
بين المهرجانات
> أيام كانت تذاكر السفر وأسعار الفنادق رخيصة، تمتع عدد كبير من النقاد العرب والأجانب بدعوات من مهرجانات السينما، حتى الصغيرة منها.
> على هذا الأساس، دُعيتُ إلى «مهرجان كورسيكا» لأكتشف أنني شاهدتُ كل الأفلام المعروضة باستثناء فيلم واحد. بعد مشاهدة هذا الفيلم، وكان تونسياً، والجلوس إلى مخرجه، أمضيتُ معظم أيامي في المقاهي والمطاعم.
> في جزيرة بانتيليريا في صقلية، أمضيتُ أيامي الستة على البحر. الفيلم الوحيد الذي ذهبتُ إليه كان في الهواء الطلق، وكانت الشاشة عبارة عن شرشف عريض. ما إن هبّ الهواء حتى أخذ يتلاعب بالصورة. نظرتُ إلى السماء وأدركتُ أنها ستمطر. أخبرتُ بعض الحضور بذلك، لكن أحداً لم يقتنع. ركبتُ الحافلة التي جئنا بها. وما إن ابتعدتُ عائدة إلى المدينة، حتى انهمر مطر غزير. تستطيعون تخيّل نحو 30 فرداً في مكان بلا سقف يسارعون إلى الطريق بحثاً عن حافلة غير موجودة.
> لكن المهرجانات الصغيرة المُدارة جيداً لها مزايا فنية تنبع من برامجها المُعتنى بها. أحدها كان في منطقة توسكانا في إيطاليا، مخصصاً للأفلام القصيرة. وفي شمال أريزونا، بين تلك الجبال الصخرية الشامخة، ومثل «مهرجان باريس» الذي حضرته بالصدفة.
> بعض المهرجانات التي بدأت صغيرة كبرت حجماً فيما بعد، مثل «تاورمينا» الإيطالي و«كارلوڤي ڤاري» التشيكي. بعضها الآخر كان كبيراً وبات صغيراً، مثل «سان فرانسيسكو» و«شيكاغو» في الولايات المتحدة. والبعض الثالث توقّف.
> السفر أيضاً كان متعة بحد ذاته. البيئة السياسية وعوامل الخوف من الإرهاب لم تكن موجودة كما هي اليوم. كنتُ أحياناً أذهب إلى المطار، وأنظر إلى الشاشة المعلّقة، وأختار المكان الذي أودّ السفر إليه... الآن. وبأرخص الأسعار.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 28 دقائق
- الشرق الأوسط
الإيرادات «الضعيفة» لفيلم مينا مسعود الجديد تثير تساؤلات بمصر
أثارت الإيرادات التي حققها فيلم «في عز الضهر» للممثل المصري والعالمي مينا مسعود تساؤلات عدة بعدما حقق الفيلم أقل من 3 ملايين جنيه (الدولار يعادل نحو 50 جنيهاً مصرياً) خلال أسبوع عرضه الأول في مصر، وهي إيرادات تعد «ضعيفة» بالمقارنة بالأفلام المنافسة في هذا الموسم. وقد حقق فيلم «المشروع x» لكريم عبد العزيز إيرادات تزيد على 120 مليون جنيه خلال ٥ أسابيع، كما حقق فيلم «ريستارت» لتامر حسني إيرادات تجاوزت 77.2 مليون جنيه خلال ٤ أسابيع، بينما جاءت إيرادات فيلم «سيكو سيكو» المستمر عرضه منذ عيد الفطر الماضي، وطرح عبر إحدى المنصات الإلكترونية بالقرب من 188 مليون جنيه. مينا في مشهد من الفيلم (حسابه على فيسبوك) ويعد «في عز الضهر» هو البطولة الأولى لبطل فيلم «علاء الدين» بالسينما المصرية، إذ استغرق التحضير له نحو 5 سنوات، وهو من تأليف كريم سرور وإخراج مرقس عادل، فيما يشارك ببطولته شيرين رضا، ومحمد علي رزق، وجميلة عوض، وإيمان العاصي. وتدور أحداث الفيلم في أجواء من الجريمة والإثارة، حيث نتعرف على «حمزة»، شاب مصري يتم تجنيده في سن مبكرة ضمن صفوف المافيا الدولية، ويصبح لاحقاً أحد أبرز عناصرها وأكثرهم احترافية. وبعد أن يثبت كفاءته عبر سلسلة من المهام المعقدة، تُسند إليه عملية خاصة على الأراضي المصرية مقابل 40 مليون يورو فيصل إلى القاهرة ليبدأ مرحلة مختلفة بحياته. ورغم جولات مسعود بدور العرض الكبرى التي تعرض الفيلم في القاهرة لمعرفة انطباعات الجمهور، فإن العمل ظل بعيداً عن المنافسة على الإيرادات. وصُور الفيلم بين مصر وتركيا وبلغاريا على مدار أكثر من عامين، بميزانية إنتاجية ضخمة لتنفيذ عدد من مشاهد الأكشن التي شكلت نقاط تحول في الفيلم. مينا مع شيرين رضا خلال الاحتفال بالعرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك) ويفسر الناقد طارق الشناوي لـ«الشرق الأوسط» الإيرادات الضعيفة التي حققها الفيلم بأنها مرتبطة بمستواه الفني بشكل أساسي، لكونه قدم تجربة «ضعيفة» على مستوى الأكشن، في وقت كان يترقب منه الجمهور تجربة أقوى بكثير وعلى مستوى منافسة مع الأفلام العالمية. ويرى الشناوي أنه رغم ذلك، فإن مسعود لديه فرصة لتقديم نفسه بشكل أفضل في الأعمال المقبلة. وأضاف أن مينا مسعود وجه مصري مألوف سينمائياً، ولديه الكثير لتقديمه، لكن ربما لم يوفق في اختيار تجربته الأولى بمصر للتعرف على الجمهور المصري، وهو أمر لا يمكن تحميله وحده مسؤوليته في ظل ظروف صناعة قد تجعله لا يملك الاختيار الكامل لما يريد أن يقدمه. ووُلد مسعود في مصر وانتقل مع عائلته إلى كندا في سن مبكرة، وبدأ مسيرته الفنية عام 2011 من خلال فيلم «What Happens Next» والمسلسل الكرتوني «The 99»، وحقق شهرة واسعة بعد مشاركته في مسلسل «Open Heart»، ثم تألق عالمياً في دور «علاء الدين» بفيلم ديزني الشهير الذي صدر عام 2019. مينا مسعود مع المخرج مرقس عادل (حسابه على فيسبوك) وعدّ الناقد محمد عبد الرحمن أن الإيرادات «الضعيفة» للفيلم ترجع إلى عدة اعتبارات، من بينها أن بطله مينا مسعود ليس من الممثلين أصحاب القاعدة الجماهيرية في السينما المصرية، بالإضافة إلى ضعف الحملة الدعائية المصاحبة لطرح الفيلم بالصالات في توقيت أصبحت الدعاية جزءاً أساسياً من أي عمل جديد يجري طرحه، خصوصاً إذا ما اعتمد على وجه جديد في شباك التذاكر. وأضاف عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» أنه رغم نجاح بعض التجارب الأولى لأبطالها في تحقيق إيرادات كبيرة، فإن هذا الأمر يحدث عندما يكون الفيلم جيداً على المستوى الفني وهو أمر لم يكن متوفراً «في عز الضهر» بالصورة المتوقعة، لافتاً إلى أن توقيت امتحانات الثانوية العامة لا يعد عاملاً مؤثراً بشكل جوهري في معدل الإيرادات، فقد حققت الأفلام المطروحة قبله إيرادات أعلى بفارق كبير.


الشرق الأوسط
منذ 6 ساعات
- الشرق الأوسط
إيلي رزق الله لـ«الشرق الأوسط»: القلق يحضّنا على التفكير بعالم أفضل
تدرك وأنت تشاهد كليب أغنية «ورانا إيه» لنانسي عجرم بأنه يخرج عن المألوف. فكاميرا المخرج إيلي رزق الله تتحرّك بإيقاع سينمائي حرّ، يلحقها بعينه قبل عدسته. يقترب من ملامح وجهها بطبيعية لافتة، لتبدو كأنها تتصور بين أصدقاء لها أو أفراد عائلتها. في أحد شوارع مدينة نيويورك جرى تصوير الكليب، واستشف إيلي من أجوائها ما أضاف إلى فكرته اللون والنكهة المطلوبين. فولدت خلطة فنية تشبه تنقله الدائم بين لبنان وأميركا. غريبة وجذابة، ودافئة ومشبعة بالعفوية. ويوضح في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أعدّ فكرة الكليب امتداداً أو ملحقاً لحياتي. فتنبثق أولاً وأخيراً من أحاسيسي. فأنا أرى الأمور من هذا المنظار؛ أي ما يسمونه (الخارج عن المألوف). واختبرت وجهتي منذ صغري وأنا في لبنان. أعتقد أن هذا الأمر يتأتى من حياة نفتقد فيها الاستقرار. فنحن نعيش في أجواء القلق، وهو ما يحرك تفكيرنا باتجاه عالم أجمل كي نستطيع الاستمرار». من كليب أغنية «ورانا إيه» مع نانسي عجرم (إيلي رزق الله) لا شك أن نانسي عجرم بطاقتها الإيجابية وتمرّسها في الوقوف أمام الكاميرا، تزوّد أي مخرج يقف أمامها بالطاقة. ومع إيلي رزق الله برزت هذه الطاقة لتنثر جرعات إيجابية يلمسها بسرعة مشاهد الكليب. ويعلّق رزق الله: «الفكرة برمّتها استمددتها من الفنانة نانسي. فنحن صديقان منذ زمن، ولطالما تمنينا التعاون معاً. وعندما أسمعتني هذه الأغنية أعجبتني وتحمست كثيراً لتصويرها. سمعتها عشرات المرات. فتخيلت بسرعة الإطار الذي يجب أن تدور فيه. فكوّنت صورة واضحة عن خطة العمل وهو ما نفّذته في الواقع». يقول إيلي رزق الله إنه غالباً ما يشكّل أول انطباع قبل البدء في العمل. «في (ورانا إيه) لفتني مقطع يحمل إيقاعاً جميلاً. وتصدح أصوات مجموعة كجوقة كورال. فولدت معي فكرة وجود نانسي ضمن سهرة والجميع يغني معها. الناس اليوم يحتاجون بقعة ضوء ومساحة تخرجهم من همومهم. فجاء الكليب كاحتفالية تترجم هذا الشوق». تسأل «الشرق الأوسط» إيلي رزق الله عن تأثير الذكاء الاصطناعي على الأعمال الفنية. يردّ: «لا أراه بمستوى إبداع الإنسان. فهذا الأخير يصنع طبقات فنية تواكب ما نعيشه. أما الذكاء الاصطناعي فهو مفرغ من الأحاسيس. ولا يمكنه التماهي مع لحظة معينة لأنه يلزمها الروح». إليسا من الفنانات اللاتي تعاون معهن (إيلي رزق الله) ويستطرد: «قد يسهم الذكاء الاصطناعي في تزويدنا بجرعات صغيرة لفكرة تشبه مشوار نانسي من قبل. ولكنني رغبت في تنفيذ عمل يحاكي تطلعات نانسي اليوم وغداً. لذلك لا أجد له مستقبلاً كبيراً؛ كونه لا يستطيع أن يكوّن أفكاره من خبرة الحياة أبداً». تشعر في كليب «ورانا إيه» بعمل هندسي يقوم به إيلي رزق الله، وكأنه يحسب تحركات كاميرته بالأرقام والسنتيمترات، فيعمّر مجرياته بإتقان كعمارة أصيلة وليس كناطحة سحاب. فنرى مشاهد الكليب تواكبها خلفيات متعددة تزوده بإضافات بصرية. فتبقى العيون معلّقة بها من اللحظة الأولى للعمل. وليتبين لـ«الشرق الأوسط» أن إيلي يحسن حساباته ويهوى مادة الـ«ماثماتيكس». فتطبع عمله تلقائياً لتولّد صورة تبهر العين وتشغل الفكر في آن. «أحب مجال الرياضيات بكل أبعاده ومعادلاته. فأرى الأمور من خلاله، ليس من باب استراتيجية أتبعها، بل بالفطرة. وأعتمد فيها على توازن معين تكسرها الموهبة». الذكاء الاصطناعي مفرغ من الأحاسيس ولا يمكنه التماهي مع لحظة معينة لأنه من دون روح برأيه أن الفن يتجه نحو البساطة بشكل كبير. ويتابع: «أشعر وكأنه كلما تطوّر العلم التكنولوجي عدنا أدراجنا بشكل أكبر نحو الحقيقة العادية. ونلمس اليوم عودة مدوية إلى البساطة. فعندما بدأت بمشواري الفني كنت أعمل في مساحة تشبه العالم الموازي للذكاء الاصطناعي. اليوم أتجه أكثر نحو كل ما يحمل قيمة بسيطة. وأرى أن المستقبل سيرتكز على هذه القيمة؛ على أن يشمل ذلك كل ما عشناه تقريباً». يتحدث إيلي رزق الله بإسهاب عن نانسي عجرم الفنانة والإنسانة. «لقد فاجأتني بحرفية تتسّم بها أمام الكاميرا. فهي تتحرك أمامها على قاعدة السهل الممتنع. ولذلك يقال عنها إنها قريبة من القلب. لم نتفّق مسبقاً على ما ستقوم به أثناء التصوير. كل ما فكّرت به هو أني صنعت حالة وضعتها في وسطها. فتصرّفت بعفوية فائقة وعلى سجيتها. لم يسبق أن رأيت فنانة تتمتع بهذه المزايا. وأعتقد أن شخصيتها هذه تسهم بشكل أساسي بنجاح كليباتها الغنائية». لإيلي رزق الله تجارب وخبرات عدة مع نجوم فن لبنانيين وعرب وأجانب، تعاون مع إليسا وأصالة وفيفي عبده وألانا حديد ومارينا ديامانديس وغيرهن. فالأولى تربطه بها علاقة صداقة قديمة ولديهما تجارب متشابهة كما يقول. أما نانسي فتعرّف إليها من خلال إليسا. ويشير إلى أنه يملك نظرة معينة عن كل فنانة يتعامل معها. ويترجمها على طريقته أمام الكاميرا. وبالنسبة لفيفي عبده فيصف تجربته معها بواحدة من الأجمل في مشواره الفني. «كانت المرة الأولى التي أعمل فيها مع فنانة تتمتع بكل هذه الخبرة من خلال تاريخ فني مديد. كما أنها خفيفة الظل ويجمعنا قاسم مشترك ألا وهو العلاقة الإنسانية. أمر لا نصادفه كثيراً في أيامنا اليوم. وعندما كنت أشتغل معها في مشروع فني شعرت وكأني أتعامل مع نفسي. فهي مغرمة بعملها إلى أقصى حدّ مثلي تماماً».


الشرق السعودية
منذ يوم واحد
- الشرق السعودية
She's Got No Name.. من افتتاح "شنغهاي" إلى اكتساح دور العرض الصينية
افتتح مهرجان شنغهاي الدولي الـ27، في دورته التي عقدت من 16 إلى 22 يونيو، بالفيلم الصيني "ليس لديها اسم" She's Got No Name، للمخرج والمنتج المعروف بيتر شان، وخلال أيام المهرجان عرض الفيلم أكثر من مرة حظي خلالها بإقبال كبير، وقبل أن ينتهي المهرجان كان قد طُرح في دور العرض العامة في 20 يونيو، وحقق خلال نهاية الأسبوع رقماً قياسياً في شباك التذاكر وصل إلى ما يزيد عن 24 مليون دولار، متصدراً الإيرادات بفارق ملحوظ عن منافسيه الأقرب، الأميركيين، How to Train Your Dragon وMission Impossible، متوقعاً أن يتجاوز ايراداتهما معاً خلال الأسابيع القادمة. She's Got No Name هو أحد الأفلام باهظة الإنتاج، متطورة التقنيات، ذات النفس الملحمي والأسلوب المنمق، التي اتجهت إليها صناعة السينما الصينية في السنوات الأخيرة، لإنتاج أفلام تنافس هوليوود وتخطف الإيرادات وإعجاب المشاهدين. عنواناً للفخامة إذا أردنا أن نضع عنواناً أو وصف يلخص فيلم She's Got No Name فإن الكلمة الأقرب هي "الفخامة"، هذا فيلم فخيم في كل تفاصيله: أكثر من عشرين ممثلاً شهيراً من نجوم السينما الصينية على رأسهم زانج زيي، التي عملت مع كبار المخرجين مثل زانج ييمو وونج كارا- واي وأنج لي، وشاركت في أفلام بشهرة Crouching Tiger Hidden Dragon وThe House of Flying Daggers وأفلام أميركية مثل Rush Hour وغيرها. بجانب النجوم، يسعى She's Got No Name إلى الإبهار، من خلال القصة البوليسية المشوقة التي تعتمد على واقعة تاريخية لجريمة قتل غامضة لم تحل أسرارها إلى الآن. وينتمي الفيلم إلى ما يعرف بدراما "الحقبة التاريخية" (تدور الأحداث في شنغهاي منتصف أربعينيات القرن الماضي)، وعملية إحياء هذا التاريخ شئ مبهر في حد ذاته، خاصة أن صناع الفيلم قاموا بتأجير منطقة قديمة في شنغهاي وبنوا حولها ديكورات فيلمهم، بالطبع بجانب الحرص على إبراز تفاصيل هذه الفترة من عمارة وملابس وسيارات وشوارع.. إلى آخره. يعتمد الفيلم أيضاً على الإبهار البصري المتمثل في الشاشة العريضة والمؤثرات البصرية والصوتية، ويعرض حالياً على 690 شاشة IMAX في أنحاء الصين، حقق من خلالها فقط ما يقرب من 3 مليون دولاراً. "فخامة" الفيلم تمتد أيضاً إلى زوايا التصوير وأحجام اللقطات وحركة الكاميرا، وحتى أسلوب التمثيل "الميلودرامي"، الذي يعتمد على المبالغة (ويذكر بالأعمال الهندية المماثلة مثل RRR) والذي تتسم به الأعمال الملحمية الأسيوية، التي تستلهم أسلوب الأساطير والرسومات القديمة. كذلك يعتمد أسلوب التصوير على اللعب بالضوء والظلال بشكل كبير، مستوحياً اسلوب "الفيلم نوار" Film Noir البوليسي من ناحية، ولوحات الرسام فيرمير من ناحية، وأسلوب الرسم الصيني بالحبر الشيني من ناحية. وبمناسبة الفخامة أيضاً فقد عرض الفيلم لأول مرة في مهرجان "كان" الأخير خارج المسابقة في نسخة طويلة تزيد عن الساعتين ونصف الساعة، ولكن المراجعات النقدية وردود فعل المشاهدين لم تكن إيجابية بشكل عام، ما أقنع صناع الفيلم بإعادة مونتاج الفيلم وإضافة بعض المشاهد وتقسيمه إلى جزئين، وبالتالي فالنسخة التي تعرض حالياً هي الجزء الأول. هذه الواقعة ليست الوحيدة من نوعها وكثير من كبار المخرجين والمنتجين يقومون بتعديل أفلامهم وفقاً لردود فعل المشاهدين والنقاد على العروض الأولى، وأعتقد أن هذا يعكس مدى قوة هؤلاء المخرجين وثقتهم بنفسهم وليس العكس. رحلة عبر الأنواع وبيتر هو- سان شان (أو بيتر شان) مخرج الفيلم هو أحد الأسماء اللامعة في السينما الصينية التي تصنع في هونج كونج، حيث ولد وعاش وصنع العديد من الأفلام الناجحة نقديا وجماهيريا منذ التسعينيات، منها Comrades: Almost Love Story، 1997، الذي صنع نجومية الممثلة ماجي شيونج، وDragon، 2012، وهو فيلم "أكشن" من نوعية الكونغ فو الشهيرة، تدور أحداثه في بداية القرن العشرين، حقق إيرادات قياسية عند عرضه، وهو من بطولة دوني ين، بطل الأكشن وصانع الأفلام القتالية المعروف، وصاحب سلسلة أفلام IP Man الشهيرة. وبجانب تأثره باسلوب هونج كونج الذي يعتمد على الأكشن والميلودراما الصاخبة، يتميز بيتر شان بقدرته على تقديم أنواع مختلفة من الأفلام: الاجتماعي والتاريخي والعاطفي والأكشن، ويتبين ذلك من خلال الأفلام المختارة التي يعرضها مهرجان شنغهاي لبيتر شان في إطار تكريمه. Perhaps Love، 2005، مثلا، يتناول تعقيدات الحب والارتباط، بينما يروي The ، Warlords، 2007، فترة تاريخية حربية من القرن السابع عشر، يدور American Dream in China، 2013، حول التحولات الإقتصادية المعاصرة التي حدثت في الصين من خلال قصة ثلاثة أصدقاء يدخلون مجال "البيزنس"، ويحلمون بتحقيق مشروع تجاري كبير. يمثل "ليس لديها اسم" عودة بيتر شان للنوع التاريخي، ولكن بشكل مختلف، فالخلفية التاريخية السياسية في الفيلم تأتي بعد الدراما العائلية والتحقيق البوليسي اللذان يتصدران المشهد، حيث تتدور الأحداث حول جريمة قتل حدثت خلال منتصف أربعينيات القرن الماضي، وتحديداً في 1945، ذلك العام الفاصل في تاريخ الصين (والبشرية)، الذي انتهت فيه الحرب العالمية الثانية رسمياً بالقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناجازاكي. طبقات من التاريخ في تلك الفترة كانت شنغهاي مدينة كوزموبوليتانية، محتلة من اليابان حتى كان يطلق عليها "طوكيو الصغيرة"، وقد صور ستيفن سبيلبرج شنغهاي هذه الفترة في فيلمه Empire of the Sun، 1987، وقد كانت المدينة مسرحاً لأحداث وتصوير بعض الأفلام الهوليوودية القديمة مثل Shanghai Express الذي أخرجه يوزيف فون شتيرنبرج ولعبت بطولته النجمة مارلينه ديتريش في 1932! المدينة، وتاريخها ووضعها السياسي في ذلك الوقت، تلعب دوراً أساسيا في "ليس لديها اسم" علماً بأن للفيلم اسم آخر بالصينية هو The Mystery of Jiangyuan Lane أو "لغز حارة جيانجيوان" في إشارة إلى الموقع الشعبي الذي دارت فيه القصة الحقيقية. وطبقات من السياسة والدين يدور She's Got No Name حول امرأة شابة جميلة اسمها زان زو (زانج زيي)، متهمة بقتل وتمزيق جسد زوجها زان يونينج (وانج شوانجون) وإلقاء رأس الجثة في النهر. على الشاشة لا نرى فعل القتل نفسه، ولكننا نتابع اقتحام الشرطة للمكان، بقيادة المحقق رفيع الرتبة تسو زيوو (لي جياين)، حيث نرى أجزاء الجثة الممزقة في كل مكان، وحيث نرى المرأة جالسة على الأرض في ركن من الشقة مفزوعة وغارقة في الدماء، وتعترف للمحقق بأنها القاتلة، ومن ثم يقوم بسحبها ورجاله مثل البهيمة في الشارع معتبراً أن القضية قد أغلقت باعتراف المرأة المجرمة. لكن سرعان ما يتبين أن القضية ليست بالبساطة التي تبدو عليها، من ناحية ينبري بعض الحقوقيين والمدافعات عن حقوق النساء بالدفاع عن الزوجة المظلومة معتبرين أنها ضحية، ومن ناحية تظهر أدلة أخرى تشير إلى وجود شريك للمرأة أو ربما القاتل الحقيقي. ولكن المحقق الذي يبدأ بتعذيب زان زو بدافع الكراهية الشخصية (ومخفياً اشتهاءه لها في الوقت نفسه) يصر على إلصاق التهمة بها، وحتى عندما يبدو أنه سيفشل قانونياً، يقوم برشوة القاضي بتذكرة للهرب إلى هونج كونج (أمام الغليان الثوري الذي تشهده البلاد)، مقابل الحكم بإعدام زان زو، ولكن الثوار الذين يجتاحون المدينة سيكون لهم رأي آخر، ما سيبقي القضية غامضة ومفتوحة حتى يومنا هذا. معركة مستمرة تثير القضية ضجة اجتماعية هائلة لعدة أسباب: أولاً بشاعة الجريمة التي اعتبرها المحافظون برهاناً على الانهيار الأخلاقي والخروج على سنن الطبيعة خاصة فيما يتعلق بتجروء النساء على قتل الأزواج، في مجتمع يقدس الرجال ويكرس العنف المنزلي (من قبل الأزواج والآباء والأخوة) ضد النساء. في الوقت نفسه يهب الليبراليون للدفاع عن المرأة التي تعذبت كثيراً على يد زوجها السكير المقامر العنيف، ما دفعها في لحظة غضب مشروعة للرد وقتله. ويستعرض الفيلم جوانباً من الحياة الثقافية "الحديثة" في شنغهاي من خلال ممثلة مسرح شهيرة تتبنى الدفاع عن الزوجة. كما أننا نرى هذه الممثلة، في بداية الفيلم، وهي تقدم أحدث عروضها المقتبس عن مسرحية "بيت الدمية" للكاتب النرويجي هنريك ابسن، التي تعد من بدايات الأعمال المسرحية والأدبية التي تناقش قضية تحرر واستقلالية المرأة وتنتهي، كما هو معروف، بخروج الزوجة من البيت وتمردها على عبودية الحياة الزوجية، حتى لو كانت في قفص ذهبي. يبرز بيتر شان بشكل خاص هذه القضية باعتبارها نموذجاً مبكراً للصراع الاجتماعي حول تحرر المرأة في الصين، ومن ثم يخاطب جمهور اليوم المشغول كثيرا بهذ القضية، حيث تشهد الصين، وخاصة المدن الكبرى مثل شنغهاي وبكين، صعوداً هائلاً وحضوراً متزايداً للنساء. وكما في كل مكان في العالم (ربما باستثناء عالمنا العربي) يمكن أن ترى الحضور النسائي الطاغي في كل مكان، وفي مهرجان شنغهاي مثلاً لاحظت ذلك سواء على مستوى صانعات ومنظمات المهرجان أو في قاعات العرض! حكاية شعبية هذا الصراع الاجتماعي القديم الحديث المحيط بقضية زان زو، يوازيه صراع آخر قانوني و"عقائدي": من الناحية القانونية هناك ثغرة في رأي البعض لإنه بفقدان الرأس يصعب إثبات أن القتيل هو الزوج (نحن في زمن ما قبل الدي إن ايه والطب الشرعي الحديث). ومن الناحية العقائدية يمثل فقدان رأس الزوج انتهاكاً دينياً جسيماً، حيث أنه، وفقا للمعتقدات الصينية لا يٌبعث المرء مجدداً في الحياة الأخرى إذا لم يكن جسمه كاملاً، وبالتالي تتخلص الزوجة من رأس الزوج حتى لا تلتقي بزوجها مرة ثانية في حياة أخرى. وكنوع من تعميق البعد الديني في الفيلم هناك شخصية شاب أعمى، يؤديها النجم إريك وانج، أشبه بالعراف الأعمى في المسرح اليوناني والحكايات الشعبية، يرى ما لا تستطيع الشخصيات أن تراه، وهو متعاطف مع المرأة ويحذر محقق الشرطة من أنه، وفقاً لمقدرات الأبراج الصينية، من دخول الحرب ضد المرأة لإنه سيخسر في النهاية، وهو ما يحدث بالفعل، حيث يجيبه المحقق، على طريقة أبطال التراجيديا الإغريقية، بأنه لا يؤمن بالقدر، ولكنه، مثل هؤلاء الأبطال، ينهار ويتحطم في النهاية لإنه تحدى القدر. She's Got No Name قد يكون فخيماً سينمائياً، ولكنه أيضاً عمل شعبي نموذجي على الطريقة الصينية. * ناقد فني