logo
فتح خزائن الدماغ.. هل يمكن قراءة الأفكار؟

فتح خزائن الدماغ.. هل يمكن قراءة الأفكار؟

الجزيرة٢٨-٠٧-٢٠٢٥
حقق باحثون من جامعة جنوب كاليفورنيا في الولايات المتحدة إنجازا هاما في فهم كيفية تشكيل الدماغ البشري للذكريات البصرية وتخزينها واستدعائها.
واستخدم الباحثون في دراستهم الجديدة، التي نشرت في 8 يوليو/ تموز الجاري في مجلة أدفانسد ساينس، تسجيلات دماغية لمرضى ونموذجا للتعلم الآلي لإلقاء ضوء جديد على الشفرة الداخلية للدماغ التي تصنّف ذكريات الأشياء إلى فئات، فتكون كخزانة ملفات للصور في الدماغ.
وأظهرت النتائج أن فريق البحث استطاع قراءة أفكار المشاركين من خلال تحديد فئة الصورة البصرية التي يجري تذكرها، وذلك عبر التوقيت الدقيق للنشاط العصبي للمشارك.
ويحلّ هذا العمل جدلا أساسيا في علم الأعصاب، ويتيح إمكانات واعدة لواجهات الدماغ والحاسوب المستقبلية، بما في ذلك أجهزة مساعدة لاستعادة الذاكرة المفقودة لدى المرضى الذين يعانون من اضطرابات عصبية مثل الخرف.
ويعد الحصين منطقة دماغية حيوية ومعروفة بدورها في تكوين ذكريات عرضية جديدة من قبيل ماذا وأين ومتى وقعت أحداث الماضي. وبينما يمكن فهم وظيفته في تشفير المعلومات المكانية (أين) والزمانية (متى)، فإن كيفية تمكنه من تشفير عالم الأشياء الواسع وعالي الأبعاد (ماذا) لا تزال لغزا. وحيث إنه لا يمكن للحصين تخزين كل شيء على حدة، افترض العلماء أن الدماغ قد يبسط هذا التعقيد من خلال ترميز الأشياء في فئات.
ووظّف البحث تسجيلات أدمغة 24 مريضا بالصرع ، حيث زEرعت أقطاب كهربائية عميقة داخل الجمجمة في أدمغتهم لتحديد موقع نوبات الصرع. وأتاحت تسجيلات هؤلاء المرضى للفريق تحديد كيفية تشفير الخلايا العصبية الحصينية للمعلومات البصرية المعقدة، ليس من خلال معدل إطلاق الإشارات فحسب، بل من خلال التوقيت الدقيق لنشاطها.
يقول مدير مركز ترميم الأعصاب في جامعة جنوب كاليفورنيا بكلية كيك للطب وأستاذ الهندسة الطبية الحيوية بكلية فيتربي للهندسة والباحث المشارك في الدراسة تشارلز ليو: "من خلال العمل مع مرضى يعانون من خلل في الذاكرة، كان من المثير للاهتمام للغاية رؤية الدراسات الحالية تكشف عن نموذج للأساس العصبي لتكوين الذاكرة".
كيف يخزن الدماغ المعلومات البصرية؟
طوّر فريق البحث نهجا مبتكرا للنمذجة التجريبية لكشف هذه العملية المعقدة، وسجّل الفريق النشاط الكهربائي -وتحديدا النبضات- من الخلايا العصبية في الحصين لدى مرضى الصرع، وجُمعت التسجيلات أثناء قيام المرضى بمهمة "المطابقة المتأخرة للعينة"، وهي تقنية شائعة في علم الأعصاب لاختبار الذاكرة البصرية قصيرة المدى.
يقول الأستاذ المشارك في قسم جراحة الأعصاب وقسم ألفريد إي. مان للهندسة الطبية الحيوية الباحث المشارك في الدراسة دونغ سونغ: "سمحنا للمرضى برؤية خمس فئات من الصور: حيوان، نبات، مبنى، مركبة، وأدوات صغيرة، ثم سجلنا إشارة الحصين. وبناء على الإشارة سألنا أنفسنا سؤالا باستخدام تقنية التعلم الآلي الخاصة بنا: هل يمكننا فك تشفير فئة الصورة التي يتذكرونها بناء على إشارة أدمغتهم فقط؟".
أكدت النتائج فرضية أن الدماغ البشري يتذكر بالفعل الأشياء المرئية بتصنيفها إلى فئات، وأن فئات الذاكرة البصرية التي كان المرضى يفكرون فيها قابلة للفك بناء على إشارات أدمغتهم.
ويرى سونغ أن "الأمر يشبه قراءة حصينك لمعرفة نوع الذاكرة التي تحاول تكوينها، ووجدنا أنه يمكننا فعل ذلك بالفعل، ويمكننا فك تشفير نوع فئة الصورة التي كان المريض يحاول تذكرها بدقة عالية".
ويكمن جوهر الاكتشاف في نموذج فك تشفير الذاكرة القابل للتفسير الذي ابتكره فريق البحث، فعلى عكس الطرق السابقة التي غالبا ما تعتمد على حساب متوسط النشاط العصبي على مدار العديد من التجارب أو استخدام دقة زمنية محددة مسبقا، يحلل هذا النموذج المتقدم "الأنماط المكانية والزمانية" للنبضات العصبية من مجموعة كاملة من الخلايا العصبية، كما تقدم الدراسة دليلا على أن الحصين يستخدم رمزا زمنيا لتمثيل فئات الذاكرة البصرية، وهذا يعني أن التوقيت الدقيق لنبضات الخلايا العصبية الفردية، غالبا على نطاق الملِّي ثانية، يحمل معلومات ذات معنى.
وركزت الدراسات السابقة غالبا على الخلايا العصبية الفردية، أما هذا البحث فكشف أن مجموعات الخلايا العصبية الحصينية تشفّر فئات الذاكرة بطريقة موزعة، حيث إنه وبينما شاركت نسبة كبيرة من الخلايا العصبية (70-80%) في تحديد ذاكرة بصرية لفئة معينة، فإن لحظات قصيرة ومحددة فقط داخل كل خلية عصبية ساهمت في هذا التشفير، وتسمح هذه الإستراتيجية الفعّالة للدماغ بتخزين ذكريات متنوعة مع تقليل استهلاك الطاقة.
يقول ليو: "يمكننا البدء بتطوير أدوات سريرية لاستعادة فقدان الذاكرة وتحسين الحياة بهذه المعرفة، بما في ذلك أجهزة مساعدة للذاكرة وإستراتيجيات أخرى لاستعادة الأعصاب، في حين أن هذه النتيجة قد تكون مهمة لجميع المرضى الذين يعانون من اضطرابات الذاكرة، إلا أنها ذات صلة عميقة بشكل خاص بمرضى الصرع الذين شاركوا في الدراسات، والذين يعاني الكثير منهم من خلل وظيفي في الحصين يتجلى في كل من نوبات صرع وكذلك الاضطرابات المعرفية/الذاكرة".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

من الاستعمار والصراعات القبلية إلى غزّة.. تاريخ التجويع كسلاح حرب
من الاستعمار والصراعات القبلية إلى غزّة.. تاريخ التجويع كسلاح حرب

الجزيرة

timeمنذ 8 ساعات

  • الجزيرة

من الاستعمار والصراعات القبلية إلى غزّة.. تاريخ التجويع كسلاح حرب

في قلب المجاعة التي تطبق على غزة، لم تعد الصور القادمة من هناك مجرد لقطات إخبارية، بل باتت وثائق دامغة لتاريخ إنساني يتشكل تحت أنقاض الحصار والحرب. أطفال نحيلون حتى التلاشي، وجوههم ذابلة، أضلاعهم بارزة، وعيونهم تسأل عن شيء من الحياة. منذ شهور، كانت المؤشرات واضحة. طعام شحيح، قوافل الإغاثة تقصف، طوابير طويلة بانتظار وجبة لا تكفي، وتحذيرات دولية متكررة من مجاعة وشيكة. واليوم، يحذر التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي من أن غزة تشهد "أسوأ سيناريو للمجاعة"، إذ يعاني عشرات الآلاف من الأطفال من سوء تغذية حاد يهدد حياتهم. ويواجه نحو 500 ألف شخص خطر المجاعة في وقت تستمر فيه إسرائيل في منع دخول المساعدات الغذائية والحيوية إلى القطاع. إسرائيل، في هذا السياق، ترتكب جريمة نادرة من نوعها في القرن الـ21، الذي شهد عددا من المجاعات أغلبها إثر صراعات عسكرية. لا تحتاج إلى إعلان رسمي في الثلاثاء، 29 يوليو/تموز الماضي، حذّرت منصة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي من أن "أسوأ سيناريو للمجاعة يحدث حاليا في غزة"، مرجحة وفيات واسعة النطاق في حال عدم التحرك لاتخاذ إجراءات فورية. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى وجود 10 آلاف حالة سوء تغذية حاد لدى الأطفال منذ يناير/كانون الثاني 2025، بما في ذلك 1600 تتطلب رعاية فورية. ورغم ورود تقارير عن عشرات الوفيات المرتبطة بالجوع منذ ما يقرب من عامين من الحرب والحصار الإسرائيلي على القطاع، لم تعلن المجاعة رسميا. المنصة قالت إن غزة على شفا مجاعة، وتم بلوغ حدين من 3 حدود، و"لا يمكن إثبات المعيار الثالث للمجاعة، وهو الوفيات الناجمة عن سوء التغذية". لكن أليكس دي وال، مؤلف كتاب "المجاعة الجماعية" والمدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي، أكد لوكالة "أسوشيتد برس"، أن ما يحدث في غزة مجاعة. وقال إننا لا نحتاج إلى إعلان رسمي لمعرفة ما نراه في غزة، "يمكننا تفسير أعراض غزة كما يستطيع الطبيب تشخيص حالة المريض بناء على أعراض ظاهرة من دون إرسال عينات إلى المختبر وانتظار النتائج". وربما تكون غزة قد دخلت حدود المجاعة بالفعل، لكن نقص البيانات الدقيقة حول سوء التغذية الحاد والوفيات المرتبطة به نتيجة انهيار الأنظمة الصحية، حال دون الإعلان الرسمي عن المجاعة. مدير الطوارئ في برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، روس سميث، قال "هذه كارثة تتكشف أمام أعيننا، وأمام شاشات التلفزيون لدينا. هذا لا يشبه أي شيء شهدناه في هذا القرن". الهيريرو والناما.. التجويع من أجل الإبادة أدى الحصار العسكري الشامل الذي تفرضه إسرائيل غزة منذ أوائل مارس/آذار الماضي، إلى إدانات واسعة النطاق لإسرائيل، حتى إن منسق الإغاثة في حالات الطوارئ التابع للأمم المتحدة، توم فليتشر، وصف ذلك بـ"الحصار الوحشي"، وقال إن قرار وقف المساعدات الإنسانية "عقاب جماعي قاسٍ". وتكشف مجلة العدالة الجنائية والدولية التابعة لأكاديمية أكسفورد، عن استخدام التجويع كسلاح حرب وعلاقته بالإستراتيجية السياسية والعسكرية. "ماذا يريد الجناة من خلال التجويع؟".. في غزة -كما العديد من المجاعات التي فرضها حصار عسكري- يحاول الجناة من خلال التجويع فرض عقاب جماعي، أو السيطرة على الشعوب وكسر إرادتها أو تهجيرها من أراضيها. لكن الهدف الأول للجناة من خلال التجويع، هو القتل الجماعي. ومع ذلك، لا يشترط أن يموت شعب كامل جوعا لكي يعتبر التجويع إبادة جماعية، ولكن يجب إثبات أن الجاني كان يهدف عمدا إلى القضاء على جزء كبير من السكان. من الأمثلة القليلة، لاستخدام التجويع من أجل الإبادة، مقتل عشرات الآلاف من قبائل الهيريرو والناما في بداية القرن الـ20. وكانت ناميبيا -الواقعة جنوب غرب أفريقيا- تحت حكم ألمانيا الاستعمارية آنذاك. وخلال تلك الفترة، قامت قبائل هيريرو وناما بالثورة ضد الألمان. وبعد قمع التمرد، أجبرت القوات الألمانية، أفراد القبائل على التوجه نحو صحراء كالاهاري القاحلة، إذ أغلقت جميع مصادر المياه في وجههم، وهذا تسبب في موتهم عطشا وجوعا. أما الذين حاولوا الفرار أو النجاة، فتعرضوا لإطلاق النار عليهم ومن بينهم نساء وأطفال. حصار لينينغراد ومن أخطر نماذج التجويع القسري ما حدث خلال الحرب العالمية الثانية، حين حاصرت قوات ألمانيا مدينة لينينغراد، سانت بطرسبرغ حاليا، بين عامي 1941 و1944، في محاولة لعزلها بالكامل عن بقية الاتحاد السوفياتي من دون الحاجة لاحتلالها عسكريا. الحصار استمر لأكثر من 800 يوما، مخلفا نحو مليون قتيل. وخلال تلك الفترة، انقطعت كل طرق الإمداد عن المدينة، باستثناء ممر عبر بحيرة متجمدة يسمى "طريق الحياة"، الذي كثيرا ما كان يتعرض للقصف. وعانى سكان المدينة من جوع شديد بسبب نقص الغذاء وفي شتاء 1941-1942، وازدادت المعاناة بسبب البرد القارس، إذ وصلت درجات الحرارة إلى 38 تحت الصفر، وتوفي كثير من الناس من البرد والجوع. الصومال والسودان ولم يعلن التصنيف المرحلي المتكامل عن مجاعة رسميا إلا نادرا، لأنها تستند إلى معايير صارمة، تشمل نسبة السكان الذين يواجهون نقصا حادا في الغذاء، ومعدلات سوء التغذية الحاد، ومعدل الوفيات اليومي. لكنه أعلن عن مجاعة في الصومال عام 2011، وجنوب السودان عامي 2017 و2020، وأجزاء من إقليم دارفور غرب السودان العام الماضي. وفي عام 2010، ضرب الجفاف منطقة القرن الأفريقي، لكن المجاعة في الصومال لم تحدث فقط بسبب الجفاف، بل ارتبطت أيضا بصراع عسكري بين الحكومة الصومالية وحركة الشباب المسيطرة على الجنوب. ومنعت حركة الشباب دخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي تسيطر عليها، وأصرت على أن توزعها بنفسها، ما أدى إلى تأخير وصول الغذاء إلى المحتاجين، وتفاقم الأزمة، ليصل عدد الوفيات إلى نحو 260 ألف شخص. وفي السودان، أدت الحرب الأهلية المستمرة منذ سنوات إلى إعلان المجاعة رسميا في الجنوب عام 2017 تأثر بها 100 ألف شخص. وساهمت الحرب في تدمير الزراعة وعدم القدرة على شراء الطعام ونزوح الملايين. وفي 2020 تعرضت مناطق في ولاية جونقلي لفيضانات وعنف متزايد بسبب الحرب؛ وهذا زاد من معاناة السكان وأدى إلى تفاقم المجاعة. أما في إقليم دارفور عام 2024، فتفاقمت المجاعة نتيجة الصراع المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ما أدى إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح الملايين. وفي أغسطس/آب، أعلنت الأمم المتحدة تفشي المجاعة في عدد من المخيمات وقدرت الأمم المتحدة أن أكثر من 1.7 مليون نازح في شمال دارفور يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد والجوع.

ذاكرة الجينات.. كيف يبقى أثر المجاعة في الجسد والدماغ أجيالا؟
ذاكرة الجينات.. كيف يبقى أثر المجاعة في الجسد والدماغ أجيالا؟

الجزيرة

timeمنذ 13 ساعات

  • الجزيرة

ذاكرة الجينات.. كيف يبقى أثر المجاعة في الجسد والدماغ أجيالا؟

يمر قطاع غزة حاليا بمجاعة ساحقة وصفت بأنها "الأسوأ" في العالم، لكن الأسوأ من ذلك أنها لا تتوقف، بل تتفاقم بشكل أسّي يوما بعد يوم. يدفعنا ذلك إلى تأمل آثار المجاعة طويلة الأمد على البشر، والواقع أن دراسة شتاء الجوع الهولندي، وهي فترة خلال الحرب العالمية الثانية التي شهدت انخفاضا شديدا للغذاء في هولندا، كانت من أشهر الدلائل على أن المجاعة لا تنتهي بإطعام الجائعين، بل تترك أثرا قد يمتد أجيالا مستقبلا. وجد الباحثون في هذا النطاق، أن الأطفال الذين كانوا في بطون أمهاتهم أثناء المجاعة، عانوا من آثار صحية طويلة الأمد، مثل زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والسكري واضطرابات الصحة النفسية في مراحل لاحقة من الحياة. ذاكرة الجينات ويُعتقد أن هذه التغيرات ناتجة عن تعديلات جينية، حصلت للأم وانتقلت للجنين، استجابةً لسوء التغذية أثناء نموه. ويشير مفهوم "الذاكرة الجينية" إلى إمكانية انتقال التجارب أو السلوكيات أو السمات عبر الأجيال من خلال المادة الوراثية، وبينما يُعتقد تقليديًا أن الذاكرة تجربة فردية مخزنة في الدماغ، اقترح بعض الباحثين أن تجارب خاصة جدا، مثل الجوع الشديد والمرض، قد تترك بصمات بيولوجية تنتقل عبر الأجيال. نعرف أن الجينات هي ببساطة شفيرة الحياة، توجد في الحمض النووي، وكأنه كتاب يحمل توجيهات لتصنيع كل شيء في جسم الكائن الحي، فتجد هنا مجموعة من الجينات المسؤولة عن لون الشعر، وأخرى مسؤولة عن طول الجسم، ويمتد الأمر وصولا إلى أدق التراكيب الخلوية في أجسامنا، وبقية الكائنات الحية. وتشير فكرة ذاكرة الجينات إلى أن جيناتنا قد تحمل علامات ضغوط بيئية (مثل المجاعة أو سوء التغذية) تؤثر على صحة الأجيال القادمة أو سلوكها أو وظائفها الفزيولوجية. التعبير الجيني ولا تعني الذاكرة الجينية أن الذكريات (مثل ذكريات أحداث معينة) تكون مشفّرة مباشرة في الحمض النووي. بل تشير إلى إمكانية تأثير العوامل البيئية على ما يسميه العلماء بعملية "التعبير الجيني"، وأن هذه التغييرات يمكن أن تنتقل عبر الأجيال. ويتم استكشاف هذا الأمر أساسًا من عملية تُعرف باسم علم التخلق. إعلان ويعرف التعبير الجيني بأنه عملية تترجم فيها المعلومات الموجودة في الجينات إلى بروتينات تؤدي وظائف في الجسم. ببساطة، يمكن التفكير في الجينات كخطط أو تعليمات موجودة في الحمض النووي، بينما البروتينات هي الأدوات أو الآلات التي تنفذ هذه الخطط. على سبيل المثال، إذا كان لديك جين مسؤول عن إنتاج الإنزيمات الهاضمة في المعدة، فهذا الجين يُعبِّر عن نفسه عندما تأكل الطعام، فينتج البروتين الخاص بالإنزيمات للمساعدة في الهضم. فوق الجينات في تلك النقطة يتدخل " علم الوراثة فوق الجينية"، ويرصد تغيرات في نشاط الجينات لا تتضمن تعديلات في تسلسل الحمض النووي نفسه، ولكنها تؤثر على كيفية التعبير الجيني. يمكن أن يحدث هذا من آليات مثل "مثيلة الحمض النووي"، وهي عملية إضافة مجموعة كيميائية تسمى الميثيل إلى الحمض النووي، مما يؤدي إلى تغييرات في كيفية تعبير الجينات دون تغيير تسلسلها، حيث يمكن أن تؤثر المِثْيَلَة في تنشيط أو إيقاف الجينات، مما يؤثر على وظائف الخلايا وتطور الكائنات الحية. عندما يعاني الكائن الحي من الجوع أو سوء التغذية فترات طويلة، يتكيف جسمه من خلال تغيرات فوق جينية تساعده على التعامل مع الإجهاد. يمكن أن تشمل هذه التغيرات تغيير المسارات الأيضية، بجعلها مركزة ومختصرة للحفاظ على الطاقة وإعطاء الأولوية للوظائف الأساسية. كما يمكن أن يؤدي الجوع إلى تغيرات في كيفية التعبير عن بعض الجينات المشاركة في تخزين الدهون، وتنظيم الجوع، أو أيض الجلوكوز، وإذا ساعدت هذه التغيرات الكائن الحي على البقاء على قيد الحياة في ظل ظروف قاسية، فقد تنتقل إلى الأبناء. من جانب آخر، يعد الجوع شكلا من أشكال الإجهاد الشديد، ومن ثم قد يؤدي الجوع المزمن إلى تغيرات طويلة الأمد في جينات الاستجابة للإجهاد، مما قد يؤثر على كيفية استجابة الأجيال القادمة للضغوطات البيئية مثل ندرة الغذاء. كما يمكن أن يؤدي الجوع إلى ضعف الجهاز المناعي، مما قد يُغيّر الجينات المسؤولة عن الاستجابات المناعية، ومن ثم فإذا مر الفرد بهذه التجربة، رغم ضعف جهازه المناعي، فقد تنتقل التكيفات الجينية التي مكّنته من التأقلم إلى أبنائه. حتى الدماغ ويجري ذلك على كل شيء، حيث يمكن أن يؤثر الجوع، وخاصةً خلال المراحل المبكرة من الحياة، على نمو الدماغ، بشكل يظهر مستقبلا على المزاج والوظيفة الإدراكية في الأطفال الذين لم يختبروا المجاعة أصلا، ولكنّ آباءهم اختبروها. يظهر ذلك أيضا في تجارب النماذج الحيوانية، حيث أظهر الباحثون أن التوتر الغذائي يمكن أن يؤدي فعلا إلى وراثة التغيرات الجينية عبر الأجيال. على سبيل المثال، أظهرت الفئران التي تعرضت لنظام غذائي محدود أثناء الحمل تغيرات سلوكية في ذريتها، مثل زيادة القلق أو تغير سلوكيات التغذية، والتي ارتبطت بتعديلات جينية في جينات معينة. ويبدو أن هذه التغيرات السلوكية قد وُرثت للجيل التالي، على الرغم من أن الأحفاد لم يتعرضوا لنفس القيود الغذائية. يؤثر على كل شيء بل ويجري الأمر على الآباء والأمهات أنفسهم كما يفترض فريق من العلماء، أجرى تجارب على الفئران في عام 2017، إذ قام باحثون من جامعة سانت ماري في تكساس بتقييد تناول الطعام لدى الفئران البالغة بشكل كبير في ثلاث مناسبات منفصلة خلال حياتها. وفي أول فترتين من المجاعة، فقدت الحيوانات 20% من كتلة أجسامها. وفي فترة المجاعة الثالثة، وهي الأطول، فقدت 30%. وقد وجد الفريق البحثي أن الفئران التي عانت من المجاعة كانت درجة حرارة أجسامها ومستويات سكر الدم لديها أقل مقارنةً بفئران سليمة خضعت لمجموعة التحكم. ويعني ذلك أن التكيفات الفسيولوجية خلال فترات الجوع أثرت على حالة الفئران بعد ذلك، وكأنها جهزتها للمجاعة القادمة، حيث كان جهدها يحتفظ بالدهون المخزنة للحصول على الطاقة، بشكل أفضل. وتشير الدراسة، التي أعلن عنها في الاجتماع السنوي للجمعية الفسيولوجية الأميركية في معرض الأحياء التجريبية 2017 في شيكاغو، إلى أن فترات الجوع الشديد السابقة أثرت على الإستراتيجيات التي اتبعتها الفئران في فترات الجوع التالية. يشير ذلك إلى أن الجوع يتخطى زمن المجاعة، ويترك ندبا تظل مستمرة وذات أثر في حياة الذين عانوا منه، بل وذريتهم المستقبلية.

جامعة بجنوب أفريقيا تطلق مشروعا لحماية وحيد القرن من الصيد الجائر والتهريب
جامعة بجنوب أفريقيا تطلق مشروعا لحماية وحيد القرن من الصيد الجائر والتهريب

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

جامعة بجنوب أفريقيا تطلق مشروعا لحماية وحيد القرن من الصيد الجائر والتهريب

بدأت جامعة ويتواترسراند في جنوب أفريقيا تنفيذ مشروع علمي جديد يهدف إلى حقن قرون وحيد القرن بمواد مشعة غير ضارة تمكّن من رصده عبر أنظمة الأمن النووي في المطارات والمعابر الدولية، وذلك من أجل حمايته من الصيد الجائر والمتاجرة بقرونه. المبادرة التي تحمل اسم "مشروع ريزوتوب" هي ثمرة للتعاون بين جامعة ويتواترسراند ومسؤولين في مجال الحفاظ على البيئة وخبراء في قطاع الطاقة النووية. وقال باحثون في وحدة الإشعاع والفيزياء الصحية في الجامعة إن الاختبارات التي أجريت في الدراسة التجريبية أكدت أن المادة المشعة لم تكن ضارة بوحيد القرن ولا تشكل خطرا على حياته، وستمكّن من حمايته من الصيادين والمهربين. وكانت اختبارات سابقة قد أجريت في العام الماضي على 20 وحيد قرن، قد أثبتت سلامة المواد المشعة، وكشفت عن فعالية الحقن النووي في الكشف عن القرون داخل حاويات الشحن العميقة. وقال البروفيسور جيمس لاركن، كبير العلماء في المشروع، إن هذه العملية آمنة تمامًا للحيوانات، وفعالة في جعل القرون قابلة للرصد بواسطة أنظمة الأمن النووي المستخدمة من طرف الجمارك وقوات الأمن. وتأمل الجامعة أن تساهم هذه الخطوة في ردع المهربين من خلال جعل نقل قرون وحيد القرن محفوفا بمخاطر الكشف والملاحقة القانونية، الأمر الذي سيساعد في المحافظة على هذه الحيوانات التي باتت مهددة بالتناقص. ودعت الجامعة مالكي المحميات الخاصة والجهات الوطنية المعنية بالحفاظ على البيئة إلى المشاركة في المشروع، وحقن قرون الحيوانات تحت رعايتهم من أجل إنقاذها من مخاطر الانقراض. وتأتي هذه الخطوة في وقت تعاني جنوب أفريقيا التي يوجد فيها أكبر عدد من حيوانات وحيد القرن في العالم (16 ألف حيوان) من تزايد حالات القتل والصيد الجائر بمعدل 500 حالة سنويا بغرض الاتجار بالقرون.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store