logo
She's Got No Name.. من افتتاح "شنغهاي" إلى اكتساح دور العرض الصينية

She's Got No Name.. من افتتاح "شنغهاي" إلى اكتساح دور العرض الصينية

الشرق السعوديةمنذ 16 ساعات

افتتح مهرجان شنغهاي الدولي الـ27، في دورته التي عقدت من 16 إلى 22 يونيو، بالفيلم الصيني "ليس لديها اسم" She's Got No Name، للمخرج والمنتج المعروف بيتر شان، وخلال أيام المهرجان عرض الفيلم أكثر من مرة حظي خلالها بإقبال كبير، وقبل أن ينتهي المهرجان كان قد طُرح في دور العرض العامة في 20 يونيو، وحقق خلال نهاية الأسبوع رقماً قياسياً في شباك التذاكر وصل إلى ما يزيد عن 24 مليون دولار، متصدراً الإيرادات بفارق ملحوظ عن منافسيه الأقرب، الأميركيين، How to Train Your Dragon وMission Impossible، متوقعاً أن يتجاوز ايراداتهما معاً خلال الأسابيع القادمة.
She's Got No Name هو أحد الأفلام باهظة الإنتاج، متطورة التقنيات، ذات النفس الملحمي والأسلوب المنمق، التي اتجهت إليها صناعة السينما الصينية في السنوات الأخيرة، لإنتاج أفلام تنافس هوليوود وتخطف الإيرادات وإعجاب المشاهدين.
عنواناً للفخامة
إذا أردنا أن نضع عنواناً أو وصف يلخص فيلم She's Got No Name فإن الكلمة الأقرب هي "الفخامة"، هذا فيلم فخيم في كل تفاصيله: أكثر من عشرين ممثلاً شهيراً من نجوم السينما الصينية على رأسهم زانج زيي، التي عملت مع كبار المخرجين مثل زانج ييمو وونج كارا- واي وأنج لي، وشاركت في أفلام بشهرة Crouching Tiger Hidden Dragon وThe House of Flying Daggers وأفلام أميركية مثل Rush Hour وغيرها.
بجانب النجوم، يسعى She's Got No Name إلى الإبهار، من خلال القصة البوليسية المشوقة التي تعتمد على واقعة تاريخية لجريمة قتل غامضة لم تحل أسرارها إلى الآن.
وينتمي الفيلم إلى ما يعرف بدراما "الحقبة التاريخية" (تدور الأحداث في شنغهاي منتصف أربعينيات القرن الماضي)، وعملية إحياء هذا التاريخ شئ مبهر في حد ذاته، خاصة أن صناع الفيلم قاموا بتأجير منطقة قديمة في شنغهاي وبنوا حولها ديكورات فيلمهم، بالطبع بجانب الحرص على إبراز تفاصيل هذه الفترة من عمارة وملابس وسيارات وشوارع.. إلى آخره.
يعتمد الفيلم أيضاً على الإبهار البصري المتمثل في الشاشة العريضة والمؤثرات البصرية والصوتية، ويعرض حالياً على 690 شاشة IMAX في أنحاء الصين، حقق من خلالها فقط ما يقرب من 3 مليون دولاراً.
"فخامة" الفيلم تمتد أيضاً إلى زوايا التصوير وأحجام اللقطات وحركة الكاميرا، وحتى أسلوب التمثيل "الميلودرامي"، الذي يعتمد على المبالغة (ويذكر بالأعمال الهندية المماثلة مثل RRR) والذي تتسم به الأعمال الملحمية الأسيوية، التي تستلهم أسلوب الأساطير والرسومات القديمة.
كذلك يعتمد أسلوب التصوير على اللعب بالضوء والظلال بشكل كبير، مستوحياً اسلوب "الفيلم نوار" Film Noir البوليسي من ناحية، ولوحات الرسام فيرمير من ناحية، وأسلوب الرسم الصيني بالحبر الشيني من ناحية.
وبمناسبة الفخامة أيضاً فقد عرض الفيلم لأول مرة في مهرجان "كان" الأخير خارج المسابقة في نسخة طويلة تزيد عن الساعتين ونصف الساعة، ولكن المراجعات النقدية وردود فعل المشاهدين لم تكن إيجابية بشكل عام، ما أقنع صناع الفيلم بإعادة مونتاج الفيلم وإضافة بعض المشاهد وتقسيمه إلى جزئين، وبالتالي فالنسخة التي تعرض حالياً هي الجزء الأول.
هذه الواقعة ليست الوحيدة من نوعها وكثير من كبار المخرجين والمنتجين يقومون بتعديل أفلامهم وفقاً لردود فعل المشاهدين والنقاد على العروض الأولى، وأعتقد أن هذا يعكس مدى قوة هؤلاء المخرجين وثقتهم بنفسهم وليس العكس.
رحلة عبر الأنواع
وبيتر هو- سان شان (أو بيتر شان) مخرج الفيلم هو أحد الأسماء اللامعة في السينما الصينية التي تصنع في هونج كونج، حيث ولد وعاش وصنع العديد من الأفلام الناجحة نقديا وجماهيريا منذ التسعينيات، منها Comrades: Almost Love Story، 1997، الذي صنع نجومية الممثلة ماجي شيونج، وDragon، 2012، وهو فيلم "أكشن" من نوعية الكونغ فو الشهيرة، تدور أحداثه في بداية القرن العشرين، حقق إيرادات قياسية عند عرضه، وهو من بطولة دوني ين، بطل الأكشن وصانع الأفلام القتالية المعروف، وصاحب سلسلة أفلام IP Man الشهيرة.
وبجانب تأثره باسلوب هونج كونج الذي يعتمد على الأكشن والميلودراما الصاخبة، يتميز بيتر شان بقدرته على تقديم أنواع مختلفة من الأفلام: الاجتماعي والتاريخي والعاطفي والأكشن، ويتبين ذلك من خلال الأفلام المختارة التي يعرضها مهرجان شنغهاي لبيتر شان في إطار تكريمه. Perhaps Love، 2005، مثلا، يتناول تعقيدات الحب والارتباط، بينما يروي The ، Warlords، 2007، فترة تاريخية حربية من القرن السابع عشر، يدور American Dream in China، 2013، حول التحولات الإقتصادية المعاصرة التي حدثت في الصين من خلال قصة ثلاثة أصدقاء يدخلون مجال "البيزنس"، ويحلمون بتحقيق مشروع تجاري كبير.
يمثل "ليس لديها اسم" عودة بيتر شان للنوع التاريخي، ولكن بشكل مختلف، فالخلفية التاريخية السياسية في الفيلم تأتي بعد الدراما العائلية والتحقيق البوليسي اللذان يتصدران المشهد، حيث تتدور الأحداث حول جريمة قتل حدثت خلال منتصف أربعينيات القرن الماضي، وتحديداً في 1945، ذلك العام الفاصل في تاريخ الصين (والبشرية)، الذي انتهت فيه الحرب العالمية الثانية رسمياً بالقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناجازاكي.
طبقات من التاريخ
في تلك الفترة كانت شنغهاي مدينة كوزموبوليتانية، محتلة من اليابان حتى كان يطلق عليها "طوكيو الصغيرة"، وقد صور ستيفن سبيلبرج شنغهاي هذه الفترة في فيلمه Empire of the Sun، 1987، وقد كانت المدينة مسرحاً لأحداث وتصوير بعض الأفلام الهوليوودية القديمة مثل Shanghai Express الذي أخرجه يوزيف فون شتيرنبرج ولعبت بطولته النجمة مارلينه ديتريش في 1932!
المدينة، وتاريخها ووضعها السياسي في ذلك الوقت، تلعب دوراً أساسيا في "ليس لديها اسم" علماً بأن للفيلم اسم آخر بالصينية هو The Mystery of Jiangyuan Lane أو "لغز حارة جيانجيوان" في إشارة إلى الموقع الشعبي الذي دارت فيه القصة الحقيقية.
وطبقات من السياسة والدين
يدور She's Got No Name حول امرأة شابة جميلة اسمها زان زو (زانج زيي)، متهمة بقتل وتمزيق جسد زوجها زان يونينج (وانج شوانجون) وإلقاء رأس الجثة في النهر.
على الشاشة لا نرى فعل القتل نفسه، ولكننا نتابع اقتحام الشرطة للمكان، بقيادة المحقق رفيع الرتبة تسو زيوو (لي جياين)، حيث نرى أجزاء الجثة الممزقة في كل مكان، وحيث نرى المرأة جالسة على الأرض في ركن من الشقة مفزوعة وغارقة في الدماء، وتعترف للمحقق بأنها القاتلة، ومن ثم يقوم بسحبها ورجاله مثل البهيمة في الشارع معتبراً أن القضية قد أغلقت باعتراف المرأة المجرمة.
لكن سرعان ما يتبين أن القضية ليست بالبساطة التي تبدو عليها، من ناحية ينبري بعض الحقوقيين والمدافعات عن حقوق النساء بالدفاع عن الزوجة المظلومة معتبرين أنها ضحية، ومن ناحية تظهر أدلة أخرى تشير إلى وجود شريك للمرأة أو ربما القاتل الحقيقي.
ولكن المحقق الذي يبدأ بتعذيب زان زو بدافع الكراهية الشخصية (ومخفياً اشتهاءه لها في الوقت نفسه) يصر على إلصاق التهمة بها، وحتى عندما يبدو أنه سيفشل قانونياً، يقوم برشوة القاضي بتذكرة للهرب إلى هونج كونج (أمام الغليان الثوري الذي تشهده البلاد)، مقابل الحكم بإعدام زان زو، ولكن الثوار الذين يجتاحون المدينة سيكون لهم رأي آخر، ما سيبقي القضية غامضة ومفتوحة حتى يومنا هذا.
معركة مستمرة
تثير القضية ضجة اجتماعية هائلة لعدة أسباب: أولاً بشاعة الجريمة التي اعتبرها المحافظون برهاناً على الانهيار الأخلاقي والخروج على سنن الطبيعة خاصة فيما يتعلق بتجروء النساء على قتل الأزواج، في مجتمع يقدس الرجال ويكرس العنف المنزلي (من قبل الأزواج والآباء والأخوة) ضد النساء.
في الوقت نفسه يهب الليبراليون للدفاع عن المرأة التي تعذبت كثيراً على يد زوجها السكير المقامر العنيف، ما دفعها في لحظة غضب مشروعة للرد وقتله.
ويستعرض الفيلم جوانباً من الحياة الثقافية "الحديثة" في شنغهاي من خلال ممثلة مسرح شهيرة تتبنى الدفاع عن الزوجة.
كما أننا نرى هذه الممثلة، في بداية الفيلم، وهي تقدم أحدث عروضها المقتبس عن مسرحية "بيت الدمية" للكاتب النرويجي هنريك ابسن، التي تعد من بدايات الأعمال المسرحية والأدبية التي تناقش قضية تحرر واستقلالية المرأة وتنتهي، كما هو معروف، بخروج الزوجة من البيت وتمردها على عبودية الحياة الزوجية، حتى لو كانت في قفص ذهبي.
يبرز بيتر شان بشكل خاص هذه القضية باعتبارها نموذجاً مبكراً للصراع الاجتماعي حول تحرر المرأة في الصين، ومن ثم يخاطب جمهور اليوم المشغول كثيرا بهذ القضية، حيث تشهد الصين، وخاصة المدن الكبرى مثل شنغهاي وبكين، صعوداً هائلاً وحضوراً متزايداً للنساء. وكما في كل مكان في العالم (ربما باستثناء عالمنا العربي) يمكن أن ترى الحضور النسائي الطاغي في كل مكان، وفي مهرجان شنغهاي مثلاً لاحظت ذلك سواء على مستوى صانعات ومنظمات المهرجان أو في قاعات العرض!
حكاية شعبية
هذا الصراع الاجتماعي القديم الحديث المحيط بقضية زان زو، يوازيه صراع آخر قانوني و"عقائدي": من الناحية القانونية هناك ثغرة في رأي البعض لإنه بفقدان الرأس يصعب إثبات أن القتيل هو الزوج (نحن في زمن ما قبل الدي إن ايه والطب الشرعي الحديث).
ومن الناحية العقائدية يمثل فقدان رأس الزوج انتهاكاً دينياً جسيماً، حيث أنه، وفقا للمعتقدات الصينية لا يٌبعث المرء مجدداً في الحياة الأخرى إذا لم يكن جسمه كاملاً، وبالتالي تتخلص الزوجة من رأس الزوج حتى لا تلتقي بزوجها مرة ثانية في حياة أخرى.
وكنوع من تعميق البعد الديني في الفيلم هناك شخصية شاب أعمى، يؤديها النجم إريك وانج، أشبه بالعراف الأعمى في المسرح اليوناني والحكايات الشعبية، يرى ما لا تستطيع الشخصيات أن تراه، وهو متعاطف مع المرأة ويحذر محقق الشرطة من أنه، وفقاً لمقدرات الأبراج الصينية، من دخول الحرب ضد المرأة لإنه سيخسر في النهاية، وهو ما يحدث بالفعل، حيث يجيبه المحقق، على طريقة أبطال التراجيديا الإغريقية، بأنه لا يؤمن بالقدر، ولكنه، مثل هؤلاء الأبطال، ينهار ويتحطم في النهاية لإنه تحدى القدر.
She's Got No Name قد يكون فخيماً سينمائياً، ولكنه أيضاً عمل شعبي نموذجي على الطريقة الصينية.
* ناقد فني

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

She's Got No Name.. من افتتاح "شنغهاي" إلى اكتساح دور العرض الصينية
She's Got No Name.. من افتتاح "شنغهاي" إلى اكتساح دور العرض الصينية

الشرق السعودية

timeمنذ 16 ساعات

  • الشرق السعودية

She's Got No Name.. من افتتاح "شنغهاي" إلى اكتساح دور العرض الصينية

افتتح مهرجان شنغهاي الدولي الـ27، في دورته التي عقدت من 16 إلى 22 يونيو، بالفيلم الصيني "ليس لديها اسم" She's Got No Name، للمخرج والمنتج المعروف بيتر شان، وخلال أيام المهرجان عرض الفيلم أكثر من مرة حظي خلالها بإقبال كبير، وقبل أن ينتهي المهرجان كان قد طُرح في دور العرض العامة في 20 يونيو، وحقق خلال نهاية الأسبوع رقماً قياسياً في شباك التذاكر وصل إلى ما يزيد عن 24 مليون دولار، متصدراً الإيرادات بفارق ملحوظ عن منافسيه الأقرب، الأميركيين، How to Train Your Dragon وMission Impossible، متوقعاً أن يتجاوز ايراداتهما معاً خلال الأسابيع القادمة. She's Got No Name هو أحد الأفلام باهظة الإنتاج، متطورة التقنيات، ذات النفس الملحمي والأسلوب المنمق، التي اتجهت إليها صناعة السينما الصينية في السنوات الأخيرة، لإنتاج أفلام تنافس هوليوود وتخطف الإيرادات وإعجاب المشاهدين. عنواناً للفخامة إذا أردنا أن نضع عنواناً أو وصف يلخص فيلم She's Got No Name فإن الكلمة الأقرب هي "الفخامة"، هذا فيلم فخيم في كل تفاصيله: أكثر من عشرين ممثلاً شهيراً من نجوم السينما الصينية على رأسهم زانج زيي، التي عملت مع كبار المخرجين مثل زانج ييمو وونج كارا- واي وأنج لي، وشاركت في أفلام بشهرة Crouching Tiger Hidden Dragon وThe House of Flying Daggers وأفلام أميركية مثل Rush Hour وغيرها. بجانب النجوم، يسعى She's Got No Name إلى الإبهار، من خلال القصة البوليسية المشوقة التي تعتمد على واقعة تاريخية لجريمة قتل غامضة لم تحل أسرارها إلى الآن. وينتمي الفيلم إلى ما يعرف بدراما "الحقبة التاريخية" (تدور الأحداث في شنغهاي منتصف أربعينيات القرن الماضي)، وعملية إحياء هذا التاريخ شئ مبهر في حد ذاته، خاصة أن صناع الفيلم قاموا بتأجير منطقة قديمة في شنغهاي وبنوا حولها ديكورات فيلمهم، بالطبع بجانب الحرص على إبراز تفاصيل هذه الفترة من عمارة وملابس وسيارات وشوارع.. إلى آخره. يعتمد الفيلم أيضاً على الإبهار البصري المتمثل في الشاشة العريضة والمؤثرات البصرية والصوتية، ويعرض حالياً على 690 شاشة IMAX في أنحاء الصين، حقق من خلالها فقط ما يقرب من 3 مليون دولاراً. "فخامة" الفيلم تمتد أيضاً إلى زوايا التصوير وأحجام اللقطات وحركة الكاميرا، وحتى أسلوب التمثيل "الميلودرامي"، الذي يعتمد على المبالغة (ويذكر بالأعمال الهندية المماثلة مثل RRR) والذي تتسم به الأعمال الملحمية الأسيوية، التي تستلهم أسلوب الأساطير والرسومات القديمة. كذلك يعتمد أسلوب التصوير على اللعب بالضوء والظلال بشكل كبير، مستوحياً اسلوب "الفيلم نوار" Film Noir البوليسي من ناحية، ولوحات الرسام فيرمير من ناحية، وأسلوب الرسم الصيني بالحبر الشيني من ناحية. وبمناسبة الفخامة أيضاً فقد عرض الفيلم لأول مرة في مهرجان "كان" الأخير خارج المسابقة في نسخة طويلة تزيد عن الساعتين ونصف الساعة، ولكن المراجعات النقدية وردود فعل المشاهدين لم تكن إيجابية بشكل عام، ما أقنع صناع الفيلم بإعادة مونتاج الفيلم وإضافة بعض المشاهد وتقسيمه إلى جزئين، وبالتالي فالنسخة التي تعرض حالياً هي الجزء الأول. هذه الواقعة ليست الوحيدة من نوعها وكثير من كبار المخرجين والمنتجين يقومون بتعديل أفلامهم وفقاً لردود فعل المشاهدين والنقاد على العروض الأولى، وأعتقد أن هذا يعكس مدى قوة هؤلاء المخرجين وثقتهم بنفسهم وليس العكس. رحلة عبر الأنواع وبيتر هو- سان شان (أو بيتر شان) مخرج الفيلم هو أحد الأسماء اللامعة في السينما الصينية التي تصنع في هونج كونج، حيث ولد وعاش وصنع العديد من الأفلام الناجحة نقديا وجماهيريا منذ التسعينيات، منها Comrades: Almost Love Story، 1997، الذي صنع نجومية الممثلة ماجي شيونج، وDragon، 2012، وهو فيلم "أكشن" من نوعية الكونغ فو الشهيرة، تدور أحداثه في بداية القرن العشرين، حقق إيرادات قياسية عند عرضه، وهو من بطولة دوني ين، بطل الأكشن وصانع الأفلام القتالية المعروف، وصاحب سلسلة أفلام IP Man الشهيرة. وبجانب تأثره باسلوب هونج كونج الذي يعتمد على الأكشن والميلودراما الصاخبة، يتميز بيتر شان بقدرته على تقديم أنواع مختلفة من الأفلام: الاجتماعي والتاريخي والعاطفي والأكشن، ويتبين ذلك من خلال الأفلام المختارة التي يعرضها مهرجان شنغهاي لبيتر شان في إطار تكريمه. Perhaps Love، 2005، مثلا، يتناول تعقيدات الحب والارتباط، بينما يروي The ، Warlords، 2007، فترة تاريخية حربية من القرن السابع عشر، يدور American Dream in China، 2013، حول التحولات الإقتصادية المعاصرة التي حدثت في الصين من خلال قصة ثلاثة أصدقاء يدخلون مجال "البيزنس"، ويحلمون بتحقيق مشروع تجاري كبير. يمثل "ليس لديها اسم" عودة بيتر شان للنوع التاريخي، ولكن بشكل مختلف، فالخلفية التاريخية السياسية في الفيلم تأتي بعد الدراما العائلية والتحقيق البوليسي اللذان يتصدران المشهد، حيث تتدور الأحداث حول جريمة قتل حدثت خلال منتصف أربعينيات القرن الماضي، وتحديداً في 1945، ذلك العام الفاصل في تاريخ الصين (والبشرية)، الذي انتهت فيه الحرب العالمية الثانية رسمياً بالقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناجازاكي. طبقات من التاريخ في تلك الفترة كانت شنغهاي مدينة كوزموبوليتانية، محتلة من اليابان حتى كان يطلق عليها "طوكيو الصغيرة"، وقد صور ستيفن سبيلبرج شنغهاي هذه الفترة في فيلمه Empire of the Sun، 1987، وقد كانت المدينة مسرحاً لأحداث وتصوير بعض الأفلام الهوليوودية القديمة مثل Shanghai Express الذي أخرجه يوزيف فون شتيرنبرج ولعبت بطولته النجمة مارلينه ديتريش في 1932! المدينة، وتاريخها ووضعها السياسي في ذلك الوقت، تلعب دوراً أساسيا في "ليس لديها اسم" علماً بأن للفيلم اسم آخر بالصينية هو The Mystery of Jiangyuan Lane أو "لغز حارة جيانجيوان" في إشارة إلى الموقع الشعبي الذي دارت فيه القصة الحقيقية. وطبقات من السياسة والدين يدور She's Got No Name حول امرأة شابة جميلة اسمها زان زو (زانج زيي)، متهمة بقتل وتمزيق جسد زوجها زان يونينج (وانج شوانجون) وإلقاء رأس الجثة في النهر. على الشاشة لا نرى فعل القتل نفسه، ولكننا نتابع اقتحام الشرطة للمكان، بقيادة المحقق رفيع الرتبة تسو زيوو (لي جياين)، حيث نرى أجزاء الجثة الممزقة في كل مكان، وحيث نرى المرأة جالسة على الأرض في ركن من الشقة مفزوعة وغارقة في الدماء، وتعترف للمحقق بأنها القاتلة، ومن ثم يقوم بسحبها ورجاله مثل البهيمة في الشارع معتبراً أن القضية قد أغلقت باعتراف المرأة المجرمة. لكن سرعان ما يتبين أن القضية ليست بالبساطة التي تبدو عليها، من ناحية ينبري بعض الحقوقيين والمدافعات عن حقوق النساء بالدفاع عن الزوجة المظلومة معتبرين أنها ضحية، ومن ناحية تظهر أدلة أخرى تشير إلى وجود شريك للمرأة أو ربما القاتل الحقيقي. ولكن المحقق الذي يبدأ بتعذيب زان زو بدافع الكراهية الشخصية (ومخفياً اشتهاءه لها في الوقت نفسه) يصر على إلصاق التهمة بها، وحتى عندما يبدو أنه سيفشل قانونياً، يقوم برشوة القاضي بتذكرة للهرب إلى هونج كونج (أمام الغليان الثوري الذي تشهده البلاد)، مقابل الحكم بإعدام زان زو، ولكن الثوار الذين يجتاحون المدينة سيكون لهم رأي آخر، ما سيبقي القضية غامضة ومفتوحة حتى يومنا هذا. معركة مستمرة تثير القضية ضجة اجتماعية هائلة لعدة أسباب: أولاً بشاعة الجريمة التي اعتبرها المحافظون برهاناً على الانهيار الأخلاقي والخروج على سنن الطبيعة خاصة فيما يتعلق بتجروء النساء على قتل الأزواج، في مجتمع يقدس الرجال ويكرس العنف المنزلي (من قبل الأزواج والآباء والأخوة) ضد النساء. في الوقت نفسه يهب الليبراليون للدفاع عن المرأة التي تعذبت كثيراً على يد زوجها السكير المقامر العنيف، ما دفعها في لحظة غضب مشروعة للرد وقتله. ويستعرض الفيلم جوانباً من الحياة الثقافية "الحديثة" في شنغهاي من خلال ممثلة مسرح شهيرة تتبنى الدفاع عن الزوجة. كما أننا نرى هذه الممثلة، في بداية الفيلم، وهي تقدم أحدث عروضها المقتبس عن مسرحية "بيت الدمية" للكاتب النرويجي هنريك ابسن، التي تعد من بدايات الأعمال المسرحية والأدبية التي تناقش قضية تحرر واستقلالية المرأة وتنتهي، كما هو معروف، بخروج الزوجة من البيت وتمردها على عبودية الحياة الزوجية، حتى لو كانت في قفص ذهبي. يبرز بيتر شان بشكل خاص هذه القضية باعتبارها نموذجاً مبكراً للصراع الاجتماعي حول تحرر المرأة في الصين، ومن ثم يخاطب جمهور اليوم المشغول كثيرا بهذ القضية، حيث تشهد الصين، وخاصة المدن الكبرى مثل شنغهاي وبكين، صعوداً هائلاً وحضوراً متزايداً للنساء. وكما في كل مكان في العالم (ربما باستثناء عالمنا العربي) يمكن أن ترى الحضور النسائي الطاغي في كل مكان، وفي مهرجان شنغهاي مثلاً لاحظت ذلك سواء على مستوى صانعات ومنظمات المهرجان أو في قاعات العرض! حكاية شعبية هذا الصراع الاجتماعي القديم الحديث المحيط بقضية زان زو، يوازيه صراع آخر قانوني و"عقائدي": من الناحية القانونية هناك ثغرة في رأي البعض لإنه بفقدان الرأس يصعب إثبات أن القتيل هو الزوج (نحن في زمن ما قبل الدي إن ايه والطب الشرعي الحديث). ومن الناحية العقائدية يمثل فقدان رأس الزوج انتهاكاً دينياً جسيماً، حيث أنه، وفقا للمعتقدات الصينية لا يٌبعث المرء مجدداً في الحياة الأخرى إذا لم يكن جسمه كاملاً، وبالتالي تتخلص الزوجة من رأس الزوج حتى لا تلتقي بزوجها مرة ثانية في حياة أخرى. وكنوع من تعميق البعد الديني في الفيلم هناك شخصية شاب أعمى، يؤديها النجم إريك وانج، أشبه بالعراف الأعمى في المسرح اليوناني والحكايات الشعبية، يرى ما لا تستطيع الشخصيات أن تراه، وهو متعاطف مع المرأة ويحذر محقق الشرطة من أنه، وفقاً لمقدرات الأبراج الصينية، من دخول الحرب ضد المرأة لإنه سيخسر في النهاية، وهو ما يحدث بالفعل، حيث يجيبه المحقق، على طريقة أبطال التراجيديا الإغريقية، بأنه لا يؤمن بالقدر، ولكنه، مثل هؤلاء الأبطال، ينهار ويتحطم في النهاية لإنه تحدى القدر. She's Got No Name قد يكون فخيماً سينمائياً، ولكنه أيضاً عمل شعبي نموذجي على الطريقة الصينية. * ناقد فني

بكين.. تقف على أطلال امرئ القيس
بكين.. تقف على أطلال امرئ القيس

الرياض

timeمنذ يوم واحد

  • الرياض

بكين.. تقف على أطلال امرئ القيس

الحضاراتُ مصابيحُ الشعوب، وماءُ الروحِ الذي يُشكِّل جوهرَ الإنسانِ بكلِّ ما تحمله إنسانيته من سموّ، وكأنّ التاريخَ هو الحاضر، والزمانَ هو البوابةُ الأجدرُ لنقلِ القِيَمِ والمبادئ. سارت بنا قوافلُ هيئة الأدب والنشر والترجمة إلى 'الصين' للمشاركة في معرض بكين الدولي للكتاب، في العامِ الذي تتعانقُ فيه ثقافةُ المملكة العربية السعودية وحضارتُها مع ثقافةِ جمهورية الصين الشعبية وتاريخها العريق العناق الذي يحقق الرؤية التي رسمت مستقبل بلادنا وجعلتنا في محط قلوب العالم. كان عناقًا يُشبه السحابَ علوًا، ويُشبه القمرَ وضاءةً، ويُشبه الإنسانَ الذي تجذّر من حضارةٍ تهمس همسًا، وتشير إلى كلِّ جمالٍ بصوتٍ خافتٍ وموسيقى هادئة؛ الجمالُ هو الجمالُ في النقوش، وفي الآثار، وفي القصائد، وفي الحروف المرسومة بشكلٍ فنيٍّ مذهل. جئتُ أحمل بين جنبيَّ تاريخًا عميقًا، ولغةً لا تشيخ، وشعرًا يُشكِّل هويةَ الماضي ويَرسمُ الحاضر. جئتُ من ثقافةٍ عزفت على الرمل، وغازلت النسيم، وطوّعت الصحراء لتكون رمزًا أصيلًا للإنسان العربي الذي جعل للكلمةِ جرسًا تسمعه كلُّ شعوب العالم. كان عنوان مشاركتي: 'صوت الروح الإنسانية'، عميقًا بما يكفي لتتّحد فيه اللغاتُ والقصائدُ والموسيقى والألوانُ والحروف. كان حريًّا بالصمت أن يكون محورًا جادًّا يُعلِّمنا كيف نصغي إلى صوت الروح. ثم تساءلنا: كيف كتب الشعراء عن القضايا المشتركة؟ وكيف عبَّر الإنسانُ بلغتين وثقافتين مختلفتين عن مشاعرَ متقاربة؟ بدأتُ من حيث وقف امرؤ القيس: 'قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ ومَنزِلِ' وعَشِق عنترة: 'أَمُرُّ على الدِّيارِ دِيارِ ليلى' وحزن البحتري: 'فُؤادٌ مَلَاهُ الحُزنُ حَتّى تَصَدَّعا وَعَينانِ قالَ الشَوقُ جودا مَعا مَعا' وتجلّى ابن الفارض: 'وَما كُنتُ أَدري والخَيالُ يَزورُني بَأنّيَ في سُكرٍ وَأنّيَ في صَحوِ' وحنّ المتنبي: 'بِمَ التَعَلُّلُ لا أَهلٌ وَلا وَطَنُ وَلا نَديمٌ وَلا كَأسٌ وَلا سَكَنُ' وغنّى سيّد البيد (محمد الثبيتي): 'سَتَموتُ النُّسورُ التي وَشَمتْ دَمَكَ الطِّفلَ يومًا وأنتَ الذي في عُروقِ الثَّرى نَخلةٌ لا تَموتْ مَرحبًا سَيّدَ البِيدِ .. إنّا نَصَبناكَ فوقَ الجِراحِ العَظيمةِ حتى تَكونَ سَماءَنا وصَحراءَنا وهواءَنا الذي يَستبدُّ فلا تَحتويهِ النعوتْ' واغترب إبراهيم الوافي عن ذاته: في المساءِ يعودُ صغاري وقد كَبِروا كي يعودوا إليَّ مساءً .. يُنادونني بالـ'كبير' .. الذي يتجاوز عن قلبه ويُطيلُ صلاةَ الحنين..! أُسائلهم بعد أن يصعدوا .. ويذوبَ جليدُ انتظاري غدًا .. هل يحين؟! وعن أيِّ فقدٍ كتب 'دو فو'؟ ولماذا اعتزل 'لي باي'؟ وكيف همست 'لي تشينغ تشاو' في 'خيط المطر'؟ كلهم يجمعهم صوتٌ داخليٌّ واحد، لكنها لغاتٌ مختلفة، بين موسيقى حاضرةٍ بجرسها في النص، وأخرى خافتةٍ لا تكاد تُلمَس. وما جعل الحديث أكثر جمالًا وعمقًا هو المقارنةُ بين الكلاسيكية والحداثة؛ فكيف استطاع الثبيتي، والصيخان، والوافي، ومجايِليهم أن يُغيّروا شكل القصيدة السعودية لتصعد إلى العالم برمزيةٍ تفهمها كل الشعوب والحضارات، وما دورُ الترجمة، التي جعلت من المترجم مبدعًا ثانيًا، في آلية إيصال الفكرة دون خروجٍ عن سياقها الدلالي. كانت مشاركتُنا في معرض بكين، وحديثُنا عن الإنسانِ، وعن حضارته، وقضاياه المشتركة، فرصةً ثمينةً قدّمتها لنا بلادُنا الغالية، ممثَّلةً في هيئة الأدب والنشر والترجمة، لنكونَ حاضرين بثقافتنا وتاريخنا وحاضرنا المُشرق حول العالم.

هاروكي موراكامي.. كيمياء الكتابة بين "الجاز "والرياضة
هاروكي موراكامي.. كيمياء الكتابة بين "الجاز "والرياضة

الشرق السعودية

timeمنذ يوم واحد

  • الشرق السعودية

هاروكي موراكامي.. كيمياء الكتابة بين "الجاز "والرياضة

تجمع رواية "مهنتي هي الرواية" للياباني هاروكي موراكامي، الصادرة حديثاً عن دار الآداب في بيروت، مقالات ذات بعد واحد، تعبّر عما يسميه الكاتب "دهشة الكتابة". يقول موراكامي: "استطعت أن أمتهن كتابة الرواية لأكثر من 35 عاماً، ويدهشني ذلك حتى اليوم، وما أردت أن أتحدّث عنه في الكتاب، هو حسّ الدهشة هذا". مضرب الكتابة بدأ الأمر خلال متابعته مباراة بيسبول، أو كرة القاعدة الأميركية ذات يوم من عام 1979، وذلك في ملعب وسط طوكيو. ومن هواية لا علاقة لها بالكتابة ولا بالرواية، بدأ رحلته الأدبية، رغم أنه انطلق من المعطى المجتمعي والثقافي الياباني الصعب بالنسبة لثقافات أخرى. لكن موراكامي تخلّص من عائق المحلية، واعترف بأنه شخص منعزل، فرداني، بعيد عن روح الانسجام والتماهي الجماعي السائدة في الأرخبيل الياباني. هكذا عندما كان يشاهد ارتطام كرة بمضرب في الهواء، في تسديدة ناجحة، ومن دون أي مقدّمات، لاحت له هذه الخاطر له فجأة وقال: "أعتقد أن بإمكاني أن أكتب رواية ". لم يستطع تفسير الأمر أبداً. ويشرح موقفه في هذا الصدد:"شعرت وكأن شيئاً جاء مرفرفاً من السماء، وأمسكت به بين يدي. لا أعرف سبب الصدفة التي جعلته يحطّ فوق يدي، كان شيئاً شبيها بالكشف الروحي، أو ربما "التجلي". ما أعرفه هو أن حياتي تغيّرت تغيّراً هائلا لا رجعة فيه". بعد المباراة مباشرة ذهب إلى مكتبة، اشترى كومة أوراق وقلم حبر سائل، وشرع في الكتابة على مائدة المطبخ في سويعات فراغه التي تسبق الفجر. كان حينها شاباً في الثلاثين من عمره، فقيراً أنهكته كثرة القروض التي يدير بها مقهى، تُعزف فيه موسيقى الجاز التي يعشقها طيلة اليوم، وتتردد بكثرة في العديد من رواياته. لم يكن على دراية بفن الكتابة والخيال، كان قارئاً نهماً فقط للروايات الروسية والأميركية. لذا سأل نفسه في البداية: "كيف لشخص مثلي لم يكتب أي شيء في حياته أن يسدّد ضربة رائعة من مضربه؟". جاءه الجواب ذاتياص وعفوياً: "لا تحاول أن تكتب شيئاً معقداً. دعك من تلك الأفكار التي تحاول أن تحدد ما هي الرواية وما هو الأدب، ودَوّن مشاعرك وأفكارك كما تطرأ لك، بحرية، وبالطريقة التي تحبها". أصبح بعدها موراكامي كاتباً قريباً من المشاعر المشتركة، التي لا تعرقلها النظريات الفضفاضة والأسئلة المتعالمة. والغريب أنه كتب باللغة الإنجليزية في البداية، التي وجد فيها سهولة مناسبة، قبل أن ينقل ما كتبه إلى لغته الأم، ليبتدع أسلوباً محايداً. ورطة كبرى حدث أن فازت هذه روايته الأولى "اسمع الريح تغني" بجائزة أدبية، ما دفعه إلى القفز في الماء، أو دخول الحلبة، وهما النعتان اللذان يطلقها على عملية الإبداع الروائي، لأنه مجال صراع، قبل كل شيء. كتب أكثر وأكثر بشكل اضطراري، ووجد نفسه روائياً معروفاً في اليابان، ثم مشهوراً في كل بقاع العالم، كما تُرجمت أعماله إلى أكثر من 50 لغة، وبيعت منها الملايين من النسخ. في ظل وضع أدبي اعتباري مثل هذا، صار مطلوباً، يتم استدعاؤه إلى المحافل الأدبية، ويُسأل عن أسرار النجاح. أجاب موراكامي وفسّر كيمياء الكتابة، مؤكداً أنها لا تكمن في المثابرة قراءةً وتمريناً، فهذه من البديهيات، ولكن بالإلحاح على أن الكتابة تتطلب تنظيماً صارماً، على أساس خطة عمل حقيقية، لا يحيد عنها تحت أي ظرف. يكتب ما يحلو له فقط، من دون وصاية ولا بحث عمّا هو مثير بالنسبة للقرّاء، فبالنسبة له "يجب أن يكون الروائيون أحراراً". يستقي موراكامي في الغالب عالمه الروائي من ذاته، ومن تأمل العالم من حوله، ومن الكتب الأميركية التي ترجمها طيلة ثلاثين سنة بموازاة مع الإبداع الروائي، لكن مع الاستلهام من مجالين بعيدين عن الكتابة. وفي ذلك بالتأكيد سر نجاحه الباهر. يستلهم الكاتب من الموسيقى أولاً، ويقول: "أكتب وكأني أعزف قطعة موسيقية، فالجاز مصدر إلهامي الأساسي. لأن الجانب الأهم من عزف الجاز هو الإيقاع، إذ لا بد من الحفاظ على إيقاع متين من البداية إلى النهاية، وفي ذلك درس مفيد لكتابة الرواية أيضاً". ويستلهم ثانياً من رياضة الركض التي اشتهر بممارستها، ويفسّر قدراته على كتابة روايات يتجاوز عدد صفحاتها الألف، مثل رواية "1Q84"، كون تركيبته هي تركيبة عدّاء المسافات الطويلة، "ما يعني أنني أحتاج وقتاً ومسافة كي أنجز الأشياء على نحو شامل ومكتمل". عدّاء المارثون والإشارة إلى الركض ليست اعتباطية، فكي يستطيع الاستمرار في كتابة رواية حتى النهاية، بمعدل خمس إلى ست ساعات يومياً، تلزمه الطاقة اللازمة لذلك، كي "تسخن فروة رأسي وأفقد لياقتي البدنية، ثم استعيدها". يقول : "إن جرّبت الكتابة سوف تفهم من دون شك أنك تحتاج إلى قوّة بدنية استثنائية، لكي تجلس كل يوم إلى مكتب أمام شاشة حاسوب، أو حتى إلى صندوق برتقالي فارغ فوقه ورق كتابة، لا بد من بذل مجهود ذاتي مستمر كي تحافظ على قوتك البدنية." وهكذا متى صار الكاتب بديناً بالمعنى الرمزي، ينتهي أمره. يحاول موراكامي القول إن الكتابة ليست قضية وحي أو إلهام، أو الاكتفاء بتحريك الأنامل على ورق، أو على لوحة مفاتيح، بقدر ما هي مجهود عضلي لا لبس فيه. الانتقال إلى ضمير الغائب الجميل أن كتابة النصوص الطويلة، فرضت عليه أمراً غريباً ومفيداً، هو الانتقال من السرد بضمير المتكلم، الذي وظّفه لمدة عشرين سنة، إلى ضمير الغائب. فقد "صار من المحتوم أن يتشوّش ذلك الخط الذي يفصل بيني أنا في الواقع وبين البطل في رواياتي، وهذا التشوّش ينطبق على الكاتب والقارئ على حد سواء". ليست المسألة تقنية، فلذلك علاقة باختلاق الشخصيات والتحكّم في مصائرهم. لقد سمح له هذا بتوسيع عالمه الروائي وإمكاناته، بإدماج قصص الآخرين وشخصيات هامشية وثانوية ورسائل طويلة. كما أصبح قادراً على الكتابة عن أصناف عدّة من الناس، وعن ظلال شخصياتهم وتشابكها الهائل. والأروع من ذلك، هو قدرته على أن يصبح أي شخص يريده، بتمثّله وتقمّص خصائصه. كتاب "مهنتي هي الرواية" أو "المهنة: روائي"، كما جاء في الترجمة الفرنسية، ليس دليلاً معتمداً في كيفية كتابة الرواية. بل هو من الكتب التي تُقرأ مثل رواية حقيقية، بطلها كاتب يلقي النظر على دخيلة نفسه تحت تأثير الرغبة العاتية والقاسية في الكتابة. ومن أجل ذلك، اعتمدت الرواية النفَس الروائي والإمتاع الشيّق، الذي يعرف متى يمسك بتلابيب القارئ ويُسعده. وما قدمناه ليس سوى غيض من فيض. حالما نقرأ هاروكي موراكامي، لا مجال للتفكير بشيء آخر.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store