
أهوال الحرب... بين هوبز وكيسنجر
المفاوضات علمٌ قائم بذاته في مجال العلوم السياسية. من الصعب إنجاز حلٍّ من دون تنازلات؛ أو فهمٍ كامل للإشكال ومن ثمّ التبويب لحلٍّ ما.
الكارثة أن الذي يجري في الإقليم منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 يعبّر عن عبثٍ محض. بل أعطى المغامرون هدية على طبقٍ من ذهب لإسرائيل، فاستثمرت به ولا تزال.
الفكرة أن القدرة على بدء حدثٍ ما سهلٌ جداً، ولكنَّ إنهاءه ضمن الأهداف المطلوبة يستحيل؛ وآيةُ ذلك تصريحات «حماس» و«حزب الله» الأخيرة التي تعبّر عن الانهيار. التفاوض دائماً عبر التاريخ جزءٌ من جدول الحرب.
قد تكون هذه المغامرات فرصة لتحوّل تنموي في الإقليم. ليس سراً أن غموض الميليشيات واندساسها داخل الدول كان عنصر قلقٍ كبير.
ما كانت السيطرة عليها سهلة، ولكن حين غامرت وتبدّت هزائمها باتت الفرص سانحة نحو ساحة سلامٍ حيويّة، ضمن أفكارٍ حضارية بل وفرصة ثمينة لتمتين وتقوية مفهوم الدولة، والسيطرة على العنف المنفلت، ليكون كل سلاحٍ بيد الدولة من دون مغامرةٍ أو مروق.
كان الفيلسوف توماس هوبز، وهو ممن شهدوا رشقات الدم في الحرب الأهلية الإنجليزية في القرن السابع عشر، حكيماً ومتشائماً في آنٍ معاً. أثّر ذلك الحدث على كل فلسفته وبخاصةٍ على كتابه الأساسي: «اللفياثان».
تنظير هوبز السياسي هو الأشهر في فلسفته، وغَدَت نظريته المنطلقة من مقولتين شهيرتين هما: «لقد أصبح الإنسان ذئباً على أخيه الإنسان»، و«كل شخص عدوٌّ لكل شخص»، أساسية في فهم الطبيعة البشرية، أو ما يسمّيها «الحالة الطبيعية»، أي حالة ما قبل تشكّل الدولة.
لذلك عُدّت فلسفته إحدى أشهر الفلسفات السياسية المعاصرة. ولا عجب أن تُستغل فلسفته وتُضخّ بتأويلات جديدة. حتى عدَّه بعض المؤرخين الأب الروحي للفكر الأنغلو-أميركي والمرجع التسويغي للإمبراطوريتين البريطانية ثم الأميركية. وذلك وفق مبرراتٍ يطرحها هوبز ويجلّيها ستراوس، أبرز شرّاح هوبز.
أطروحة هوبز المركزية حول طبيعة الإنسان بوصفه كائناً حيوانياً مدفوعاً بالخوف من الموت، وبخاصة الموت العنيف الذي يسببه له الآخر كعدو بالقتل، تعد هي الأصل الأنثروبولوجي الذي يعارض الأطروحة الأفلاطونية التي لا تهمل أبداً الأصل الأخلاقي للإنسان.
يعلّق هنري كيسنجر على أطروحة هوبز -التي أعجبت الرئيس نيكسون- قائلاً: «في ممارسته المبكرة عكف سلام وستفاليا على اعتماد عالم هوبزي. كيف من الممكن صناعة توازن القوة الجديد هذا؟ لا بد من التمييز بين توازن القوة بوصفه واقعاً وتوازن القوة بوصفه نظاماً. يتعين على أي نظام دولي -ليكون جديراً بالاسم- أن يصل، عاجلاً أو آجلاً، إلى التعادل، وإلا فسيبقى في حالة حرب متمادية».
الخلاصة؛ أن قرارات الحروب جزء من سياسات الدول لا إرادات الميليشيات. الحرب جزء من السياسة وهي ضرورية في حينها. الخطورة أن تكون الحرب من أجل الحرب، لأهدافٍ عقائدية، أو مذهبية، أو لمبرراتٍ تنزع نحو الكراهية والاستئصال. أفكار الحروب القديمة انتهت. ثمة فرص قويّة للسلام والتفاوض، من دون ذلك فإن المحارب من دون هدف يقذف بنفسه وعن عمدٍ نحو الجحيم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أخبارنا
منذ 3 ساعات
- أخبارنا
صالح الراشد : الهروب الكبير وتل ابيب تستنزف واشنطن
أخبارنا : صالح الراشد هربوا عبر سفن الموت ومطارات متعددة وبحثوا عن كل منفذ للخروج من فلسطين المحتلة، فقطعوا مسافات طوال على أمل الوصول للقارة الأوروبية بحثاً عن النجاة من صواريخ اليمن وإيران التي حملت الموت والدمار، وسبق هذا الهروب هروب أكبر حين غادروا مستعمراتهم حول غزة خوفاً من صواريخ المقاومة وجرأة أبطالها في اقتحام مصائد الموت وتحقيق المستحيل، وهربوا من شمال فلسطين رعباً من صواريخ حزب الله ليتجمعوا في وسط فلسطين المحتلة التي ضاقت بهم، نعم هذا هو حال المحلتين لفلسطين الباحثين عن حياة أفضل فوجدوا الموت ينتظرهم صباح مساء ويقرع أبواب منازل أبناء فلسطين التي اختطفوها ليعانقهم ويأخذهم للقبر. لقد أثبت الصهاينة المحتلين لفلسطين أنهم قد سرقوا وطناً ليس بوطنهم، وأن الوطن الموعود مجرد حلم تحول لكابوس مرعب حيث لا أمن لهم في ظل وجود حكومة نازية أشعلت حروب متعددة ونشرت الموت انتصاراً لمصلحة النازي نتنياهو وحدة، ليكون ارتداد الموت صوب صانعيه أمر طبيعي، ليشعر المهاجرون صوب أرض الغير أنهم قد تعرضوا لخديعة كبرى بمغادرة أوطانهم في الغرب، وأنهم أخطاؤ بالحضور لأرض فلسطين التي فيها شعب هو الأجرأ في تاريخ البشرية، فهذا الشعب الجسور صاحب الحق في أرض وسماء فلسطين لم يهرب بعد اللجوء القاسي والنزوح المهين وعذابها القاسي، فتعلم الدرس ليتمسك بجميع أطيافه بكل ذرة من تراب وطنه، مفضلين أن يُدفنوا فيه رافعين رؤسهم على ذل المغادرة. وتشير التقارير ان أكثر نصف سكان فلسطين من المحتلين يحملون أو قدموا لنيل جنسية أخرى، فهناك حوالي نصف مليون يحملون جنسية مزدوجة مع دولة من دول الاتحاد الأوروبي، وربع مليون يحملون جنسية مزدوجة مع الولايات المتحدة. اضافة لمليون ونصف من أصل روسي وغالبيتهم العظمى يحملون جوازات سفر روسية، ويملك ثلاثة ملايين الحق في الحصول على الجنسيتين الإسبانية والبرتغالية طبقاً لشروط الجنسية الحالية، ونصف مليون يمكنهم الحصول على جواز سفر كل من بولندا ولاتفيا وألمانيا، بمجرد إثبات أن الأهل أو الأجداد سكنوا في تلك البلدان قبل الحرب العالمية الثانية، فيما يشكل الفلسطينيون خُمس عدد السكان. ويشكل اليهود أقل من رُبع الجيش الصهيوني فيما البقية من دول متعددة أبرزها الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، جنوب أفريقيا، ألمانيا، كندا، فنلندا، إريتريا، السودان، إثيوبيا، أوكرانيا، إيطاليا، بلجيكا، هولندا وتركيا، كما يستعين الجيش الصهيوني بآلاف المرتزقة في الأجانب سنويا تجلبهم شركات مختصة تتقدمها "غلوبال سي إس تي" وشركة "ريفن" وشركة "بلاك ووتر"، وبرز الأمر في العدوان على غزة حيث عملت عديد الأذرع على التعاقد معهم لتنفيذ عمليات عسكرية واستخباراتية لصالح الكيان الذي لا يستطيع أن يواجه المقاومة الفلسطينية منفرداً، لذا كان الهروب الكبير يوم السابع من أكتوبر وما تلاه من أيام إثر قصف حزب الله وإيران للكيان لأنهم مجرد عابرون في كلام عابر كما وصفهم الشاعر محمود درويش. آخر الكلام: الشعب الأمريكي الداعم للكيان بكل قوة لا يريد المزيد من الحروب لأنه يدرك ان الضرائب سترتفع عليه وسيدفع ثمن رفاهية سكان الكيان من احتياجاته الأساسية، فيما لا يزال الكيان يفتعل الحروب تحت ذريعة الخوف من الآخرين.

عمون
منذ 3 ساعات
- عمون
الهروب الكبير وتل ابيب تستنزف واشنطن
هربوا عبر سفن الموت ومطارات متعددة وبحثوا عن كل منفذ للخروج من فلسطين المحتلة، فقطعوا مسافات طوال على أمل الوصول للقارة الأوروبية بحثاً عن النجاة من صواريخ اليمن وإيران التي حملت الموت والدمار، وسبق هذا الهروب هروب أكبر حين غادروا مستعمراتهم حول غزة خوفاً من صواريخ المقاومة وجرأة أبطالها في اقتحام مصائد الموت وتحقيق المستحيل، وهربوا من شمال فلسطين رعباً من صواريخ حزب الله ليتجمعوا في وسط فلسطين المحتلة التي ضاقت بهم، نعم هذا هو حال المحلتين لفلسطين الباحثين عن حياة أفضل فوجدوا الموت ينتظرهم صباح مساء ويقرع أبواب منازل أبناء فلسطين التي اختطفوها ليعانقهم ويأخذهم للقبر. لقد أثبت الصهاينة المحتلين لفلسطين أنهم قد سرقوا وطناً ليس بوطنهم، وأن الوطن الموعود مجرد حلم تحول لكابوس مرعب حيث لا أمن لهم في ظل وجود حكومة نازية أشعلت حروب متعددة ونشرت الموت انتصاراً لمصلحة النازي نتنياهو وحدة، ليكون ارتداد الموت صوب صانعيه أمر طبيعي، ليشعر المهاجرون صوب أرض الغير أنهم قد تعرضوا لخديعة كبرى بمغادرة أوطانهم في الغرب، وأنهم أخطاؤ بالحضور لأرض فلسطين التي فيها شعب هو الأجرأ في تاريخ البشرية، فهذا الشعب الجسور صاحب الحق في أرض وسماء فلسطين لم يهرب بعد اللجوء القاسي والنزوح المهين وعذابها القاسي، فتعلم الدرس ليتمسك بجميع أطيافه بكل ذرة من تراب وطنه، مفضلين أن يُدفنوا فيه رافعين رؤسهم على ذل المغادرة. وتشير التقارير ان أكثر نصف سكان فلسطين من المحتلين يحملون أو قدموا لنيل جنسية أخرى، فهناك حوالي نصف مليون يحملون جنسية مزدوجة مع دولة من دول الاتحاد الأوروبي، وربع مليون يحملون جنسية مزدوجة مع الولايات المتحدة. اضافة لمليون ونصف من أصل روسي وغالبيتهم العظمى يحملون جوازات سفر روسية، ويملك ثلاثة ملايين الحق في الحصول على الجنسيتين الإسبانية والبرتغالية طبقاً لشروط الجنسية الحالية، ونصف مليون يمكنهم الحصول على جواز سفر كل من بولندا ولاتفيا وألمانيا، بمجرد إثبات أن الأهل أو الأجداد سكنوا في تلك البلدان قبل الحرب العالمية الثانية، فيما يشكل الفلسطينيون خُمس عدد السكان. ويشكل اليهود أقل من رُبع الجيش الصهيوني فيما البقية من دول متعددة أبرزها الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، جنوب أفريقيا، ألمانيا، كندا، فنلندا، إريتريا، السودان، إثيوبيا، أوكرانيا، إيطاليا، بلجيكا، هولندا وتركيا، كما يستعين الجيش الصهيوني بآلاف المرتزقة في الأجانب سنويا تجلبهم شركات مختصة تتقدمها "غلوبال سي إس تي" وشركة "ريفن" وشركة "بلاك ووتر"، وبرز الأمر في العدوان على غزة حيث عملت عديد الأذرع على التعاقد معهم لتنفيذ عمليات عسكرية واستخباراتية لصالح الكيان الذي لا يستطيع أن يواجه المقاومة الفلسطينية منفرداً، لذا كان الهروب الكبير يوم السابع من أكتوبر وما تلاه من أيام إثر قصف حزب الله وإيران للكيان لأنهم مجرد عابرون في كلام عابر كما وصفهم الشاعر محمود درويش. آخر الكلام: الشعب الأمريكي الداعم للكيان بكل قوة لا يريد المزيد من الحروب لأنه يدرك ان الضرائب سترتفع عليه وسيدفع ثمن رفاهية سكان الكيان من احتياجاته الأساسية، فيما لا يزال الكيان يفتعل الحروب تحت ذريعة الخوف من الآخرين.


سواليف احمد الزعبي
منذ 4 ساعات
- سواليف احمد الزعبي
سيناريو الحرب الثانية على إيران
#سواليف توقّفت #الحرب على #إيران في 24 يونيو/ حزيران الماضي، بعد أن قامت #واشنطن بقصف أهم #منشآت #المشروع_النووي_الإيراني: نطنز، وأصفهان، وفوردو. وعقب تلك الخاتمة للمعركة التي استمرّت 12 يومًا، وقَعَ جدل واسع في الولايات المتحدة وإسرائيل على حد سواء، بشأن مدى تحقيق المعركة أهدافها؛ فالرئيس #ترامب، وبشكل لافت، أكّد في أكثر من مناسبة تدمير المشروع النووي الإيراني، ردًا على تقارير أمنية وإعلامية شكّكت في جدوى #الضربة_الأميركية. إذا كانت الحرب تُقاس بأهدافها، فبنيامين #نتنياهو حدّدها بالقضاء على #المشروع_النووي، وبتقويض القدرات الصاروخية لإيران، وبتغيير النظام كنتيجة للحرب، وإعادة رسم #الشرق_الأوسط. هذه الأهداف بكلّيّتها لم تتحقّق بعد، حتى المشروع النووي الإيراني من الصعوبة بمكان الحسم بأنه تم تدميره، وإخراجه عن الخدمة نهائيًا، ناهيك عن مصير 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصّب. في هذا السياق، أشار رافائيل غروسي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى صعوبة تحديد حجم #الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية إلا بعد زيارتها. إيران بدورها قطعت الطريق على الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتعليق التعاون معها، بعد اتهامها الوكالة ومديرها رافائيل غروسي بالتواطؤ مع إسرائيل، وتمهيد العدوان على إيران. هذا الواقع عقّد القدرة على التقدير الحقيقي لمستوى الأضرار التي أصابت المشروع النووي، في وقت تؤكّد فيه طهران أنها أمّنت مخزونها من اليورانيوم المخصّب، وبأنها 'لن تتخلى عن التكنولوجيا النووية'، وأن بإمكانها استئناف تخصيب اليورانيوم خلال وقت قصير إذا رغبت، كما جاء على لسان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي. الدعاية لا تُلغي واقعًا يمكن لإسرائيل إعلان النصر والتباهي به، ولكن ذلك أمر يمحوه الواقع إذا كان مخالفًا لادعائهم وزعمهم. بنيامين نتنياهو، وفي كلمة له أمام أعضاء حكومته، في 1 يوليو/ تموز، أشار إلى أن إيران سعت لبناء ثلاث إستراتيجيات في مواجهة إسرائيل حسب قوله، وهي: بناء مشروع نووي إيراني، ومنظومة صاروخية، ومحور من الحلفاء المناهضين لإسرائيل. هذا يشير إلى أن إسرائيل، وفقًا لهذا المنظور، ما زالت تعيش في قلب المعركة وليس نهايتها، فهي لم تستطع القضاء على المشروع النووي، ولا هي قوّضت المنظومة الصاروخية لإيران، ولا هي قضت على حلفاء إيران أو أصدقائها في المنطقة. صحيح أن إسرائيل أضعفت حزب الله اللبناني، لكنه ما زال قائمًا ويمكن له أن يرمّم ذاته بنيويًا وعسكريًا، كما أن حماس ما زالت تقاتل قتالًا استثنائيًا رغم الكارثة الإنسانية التي صنعها الاحتلال في غزة على مدار 21 شهرًا. كما أن الحشد الشعبي في العراق لم يصب بأذى، واليمن وأنصار الله، رغم الضربات الأميركية والإسرائيلية، يظهرون قدرة على التحكم والتأثير في مسارات التجارة الدولية عبر باب المندب، وإيذاء إسرائيل والضغط عليها دعمًا لغزة. واقع الحال يقول إن إسرائيل حققت إنجازات مهمّة في مواجهة إيران، لكن الأخيرة لم ترفع الراية البيضاء ولم تستسلم، ومن المتوقّع أنها ستحاول النهوض بقوّة بعد العدوان الإسرائيلي عليها، وبروز حجم المخاطر المهدّدة لها ولمصالحها القومية. مسيرة التعافي الضربة الإسرائيلية التي لم تنجح في هزيمة إيران، ستدفعها لإعادة حساباتها على قاعدة الحصانة الداخلية، وامتلاك معالم القوّة الإستراتيجية الرادعة لإسرائيل، على عدّة مسارات متوقّعة، ومنها: أولًا: تحصين الجبهة الداخلية في مواجهة التهديدات الخارجية، استنادًا لتضامن الشعب الإيراني ووحدته (معارضة وموالاة)، أثناء المعركة الأخيرة، ناهيك عن تنظيف بيتها من شبكة العملاء، وآليات الاختراق الإلكتروني لجسدها السياسي والمؤسسي. ثانيًا: التشبّث بمشروعها النووي، وتطوير منظومتها الصاروخية التي أثبتت قدرتها وجدواها في المواجهة الأخيرة، علاوة على ترميم أنظمة دفاعها الجوي أمام الطيران الإسرائيلي، وهو هدف يمثل تحديًا حقيقيًا لطهران في ظل الحسابات المركّبة لحليفتها روسيا، غير الراغبة في إغضاب الرئيس ترامب، وإسرائيل التي تربطها بها علاقات جيدة، ما يدفع إيران للبحث عن مصادر أخرى. ثالثًا: النهوض بشبكة علاقاتها المناهضة لإسرائيل، كحزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، وأنصار الله في اليمن. فالمعركة الأخيرة أثبتت أهمية قوّة حزب الله اللبناني؛ فإسرائيل لم تكن لتتجرّأ على ضرب طهران لو كان حزب الله بعافيته كما كان سابقًا. يعزّز هذا التوجّه لدى إيران، اقتراب إسرائيل من شواطئها عبر سياسة التطبيع، ومساعي واشنطن لإعادة تموضع إسرائيل في المنطقة العربية، عبر توسيع دائرة التطبيع بينها وبين دول عربية إضافية. رابعًا: توطيد علاقاتها مع دول الجوار، ولا سيّما باكستان وتركيا، اللتان دعمتا موقف إيران وحقها في الدفاع عن نفسها، في استشعار منهما لخطورة ما تقوم به إسرائيل من مسعى لتغيير خارطة القوى والجغرافيا السياسية في المنطقة. حديث الرئيس رجب طيب أردوغان عن سعي أنقرة لامتلاك قدرات دفاعية رادعة لأي طرف يمكن أن يفكّر في استفزاز تركيا، مؤشّر على قلق تركيا من تداعيات الحرب على إيران، ومن فرضية استهداف مصالحها لاحقًا في ظل تراجع الثقة بينها وبين إسرائيل، واضطراب العلاقة السياسية بينهما بسبب دعم تركيا للموقف الفلسطيني، ونفوذها المتعاظم في سوريا. إعلان التحضير للمعركة ضد إيران إذا كانت إسرائيل شنّت عدوانها على إيران لأسباب ما زالت قائمة، ولتحقيق أهداف سياسية وعسكرية لم تتحقّق بعد، وإذا كان الهجوم أتى بمفاعيل عكسية في السلوك الإيراني، فهذا يعني أن فرضية شن إسرائيل هجومًا ثانيًا على إيران أمر وارد ومتوقّع. ادعاء نتنياهو تحقيق النصر على إيران، لا يعكس بالضرورة حقيقة الموقف الإسرائيلي وتقديراته الأمنية بشأن تحقيق الأهداف. إسرائيل، في عقيدتها السياسية، لا تقبل امتلاك إيران أو أي دولة عربية أو إسلامية مشروعًا نوويًا، أو امتلاك قوّة عسكرية منافسة لها في عموم المنطقة والشرق الأوسط. وهذا يذكّرنا بما حدث مع العراق، الذي تعرّض لغزو وتدمير بذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل، وكان الهدف هو التخلّص من قوّة العراق كدولة عربية مناهضة لإسرائيل. إسرائيل ربما تجد في الظرف الحالي فرصة مواتية لتوجيه ضربة أخرى لإيران، قبل أن تتمكّن الأخيرة من ترميم نفسها واستعادة إمكاناتها وجهوزيتها لأي معركة قادمة، وهذا مشروط بأمرين: الأول: جهوزية إسرائيل داخليًا وعسكريًا وقف الحرب على إيران يشكّل فرصة لإسرائيل لسد الثغرات التي ظهرت أثناء المعركة السابقة، وللتزوّد بالأسلحة المناسبة وملء مستودعاتها من الذخيرة. وفي هذا الصدد كان لافتًا موافقة واشنطن، قبل أيام، على تزويد إسرائيل بذخائر بقيمة 510 ملايين دولار. ناهيك عن أن نتنياهو قد يستغل مستوى التأييد الشعبي له في إسرائيل، بسبب هجومه الأخير على إيران، كي يقوم بهجوم آخر. ثانيًا: موافقة الرئيس ترامب حسب استطلاع للرأي أجرته جامعة كوينيبياك، بعد الحرب على إيران، فإن أغلبية ساحقة من الجمهوريين أيّدوا انضمام الولايات المتحدة لإسرائيل في ضربات عسكرية على المواقع النووية لإيران، حيث أيّد ذلك 68% ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و49 عامًا، في حين أيده 87% ممن تبلغ أعمارهم 50 عامًا فأكثر. هذا التوجّه للأغلبية يريح الرئيس ترامب، الذي كان يخشى من ردة فعل جمهوره، الذي أوصله للبيت الأبيض تحت عنوان: 'لنجعل أميركا عظيمة مجددًا'، عبر الاهتمام بالاقتصاد والبعد عن الحروب المستنزفة. يبقى هنا قدرة نتنياهو وفريقه على إقناع الرئيس ترامب بأن أي عملية أخرى ضد إيران لن تهدّد مصادر الطاقة في الخليج العربي، والتي تُقدّر بـ20% عالميًا، وبأن العملية ستكون خاطفة وحاسمة، ما سيأتي بإيران مستسلمة إلى طاولة المفاوضات، دون أن يكون لهذه العملية الجراحية تداعيات كبيرة على المنطقة أو على الاقتصاد الأميركي والدولي. ليس مستبعدًا أن إحياء مسار المفاوضات مع حركة حماس والمقاومة الفلسطينية في غزة، والسعي للوصول لهدنة لمدة 60 يومًا على أمل التوصّل لوقف دائم لإطلاق النار، أن يكون المقصود منه تخفيف الضغوط على إسرائيل دوليًا بسبب جرائمها في غزة، ولمنحها الفرصة لتركيز عملياتها العسكرية ضد إيران. تقديم نتنياهو لزيارته إلى واشنطن، من نهاية يوليو/ تموز الجاري إلى بداية الأسبوع الثاني منه، يدل على أن هناك ما يستدعي اللقاء العاجل وعلى مستوى رفيع. هذه الزيارة المستعجلة لواشنطن، ليست بالضرورة للتباحث بشأن غزة، بقدر ما هي مرتبطة بالنقاش حول إيران ومشروعها النووي والصاروخي، وماهية الخيارات للتعامل معها، إضافة إلى علاقات إسرائيل السياسية في الإقليم، وإمكانية توسيع دائرة التطبيع بينها وبين دول عربية أخرى. زيارة نتنياهو ستأخذ أبعادًا إقليمية تتعلّق باستكمال المهام لإعادة رسم الشرق الأوسط، وذلك في سياق تبادل الأدوار بين واشنطن الداعية للسلام، وبين إسرائيل صاحبة اليد الغليظة، المدعومة من أميركا العظمى، ورئيسها الذي يرى أنه معنيّ بتحقيق إرادة الرب ونبوءة السماء بدعم 'إسرائيل الكبرى'.