
من المسجد الأموي إلى مستنقع التطبيع.. كيف تحوّلت وعود تحرير الشام إلى استسلام علني؟
لم يكن ليتوقع السوريون والعرب أن تتحوّل تلك الشعارات إلى أكذوبة التحول الجيوسياسي في تاريخ سوريا الحديث، حيث أصبح الحديث عن تحرير فلسطين والجولان السوري طيّ النسيان، ليُفتح الباب على مصراعيه أمام التلويح براية التطبيع العلني مع الكيان الإسرائيلي.
عند سقوط دمشق في 8 ديسمبر 2024 ظهر مشهد فيديو بدا صادمًا للشارع العربي ومفرحًا للبعض منهم، احتشد فيه القادة العسكريون لـ'هيئة تحرير الشام' التابعة لحكام سوريا الجدد من داخل المسجد الأموي وسط العاصمة، مطلقين تصريحاتهم نارية بتحرير المسجد الأقصى في القدس المحتلة والكعبة المشرفة والمسجد النبوي في السعودية.
وفي اليوم التالي، أطلق زعيم 'هيئة تحرير الشام' أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني سابقًا)، تصريحات أمام وسائل الإعلام الأجنبية، ليعلن 'تحرير دمشق من الطغيان' وفق وصفه، متعهدًا بما سماه 'عهد جديد' في سوريا.
لكن خطاب الشرع لم يتضمن أي ذكر لفلسطين أو الجولان أو الاحتلال الإسرائيلي، بل ركز على محاسبة مسؤولي النظام السابق، واعدًا بفتح ملفات 'الفساد والتعذيب'.
ومع مرور الأيام تعهد الشرع بأن سوريا لن تدخل في أي صراع عسكري مع دول الجوار بما فيها الاحتلال الإسرائيلي وبأن دمشق لن تكون منطلقًا لتهديد جيرانها بما فيهم الكيان الإسرائيلي.
مصادر استخباراتية غربية كشفت أن الاتصالات بين هيئة تحرير الشام وتل أبيب لم تبدأ بعد سقوط دمشق، بل قبلها بأشهر.
وثيقة مسربة من وزارة الخارجية الأمريكية، بتاريخ 2 أكتوبر 2024، كشفت عن اجتماعات سرية جرت في العاصمة الأردنية عمان، حضرها دبلوماسيون أمريكيون وممثلون عن جهاز 'الموساد الإسرائيلي'، إضافة إلى وسيط قطري، بحثت سبل تأمين انتقال السلطة في سوريا.
الوثيقة أشارت إلى استعداد أحمد الشرع لتقديم 'ضمانات أمنية لإسرائيل'، تتضمن التنازل عن المطالب التاريخية المتعلقة بالجولان، مقابل اعتراف دولي بحكومته.
ومع سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر 2024، بدا واضحًا أن التحولات الجذرية في سوريا لا تقتصر على تغيير سياسي داخلي، بل امتدت إلى تغيير جذري في العقيدة السياسية والقومية حيث انتقلت سوريا من محور المقاومة إلى محور التطبيع.
مؤخرًا كشفت وسائل إعلام دولية أن حكومة دمشق الجديدة، التي يقودها أحمد الشرع، فتحت قنوات اتصال مع الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما أكده لاحقًا رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي 'بنيامين نتنياهو'، الذي كشف عن شرط 'إسرائيلي' واضح للتطبيع الكامل مع سوريا: التنازل رسميًا عن الجولان لصالح 'إسرائيل'.
وسُرب لاحقًا أن الحكومة السورية المؤقتة وافقت مبدئيًا على هذا الشرط مقابل اعتراف دولي بها واسقاط عقوبات 'قيصر' الأمريكية ودعم اقتصادي كبير.
الرئيس الأمريكي رونالد ترامب كشف أمس الثلاثاء، أن 'نتنياهو' هو من طلب من الإدارة الأمريكية بإسقاط العقوبات الاقتصادية ورفع 'هيئة تحرير الشام' من لائحة الإرهاب.
لم يكن غريبًا في خضم هذه التحولات أن تتعالى الأصوات المحذّرة من أن مخطط إسقاط دمشق لم يكن هدفه مجرد تغيير النظام، بل كان مدفوعًا بمشروع أمريكي -ممول خليجيًا- وإخواني -تقوده تركيا- لإعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة.
في خضم هذه التحولات، بدأت حملات ممنهجة تستهدف أبناء الطائفة العلوية في سوريا، بقيادة فصائل مسلحة محسوبة على الحكومة الجديدة.
روايات متطابقة من دير الزور وحمص والساحل السوري تحدثت عن جرائم قتل طائفية، وسط صمت مطبق من الحكومة.
المفارقة أن وسائل إعلام أمريكية روّجت لرواية مثيرة للسخرية تفاعلت معها قيادات إخوانية، مفادها أن 'حفيد يزيد بن معاوية' هو من أعاد السلام إلى سوريا، في محاولة لتأجيج الصراع الطائفي بالمنطقة.
وفي خطوة مثيرة للجدل، شنت السلطات السورية الجديدة حملات أمنية ضد قادة الفصائل الفلسطينية في دمشق، حيث اعتُقل عدد من القيادات البارزة في حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وكتائب شهداء الأقصى، في إشارة إلى تغيير جذري في السياسة السورية تجاه القضية الفلسطينية.
وسائل إعلام فلسطينية أكدت أن عشرات المعتقلين نُقلوا إلى سجون سرية تحت إشراف مباشر من جهاز أمني يتلقى توجيهاته من ضباط أجانب.
هذا التحول ترافق مع استمرار التوغل الإسرائيلي جنوب سوريا لمسافة تجاوزت 25 كيلومترًا باتجاه دمشق، وسط صمت تام من سلطات دمشق الجديدة، التي تجاهلت حتى إصدار بيانات إدانة.
وكان أحمد الشرع قد صرح في كلمة متلفزة بأن أولويات حكومته هي محاسبة المتورطين في تعذيب السوريين، متوعدًا بنشر قوائم بأسمائهم وتقديم مكافآت مالية لمن يدلي بمعلومات عنهم، دون أي ذكر لممارسات الاحتلال الإسرائيلي.
تاريخيًا، لم يسجل لجماعة الإخوان المسلمين أي مواجهة مباشرة مع إسرائيل، لا في نكسة 1967 ولا في حرب أكتوبر 1973.. وبعد أحداث ما سمي بـ'الربيع العربي'، بدأت الجماعة وحلفاؤها بالكشف عن تقاربهم مع الاحتلال الإسرائيلي.
وخلال حكم الإخوان في مصر عام 2012، بعث الرئيس المعزول محمد مرسي برسالة شهيرة إلى رئيس الاحتلال الإسرائيلي 'شيمون بيريز' وصفه فيها بـ'عزيزي وصديقي العظيم'، معربًا عن تطلعه لتعزيز العلاقات.
وفي ذات العام، دعا القيادي الإخواني عصام العريان علنًا اليهود المصريين للعودة إلى مصر، مطالبًا بإنهاء 'معاناتهم تحت حكم نظام قمعي في إسرائيل'.
نسخة طبق الأصل
اليوم، يبدو أن هيئة تحرير الشام، بحلّتها الجديدة تحت قيادة أحمد الشرع، تكرر ذات السيناريو في سوريا.
فمنذ استلامها السلطة، أرسلت إشارات متتالية إلى الاحتلال الإسرائيلي، معلنة أنها لن تسمح بأن تتحول سوريا إلى مصدر تهديد للاحتلال.
وسمحت الحكومة الجديدة للاحتلال الإسرائيلي بالتمدد في الجنوب السوري، مع إطلاق مشروع 'ممر داود' الذي يمتد من الفرات إلى المتوسط، مرورًا بدرعا والسويداء والرقة ودير الزور والبوكمال والتنف وحتى الجولان، ما يعزز نفوذ الاحتلال ويضيق الخناق على العراق.
وإلى جانب ذلك، دمرت الطائرات 'الإسرائيلية' مواقع الجيش السوري بالكامل، فيما لم تحرك الحكومة الجديدة ساكنًا، بل عبّرت قياداتها عن تفهمها لهذه العمليات.
دور خفي
تقارير إعلامية وتحقيقات قادت إلى دور محوري لجماعة الإخوان المسلمين الدولي في هذا التحول.. من خلال التنسيق مع هيئة تحرير الشام منذ عام 2022.
مصدر أوروبي مطلع كشف أن اتصالات جرت بين قيادات الإخوان ومبعوثين أمريكيين بوساطة تركية، تم خلالها بحث ترتيبات ما بعد الأسد، وجرى خلالها الاتفاق على 'ضرورة تهدئة الجبهة مع إسرائيل'.
وفي تصريحات غير مسبوقة، قال محافظ دمشق الجديد ماهر مروان لإذاعة NPR الأمريكية إن سوريا لا تعتبر 'إسرائيل' عدوًا، وإنها 'لا تخشى' من وجودها، مؤكدًا أن حكومته لا تنوي التدخل في أي قضية تمس أمن 'إسرائيل'.
بل وصف مروان الغارات الإسرائيلية بأنها 'مفهومة' في ظل مخاوف الاحتلال الإسرائيلي من بعض الفصائل التي كانت ناشطة قبل سقوط النظام.
في المقابل، احتفت 'إسرائيل' بهذا التحول.. ونشرت صحيفة 'معاريف' تقريرًا موسعًا للكاتب 'جاكي هوجي' وصف فيه أحمد الشرع بـ'الجهادي المتحوّل إلى حمامة سلام'، مؤكدًا أن الأجهزة الأمنية 'الإسرائيلية' كانت على تواصل سابق مع فصائل المعارضة السورية.
وأكد أن 'إسرائيل باتت تثق أن الحكومة السورية الجديدة ليست خطرًا، بل شريك محتمل'.
تكشف هذه الأحداث المتسارعة عن حجم التحولات الجذرية التي طرأت على المشهد السوري، كما تكشف عن سقوط الأقنعة عن جماعات وتنظيمات لطالما تسترت خلف شعارات دينية.
المشهد في دمشق اليوم يكشف الحقيقة الصادمة.. لا فلسطين ولا الجولان في أجندة الحكام الجدد، بل كل ما يهم هو تثبيت السلطة، ولو بثمن بيع ما تبقى من الكرامة السورية.
لم تعد هناك أي أقنعة.. الجماعات التي رفعت راية الإسلام السياسي لعقود، من الإخوان إلى القاعدة وداعش والنصرة، وصولًا إلى هيئة تحرير الشام، جميعها انتهت إلى حضن التطبيع، وتحوّلت من جماعات متشددة إلى أدوات لخدمة مشاريع تقسيم المنطقة وتصفية قضاياها.
ولم تعد المسألة مجرد تغيير نظام، بل تحولت سوريا إلى ساحة مكشوفة لتمرير المشاريع الإسرائيلية-الأمريكية، وسط صمت مدوٍ من قوى كانت ترفع شعار 'المقاومة والممانعة'.
ويبقى السؤال الأهم: هل باتت فلسطين والجولان مجرد أوراق تفاوض ومساومة على طاولات التطبيع؟ وهل بقي في سوريا من يستطيع الوقوف أمام هذا الانهيار الكامل؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليمن الآن
منذ يوم واحد
- اليمن الآن
50 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
أدى آلاف المواطنين، صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك، في ظل الإجراءات العسكرية المشددة التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على الوصول إلى المسجد. وقدرت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، أن نحو 50 ألف مصل، أدوا الجمعة في رحاب المسجد الأقصى. وأفادت مصادر محلية لـ'وفا' بأن قوات الاحتلال عرقلت وصول المصلين إلى الأقصى لأداء الصلاة، عبر بابي العامود والأسباط، ودققت في هوياتهم، وأوقفت عددا من الشبان ومنعتهم من الدخول إلى المسجد. وأضافت المصادر ذاتها أن قوات الاحتلال أغلقت الطريق المؤدي إلى باب الأسباط أمام حركة المركبات، بالتزامن مع اقتحام مجموعة من المستعمرين للمنطقة. وتواصل قوات الاحتلال فرض قيود مشددة على دخول المصلين إلى المسجد الأقصى خاصة خلال أيام الجمعة. وتحرم سلطات الاحتلال آلاف المواطنين من محافظات الضفة الغربية من الوصول إلى القدس لأداء الصلاة في المسجد الأقصى، وتشترط استصدار تصاريح خاصة لعبور حواجزها العسكرية التي تحيط بالمدينة المقدسة. *نقلا عن وكالة الأنباء الفلسطينية وفا


اليمن الآن
منذ يوم واحد
- اليمن الآن
آلاف الفلسطينيين يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
يمن ديلي نيوز: أدى عشرات آلاف الفلسطينيين صلاة اليوم الجمعة، في المسجد الأقصى المبارك وباحاته، رغم القيود المشددة التي تفرضها شرطة الاحتلال الإسرائيلي على الوافدين. وخلال ساعات الصباح، توافد الفلسطينيون عبر باب العامود إلى مدينة القدس القديمة والمسجد الأقصى، تهيئة لأداء صلاة الجمعة. وأوقفت قوات وشرطة الاحتلال الشبان ودققت في هوياتهم؛ لعرقلة دخولهم إلى المسجد الأقصى قبيل الصلاة. وانطلقت دعوات فلسطينية من الداخل الفلسطينية المحتل والبلدات والقرى المقدسية المجاورة، لشد الرحال إلى المسجد الأقصى والرباط فيه والتصدي لاعتداءات واقتحامات المستوطنين. وتأتي هذه الخطوة رغم القيود المشددة التي تفرضها قوات الاحتلال على مداخل القدس والمسجد الأقصى، في ظل تصاعد الانتهاكات اليومية بحق المصلين والمرابطين. مرتبط المسجد الأقصى - صلاة الجمعة - مدينة القدس


26 سبتمبر نيت
منذ يوم واحد
- 26 سبتمبر نيت
50 ألفًا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
أدى عشرات آلاف الفلسطينيين صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، رغم تضييقات وتشديدات قوات العدو الإسرائيلي، وإغلاق الطريق المؤدي إلى بلدة سلوان بالقدس المحتلة. أدى عشرات آلاف الفلسطينيين صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، رغم تضييقات وتشديدات قوات العدو الإسرائيلي، وإغلاق الطريق المؤدي إلى بلدة سلوان بالقدس المحتلة. وأفادت دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس، بأن 50 ألف مصل أدوا صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، وصلاة الغائب على أرواح شهداء قطاع غزة والضفة الغربية. وقال شهود عيان، إن قوات العدو واصلت إغلاق طريق باب الأسباط ووادي حلوة ببلدة سلوان في الجهة الجنوبية من المسجد الأقصى، منذ مساء أمس لتأمين مرور المستوطنين للمقبرة القريبة من باب الأسباط. وأوضحت وكالة "صفا" الفلسطينية، أن قوات العدو انتشرت بكثافة في شوارع مدينة القدس، خاصة عند باب الأسباط، ومنعت حركة المركبات بالمكان بسبب زيارة المستوطنين للمقبرة. وأوقفت قوات العدو العشرات من الشبان عند الحواجز العسكرية المحيطة بمدينة القدس، وعند مداخل بوابات البلدة القديمة بالقدس، وفتشت بعضهم، ومنعت آخرين من الوصول إلى المسجد الأقصى. من جانبه، أكد خطيب المسجد الأقصى خالد أبو جمعة، أن المسجد الأقصى مكان مقدس، قدسه الله تعالى وشرفه، مسجد يسكن في قلب كل مسلم، يراه بعين قلبه وعقله وجميع جوارحه ليل نهار. وشدد على أن المسجد الأقصى حق خالص للمسلمين وحدهم، وقضيته قضية المسلمين أجمعين، قائلا" فنسب المسجد الأقصى ملتصق بنا لنا وحدنا، نحن أمة الاسلام، فنحن الأمة الوارثة". وخاطب العالم بقوله: "على العالم كله بأديانه وطوائفه وشرائعه وفرقه وأحزابه وجمعياته ومنظماته،أن يعلموا أن المسجد الأقصى هو عقيدة المسلمين، هو عقيدة دينية وحقيقة تاريخية ورواية أصلية جلية أثبتها الواقع وحررته الكتب للمسلمين".