
المفاوضات تتحرك في ثلاثة مسارات
تسفي برئيل - 3/8/2025
جهود الوساطة لعقد صفقة تبادل تتحرك الآن في ثلاثة مسارات متوازية، بدون خلية تربط بينها وتستطيع أن تثمر نتائج. في المسار الأول، تواصل مصر وقطر إجراء المفاوضات مع حماس، وانضمت إليهما تركيا التي وزير خارجيتها هاكان فيدان استضاف في يوم الجمعة الماضي بعثة لحماس برئاسة رئيس مجلس القيادة محمد درويش.
في المسار الثاني الذي أستانفه ستيف ويتكوف، الولايات المتحدة تحاول تحسين موقف إسرائيل وصياغة اقتراحات، التي ربما يمكن أن توافق عليها حماس. ترامب ساهم في الواقع بنصيبه من خلال تغريدة هجومية كتب فيها "الطريقة الأسرع لإنهاء الأزمة الإنسانية في غزة هي استسلام حماس وإطلاق سراح المخطوفين". ولكن يجب الاعتراف بأن هذه التغريدة مائعة بدرجة معينة مقارنة مع تحذيراته لحماس في الشهر الماضي عندما قال "يجب عليكم الاختيار بين تحرير جميع المخطوفين الآن وإعادة على الفور جثامين كل الذين قمتم بقتلهم، وبين أن تكون هذه هي نهايتكم. أنا أرسل إلى إسرائيل كل ما تحتاجه لإنهاء المهمة". بعد ذلك ظهر أن مسار الضغط الوحيد الذي بقي للولايات المتحدة يؤدي إلى القدس، حيث إن غزة تتطور كتهديد أميركي داخلي على ترامب.
اضافة اعلان
في المسار الثالث تعمل دول الخليج برئاسة السعودية مع فرنسا ودول أوروبية أخرى على بلورة حل سياسي يتضمن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقبل ذلك إقامة جسم لإدارة غزة، لا تكون حماس شريكة فيه. هذه المسارات الثلاثة يواجهها موقف متصلب لحماس، الذي عبر عنه خليل الحية، نائب يحيى السنوار. "لا توجد أي فائدة من إجراء المفاوضات في الوقت الذي تشن فيه إسرائيل حرب إبادة وتجويع في غزة"، قال الحية وأوضح بأنه سيوافق على العودة إلى طاولة المفاوضات فقط إذا تم إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع "بشكل محترم". ولكن أيضا العودة إلى طاولة المفاوضات لا تضمن الصفقة، حيث إن الطلبات الأساسية لحماس لم تتغير. ومن غير الواضح أيضا إذا كان الحية يقصد التفاوض على صفقة جزئية أو صفقة شاملة مثل التي يتحدث عنها الآن "مصدر أمني إسرائيلي".
الصفقة الجزئية التي تم عبر المفاوضات حولها تحقيق تقدم، توجد ربما لها احتمالية أكبر مع فتح مسارات تزويد المساعدات الإنسانية، لكن بقيت فيها أيضا نقاط مختلف عليها مثل عدد السجناء الفلسطينيين الذين سيتم إطلاق سراحهم وحجم انسحاب الجيش الإسرائيلي. بخصوص الصفقة الشاملة الأمر أصعب بكثير، لأنها تحتاج إلى قرار إسرائيلي بإنهاء الحرب والانسحاب من معظم مناطق القطاع وإقامة فيه جسم فلسطيني أو على الأقل فلسطيني – عربي. مقابل هذه الخطوات إسرائيل تطالب بنزع سلاح حماس وأن يتم نفي قيادتها من غزة وألا تشارك في إدارة القطاع كمنظمة. حماس أعلنت في السابق عن استعدادها للتنازل عن دورها في حكم غزة إذا أقيم جسم إداري متفق عليه. ولكن النفي ليس جزءا من المعادلة التي تطرحها، والمتحدثون بلسانها أوضحوا بأنهم لن يسلموا سلاحهم "إلا إذا تمت إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة".
في هذه الأثناء الحية أثار عاصفة كبيرة في مصر عندما توجه إلى الشعب المصري وزعماء مصر والجيش المصري والعائلات والمثقفين والكنائس والنخب قائلا: "إخوتكم في غزة يموتون بسبب الجوع وهم على حدودكم، قريبون منكم، قوموا بإسماع صوتكم كي لا تموت غزة بسبب الجوع، وأن تفتح مصر معبر رفح".
النظام المصري الذي يسيطر كليا على وسائل الإعلام ويمنع مظاهرات الدعم لغزة، اعتبر هذه الدعوة ليست فقط اتهاما مباشرا للقاهرة بالتجويع، بل أيضا محاولة لإثارة العصيان المدني، والردود كانت طبقا لذلك. كاتب المقالات محمد السيد صالح كتب ردا على ذلك: "نشاطات القمع الإسرائيلية وتوسيع المستوطنات التي تستهدف إفشال حل الدولتين توسعت في العقود الثلاثة الاخيرة، لكن ما تسببت به حماس في "طوفان الأقصى" يشكل خطر بعشرة إضعاف هذه النشاطات. في البيان الذي نشر في صحيفة "المصري اليوم" كتب أنه يعتقد أن جزءا كبيرا من الرأي العام المصري والعربي يتفق معه في رأيه. مصر الرسمية أوضحت بأنه رغم تصريحات الحية إلا أنها ستواصل بذل جهود الدفع قدما بالمفاوضات، حتى لو كانت أدوات ضغطها على حماس محدودة.
يبدو أن المبادرة السياسية للسعودية وفرنسا، التي انضمت إليها دول غربية، التي أعلنت عن نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية (بشروط مقيدة)، يمكن أن توفر لحماس السلم الذي سيمكنها من نزع سلاحها. نظريا، حماس يمكنها الادعاء بأن الحلم الوطني الفلسطيني هي التي حققته وليس م.ت.ف أو السلطة الفلسطينية. ولكن هذه المبادرة تنقصها الأرجل التي تعطيها الأفق الواقعي. إسرائيل تعتبرها تهديدا موجه إليها، الولايات المتحدة التي تقف من ورائها أوضحت موقفها عندما فرض ترامب عقوبات ضبابية على قيادة م.ت.ف وشخصيات رفيعة في السلطة الفلسطينية.
حماس هي شريكة فكرية في موقف إسرائيل والولايات المتحدة، لأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيجبرها على الاعتراف بإسرائيل والتنازل عن الكفاح المسلح، وبالأساس فقدان دورها في إدارة هذه الدولة وتشكيل صورتها. جهات في حماس تقول بأنه لا أحد سأل حماس عن رأيها ولم يحاول الاستيضاح عن موقفها إذا تم الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل المجتمع الدولي.
مصدر فلسطيني في الضفة الغربية، مقرب من حماس، قال للصحيفة بأنه في السابق، في محادثات المصالحة بين فتح وحماس التي أدت إلى الإعلان عن حكومة فلسطينية مشتركة، تمت مناقشة قضية طابع الدولة الفلسطينية المستقبلية. وحتى إنه كانت هناك تصريحات علنية بشأن التزام حماس بتبني جميع الاتفاقات التي وقعت عليها م.ت.ف، بما في ذلك اتفاق أوسلو، والسعي إلى الدولة الفلسطينية، لكن "هذه التفاهمات تحطمت، والتصريحات تم نفيها أو تم تعديلها خلال فترة قصيرة".
حسب أقوال نفس المصدر فإن حماس توجد الآن في مكان آخر، ولا يوجد فيها من يتخذ قرارات سياسية مبدئية. البنية الهرمية التي ميزت في السابق حماس انهارت، ومجلس الشورى (الجسم الذي يصوغ ويملي المواقف الأيديولوجية، التي تنبثق منها إستراتيجية حماس) هو ضعيف، منقسم وليست له سيطرة على الأرض. ومثله أيضا وضع مجلس القيادة، المسؤول عن معالجة الشؤون الجارية لحماس الذي تم تشكيله في اعقاب اغتيال إسماعيل هنية في تموز 2024، الذي يشارك في عضويته من بين آخرين خالد مشعل والحية والمسؤول عن الضفة زاهر جبارين والأمين العام نزار عوض الله ودرويش الذي يترأس أيضا مجلس الشورى. الصداقة والاتفاق لا تميز هذه المجموعة، سواء على الصعيد الشخصي أو الأيديولوجي أو السياسي. ويكفي التذكير بأن نزار عوض الله كان الخصم السياسي ليحيى السنوار، وتنافس امامه على منصب رئيس المكتب السياسي في غزة. مشعل الذي فصل المنظمة عن سورية في أعقاب المذبحة التي نفذها بشار الأسد ضد مواطنيه وتسبب بمقاطعة طويلة بين حماس وإيران، يعتبر الآن عنصرا "معتدلا"، يدفع نحو تسويات ستضع نهاية للحرب. ودرويش يعد مقربا من بلاط خامنئي.
الخلافات الشخصية والفكرية هذه يضاف إليها حقيقة أنه لا يوجد في حماس الآن أي شخص قوي وكاريزماتي يمكنه اتخاذ قرار وفرضه على أعضاء القيادة. وحسب أقوال مصادر اقتبست في صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية فإن هذا الأمر انعكس مؤخرا بأن حماس تتشاور مع التنظيمات الفلسطينية الأخرى مثل الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في كل مرة يتم تقديم اقتراح لها من قبل الوسطاء، في حين أنه في السابق تقريبا لم تهتم حماس بمواقفهم.
يصعب التقدير كيف سيؤثر توسيع دائرة التشاور على المفاوضات، ومن غير الواضح أيضا مستوى خضوع الذين يسيطرون بالفعل على المخطوفين لقيادة حماس. الافتراض هو أن مجرد النقاش المفصل في قضايا عملية تتعلق بصيغة الصفقة يمكن أن يشير إلى أنه توجد لحماس قدرة على تنفيذ ما سيتم الاتفاق عليه، ولكن لا توجد أي ضمانة لذلك.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العرب اليوم
منذ 22 دقائق
- العرب اليوم
هل حقًا بدأت إسرائيل تنهار؟!
«العد التدريجى لانهيار إسرائيل بدأ.. يا أهل غزة اصبروا».. هذا الكلام نقلته قناة وموقع «العربية» يوم الأحد الماضى على لسان القيادى فى حركة حماس غازى حمد. مبدئيا وقبل مناقشة هذا الكلام، فإننى أتمنى من كل قلبى أن يتحقق ويصدق ويطبق على أرض الواقع. لكن ولأن «ربنا عرفوه بالعقل» كما يقولون، فمن المهم أن نناقش هذا الكلام على أرض الواقع، حتى لا نسهم، ونشارك فى مزيد من التخدير للفلسطينيين والعرب والمسلمين، وما أكثر ما عانوه من تخدير وما أكثر ما دفعوه من ثمن نتيجة هذا التخدير، الذى يصل فى بعض المرات إلى ما هو أخطر من المخدرات. قبل كتابة هذه السطور حاولت التأكد من ان قيادى حماس قد قال هذا الكلام بالفعل، وبحثت حتى عثرت على النص الأصلى للفيديو، وهو مقابلة أجرتها حياة اليمانى مذيعة برنامج «المسائية» على قناة «الجزيرة مباشرة». استمعت إلى كلام حمد بانصات، وقد قال كلامًا كثيرًا مفاده أن على أهل غزة أن يصبروا، لأن الانهيار التدريجى لإسرائيل قد بدأ وإن عملية طوفان الأقصى قد عجلت بهذا الانهيار. قبل الكتابة أيضًا قرأت تعليقات القراء والمتابعين على مواقع التواصل الاجتماعى، ومعظمها شديد السلبية، وتتمحور حول الآتى: «لماذا لا تغادر أنت الفنادق وتأتى لتصبر معنا فى غزة؟ ومن قال لك إن إسرائيل بدأت تنهار، نحن من ننهار، بيوتنا تدمرت وأهالينا ماتوا، أنتم لا تشعرون بنا أنتم سبب ما وصلنا إليه من دمار وخراب». مرة أخرى كنت أتمنى أن تتحقق نبوءة غازى حمد، وتصورى واعتقادى ويقينى أن إسرائيل سوف تزول فعلًا حتى ولو بعد حين، لأنها جسم غريب تم زرعه عنوة فى جسد المنطقة لكن ليس الآن فهى فى عز جبروتها. تحقيق الانهيار يتطلب ظروفا موضوعية هى للأسف غير موجودة الآن سواء فى فلسطين أو فى معظم البلدان العربية والإسلامية. المؤكد أن الشعب الفلسطينى قدم تضحيات أسطورية منذ عام ١٩٤٨ وحتى هذه اللحظة، لكن سوء حظه يتمثل فى أنه يواجه أسوأ أنواع الاستعمار ربما على مر التاريخ، كما أنه منكوب بقياداته منذ عقود وحتى هذه اللحظة. وهو الذى يدفع الثمن الكامل جراء الاحتلال الصهيونى الاستحلالى أو سوء القيادات فى غالبية الفصائل. ظنى الشخصى أن ما قاله غازى حمد عن أن إسرائيل بدأت عملية الانهيار التدريجى ليس صحيحًا للأسف الشديد. صحيح أن إسرائيل تواجه معضلات صعبة جدًا، مثل الصراع بين العلمانيين والمتدينين، وتعانى صراعًا سياسيًا واضحًا، وتخشى من القنبلة السكانية الديموجرافية مع الفلسطينيين والعرب، لكن الأصح أن المشاكل التى تعانى منها دول عربية أكثر خطورة، بل إنها تهدد وجود بعض الدول العربية نفسها. كلام غازى حمد غير موفق بالمرة، لأن المتحقق على أرض الواقع حتى هذه اللحظة هو أن إسرائيل دمرت نحو ٨٠٪ من قطاع غزة، ومحت عائلات وأحياء كاملة من الوجود، وجعلت القطاع غير قابل للحياة لفترة طويلة. الواقع يقول أيضًا إنه قبل ٧ أكتوبر كان الفلسطينيون يتفاوضون على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧، وبعد العدوان بشهور صار أقصى الأمانى العودة إلى خطوط وحدود ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، واليوم فإن المفاوض الفلسطينى يتفاوض على عودة إسرائيل إلى حدود ما قبل ٢ مارس ٢٠٢٥، حيث تصر إسرائيل على الاحتفاظ بـ٤٠٪ من مساحة قطاع غزة، وتصر كذلك على نزع سلاح حماس وخروج قادتها وكوادرها من القطاع بل وهناك دعوات خطيرة لاحتلال القطاع وتهجير أهله، وتستعد للأسف أيضًا لضم الضفة وإكمال تهويدها. إسرائيل ساهمت بفعالية فى إسقاط نظام بشار الأسد واحتلال مساحات كبيرة من أراضى سوريا خصوصًا قمم جبل الشيخ. كما احتلت العديد من التلال الاستراتيجية فى جنوب لبنان، وأجبرت حزب الله عمليًا على العودة لشمال نهر الليطانى بعد أن وجهت إليه ضربات نوعية قوية. هى أيضًا هاجمت إيران واغتالت معظم قياداتها العسكرية وكبار علماء البرنامج النووى، ودمرت معظم أنظمة الدفاع الجوى لديها. ويتبجح نتنياهو بعد أن وجه ضربة نوعية لمحور المقاومة، بأن الكيان سيعيد رسم خريطة المنطقة، وأن مقاتلاته قادرة على الوصول لأى مكان فى المنطقة. فى حين أن حماس وفتح غير قادرتين على إنهاء خلافاتهما منذ عام ٢٠٠٧.


رؤيا نيوز
منذ ساعة واحدة
- رؤيا نيوز
نتنياهو: إسرائيل يجب أن تكمل هزيمة حـــمـــ.اس لتحرير المحتجزين
أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الثلاثاء، أن إسرائيل يجب أن تُكمل هزيمة حماس لتحرير المحتجزين في غزة، وذلك غداة تقارير لوسائل إعلام إسرائيلية أفادت بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي قد يحتل كامل القطاع. وقال نتنياهو خلال زيارة منشأة تدريب عسكرية 'من الضروري إتمام هزيمة العدو في غزة، لتحرير جميع المحتجزين، وضمان ألا تشكل غزة تهديداً لإسرائيل بعد الآن'. وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية فإن نتنياهو سيجتمع مع رئيس هيئة الأركان ووزير الدفاع. وقال مسؤولون إنه سيصدر أوامر باحتلال كامل قطاع غزة. وأورد تقرير بثته إذاعة 'كان' العامة 'يريد نتنياهو من الجيش الإسرائيلي أن يسيطر على كامل غزة'. والاثنين، قال نتنياهو إن مجلس الوزراء سيلتئم في وقت لاحق هذا الأسبوع لاتخاذ قرار حول كيفية المضي قدما في الحرب على غزة. وبحسب تقرير بثته 'كان' أيضا فإن 'عدة وزراء أكدوا بعد حديثهم مع رئيس الوزراء أنه قرر توسيع العمليات القتالية لتشمل مناطق يُحتمل وجود محتجزين فيها'. وأعلنت صحيفة 'معاريف' اليومية الخاصة أن 'القرار قد اتُخذ. نحن في طريقنا لغزو كامل لغزة'. في المقابل، شككت وسائل إعلام إسرائيلية بينها القناة 12، في توسيع الجيش لعملياته ورأت أن هذه التصريحات ما هي إلا محاولة للضغط بهدف تسريع المفاوضات. وأشارت إلى أن رئيس الأركان إيال زامير قد يعارض قرارا كهذا. وعبر حسابه على منصة إكس، قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر 'من واجب رئيس الأركان أن يعبّر عن رأيه المهني بوضوح وبدون لبس أمام القيادة السياسية، وأنا مقتنع بأنه سيقوم بذلك'.


الغد
منذ ساعة واحدة
- الغد
جوع.. صلاة.. وموت
مايكل يونغ مايكل يونغ* - (مالكوم كير - كارنيغي للشرق الأوسط) 2025/7/28 أليكس دي فال هو المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي، التابعة لكلية فليتشر للقانون والدبلوماسية في جامعة تافتس في بوسطن. منذ منتصف الثمانينيات، ركز في أبحاثه على قضايا المجاعة والعمل الإنساني والنزاعات. له كتب عدة، من بينها "التجويع الجماعي: تاريخ المجاعة ومستقبلها" Mass Starvation: The History and Future of Famine، (منشورات مطبعة بوليتي، 2017). وقدم، مؤخرًا، تحليلًا للكارثة الإنسانية التي يتعرّض لها قطاع غزة في مقال نُشر في مجلة "لندن ريفيو أف بوكس". وقد أجرينا معه هذه المقابلة للتحدث عن موقفه المُعلَن حيال السياسة الإسرائيلية المتمثلة في تقييد كمية المواد الغذائية التي تسمح بدخولها إلى غزة، والتداعيات الأوسع الناجمة عن ذلك. اضافة اعلان * * * مايكل يونغ: في مقابلةٍ أجريتَها مؤخرًا مع شبكة "الديمقراطية الآن" Democracy Now، ذكرت أنك خلال عملك على مدى 40 عامًا في قضايا المجاعات والأزمات الغذائية والمجال الإنساني، لم تقع "على حالة تجويع جماعي للسكان تم التخطيط لها بدقة متناهية، ومراقبتها عن كثب، على غرار ما يحدث في غزة اليوم". هلا توضح لنا ما تقصده من ذلك، وتشرح لنا ما الذي دفعك إلى قول ما قلت؟ أليكس دي فال: فلنلقِ نظرةً فاحصة على المجاعات في التاريخ الحديث. كانت المجاعات الجماعية التي نهشت كلا من السودان وجنوب السودان والصومال وإثيوبيا (إقليم تيغراي) وسورية واليمن -وهي كلها من صنع الإنسان، وكلها استُخدم فيها الجوع كسلاح حرب- أكبر من حيث الحجم، أي من حيث عدد الأشخاص الذين تضرروا منها أو الذين هلكوا من جرائها، مقارنة مع غزة. وبلغت بعض هذه المجاعات درجة مماثلة من الحدّة، مثل المجاعة في مدينة الفاشر ومحيطها في السودان اليوم. لكن الكارثة الإنسانية في غزة اليوم تختلف عن سواها من ناحية أن الوضع يمكن معالجته بين ليلة وضحاها لو اختارت إسرائيل ذلك. على بُعد ساعة واحدة بالسيارة من المجتمع المحلي المنكوب، تنتشر فرق الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الأخرى التي تملك الموارد والمهارات والخطط والشبكات وكل ما يلزم لإطلاق استجابة إنسانية شاملة. لو قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يتناول كل طفل في غزة وجبة الفطور في صباح اليوم التالي، لأمكن تحقيق ذلك. على سبيل المقارنة، عندما سُجلت إصابات بشلل الأطفال في غزة قبل عام، سهلت إسرائيل إجراء حملة تلقيح شاملة ضد هذا المرض بشكل سريع وفعال. الواقع أن إسرائيل تتحكم في كل شحنة مساعدات تدخل إلى غزة. وهي تقرر أين يمكن للناس أن يقطنوا ومتى يجب أن ينتقلوا إلى مكان آخر. وهي تفتش كل سلعة، وتسيطر على إمدادات المياه والكهرباء. كما أنها تراقب كل شحنة معونات وتطلق النار بانتظام على مقدمي المساعدات وعلى الناس أثناء انتظارهم الحصول على المساعدات. لدى "مؤسسة غزة الإنسانية"؛ المنظمة المثيرة للجدل المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي تأسست لإيصال المساعدات إلى غزة، أربعة مواقع توزيع تفتح أبوابها لساعات محددة جدا. ويتم الإعلان عن ذلك في توقيت تختاره إسرائيل، ما يُرغم الناس على البقاء في حالة ترقب، وفي مكان قريب، بانتظار أن يأتي الإعلان. هذا شكل من أشكال السيطرة الصارمة والدقيقة للغاية على جوانب حياتية أساسية. وهذا الوضع ليس وليد الصدفة إطلاقًا. إن إسرائيل تعرف تمامًا ما تفعله. يونغ: قلت أيضًا في المقابلة إن الوضع في غزة كان متوقعًا؛ حيث حذر الخبراء منذ أشهر من خطر حدوث مجاعة، ولكن لم يُتخذ أي إجراء لمنع وقوعها. لماذا الأمر كذلك، ولماذا لا تثير هذه الحالة أكثر من مجرد ردود فعل شكلية في الكثير من الدول الغربية التي عادة ما تصور نفسها على أنها المدافع الأبرز عن حقوق الإنسان والقيم الإنسانية؟ دي فال: لجريمة التجويع خصوصية مهمة تميزها عن جرائم الحرب الأخرى. من الممكن أن يقصف طيار مستشفى عن طريق الخطأ؛ قد تكون لديه إحداثيات غير صحيحة أو ربما يقترف خطأ، وبمجرد إطلاق القنبلة يستحيل التراجع. لكن القائد العسكري لا يمكن أن يجوِّع السكان عن طريق الخطأ. إن عملية التجويع تستغرق أسابيع تتوافر خلالها معلومات عن النتيجة. وفي حالة غزة، صدرت مرارًا وتكرارًا تحذيرات موثوقة تصف النتيجة المتوقعة، عن الأمم المتحدة وشبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة التابعة للولايات المتحدة. كان هذا الوضع قابلاً للتوقع، وتم توقعه بالفعل. ومن المفارقات التي تثبت ذلك أنه عندما ضغطت الحكومة الأميركية على إسرائيل للسماح بدخول المعونات الإنسانية إلى غزة بين آذار (مارس) وأيار (مايو) 2024، لمنع الوضع من تجاوز الحد الذي تعلن عنده الأمم المتحدة حدوث "مجاعة"، سمحت إسرائيل بإيصال المزيد من المساعدات، وتحسن الوضع بشكل طفيف. وهكذا، تم أحيانًا اتخاذ الحد الأدنى الكافي من الإجراءات للحيلولة دون تجاوز هذه العتبة المبهمة والاعتباطية إلى حد ما. ولكن في غضون ذلك، استمرت حالة الطوارئ الإنسانية الكارثية. لا يمكن حصر "المجاعة" في تعريف ثنائي جامد: إن مجرد كون الوضع لم يبلغ عتبة "المجاعة" رسميًا لا يعني أنه لا يشكل كارثة إنسانية. يونغ: أشرتَ إلى أن الإمدادات الغذائية التي تدخل إلى غزة غير كافية وأن الناس يخاطرون بحياتهم للحصول على كميات قليلة من الغذاء المتوافر. واستنتاجُك هو أن إسرائيل تتسبب عمدًا بهذا الوضع. ما غايتها من ذلك؟ دي فال: لا أستطيع التحدث مباشرة عن النوايا الإسرائيلية. ولكن يمكنني القول إن طريقة عمل "مؤسسة غزة الإنسانية"، إلى جانب القيود المستمرة على أشكال أخرى من المساعدات الإنسانية والهجمات على العاملين في مجال الإغاثة والبنى التحتية للمساعدات، تتوافق مع خطة لنقل السكان قسرًا -إما إلى مناطق صغيرة وصفَها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت بأنها "معسكرات اعتقال"، أو إخراجهم من غزة تمامًا. في غضون ذلك، يسهم هذا المزيج من استخدام التجويع وحصص الإعاشة كسلاحٍ لتمزيق النسيج الاجتماعي في غزة، وفي إهانة سكانها وتجريدهم من إنسانيتهم. يونغ: هل ترى أن ما يحدث في غزة يشكل إبادة جماعية؟ دي فال: في 28 آذار (مارس) 2024، أصدرت "محكمة العدل الدولية" قرارًا يلزم إسرائيل بتنفيذ تدابير مؤقتة لضمان توفير مساعدات إنسانية شاملة وعاجلة لغزة من دون معوقات، وبالتعاون الكامل مع الأمم المتحدة. وقد صوت القاضي الإسرائيلي المنتدب في المحكمة الدولية، أهارون باراك، لصالح ذلك، فصدر القرار بالإجماع. وصوتت المحكمة بأغلبية ساحقة (14-2 و15-1) على تدابير مختلفة بعض الشيء، خلاصتها أن السماح بدخول المساعدات هو التزام بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية، ما يعني أن عدم قيام إسرائيل بذلك يعد إخلالًا بالتزامها بمنع الإبادة الجماعية. وكما هو معلوم، لم تفِ إسرائيل بهذه الالتزامات. تهدف اتفاقية منع الإبادة الجماعية في المقام الأول إلى منع ارتكاب جريمة الإبادة. أما مسألة ما إذا حدثت إبادة جماعية أم لا، فهي ثانوية مقارنة بالمسألة الأهم، وهي ما إذا كانت إسرائيل والدول الأخرى الموقعة على اتفاقية منع الإبادة الجماعية تفي بالتزاماتها بمنع الإبادة. وهي لا تفعل ذلك. يونغ: عند النظر إلى الصورة الأشمل، كيف تضع غزة ضمن السياق الأوسع للعلاقات بين القوى العالمية منذ نهاية الحرب الباردة؟ هل تشكل غزة حالة فريدة من نوعها ستترك تأثيرًا دامغًا على العلاقات بين "الغرب وبقية العالم"، أم أنها ستصبح طي النسيان بمجرد انتهاء القتال؟ دي فال: أرسي على مدى أربعين عامًا نظام إنساني ليبرالي، متجذر في منظمة الأمم المتحدة، ويحصل بشكل أساسي على التمويل من الولايات المتحدة وأوروبا. كان لهذا النظام منتقدوه (وأنا منهم). ومع ذلك، أدى إلى انخفاض تاريخي في عدد المجاعات والوفيات الناجمة عنها. لكن هذا النظام سقط اليوم. تقلص تمويله بشكل كبير، ولا سيما في الولايات المتحدة -ولكن أيضًا في أوروبا. وتعرضت مؤسساته ووكالاته لحملة هجمات منظمة. فإلى جانب حل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، يعد الهجوم على "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (الأونروا) أبرز هذه التجليات. يضاف إلى ذلك الضرر اللاحق بشبكات المعلومات إلى جانب المؤسسات، ما عرقل بشدة أنظمة الإنذار المبكر التابعة للأمم المتحدة والولايات المتحدة بشأن الأزمات الإنسانية. وربما يكون الأهم هو ما يجري من تقويض للمعايير والمبادئ الدولية؛ حيث يتم استبدال النزعة الإنسانية الليبرالية ببرامج مساعدات مختلفة على ارتباط وثيق بأهداف عسكرية وقومية وغيرها من الأهداف الضيقة. ويظهر ذلك جليًا من خلال "مؤسسة غزة الإنسانية" التي تستند إلى عسكرة توزيع المساعدات تحت راية "العمل الإنساني". ومن المرجح أن تحذو منظمات أخرى حذو هذه المؤسسة. يونغ: نظرًا إلى الضغوط السياسية التي تمارسها الولايات المتحدة بشكل خاص على "محكمة العدل الدولية" و"المحكمة الجنائية الدولية"، هل تتوقع أن يَمثُل المتسببون بهذه المجاعة في غزة أمام العدالة؟ دي فال: قد تتخذ العدالة أشكالًا عدة، ومن غير الضروري أن تتحقق من خلال صدور إدانة في محكمة. ثمة مجموعة كاملة من تدابير العدالة الانتقالية المتاحة، بدءًا من الاعتذارات ومبادرات إحياء الذكرى، مرورًا برد الاعتبار للضحايا والتعويضات، ووصولًا إلى ضمانات بعدم تكرار الانتهاكات. ويقع في صميم هذه الإجراءات السماح للناجين باستعادة كرامتهم واحترامهم الذاتي، وضمان الاعتراف بمعاناتهم واحترام حقوقهم المستقبلية. أما في محكمة الرأي العام العالمي، فيصدر الحكم يوميًا بأن الحكومة الإسرائيلية مسؤولة عن ارتكاب أفعال لاإنسانية ستؤثر على إسرائيل لفترة طويلة، وربما إلى الأبد. *مايكل يونغ: مدير تحرير في "مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط" في بيروت، ومحرر مدونة "ديوان" المعنية بشؤون الشرق الأوسط. مؤلف كتاب "أشباح ساحة الشهداء: رواية شاهد عيان عن نضال لبنان من أجل البقاء" The Ghosts of Martyrs Square: An Eyewitness Account of Lebanon's Life Struggle الحائز على الجائزة الفضية في مسابقة "جائزة الكتاب للعام 2010" التي نظمها "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى".