوارئ السياسية. لكي نفهم أكثر، المنطقة أمام مرحلة تشبه، تماماً، ما حدث قبل نحو 109 أعوام، وثيقة سايكس بيكو التي تضمنت 12 بنداً يُعاد إنتاجها هذا الأسبوع في واشنطن، لكن بصورة أخرى، قمة «ترامب? ياهو»? ستكون بمثابة إعلان عن بداية تنفيذ مشروع «الشرق الاوسط الجديد»، حيث تقسيم مناطق النفوذ، وتغيير الخرائط السياسية، وإجراء الصفقات التجارية، السؤال: أين يقع بلدنا من هذا المخطط، وكيف يمكن أن يتعامل معه، هل المطلوب أن يواجهه أم يتكيف معه، ما الأثمان السياسية التي تترتب على ذلك؟ أكيد، هذه الأسئلة تبدو صعبة، والإجابات عنها ربما أصعب، لكن إذا توافقنا على أن القضية الفلسطينية هي الثابت والمتغير (معاً) وأنها تشكل محور الصراع وتداعياته واستحقاقاته، فإن اعادة ترسيم مواقفنا من هذه القضية يساعدنا في الإجابة عن أسئلة القادم، ثمة ثوابت نتوافق عليها حول هذه القضية : مصالحنا الوطنية العليا، دعم صمود أهلنا هناك، رفض حل القضية الفلسطينية على حساب بلدنا، قرار الفلسطينيين بيدهم، نحن جزء من الأمة العربية والإسلامية ونعمل في إطارها، ولا نتحمل وحدنا مسؤولية ما حدث أو ما سيحدث، هذه العناوين وغيرها تحتاج إلى حوار وطني أوسع لكي نخرج بمعادلة أردنية واضحة، تُرسّم علاقتنا بالقضية الفلسطينية خلال المرحلة القادمة. بصراحة أكثر، القضية الفلسطينية تواجه خطراً وجودياً، انتهت على ما يبدو كل المقاربات التي طُرحت فيما مضى للحل أو للتسويات والسلام، إسرائيل تريد فلسطين بأقل ما يمكن من فلسطينيين، ومشاريع التهجير جاهزة على ما يبدو، والدول المستقبلة أصبحت معروفة، وكذلك مشاريع التطبيع، الأردن يقف وحيداً في مواجهة هذا المخطط الكبير، ولا يستطيع، وحده، أن يتصدى له، المطلوب أن نفكر، كأردنيين، بمنطق عاقل وهادئ لكي نخرج من هذه المرحلة بأقل الخسائر، والأهم أن ننتزع لنا دوراً يضمن الحفاظ على بلدنا، ويجنبه الانخراط في أي مغامرة.


رؤيا نيوز
منذ ساعة واحدة
- رؤيا نيوز
قصة الاخوان.. وفرامة الاوراق
على ما يبدو سنرى اقبالا على شراء 'اكياس القمامة السوداء'من قبل بعض ممن يتخفون وراء القانون، وهم على ما يبدو يخفون في صدورهم تبعية عمياء لجماعة الاخوان المحظورة،وللاسف يتسترون بالقمامة لاخفاء اسرارهم المشبوهة، وتورطهم بالانتماء لهم وبقضايهم، فلماذا ينشغلون بالتنظيف الان؟. في النهار يمثلون علينا، ويدعون انهم لا ينتمون للجماعة المحظورة ولا علاقة لهم بهم، و بالليل يديرون ملفات الجماعة المشبوهة،ويتولون مهمة اتلاف ما يثبت تروطهم وخبثهم ومخططاتهم الخبيثة، متستسرين وراء حجج جمع القمامة و'فرم الاوراق' بمقرات يدعون انها لهم، غير انها في الحقيقة غير 'مسجلة قانونيا'. الرهان على صبر الدولة، من قبل هؤلاء 'المتسترين'بالقانون لن يطول اذا ما استمروا بتصرفاتهم المشبوهة الغير مقبولة على الاطلاق، فهم يدعون 'الطهر والحكمة' في 'وضح النهار'، وفي 'ظلم الليل' خبثا ومكيدة وكذبا، وكيف لا وهم من استغلوا احداث غزة ودمائها وشهدائها في تضليل العامة والتستر خلفها لتنفيذ كل ما يخططون له ضد وطن احتضنهم، بينما في دول اخرى ىسجلوا. هؤلاء هم 'صبية جماعة الاخوان المحظورة' و(واجهتهم الكريما) التي يخفون وراءها خبثهم ويجندوهم لغاية التواصل، وتحت غطاء القانون واحزاب وعمليات توزيع الرز والسكر والزيوت، وهم حاليا يديرون حملة 'وهم ممنهجة'، واكاذيب مغلفة بالسذاجة والجهل والغباء، فيكذبون حتى بالصور، فيدعون انهم اعتقلوا جميعا، بينما هم في صورة التقطوها لتسجيل واثبات الحضور أمام الشيطان الاكبر. للاسف هؤلاء الصبية ومن يديرهم يظنون أن موقف الدولة من الجماعة المحظورة ظرفي ومرهون باحداث معينة،الا انهم واهمون وسذج، فقرار حظرها ليس لحظة انفعال، بل خيار استراتيجي لا رجعة فيه، وهذا يعني بان اعتمادهم على 'صبر الدولة' الذي يراهنون عليه لن يطول كثيرا ولن يطهر سجلهم،ولن يغسل خطيئتهم، حتى يثبتوا العكس. كذب ودجل'هؤلاء الصبية'على ما يبدو انه لن ينتهي، والا كيف لهم ان يبرروا ان مقر يدار في الظل،ووثائق تفرم فجأة، وأدلة تمحى في لحظة انكشاف، ثم يصرخون بان'هذا مقر لهم'وبعد ذلك نكتشف أنه غير مسجل رسميا، ولا يوجد ما يثبت أنه معتمد لهم، فاي انفصام وكذب هذا؟. خلاصة القول، ما يحدث الان ليس صراع روايات، بل لحظة فرز ضرورية، فاكياس القمامة لا تخفي رائحة التواطؤ، والفرم لا يمحو الحقيقة، و'الأكياس السوداء' مهما كانت سميكة، لا تستطيع حجب نور الدولة التي قررت أن زمن المواربة قد انتهى الى غير رجعة، وما على هؤلاء الصبية، الا ان يعودا لـ'رشدهم' فما عاد الصبر يطيقهم.