
رسائل إيرانية «معتدلة» و«متشددة» للترويكا الأوروبية
بيد أن عراقجي بدا متشدداً في مسألة وحيدة عنوانها التهديد الأوروبي باللجوء إلى تفعيل آلية «سناب باك» المنصوص عليها في اتفاقية عام 2015 بين طهران ومجموعة «خمسة زائد واحد»، والتي تتيح إعادة العمل بست مجموعات من العقوبات فرضتها ستة قرارات من مجلس الأمن الدولي في حال رفضت إيران التجاوب مع مطالب غربية بخصوص برنامجها النووي، وما يتناول برنامجها الصاروخي - الباليستي.
تجدر الإشارة إلى أن حديث عراقجي إلى صحيفة فرنسية يأتي في عز التصعيد الجاري بين باريس وطهران بسبب ملف الرهينتين الفرنسيتين، سيسيل كوهلىر وجاك باريس، المسجونين في إيران منذ ثلاث سنوات. وآخر ما استجد وأثار غيظ فرنسا اتهامهما بالتجسس لصالح إسرائيل، الأمر الذي دفع الرئيس إيمانويل ماكرون، وكذلك وزير الخارجية جان نويل بارو، إلى التهديد باتخاذ إجراءات عقابية بحق طهران، ومنها آلية «سناب باك». وما زاد الطين بلة أن إيران اعترفت باعتقالها مؤخراً مواطناً فرنسياً، يحمل الجنسية الألمانية، واسمه لينارت مونترلوس.
والجمعة، اتهم رئيس أركان القوات الفرنسية الجنرال تييري بوركهارد إيران بممارسة «إرهاب الدولة»، واستخدام السجناء الغربيين كـ«رهائن دولة»، والقيام بأعمال تنسف الاستقرار في الشرق الأوسط، فضلاً عن دعم «أذرع إرهابية»، مشيراً إلى «حماس» و«حزب الله» و«الحوثيين». وأخيراً، نبّه المسؤول العسكري الأول في فرنسا على أن إيران «قد تعمد إلى تطوير برنامج نووي عسكري، ولكن هذه المرة بعيداً عن أي رقابة».
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (إ.ب.أ)
هدفت أول رسالة لعراقجي إلى «طمأنة» الغربيين لجهة أن بلاده لن تخرج من معاهدة منع انتشار السلاح النووي التي وقعتها في عهد الشاه، رغم الدعوات التي صدرت عن تيارات متشددة في طهران. وسبق لماكرون، عقب قمة أوروبية التأمت في بروكسل الأسبوع الماضي، أن نبّه على هذا الاحتمال، لا بل إنه أطلق حملة مشاورات مع قادة الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن، والمعترف بأنها تمتلك السلاح النووي وهي في الوقت نفسه «راعية» المعاهدة المشار إليها، كما لم يتردد في الاتصال بنظيره الروسي فلاديمير بوتين لبحث التهديدات المرتبطة بهذا الاحتمال.
وعند سؤاله عن هذه النقطة بالذات، أجاب عراقجي بما حرفيته: «ليس لدينا أي نية للقيام بذلك حتى الآن. وحتى في ظل ظروف العقوبات واغتيالات علمائنا والتخريب، أظهرنا أننا نحترم معاهدة عدم الانتشار. وعلاوة على ذلك، نعتقد أن الامتثال لقواعد هذه المعاهدة لا ينبغي أن يكون من جانب واحد». وتبدو الجملة الأخيرة قد جاء عليها من باب رفع العتب.
وأظهر المسؤول الإيراني «ليونة» أيضاً في الانفتاح على عودة التفاوض مع الولايات المتحدة مع التزام شرط واحد عنوانه: «ضمان أن الولايات المتحدة لن تعمد للقيام بهجمات عسكرية (ضد إيران) خلال المفاوضات».
وتستدعي هذه الإجابة ملاحظتين: الأولى أن ما تطلبه إيران هو «الحد الأدنى» الذي يمكن أن يتمسك به أي طرف منخرط في عملية تفاوضية، وطرح إيران له مرده إلى أن الضربات الأميركية حصلت في حين كان الطرفان الإيراني والأميركي منخرطين في مفاوضات معقدة حصلت منها خمس جولات، وكان ثمة تخطيط لجولة سادسة. والثانية أن عراقجي يعترف بوجود اتصالات غير مباشرة «عبر دول صديقة» مع واشنطن، في حين أن الجانب الأميركي يتحدث عن اتصالات مباشرة حصلت بينه وبين المبعوث الأميركي للملف النووي ويتكوف.
وإذ اعتبر عراقجي أن الدبلوماسية «تسير على خطين»، وأن واشنطن قطعت التفاوض ولجأت إلى العمل العسكري، فقد طالب بصدور «إشارة واضحة» تفيد بأنها سوف تغير نهجها؛ ما يعيدنا إلى موضوع الضمانة المطلوبة. ورفض الوزير الإيراني الكشف عن تاريخ محدد لعودة المفاوضات، مكتفياً بالقول إن بلاده جعلت من التفاوض «نواة سياستها الخارجية».
ملصق لمنشأة «فوردو» لتخصيب الوقود يُعرض عقب مؤتمر صحافي لوزير الدفاع ورئيس الأركان بـ«البنتاغون» في 26 يونيو 2025 (أ.ف.ب)
ليس سراً أن استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم يعد إحدى العقبات الرئيسة التي حالت - وما زالت - دون التوصل إلى اتفاق جديد مع طهران. فواشنطن ومعها إسرائيل وبعض الغربيين ينادون بـ«صفر تخصيب»، في حين أن إيران تتمسك بأنه حق منصوص عليه في معاهدة منع الانتشار.
وفي حديثه، أظهر عراقجي نوعاً من الانفتاح. فبعد التأكيد على هذا الحق، وعلى أن بلاده لا تسعى لامتلاك السلاح النووي، وأن هناك «فتوى» دينية بهذا الخصوص، وبعد أن ذكّر بمضمون الاتفاقية لعام 2015، وبالأسباب التي دفعتها إلى الانتقال إلى التخصيب بنسبة 20 في المائة ثم 60 في المائة؛ قال ما حرفيته: «التخصيب حق وحاجة لإيران في آنٍ واحد، ولكن يمكن التفاوض على هذه التفاصيل كجزء من اتفاق متوازن ومتبادل ومضمون».
وهذا الكلام يترك الباب مفتوحاً أمام المفاوضات، ولا يعكس تشدداً في التخصيب الذي تتمسك به أجنحة أخرى في النظام الإيراني وتعتبره غير قابل للمناقشة. أما بالنسبة للخطة الخاصة بإنشاء «كونسورسيوم» دولي أو إقليمي لتخصيب اليورانيوم خارج إيران، وتكون طهران وواشنطن جزءاً منه للتغلب على هذه المعضلة، فإن عراقجي لجأ إلى الدبلوماسية؛ إذ أجاب من غير أن يجيب، واستخدم عبارات حمّالة معانٍ بقوله: «كل تعاون إقليمي قابل للتفاوض. وشرطنا الوحيد هو عدم تجاهل حقوق الشعب الإيراني ومصالحه. وقد ذكرت إيران مراراً وتكراراً أنها مستعدة للدخول في حوار وتعاون لتطوير تكنولوجيتها النووية السلمية مع أي بلد مسؤول، وخاصة جيرانها».
لقطة جوية تُظهر موقعاً سكنياً متضرراً في أعقاب هجوم صاروخي إيراني على إسرائيل (رويترز)
وعندما يدور الحديث حول برنامج إيران الصاروخي - الباليستي، تتغير لهجة عراقجي، فيستعيد السردية التقليدية الإيرانية لجهة التأكيد على أن البرنامج «دفاعي وردّي بحت»، مضيفاً أنه «في سياق تتعرض فيه إيران لتهديدات مستمرة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، وتتعرض الآن لهجوم من قبلهما، لا يمكننا أن نتوقع منها أن تتخلى عن قدراتها الدفاعية».
ثمة عناصر أخرى في حديث عراقجي، منها مطالبة واشنطن، وليست تل أبيب، بتعويضات بسبب الضحايا والتدمير الذي أصابها وأصاب منشآتها بسبب الضربات الأميركية. ورغم الأضرار التي لحقت ببرنامجها النووي، فإن هذا البرنامج «غير قابل للتدمير بسبب إرادة الشعب الذي نجح ووصل إلى قمة المعرفة» في الشأن النووي. كذلك اعتبر عراقجي أن استهدافه يعد «ضربة أصابت نظام منع الانتشار». ولم يفته في هذا السياق التنديد بالمواقف الأوروبية ومنها الفرنسية التي امتنعت عن إدانة الهجمات الإسرائيلية والضربات الأميركية.
وربط عراقجي بين تمكين أوروبا من لعب دور في الملف النووي وبين لجوئها إلى تفعيل آلية «سناب باك». وبلهجة تحذيرية قال: «نحن ندعم الدور البنّاء للدول الأوروبية الثلاث (فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة) في إعادة بناء خطة العمل الشاملة المشتركة، شريطة أن تتجنب اتخاذ إجراءات استفزازية وغير بنّاءة مثل التهديد بآلية (سناب باك) التي سيكون لها نفس تأثير الهجوم العسكري. ومن وجهة نظرنا، فإن مثل هذا الإجراء سيشكل نهاية دور فرنسا وأوروبا في البرنامج النووي السلمي الإيراني».

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة سبق
منذ 42 دقائق
- صحيفة سبق
"مأزق المطالب المتضاربة".. لماذا تتعثر مفاوضات هدنة غزة؟
عاد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تل أبيب دون التوصل إلى اتفاق هدنة في غزة، رغم توقعات متفائلة من مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين بإمكانية تحقيق انفراجة، وشهدت الزيارة الثالثة لنتنياهو إلى واشنطن منذ تنصيب الرئيس دونالد ترامب، لقاءات رفيعة المستوى، لكنها لم تفضِ إلى نتائج ملموسة، فلماذا تعثرت المفاوضات؟ رغم تصريحات نتنياهو المتفائلة بإمكانية إعلان هدنة خلال أيام، ظلت العقبات تحول دون التقدم، والمفاوضات في الدوحة، التي كان يُفترض أن تُكلل باتفاق، توقفت بعد تأجيل المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف زيارته إلى قطر، وتركزت الخلافات على مدى انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة بعد إطلاق سراح بعض الرهائن، والخريطة الأولية التي قدمتها إسرائيل، والتي منحتها سيطرة على مناطق واسعة في القطاع، قوبلت برفض أمريكي، مما دفع إسرائيل لإعادة صياغتها لتكون أكثر قبولاً. حركة "حماس"، من جانبها، أشارت إلى خلافات إضافية، تشمل استمرار عمل صندوق غزة الإنساني المدعوم من إسرائيل والولايات المتحدة، الذي شهد مقتل 798 شخصاً أثناء محاولتهم الوصول إلى مواقعه منذ مايو 2025، وفق الأمم المتحدة، كما تطالب حماس بهدنة دائمة، وهو شرط ترفضه إسرائيل، التي تصر على نزع سلاح حماس وتجريد غزة من السلاح، وقد أشار نتنياهو إلى أن هذه الشروط غير قابلة للتفاوض، وأن إسرائيل ستلجأ للقوة إذا فشلت الدبلوماسية، وفقًا لصحيفة "الجارديان" البريطانية. وعلى الصعيد الداخلي، يواجه نتنياهو ضغوطاً من ائتلافه اليميني، بقيادة وزراء مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، الذين يفضلون استمرار الوضع الراهن على أي اتفاق سلام، وفي الوقت ذاته، يحرص نتنياهو على الحفاظ على علاقته مع ترامب، من خلال تأكيدات علنية بأنه يسعى للسلام، بينما يحافظ على سياسات ترضي قاعدته السياسية، وخلال الزيارة، أنتجت اللقاءات صوراً عززت الادعاء الإسرائيلي بأن العلاقة مع ترامب خالية من الخلافات، رغم تصريحات ترامب السابقة التي عبرت عن إحباطه من إسرائيل. وحاولت الولايات المتحدة، عبر وساطة قطرية، سد الفجوات بين الطرفين، مقترحة ضمانات لاستمرار الهدنة بعد 60 يوماً، لكن هذه الجهود لم تكلل بالنجاح، وإدارة ترامب، التي تضغط على إسرائيل مباشرة عبر نتنياهو ونائبه رون ديرمر، وعلى حماس عبر قطر، لم تحقق اختراقاً، وأوضح إليوت أبرامز الخبير في مجلس العلاقات الخارجية، أن فعالية هذه الضغوط لا تزال غير واضحة، مما يعكس تعقيدات المشهد السياسي.


الشرق السعودية
منذ ساعة واحدة
- الشرق السعودية
فرنسا.. الفقر يسجل أعلى معدلاته في 30 عاماً
أظهر تقرير نشره المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية في فرنسا INSEE، أن هناك ما يقارب 10 ملايين فرنسي تحت خط الفقر، مشيراً إلى أن هذا الرقم ازداد خلال عام واحد فقط بمعدل 700 ألف شخص، وسط مخاوف السلطات الفرنسية بشأن تصنيف البلاد بين الدول الأوروبية. وبحسب بيانات المعهد لعام 2023، وصل معدّل الفقر إلى 15.4%، وهو أعلى مستوى له منذ بدء التعداد السكاني في فرنسا في عام 1996، كما اقتربت الفجوة بين أغنى 20% وأفقر 20% من مستواها في أوائل سبعينيات القرن الماضي. ومنذ ما يقارب 30 عاماً، يقيس معهد INSEE الحكومي الفقر وعدم المساواة بين سكان فرنسا الذين يعيشون في مساكن عادية، إلا إنه لم يسبق أن بلغت هذه المعدلات ذروتها المسجلة في عام 2023، والتي أظهرت أن 9.8 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر النقدي، المُحدد بنسبة 60% من متوسط الدخل الشهري، أو 1288يورو للفرد الواحد، أي ما يعادل 15% من عدد السكان في فرنسا. سياسات المحافظين المحلل الاقتصادي ماهر نيقولا الفرزلي، المدير التنفيذي للمركز الأوروبي الآسيوي للدراسات الاستراتيجية، والمستشار السابق في البنك الدولي، اعتبر في تصريحات لـ"الشرق" أن "هذا الإفقار الجماعي الصادم للطبقة العاملة الفرنسية، هو النتيجة المباشرة لـ3 عقود من السياسة الاقتصادية المحافظة الجديدة". وأضاف أن "الواقع الذي قد لا يحب المعلقون المحسوبون على التيار الليبرالي التقدمي من صحف (لوموند) و(ليبيراسيون) و(فرانس إنتر) سماعه، يُشير إلى أن الائتلاف الوسطي الحاكم بزعامة الرئيس إيمانويل ماكرون، وقادة الحزب الاشتراكي فرانسوا هولاند وجاك ديلور، والجمهوريون من يمين الوسط مثل نيكولا ساركوزي وإدوارد فيليب. جميعهم مسؤولون عن هذا الوضع الاجتماعي الكارثي". وتابع الفرزلي: "بعد انتهاء الحرب الباردة مباشرةً، وتوقيع معاهدة ماستريخت في عام 1993 قررت النخب السياسية والفكرية في باريس التخلي عن النموذج الاقتصادي الصناعي الفرنسي الأصيل المعروف باسم (الكولبيرتية)، الذي تبنته فرنسا في عهد الوزير جان-باتيست كولبير خلال القرن الـ17، وجمع بين الرأسمالية المركزية التي تُركز على الابتكار التكنولوجي والاستثمار في البنية التحتية (هنري دو سان سيمون، فرديناند ديليسبس)، والحمائية والقومية الاقتصادية (الجنرال ديجول، مارسيل داسو)". وأضاف: "نجح هذا النموذج بشكل باهر على جميع المستويات، وحقق نمواً اقتصادياً مرتفعاً، وتميزاً تكنولوجياً، وأجوراً مرتفعة للطبقة العاملة الفرنسية، حيث كانت باريس محط حسد العالم قبل 30 عاماً، لكن بعد 3 عقود من التدهور الاقتصادي والتدمير الاجتماعي، بدأ الرأي العام الفرنسي يدرك أخيراً أن البلاد تعرضت للخيانة من قِبل نخبها، أمثال جاك ديلور، وإيمانويل ماكرون، ورافائيل جلوكسمان، الذين عملوا بلا كلل على تدمير (النموذج الفرنسي) واستبداله بعقائد المحافظين الجدد التي فرضتها أميركا والمفوضية الأوروبية وغيرهما"، وفق تعبيره. وأشار الفرزلي، إلى أنه وفقاً لبيانات البنك الدولي، أصبح نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الفرنسي الآن أقل بنسبة 50% إلى 60% من نظيره في الولايات المتحدة أو أيرلندا، معتبراً أنها "علامة واضحة على الفشل المالي". فئات اجتماعية جديدة تحت خط الفقر تراجع الأوضاع الاقتصادية في فرنسا، دفع الكثير من المؤسسات والجمعيات إلى محاولة دعم الفئات الفقيرة في مختلف أنحاء فرنسا. وفي حديث لـ"الشرق"، قالت سارة سميا المسؤولة في جمعية "سوكور"، التي تعتمد على تبرعات المساهمين، إنهم لاحظوا منذ سنوات ازدياد الطلب على المساعدات، مشيرةً إلى التعاون مع الكثير من المتبرعين لدعم من باتوا مصنفين من خلال الدولة كفقراء، بما فيهم الفئات التي لا تكفيها أجورها، لتأمين الاحتياجات الضرورية. وأوضحت أن معظم الاحتياجات التي يتم توفيرها للفئات المعوزة تتمثل في "الحليب والحفاضات، والثياب، والأحذية، من فاعلي الخير والمصانع والشركات التي تخصص مبالغ لشراء هذه الحاجيات او هي تتبرع بها". وأضافت سمية: "لم تشهد فرنسا منذ سنوات زيادة على الأجور، بينما التضخم يسجل مستويات كبيرة، ولذلك الوضع الاقتصادي والاجتماعي أصبح متردياً للغاية، وهذا يترك آثاراً اجتماعية سلبية على الأطفال، مثل التسرب المدرسي، وتوجه القصر إلى طرق غي قانونية لتأمين لقمة العيش، فضلاً عن عمليات الاستغلال وتفشي المخدرات". وقالت المسؤولة في جميعة "سوكور"، إن اللافت في السنوات الأخيرة، هو ارتفاع الإقبال على طلب المعونات من فئات اجتماعية جديدة، إذ لم يعد الأمر يقتصر على مجتمعات اللاجئين والمهاجرين.


العربية
منذ 2 ساعات
- العربية
وقف النار في إيران: هدنة يتهددها الخطر
وصف بعض المعلقين الهجوم الأخير الذي شنّته إسرائيل والولايات المتحدة على أجزاء من المشروع النووي الإيراني، باسم «حرب الـ12 يوماً». إلا أن هذا التوقيت النهائي، في الحقيقة، من اختيار طهران، في إطار مزاعمها بأن إيران استطاعت أن تقاتل لمدة أطول بمرتين، عن الدول العربية التي قادتها مصر في حرب الأيام الستة عام 1967. في الواقع، وبدرجات متفاوتة في الحدة والتنوع في المواقع، فإن هذه الحرب بدأت قبل أكثر من أربعة عقود، حينما داهمت السلطات الثورية الجديدة البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية في طهران، وسلمتها لزعيم منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، الذي كان ضيفاً خاصاً على الخميني. وبعد بضعة أشهر، كرّر النظام الثوري الجديد الأمر نفسه باقتحام السفارة الأميركية، واحتجاز دبلوماسييها رهائن. وبحسب القانون الدولي، تُعد البعثات الدبلوماسية أو السفارات جزءاً من أراضي الدولة صاحبة البعثة، ويُعدّ الهجوم المسلح عليها سبباً مباشراً للحرب. وفي العام التالي، ردّت الولايات المتحدة عندما أمر الرئيس جيمي كارتر بعملية فاشلة لاختراق الأراضي الإيرانية، ما أكد حالة الحرب المستعرة بين البلدين. وشكّلت حرب إيران مع العراق، التي استمرت ثماني سنوات، «فاصلة» مؤقتة، شحنت خلالها كل من الولايات المتحدة وإسرائيل أسلحة ومعلومات استخباراتية إلى طهران، لمساعدتها ضد نظام صدام حسين في بغداد. بعد ذلك، جرى استئناف الحرب مع إسرائيل، عندما بدأت طهران بتشكيل جيوش صغيرة تعمل بالوكالة عنها في لبنان، وسعت إلى تجنيد مرتزقة محتملين من بين مختلف الفصائل الفلسطينية المسلحة. وبحلول أوائل الثمانينات، كانت طهران، المتحالفة مع نظام الأسد في دمشق، قد حوّلت لبنان إلى ساحة معركة ضد كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. وفي التسعينات، بدأت طهران حرباً منخفضة الشدة ضد القوات الأميركية في العراق، بينما واصلت عبر وكلائها حرب استنزاف ضد إسرائيل ـ وهي حروب لا تزال مشتعلة حتى يومنا هذا. وكان من الضروري التذكير بهذه الأحداث، لتوضيح أن التصعيد الأخير له أسباب أعمق من مجرد القلق بشأن سعي إيران إلى امتلاك ترسانة نووية ـ وهو أمر أكد جميع مديري الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من هانز بليكس إلى محمد البرادعي ورافائيل غروسي، مراراً أنه من المتعذر عليهم تأكيده. وبالتأكيد، فإن نظرية «واحد في المائة» الشهيرة في إدارة المخاطر، تتطلّب أخذ احتمال وصول عدو خطير إلى السلاح النهائي على محمل بالغ الجدية ـ وهو ما فعله جميع رؤساء الولايات المتحدة منذ بيل كلينتون، عبر محاولات متعددة لـ«احتواء» إيران، دون جدوى حتى الآن. والآن، هل يعني ذلك أن النظام الحالي في طهران من غير المرجّح تماماً أن يتخلى مؤقتاً عن البُعد العسكري المحتمل لمشروعه النووي؟ وإذا حكمنا من خلال تصريحات كثير من شخصيات النظام ـ آخرهم الرئيس مسعود بزشكيان، وبطريقة غير مباشرة المرشد علي خامنئي ـ فقد تكون الإجابة: «لا» بتحفّظ. وقد لمّح النظام إلى استعداده للنظر في تجميد البُعد العسكري المحتمل للمشروع النووي ـ ينفي وجوده أساساً ـ مقابل أربعة تنازلات من الولايات المتحدة وحلفائها، بما في ذلك إسرائيل. المطلب الأول: السماح للنظام بحفظ ماء وجهه، والادعاء بتحقيق نصر عظيم ضد أميركا وإسرائيل. وهذا بالضبط ما تفعله طهران حالياً، سواء في الداخل، أو بمساعدة دوائر مناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل، على مستوى العالم. المطلب الثاني: إلغاء جميع العقوبات المفروضة على إيران. المطلب الثالث: أن تتعهد الولايات المتحدة وحلفاؤها بعدم التفكير في أي خطط لتغيير النظام في إيران أو دعمها. ويعني ذلك قطع العلاقات مع العشرات من جماعات المعارضة الإيرانية. أما المطلب الرابع: وربما الأصعب على أي إدارة أميركية مجرد التفكير في قبوله، وهو الاعتراف بـ«حق الجمهورية الإسلامية» في تصدير نموذج حكمها، وقيمها الإسلامية، وحملتها من أجل «العدالة العالمية»، تماماً مثلما تسعى واشنطن إلى نشر قيمها الخاصة. بمعنى آخر، تقول طهران: دعونا نفعل ما نريد، ونعدكم بألا نصنع القنبلة التي لطالما قلنا إننا لا ننوي بناءها أصلاً. وقد جرى توصيل هذه الرسالة بشكل غير مباشر عبر مقابلة تكر كارلسون الحصرية مع الرئيس بزشكيان، حيث جاء فيها: نريد أن نتباهى بنصر عسكري كبير، وسنسمح لكم بادعاء نصر دبلوماسي كبير، من خلال العودة إلى طاولة المفاوضات. وشكل وقف إطلاق النار الذي أعلنه الرئيس دونالد ترمب، فترة استراحة داخل دراما دموية بدأت قبل ما يقارب نصف قرن. وخلال هذه الهدنة، هناك ثلاث ساعات زمنية تدق في الخلفية: الأولى: ساعة الحياة السياسية والبدنية للمرشد، ورغم تعرضها للاهتزاز، فإنها تبدو قابلة للاستمرار حتى الآن. الثانية: ساعة الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، التي قد تحوّل الرئيس ترمب إلى رئيس مشلول من دون صلاحيات فعلية، إذا نجحت أداة إيلون ماسك السياسية الجديدة في سلب الجمهوريين ستة مقاعد في الكونغرس، ومقعدين أو ثلاثة في مجلس الشيوخ. وفي الوقت ذاته، قد يتمكن خصوم بنيامين نتنياهو السياسيون الكثيرون في إسرائيل من الإطاحة به. لذلك، يرى المطلعون على بواطن الأمور في طهران أنه من الضروري تمديد الهدنة الحالية ـ ولو عبر التفاوض ـ إلى أن تتلاشى «السحابتان الكبيرتان» اللتان تتخذان شكل ترمب ونتنياهو، مثلما تتلاشى شبورة الصباح. الثالثة: ساعة الغضب الشعبي الزائد في إيران، ويرى كثير من الناس أن ما يمرون به هو فشل تاريخي، مصحوب بإذلال غير مسبوق ومعاناة يومية قاسية. ويبدو وقف إطلاق النار الحالي أقرب إلى فترة استراحة محفوفة بالمخاطر، في خضم حرب بدأت قبل ما يقارب نصف قرن، ولا يبدو أنها تقترب من نهايتها. موجز القول، كان هذا فحوى رسالة وكالة «تسنيم»، الناطقة باسم «الحرس الثوري»، الثلاثاء الماضي: «الوضع السياسي الحالي لا يقتصر على خيارين فقط: الصمود أو الاستسلام. ويكمن الجانب الثالث في تغيير المسار، الذي يعني منح العدو انتصاراً لم يحققه بالحرب».