
حرب غزة ومعضلة الهوية في المجتمع اليهودي بالولايات المتحدة
وتعتبر هذه الأسئلة قضية قديمة جديدة، إلا أنّ " طوفان الأقصى" كثّف من تأثيرها ووسّعه. فقد أبرز الطوفان أيضا الاختلافات بين اليهود في مشهدٍ يتجاوز في تعقيده النظرة التي تختزل يهود أميركا في المؤسّسات اليهودية الأميركية، كاللجنة اليهودية الأميركية، المعروفة باسم أيباك ، أو رابطة مكافحة التشهير. فأثّر طوفان الأقصى في نفوذ هذه المؤسّسات، وخلف فجوةً بين توجّهاتها وتعبيرها عن أفكار المجتمع اليهودي الأميركي ومعتقداته، ومن ذلك مثلا سعي فئات من يهود أميركا إلى تأسيس منظّماتٍ بديلة.
الباحث الحاج محمد الناسك يفصّل هذه القضية في دراسةٍ نشرها مركز الجزيرة للدراسات، حملت عنوان "يهود الولايات المتحدة الأميركية في مواجهة تحدّيات حرب الإبادة في غزة" ويناقش أثر ما يجري في غزة، وكيف غيّر نظرة يهود الولايات المتحدة إلى أنفسهم، ونظرة الآخرين لهم وعلاقتهم بإسرائيل، وما يوصف بأنه حربٌ أهلية أيديولوجية كانت كامنة فحمي وطيسها.
من اليهودي؟ سؤالٌ عمره عمر إسرائيل
تقدّر دراسةٌ لمركز بيو للدراسات عدد اليهود في الولايات المتحدة بحوالي 5.8 ملايين نسمة، يشكّلون 2.4% من جميع البالغين فيها. ومن هؤلاء يعرّف 1.5 مليون يهودي أنفسهم بأنهم "بلا دين" من بينهم ملحدون ولا أدريون، أو يرون أن انتماءهم لليهودية يقتصر على العائلة أو الثقافة أو العرق، ويُضاف إليهم 700 ألف يهودي، من أصل 2.8 مليون بالغ لهم أصولٌ يهودية، لا يعدّون أنفسهم يهودا بأي شكلٍ من الأشكال.
ومما يزيد من تقلّب الهوية اليهودية وفود آلاف المهاجرين الجدد إلى إسرائيل مع سقوط الاتحاد السوفياتي، وكثير منهم لم يكونوا يهودا وفق الشريعة الدينية. وبين عامي 1990 و2020، لم يُعَدّ 36% من المهاجرين من الاتحاد السوفياتي السابق يهودا. واليوم، يوجد ما يقرب من 500 ألف إسرائيلي مسجّلين رسمياً على أنهم "لا ينتمون إلى أي دين".
ومنذ ذلك الحين، اتسعت الفجوة بين يهود أميركا وإسرائيل. وتكشف دراسة لمركز بيو من عام 2021 أن 70% من اليهود الأميركيين غير الأرثوذكس يتزاوجون، وهم بذلك ليسوا يهودا بموجب شريعتهم.
حرب غزة.. لحظة ظلام
انقسم يهود أميركا بين من أيّد ما حدث بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 ودافع عن إسرائيل، وبين من انتقد السياسات الإسرائيلية ورفضها. وترافق ذلك مع احتدام الانفصام بين يهود أميركا وإسرائيل، وكذلك الأزمات المحيطة بهذين المركزين.
ويحذّر الكاتب توماس فريدمان مثلاً من أن تصبح الدولة اليهودية كياناً منبوذاً ومصدر عارٍ لا فخر فيه، ويرى أن على يهود العالم الاستعداد للتعايش مع هذا الواقع الجديد. ومثله يقول الكاتب ستيفن ويندمولر إن يهود أميركا يعيشون "لحظة ظلام" منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ويتطرّق ويندمولر أيضا إلى التداعيات الاقتصادية للطوفان على يهود أميركا، إذ تمّ تأخير أو إلغاء العديد من المبادرات لجمع التبرّعات، وهو ما أدّى إلى أن تواجه بعض منظّمات الخدمة الاجتماعية والتعليمية والدينية تحدّيات اقتصادية.
كما يتحدّث الكاتب بيتر بينارت عن التعريف المغلوط لمعاداة السامية الذي يُساوى عادةً بمعاداة الصهيونية، مشيراً إلى التهرّب التام والغامض من الأسئلة الأخلاقية التي تفرضها مذبحة غزة، ويُضيف "في معظم العالم اليهودي اليوم، يعد رفض يهودية الدولة اليهودية هرطقة أكبر من رفض اليهودية نفسها". لكن يُؤخذ على بينارت عدم ذكر المعارضة اليهودية التاريخية للصهيونية، والتعامل معها على أنها أمرٌ مسلّم.
ويُجمل ويندمولر التحوّلات التي مرّ بها يهود أميركا بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول بقوله "مثلما تمر إسرائيل بتحوّلٍ كبير، يشعر العديد من اليهود الأميركيين بشكل شخصي وجماعي بتأثير هذه الأحداث على حياتهم. إن نظرتنا لأنفسنا على أننا جزء من أميركا، وكذلك فهمنا لعلاقاتنا مع إسرائيل والمجتمع اليهودي العالمي، يخضع لإعادة صياغة. نحن الآن نعيد تعريف هوياتنا بينما نعيد النظر في مكانتنا السياسية، وأولوياتنا المجتمعية، وثوابتنا الثقافية. نحن نواجه لحظة مختلفة تماماً في وعينا اليهودي. من الناحية الجسدية والعاطفية، نجد أنفسنا في مكان غير مريح وغير مؤكّد، بينما نستيقظ على التأثير الكامل لهذا التسونامي من الكراهية والاضطراب السياسي الذي يغير الشعب اليهودي".
اليسار اليهودي والأجيال الناشئة
تتجلّى هذه التغيّرات بشكلٍ خاص في اليسار اليهودي بأميركا الذي عبّر طيف واسع منه عن تضامنه مع القضية الفلسطينية. ويُعتقد أن بعض اليهود في اليسار يشعرون بالإحباط من تركيز اليسار اليهودي الشديد على الصهيونية، على حساب بناء منظمات يهودية تقدمية تخدم مجتمعاتهم وتتحدث إليهم. كما يُوحي هذا الأمر بأن الصهيونية مشكلة يهودية في الولايات المتحدة، بينما هي في الواقع مشكلة إمبريالية أميركية.
فيُشير الباحث بنيامين بالتاسر إلى أن رؤية الهوية اليهودية التي تتجلّى في المظاهرات التضامنية مع فلسطين، هي المرحلة الأخيرة في تاريخ طويل يرى الهوية اليهودية في علاقة مع جميع المجتمعات التي تواجه القمع.
ويرى بالتاسر أنه من الواجب على اليسار اليهودي مُواجهة الصهيونية وأن ينتظم تضامنًا مع الفلسطينيين، وأن مهمة هذا اليسار اليهودي هي تصوُّر عالم ما بعد هذه الأزمة "وأننا ستحتاج إلى منظمات ومجتمعات تدوم إلى ما بعد لحظة الاحتراق الآنية التي نعيشها ونموت من خلالها".
وقد شهدت المنظّمات اليهودية اليسارية -التي عملت على تنظيم مظاهراتٍ مؤيّدة لفلسطين، منها "إف نوت ناو" (IfNotNow) و"صوت اليهود من أجل السلام" (جي إف بي)- ارتفاعاً هائلاً في عدد أعضائها مع زيادة وتيرة الاحتجاجات أيضاً.
مراجعات على أعتاب الصهيونية
يمرّ يهود أميركا أيضا بتحولات جيلية لافتة، فيقول بينارت إن الشباب اليهود يسعون إلى صياغة هوية يهودية لا تتماهى مع إسرائيل وأيديولوجيتها الصهيونية، وهو ما اشتد وتوسّع بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، رغم أن جذوره تعود إلى ما قبل ذلك. كما يكشف استطلاعٌ للرأي في أوساط الشباب اليهودي الأميركي أنهم لا يفكرون بإسرائيل، بل يستخدمون كلمة "هم" بدلا من "نحن" عندما يطلب منهم الحديث عن إسرائيل ووصف الموقف.
ويتحدّث ويندمولر عما يواجهه السياسيون الإسرائيليون من لوم من يهود الخارج، وهو ما يُشعِرهم -في بعض الحالات- أنهم ليس لديهم وطن "يهودي" حقيقي، ويشمل ذلك الشباب الجامعي وغيرهم من أبناء الجيل زد وجيل الألفية الآخرين.
ويرى عالم الأنثروبولوجيا البولندي برونيسلاف مالينوفسكي أن المؤسّسات هي إجابة الثقافة عن الضرورات الأساسية للإنسان. لكن، يبدو أن المؤسسة اليهودية الرسمية في الولايات المتحدة -في عالم "ما بعد الطوفان والعربدة"- قد انفصمت عرى سرديتها التي تربط الهوية اليهودية بالصهيونية، ولم تعد تقنع شرائح واسعة من اليهود أنفسهم!
وقد نعى بينارت عجز هذه المؤسّسات عن جذب الشباب، خاصة من يهود أميركا، فقد طلبت المؤسّسة اليهودية في أميركا من اليهود على مدى عقود مراجعة ليبراليتهم عند باب الصهيونية، فإذ بها تجدهم يراجعون صهيونيتهم بدلا من ذلك!
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
الحرب على غزة مباشر.. 70 شهيدا خلال 24 ساعة والاحتلال يواصل قصف خيام النازحين
في اليوم الـ649 من حرب الإبادة على غزة ، واصلت إسرائيل غاراتها على القطاع، واستشهد 70 فلسطينيا خلال الـ24 ساعة الماضية، بينهم 49 في مدينة غزة، إثر الغارات المتواصلة على منازل وخيام النازحين وتجمعات لمنتظري "المساعدات".


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
ترامب أكد أنه بات قريبا.. لماذا لم يتم التوصل لوقف إطلاق نار في غزة؟
بينما تواصل قوات الاحتلال قتل الفلسطينيين في مصايد المساعدات، لا يزال الغموض مسيطرا على مفاوضات وقف إطلاق النار، الذي أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب مرارا أنه بات قريبا. فبعد أسبوعين من حديث ترامب عن قرب التوصل لاتفاق، قال المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري إن المفاوضات لا تزال مستمرة دون جمود، وإن هناك أفكارا متجددة على الطاولة. هذا الحديث عن عدم جمود المباحثات لا يعني بالضرورة وجود تقدم فيها، وهو يعزز فرضية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية – يواصل شراء الوقت عبر طرح مزيد من الشروط لعرقلة التوصل لاتفاق. وتعطي تصريحات الأنصاري مؤشرا إيجابيا، لكنها لا تعطي إجابة واضحة بشأن ما وصلت إليه المباحثات، مما يزيد من حالة الغموض التي تكتنفها، كما قال المحلل السياسي أحمد الحيلة لبرنامج "مسار الأحداث". ويواجه الاتفاق المحتمل خلافات بشأن آلية تقديم المساعدات وحجم وطريقة انتشار القوات الإسرائيلية في قطاع غزة خلال الهدنة، وخصوصا في المحاور الحدودية. نقاط يمكن حلها ومن المتوقع أن يتفاهم الطرفان بشأن آلية تقديم المساعدات التي تحاول إسرائيل السيطرة عليها وتحويلها لأداة قتل وتهجير، لكن الخلاف الكبير ربما يتمحور حول وجود قوات الاحتلال بالقطاع. ولا تبدو "المدينة الإنسانية" التي تحدثت تل أبيب عن إقامتها على أنقاض رفح جنوب القطاع قابلة للتحقق، بسبب رفضها حتى من الجيش الإسرائيلي الذي قال إنها تتطلب كثيرا من الوقت والمال. وواجهت الفكرة انتقادات أممية وداخلية، حتى إن الجنرال الإسرائيلي المتقاعد يسرائيل زيف، وصفها بأنها "أكبر معسكر اعتقال في التاريخ"، وقال إنها "جريمة جرب كاملة". لذلك، فإن مشكلة المفاوضات الأساسية هي خرائط انتشار قوات الاحتلال، وليست طريقة تقديم المساعدات، التي يقول المسؤول السابق في الخارجية الأميركية توماس واريك إن إسرائيل لا تقدمها بالشكل المفروض عليها كقوة احتلال ملزمة بإطعام الناس. ففي حين تتمسك المقاومة باتفاق يمهد لانسحاب كامل من القطاع ويضمن عودة الناس لبيوتها والتنقل بحرية، يتمسك نتنياهو بالبقاء في محاور فيلادلفيا وموراغ وصلاح الدين بما يضمن له تحقيق هدفه الإستراتيجي المتمثل في فرض واقع أمني جديد ودائم، برأي الخبير في الشأن الإسرائيلي مهند مصطفى. نتنياهو يحاول شراء الوقت ومن خلال تمسكه بإبقاء السيطرة العسكرية على مدينة كاملة ذات أبعاد إستراتيجية مستقبلية، يحاول نتنياهو شراء الوقت حتى لا يفشل الصفقة من جهة وحتى لا يغضب اليمين المتطرف من جهة أخرى، لأنه يقاتل من أجل الوصول إلى إجازة الكنيست نهاية الشهر الجاري، التي يقول مصطفى إنها ستضمن له بقاء الحكومة حتى لو انسحبت منها أحزاب اليمين. لكن واريك يقول إن ترامب قد يضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات بشأن الخرائط الأمنية، لأنه لن يقبل بالظهور كرئيس ضعيف، وسيتعامل بحسم مع محاولة نتنياهو الواضحة لشراء الوقت، كما فعل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. غير أن كلام واريك، لا ينفي حقيقة أن الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية التاريخية عما تقوم به إسرائيل، لأنها توفر لها الدعم السياسي والعسكري لقتل الفلسطينيين وتهجيرهم، رغم حديثها الدائم عن ممارسة الضغوط التي يقول الحيلة إنها تنتهي في كل مرة بتقديم مقترحات تضمن لنتنياهو السيطرة على مساحات تجعله قادرا على تهجير سكان القطاع مستقبلا. وقد أكدت المقررة الأممية المعنية بالحق في الصحة تلالنغ موفوكينغ أن السلوك الذي تمارسه إسرائيل وحلفاؤها في قطاع غزة ، والأراضي الفلسطينية المحتلة عموما، يمثل فصلا عنصريا وسعيًا ممنهجا لمحو الشعب الفلسطيني. وفي مقابلة مع الجزيرة، أمس الثلاثاء، قالت موفوكينغ إن قوات الاحتلال عملت بشكل ممنهج وتحت حماية من الولايات المتحدة وحلفاء آخرين، على تدمير القطاع الصحي في غزة، وتجويع الناس وإرهاقهم بما يمثل إبادة جماعية واضحة. ولم يسبق للعالم أن شاهد هذا التدمير الذي تمارسه إسرائيل ضد مقومات الحياة بغزة، وتحديدا القطاع الصحي، في أي نزاع سابق، مما يعني -وفق المقررة الأممية- أن تل أبيب حصلت على دعم من الولايات المتحدة ودول أخرى بعدم المعاقبة.


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
في قطاع عانى لسنوات طويلة حصارا خانقا.. كيف تطور المقاومة سلاحها؟
منذ أولى أحداثها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وصولا إلى هذه المرحلة التي قالت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة إنها تخوض فيها حرب استنزاف، تكشفت التطورات عن قدرات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في توفير سلاحها. منذ اندلاع الأحداث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وصولا إلى هذه المرحلة التي قالت المقاومة الفلسطينية إنها تخوض فيها حرب استنزاف، تكشفت التطورات عن قدرات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على توفير سلاحها. وجاء تصريح مصدر قيادي في كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- للجزيرة بأن المقاومة لا تعتمد على تهريب السلاح عبر الحدود المصرية منذ سنوات طويلة، ليطرح مجددا أسئلة تتعلق بمصادر تطوير سلاح المقاومة، في قطاع عانى لسنوات طويلة حصارا خانقا من جهاته الأربع. وكان المصدر القيادي قد قال -للجزيرة- إن ما يروجه الاحتلال كمبرر لتدمير مدينة رفح جنوبي القطاع، وتحويلها إلى "معسكر نازي"، محض أكاذيب ذات أهداف سياسية، مؤكدا أن معركة طوفان الأقصى أثبتت قدرة المقاومة على الاكتفاء الذاتي. وسلط تقرير لقناة الجزيرة الضوء على سلاح المقاومة الفلسطينية التي تواجه عدوانا إسرائيليا، أظهرت خلاله أنها قادرة على استنزاف جيش الاحتلال بوسائل وبسلاح محلي الصنع. فبعد سنوات الحصار الطويلة على قطاع غزة وقطع شرايين الإمداد من خارج حدوده، تطور مفهوم ذاتية السلاح إلى حدوده القصوى، وهو ما بيّنه تحقيق سابق للجزيرة ضمن برنامج "ما خفي أعظم"، إذ أظهرت الصور فرق التصنيع العسكري في كتائب القسام، وهي عاكفة على مهمتها في تصنيع صواريخ جديدة من مخلفات القذائف الإسرائيلية خلال الحرب على غزة عام 2014. وفي مخابئ كتائب القسام، ولدت قذائف " الياسين 105"، ودخلت الخدمة مع عملية طوفان الأقصى ، وأثبتت فعالياتها بتدمير مئات الآليات الإسرائيلية خلال هذه الحرب. سر القدرة التدميرية ولم يختلف الأمر بالنسبة للعبوات المتفجرة محلية الصنع مثل "شواظ" وغيرها. فقد صُنعت من مواد متاحة محليا، كالأنابيب المعدنية والصفائح النحاسية، وصُممت بقدرات عالية في اختراق دروع الآليات العسكرية. ومن المواد الأولية نفسها، طورت كتائب القسام بندقية القنص الشهيرة باسم بندقية "الغول"، حتى وصلت إلى مدى ألفي متر، وأصبحت قادرة على اختراق السترات الواقية والخوذ وبعض الدروع الخفيفة. ولم تكن المعادن التي وصلت إليها كتائب القسام في غزة المحاصرة، سوى بقايا خطوط أنابيب ضخمة لنقل المياه، كانت إسرائيل تسرق بها مياه غزة، واكتشفتها الكتائب عام 2017. وحسب تقرير جعفر سلمات على قناة الجزيرة، فإن سر القدرة التدميرية لصواريخ القسام، كشفته صور عرضها برنامج "ما خفي أعظم"، إذ وصلت وحدة الضفادع البشرية في كتائب القسام إلى حطام سفينتين بريطانيتين مدمرتين منذ الحرب العالمية الأولى في أعماق بحر غزة. ومن ذخائرها المخزنة عززت الكتائب رؤوس صواريخها التي ضربت بها العمق الإسرائيلي. واتسعت ذاتية السلاح لتشمل أبعادا استخبارية، عندما كشفت القسام عن عثورها على أدوات تجسس وتصوير وتنصت زرعها الاحتلال في القطاع خلال الحرب وسط الركام، قبل أن تعيد استخدامها بنفسها للاستطلاع. وفي حرب الاستنزاف الذكية التي تخوضها، أعادت المقاومة تدوير مخلفات الاحتلال والركام والمعادن، وأنتجت أدواتها القتالية داخل بيئة محاصرة ومغلقة.