
السودان.. ماذا وراء إعادة هيكلة تحالف "تأسيس" برئاسة "حميدتي"؟
وبحسب الهيكلة الجديدة للتحالف، ذهب منصب النائب إلى رئيس "الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال" عبد العزيز الحلو، فيما أضحى القيادي في حزب الأمة القومي مكين حامد تيراب مقرراً لقيادة "تأسيس"، والطبيب علاء الدين نُقُد، وهو متحدث سابق باسم "تقدّم"، ناطقاً رسمياً.
وفي وقت نال الرجلان القويان في "تأسيس"، دقلو والحلو، أرفع المناصب في قيادة التحالف، إلا أن بعض التقارير تحدثت عن ضغوط غربية قد تقطع الطريق عليهما، وذلك في إطار مساعي أميركية وأممية باتجاه مقاربة سياسية لإنهاء الحرب في السودان.
ولم يصدر تعليق فوري من السلطات السودانية على إعلان هيئة قيادية لـ"تأسيس".
وفي مطلع مارس الماضي، أزاح هذا التحالف خلال اجتماع في العاصمة الكينية نيروبي، الستار عن دستور جديد، يتضمن مبادئ فوق دستورية، وينص على علمانية الدولة، بضغط من جانب "الحركة الشعبية- شمال، التي انضمت للتحالف إلى جانب "قوات الدعم السريع"، إلى جانب حركتين مسلحتين يقودهما عضوا مجلس السيادة السابقين الهادي إدريس والطاهر حجر، فضلاً عن عضو مجلس السيادة السابق محمد حسن التعايشي، ووزير العدل السابق نصر الدين عبد الباري، ورئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر، والقيادي في الحزب الاتحادي "الأصل" إبراهيم الميرغني، وقوى سياسية ومدنية أخرى، في خطوة رآها مراقبون مؤشراً مبكراً لنوايا "انفصالية"، غير أن قادة التحالف نفوا بشدة هذه الاتهامات.
كما نصّ الدستور على فترة تأسيسية تمتد لـ10 أعوام، تسبقها مرحلة انتقالية، وتشمل تشكيل جيش وطني بمعايير جديدة، وتقسيم السودان لـ8 أقاليم، على أن تكون مستويات الحكم 3، على رأسها مجلس رئاسي.
سودان "ديمقراطي علماني"
وقال الناطق باسم الهيئة القيادية لـ"تأسيس" علاء نقد، في خطاب، إن "شعوب السودان ظلت ترزح تحت نير حروب متواصلة منذ ميلاد الدولة السودانية الحديثة عام 1821، لكنها لم تستوفِ شروط البناء الوطني الحقيقي للدولة، إذ جمعت بين مكوِّنات متفاوتة تاريخياً ومتباينة ثقافياً دون مشروع وطني متوافق عليه بين هذه المكونات".
ورأى نقد أن الجهود التي بذلتها قوى سياسية ومدنية، خلال الأشهر الماضية، أثمرت عن تشكيل تحالف "تأسيس" وتوقيع ميثاق السودان التأسيسي والدستور الانتقالي، "مجسّدتين بذلك ولأول مرة في تاريخ السودان رؤية واضحة لبناء سودان جديد، علماني، ديمقراطي، لا مركزي، وموحّد طوعياً، وقائم على قيم الحرية والعدالة والمساواة".
بدوره، أكد رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال، عبد العزيز الحلو، في خطاب، أن الدولة السّودانية منذ خروج المُستعمر في 1956، "تُعاني من أزمات جذرية متعددة، بدءاً بالتركيبة الاجتماعية المشوهة للمجتمع، ومُخلفات عهد العبودية التي قسَّمت الشعوب السُّودانية ووضعت مُكوِّنات اجتماعية وثقافية مُحدَّدة في أدنى السلم الاجتماعي، ومارست الدَّولة ضدها العنصرية المزدوجة على أساس العرق والدين، كما قامت بإقصائِها وتهميشها، ووضعت أمامها موانِع أبعدتها عن السلطة والثروة".
وشدد الحلو على رؤية حركته في بناء ما وصفه بـ"سودان علماني، يتبنى هوية سودانوية"، وقال إن "(تأسيس) تحالف استراتيجي يُعيد السودان إلى منصة التأسيس، لتفكيك الدولة القديمة وإعادة بنائها على أسُس جديدة".
وتعهّد بأن يعمل تحالف "تأسيس"، بعد طي صفحة الحرب، على استعادة الأمن والسلم وتفكيك "جيوش النظام البائد والكتائب الإرهابية"، وبناء جيش جديد مهني يحمي المواطنين وحدود البلاد، ويلتزم بالدستور والمبادئ فوق الدستورية.
"اتجاه لتفتيت السودان"
في المقابل، حذّر محمد زكريا الناطق باسم "الكتلة الديمقراطية" و"حركة العدل والمساواة"، القريبتين من الجيش، والشريكتين في الحكومة السودانية، من خطوة "تأسيس"، بوصفها "تعمّق اتجاهات تفتيت وحدة السودان، خاصة وأن التحالف يحاول تشكيل هياكل حكومة موازية، ساعياً لفرض واقع جديد يقوم على حكومتين في دولة واحدة، وهذا يتعارض مع وحدة السودان ووجود حكومة شرعية واحدة".
وقال زكريا لـ"الشرق"، إن "هذا الاتجاه لا يخدم مساعي الوصول لحلول استناداً للاتفاقات الأمنية الموقعة في منبر جدة، مشيراً إلى أن الوضع الجديد سيخلق تعقيداً مجتمعياً أكبر، ويزيد من حدة الانقسام وإرباك المشهد الدولي ذي الصلة بالملف، بإضافة عقدة جديدة للعقد الأمنية والعسكرية والسياسية القائمة بالأساس".
ولفت إلى أن الشرعية التي تتمتع بها الحكومة السودانية "تُخفف من مثل هذه الخطوات"، علاوة على الضغوط الدولية، ولا سيما من قبل واشنطن التي أكدت مراراً على وحدة السودان وشرعية هياكله السيادية والتنفيذية، على حد قوله.
"إضعاف حظوظ القوى المدنية"
بدوره، اعتبر وزير الإعلام السوداني الأسبق، فيصل محمد صالح أن خطوة "تأسيس" لا تنطوي على مفاجآت في الأسماء، ولهذا "لم يكن مستغرباً أن يكون حميدتي رئيساً والحلو نائباً له"، لافتاً إلى أن شخصية مثل الطبيب علاء نقد، كان من المدافعين عن "الدعم السريع" داخل تحالف "تقدم" المنحل، وكان مطلوباً تقديمه في هذا التحالف باعتباره "وجه مدني"، لأن الرئيس ونائبه ذوي خلفيتين عسكريتين.
وأضاف صالح لـ"الشرق"، أن "إعلان قيادة لـ(تأسيس) يساهم في زيادة الاحتقان، باعتبار أنها ربما خطوة باتجاه تشكيل حكومة في نيالا جنوب دارفور أو الفاشر شمالها، بينما يجري تشكيل حكومة أخرى في بورتسودان، ما يعني اتساعاً في رقعة التشظي والانقسام السياسي والمجتمعي الحاد مع مدلولاته الإثنية والجهوية".
وأضاف: "لن تساعد خطوة التحالف في تسهيل التفاوض لاحقاً، لأن معظم الأطراف الخارجية تُركز على مباحثات في المرحلة الأولى بين الجيش والدعم السريع لوقف إطلاق النار، وإن أصرت الدعم السريع على خوض المفاوضات بوفد يضم تحالف تأسيس، ستبدو المباحثات وكأنها لا تركز على الشق العسكري، فيما الكثير من الأطراف السياسية ترغب في استبعاد الدعم السريع والجيش من أية مناقشات هادفة لبلورة المستقبل السياسي في البلاد".
ورأى صالح أنه "بدخول الكتلة الديمقراطية والإسلاميين المحادثات إلى جانب الجيش، ومن الجانب الآخر "تأسيس" إلى جانب الدعم السريع، سيؤدي ذلك إلى زيادة تعقيد الأزمة السودانية وتعميق الخلافات، كما يضعف حظوظ القوى المدنية التي كانت تأمل في مفاوضات منفصلة لبحث المسار السياسي".
ويعتقد الوزير السابق أن "قوات الدعم السريع"، من خلال هذه الخطوات، ترغب في "الانفصال" باقتطاع جزء من السودان، لكنه لم ينف وجود مجموعات مؤيدة أو متحالفة مع "الدعم السريع" والجيش، تغذّي مثل هذه الاتجاهات.
"الاعتراف الدولي"
المحلل السياسي السوداني صدقي مطر، اعتبر أن الإعلان عن قيادة لـ"تأسيس"، يفتقر إلى أهم شروط النجاح، المتمثلة في "القبول الدولي به كحكومة موازية للحكومة السودانية التي تحظى باعتراف إلى حين إجراء انتخابات عامة".
وأضاف مطر لـ"الشرق"، أن خطوة التحالف تهدف إلى "تعقيد الوضع السياسي في البلاد بعد تسمية رئيس وزراء جديد هو كامل إدريس"، وكذلك "تغطية الهزائم الأخيرة للدعم السريع والحركة الشعبية في الميدان".
كما قلل من أهمية "تأسيس" بشكل عام، لافتاً إلى أنه تحالف ضعيف، متوقعاً انهياره بسبب "عدم التوافق بين مكوناته"، وخاصة بين الدعم السريع والحركة الشعبية. وقال إن "خلافات أخرى ربما تضرب الدعم السريع بسبب غياب قادة ميدانيين عن سدّة التحالف".
"خطوة متقدمة بعد ارتباك"
من جهته، وصف المحلل السياسي السوداني، طاهر المعتصم، خطوة "تأسيس" بأنها "متقدمة"، وذلك وفق قوله، لأن "التحالف ظل في حالة ارتباك منذ إعلان إنشائه، بعد أن ضربته خلافات بشأن المواقع القيادية، وخاصة بين الحركة الشعبية- شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، بمرتكزاتها الفكرية الداعية للعلمانية، وكذلك رغبة قادتها في السيطرة، من طرف، وقوات الدعم السريع، من طرف ثان".
وفي حديث لـ"الشرق"، رأى المعتصم أن "المحك ربما يكمن في التوافق على المناصب الحكومية، وهو ما قد يُفجر الخلافات"، لافتاً إلى أن "التاريخ السوداني مليء بالشواهد على تجذر هذا السلوك السياسي، والدليل ما يحدث حالياً في بورتسودان بالنسبة لحكومة كامل إدريس من رفض وابتزاز وخلافات واسعة"، وتوقع أن تتصاعد خلافات مماثلة في معسكر "الحكومة الموازية".
وقال إن خطوة "تأسيس" بإعلان هيئة قيادية في نيالا جنوب دارفور، هي "تحضير مبكر للمفاوضات بين طرفي الحرب، الجيش السوداني والدعم السريع"، لكنه لفت إلى أنه "من المبكر الحكم على نجاح تأسيس في تسويق مشروعها للمجتمع الدولي.
وأشار إلى أن القوى المدنية، في الجهة الثالثة، تبذل جهوداً كبيرة، وأطلقت رؤية سياسية مؤخراً، في إشارة للرؤية التي طرحها تحالف "صمود" بقيادة رئيس الوزراء الأسبق، عبد الله حمدوك، وهي جهود لا تسعى لوقف الحرب فحسب، بل للإجابة أيضاً على أسئلة اليوم التالي بعد طي صفحة الحرب.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 10 ساعات
- الشرق الأوسط
المحذوف من المشهد الليبي
أصعب اللحظات على الأمم أن يهجرها الاستقرار، وأقسى الآلام عليها أن تكون لها حدود وأرض وشعب، وتفقد ذاتها بتوقيت الغدر. قطار ليبيا غادر محطة الدولة بمفهومها الشامل قبل أربعة عشر عاماً، وطالت سنوات البحث عن محطة الوصول. ليبيا، التي كتب عنها الفيلسوف العربي الكبير عبد الرحمن بدوي، وصال وجال في تاريخها الممتد آلاف السنين، تجد نفسها ممزقة الخرائط، يطل عليها طامعون وطامحون، تتقاذفها أحلام تركيا، وروسيا، وتنظر من نوافذها إيطاليا، وأميركا، وفرنسا. هذا الشعب الذي عرف الفلسفة منذ الإغريق والرومان، كأنه أصبح في مهب الريح من دون خيمة تحميه أو سفينة تبحر به إلى شاطئ الأمان. كثير من الناس لا يعرفون حضارة هذا الشعب الذي يمتد إلى آلاف السنين، وعليهم أن يقرأوا آثار «قورينا»، وفلاسفة العصر الإغريقي، وقياصرة العصر الروماني، وصولاً إلى الدور العربي الإسلامي الذي غطى شاطئ المتوسط في لحظات امتداد المنارة العربية الكبرى. في تلك اللحظات يجد الليبي نفسه مشتتاً بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب في أرض واحدة، خائفاً من أخيه، متوجساً من مستقبل غامض، لم يعد يأمن إدارة ظهره لما يجري حوله من أطماع وسباقات وصراعات، صحيح أن قدر ليبيا الجغرافي وضعها في مفترق مسارات عالمية، وصحيح أيضاً أن مأساة التاريخ جعلتها ممراً إلزامياً للغزوات بين الشرق والغرب، لذا كانت بوابة حتمية للأمن القومي للحضارات الشرقية جميعاً. ما يحدث الآن في الخريطة الليبية من سباق للنفوذ، وصراعات على المقدرات، والمصالح الاقتصادية والموارد الطبيعية من نفط وغاز وثروة معدنية، يجعلها أغنى دولة في أفريقيا، لكن سكانها يعانون التشرد، والفاقة، وعدم الأمان. ليبيا لا تستحق كل هذه الألاعيب، فهي دولة عربية غنية بالمكان والمكانة، وقوتها تضاف إلى قوة القارة الأفريقية أولاً، والمنطقة العربية ثانياً، وكذلك في حوض البحر المتوسط المهم، لا سيما أن موقعها حاكم بيننا، نحن العرب الأفارقة، وبين أوروبا، وأي خلل في الدولة الليبية يؤثر سلباً علينا وعلى أوروبا، ورأينا ذلك بوضوح في ملف الهجرة غير الشرعية، عندما أصبحت الدولة الليبية ساحة لعبور المهاجرين غير الشرعيين، وعايشنا ذلك أيضاً في عناقيد جماعات العنف والإرهاب التي وجدت ضالتها في المسرح الليبي الشاسع، وأثرت في الأمن القومي لدول الجوار الليبي، واختطفت مقدرات الدولة من أمن وأمان، بل إنها وضعت جدول أعمالها لبسط نفوذها على مساحات واسعة اعتبرتها أرض المعركة. إن ليبيا في أمسّ الحاجة إلى إعادة بناء المؤسسات الوطنية، واستعادة وحدة أراضيها، من خلال تسوية شاملة، تبدأ من إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة، وهذا هو الطريق الوحيد القصير إلى عودة ليبيا دولة وأمة. بالطبع لا بد، قبل إجراء مثل هذه الانتخابات الضرورية، أن يتم توحيد المؤسسات الأمنية الاستراتيجية، ومؤسسات النقد والاقتصاد، وربط الشرق بالغرب بالجنوب، من دون تحيز جهوي أو طائفي أو ديني. ليبيا غنية بثقافة عريقة وعميقة، نستطيع أن نحصي من بين أبنائها آلاف الأسماء التي أسهمت في الفكر الإنساني، يجب أن تعود إلى دورها التنويري، ويعود مبدعوها في كل مجال إلى التفاعل الحيوي في المنطقة والإقليم. وهنا أتوقف أمام ضرورة عودة الدولة الوطنية الليبية، وأمام خطر الفوضى الذي يضرب أسفل جدران الدولة، لما لهذه العودة من أهمية كبرى تنعكس على محيطها الإقليمي والدولي. مثلما أن هناك رغبة في عودة الاستقرار والأمن الليبي، فإن هناك أيضاً رغبات في تقسيم وتمزيق الخريطة الليبية، وهو ما يجب ألا يسمح به الشعب الليبي الواحد، وعليه أن يدرك أن صناديق الذخيرة لا تبني الأوطان، بل إن صناديق الانتخابات هي التي يجب أن تنتصر على صوت الرصاص، لا سيما أن هناك مخططات رهيبة تهدف إلى إبقاء ليبيا في دوامة العنف لسنوات طويلة حتى تصبح ثمرة جاهزة للقطف والوقوع بين يدى المخططين، وهم ليسوا بخافين عن حصافة الشعب الليبي الذي يفهم ويدرك أن كل ما يجري هو ترتيب وتجهيز المسرح الليبي لصالح قوى أخرى، تريد السيطرة على مقدرات الشعب الليبي ومؤسساته، وصولاً إلى تكوين منطقة «غربية» كانت حلماً طوال عقود مضت، ووجدوا في أحداث 2011 طريقاً إليها، ولا يزالون يواصلون السير، لذا فإنه على الشعب الليبي أن يأخذ بيديه القرار الوطني، ويقطع الطريق على كل من يخطط للسيطرة على مصير ليبيا، ويجعلها ساحة لا دولة، ووطناً للميليشيات، وكنزاً يتم تقسيمه بين الطامعين من الداخل والخارج. في ليبيا كل شيء، تاريخها الممتد، وحضارتها الثرية، ومواردها الغزيرة، وجغرافيتها الفريدة، لكنّ ثمة مشهداً واحداً محذوفاً هو كل المشاهد، مشهد ليبيا الدولة الواحدة والشعب الواحد، فالفرصة لا تزال سانحة، ليخرج الشعب الليبي إلى صندوق الانتخاب بدلاً من الخروج حاملاً صندوق الذخيرة.


الرياض
منذ 10 ساعات
- الرياض
إعادة إعمار السودان تقدر بمئات المليارات من الدولاراتالحرب في السودان.. تحولها إلى مدن أشباح
تقف الجسور المدمرة وانقطاع التيار الكهربائي ومحطات المياه الخاوية والمستشفيات المنهوبة في جميع أنحاء السودان شاهدة على الأثر المدمر الذي لحق بالبنية التحتية جراء حرب ممتدة منذ عامين. وتقدر السلطات أن هناك حاجة إلى مئات المليارات من الدولارات لإعادة الإعمار غير أن الفرص تتضاءل أمام تحقيق ذلك على المدى القصير نظرا لاستمرار القتال وهجمات الطائرات المسيرة على محطات الطاقة والسدود ومستودعات الوقود. وفي عالم صار أكثر عزوفا عن تقديم المساعدات الخارجية، خفضت الولايات المتحدة، أكبر المانحين، مساعداتها. يخوض الجيش السوداني حربا مع قوات الدعم السريع شبه العسكرية منذ أبريل 2023 أدت إلى مقتل وإصابة عشرات الألوف من الناس ونزوح نحو 13 مليونا في ما وصفته منظمات الإغاثة بأسوأ أزمة إنسانية في العالم. ويضطر سكان العاصمة الخرطوم إلى تحمل انقطاع الكهرباء والمياه غير النظيفة والمستشفيات المكتظة لأسابيع طويلة. وتعرض مطار الخرطوم أيضا للهجوم وتجثم على مدارجه بقايا طائرات محترقة. تعرضت معظم المباني الرئيسة في وسط الخرطوم لأضرار بالغة وصارت الأحياء، التي كانت ذات يوم راقية، مدن أشباح تنتشر في شوارعها سيارات مدمرة وقذائف لم تنفجر بعد. وقال طارق أحمد (56 عاما) إن الخرطوم لم تعد صالحة للسكن بعد أن دمرتها الحرب، وعبر عن شعوره بأنه مشرد رغم عودة الجيش للسيطرة على الوضع. وعاد أحمد إلى منزله في العاصمة لفترة قصيرة حيث وجده منهوبا ثم غادره مرة أخرى، بعد أن طرد الجيش في الآونة الأخيرة قوات الدعم السريع من الخرطوم. ويمكن رؤية إحدى تداعيات انهيار البنية التحتية في تفشي وباء الكوليرا السريع الذي أودى بحياة 172 من أصل 2729 مصابا خلال الأسبوع الماضي وحده، معظمهم في الخرطوم. ودمرت الحرب أنحاء أخرى من وسط وغرب السودان، ومنها منطقة دارفور، غير أن الأضرار الواسعة التي لحقت بالخرطوم ألقت بظلالها على باقي أنحاء البلاد بعد أن كانت العاصمة ذات يوم مركزا لتقديم الخدمات. وتقدر السلطات السودانية احتياجات إعادة الإعمار بما يصل إلى 300 مليار دولار للخرطوم و700 مليار دولار لبقية السودان. وتعكف الأمم المتحدة حاليا على إعداد تقديراتها الخاصة. وقال وزير الطاقة والنفط محي الدين نعيم لرويترز إن إنتاج السودان من النفط انخفض إلى ما يزيد على النصف ليصل إلى 24 ألف برميل يوميا وتوقفت قدراته التكريرية بعد أن تعرضت مصفاة الجيلي الرئيسة لتكرير النفط لأضرار بقيمة ثلاثة مليارات دولار خلال المعارك. وأضاف أن السودان، بدون قدرة على التكرير، يصدر كل نفطه الخام ويعتمد على الواردات في حين يبذل جهودا مضنية من أجل الحفاظ على خطوط الأنابيب التي يحتاجها جنوب السودان لصادراته. وقال نعيم إن جميع محطات الكهرباء في الخرطوم تعرضت للتدمير. وأعلنت شركة كهرباء السودان في الآونة الأخيرة خطة لزيادة الإمدادات من مصر إلى شمال السودان. وكانت قد ذكرت في وقت سابق من العام أن الهجمات المتكررة بالطائرات المسيرة على المحطات في محيط الخرطوم تستنزف قدرتها على الحفاظ على استمرار عمل الشبكة. نحاس منهوب استعادت القوات الحكومية السيطرة على الخرطوم في وقت سابق من العام الجاري. ومع عودة السكان إلى منازلهم، وجدوا أنها قد تعرضت للنهب. ومن الأمور الملحوظة التي جرى رصدها هي وجود ثقوب عميقة في الجدران والطرق استخرج منها الناهبون الأسلاك النحاسية الثمينة. وفي شارع النيل بالسودان، الذي كان في يوم ما أكثر شوارع البلاد ازدحاما، يوجد شق في الأرض عمقه متر وطوله أربعة كيلومترات خال من الأسلاك الكهربائية فيما تظهر آثار حروق. وذكر الطيب سعد الدين المتحدث باسم ولاية الخرطوم أن محطتي المياه الرئيستين في الخرطوم توقفتا عن العمل في بداية الحرب إذ نهب جنود قوات الدعم السريع الآلات واستخدموا زيت الوقود لتشغيل المركبات. وبات من بقى في الخرطوم يلجأون إلى الشرب من مياه النيل أو الآبار القديمة، مما يعرضهم للأمراض المنقولة عبر المياه. كما أن عدد المستشفيات المجهزة لاستقبال المرضى قليل. وقال هيثم محمد إبراهيم وزير الصحة إن المستشفيات تشهد أعمال تخريب ترتكبها فصائل مسلحة وإن المعدات الطبية تعرضت للنهب والتدمير، مضيفا أن خسائر النظام الصحي تقدر بنحو 11 مليار دولار. وقال لوكا ريندا، الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات لتفادي مزيد من حالات الطوارئ الإنسانية مثل تفشي الكوليرا، وذلك في وقت يتطلع فيه حوالي مليونين أو ثلاثة ملايين للعودة إلى الخرطوم. لكن استمرار الحرب ومحدودية الميزانية يعرقلان وضع خطة شاملة لإعادة الإعمار. وذكر ريندا "ما يمكننا فعله... بالقدرات المتاحة لدينا فعليا هو النظر في إعادة تأهيل البنية التحتية على نطاق صغير"، مثل مضخات المياه التي تعمل بالطاقة الشمسية والمستشفيات والمدارس. وأضاف أن بهذه الطريقة، قد تُتيح الحرب فرصة لإلغاء مركزية الخدمات بعيدا عن الخرطوم، والسعي إلى مصادر طاقة أكثر استدامة.


الرياض
منذ 10 ساعات
- الرياض
كوفنتري والتحديات
الطريق غير مفروش بالورود أمام الزيمبابوية كريستي كوفنتري رئيسة اللجنة الأولمبية الدولية الجديدة، إذ تواجهها العديد من التحديات لعل أبرزها التعامل مع القضايا السياسية والرياضية، وعودة الرياضيين الروس والبيلاروس إلى المشاركة في الألعاب، واختبارات تحديد الجنس وإيجاد دولة مضيفة للألعاب الأولمبية الصيفية 2036. ولعل كوفنتري كرياضية وإدارية لها خبرة طويلة في العمل الأولمبي دفع أعضاء اللجنة الأولمبية الدولية لاختيارها دون منافسيها الآخرين، وهي المرأة التى تؤمن بأن الرياضة قوة لا مثيل لها في توحيد وإلهام وإيجاد الفرص للجميع، إضافة إلى إنها ملتزمة بضمان تسخير هذه القوة على أكمل وجه والمتفائلة بمستقبل مشرق للحركة الأولمبية. كوفنتري أول امرأة، وأول أفريقية، وأصغر شخص "41 عاماً" يتولى هذا المنصب، وعاشر شخصية تترأس اللجنة الأولمبية الدولية منذ تأسيسها عام 1894 خلفاً للألماني توماس باخ "71 عاماً". وكان لسياسة باخ دور بارز بإتاحة الفرصة للمرأة الأولمبية، حيث المساواة بين الجنسين عنصر أساسي في عهده، وضم المجلس التنفيذي للجنة الأولمبية الدولية المؤلف من 15 عضواً 7 نساء، إذ شغلت كوفنتري عضوية اللجنة الأولمبية الدولية منذ 2013، إضافة إلى دعم ومساندة باخ بتعينها رئيسة لجنة تقييم أولمبياد 2032 في بريسبان الأسترالية، ويكفي أيضًا ما قاله لي سكرتير اتحاد اللجان الأولمبية الأفريقية "الأنوكا "رئيس اللجنة الأولمبية السودانية المهندس أبو القاسم هاشم في رد لسؤالي عنها عقب الفوز، قائلاً: إنها امرأة تتمتع بالحيوية والنشاط والأفكار النيرة وصاحبة بخبرة طويلة وذات شخصية قوية وقادرة على قيادة اللجنة الأولمبية الدولية إلى الأمام.