
السياحة السعودية تحول تركيزها من ناطحات السحاب إلى الطبيعة
تعد هذه القرية موقعا تاريخيا يعود لأكثر من قرن، وكانت تسكنه قبائل تهامة عسير المحلية، وتتميز مبانيها الطينية والحجرية بنوافذ ملونة محددة باللون الأبيض. لم يعد أحد يسكن هنا، ولكن كل يوم، يأتي رجال ونساء القبائل الذين يعرفون بأطواق مزينة بالورود و زيّ جبلي تقليدي - لبيع سلع مثل العسل المحلي الذي تُنتجه قبائل سفوح الجبال.
إنها رجال ألمع، واحدة من مئات القرى الأثرية المنتشرة في منطقة عسير قليلة السياح، وهي منطقة تقارب مساحتها النمسا وتقع في الركن الجنوبي الغربي من السعودية.
تتميز المنطقة، التي تحمل تراث ثقافي غني، بقصور طينية خلابة تُطل على قمم الجبال، وسهول صحراوية، وشواطئ بكر، إضافة إلى مواقع تاريخية وأنشطة مغامرات خارجية لا مثيل لها في جميع أنحاء البلاد.
والأفضل من ذلك كله بالنسبة إلى السعوديين، الذين اعتادوا في أشهر الصيف على حرارة شديدة تصل عادة إلى 45 درجة مئوية، أن الطقس نادرا ما يتجاوز 32 درجة، حتى في منتصف يوليو.
دفع مزيج العوامل هذه مطورين عالميين ومسؤولين سعوديين إلى رسم مستقبل جديد لعسير، مستقبل يجعلها حجر الزاوية في رهان السعودية البالغ تريليون دولار على السياحة. رغم عدم وجود منشآت فاخرة حتى الآن، يعمل كل من صندوق الاستثمارات العامة ومستثمرين من القطاع الخاص على وضع خطط رئيسية بتكلفة مليارات الدولارات لمشاريع يمكن الاستمتاع بها على مدار العام.
على عكس ناطحات السحاب ذات الواجهات العاكسة في نيوم أو مواقع التخييم الفاخرة في العلا، فإن جوهر إستراتيجية عسير يقوم على عنصر بسيط وأساسي: الطبيعة.
يقول لويس جالوتي، وهو مستثمر مقيم في ميامي يعمل على تطوير منتجع جبلي فخم جدا في عسير: "يمكنك الإقامة على جبل، والغوص في البحر الأحمر، والانطلاق إلى الصحراء، كل ذلك في غضون ساعات قليلة (...) إنه شيء مختلف عن بقية العالم".
في الوقت الحالي، تستقبل عسير أقل من 100 ألف مسافر دولي سنويا - وهو رقم منخفض يرى مسؤولون سعوديون إمكانية كبيرة لارتفاعه. سيساعد نمو عدد الزوار في عسير على مضاعفة عدد الزوار الأجانب السنوي الحالي في البلاد، ليصل إلى 70 مليونا بحلول 2030.
من جهتها، تقول سيسيليا بويو، رائدة أعمال فرنسية والرئيسة التنفيذية لوكالة السفر Bonjour Saudi: "لا أحد يعلم حتى الآن أن السعودية تتمتع بهذه المناظر الطبيعية الخلابة، وأن الصيف ليس حارا".
زارت بويو عسير لأول مرة في 2023، وفي أبريل نظمت أول برنامج لها، حيث جذبت في الأغلب السكان المحليين إلى قرية جبلية لممارسة رياضة المشي لمسافات طويلة واليوغا. ومنذ ذلك الحين، تجيب بويو على أسئلة الأجانب الراغبين في زيارة المنطقة. كما تنظم رحلات لمدة 3 أيام إلى عسير تستهدف كلا من السكان المحليين وغير السعوديين. و"رجال ألمع" إحدى المحطات الرئيسية.
بالنسبة إلى الذين لا يعرفون السعودية جيدا، قد تُشكل المخاوف الأمنية مشكلة، خاصة أن عسير تتصل بحدود صغيرة مع اليمن المنكوب بالصراع. لكن بويو تؤكد إنها دائما تشعر بالأمان في المنطقة وترحيب السكان المحليين بها. وتضيف أن التحدي الأكبر يكمن في غياب معلومات واضحة تُساعد الراغبين في الزيارة على التخطيط بثقة، إلى جانب تحفظات الأجانب بشأن زيارة السعودية المحافظة والسفر إليها، وخاصة إحدى مناطقها الأكثر تقليدية. وتوضح قائلة: "هناك عمل ضخم يجب إنجازه في قطاع السياحة".
ستُعالج مشاريع الفنادق التي يجري تطويرها حاليا مشكلة أخرى: نقص الفنادق عالية الجودة. فلا يوجد فندق من الفنادق الحالية قريب ولو من بعيد من المواقع السياحية القيمة، مثل منازل الحجر الرملي المعلقة في الحبلة. بمجرد وصولك إلى مطار أبها الدولي، ستجد أن معظم أماكن الإقامة مركزة في مدينة أبها الرئيسية، في مبان قديمة ذات غرف عتيقة.
لكن ما ينقصها يُعوضه سحر وثقافة المدينة نفسها، التي يبلغ عدد سكانها 300 ألف نسمة. تقع الأسواق والقرى المبنية من الطين والأحياء الفنية بين تلال شديدة الانحدار، كتلك الموجودة في سان فرانسيسكو ولشبونة. لكن جاذبية عسير تكمن في تنوع تضاريسها البكر: رمال ذهبية ممتدة بين تلال صخرية سوداء، وهضاب عشبية تتميز بندرة وجود أي بناء أو تطوير، وشواطئ هادئة على طول ساحل البحر الأحمر.
في الوقت الحالي، يتطلب التنقل استئجار سيارة وجرعة من الشجاعة - فالوصول إلى رجال ألمع يتطلب القيادة عبر طريق ضيق وعر ومتعرج عبر واد. كخيار بديل، يمكن ترتيب رحلة ليوم واحد مع منصة Viator مقابل نحو 300 دولار للشخص الواحد. إن منظر القرية التراثية، التي تتميز ببيوت مزخرفة جميلة، يجعل خوض غمار المجهول تجربة تستحق العناء.
مساعدة المسافرين على التنقل في المنطقة - وتوفير مكان فاخر لهم ليرتاحوا نهاية اليوم - هو من أهم أولويات لويس جالوتي، مؤسس مجموعة أميك، المقيم في ميامي.
في 2026، يخطط جالوتي لبدء أعمال إنشاء منتجع جبلي فاخر في عسير، يضم أكثر من 70 غرفة فندقية، و30 فيلا خاصة، وتجربة تزلج على العشب، باستخدام زلاجات مزودة بعجلات، على مسارات خضراء تمتد لنحو 3 آلاف قدم.
عند افتتاحه في 2029، يخطط جالوتي لجعل المنتجع جزءا من علامة Seven Legends الناشئة التابعة لشركة أميك، والتي تتمثل مهمتها في إنشاء فنادق في 7 وجهات فقط ذات مناظر طبيعية خلابة. سيُفتتح أول فندق في باتاغونيا الأرجنتينية، ومن المتوقع أن يكون فندق عسير هو الثاني. يقول: "عندما أتينا إلى عسير، وقعنا في الحب من النظرة الأولى".
ليست Seven Legends وحدها في هذا المسار: يدعم صندوق الاستثمارات السعودي، الذي تبلغ قيمته تريليون دولار أمريكي، مشروعا يُسمى "قمم السودة"، والذي سيضم فنادق فاخرة ووحدات سكنية ومراكز تسوق على أعلى جبل في السعودية. وتهدف الخطة إلى إتاحة معظم الأراضي المحيطة بالسودة للمشي وركوب الدراجات على الطرق الجبلية؛ كما ستشمل ميزانيته الحفاظ على مواقع تراثية وترميمها، مثل جبال رجال ألمع - الواقعة بالقرب من سفح جبل السودة، وعشرات الجبال الشاهقة الأخرى.
كما بدأ صندوق الاستثمارات مشاريع لبناء مجمعات سكنية جديدة في أبها، وأنشأ شركة عسير إنفستمنتس بهدف تحويل المنطقة إلى وجهة سياحية عالمية.
لا يزال الأمر في مراحله الأولى. من المتوقع أن تبدأ مناقصات إنشاء البنية التحتية، مثل الكهرباء، لقمم سودة هذا العام، في الوقت الذي تواجه فيه عديد من مشاريع السعودية الضخمة الأخرى، مثل نيوم، عقبات مالية كبيرة. إلا أن مشروع عسير حساس من الناحية الزمنية، إذ من المقرر أن تستضيف بعض المباريات على الأقل خلال كأس العالم لكرة القدم 2034، لا مجال للتأخير أمام السعوديين.
في الوقت الحالي، على أي حال، يرى هاشم الدباغ، وهو مواطن سعودي يرأس هيئة تطوير عسير، المنطقة بمنزلة جوهرة خفية، سواء في السعودية أو خارجها. عندما يذهب في نزهات نهاية الأسبوع، يستقبله الهواء النقي ومجموعات من قرود البابون البرية. ويقول: "هذا أشبه بمستوى ناشيونال جيوغرافيك، واستمتع به كملِك".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ ساعة واحدة
- الرياض
هدا الطائف
تجمع هدا الطائف بين التاريخ العريق والتجارب الترفيهية الحديثة، إذ تضم أجمل مدن الملاهي والألعاب، المليئة بالإثارة والمرح مع جميع أفراد العائلة. وتضم منطقة الهدا المشهورة بالأصالة التاريخية أشهر مدن الألعاب التي تجذب السكان والزوار فضلاً عن السياح الأجانب، والعديد من النشاطات الترفيهية والسياحية الصيفية.


الرياض
منذ ساعة واحدة
- الرياض
جداريات الأحمري.. أصالة الفكرة ومعاصرة الواقع
تسهم "الجداريات" في تشكيل ملامح المنطقة وتضفي بُعداً فنياً يمنح تجربة بصرية وفهم بتجاوز التأمل الى عمق المعنى من خلال سبر أغوار القواعد الجمالية للعمل والعلاقة المتكاملة بين الفكرة والتنفيذ والموقع، بما يعكس مستوى الكفاءة والاتقان، مما يجعلها معلماً بارزاً ووجهة رئيسية تلهم السياح وتثير اهتمامهم. وتُعد جدارية "عزة وشموخ "التي تزين المدخل الشمالي لمحافظة الطائف وجدارية "القادة" وسط منطقة الباحة، من أجمل وأبرز الأعمال التي تعبر عن ملوك المملكة عبر التاريخ بأسلوب إبداعي يتخذ من التسلسل الزمني فكرة ترسخ للولاء وتجسد قيم الانتماء والوحدة الوطنية بدءاً من المؤسس الذي قام بإرساء قواعد الدولة ثم تعاقب أبناءه من بعده على الحكم. وقال لـ"الرياض" الفنان رائد الأحمري: حرصت في الجداريتين على أن يكون التنفيذ بأسلوب فني يحتوي على الأصالة في الفكرة والمعاصرة في التنفيذ، لافتاً إلى أن تصميم جدارية "عزة وشموخ" تأتي ضمن مشروع تحسين المشهد الحضري والشراكة بين أمانة محافظة الطائف وجمعية الثقافة والفنون، ذاكراً أنه تم اختيار التصميم من بين العديد من التصاميم المقدمة من قِبل فنانين وفنانات محافظة الطائف وجرى تنفيذ العمل على مساحة تقدر بـ500 متر مربع، واستمر إنجازه شهرين متواصلة ليفتتح عام 2019م. وفيما يتعلق بجدارية "القادة" في منطقة الباحة قال: قدمت التصميم وفكرة العمل لأمانة منطقة الباحة وبعد أن لاقى القبول تم بحمد الله تنفيذ الجدارية عام 2024م في أحد أبرز مواقع الباحة على مساحة 400 متر مربع. وأشار إلى أنه أضاف الزخارف الشعبية الخاصة بمنطقة الباحة والمستلهمة من النقوش الشعبية في الأبواب والخشبيات، وكذلك وظّف نوافير وإضاءات مناسبة لرفع جودة العمل، وأضاف روح تناسب الفكرة بشكل عام ومما يخدم الموقع بشكل خاص. وعن خططه المستقبلية قال: أنشأت مع مجموعة من الفنانين شركة مختصة بالفنون البصرية اسمها شركة أقطار، ومن ضمن الخطوط العريضة لها إنتاج وتنفيذ الجداريات.


الرياض
منذ ساعة واحدة
- الرياض
الاستراتيجية تمكن المواهب المحلية في صناعة المحتوى الموسيقيتركي آل الشيخ.. يعزز حضور الموسيقيين السعوديين والخليجيين في موسم الرياض
في خطوة تعزز من الحضور المحلي والخليجي في صناعة الترفيه، أعلن معالي المستشار الأستاذ تركي بن عبدالمحسن آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه (GEA)، عبر تغريدة على حسابه الرسمي في منصة "إكس"، عن توجه موسم الرياض القادم للاعتماد الكامل على العازفين والموسيقيين السعوديين والخليجيين في الحفلات الغنائية، مما يعكس توجها استراتيجيا لتمكين المواهب المحلية وصناعة محتوى ترفيهي يعكس الهوية الثقافية للمنطقة. وأوضح آل الشيخ أن هذا التوجّه يشمل أيضًا اعتمادًا شبه كامل على المسرحيات السعودية والخليجية، على أن يتم تطعيم الموسم ببعض المسرحيات السورية والعالمية المتميزة، ما يشير إلى توازن بين دعم المحتوى المحلي والانفتاح على التجارب المسرحية العربية والعالمية ذات الجودة العالية. ويُعد هذا الإعلان استمرارًا لرؤية الهيئة العامة للترفيه في تعزيز الهوية الثقافية للمملكة ودول الخليج، من خلال إشراك الكفاءات الوطنية في تنظيم وتقديم العروض الفنية، ما يسهم في خلق فرص عمل جديدة، ويدفع بعجلة النمو في قطاع الترفيه، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030. وقد شهدت تغريدة آل الشيخ تفاعلًا واسعًا، حيث تجاوز عدد المشاهدات 2.9 مليون مشاهدة في أقل من يوم، إلى جانب آلاف التفاعلات من تعليقات وإعجابات ومشاركات، عكست ترحيبًا شعبيًا كبيرًا بهذه الخطوة، خصوصًا من المهتمين بالحراك الثقافي والفني في المملكة. ويُنتظر أن يكون الموسم القادم لموسم الرياض، أحد أبرز المواسم الفنية التي تضع المواهب السعودية والخليجية في الواجهة، خصوصًا مع النجاحات التي حققها الموسم في نسخه السابقة، من حيث حجم الزوار، وتنوع الفعاليات، واستقطاب النجوم العالميين. الجدير بالذكر أن موسم الرياض بات أحد أكبر المواسم الترفيهية في المنطقة، وتحول إلى منصة كبرى لاكتشاف المواهب وتقديم محتوى نوعي يجذب ملايين الزوار من داخل المملكة وخارجها. ويُتوقع أن يشهد الموسم المقبل انطلاقة جديدة بروح خليجية أكثر حضورًا، وتمثيلًا أكبر للفنون المسرحية المحلية، ما يمنح التجربة طابعًا أكثر أصالة وخصوصية. وبهذه الخطوة، ترسّخ هيئة الترفيه توجهها نحو تمكين الشباب، وفتح المجال أمام الطاقات السعودية والخليجية لتكون عنصرًا محوريًا في بناء صناعة ترفيهية مستدامة وقادرة على المنافسة إقليميًا وعالميًا وكشف معاليه في وقت سابق، عن جانب من المفاجآت الكبرى التي ينتظرها الجمهور في موسم الرياض لهذا العام، مشيرًا إلى أن النسخة المقبلة ستكون مختلفة ومليئة بالأحداث العالمية والمحتوى السعودي والخليجي والسوري. مشيرًا معاليه إلى أن الرياض تعيش حاليًا حراكًا ترفيهيًا غير مسبوق من خلال استضافة كأس العالم للألعاب الإلكترونية، أكبر بطولة في العالم للرياضات الإلكترونية، التي تتجاوز قيمة جوائزها "70" مليون دولار، وتستقطب اهتمامًا عالميًا واسعًا، مؤكدًا أن فعاليات الموسم مستمرة بوتيرة متصاعدة في كل أسبوع. كما تحدث معاليه عن إطلاق مهرجان الرياض للكوميديا المرتقب في أواخر سبتمبر المقبل والذي أعلن عن جزء من الأسماء المشاركة فيه، في وقت سابق من اليوم، حيث سيشارك أكثر من 50 مؤديا كوميديا وممثلا من عدد من دول العالم من الوجوه التي يتابعها الملايين عبر منصات عالمية مثل نتفليكس وأبل تي في وأمازون برايم. مؤكدًا أن الجمهور سيحظى بفرصة مشاهدة هذه الأسماء العالمية على مسارح منطقة بوليفارد سيتي، إلى جانب فعاليات عالمية تشمل حفلات موسيقية ضخمة، مباريات كرة قدم، نزالات ملاكمة، عروض UFC، وعرض WWE حيث ينتظر عشاق المصارعة إقامة "رويال رامبل" في يناير المقبل. إضافة، من بينها فعاليات بالتعاون مع النجم العالمي "MrBeast"، وبطولة "Six Kings Slam" للتنس التي تستضيف أبرز ستة لاعبين في العالم يتنافسون على أكبر جائزة في تاريخ اللعبة، وذلك بعد النجاح الكبير الذي تحقق العام الماضي.