
من أجل مجتمع خال من وباء المخدرات
أضحى شعار الواحد من شبابنا ضحايا هذا الوباء: 'أحيني اليوم واقتلني غدا'.. فرّوا من مرارة الواقع، إلى واقع أشدّ مرارة.. شباب فقدوا الأمل ففضّلوا الاستغناء عن عقولهم نكوصا عن مواجهة البطالة ومشاقّ الحياة، فما ازدادت حالهم إلاّ سوءًا!
الإحصاءات تشير إلى أنّ عدد حالات الانتحار في بلدنا الجزائر تجاوز 1500 حالة كلّ عام، أمّا محاولات الانتحار فهي بالآلاف، أغلبها بسبب ما ينتج عن هذا الوباء من ضغوط ويأس وبؤس وإحباط.. وإحصاءات الديوان الوطني لمكافحة المخدرات والإدمان تشير إلى أنّ هناك ما لا يقلّ عن 3.5 مليون جزائري يستهلكون ويتعاطون المخدرات، بينهم 3 % إناث.. عدد الأقراص المهلوسة التي يتمّ ضبطها وصل 10 ملايين قرص سنويا، إضافة إلى عشرات القناطير من الهيروين.
وباء وقع ضحيتَه مئات الآلاف من شباب هذا البلد، ولا تكاد تخلو مدينة ولا قرية ولا شارع من ضحايا لهذا البلاء الذي يزداد انتشارا عاما بعد عام. حتى أصبح من يبيعون المخدّرات معروفين في كلّ شارع لا يستحون ولا يستخفون، ولا أحد ينكر عليهم إلا من رحم الله! حتى ما عاد النّاس يأمنون على أنفسهم ولا على أموالهم ولا على بيوتهم ولا على أبنائهم.. ولعلّ المجتمع الآن يدفع فاتورة سكوته وتساهله مع هذا الوباء! والفاتورة ستزداد فداحة عاما بعد عام. يقول النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم-: 'لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم، فلَيسومُنّكم سوء العذاب، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم'، ويقول أيضا: 'لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليبعثن الله عليكم من لا يرحم صغيركم، ولا يوقّر كبيركم'.
لأجل هذا، يجب على المجتمع أن يتداعى لوقف الانحدار، وأن يعطي هذه المحنة ما تستحقه من الاهتمام، وذلك لا يعني بالضرورة أن يتجنّد المجتمع في حرب لا هوادة فيها على الشّباب ضحايا 'الوباء'، إنّما يعني أن يتجنّد الجميع في حملة اهتمام وتواصل وتوعية، تهدف إلى إنقاذ شبابنا من الطّريق التي سلكوها وهم لها كارهون.
على الرّغم من فداحة وشناعة ما يفعله الشّباب الذين وقعوا في مستنقع الخمور والمخدّرات بأنفسهم ومجتمعهم، إلا إنّنا نريد أن ننظر إلى هؤلاء الشّباب على أنّهم ضحايا واقع منكوس تعيشه أمّة الإسلام، وضحايا أسر استقال فيها الأولياء عن أداء الأمانة التي اؤتمنوا عليها.. نريد أن نرحم هؤلاء الشّباب الذين أغواهم الشّيطان بسلوك طريق الخمور والمخدّرات.. نريد أن نرحمهم وتتألّم قلوبنا لحالهم، ويقدّم كلّ منّا أقصى ما يستطيع تقديمه لإنقاذهم من المصير المشؤوم الذي يتّجهون نحوه، وانتشالهم من المستنقع الآسن الذي يسبحون فيه، مستنقع الانتحار البطيء.. إنّهم وإن كانوا يضحكون ويقهقهون إلا أنّ قلوبهم تبكي وتنتحب.. كثير منهم يتمنّون أن يجدوا أيادٍ حانية تنتشلهم ممّا هم فيه، فهم قد وصلوا إلى ما وصلوا إليه بسبب اليأس، وينتظرون من يعيد إليهم الأمل، ويعينهم على أنفسهم.
أمّتنا في أمسّ الحاجة إلى كلّ شابّ من شبابنا، وكلّ شاب تختطفه أوكار الخمور والمخدّرات هو خسارة عظيمة لهذه الأمّة.. وشبابنا مهما حادوا عن الطّريق فإنّ في داخل كلّ واحد منهم بذرة من الخير وبصيصا من الإيمان، وربّما يحتاج إلى من يعيد إليه الأمل الذي فقده، ويريه طريق السّعادة الحقيقية.
ما من شابّ حاد عن الطّريق السويّ إلا وفي قرارة نفسه يقين بأنّ لهذا الكون خالقا عليما حكيما، لكنّه ربّما ينسى أنّه –سبحانه- جعل السّعادة والرّاحة في طاعته وتقواه، وجعل الشّقاء والتّعاسة في الغفلة والبعد عنه جلّ في علاه. ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون))..
ما من شابّ من هؤلاء الشّباب الحائرين إلا ويجد في داخله ضيقا وهما وغما يكاد يقتله، وربّما يعلم أنّه بسبب بعده عن الله، بل ربّما يحسّ في داخله بداعٍ يدعوه إلى تغيير حياته، ويتمنّى أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه شابا يحمل هدفا في هذه الحياة.. ما من شابّ وقع في مستنقع الخمور والمخدّرات إلا وهو يتمنّى أن يعود إليه الأمل ويخرج من هذا المستنقع ويتوب ويصلح حياته قبل أن يرحل عن هذه الدّنيا كما رحل أولئك الذين أوغلوا في طريق الغفلة والغواية والأوحال، حتى لقوا الله جلّ وعلا على أسوأ الأحوال.. كيف لو علم الشابّ أنّ أكثر من 2,5 مليون إنسان يموتون في هذا العالم سنويا بسبب الخمور، وأكثر من 750 ألف يموتون بسبب المخدّرات؟ كيف لو علم أنّ تعاطي الخمور والمخدّرات سبب لأمراض قاتلة أخطرها السّرطان والسّيدا؟ كيف لو علم أنّه يوجد حولنا في هذا العالم أكثر من 5 ملايين إنسان أصيبوا بوباء السّيدا بسبب تعاطيهم المخدّرات؟ هذا فضلا عن أنّ تعاطي الخمور والمخدّرات سبب لأمراضِ تليّف الكبد، ودرن الجهاز التنفّسيّ، والرّعشة التي تنتج عن عدم القدرة على التحكّم في الجهاز العصبيّ، والأمراض النّفسيّة كالقلق والاكتئاب.. هل يرضى شابّ عاقل لنفسه يفني زهرة شبابه ويهلك جسده ويهدر ماله، طلبا لراحة موهومة مع هذه السّموم؟
فوق هذا وذاك، فإنّ كثيرا من الشّباب الذين أصرّوا على تعاطي الخمور والمخدّرات، قادهم الشّيطان إلى عظائم الأمور وكبائر الموبقات؛ قاد بعض الشّباب إلى بيع أعراضهم لأجل الحصول على الخمور والمخدّرات، وسوّل لبعضهم السّرقة لأجل الحصول على ثمن تلك المهلكات.. بل إنّ هذه السّموم قادت كثيرا من الشّباب إلى خسارة والديهم، بل إنّ الأمر قد وصل ببعض الشّباب إلى قتل والديهم بسبب الخمور والمخدّرات.. نهايات مؤسفة تسيل لها دماء القلوب قبل دموع العيون تحمل الصّحف تفاصيلها كلّ يوم، لشباب ارتكبوا أفظع الجرائم بسبب هذه السّموم.. فمن ذا الذي يرضى هذا الواقع ويقبل بهذه الحال لشباب أمّة الإسلام؟
نداءات عاجلة!
نداءات عاجلة نوجّهها إلى كلّ من سوّلت له نفسه أن يكون سببا في ترويج المخدّرات.. إلى المسؤولين عن محاصرة ومحاربة المخدّرات، ممّن لا يؤدّون واجبهم ويتساهلون مع مروّجي المخدّرات وربّما منهم من يتعاون مع مروّجيها ويغطّي عليهم: اتقوا الله فإنّكم والله لموقوفون بين يدي الله ومسؤولون عن الأمانة التي خنتموها وضيّعتموها.. ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون)).. إن لم تتوبوا إلى الله فإنّكم والله ستحشرون يوم القيامة وجوهكم سوداء، وعلى مؤخّرة كلّ واحد منكم راية تكتب عليها غدرته؛ يكتب عليها أنّه ساهم في ترويج المخدّرات بدلا من محاربتها، وتغاضى عن المتاجرين بها بدلا من أن يوقفهم، بل ربّما كان يحذّرهم من المداهمات، مقابل عرض من الدّنيا قليل.. هناك في كلّ مدينة أماكن معروفة يرتادها تجار المخدرات لترويج السّموم، الكلّ يعلمها، لكنّ الكلّ ساكت إلا من رحم الله.. الكلّ ينظر ويتفرّج ويهمهم بين شفتيه.. لا المواطنون يتحرّكون، ولا جمعيات الأحياء تتحرّك، ولا الأمن يتحرّك، الكلّ يرفع شعار: 'تخطي راسي' ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم!
وأنتم أيها التجار، يا من تبيعون الدخان والسجائر: اتقوا الله في أبناء المسلمين، واعلموا أنّكم مسؤولون أمام الله عن كثير من الشّباب الذين دخلوا عالم المخدّرات وكانت بداياتهم من الدّخان! الدخان حرام، وبيعه حرام، وربح تجارته حرام سحت بإجماع العلماء، ووالله إنّ تجارة يختلط بها الدخان لهي تجارة ممحوقة لا بركة فيها ومآلها إلى الخسران مهما طال الزّمن.. حلال قليل معه البركة، خير من حرام كثير تنزع منه البركة ويكون معه السّؤال عسيرا بين يدي الله. ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)).
وأنتم أيها الآباء ويا أيتها الأمّهات: هل تعلمون أنّ أوّل سبب لانتشار ظاهرة تعاطي الخمور والمخدّرات هو استقالة الآباء والأمّهات عن مسؤوليتهم في تربية أبنائهم تربية إسلامية حقيقيّة مبنيّة على استشعار رقابة الله في كلّ حين وكلّ آن؟ سؤال مهمّ أصبح لزاما على كلّ أمّ وعلى كلّ أب أن يطرحه على نفسه: من يربّي أبنائي؟ بمن يقتدون؟ من يصاحبون؟ حاولي أيّتها الأمّ وحاول أيّها الأب أن تجيب عن هذه الأسئلة بينك وبين نفسك.. لعلّك إن كنت صادقا أيّها الأب ستجد أنّك كنت السّبب في انحراف أبنائك وأنت الآن تشكو حالهم إلى كلّ النّاس.. كنت تنهاهم عن التّدخين والسيجارة لا تكاد تفارق شفتيك.. تنهاهم عن التدخين وتبعث بهم ليشتروا لك السّجائر! لا تسأل عن جلسائهم وأصحابهم وكأنّك لا تعلم أنّ الصّاحب ساحب.. بدل أن تخوّفهم بالله وبغضبه وعذابه كنت تخوّفهم من عقوبتك أنت فصاروا يستخفون منك ولا يستخفون من الله.. لقد صار لا يهمّك أن يسهر أبناؤك خارج البيت لساعات متأخرة ولا يهمّك أين يقضون أوقاتهم.. أما تخشى الله أيّها الأب؟ أما تخافين الله أيّتها الأمّ؟ أما سمعتما قول الله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون))؟ إنّ بداية الانحراف أيّها الأب كثيرا ما تكون صديق سوء يدخّن ولا يصلّي، فتبدأ رحلة الشّقاء بنفس واحد من سيجارة يمدّها رفيق السّوء إلى الضّحية، ثمّ تتوالى الأنفاس وتتعاقب السّجائر، ومن السّجائر إلى المخدّرات الطّريق سريعة ومعبّدة، فيا أيّها الآباء اتّقوا الله في أبنائكم وامنعوهم التّدخين.. امنعوهم رفقاء السّوء.. خذوا بأيديهم إلى المساجد للبحث عن الرّفقة الصّالحة.
وأنتم يا شباب المساجد.. يا من أنعم الله عليكم وهداكم لتكونوا من رواد بيوته: انظروا إلى الشّباب الذين وقعوا ضحية للخمور والمخدّرات بعين الرّحمة والشّفقة.. نعم إنّ تعاطي الخمور والمخدّرات موبقة من أعظم الموبقات وكبيرة من أهلك الكبائر.. لكن ليس لنا من بديل في ظلّ الواقع الذي نعيشه إلا أن نسعى في إنقاذ هؤلاء الشّباب.. كم نتمنّى لشباب المساجد أن يفكّروا ويتعاونوا وتكون لهم خرجات تواصل مع شباب المخدّرات.. وإن لم يكن التّواصل في الواقع فعلى الأقلّ على مواقع التواصل.. ينبغي لشباب المساجد أن يحملوا الهمّ ويجتهدوا في إيجاد وسائل تواصل مع شبابنا التائهين.. فيا شباب المساجد: ابحثوا عن صفحات هؤلاء الشّباب التّائهين على مواقع التواصل وراسلوهم، وابعثوا إليهم بالمقاطع والصّور والكلمات المؤثّرة.. ولا تيأسوا أبدا من هدايتهم، فإنّ الله الذي يهدي النّصارى والملحدين إلى دين الإسلام قادر على أن يهدي العصاة من إخوانكم الشباب.
هل يليق هذا؟
ليس يليق أبدا أن نرى شباب الأمّة في الأرض المباركة يقارعون العدوّ الصهيونيّ بحدّه وحديده وأسلحته وأوليائه وعملائه، يقارعونه بأيديهم المتوضئة وأرجلهم الحافية، وقبل ذلك ببطونهم الخاوية وقلوبهم الخالية من خوف أحد غير الله، نراهم يسطرون أعظم الملاحم ويلقون الرعب في قلوب جند العدو ويوقعون بينهم القتلى ويدمّرون آلياتهم.. بينما كثير من شبابنا في هذا البلد لا همّ لهم إلا 'الإريكا' و'الحمراء' و'الزرقاء'.. شباب الأمّة في الأرض المقدّسة ينصبون الكمائن ليصطادوا الدبابات والآليات وحتى الطائرات المسيّرة، بينما شبابنا هنا لا همّ لهم إلا نصب الفخاخ لاصطياد الغافلات والعابثات من فتيات التيك توك والماسينجر!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
منذ 22 دقائق
- موقع كتابات
ماذا لو عدنا نادمين؟
ماذا لو عدنا نادمين… قلوبنا مكسورة وعيوننا يغمرها الدمع، ونحن نحمل خطايانا على أكتافنا، نبحث عن باب لا يُغلق ورحمة لا تنفد، نبوح بالذنوب في أي مكان وأي وقت نختاره، نطلب الرحمة والمغفرة نادمين، يملأ قلوبنا الندم والخوف من ذلك الخالق الذي أعطانا كل شيء، ولكننا ما زلنا نقدم القليل، وقد عودنا أرواحنا على تحمل الذنوب بكلمات نكذب أحيانًا فيها ونكثر فيها من المجاملات. وجميعنا يعرف أن هناك بابًا لا يُغلق أمام كل عبد يأتي بقلب منكسر، ولا يُرد من يقف على ذلك الباب وهو يقول: 'ربِّ إني ظلمت نفسي فاغفر لي…' نعم أيها العباد، لقد قال لنا الرب في كتابه الكريم: 'قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعًا…' ماذا لو عدنا؟ وقد عرفنا الطريق الصحيح، وذهبت أرواحنا إلى عالم الطهارة بلا عودة، وطافت عيوننا ببكاءٍ يمحو الذنوب. واشتاقت أجسادنا لسجدة طويلة، نبوح فيها بكل شيء، ونغتسل فيها من كل ذنوب الماضي… حينها فقط، حينها سوف نعرف من نحن ولماذا خلقنا، وسوف تُفتح لنا أبواب السماء، لنكتب صفحة جديدة في حياتنا التي أتعبناها برهاسات الزمن وخيال الطمع والأمنيات الفارغة، أتعبناها بالتفاهات البسيطة وتركنا التقرب إلى ذلك الخالق العظيم الذي كلما ابتعدنا عنه يتقرب إلينا برحماته، لأنه أرحم من أن يُخيِّب قلبًا سوف يرجع إليه تائبًا في يوم من الأيام… فلماذا نتردد ولماذا نؤجل، وكلنا يعلم أن التوبة لا تحتاج وقتًا بل تحتاج صدقًا وقلوبًا صافية وإرادة قوية، ونحن نعرف أن رب التوبة ينتظرنا في كل لحظة وفي كل ليلة ليغفر لنا ما تقدم وما تأخر من خطايانا… إننا عندما نتوب لن نكون من الملائكة لأننا بشر، ولكن البشر الذي يدرك خطأه وعرف ضعف نفسه فقرر أن يعود إلى خالقه تائبًا مستغفرًا سوف يعيش في طريق النور بعيدًا عن دروب الظلمات، فهنيئًا لمن أدرك خطأه، وعرف ضعف نفسه، فقرر أن يعود إلى صفوف الصحوة الإيمانية… حين يعود العبد إلى ربه، يعود قلبه إلى النبض، والله سبحانه يبدّل السيئات حسنات، ليس فقط يعفو، بل يكرم، ويعطي ما يشاء ويبدّل الظلمة إلى نور. أليس الله أكرم الأكرمين؟ بلى… هو الذي يعطي بلا حساب، ويعفو بلا مقابل، ويمهل العاصي لا ليعذبه، بل ليهديه للعودة. وأخيرًا: ماذا لو عدنا نادمين؟ لعاد الله علينا رحيمًا، ولفتح لنا أبواب السماء، وغفر لنا، وسامحنا. فالله لا يرد من طرق بابه، ولا يُخيب من رجاه، ولا يعذّب قلبًا قال: 'يا رب، لقد أتيتك تائبًا، فاقبلني مع التائبين…'


موقع كتابات
منذ 23 دقائق
- موقع كتابات
نداء الطف يشملني!
بدأت المدينة تتشح بالسواد، المواكب اخذت مواقعها، وأكملت كل تحضيراتها للخدمة الحسينية، أنا بعيد عن هذا الأجواء، كل ما يحيط بي كأنه عرض مسرحي، أشاهده بشكل دوري، ولا يعنيني مطلقاً، على طريق عملي تسطف المواكب الشبابية على كلا جانبية، صور لشهداء، وقصائد حسينية، كذلك ماء بارد يوزع على حب الإمام الحسين (عليه السلام) مع شاي على الجمر، الذي يضيف له نكهة خاصة. في طريق العودة من عملي، أثارت شهيتي رائحة الشاي، مع أصوات الشباب المتكررة 'اشرب چاي ابو علي' ذهبت لأشرب كوب شاي، في أحد المواكب ليستقبلني شاب بابتسامة جميلة وترحيب حار، کأني زائره الوحيد، سرعان ما احضر لي قدح ماء بارد، وكأس شاي على الفحم، الموكب مطرز بلوحات وعبارات حسينية، فأحد اللوحات سوداء مكتوب عليها بالخط الاحمر ( والله لن نتخذ الليل جملا) لم اعرف المغزى منها، فسألت أحد الشباب مستفسراً عن هذا اللوحة. فقال الشباب: هذا جواب الأنصار عندما قال لهم الإمام الحسين (عليه السلام) هذا الليل قد غشيكم فاتخِذوهُ جملا، اذهبوا وانتم في حل مني ومن بيعتي، ونحن اليوم نقول ما قالته الأنصار، لن نتخذ الليل جملا. فقلت للشاب: ألم تنتهي كربلاء قبل الف وأربعمائة عام ؟ فلا الحسين موجود الآن ولا الليل . قال الشاب : الإمام الحسين هو عين الخلود، فلا تغطيه سحابة السنين، ولا تمنع نوره كثرة أبواق الإعلام. جواب الشاب أدهشني، فسؤالي سطحي وجوابه عميق وبه رمزيه. فقلت للشاب: وهل يمكنك انت تلتحق بالإمام الحسين عليه السلام؟ قال الشاب: نعم، بكل تأكيد، لكن يجب أن تتوفر شروط الإنضمام. قلت للشاب: وما شروط الإنضمام لمعسكر الإمام؟ قال الشاب: شرط الإمام هو أن (من كان باذلاً فِينَا مهجتَه، وموطِّناً على لِقَاء الله نفسه، فلْيَرْحَل مَعَنا، فإنِّي راحلٌ مُصبِحاً إن شاء الله) قالت : وما ذا يعني بهذا الشرط؟ قال الشاب: يعني ان تكون مستعد أن تبذل روحك في سبيل الله تعالى، يعني لم تكذب ولا تغتاب ولا تخوض في أعراض الناس، ولم تأكل حرام، وتؤدي الفرائض، وعندك وعي وبصيرة، تدرك الأوضاع وما تحتاج من عمل الذي يفرضه الشرع عليك، عند توفر هذه الشروط أذا يمكنك أن تلتحق بالإمام، وبكل تأكيد من يسعى أن يتطهر سوف يساعده الإمام على ذلك. والشاب يتكلم وقلبي يصغي إليه، فلم أحس إلا ودموعي تقطر على خدي، دون استئذان. فقلت للشاب: هل انت متأكد من ذلك ؟ قال الشاب: نعم، فما هو سبب نداء الإمام الحسين عليه السلام في اخر لحظاته، 'هل من ذابّ عن حرم رسول الله؟ هل من موحّد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا؟ أما من طالب حق ينصرنا؟' الإمام الحسين (عليه السلام) ندائه هذا لنا ينفذ من السنين ليصل إلينا، ويضعنا أمام المسؤولية. لم أتمالك نفسي فقد بكيت بشدة، فنداء الإمام الحسين يوم الطف يشملني، الباب مفتوح للنصرة ولم يغلق بعد. لقد نويت إن أتوب وأرمي نفسي بين يدي الإمام الحسين خادماً، وأعاهده إن أصلح نفسي حتى يقبلني بين يديه شهيداً أن شاء الله.


موقع كتابات
منذ 23 دقائق
- موقع كتابات
العبادة إخاء إنساني
أن حركة الإنسان الحضارية مشلولة ومعاقة ومتخلفة في اخطر جوانبها وهي علاقة الانسان بأخيه الانسان… حقاً أن هذه العلاقة متخلفة، وتخلفها يُعدُّ جانباً خطيراً معيقاً للمسيرة الإنسانية نحو التكامل ونحو الرقي والتقدم…. بل إن المآسي والمظالم والحرمان وكل شي يتفجر له القلب و تتحطم له الجماجم وتتمزق له الأشلاء نتيجة لتخلف هذه العلاقة أو انحرافها عن مسارها الصحيح… إن هذه العلاقة تُعدُ المعيار الحقيقي لتقييم اي حضارة بل هي القوام الأساسي لتحقيق السعادة والأمن والأمان… ونحن لو استعرضنا صورا لتخلف علاقة الانسان باخيه الانسان لوجدناها لا تعد ولا تحصى، فالحروب الأهلية والإقليمية والعالمية وكذلك التعذيب والاضطهاد والقتل والتشريد كلها علامات على انحراف هذه العلاقة وتخلفها… قلتُ قبل قليل أن هذه العلاقة هي المقوم الأساسي للسعادة في حال تقدمها وتطورها، اي تكون مبنية على أساس الود والحب والعطاء والإيثار، لان المجتمع يتكون من مجموع هذه العلاقات، فيشترك المجتمع بمصالح عامة تتوقف عليها مسيرة حياتهم ونجاحها، وتحقيق هذه المصالح العامة يتطلب تجاوز الذات والمصلحة الشخصية واحترام الآخرين، لا الصراع معهم ! والمنافسة أو تحقيق المصلحة الشخصية على أكتاف مصالح المجتمع… فكيف نتخلص من ذلك دون أن تكون علاقة الانسان بأخيه الانسان متقدمة مزدهرة ؟ ويتضح من هذا الكلام الدور الخطير المهم الذي تلعبه علاقة الانسان بأخيه الانسان على مسرح الحياة وكذلك يتضح أن هذه العلاقة تحتاج إلى تربية وتنمية وتوجيه… ولذلك قال السيد الشهيد محمد باقر الصدر رحمه الله بحسب المضمون ( إن علاقة الانسان بربه لها دور تربوي في توجيه علاقة الانسان بأخيه الانسان)[ اامصدر:نظرة عامة في العبادات للسيد محمد باقر الصدر] أي أن المراد من كلام السيد رحمه الله أن توجيه وتربية علاقة الانسان بأخيه الانسان يتم عن طريق علاقة الانسان بخالقه العظيم الله تبارك وتعالى وهذا الكلام يختصر لنا المسافة لأن خير الكلام ما قلَّ ودلَّ… على أن علاقة الانسان بأخيه الانسان أو استقرار الحياة ونجاحها التي تعتمد على هذه العلاقة مسألة أخذت باهتمام كل الفلاسفة وأهل القانون والمفكرين وغيرهم.. لكننا نجد أن هناك ثغرات في المعالجة ! لأنهم عجزوا عن توجيه هذه العلاقة وتنميتها بالشكل الذي يضمن نجاح الحياة واستقرارها…. بينما علاقة الانسان بربه التي تفرض عليه الايمان والالتزام بالشريعة التي تستمد وجودها من الخالق نفسه الحق المطلق… لقد أخذت الشريعة علاقة الانسان بأخيه الانسان بنظر الاعتبار… حيث فرضت عقوبات رادعة لكل من ينتهك هذه العلاقة كالخلود في جهنم وفرض الديات والحدود والقصاص والنفي….الخ فقد تنوعت العقوبات بين ما هو اخروي ودنيوي… إن المجتمع الذي عاصر تربية المربي الأول سيدنا محمد(ص) نجد أن هذا المجتمع وصل إلى أعلى درجات تطور وتقدم علاقة الانسان بأخيه الانسان، وقد أجمع العلماء من مختلف المذاهب بأن هذه هي الفترة الذهبية في علاقة الانسان بأخيه الانسان… كيف حدث ذلك؟ كل ذلك حصل بسبب العبادة المخلصة لأن العبادة تمثل التجسيد العملي لعلاقة الانسان بربه والتي لها دور تربوي في توجيه علاقة الانسان بأخيه الانسان… والعبادة هي جزء من الشريعة لكنها الجزء الأهم الذي يضمن تطبيق الشريعة كلها…