logo
النظرية الأمنية الإسرائيلية

النظرية الأمنية الإسرائيلية

جزايرسمنذ 21 ساعات
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تغيراتها وانعكاساتها الإقليمية ج.3بقلم: أ. د. محسن محمد صالحالتغيرات في النظرية الأمنية بعد عملية طوفان الأقصى4. الاتجاه للجاهزية نحو الحرب طويلة الأمد،في ضوء فشل مبدأ "الحسم" السريع، الذي كان ركنًا في "الثالوث الأمني" منذ تأسيس الكيان.وكان الجيش الإسرائيلي بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 قد خفف في تعامله مع التنظيمات وفصائل المقاومة، ولأسباب عملية، من فكرة "النصر المطلق" إلى فكرة "النصر الكافي"، بما يضمن فترات من "الهدوء" والاحتواء المانع للتهديد قدر الإمكان.غير أن معركة طوفان الأقصى وطول أمدها، وقوة أداء المقاومة، دفعت باتجاه الحرب طويلة الأمد، لكنها أعادت في الوقت نفسه فكرة الحسم أو النصر المطلق بغض النظر عن المدى الزمني.5. تعزيز الضربات الاستباقية، وتوسيع دائرة الاغتيال المستهدف؛ والتساهل في الضوابط والاعتبارات السياسية والأمنية والأخلاقية التي تمنع ذلك.
6. تقوية النفوذ والهيمنة الإقليمية، من خلال فرض خريطة أمنية جديدة للمنطقة، وفرض مناطق عازلة (كما في لبنان وسوريا...)، وتفعيل التحالفات مع دول التطبيع لتنفيذ أجندات أمنية وفق المعايير الإسرائيلية؛ والظهور بشكل مكشوف ك"شرطي للمنطقة"، وك"عصا غليظة" فوق الرؤوس. وكان نتنياهو قد كرر مرات عديدة فكرة الهيمنة و"تغيير وجه الشرق الأوسط"، وتحقيق "الازدهار عبر القوة".
إذ ترى القيادة الإسرائيلية أن حسم الملف الفلسطيني والقضاء على قوى المقاومة، لا يتحققان إلا بتغيير الواقع الأمني في المنطقة، وخنق البيئة التي تتنفس منها المقاومة؛ لضمان الأمن المستقبلي للأجيال الصهيونية في فلسطين المحتلة. 7. التركيز على الأمن الداخلي: من خلال السعي لبناء "حصانة وطنية"، والاستعداد للصدمات المستقبلية، وتعبئة المجتمع الصهيوني وقدرته على التكيُّف، خصوصًا في ضوء تزايد مخاطر الضربات الصاروخية والاختراق الحدودي؛ وفي ضوء تزايد الرغبات في الهجرة المعاكسة لدى المجتمع الاستيطاني اليهودي بسبب الظروف الأمنية.
ويندرج تحت ذلك أيضًا مواجهة "التهديد السكاني الفلسطيني" بعد أن تجاوزت أعدادُ الفلسطينيين أعدادَ اليهود في فلسطين التاريخية؛ وبالتالي إدراج ملفات الضم والتهجير وإيجاد البيئات الطاردة لهم في الأجندة الإسرائيلية. 8. المزاوجة بين الاعتماد على الذات والاعتماد على الحلفاء: فبالرغم من التطور الكبير للصناعات العسكرية الإسرائيلية، وصعودها ضمن أعلى مصدري الأسلحة وتقنيات التجسس في العالم، وبالرغم من الجهود المتواصلة للوصول إلى فكرة "الاعتماد على الذات"، وتحقيق تفوق كبير على الدول في البيئة الإستراتيجية المحيطة، فإن هذا المفهوم اهتز في معركة طوفان الأقصى؛ حيث ثبت أنه غير كافٍ لتحقيق الانتصار.
كما أثبت الحاجة الماسة لوجود حلفاء إستراتيجيين كبار دائمين كالولايات المتحدة، التي ظهرت الحاجة إليها في التزويد بالأسلحة النوعية، وفي مواجهة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن، ومواجهة إيران، وفي الدفاعات المضادة للصواريخ، وفي توفير الغطاء السياسي والأمني والإعلامي الدولي، وممارسة الضغوط على دول المنطقة.
9. تحقيق الردع النفسي و"كي الوعي"، وذلك بشكله الأقسى والأعنف، من خلال ما حصل في غزة من مجازر وإبادة جماعية وتهجير وتجويع وتدمير، ليتكرس في الوعي الجمعي الخوفُ من الاحتلال الإسرائيلي وعدم اللجوء للمقاومة.أثبت مفهوم "السياج الذكي" المتعلق بالدفاعات الحدودية وحماية المستوطنات، أنه لم يكن كافيًا، وبالتالي يجب تعزيز الدفاعات البشرية والمادية، و"الحرس الوطني" للتعامل مع المخاطر المحتملة.انعكاسات التغير في النظرية الأمنية على البيئة الإقليميةبناء على ما سبق، فإن التغيرات في النظرية الأمنية ستنعكس على شكل سلوك وسياسات إسرائيلية أكثر عدوانية في البيئة الإقليمية، تتمثل فيما يلي:1. توسيع نطاق العمل العسكري والأمني الإسرائيلي إقليميًا، ومحاولة فرض حالة هيمنة مكشوفة في منطقة الشرق الأوسط.
2. الانتقاص من مفهوم السيادة لدى عدد من دول المنطقة، مثل سوريا ولبنان.
3. مزيد من الضغوط على الأنظمة لتنفيذ أجندات أمنية والالتزام بالمعايير الإسرائيلية، بحجة محاربة الإرهاب، وبالتالي مزيد من قمع الحريات، وقمع الاتجاهات الداعمة للمقاومة ولفلسطين، وتيارات "الإسلام السياسي" والقوى الوطنية والقومية المعادية للمشروع الصهيوني، ومواجهة مشاريع النهضة والوحدة.والضغط على أنظمة المنطقة باتجاه "أمننة" الحياة المدنية، من خلال تعميم النموذج الإسرائيلي، بحيث يُعامَل كل تهديد سياسي أو شعبي ك"قضية أمنية"، بما يؤدي إلى تآكل حقوق الإنسان، وتَغوُّل أجهزة المخابرات.في المقابل، فإن السلوك الإسرائيلي المتعجرف قد يؤدي إلى:1. أن تلجأ بعض الدول الكبيرة في المنطقة لحماية أمنها القومي، والدخول في سباق تسلُّح مع "إسرائيل".2. غير أن الجانب الأهم، هو أن هذا السلوك الإسرائيلي المتعجرف، عندما يتعامل مع بيئة عربية وإسلامية ويحاول فرض عصاه الغليظة المباشرة على شعوب عريقة تعتز بدينها وتراثها وتاريخها وهويتها الحضارية؛ فهو إنما يقوم فعليًا بتوسيع دائرة الصراع ودائرة التحدي ضده، وتوسيع دائرة السخط والغضب في البيئة الإستراتيجية، ويتسبب بتسريع قيام "ربيع عربي" جديد يكون الخاسر الأكبر فيه هو الاحتلال الإسرائيلي نفسه، والأنظمة الحليفة معه.3. سيعاني الجانب الإسرائيلي في سبيل تحقيق نظريته، من حالة فرط التمدد، وهو ما قد يتسبب له بحالة إنهاك تفوق طاقاته وإمكاناته، وهو أحد المؤشرات المهمة على تراجع وسقوط الدول عبر التاريخ.
وأخيرًا، فثمة فجوة كبيرة بين ما يريده الاحتلال الإسرائيلي، وبين ما يستطيع تنفيذه على الأرض، وما زالت الأمة وشعوبها تتمتع بإمكانات مذخورة هائلة، قادرة على مواجهة المشروع الصهيوني ودحره.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

حضور الجمعية المغربية لرؤساء مجالس العمالات والأقاليم.. في أشغال منتدى شفشاون للتمويل المناخي المحلي
حضور الجمعية المغربية لرؤساء مجالس العمالات والأقاليم.. في أشغال منتدى شفشاون للتمويل المناخي المحلي

حدث كم

timeمنذ 10 ساعات

  • حدث كم

حضور الجمعية المغربية لرؤساء مجالس العمالات والأقاليم.. في أشغال منتدى شفشاون للتمويل المناخي المحلي

شارك السيد عبد العزيز الدرويش رئيس الجمعية المغربية لرؤساء مجالس العمالات والأقاليم في أشغال منتدى شفشاون للتمويل المناخي المحلي المنظم من قبل جماعة شفشاون بشراكة مع التحالف العالمي لعمداء البلديات من أجل المناخ المنعقد يومي 08 – 09 يوليوز 2025 تحت شعار' تمويل محلي من أجل حلول مناخية'. وفي كلمة له خلال الجلسة الافتتاحية لهذا المنتدى ذكر السيد رئيس الجمعية المغربية لرؤساء مجالس العمالات والأقاليم بالتحديات التي تواجه البشرية جراء ظاهرة الاحتباس الحراري واضطراب المناخ وما يصاحب ذلك من ظواهر طبيعية أكثر تطرفا تؤثر على القطاع الزراعي وقطاع المياه والثروة السمكية والحيوانية وعلى استقرار المجتمعات المحلية. وأشار إلى أن المغرب يعتبر من الدول المعرضة بشدة لتأثيرات تغير المناخ وأضحى يعيش جفافا متتاليا ويعرف إجهادا مائيا مما يؤثر على الموارد الطبيعية والنظم البيئية المختلفة وعلى الإنتاج الزراعي. وتطرق أيضا لانخراط المملكة المغربية، تنفيذا لتعليمات مولانا صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، في دينامية المجتمع الدولي وفي الجهود الرامية إلى تحقيق العبور إلى اقتصاد أخضر لتحقيق تنمية مستدامة. وعرج على المجهودات التي تقوم بها الجماعات الترابية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والدعم الذي تتلقاه من وزارة الداخلية لها عبر المديرية العامة للجماعات الترابية لتحقيق برامجها التنموية، مشيرا إلى حاجتها لتعبئة موارد مالية أكبر للعب الأدوار المنوطة بها في هذا المجال كل في إطار الاختصاصات المخول له لتمويل المشاريع الاستثمارية المحلية التي تساهم في التنمية المستدامة. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المنتدى يأتي في إطار تعزيز انخراط المملكة المغربية في 'ائتلاف الشراكات متعددة المستويات عالية الطموح لتعزيز العمل المناخي'، ويدخل ضمن الاستعدادات الجارية لمؤتمر الأطراف للمناخ 'كوب 30' لتعزيز العمل المناخي على المستوى المحلي. ويعرف هذا اللقاء مشاركة رؤساء مجالس ترابية وممثلين عن عدد من المؤسسات والمنظمات والأبناك والمانحين وثلة من الأساتذة والخبراء المختصين الوطنيين والدوليين سوف يتطرقون لموضوع التمويل المناخي المحلي الذي يطرح إشكالات بالنسبة للمدبرين العموميين. كما يمثل المنتدى مناسبة للجانب المغربي لإبراز المجهودات التي تقوم بها بلادنا تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله للمساهمة في الحد من التغيرات المناخية والاحتباس الحراري وانخراطها الكامل في الدينامية العالمية للحفاظ على البيئة وعلى الموارد الطبيعية. خ.د

حرب الاختبارات
حرب الاختبارات

إيطاليا تلغراف

timeمنذ 11 ساعات

  • إيطاليا تلغراف

حرب الاختبارات

ليلى الشايب نشر في 7 يوليو 2025 الساعة 20 و 17 دقيقة إيطاليا لتغراف ليلى الشايب إعلامية تونسية في زمن السرعة وردّات الفعل المحمومة، تصبح الحرب أشبه بمبارزة أو مباراة في رياضة شعبية، يسأل متابعوها، والشغوفون بها، أولاً وأخيراً، عن النتيجة: من ربح ومن خسر؟ ويكتفون بذلك، فيحتفل الرابحون ويحزن الخاسرون، أمّا كيف جرت أطوار المواجهة، وما هي النقاط المسجّلة أو الضائعة، التي لا تدخل ضمن النتيجة النهائية الرسمية والدروس المستفادة منها، فمجالها خارج دائرة الانتشاء أو الحسرة، اللذين سرعان ما يتبدّدان في ثنايا إيقاع الحياة، والانفعالات المتلاحقة التي تنتجها العوالم الافتراضية في كلّ لحظة. في هذا الإطار، تدرّجت حرب الاثني عشر يوماً بين إسرائيل وإيران، وهي في الحقيقة حرب اثنين مقابل واحد، إذ حاربت أميركا إلى جانب إسرائيل منذ اللحظة الأولى، وإنْ بصورة حاولت أن تكون مستترةً، إلى أن خرجت إلى العلن، وسدّدت الضربات الأكبر والأكثر إيلاماً أو هكذا صُوِّرت، ومن ثمّ أُعلنت نهاية الحرب. ليس من باب الدعابة أو العبثية القول إن حروب هذا العصر لم يعد فيها فائز ومهزوم، ليس لأن كلا الطرفين يبدأ مبكّراً، حتى وهو يتلقّى الضربات، في التعبئة النفسية بخطابات النصر والقوة، مقابل إفراغ خطاب العدو من أيّ صدقية أو مضمون، وإنما أيضاً بسبب ما يشبه عقيدةً سياسيةً وحربيةً عالميةً جديدةً (غير مكتوبة) تسعى إلى عدم إعلان فوز أو هزيمة في أيّ حرب، ربّما لعدم منح شهادة قوة ونفوذ لأيّ طرف، حتى يبقى الجميع متشابهين متساوين، وأيضاً لعدم إيجاد أسباب إضافية قد تؤدّي إلى إشعال فتيل حرب جديدة، وكأن شبح الحربَين العالميَّتَين، الأولى والثانية، لا يزال ماثلاً بكلّ زخم الحقبتَين. محاولة تجاهل كلمات نتنياهو المتواترة، التي تكاد تبلغ مرحلة الهستيريا، مهمّة صعبة، وهو يلوّح براية إسرائيل 'سيّدة الشرق الأوسط الجديد' بعد اختراقها آخر جدار فولاذي (تقريباً) في محور الشر المجاور، ممثّلاً بإيران، بكلّ رمزيتها، مقابل استعداد أقلّ صعوبة للاستماع إلى الخطاب الإيراني الذي تلاشت فيه الخطوط الفاصلة بين الرسمي والمعارض وما بينهما، وهو أمر مثير للفضول حقاً. خطاب 'نصر' أكثر ما يحيّر فيه حفاظه على الشعارات نفسها التي تتّخذها إسرائيل منذ عقود حجّةً لمعاداة من صاغه، وتبنّاه، ثمّ تشنّ حرباً غادرةً عليه. وبالمسافة الشاسعة نفسها، التي تفصل جغرافياً إسرائيل عن إيران، توجد (ولحسن الحظ) مسافة بين خطابات النصر وحقيقة 'النصر والهزيمة'، من جهة، ومجال الاختبارات المتبادلة التي أتاحتها هذه الحرب وكشفتها. مع صواريخ إيران الباليستية ومسيّراتها سقطت فكرة 'الكيان الذي لا يُقهر' بدت إسرائيل منتشيةً بما أنجزته في غزّة، في سياق رؤيتها إلى مستقبل القطاع، وفي لبنان وفي سورية جزئياً، إذ يكفي تحييدها دمشق عسكرياً، وقدرتها المتزايدة على فسخ الخطوط الحمر معها، وتكبيلها مصر بإحداث مزيد من المخاطر الأمنية حولها، لجعلها تحسب لكلّ حركة حساباتٍ معقّدةً لا تنتهي، وتوّجت 'إنجازاتها' في انتظار المزيد بعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ورفعه شعار 'السلام'، منذ حملته الانتخابية، بما يعني (في ما يعنيه) استئنافه مسار ما سمّاه 'السلام الإبراهيمي' في المنطقة، باعتباره الهدف الأكثر أهمية في رؤيته، ورغم اصطدامه منذ أيّامه الأولى بمواقف مناوئيه الداخليين الصلبة، واحتراقه بنار الملفّات الحسّاسة التي افتتح بها ولايته: الهجرة غير الشرعية والتعرفات الجمركية مع الخصوم والأصدقاء، واستعانته بوجوه مثيرة للجدل، وانقلابها عليه مثل إيلون ماسك، ولم يتردّد نتنياهو في محاولة الزجّ به في متاهات أكثر خطورة، وأعلى تكلفةً ليضرب الحديد وهو ساخن، قناعةً منه بأن لا أحد آخر غير ترامب يمكنه أن يذهب معه إلى حدود الهاوية؛ ايران، والعودة سالماً غانماً، وكاد الاختبار الذي ترافق مع ضغوطات شديدة على الرئيس الأميركي بلغت حدود الابتزاز، أن يفشل لولا أن الكفّة رجّحت توصيات مكثّفة، مكرّرةً ومهدّدةً، عن وحدة المصلحة الإسرائيلية الأميركية في المنطقة، بل وحدة المصير وعنوان القوة والهيمنة، فكان له ما أراد، ولكن ليس كلّ ما أراد، لأن الأطراف غير ناضجة بعد لحسم نهائي، وكذلك الوضع في الشرق الأوسط الذي هو أقرب إلى وصف 'المائع'، منه إلى أيّ وصف آخر، عدا عن مواقف القوى الحليفة في العالم، التي تراقب ما يحدث وتفعل، من دون أن يكون فعلها ظاهراً بالضرورة، وتختبر هي أيضاً حدود الصراع بالأسلحة التي استعرضها كلٌّ من إسرائيل وإيران أو كشفتا عنها للمرّة الأولى. وكذلك حدود التأثير وصلابة التحالفات (أو ضعفها) وأمزجة الشعوب والجماهير، وطبيعة اصطفافاتها. وغبار الحرب لم يهدأ تماماً، بعد نبرة التهديد بالعودة إليها تتخلّل عشرات الخطابات اليومية، ويمكن تمييز ملامحَ واضحةٍ في المشهد غير المكتمل. وبما أن السماء كانت الفضاء الأكثر أهميةً في هذه الحرب، فقد جاءت نتيجة اختبار القبّة الحديدية الإسرئيلية سلبيةً بشكل فاقع، ولم تفلح المزايدة عليها بـ'القبّة الذهبية' الأميركية في ترقيع الخرق الجوي الذي سمح للعالم برؤية دمار غير مسبوق في مساحات كبيرة من إسرائيل 'الصغيرة'، وكان أشبه بحلم لضحايا التوحّش الإسرائيلي، وكابوساً لها ولحلفائها، ومن يعطفون عليها، وسقطت مع الصواريخ الباليستية الإيرانية، وآلاف المسيّرات، فكرة 'الكيان الذي لا يُقهر'، وتحجّمت مقولة امتلاك إسرائيل معلومات عن مقدرات الدول الأخرى في تفاصيل تفاصيلها، وفي رأسها طبعاً ألدّ أعدائها، وعندما اعترف وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، مكرهاً، أن حكومته أساءت تقدير إمكانات إيران، وهو في مشادّة مع مستوطنين، يوبّخونه على زجّهم في حرب مع إيران من دون موافقتهم، لم يكن يرغب في الإفلات منهم بسرعة، بل قال الحقيقة مرغماً، كما سمحت حرب الاثني عشر يوماً بعرض أسماء وهُويَّات مواقع مؤسّسات الأمن الإسرائيلية، التي نسجت حولها الأساطير بشكل مدروس، حتى تبقى طيَّ غموض يصيب خصومها بالخوف وعدم اليقين: المؤسّسات الأمنية والعسكرية وغيرها، طاولتها الصواريخ الإيرانية ودمار ذكّر بدمار غزّة، وإن رمزياً، وفي استنفارها أدوات قوتها وأجهزتها، وهو ما لم تضطر إليه من قبل، أنزلت إسرائيل جهاز الموساد (الأسطورة) من عليائه، لينخرط في الحرب بإصدار البيانات والتحذير والتهديد، ومحاولة إعادة النفخ في صورته، التي اهتزّت، كما اهتزّ أثر الأسماء 'المهيبة' التي تطلقها إسرائيل على عملياتها، حتى ضدّ العزّل، من 'عربات جدعون' إلى 'الأسد الناهض'، وما هي إلا أسماء. آلم إسرائيل حجم التعاطف التلقائي مع إيران خلال الحرب ضدّها في العالمين العربي والإسلامي، وخارجهما اختُبرت إسرائيل أيضاً في معنى الانتماء ومفهوم الهوية والارتباط بأرض وجغرافية ووطن، وإن كان الهروب من الخطر أمراً بشرياً غريزياً، فإنه اتخذ في هذه الحرب تحديداً أبعاداً مختلفةً عن المعهود والمقبول، ولن تخبرنا التقارير قريباً بالعدد الحقيقي لمن غادروا، وعددهم كبير قياساً بالتعداد العام لسكّانها، وعملها الذي لا يهدأ لاستقطاب المزيد إلى 'أرض الميعاد'، و'درّة تاج الشرق الأوسط الجديد'، ولا يُعرف إن كانوا سيعودون قريباً. وفي الجهة المقابلة، آلم إسرائيل بوضوح حجم التعاطف التلقائي مع إيران في العالمين العربي والإسلامي، وفي بقاع أخرى خارجهما، رغم عقود بذلتها في دقّ الأسافين والنفخ في طائفية تجد (للأسف!) بعض استجابة، وهو ردّة فعل تستعصي على الشرح المبسّط أو الظرفي. واختبرت إسرائيل، خصوصاً في معرفة حدود قدرتها على توجيه القرار الأميركي، حيثما تريد، وفي وقت تراه هي مناسباً، ورسم الرئيس ترامب هذه الحدود عندما صرخ 'كفى، أنتم لا تعرفون إلى أين تقودوننا'، موجّهاً كلامه إلى نتنياهو وزمرته في حكومة التطرّف، مباشرةً بعد إعلانه ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وإصابتها 'في مقتل'، وكان نتنياهو يريد المزيد. أمّا إيران فاختُبرت في مستويات ثلاثة رئيسة، يتمثّل أولها في مدى تماسك 'الأمّة الإيرانية'، وهي التسمية المتداولة بشكل متزايد عوضاً عن 'الشعب الإيراني'، وتنبئ برؤية إيران إلى نفسها ومكانتها في عالم جديد يسعى أكثر من طرف إلى تشكيله، وفقاً لطموحاته وقدرته على التأثير فيه، وسرعان ما فهمت إسرائيل أن جدار هذه الأمّة لا يزال عصياً على الاختراق في أوقات الأزمات الكبرى وأجندات الفوضى، رغم 'نجاحاتٍ' حقّقتها إسرائيل في مجالات أخرى تبرع فيها عادة، وهي الاغتيالات التي استهدفت العلماء المشاركين في تطوير برنامج إيران النووي، والسياسيين والعسكريين من الصفوف الأولى، حسب تصنيفها، وبقدر انكشاف الموساد وانزياح قناع 'الهيبة' عنه، بقدر ما تكشّف حجم اختراقه لشرائح داخل 'الأمّة الإيرانية'، وهو يصرّح بكثير من التبجّح والتحدّي، حتى بعدما وضعت الحرب أوزارها، أن عملاءه سيبقون داخل إيران وسيواصلون مهماتهم. استوقفت هذه المسألة بالذات أجهزة الأمن في دول عديدة أخرى، راقبت بقلق بالغ النشاط الكبير للموساد في بلدٍ يفترض أنه يحكم بقبضة حديدية. لذلك لن نفاجأ في المستقبل القريب بحملاتٍ أمنيةٍ واسعة، وتشديد المراقبة والتتبع في هذه الدول وغيرها. وعسكرياً، قدّمت إيران درساً، قد لا يكون مقصوداً، في أهمية اكتساب التقنيات والعلم والتكنولوجيا، والتعويل على الذات لتحقيق الاكتفاء قدر الإمكان، وحرصت، في الأثناء، على التأكيد أنها لم تطلب دعماً في حربها من طرف خارجي، وإن كان حليفاً، في ردّ على المقارنات بين نجدة الولايات المتحدة لإسرائيل وخوض إيران الحرب بمفردها، وذلك مقصود. المؤكّد أن غزّة والوضع الفلسطيني هما القلب في أيّ معادلة يراد فرضها، ومفتاح الأمن لمن أضاعه ويبحث عنه وإذ تحتسب جماهير المباريات الرياضية الكبرى اللاعب رقم 12، نظراً إلى الأهمية القصوى التي يكتسيها حضورها وأشكال المناصرة والتشجيع التي تقدّمها طوال المباراة، فالأمر نفسه ينطبق على الملايين الذين رافقوا حرب إسرائيل ضدّ إيران بأنفاس مشدودة إلى آخر لحظاتها، وكان معظمهم مفاجأً بسرعة نهايتها، وفي ذلك اختبار آخر، فهذه أحدث حربٍ في زمن الصورة والمعلومة سريعة الانتشار، وزمن الذكاء الاصطناعي، والتفاعلات التي تسمح بالفعل لملايين الأشخاص العاديين أن يصنعوا رأياً عامّاً وموقفاً ومزاجاً محدّداً، ويجبروا صانعي الحرب والقرار، وقادتها، على تقديم إيضاحات وأجوبة وتبريرات، وقد ذهبت هذه الجماهير مذاهبَ شتى، من دون إضاعة البوصلة تماماً، في تفسير دوافع كلّ طرفٍ في خوض هذه الحرب، ولكنّها اتفقت تقريباً حول فكرة 'الكارما'، أو الجزاء والعقاب السريع للأفعال الشريرة، وهم يروْن مشاهد الدمار في إسرائيل، ولا يكادون يصدّقون. ولعلّ أخطر ما أفرزته هذه الحرب تلاشي الخيط الرفيع الأخير، الذي كان لا يزال يفصل بين الواقع من جهة، والفانتازيا والفبركات من جهة أخرى. وليس السؤال المكرّر الموجّه إلى الذكاء الاصطناعي في صفحات التواصل الاجتماعي 'هل هذه الصور/ الفيديوهات حقيقية'، أو 'هل صدر هذا الموقف فعلاً من هذا المسؤول أو ذاك'، سوى عنوان واضح وصريح لحقبة ما بعد الحقيقة، التي نحن حالياً في قلبها. وحتى تكتمل الدراما، يصحو كثيرون على خبر نهاية الحرب وهم في حالة من الخيبة والإحباط، إذ لم يكتفوا باثني عشر يوماً لم تشف غليلهم من عدو يخشون أن يتفرّغ للضحية المقبلة. صفّر ترامب بوهن وغضب لإنهاء الحرب، ولم تنته تماماً، بل تستمرّ في أروقة أخرى. وفيما يجرد كلُّ طرف فيها مكاسبه، ويتوعّد 'إذا عدتم عدنا'، تسارع إسرائيل مجسّدة اليوم بشكل غريب في شخص نتنياهو، إلى محاولة استثمار نقاط تعتقد أنها حققتها، ومتوهمةً أنها استطاعت أن تضع غزّة بين قوسين، وتعيد فوراً تشغيل آلتها الدعائية بنشر ملصقات عريضة في شوارعها وبعضها مدمّر، تبشّر بأن 'السلام الإبراهيمي' الشامل على بعد حجر، في استباق للزمن، وفي قفزة على الحاضر، الذي لا يزال يغلي كالمرجل، وفي حركة إغراء مكشوفة لترامب، اللاهث وراء جائزة سلام، إلا أن المقاومة عالجتها بعمليات نوعية من بين معالم الدمار، أعقبتها صور توابيت الجنود الذين أطاحتهم، لتسحب من نتنياهو في سويعات قليلة نقاطاً ثمينةً أراد صرفها في سوق مفاوضات استسلام، تأتي بإيران صاغرةً، وهو لم يحدث (ولن يحدث) في المستقبل المنظور، في اختبار آخر يؤكّد أن غزّة والوضع الفلسطيني سيبقيان القلب في أيّ معادلة يراد فرضها، ومفتاح الأمن لمن أضاعه ويبحث عنه. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدةإيطاليا تلغراف السابق في جدوى المقاطعة الأكاديمية التالي عندما يرفض جمهوريون مواصلة الرقص على الإيقاع الإسرائيلي

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store