logo
علماء يكتشفون ما يحدث عندما يمر الضوء عبر الضوء

علماء يكتشفون ما يحدث عندما يمر الضوء عبر الضوء

الجزيرةمنذ 2 أيام
لطالما اعتبر العلماء أن الضوء كيان لا يتفاعل مع ذاته، فأي شعاعين من الضوء سيمران عبر بعضهما دون أدنى أثر، كما لو أن كلا منهما لا يعترف بوجود الآخر، هذا هو ما تمليه قوانين الفيزياء الكلاسيكية، إلا أن الفيزياء الكمومية لها رأي آخر.
بحسب نتائج جديدة كشفت عنها دراسة تعتمد على بيانات من مصادمات الجسيمات في منشأة سيرن (المجلس الأوروبي للبحوث النووية)، فإننا أمام فهم جديد كليا يقول إن الضوء قد يؤثر على نفسه، ويخوض تفاعلات ذاتية في ظل ظروف خاصة جدا تحكمها قوانين ميكانيكا الكم.
وفقا لميكانيكا الكم، لا تسير الأمور دوما كما تبدو على السطح، فالفوتونات، وهي الجسيمات التي تحمل الضوء، يمكنها في ظروف معينة أن "تصطدم" ببعضها، أو بالأحرى تؤثر في مسارات بعضها بعضا، من خلال عمليات غير مباشرة تُعرف باسم "التبعثر الكمومي للضوء عبر الضوء".
جسيمات "افتراضية"
في هذه الظاهرة النادرة، لا تتفاعل الفوتونات مباشرة، بل تنشئ فيما بينها جسيمات افتراضية، وهي جسيمات تحمل طبيعة خاصة جدا وغير مفهومة بشكل كامل بعد، لا ترى ولا تقاس بشكل مباشر، وتنشأ لفترة وجيزة في الفراغ من الزمن كزوج من جسيمات متعاكسة الشحنات، يفني كل منها الآخر، لكن يبدو أن هذه الجسيمات تترك بصمتها في سلوك الفوتونات، قبل أن "تختفي" بعد أجزاء صغيرة جدا من الثانية.
يقول جوناس ماجر من معهد الفيزياء النظرية بجامعة فيينا للتكنولوجيا، والمؤلف الرئيسي للدراسة في تصريح حصلت الجزيرة نت على نسخة منه: "على الرغم من استحالة رصد هذه الجسيمات الافتراضية مباشرةً، فإن لها تأثيرا قابلا للقياس على الجسيمات الأخرى".
ويضيف: "إذا أردنا حساب سلوك الجسيمات الحقيقية بدقة، فعلينا مراعاة جميع الجسيمات الافتراضية التي يمكن تصورها بدقة. هذا ما يجعل هذه المهمة صعبة للغاية، ومثيرة للاهتمام أيضًا".
ولفترة طويلة، ظن الفيزيائيون أن التبعثر بين الفوتونات يهيمن عليه ظهور واختفاء أزواج من الإلكترون والبوزيترون (الجسيمات الافتراضية المتضادة في الشحنة)، حيث يقوم أحدهما أو كلاهما ببعثرة فوتونات الضوء، قبل أن يصطدم برفيقه ويفنيا تماما.
غير أن الدراسة الجديدة التي نشرها الباحثون في دورية "فيزيكال ريفيو لينرز" بيّنت أن نوعًا آخر من الجسيمات الافتراضية، يُعرف باسم "الميزيونات ذات النمط التنسوري"، قد يؤدي دورًا أكبر مما كان يُعتقد في عملية تبعثر الضوء، بل وتؤثر على الخواص المغناطيسية لجسيمات تسمى "الميونات".
نتائج مهمة
في قلب النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات، يعد الميون جسيما مثيرا للجدل، فنتائج التجارب الحديثة حول عزمه المغناطيسي لا تتطابق تمامًا مع التوقعات النظرية، ما يثير احتمال وجود فيزياء جديدة.
لكن كي يثبت العلماء ذلك، يجب أن يكونوا متأكدين من أن النموذج الحالي قد تم حساب قوانينه وتعقيداتها بدقة تامة، بما في ذلك جميع التفاعلات النادرة والمخفية، كالتي كشفت عنها هذه الدراسة.
إضافةً إلى ذلك، فإن فهم كيفية تفاعل الضوء مع نفسه -ولو بشكل غير مباشر- يعد من أعمق الأسئلة في فيزياء الكم، ويرتبط ارتباطا وثيقا بمفاهيم مثل الفراغ الكمومي، والجسيمات الافتراضية، وحتى طبيعة الزمكان ذاته.
هذه النتائج إذن لا تغير فقط ما نعرفه عن الضوء، بل تضيف إليه طبقة جديدة من الفهم. فبينما يبقى سلوك الضوء كما نعرفه صحيحًا على المستوى اليومي، تظهر هذه الدراسة أن في قلب الفراغ، وفي أعماق التفاعلات الكمومية، يخوض الضوء حوارا خفيا مع نفسه.
كما تدفع هذه الدراسة الباحثين إلى إعادة النظر في الحسابات الدقيقة للتفاعلات دون الذرية، وربما تقربنا أكثر من اكتشافات تتجاوز النموذج القياسي، نحو فيزياء جديدة، أكثر اتساعا وشمولا.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الذكاء الاصطناعي التوليدي.. ضربة موجعة جديدة لقطاع الإعلام المأزوم
الذكاء الاصطناعي التوليدي.. ضربة موجعة جديدة لقطاع الإعلام المأزوم

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

الذكاء الاصطناعي التوليدي.. ضربة موجعة جديدة لقطاع الإعلام المأزوم

أدت برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي على غرار "تشات جي بي تي" إلى تقليص عمليات البحث التقليدية على الإنترنت وحرمان المواقع الإخبارية من بعض عائداتها من الزيارات والإعلانات، مما يشكل ضربة موجعة إضافية لقطاع مأزوم أصلا. وتوقع مات كاروليان، نائب رئيس قسم الأبحاث والتطوير في مجموعة "بوسطن غلوب ميديا" التي تُصدر الصحيفة اليومية المرموقة، أن "تكون السنوات الثلاث أو الأربع المقبلة بالغة الصعوبة على ناشري الصحف في مختلف أنحاء العالم، بصرف النظر عن حجمها". ونبّه إلى أن "على الناشرين أن يهيئوا مؤسساتهم للتكيف، وإلا فإنها ستنهار". ولا تزال الأرقام الدقيقة في هذا الشأن قليلة، لكن دراسة حديثة أجراها مركز "بيو للأبحاث" (Pew Research Center) أظهرت أن الملخص الذي بات الذكاء الاصطناعي التوليدي يوفره عند إجراء بحث على "غوغل"، غالبا ما يثني مستخدمي الإنترنت عن السعي إلى مزيد من التعمق. وأصبح عدد المرات التي ينقر فيها المستخدمون على الروابط المقترحة نصف عدد مرات النقر أثناء بحث من دون ذكاء اصطناعي. وبالتالي، باتت نسبة مماثلة من المستخدمين تستغني عن زيارة مواقع وسائل الإعلام الإلكترونية التي تعتمد على عدد الزيارات في إيراداتها الإعلانية واشتراكاتها. ورأى الأستاذ في جامعة "نورث إيسترن"، جون وهبي، أن "هذا الاتجاه نحو تضاؤل عدد الزيارات" المتأتية من محركات البحث التقليدية "سيتسارع، وسيُصبح الإنترنت عالما مختلفا عما عرفناه". اشتراكات لا تكفي وسبق لسيطرة بعض الجهات كـ"غوغل" و"ميتا" أن أدت إلى خفض عائدات وسائل الإعلام الإلكترونية من الإعلانات، مما دفعها إلى التركيز في سعيها إلى تحقيق الإيرادات على المحتوى المدفوع والاشتراكات. لكن جون وهبي ذكر بأن الاشتراكات تعتمد أيضا على حركة الزيارات، وأنها "لا تكفي لجعل وسائل الإعلام الكبيرة قادرة على الاستمرار". وقال مات كاروليان: "بدأنا نرى اشتراكات عبر تشات جي بي تي" الذي يوفر نقطة وصول جديدة إلى الأخبار، "لكن هذا الاتجاه لا يزال محدودا جدا مقارنة بمنصات البحث الأخرى"، حتى الصغيرة منها. وأضاف: "أما بالنسبة لأدوات المساعدة الأخرى القائمة على الذكاء الاصطناعي، على غرار (بيربليكسيتي)، فإن الحركة أبطأ حتى". تحسين محركات البحث التوليدية وسعيا إلى الحفاظ على مكانتها في عالم الذكاء الاصطناعي، يستخدم عدد متزايد من الشركات تقنية "تحسين محركات البحث التوليدية" "جي إي أو" (GEO) التي تشكل بديلا من تقنية "تحسين محركات البحث" "سي إي أو" (SEO)، وهي طريقة لتحسين ترتيب موقع إلكتروني في نتائج البحث بواسطة محركات البحث التقليدية. ومن أهم مميزات التقنية الجديدة أنها توفر تصنيفا واضحا ومنظما بطريقة جيدة للمحتوى، يمكن أن تفهمه نماذج الذكاء الاصطناعي الرئيسية، وحضورا على منصات التواصل الاجتماعي وفي المنتديات. وقال توماس بيهام، الرئيس التنفيذي لشركة "أوترلاي إيه آي" الناشئة في مجال تحسين المحتوى، إن "السؤال الأهم، في حالة وسائل الإعلام، هو: هل يجب على أصحاب المواقع السماح لأدوات استخراج المحتوى الهادفة إلى تغذية برامج الذكاء الاصطناعي باستخدام هذه المواقع للحصول على ما تحتاج إليه؟". فالكثير من ناشري الصحف الذين أحبطهم استخراج برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي الرئيسية لبياناتها من مواقعهم بطريقة غير منظمة، اختاروا الرد من خلال منع الذكاء الاصطناعي من ولوج محتواهم. وقالت دانييل كوفي مديرة منظمة "نيوز/ميديا ألاينس" المهنية لوسائل الإعلام إن "علينا ضمان الحصول على تعويض عادل من الشركات التي تستخدم محتوانا". وعُقدت على هذا الأساس بعض الاتفاقات، منها مثلا بين صحيفة "نيويورك تايمز" و"أمازون"، وبين وكالة "أسوشيتد برس" و"غوغل"، وبين وكالة فرانس برس و"ميسترال إيه آي". لكن دعاوى عدة لا تزال جارية، من بينها تلك التي رفعتها "نيويورك تايمز" ضد "أوبن إيه آي" و" مايكروسوفت". ومع ذلك، فإن اعتماد أسلوب منع استخراج البيانات من المواقع يقلل في الواقع من وجودها في إجابات مساعدي الذكاء الاصطناعي. ولاحظ توماس بيهام أن مسؤولي وسائل الإعلام، في ظل هذه المعضلة، "يختارون على نحو متزايد تمكين أدوات الذكاء الاصطناعي مجددا من ولوج مواقعهم". ولكن حتى مع فتح الأبواب على مصراعيها، لا يمكن ضمان النجاح. من يُنتج المحتوى؟ وأوضحت شركة "أوترلاي إيه آي" أن وسائل الإعلام تمثّل 29% من الاقتباسات التي يوفرها "تشات جي بي تي"، وتأتي في المرتبة الثانية بعد مواقع الشركات (36%). لكن الشركة الناشئة رأت أن البحث بواسطة "غوغل" يعطي الأولوية للمصادر الموثوقة، في حين "لا يوجد مثل هذا الارتباط في البحث بواسطة تشات جي بي تي". وأفاد تقرير "معهد رويترز" لعام 2025 عن الأخبار الرقمية بأن نحو 15% من الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي للاطلاع على الأخبار. ومن شأن متابعة الأخبار عبر هذه القناة، كما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تشويش فهم القراء للمصدر الحقيقي للأخبار وقيمتها. وشدد مات كاروليان على أن "ثمة من يجب أن يقوم بالمهمة الصحفية في مرحلة ما.. فمن دون صحافة حقيقية، لن تجد منصات الذكاء الاصطناعي هذه ما تلخصه". وتعمل "غوغل" على إقامة شراكات مع وسائل إعلام لتعزيز وظائف الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي توفره. ورأى جون وهبي أن "المنصات ستُدرك أنها تحتاج إلى الصحافة".

الفلسفة المادية وجذور الدمار البيئي
الفلسفة المادية وجذور الدمار البيئي

الجزيرة

timeمنذ 10 ساعات

  • الجزيرة

الفلسفة المادية وجذور الدمار البيئي

يحكم سلوك أي مجتمع تجاه ذاته أو تجاه غيره من المجتمعات تصور وفلسفة تفسره، وتحدد معالمه، وكذلك يحكم سلوكنا تجاه العالم الطبيعي والبيئة -التي تحيط بنا ونستمد منها مقومات وجودنا- فلسفة تحدد رؤيتنا لها وطريقتنا في التعامل معها. وفي العصر الحديث- منذ النهضة الأوروبية- حتى اليوم، تعتبر الحضارة الغربية بحكم أنها الحضارة الغالبة على سائر الحضارات، هي صاحبة الرؤية الأكثر وضوحا في السلوك البشري- بفعل العولمة- والأكثر تأثيرا في محيطنا الطبيعي. وتعد الفلسفة المادية كرؤية عن الوجود والحياة والبشر وعلاقاتهم بالطبيعة وفيما بينهم، بمثابة المرجعية والبنية الفكرية للعديد من الفلسفات الغربية الحديثة. الاتجاه المادي للفلسفة رغم أن الفلسفة المادية تمتد في تاريخها القديم إلى الفلسفة الهندية قبل الميلاد، فإن حضورها الأبرز في السياق الغربي يرجع إلى فلاسفة اليونان القدماء، وعلى رأسهم ديمقريطس، وأبيقور، ولوكريتيوس، وتتلخص في أن الوجود كله في نظرهم يرجع إلى المادة، وأن ظواهر الحياة ترجع إلى تفاعلات المادة وحركتها، وأن الحياة خاضعة في ظواهرها للمادة وقوانينها وما تقرره فحسب. ثم تراجعت المادية بعد ذلك قرونا عدة إلى أن صعدت إلى الواجهة مرة أخرى مع الثورة العلمية في أعقاب عصر النهضة، خاصة مع ظهور نظريات نيوتن عن الحركة ورؤيته الميكانيكية للكون والعالم. وكان الحضور الأبرز للاتجاه المادي في الفلسفة الغربية مع مطلع القرن التاسع عشر إبان صعود داروين ونظريته عن النشوء والارتقاء في عالم الأحياء. والمادية هنا تبرز كونها وصفا يفسر كل أنشطة الطبيعة والبشر بعوامل مادية تتسم بالصراع بين الأحياء في معركة البقاء، أو الصراع بين الطبقات الاجتماعية في عالم البشر، وكونها تفسيرا ماديا للتاريخ يحكمه تطور وسائل وأدوات الإنتاج. فكيف تنظر المادية إلى الإنسان والطبيعة؟ إعلان من "الإيكو" إلى "الإيجو" لطالما كان الإنسان منذ العصور البدائية في تفاعل مع البيئة المحيطة به، خائفا من ظواهرها أحيانا، ومستكشفا ومتأملا أحيانا أخرى. ومع اكتسابه الخبرات، وتراكم وتناقل المعرفة بالعالم المحيط به تطورت تلك العلاقة من الخوف إلى الاستئناس ببيئته، فهو منها وهي منه، يستمد منها مقومات حياته، ويحترم قواها ويترفق بمواردها. كانت تلك العلاقة بين الإنسان وبيئته علاقة تكاملية تكافلية يعطي فيها ويأخذ، ويعتبر نفسه جزءا منها، صديقا لحيوانها ونباتها، ومنتميا إلى أرضها ومائها وسمائها، فيما يشير إليه علماء الأحياء والبيئة بحالة الإنسان "الإيكو"؛ أي الإنسان الموجود في علاقة متكاملة مع باقي المكونات، ولا ينفصل عنها، حتى حين يطغى عليها مختارا أو مضطرا، تستطيع البيئة تجاوز ذلك الخلل، وتعويض ما نقص منها. وقد برز إنسان "الإيكو" في الحضارات القديمة بعقله واتزانه في التعامل مع الطبيعة وثرواتها. وتاريخ الحضارات المتعاقبة وتطورها يشهد بمظاهر عدة من احترام الطبيعة ورعايتها وحمايتها؛ حفظا للموارد من الهدر وإبقاء عليها للأجيال القادمة، وعلى رأس تلك الحضارات نرى الحضارة الإسلامية في وصاياها الكبرى ونظرتها تجاه سائر الأحياء ووصفها لهم بـ "أمم أمثالكم"، ووصاياها بحرمة الهدر، ولو كان المصدر لا ينفد ولا ينتهي من قبيل "لا تسرف في الماء ولو كنت على نهر جارٍ". الإنسان "الإيجو" بيد أن إنسان القرن التاسع عشر؛ صنع المحرك وفجر طاقة البخار وامتص وقود الأرض نفطا وفحما، وضرب بمعوله باطنها ليحفر مناجم لا حصر لها، وأسرف في استخدام معادنها ومواردها بصورة تفوق قدرة البيئة ونظمها على احتمال الخلل أو قدرتها على تعويضه في وقت قصير. كانت الأرض في تلك الفترة أسيرة إمبراطوريات غربية كبرى تتقاسم ثرواتها وتتنافس على مواردها وتتسابق في استعمارها وتتجه بنموها الجشع نحو الإنتاج والاستهلاك المفرطين من أجل الربح، والتوسع بأي ثمن. رأى إنسان ذلك العصر- ولا يزال- نفسه مالكا بلا حساب وصاحبا للكوكب بلا مسؤولية، فنظر إلى الطبيعة باعتباره في حالة صراع معها ولا بد له أن ينتصر ويفرض عليها سلطانه ويُخضعها، فكان إنسان "الإيجو" ذلك المتغطرس الذي رأى نفسه فوق البيئة وأحيائها، فمارس كل درجات الغلو والإفراط في الإنتاج والاستهلاك، حتى خرجت العلاقة البيئية الطبيعية -التي كانت متوازنة قديما- عن السيطرة، فكانت الصدمات التي هزت الأنظمة البيئية في الكوكب واحدا تلو الآخر، برا وبحرا وجوا، في السلم والحرب على السواء. المادية الغربية وروح العنصرية كانت تلك الحداثة المادية التي أتى بها الغرب تحمل روحا عدائية تجاه كل من سواهم من البشر أو الأحياء، وتتسم بمركزية ذاتية تختزل التفوق والتطور البشري في الرجل الأبيض الذي من حقه أن يحكم ويسيطر طالما أن مبرر القوة العلمية والتكنولوجية في صالحه، ومن هنا كانت النزعة الاستعلائية تجاه الآخر البشري والطبيعة على السواء، فعلى الجميع أن يخضع للرجل الأبيض، ويوفر له احتياجات تطوره، ويمد له سلطانه. وهي رؤية شديدة العنصرية تجلت في صور خطيرة من التنافس والصراع الاستعماري، أخضع الغرب خلالها أغلب شعوب الأرض، وأباد الملايين من السكان الأصليين باعتبار أنه الأقوى والأجدر بالبقاء، وأوغل في استنزافه الطبيعة من أجل الحصول على مواردها ليتمكن من إغراق العالم في حالة استهلاكية مفرطة وغير مسبوقة جعلت الإنسان عبدا للسوق، وتحت رحمة الرأسمالية التي تحكمه. وبتعبير سيرج لاتوش في كتابه "تغريب العالم": "إن الغرب لم يعد بقعة جغرافية ولا حتى لحظة تاريخية وإنما أصبح كالآلة التي تدور وتدوس الجميع بمن في ذلك صاحبها". غزو للطبيعة وإبادة للبشر صنعت الفلسفة المادية من الغرب ماردا يرى العالم كله خاضعا لسطوته، يصفها عبدالوهاب المسيري بقوله : " فبدلا من أن يضع الإنسان الغربي الجنس البشري في مركز الكون وضع الجنس الأبيض في هذا المركز، ووضع بقية البشر مع الطبيعة في الهامش؛ وبدلا من أن يكون الهدف من الوجود في الكون هو تحقيق مصلحة الإنسان، أصبح الهدف هو تحقيق مصلحة الإنسان الأبيض". وهو أمر جعل من الغرب قوة مهيمنة تسعى للسيطرة على سائر البشر والأحياء وتعمل على إخضاع الطبيعة للرجل الأبيض المتفوق بلا اعتبار قيمي أو أخلاقي، وبصورة عنصرية فجة يصفها المسيري: "انقسم البشر إلى بشر سوبر super men إمبرياليين يتحكمون في كل البشر والطبيعة وإلى submen أي دون البشر يذعنون لإرادة super men". ويتجسد ذلك في تجاربهم الاستعمارية وإبادة السكان الأصليين، كما تجسدت حديثا في النازية إبان الحرب العالمية الثانية ودعاوى تفوّق العرق الآري ورغبة هتلر في إثبات تفوقهم وإخضاع من سواهم من الأعراق والأجناس والشعوب، مثلما تفعل الصهيونية اليوم من إبادة -باعتبار تفوق السامية- وحقهم في استئصال الإنسان الفلسطيني العربي بل وأرضه وأشجار زيتونه وبيئته التي أبادوها كما أبادوا البشر والحجر. حصاد الغرور ونتيجة تلك النظرة كان الحصاد مرا بتدهور كارثي للبيئة ندفع اليوم ثمنه، فموارد البيئة تنضب وعدد هائل من الكائنات أصبح مهددا بالانقراض، والتربة إما دمرتها الحروب والمواد الخطرة المدفونة في عمقها أو المبيدات التي تشبعت بها بملايين الأطنان، ولن نستطيع التخلص منها، حتى الهواء والماء لم يسلما من التلوث والمخاطر التي تهدد صحتنا جميعا بلا استثناء؛ أبيضنا وأسودنا وأحمرنا، فمن يدفع فاتورة تلك الكلفة الكارثية التي قاد غزوتها ذلك الأبيض المغرور؟

أوروبا تخطط لإنشاء نظام بيانات مناخية مستقل عن واشنطن
أوروبا تخطط لإنشاء نظام بيانات مناخية مستقل عن واشنطن

الجزيرة

timeمنذ 13 ساعات

  • الجزيرة

أوروبا تخطط لإنشاء نظام بيانات مناخية مستقل عن واشنطن

كشفت أكثر من 12 دولة أوروبية عن خطط لحماية البيانات الأساسية في مجالات المناخ والبيئة والصحة وغيرها بمراجعة اعتمادها قواعد البيانات الأميركية التي كانت متاحة سابقا، بل ودعوة العلماء الأميركيين الذين تأثروا بقرارات ترامب إلى الانضمام إلى المؤسسات الأوروبية. وأكد مسؤولون أوروبيون لوكالة رويترز، أن القارة تسعى إلى تعزيز أنظمة جمع البيانات الخاصة بها في مجالات المناخ والظواهر الجوية المتطرفة والصحة في تخوّف مما وصفوه "انسحابا أميركيا عاما من البحث العلمي". وقال أدريان ليما، مدير المركز الوطني لأبحاث المناخ في المعهد الدانماركي للأرصاد الجوية، إن "البيانات الموثوقة تدعم تحذيرات الطقس المتطرف وتوقعات المناخ، وهي في نهاية المطاف تُنقذ الأرواح". كما أوضح أن مؤسسته تعتمد على بيانات الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي "نووا" (NOAA) الأميركية لقياس درجات حرارة سطح البحر والجليد البحري في القطب الشمالي وغيرها. وفي بداية ولايته الثانية، انسحب الرئيس دونالد ترامب من اتفاقية باريس للمناخ، وأقر تخفيضات كبيرة من ميزانية الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (نوا) والمعاهد الوطنية للصحة، ووكالة حماية البيئة، ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، وغيرها من الوكالات. كما عمل على تفكيك البرامج التي تجري أبحاثا في مجالات المناخ والطقس والبيانات الجغرافية والصحة، وعطّل بعض قواعد البيانات العامة، وسط تراجعات عامة عن السياسات المناخية والبيئية السابقة. وتسعى خطة موازنة البيت الأبيض لعام 2026 إلى تقليص حجم الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي بشكل أكبر، باقتراح خفض بقيمة 1.8 مليار دولار، أي ما يعادل 27% من الميزانية، إضافة إلى تقليص عدد الموظفين بنسبة 20%. وتشمل الخطة لإلغاء مكتب أبحاث المحيطات والغلاف الجوي، وهو الذراع البحثية الرئيسة للإدارة، والمسؤول عن أنظمة رصد المحيطات، وشبكات المراقبة الساحلية، وأجهزة استشعار الأقمار الصناعية، ومختبرات نمذجة المناخ. كما أعلنت "نوا" في الفترة بين أبريل/نيسان ويونيو/حزيران، إيقاف تشغيل 20 مجموعة بيانات أو منتجا متعلقا بالزلازل وعلوم البحار. ويرى المسؤولون الأوروبيون أنه في حال عدم استمرار الوصول إلى بيانات الطقس والمناخ المدعومة من الولايات المتحدة، ستواجه الحكومات والشركات تحديات كبيرة في التخطيط للظواهر الجوية المتطرفة وتحديدها والاستثمار طويل الأجل في البنية التحتية، حسب تصريحاتهم لوكالة رويترز. وفي مارس/آذار، الماضي حثّت أكثر من 12 دولة أوروبية المفوضية الأوروبية على التحرك بسرعة لتوظيف العلماء الأميركيين الذين سيفقدون وظائفهم بسبب هذه التخفيضات في الولايات المتحدة. وعندما طُلب من مكتب الإدارة والميزانية في البيت الأبيض التعليق على تخفيضات الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، وتحركات الاتحاد الأوروبي لتوسيع قاعدة بياناته العلمية، صرّح بأن التخفيضات التي اقترحها ترامب على ميزانية الوكالة لعام 2026 تستهدف البرامج التي تنشر ما وصفه بـ"العلم الأخضر الجديد المزيف"، في إشارة إلى أبحاث وسياسات تغير المناخ. وقالت راشيل كاولي، المتحدثة باسم المكتب، عبر البريد الإلكتروني: "تحت قيادة الرئيس ترامب، بدأت الولايات المتحدة في تمويل العلوم الحقيقية مرة أخرى". مشروع بديل أجرت وكالة "رويترز" مقابلات مع مسؤولين من 8 دول أوروبية، أفادوا بأن حكوماتهم تُجري مراجعات لمدى اعتمادها على البيانات الأميركية المتعلقة بالمناخ والمحيطات والطقس. وأكد مسؤولون من 7 دول، وهي الدانمارك وفنلندا وألمانيا وهولندا والنرويج وإسبانيا والسويد وجود جهود مشتركة في مراحلها الأولى لحماية بيانات الصحة والمناخ، وبرامج البحث الأساسية. وقال مسؤول كبير في المفوضية الأوروبية، إن الاتحاد الأوروبي يسعى كأولوية، إلى توسيع نطاق وصوله إلى بيانات مراقبة المحيطات، والتي تُعد بالغة الأهمية لقطاعي الشحن والطاقة، إضافة إلى أنظمة الإنذار المبكر بالعواصف. وأوضح المسؤول أن الاتحاد يخطط خلال العامين المقبلين لتوسيع شبكة المراقبة والبيانات البحرية الأوروبية، التي تجمع وتستضيف معلومات عن طرق الشحن، وموائل قاع البحر، والنفايات البحرية، وغيرها من المخاوف البيئية. وذكر أن المبادرة تهدف إلى "محاكاة الخدمات الموجودة في الولايات المتحدة، وربما استبدالها". وأشار مسؤول ثانٍ، في الاتحاد الأوروبي لرويترز، إلى أن أوروبا تشعر بقلق خاص من تأثير خفض التمويل الأميركي للذراع البحثية التابعة للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، والتي تُعد عنصرا أساسيا في نظام مراقبة المحيطات العالمي، وهو شبكة تدعم خدمات الملاحة، وطرق الشحن، والتنبؤ بالعواصف. وتعتمد شركات التأمين على سجلات الكوارث في هذا النظام لنمذجة المخاطر، كما يستخدم مخططو السواحل بيانات خط الساحل ومستوى سطح البحر والمخاطر البيئية لتوجيه استثمارات البنية التحتية. كما يعتمد قطاع الطاقة كذلك على البيانات المحيطية والزلزالية لتقييم جدوى مشاريع الحفر البحري أو إنشاء مزارع الرياح. وأضاف المسؤول أن الاتحاد الأوروبي يدرس أيضا زيادة تمويله برنامج "أرغو"، وهو جزء من نظام مراقبة المحيطات العالمي، يدير شبكة من العوّامات لرصد محيطات العالم، وتتبع ظواهر الانحباس الحراري، والأحداث الجوية المتطرفة، وارتفاع مستوى سطح البحر. وكانت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي قد وصفت البرنامج، الذي يعمل منذ أكثر من 25 عاما، بأنه "جوهرة التاج في علوم المحيطات"، ويُوفر بياناته مجانا لقطاعات النفط والغاز، والسياحة البحرية، وغيرها. وتُموّل الولايات المتحدة 57% من النفقات التشغيلية السنوية لبرنامج أرغو (40 مليون دولار)، بينما يموّل الاتحاد الأوروبي 23%. ولم يُجب البيت الأبيض أو الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي عن استفسارات بشأن الدعم المستقبلي للبرنامج. ويُقر العلماء الأوروبيون بالدور الريادي الذي لعبته الولايات المتحدة في البحث العلمي وجمع البيانات عالميا، مؤكدين في الوقت ذاته، أن الدول الأوروبية أصبحت تعتمد بشكل مفرط على هذا الدور. وقالت كاترين بونينغ-جايس، المديرة العلمية لمركز هيلمهولتز الألماني لأبحاث البيئة: "الأمر أشبه بالدفاع: نحن نعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة في هذا المجال أيضا. إنهم رواد وقدوة، لكن هذا يجعلنا أيضا تحت رحمتهم". وتتخذ عدة حكومات أوروبية حاليا تدابير للحد من هذا الاعتماد. فقد صرّحت وزيرة البحث والتعليم العالي النرويجية، سيغرون آسلاند، بأن دول الشمال الأوروبي اجتمعت في مارس/آذار لتنسيق جهود تخزين البيانات، كما ناقش وزراء العلوم الأوروبيون التخفيضات الأميركية في اجتماع عُقد في باريس في مايو/أيار. وقالت آسلاند إن النرويج خصصت مليوني دولار لدعم وتخزين البيانات الأميركية لضمان الوصول المستقر إليها، كما بدأ المعهد الدانماركي للأرصاد الجوية في فبراير/شباط بتنزيل البيانات المناخية الأميركية التاريخية تحسبا لاحتمال حذفها من الحكومة الأميركية. كما كلّفت الحكومة الألمانية من جهتها منظمات علمية، منها مركز "هيلمهولتز"، بمراجعة مدى اعتمادها على قواعد البيانات الأميركية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store