logo
الرقابة العسكرية.. قصة الجهاز الذي يمنعنا من معاينة الأضرار في إسرائيل

الرقابة العسكرية.. قصة الجهاز الذي يمنعنا من معاينة الأضرار في إسرائيل

الجزيرة١٩-٠٦-٢٠٢٥
لا ينبغي للحكومة أن تتخلى عن الرقابة؛ فحيث يمكن أن تكون الصحافة حرة بالكامل، لن يكون هناك إنسان حر.
فوق رفٍّ للكتب في أحد مكاتب الرقابة العسكرية في مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب، عُلِّقت هذه العبارة ل توماس جيفرسون ، الرئيس الثالث للولايات المتحدة الأميركية، في تجسيدٍ رمزيٍّ لما تهدف إليه المنظومة السياسة والعسكرية في إسرائيل بإيجادها لوحدة الرقابة العسكرية التابعة للجيش الإسرائيلي.
اليوم، وبعد أن تجرأ العديد من الإسرائيليين على قرارات الرقابة بحظر النشر حول آثار القصف الإيراني، وأكدوا إصابة مقر وزارة الدفاع بأحد الصواريخ، يمكننا أن نتساءل عن مصير هذه المعلقة، وما إذا كانت قد التهمتها النيران أو اندثرت بين ركام المباني التي انهارت في الكرياه وما حولها على ضوء استمرار قصف تل أبيب لليوم الثالث على التوالي.
يبحث هذا المقال في الإجابة عن سؤال: لماذا تحتاج إسرائيل إلى استخدام الرقابة العسكرية أداةً للتحكم في المجتمع الإسرائيلي؟ وما وظيفة هذه الأداة في مخاطبة أعداء إسرائيل؟
البوم؛ الحكمة غطاءً لشرعنة السيطرة:
يحمل شعار وحدة الرقابة العسكرية صورة رمزية لطائر البوم، رسمت فيه عينا الطائر بحدَّةٍ واضحة.
ويبدو أن اتخاذ الوحدة شعارًا يبرز الطائر الذي يحمل في العديد من الثقافات رمزية الحكمة، واليقظة الدائمة، والقدرة على الرؤية في الظلام؛ ينطوي على منحها سلطةَ من يعرف ما لا يُرى على عموم الإسرائيليين الذين عليهم أن ينصاعوا لهذه الرقابة لأنها تهدف -من وجهة نظرها- للدفاع عنهم وحمايتهم مما لا يستطعون رؤيته. وبالضرورة فإن عمل الرقابة العسكرية منذ تأسيسها ينطوي على التصرف بتناغم مع المستويين العسكري والسياسي.
في شعار الرقابة العسكرية، يتضح تجسيد للعقلية الإسرائيلية التي ترى في ذاتها مكوِّنات الحكمة لتخليص العالم من الشرور، وهو ما اتضح جليًّا في خطاب بنيامين نتنياهو الذي وجهه للشعب الإيراني حين قال لهم إنه قد عبَّد الطريق لهم نحو الحرية، فخاطبهم قائلًا: "شعب إيران الشجاع، نوركم سيهزم الظلام. أنا معكم وشعب إسرائيل معكم".
وتتخذ هذه الوحدة سلطتها من مقولتها الأساسية بأنها تتحكم فيما يُنْشَر وما لا يُنْشَر حمايةً للأمن القومي الإسرائيلي، الذي يعتبر أحد أهم الأُسس التي تقوم عليها إسرائيل.
يعود تاريخ الرقابة العسكرية في إسرائيل إلى عام 1933، حين سنَّت سلطات الانتداب البريطاني قانونًا عرف آنذاك بقانون الصحافة وتوَّلى مسؤولية تنظيم العمل الصحفي في فلسطين والرقابة عليه وتنظيمه. وغداة إعلان قيام "دولة إسرائيل" عام 1948، كان القانون من ضمن القوانين التي استمر العمل بها بموجب أنظمة الدفاع (الطوارئ) لسنة 1945 التي فرضتها سلطات الانتداب في حينه.
في عام 1953 تبلورت نواة لعلاقة مُمَأسَسة بين الصحافة والأجهزة العسكرية والأمنية في إسرائيل من خلال تأسيس ما عرف آنذاك بلجنة المحررين، التي تتولى الرقابة الذاتية على الصحف والمواد المنشورة، مع الإبقاء على سلطة الرقابة العسكرية على نشر أي مواد ذات صلة بالأمن القومي، إذ يجب أن تُرسَل تلك المواد قبل النشر إلى الرقابة العسكرية للموافقة عليها أو حظرها.
تعمل الرقابة العسكرية، واسمها الرسمي الرقابة على الصحافة والاتصالات ، ضمن سلاح الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) وتقع مكاتبها في مقر وزارة الدفاع في تل أبيب، المعروف باسم "الكرياه"، ويترأس هذه الوحدة ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي يحمل صفة "الرقيب العسكري" ويمنحه موقعه صلاحيات التدخل وحظر نشر أي معلومات يرى أنها تمس أمن الدولة وسلامة الجمهور والنظام العام. وتوصف وظيفة الرقابة العسكرية بأنها العمل على إيجاد التوازن بين حق الجمهور في المعرفة وحرية التعبير من جهة، والمصلحة الأمنية من جهة أخرى.
وبالرغم من أن إسرائيل تتبنى نظامًا سياسيًّا بروح أوروبية ليبرالية، فإن هذا لم يمنعها من سن قوانين وإصدار قرارات صارمة تلاحق الصحفيين الذين يتجاوزون سلطة وتعليمات الرقابة العسكرية، فضلًا عن إبقاء مصطلحات مثل "أمن الدولة وسلامة الجمهور والنظام العام" في حالة فضفاضة غير مخصصة لما تعنيه هذه الكلمات على مستوى الممارسة الصحفية.
عام 1990 شكّل الكنيست الإسرائيلي"اللجنة البرلمانية لشؤون الرقابة العسكرية"، التي ترأسها عضو الكنيست السابق يوسي سريد، والتي عرفت بـ"لجنة سريد". وكانت مهمتها تسليط الضوء على جوانب متعددة من عملية الرقابة، حيث تتدخل بشكل دوري لحجب المعلومات أو تعديلها لضمان عدم تسرب أي تفاصيل أمنية حساسة. وتشمل عملية الرقابة هذه كافة وسائل الإعلام في إسرائيل، إضافة إلى عمل الصحفيين الأجانب التابعين لوسائل إعلام عالمية في إسرائيل.
تقع مسؤولية تعيين الرقيب العسكري على عاتق وزير الدفاع الإسرائيلي، ويشغل المنصب حاليًّا كوبي ماندلبليت، الذي أصدر قبل يومين لائحة مطوَّلة بالموضوعات التي يحظر النشر حولها قبل أن تخضع للفحص من قبل الرقابة، وكان من جملة ما قال في بيانه إنه يحظر نشر أي معلومات حول الخطط والاستعدادات المتعلقة بالمستقبل.
مع بدء هذه الجولة من المواجهة بين إسرائيل وإيران، أصدرت الجبهة الداخلية تعليمات فيها نوع من التخويف للإسرائيليين بغرض منعهم من تصوير أي مواقع سقطت فيها صواريخ إيرانية، ووصفت ذلك بأنه "مساعدة للعدو (إيران) في خضم القتال".
ولكن ألا يدفع هذا التشديد الممتزج بالتخويف إلى التساؤل عن الغاية الإسرائيلية من نشر صور الدمار في تل أبيب عبر كاميرات هيئة البث الإسرائيلية؟ في حين كانت الرقابة العسكرية سابقًا قد فرضت قيودًا مشددةً أثناء المواجهة مع حزب الله على نشر أي صور من البلدات المحاذية للحدود مع لبنان التي استهدفتها ضربات حزب الله بكثافة.
منذ بداية هذه الجولة من الحرب بين إسرائيل وإيران، تكرر إسرائيل بطرق مختلفة وخصوصًا من خلال خطابات نتنياهو أنها تتصدى للشر والظلام الذي لا يهددها وحدها بل يهدد العالم أيضًا، وبالتالي فإن سماح الرقابة العسكرية بنشر الصور القادمة من تل أبيب لآثار الصواريخ، يبدو أنه موجهٌ للرأي العام العالمي لتبدو إسرائيل وكأنها تتلقى الضربة وتواجه هذا الشر حمايةً لحلفائها ومصالحهم في الإقليم، وسعيًا للمزيد من شيطنة إيران وحشد الدعم لإسرائيل في هذه المواجهة.
استعراض الردع: الرقيب العسكري في بيتك!
لست بحاجة إلى أن تفتح الباب ليدخل الرقيب العسكري الإسرائيلي إلى بيتك، ويرسم في ذهنك الصورة التي يريد أن تقتنع بها حول قوة جيشه وقدرة دولته على الردع، وقوتها المتعاظمة التي لا يستطيع أحد مواجهتها فضلًا عن الانتصار عليها، مما يعني أنه يريد أن تُسلِّم بحقيقة الوجود المطلق لإسرائيل، وعبثية أي مواجهة معها.
وإذا لم تمتلك مقصك الخاص القادر على النظر نقديًّا إلى الرواية المقدمة إليك، تمامًا مثل مقصه هو الخاص، فإنه لن يسلب منك معرفة جزء من الحقيقة فقط، بل سيسلب منك المستقبل والأمل؛ وهما من ضمن ما تقاتل إسرائيل للهيمنة عليه في الوعي العربي والإقليمي لضمان أمنها.
يُعَرِّف دافيد بن غوريون الأمن القومي الإسرائيلي بأنه "الدفاع عن الوجود" وهو في هذا التعريف يرتهن للفرضية التي تقول إن إسرائيل في حالة خطر دائم، وبالتالي فإن عليها أن تخوض حروبًا سريعةً حاسمة تحقق فيها النصر بشكل سريع بسبب صغر حجمها ومحدودية مواردها. وبناء على هذه الرؤية لدى بن غوريون وُضِعَت ركائز العقيدة الأمنية الإسرائيلية، التي تتخذ فيها قوة الردع المركز الأول ويمثلها بشكل أساسي الجيش الإسرائيلي بكافة وحداته؛ والرقابة العسكرية إحداها.
ضمن تعزيز قوَّة الردع، تتحكم الرقابة العسكرية في الصورة الأمنية والعسكرية المُصدَّرَة عبر وسائل الإعلام، التي تهدف إسرائيل لإسقاطها على وعي خصومها لترسيخ اقتناع بأنهم لا يمكنهم إيقاع الضرر بإسرائيل، وأن ما يفعلونه لا جدوى له بل سيلحق بهم الدمار.
وبالتالي فإن الرقابة العسكرية تتولى مهمة هندسة صورة إسرائيل أمنيًّا وعسكريًّا عبر الإعلام الإسرائيلي والعالمي، لردع وعي القوى والدول والشعوب التي تقاوم إسرائيل، لتهزم الروح القتالية وتدفعهم نحو الاستسلام انطلاقًا من تصديق أن ما يفعلونه لا جدوى منه ولا أمل في القتال في مواجهة قوة ترى نفسها قوةً حديدية وتتصرف بناءً على ذلك.
من هنا يمكننا أن نفهم على سبيل المثال، لماذا يتكرر كثيرًا خبر سقوط صواريخ المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن في مناطق مفتوحة أو أن دفاعات القبة الحديدية نجحت في اعتراضها، فضلًا عن التعتيم حاليًّا على معظم الأهداف الحيوية التي أصابتها الصواريخ الإيرانية.
إن إسرائيل، من خلال وحدة الرقابة العسكرية، تعمل على إبقاء صورتها في الوعي العربي والإقليمي متسقةً مع نظرية جابوتنسكي في الجدار الحديدي، حيث يرى أنه لا سبيل لإخضاع أعداء إسرائيل إلا من خلال إفقادهم كل بصيص أمل في إمكانية التغلب على إسرائيل، وبناء قوَّة عسكرية جبَّارة لا يمكن للمحيط التغلب عليها.
وبالتالي فإن سياسة الرقابة العسكرية التي تتسم بالصرامة عمومًا، وتزداد حدَّةً في هذه المواجهة، تحاول أن تشكِّل ذاكرة جمعية للشعوب المحيطة بإسرائيل تؤمن بالهزيمة واستحالة القدرة على مواجهة إسرائيل التي تصوِّر نفسها بأنها لا تتأثر بأي فعل مقاوم، بل تمتلك القوة لسحقه وسحق المجتمع الحاضن له.
في مقابلة أجريت قبل 15 عاما لخصت الرقيبة العسكرية الإسرائيلية آنذاك سيما فاكنين غيل عقيدة الرقابة بقولها: سأفرض رقابتي على كل شيء يمكن أن يكون مفيدًا لأعدائنا.
وفضلًا عن محاولة الرقابة العسكرية في إسرائيل إخفاء آثار هجمات المقاومة ضدها والخسائر الناجمة عن عمليات المقاومة، فإنها تستخدم طريقة خطاب الجيش وما يصدر عنه للإعلام من بيانات ومواد مصوَّرة لترسيخ صورتها الحديدية في الوعي العربي والإقليمي من خلال تكرارها نشر مقاطع لهجماتها ضد أهداف إستراتيجية في إيران، إضافة إلى مقاطع أخرى تظهر جيشها في قطاع غزَّة بمظهر المسيطر على الميدان، والقادر على محو أحياء كاملة، وتضخيمها إنجازاته هناك من خلال صناعة الصورة.
وهو ما يمكن ملاحظته في الصورة التي صنعتها الرقابة العسكرية للرهائن الأربعة الذين استعادتهم إسرائيل في يونيو/حزيران الماضي من خلال عملية عسكرية ارتكبت فيها مجزرة استشهد فيها أكثر من مئتي فلسطيني في مخيم النصيرات وسط قطاع غزَّة. ظهر الرهائن في قاعدة عسكرية في رامات غان يخرجون من مروحية هليكوبتر في حالة جيدة محاطين بالعشرات من الجنود والضباط المدججين بالسلاح.
كانت الصورة تريد القول إنه لا جدوى من كل ما فعلته المقاومة، وإنها تكبدت خسائر فادحة في الأرواح بسبب قرارها باختطاف هؤلاء الإسرائيليين.
تبرز هنا محاولة إسرائيل لفرض رواية على العقل العربي المقاوم لها، خلال تصاعد المواجهات، وحتى في حالة الهدوء النسبي، ليستبطن حالة كيِّ الوعي المؤمنة بالعجز عن مواجهة إسرائيل.
لكن يبدو أن هذه السياسة التي تتبعها الرقابة العسكرية في خطاب العرب، تنبع من رؤية عقلانية تفترض أن الخصوم يفكرون بالطريقة ذاتها التي تفكر بها إسرائيل بميزان الربح والخسارة على المستوى المادي، دون الأخذ بعين الاعتبار أن ثمة موازين أخرى تحكم تفكير خصوم إسرائيل، خصوصًا الجماعات التي تقاتلها كحزب الله وحماس، والتي تتخذ من قيم التضحية والفداء خزانًا قيميًّا يدفعها إلى مواصلة نهجها القتالي ضد إسرائيل، كما في صناعة الصورة المضادة التي تتحدى بها مقص الرقيب العسكري الإسرائيلي.
بدا هذا جليًّا في مقاطع الفيديو التي تنشرها كتائب القسام منذ بداية المعركة الحالية، إذ تحضر قيم القتال والتضحية في المقاطع المصورة بعدة طرق، مما يجعل الرقابة العسكرية الإسرائيلية تواجه ندًّا ذكيًّا لا في صناعة الصورة التي تنبئ عن خسائر الجيش فحسب، بل وفي صناعة الرواية التي تشكل خزانًا للذاكرة الجمعية الفلسطينية والعربية والعالمية، حول هذه المواجهة، وما تكبده جيش إسرائيل فيها من خسائر لم تتمكن الرقابة من السيطرة على إنتاج صورها.
تُعَرَّفُ الحرب على أنها "عمل من أعمال القوة لإجبار العدو على تنفيذ مشيئتنا"، بالنسبة لكارل فون كلاوزفيتنز الخبير العسكري
الألماني الأشهر، وبفهم كون الرقابة العسكرية أداة من أدوات الحرب، فإننا ندرك أنها تصارع في ساحة الوعي العربي على المشيئة وتشكيل ذاكرته التاريخية حول هذا الصراع، أو بكلمات أخرى تخوض مع هذا الوعي حرب إرادات، يحسمها من يؤمن بقوَّته وقدرته وأمله في مستقبله، مهما حاول الآخر تشكيكه فيها.
لكن هذا ليس إلا وجهًا واحدًا من وجوه الرقابة العسكرية، أما الوجه الآخر لها فهو وجه الرقابة في مخاطبة المجتمع الإسرائيلي.
مقص الرقيب وهوية الدولة: الصراع من الداخل
حسب النظام المعمول به في إسرائيل، فإن قرارات الرقيب حول معايير النشر تعتبر ملزمة لكافة وسائل الإعلام العاملة في إسرائيل، وفي حال اعتراضها تأخذ المحكمة العليا دورها القانوني للبت في الأمر بما يحقق المصلحة الأمنية العليا.
ورغم هذا المشهد الذي يبدو ديمقراطيًّا، فإن وجود مكتب الرقيب كان دومًا مساحة للنقد داخل إسرائيل التي تحاول الحفاظ على توازن بين مظهرها الديمقراطي الغربي، وبين حالة الدفاع الدائمة التي تعيشها متأهبةً للدخول في حروبٍ تحمي وجودها.
في عام 2015، في الشهر الأخير من خدمة استمرت عشر سنوات، قالت سيما فاكنين غيل في مقابلة موسعة مع وكالة رويترز: "إنها ترى أنه من الواجب أن تعيد إسرائيل هيكلة مكتب الرقيب العسكري ليأخذ طابعًا مدنيًّا متسقًا مع ليبرالية الدولة وأوراق اعتمادها غربيًّا خصوصًا في زمن صعود التكنولوجيا وصعوبة فرض الرقابة على كل ما يحدث". وقد نال رأيها ذاك استحسان وزير الدفاع موشيه يعالون، الذي يعرف بتوجهاته الليبرالية عمومًا.
اتفق غادي آيزنكوت مع رأي الرقيبة آنذاك في تحويل الرقابة العسكرية إلى مؤسسة مدنية، لا من وجهة نظرٍ ليبرالية، بل من وجهة نظرٍ ماليةٍ تدفع نحو التخلص من العبء المالي الخاص بمكتب الرقابة الذي يقتطع من موازنة وزارة الدفاع.
لكن هذا الخطاب بالنسبة للنشطاء الليبراليين الإسرائيليين لم يكن مثيرًا، فهم يرون أن مكتب الرقابة العسكرية قد فقد جوهره منذ زمن، وأن الفاعل الحقيقي في السيطرة على ما يتم نشره وما يتم حظره هي المحكمة العليا الإسرائيلية، وبالتالي فلا معنى لفرض السرية من قبل مكتب الرقابة، وأن ما هو سريٌّ فعلًا لن يكون في موضع التداول للنشر أو الحظر.
إعلان
من هنا، يصبح مفهومًا خطاب الرقابة للمواطنين الإسرائيليين بعدم النشر كي لا يخدموا عدوَّهم، وهي بذلك تتجه لمخاطبة وعي الإسرائيليين بذاتهم في زمن السيولة والانفتاح والتدفق اللامحدود للمعلومات والصور، الذي لا يبدو مجديًا فيه نظام فحص كل معلومة قبل السماح بنشرها.
وهي ذات الخلاصة التي توصلت إليها سيما فاكنين قبل عشر سنوات من الآن.
يواجه المجتمع الإسرائيلي فيما بعد السابع من أكتوبر تصدعات اجتماعية كبيرة، كانت قد أسست لها قبيل الحرب أزمة الإصلاحات القضائية والصراع بين اليمينيين والليبراليين على شكل الدولة، وفي ظل توسع رقعة الحرب التي يواجهها مجتمع متعدد الأعراق والطبقات والأيديولوجيات، وتأزمه بسبب سياسة رئيس الوزراء في توسيع رقعة الحرب وتجاهل أزمة الرهائن، تبرز الحاجة داخليًّا إلى الالتفاف نحو هدفٍ واحدٍ يجنِّب هذا المجتمع مزيدًا من التصدع، خصوصًا أن ما يرشح من معلومات حول الأهداف التي أصابتها الصواريخ يدلّ على أنها أهداف حيوية ولها أهميتها بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي كمعهد وايزمان للأبحاث على سبيل المثال.
لذلك فإن خطاب الرقابة العسكرية، والجبهة الداخلية، والحكومة الإسرائيلية ممثلة بخطابات رئيس الوزراء الإسرائيلي عمدت منذ بداية الحرب مع إيران إلى مخاطبة الوعي الإسرائيلي بأن عدم النشر هو مسؤولية المواطنين ليحموا وجود الدولة ولا يقدموا خدمات مجانية للأعداء بنشر مواقع الاستهدافات، لكن يبدو إلى حدٍّ ما أن هذا الخطاب قد ضلَّ طريقه ولم يصل إلى العديد من الإسرائيليين الذين نشروا الكثير من المقاطع للاستهدافات وآثارها وأماكنها، خصوصًا في تل أبيب.
يحيل هذا إلى سؤال جوهري حول مدى التزام الجمهور الإسرائيلي بتعليمات الرقابة العسكرية، لا في هذه المواجهة فحسب، بل منذ بداية الحرب في أكتوبر 2023.
أوردت هآرتس في الثلاثين من يوليو/تموز 2024 أن انفجارًا ضخمًا بسبب مسيّرة يمينة وقع في الساعة 3:10 دقائق فجرًا في تل أبيب، أسفر عن مقتل إسرائيلي وجرح عشرة آخرين. بعد الانفجار بدقيقتين بدأت قنوات التلغرام النشر عن الانفجار، وخلال عشرين دقيقة كانت مقاطع مصورة قد نُشرت عبر قناة "أخبار من الميدان" التي يفوق عدد المشتركين فيه 600 ألف مشترك، أما الإعلام الرسمي في إسرائيل فقد بدأ البث حول الحدث في تمام الرابعة فجرًا.
ليس هذا الحدث الوحيد الذي تسبق فيه قنوات التلغرام في التغطية الإعلام الرسمي وتتخطى الرقابة، بل لعل الحدث الأبرز الذي عكس أزمة الثقة بين الرقابة والمجتمع الإسرائيلي كان انتشار صورٍ من العمليات العسكرية في رفح، ليتضح لاحقًا أنها صور يحيى السنوار الذي استشهد وهو يقاتل الجيش الإسرائيلي لا كما أشيع أنه يختبئ في نفق.
يقول أخيا شاتس، المدير التنفيذي لمبادرة "Fake Reporter" : "كان السابع من أكتوبر ذروة زمن الأخبار البديلة، فقد ازدادت من حيث عدد المتابعين وقدرتها على نقل الأحداث. كانت الصدمة العامة هائلة، والمعلومات المنشورة كانت محدودة جدًّا، مما خلق فراغًا معلوماتيًّا، دخلت إليه جهات أخبار مستقلة ومؤثرون".
في التقرير نفسه، وفقًا لاستطلاع صادر عن المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، فإن 65% من الجمهور اليهودي في إسرائيل يستهلك الأخبار عبر واتساب، و44% عبر تلغرام، وقد شمل الاستطلاع، الذي أُجري في شباط 2024، 602 مشارك. وقد أشار 26% منهم إلى أن واتساب أو تلغرام المصدر الأول أو الثاني لتلقي الأخبار، وهو رقم يضع هذه المنصات قبل الإذاعة (18.5%) والصحافة الورقية (8.5%)، وخلف مواقع الأخبار على الإنترنت (52%) والقنوات التلفزيونية (51%) وشبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر (36%).
من أكبر وأهم قنوات التلغرام تلك، قناة "أخبار في الوقت" التي يديرها أودي مزراحي المقيم في طبريا والمعارض بشراسة لنتنياهو، وقد عُرفت بنشرها أخبار مقتل الجنود في قطاع غزة قبل ساعاتٍ من رفع الرقابة الحظر عن النشر حول تلك الحوادث.
يشير تقرير هآرتس إلى أن الأشخاص الفاعلين في هذه القنوات تربطهم علاقات تعاون مع ضباط في الشرطة الإسرائيلية، فضلًا عن كونهم يؤدون دورًا في تأجيج نوعٍ معينٍ من الأحداث الاستفزازية ضد العرب، مثلما فعل الناشط يديدا آفشتاين حين احتفل بعيد ميلاده في ساحة باب العامود عام 2021. فضلًا عن ذلك، يرى كثيرون أن هذا الشاب هو النسخة اليمينة القادمة لإيتمار بن غفير حيث تجمعهما معرفة بدأت منذ أن مثَّل بن غفير آفشتاين أمام المحكمة قبل سنوات.
وبشكلٍ عام، فإن معظم قنوات التلغرام الإسرائيلية التي تتصدر واجهة الأخبار البديلة تدار من قبل يمينيين متطرفين.
في بدايات معركة طوفان الأقصى ، قال الرقيب العسكري الإسرائيلي الحالي كوبي ماندلبليت إنه تعرض لضغوطٍ شديدة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة الإسرائيلية، ليصدر قرارًا بتشديد إجراءات حظر النشر دون وجود مسوِّغٍ أمني لذلك. إلى جانب ضغوطٍ أخرى لتضييق الخناق على نشر المعلومات الواردة من اجتماعات مجلس الوزراء التي بدا فيها نتنياهو مترددا بشأن الحرب المستمرة مع حماس.
لقد شعر الرقيب بأن عمله وصلاحياته تحت طائلة التهديد، كما أوردت "Times of Israel".
في مقابل هذا التصريح، رد مكتب نتنياهو في بيان صحفي بأن الرقيب سمح بنشر معلومات أضرَّت بالجيش الإسرائيلي أمنيًّا خلال المعارك في قطاع غزَّة دون توضيح تفاصيل ذلك، فضلًا عن سماحه بنشر معلومات هددت الأمن الشخصي لنتنياهو وزوجته. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن ثمة صلة قرابة وثيقة تجمع بين الرقيب العسكري الحالي والمدعي العام السابق أفيخاي ماندلبليت الذي أدان نتنياهو بتهم فساد، وفي سياق الحرب التي يقودها نتنياهو وتتسع رقعتها، يمكن فهم الضغط الذي يتعرض له الرقيب والقول إن سماحه بنشر بعض المعلومات قد هدد الأمن الشخصي لنتنياهو وزوجته، اللذين يحاولان جاهدين التملص من المثول أمام المحكمة بشأن قضايا الفساد.
بالنسبة لاتحاد الصحفيين في إسرائيل، فإن مكتب الرقيب العسكري يتعامل مع وسائل الإعلام بأسلوب يمنح بعضها امتيازات نشر معلومات ويسحبها من أخرى.
يظهر من هذا السجال بين مكتب نتنياهو ومكتب الرقيب العسكري حاجة سياسية لدى رئيس الوزراء في الإبقاء على نوع معين من المعلومات طيَّ الكتمان اجتنابًا على ما يبدو لمزيدٍ من السخط عليه في أوساط الرأي العام الإسرائيلي، الذي يسعى نتنياهو بطرق مختلفة في خطابه لتوجيه وعيه نحو وجوب التصدي للأعداء: إيران وحماس وحزب الله.
إن نتنياهو بهذه الطريقة، يحاول الإبقاء على صورة العدو ضخمة في وعي مجتمعه، وأنها تستدعي منه كل السبل لمواجهتها، لئلا يواجه اللحظة التي تتوقف فيها الحرب، ويواجه فيها الكيان المحدود جغرافيًّا الفائض التسليح والتصدعات الداخلية اختفاء "العدو" بانتهاء الحرب، وتحمل استحقاقات عامين طويلين من القتال دون القدرة على الحسم السريع، التي أسس عليها بن غوريون عقيدة الردع.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تجويع غزة جريمة إسرائيلية مدانة قانونا ومحصنة أميركيا
تجويع غزة جريمة إسرائيلية مدانة قانونا ومحصنة أميركيا

الجزيرة

timeمنذ 20 ساعات

  • الجزيرة

تجويع غزة جريمة إسرائيلية مدانة قانونا ومحصنة أميركيا

على الرغم من كثرة الأحكام والشهادات الصادرة عن المحاكم والهيئات الأممية بشأن جريمة التجويع الإسرائيلي لسكان قطاع غزة فإن المواقف الغربية المنحازة إلى إسرائيل تعيق وقف هذه الجريمة التي ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية وفقا لشهادات، منها دعوى المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية كريم خان. وشكّل هذا الواقع سابقة تاريخية وفقا لتصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في مارس/آذار 2024، والتي أشارت إلى أن نصف سكان القطاع كانوا حينها يواجهون الجوع على نحو كارثي، وهي أعلى نسبة جوع سبق تسجيلها في أي مكان وفي أي زمان، وذلك نتيجة لـ"كارثة لم يصنعها سوى البشر". وأدرج تقرير لجنة المسؤولية التي تم تشكيلها عام 1919 بعد الحرب العالمية الأولى "التجويع المتعمد للمدنيين" باعتباره انتهاكا لقوانين وأعراف الحرب يخضع للملاحقة الجنائية، ومنذ ذلك الحين أصبح قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي. التجويع جريمة حرب وينص القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن "استخدام تجويع المدنيين عمدا كأسلوب من أساليب الحرب" يعد جريمة حرب في النزاعات المسلحة الدولية. وتشكل هذه القاعدة الأساس القانوني لمحاكمة دولة الاحتلال أمام كل من محكمة الجنايات الدولية و محكمة العدل الدولية بفعل جرائمها في قطاع غزة، وفي مقدمتها جريمة الإبادة الجماعية من خلال التجويع. فقد شكل "تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب" البند الأول من التهم التي وجهها مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان إلى كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، والتي طلب على أساسها في 20 مايو/أيار 2024 إلقاء القبض عليهما. كما تضمنت التهم "الإبادة (و/ أو) القتل العمد، بما في ذلك الموت الناجم عن التجويع باعتباره جريمة ضد الإنسانية"، مشيرا إلى أن الجرائم ضد الإنسانية التي وجِّه الاتهام بها قد ارتكِبت في إطار هجوم واسع النطاق ومنهجي ضد السكان المدنيين الفلسطينيين عملا بسياسة الدولة. وأكد خان توفر ركن "القصد" في هذه الجرائم بقوله "يدفع مكتبي بأن الأدلة التي جمعناها، والتي شملت مقابلات مع ناجين وشهود عيان، ومواد مرئية وصورا فوتوغرافية ومواد مسموعة ثبتت صحتها، وصورا ملتقطة بالأقمار الصناعية، وبيانات أدلت بها المجموعة التي يُدَّعى أنها ارتكبت الجرائم تثبت أن إسرائيل تعمدت حرمان السكان المدنيين في كل مناطق غزة بشكل منهجي من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم الإنساني". وقد حدث ذلك من خلال فرض حصار كامل على غزة تضمّن الإغلاق التام للمعابر الحدودية الثلاثة، وهي رفح وكرم أبو سالم وبيت حانون اعتبارا من 8 من أكتوبر/تشرين الأول 2023 ولفترات مطولة، ثم التقييد التعسفي لنقل الإمدادات الأساسية، بما في ذلك الطعام والدواء من خلال المعابر الحدودية بعد إعادة فتحها. وشمل الحصار أيضا قطع أنابيب المياه العابرة للحدود من إسرائيل إلى غزة لفترة طويلة بدأت من 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهي المصدر الرئيسي للمياه النظيفة التي يحصل عليها الغزيون، كما قطع الاحتلال إمدادات الكهرباء ومنعها منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم. وقد وقع ذلك إلى جانب هجمات أخرى ضد المدنيين، بما في ذلك هجمات على أولئك الذين اصطفوا للحصول على الطعام، وإعاقة توصيل الوكالات الإنسانية للمساعدات، وشن هجمات على عمال الإغاثة وقتلهم، مما أجبر الكثير من الوكالات على إيقاف أعمالها في غزة أو تقييدها. وأكد خان أن "هذه الأفعال قد ارتُكبت في إطار خطة مشتركة لاستخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب وأعمال عنف أخرى ضد السكان المدنيين في غزة كوسيلة (1) للتخلص من حماس ، (2) ولضمان عودة الرهائن الذين اختطفتهم حماس، (3) ولإنزال العقاب الجماعي بالسكان المدنيين في غزة الذين رأوا فيهم تهديدا لإسرائيل". قرار المحكمة الجنائية الدولية وبالفعل، قبلت الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية بتاريخ 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 دعوى كريم خان، ورفضت الطعنين المقدمين من دولة الاحتلال، وأصدرت أمرين باعتقال كل من نتنياهو وغالانت. ونص قرارها على أنها توصلت إلى وجود "أسباب معقولة" للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت "يتحمل كل منهما المسؤولية الجنائية عن الجرائم الآتي ذكرها كمشاركيْن لارتكابهما الأفعال بالاشتراك مع آخرين: جريمة الحرب المتمثلة في التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد والأفعال اللاإنسانية الأخرى". واعتبرت الدائرة أن هناك أسبابا معقولة للاعتقاد بأن كلا الشخصين حرم السكان المدنيين في غزة عن علم وقصد من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك الغذاء والماء والدواء والمواد الطبية إضافة إلى الوقود والكهرباء، استنادا إلى دورهما في عرقلة المساعدات الإنسانية. كما أشارت إلى أن القرارات التي سمحت بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة أو بزيادتها كانت غالبا مرهونة بشروط. ولم تُتخذ تلك القرارات حتى تفي إسرائيل بالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني أو لضمان تزويد السكان المدنيين في غزة على نحو مناسب بما يحتاجونه من سلع، بل كانت في الواقع استجابة لضغوط من المجتمع الدولي أو لطلبات من الولايات المتحدة الأميركية. وعلى أي حال، لم تكن زيادات المساعدات الإنسانية كافية لتحسين وصول السكان إلى المواد الأساسية. وإضافة إلى ذلك، توصلت الدائرة إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأنه لم يتسن تحديد حاجة عسكرية واضحة أو مبرر آخر بموجب القانون الدولي الإنساني للقيود المفروضة على النفاذ إلى عمليات الغوث الإنساني. وعلى الرغم من التحذيرات والدعوات الصادرة عن جهات -من بينها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والأمين العام للأمم المتحدة ودول ومنظمات حكومية ومنظمات مجتمع مدني حول الوضع الإنساني في غزة- فإنه لم يُسمح إلا بالنزر اليسير من المساعدات الإنسانية. وفي هذا الصدد، أخذت الدائرة في اعتبارها مدة الحرمان الطويلة وتصريح نتنياهو الذي ربط توقف السلع الأساسية والمساعدات بأهداف الحرب. تباطؤ محكمة العدل الدولية وتوصلت الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن غياب الغذاء والماء والكهرباء والوقود ومواد طبية معينة أوجد أحوالا معيشية بقصد إهلاك جزء من السكان المدنيين في غزة، وهو ما أدى إلى وفاة مدنيين -بينهم أطفال- بسبب سوء التغذية والتجفاف. لكنها، وعلى أساس ما قدمه الادعاء من مواد شملت الفترة الممتدة إلى غاية 20 أيار/مايو 2024 لم تتمكن من الوقوف على استيفاء جميع أركان الإبادة كجريمة ضد الإنسانية، ورغم ذلك فإنها توصلت إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في القتل ارتُكبت بالنسبة لهؤلاء المجني عليهم. ويشير دليل أركان الجرائم للمحكمة الجنائية الدولية إلى ضرورة توفر 4 عناصر لإثبات جريمة حرب التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، وهي أن يحرم مرتكب الجريمة المدنيين من مواد لا غنى عنها لبقائهم، وأن ينوي مرتكب الجريمة تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، وأن يقع السلوك في سياق نزاع مسلح دولي ومرتبط به، وأن يكون مرتكب الجريمة على علم بالظروف التي تثبت وجود نزاع مسلح. وفي سياق مواز، تشهد الدعوى التي قدمتها دولة جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية بشأن تورط دولة الاحتلال بجرائم ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية تباطؤا مما يحد من فاعليتها، ويجعل أي قرارات لاحقة لها ضعيفة التأثير، إذ إنها ستكون بعد تراجع ذروة الحاجة لها على الأغلب. وكانت آخر محطات التأخير هي قبول المحكمة في 14 أبريل/نيسان 2025 طلب دولة الاحتلال تمديد المهلة المحددة لتقديم مذكرتها المضادة حتى 28 يناير/كانون الثاني 2026 على الرغم من تأكيد جنوب أفريقيا أن إسرائيل لم تقدم مبررا كافيا لمثل هذا التمديد. ويعني هذا التمديد أن إسرائيل لن تخضع لأي عواقب جديدة كبرى من الناحية القانونية أو الدبلوماسية قبل عام 2026 أو ربما 2027. الحماية الأميركية للجريمة شنت الولايات المتحدة حملة دبلوماسية وإعلامية وقضائية ضد مؤسسات الأمم المتحدة التي تعارض الجرائم الإسرائيلية، ولا تتسق مع سياسات نتنياهو الساعية إلى تصفية القضية الفلسطينية وتهجير سكان غزة، بما شمل كل من المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية ووكالة الأونروا والعديد من كبار مسؤولي الأمم المتحدة. ووصل الأمر بالرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إصدار أمر تنفيذي في فبراير/شباط 2025 يعد أي جهد لمحكمة الجنايات الدولية للتحقيق في الجرائم الإسرائيلية "تهديدا غير عادي واستثنائي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة". وبموجب ذلك، أعلن ترامب "حالة طوارئ وطنية لمعالجة هذا التهديد"، مما يجيز فرض عقوبات مالية وقيود سفر على أفراد ومنظمات تتعاون مع المحكمة الجنائية للتحقيق في قضايا تخص الولايات المتحدة أو حلفائها. وبالفعل، فرضت الولايات المتحدة في 6 يونيو/حزيران 2025 عقوبات على 4 قاضيات في المحكمة الجنائية الدولية على خلفية قضايا مرتبطة بواشنطن وإسرائيل، بما يشمل حظر دخولهن إلى الولايات المتحدة، وتجميد أي أموال أو أصول يملكنها فيها. كما أسهمت الضغوط الأميركية في استقالة أحد قضاة المحكمة في يوليو/تموز 2025، وهو القاضي البريطاني أندرو كايلي المكلف إلى جانب المحامية الأميركية بريندا هوليس في قيادة تحقيقات بشأن انتهاكات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولا يمكن استبعاد دور الضغوط الأميركية في قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان في 16 مايو/أيار 2025 بالتنحي مؤقتا عن مهامه، بانتظار استكمال تحقيق خارجي في مزاعم تتعلق بسوء سلوك جنسي. وفي المحصلة، بينما تحذر المؤسسات الأممية من جريمة تجويع غير مسبوقة في التاريخ الحديث يدفع الغطاء الأميركي غير المسبوق لهذه الجرائم باتجاه إطالة أمدها بهدف تحقيق الأهداف الأميركية الإسرائيلية المشتركة بشأن تصفية القضية الفلسطينية، حتى لو استلزم الأمر تقويض أسس " النظام الدولي القائم على القواعد"، والذي تشكل المؤسسات القضائية الدولية أحد أركانه الأساسية.

تجويع غزة والثلاثية الآثمة
تجويع غزة والثلاثية الآثمة

الجزيرة

timeمنذ 20 ساعات

  • الجزيرة

تجويع غزة والثلاثية الآثمة

على الرغم من كثرة الأحكام والشهادات الصادرة عن المحاكم والهيئات الأممية بشأن جريمة التجويع الإسرائيلي لسكان قطاع غزة فإن المواقف الغربية المنحازة إلى إسرائيل وفي مقدمتها الموقف الأميركي تعيق وقفها، بينما مثل العجز الدولي الضلع الثالث لمثلث الجريمة التي ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية ، وفقا لشهادات، منها دعوى المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية كريم خان. وشكّل هذا الواقع سابقة تاريخية وفقا لتصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في مارس/آذار 2024، والتي أشارت إلى أن نصف سكان القطاع كانوا حينها يواجهون الجوع على نحو كارثي، وهي أعلى نسبة جوع سبق تسجيلها في أي مكان وفي أي زمان، وذلك نتيجة لـ"كارثة لم يصنعها سوى البشر". وأدرج تقرير لجنة المسؤولية التي تم تشكيلها عام 1919 بعد الحرب العالمية الأولى "التجويع المتعمد للمدنيين" باعتباره انتهاكا لقوانين وأعراف الحرب يخضع للملاحقة الجنائية، ومنذ ذلك الحين أصبح قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي. التجويع جريمة حرب وينص القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن "استخدام تجويع المدنيين عمدا كأسلوب من أساليب الحرب" يعد جريمة حرب في النزاعات المسلحة الدولية. وتشكل هذه القاعدة الأساس القانوني لمحاكمة دولة الاحتلال أمام كل من محكمة الجنايات الدولية و محكمة العدل الدولية بفعل جرائمها في قطاع غزة، وفي مقدمتها جريمة الإبادة الجماعية من خلال التجويع. فقد شكل "تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب" البند الأول من التهم التي وجهها مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان إلى كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، والتي طلب على أساسها في 20 مايو/أيار 2024 إلقاء القبض عليهما. كما تضمنت التهم "الإبادة (و/ أو) القتل العمد، بما في ذلك الموت الناجم عن التجويع باعتباره جريمة ضد الإنسانية"، مشيرا إلى أن الجرائم ضد الإنسانية التي وجِّه الاتهام بها قد ارتكِبت في إطار هجوم واسع النطاق ومنهجي ضد السكان المدنيين الفلسطينيين عملا بسياسة الدولة. وأكد خان توفر ركن "القصد" في هذه الجرائم بقوله "يدفع مكتبي بأن الأدلة التي جمعناها، والتي شملت مقابلات مع ناجين وشهود عيان، ومواد مرئية وصورا فوتوغرافية ومواد مسموعة ثبتت صحتها، وصورا ملتقطة بالأقمار الصناعية، وبيانات أدلت بها المجموعة التي يُدَّعى أنها ارتكبت الجرائم تثبت أن إسرائيل تعمدت حرمان السكان المدنيين في كل مناطق غزة بشكل منهجي من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم الإنساني". وقد حدث ذلك من خلال فرض حصار كامل على غزة تضمّن الإغلاق التام للمعابر الحدودية الثلاثة، وهي رفح وكرم أبو سالم وبيت حانون اعتبارا من 8 من أكتوبر/تشرين الأول 2023 ولفترات مطولة، ثم التقييد التعسفي لنقل الإمدادات الأساسية، بما في ذلك الطعام والدواء من خلال المعابر الحدودية بعد إعادة فتحها. وشمل الحصار أيضا قطع أنابيب المياه العابرة للحدود من إسرائيل إلى غزة لفترة طويلة بدأت من 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهي المصدر الرئيسي للمياه النظيفة التي يحصل عليها الغزيون، كما قطع الاحتلال إمدادات الكهرباء ومنعها منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم. وقد وقع ذلك إلى جانب هجمات أخرى ضد المدنيين، بما في ذلك هجمات على أولئك الذين اصطفوا للحصول على الطعام، وإعاقة توصيل الوكالات الإنسانية للمساعدات، وشن هجمات على عمال الإغاثة وقتلهم، مما أجبر الكثير من الوكالات على إيقاف أعمالها في غزة أو تقييدها. وأكد خان أن "هذه الأفعال قد ارتُكبت في إطار خطة مشتركة لاستخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب وأعمال عنف أخرى ضد السكان المدنيين في غزة كوسيلة (1) للتخلص من حماس ، (2) ولضمان عودة الرهائن الذين اختطفتهم حماس، (3) ولإنزال العقاب الجماعي بالسكان المدنيين في غزة الذين رأوا فيهم تهديدا لإسرائيل". قرار المحكمة الجنائية الدولية وبالفعل، قبلت الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية بتاريخ 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 دعوى كريم خان، ورفضت الطعنين المقدمين من دولة الاحتلال، وأصدرت أمرين باعتقال كل من نتنياهو وغالانت. ونص قرارها على أنها توصلت إلى وجود "أسباب معقولة" للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت "يتحمل كل منهما المسؤولية الجنائية عن الجرائم الآتي ذكرها كمشاركيْن لارتكابهما الأفعال بالاشتراك مع آخرين: جريمة الحرب المتمثلة في التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد والأفعال اللاإنسانية الأخرى". واعتبرت الدائرة أن هناك أسبابا معقولة للاعتقاد بأن كلا الشخصين حرم السكان المدنيين في غزة عن علم وقصد من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك الغذاء والماء والدواء والمواد الطبية إضافة إلى الوقود والكهرباء، استنادا إلى دورهما في عرقلة المساعدات الإنسانية. كما أشارت إلى أن القرارات التي سمحت بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة أو بزيادتها كانت غالبا مرهونة بشروط. ولم تُتخذ تلك القرارات حتى تفي إسرائيل بالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني أو لضمان تزويد السكان المدنيين في غزة على نحو مناسب بما يحتاجونه من سلع، بل كانت في الواقع استجابة لضغوط من المجتمع الدولي أو لطلبات من الولايات المتحدة الأميركية. وعلى أي حال، لم تكن زيادات المساعدات الإنسانية كافية لتحسين وصول السكان إلى المواد الأساسية. وإضافة إلى ذلك، توصلت الدائرة إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأنه لم يتسن تحديد حاجة عسكرية واضحة أو مبرر آخر بموجب القانون الدولي الإنساني للقيود المفروضة على النفاذ إلى عمليات الغوث الإنساني. وعلى الرغم من التحذيرات والدعوات الصادرة عن جهات -من بينها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والأمين العام للأمم المتحدة ودول ومنظمات حكومية ومنظمات مجتمع مدني حول الوضع الإنساني في غزة- فإنه لم يُسمح إلا بالنزر اليسير من المساعدات الإنسانية. وفي هذا الصدد، أخذت الدائرة في اعتبارها مدة الحرمان الطويلة وتصريح نتنياهو الذي ربط توقف السلع الأساسية والمساعدات بأهداف الحرب. تباطؤ محكمة العدل الدولية وتوصلت الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن غياب الغذاء والماء والكهرباء والوقود ومواد طبية معينة أوجد أحوالا معيشية بقصد إهلاك جزء من السكان المدنيين في غزة، وهو ما أدى إلى وفاة مدنيين -بينهم أطفال- بسبب سوء التغذية والتجفاف. لكنها، وعلى أساس ما قدمه الادعاء من مواد شملت الفترة الممتدة إلى غاية 20 أيار/مايو 2024 لم تتمكن من الوقوف على استيفاء جميع أركان الإبادة كجريمة ضد الإنسانية، ورغم ذلك فإنها توصلت إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في القتل ارتُكبت بالنسبة لهؤلاء المجني عليهم. ويشير دليل أركان الجرائم للمحكمة الجنائية الدولية إلى ضرورة توفر 4 عناصر لإثبات جريمة حرب التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، وهي أن يحرم مرتكب الجريمة المدنيين من مواد لا غنى عنها لبقائهم، وأن ينوي مرتكب الجريمة تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، وأن يقع السلوك في سياق نزاع مسلح دولي ومرتبط به، وأن يكون مرتكب الجريمة على علم بالظروف التي تثبت وجود نزاع مسلح. وفي سياق مواز، تشهد الدعوى التي قدمتها دولة جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية بشأن تورط دولة الاحتلال بجرائم ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية تباطؤا مما يحد من فاعليتها، ويجعل أي قرارات لاحقة لها ضعيفة التأثير، إذ إنها ستكون بعد تراجع ذروة الحاجة لها على الأغلب. وكانت آخر محطات التأخير هي قبول المحكمة في 14 أبريل/نيسان 2025 طلب دولة الاحتلال تمديد المهلة المحددة لتقديم مذكرتها المضادة حتى 28 يناير/كانون الثاني 2026 على الرغم من تأكيد جنوب أفريقيا أن إسرائيل لم تقدم مبررا كافيا لمثل هذا التمديد. ويعني هذا التمديد أن إسرائيل لن تخضع لأي عواقب جديدة كبرى من الناحية القانونية أو الدبلوماسية قبل عام 2026 أو ربما 2027. الحماية الأميركية للجريمة شنت الولايات المتحدة حملة دبلوماسية وإعلامية وقضائية ضد مؤسسات الأمم المتحدة التي تعارض الجرائم الإسرائيلية، ولا تتسق مع سياسات نتنياهو الساعية إلى تصفية القضية الفلسطينية وتهجير سكان غزة، بما شمل كل من المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية ووكالة الأونروا والعديد من كبار مسؤولي الأمم المتحدة. ووصل الأمر بالرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إصدار أمر تنفيذي في فبراير/شباط 2025 يعد أي جهد لمحكمة الجنايات الدولية للتحقيق في الجرائم الإسرائيلية "تهديدا غير عادي واستثنائي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة". وبموجب ذلك، أعلن ترامب "حالة طوارئ وطنية لمعالجة هذا التهديد"، مما يجيز فرض عقوبات مالية وقيود سفر على أفراد ومنظمات تتعاون مع المحكمة الجنائية للتحقيق في قضايا تخص الولايات المتحدة أو حلفائها. وبالفعل، فرضت الولايات المتحدة في 6 يونيو/حزيران 2025 عقوبات على 4 قاضيات في المحكمة الجنائية الدولية على خلفية قضايا مرتبطة بواشنطن وإسرائيل، بما يشمل حظر دخولهن إلى الولايات المتحدة، وتجميد أي أموال أو أصول يملكنها فيها. كما أسهمت الضغوط الأميركية في استقالة أحد قضاة المحكمة في يوليو/تموز 2025، وهو القاضي البريطاني أندرو كايلي المكلف إلى جانب المحامية الأميركية بريندا هوليس في قيادة تحقيقات بشأن انتهاكات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولا يمكن استبعاد دور الضغوط الأميركية في قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان في 16 مايو/أيار 2025 بالتنحي مؤقتا عن مهامه، بانتظار استكمال تحقيق خارجي في مزاعم تتعلق بسوء سلوك جنسي. وفي المحصلة، بينما تحذر المؤسسات الأممية من جريمة تجويع غير مسبوقة في التاريخ الحديث يدفع الغطاء الأميركي غير المسبوق لهذه الجرائم باتجاه إطالة أمدها بهدف تحقيق الأهداف الأميركية الإسرائيلية المشتركة بشأن تصفية القضية الفلسطينية، حتى لو استلزم الأمر تقويض أسس " النظام الدولي القائم على القواعد"، والذي تشكل المؤسسات القضائية الدولية أحد أركانه الأساسية.

يديعوت أحرونوت: عزل ضابط إسرائيلي لرفضه تنفيذ مهمة بغزة
يديعوت أحرونوت: عزل ضابط إسرائيلي لرفضه تنفيذ مهمة بغزة

الجزيرة

timeمنذ 21 ساعات

  • الجزيرة

يديعوت أحرونوت: عزل ضابط إسرائيلي لرفضه تنفيذ مهمة بغزة

قالت صحيفة يديعوت أحرونوت إن الجيش الإسرائيلي عزل ضابط احتياط من منصبه لرفضه تنفيذ مهمة من دون مركبات مدرعة على محور موراغ جنوب قطاع غزة. وأضافت الصحيفة أن الجيش فصل مؤخرا ضابط احتياط برتبة نقيب كان يشغل منصب نائب قائد سرية في كتيبة تابعة للواء بيسلماح، وذلك بعد رفضه تنفيذ مهمة على محور موراغ جنوب قطاع غزة، لأن قادته طالبوه بتنفيذها بدون مركبات مدرعة وبجيبات همر مفتوحة. ومنذ استئناف العدوان الإسرائيلي على غزة في 18 مارس/آذار الماضي كثفت المقاومة الفلسطينية عملياتها النوعية عبر تنفيذ سلسلة من الكمائن المحكمة التي أوقعت عشرات القتلى والجرحى في صفوف جيش الاحتلال، مستخدمة تكتيكات تعتمد على المفاجأة والتفجير المتسلسل وكمائن إطلاق النار داخل مناطق مدمرة وصعبة الرصد. وفي تقرير سابق، أكدت صحيفة يديعوت أحرونوت أن الجيش الإسرائيلي يخفي خسائره خلال حرب غزة عبر فرض رقابة عسكرية مشددة على الإعلام. وقالت الصحيفة إن "18 ألفا و500 جندي من الجيش وقوات الأمن الإسرائيلية أصيبوا منذ بدء الحرب على غزة رغم إعلان الجيش رسميا عن إصابة 6145 جنديا فقط". واعترف جيش الاحتلال بمقتل 18 جنديا منذ بداية يوليو/تموز الحالي ليرتفع عدد الجنود القتلى منذ بداية الحرب إلى 898 جنديا. انقسام غير مسبوق وقبل أيام، كشفت صحيفة تلغراف البريطانية أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تشهد انقساما غير مسبوق مع تزايد أعداد الجنود -ولا سيما من الاحتياط- والجنرالات الحاليين والمتقاعدين الذين يرفضون المشاركة أو تأييد استمرار الحرب في قطاع غزة. وأوضحت الصحيفة أن هذا الرفض يأتي احتجاجا على ما يعتبرونها حربا عبثية تدار بدوافع سياسية تخدم بقاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الحكم أكثر مما تهدف إلى تحقيق أهداف عسكرية واقعية. ووفقا للصحيفة البريطانية، تُظهر تقارير من داخل الجيش الإسرائيلي أن نسبة الاستجابة لدعوات الاحتياط قد انخفضت إلى ما يقارب 60%. ويتعمد الكثير من الجنود ببساطة عدم التحقق من بريدهم الإلكتروني أو يدّعون أعذارا طبية وعائلية. وذكرت الصحيفة أن هذا النوع من التهرب يطلق عليه مصطلح "الرفض الرمادي"، لكنه بدأ يتحول تدريجيا إلى رفض علني، مع رسائل جماعية موقعة من جنود ومقالات رأي تفضح ما يجري. لكن التململ لم يقتصر على الجنود الشباب، بل شمل أيضا جنرالات حاليين ومتقاعدين بارزين، فقد نقلت "تلغراف" عن رئيس قسم التخطيط الإستراتيجي السابق في الجيش اللواء أساف أوريون قوله إن حرب غزة تجاوزت نقطة الذروة العسكرية، معتبرا أن استمرارها يخضع لمصالح سياسية لا إستراتيجية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store