
مسؤول: الصين قدمت "بيانات لحظية" لباكستان في صراعها مع الهند
واستخدم البلدان المسلحان نووياً صواريخ وطائرات مسيرة ونيران المدفعية خلال القتال الذي استمر 4 أيام، وهو الأسوأ بينهما منذ عشرات الأعوام.
واندلع الصراع الأخير بعد هجوم على سياح هندوس في الجزء الخاضع لسيطرة الهند بإقليم كشمير في أبريل الماضي، وألقت نيودلهي باللوم فيه على إسلام أباد، قبل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة أميركية في العاشر من الشهر نفسه.
ونفت باكستان ضلوعها في الهجوم على السياح.
وقال اللفتنانت جنرال راهول سينج خلال فعالية لصناعة الدفاع في نيودلهي، إن الهند خاضت حرباً ضد خصمين خلال الصراع، مع باكستان "بشكل مباشر" بينما قدمت الصين "كل أنواع الدعم الممكنة".
ولم يوضح سينج كيف علمت الهند بشأن المعلومات التي قدمتها الصين.
وذكرت الهند في وقت سابق أنه على الرغم من العلاقة الوثيقة التي تربط باكستان والصين، إلا أنه لم تكن هناك أي مؤشرات بشأن تقديم أي مساعدة فعلية من بكين خلال الصراع.
ونفى مسؤولون باكستانيون في السابق مزاعم تلقي دعم نشط من الصين في الصراع، لكنهم احجموا عن التعليق حول ما إذا كانت بكين قدمت أي مساعدة بالأقمار الاصطناعية والرادار أثناء القتال.
وانطلقت شرارة التوترات الأخيرة في 22 أبريل، عندما استهدفت عبوة ناسفة حافلة سياحية بمنطقة باهالجام، في كشمير الخاضعة للسيطرة الهندية، ما أدى إلى سقوط 26 مدنياً، بينهم 25 هندياً، وسائح من نيبال.
واتهمت السلطات الهندية تنظيم "جبهة المقاومة الإسلامية"، المرتبط بجماعة "لشكر طيبة" الباكستانية، بالمسؤولية عن الهجوم، مشيرة إلى ضلوع عنصر سابق في القوات الخاصة الباكستانية يُدعى هاشم موسى.
وردّت نيودلهي بعد نحو أسبوعين بعملية عسكرية واسعة النطاق حملت اسم "السيندور"، استهدفت خلالها 9 مواقع قالت إنها تُستخدم كمراكز قيادة وتدريب لمسلحين داخل الأراضي الباكستانية وفي كشمير.
وبادرت إسلام أباد إلى تنفيذ عملية مضادة باسم "البنيان المرصوص"، طالت منشآت عسكرية هندية في لاداخ والبنجاب، وتبادل الجانبان إطلاق الصواريخ واستخدام المسيّرات، ما أدى إلى سقوط عدد من الضحايا المدنيين.
وجاء وقف إطلاق النار بعد جهود وساطة دولية مكثفة، قادتها الولايات المتحدة، وشاركت فيها السعودية عبر تحرك دبلوماسي مباشر شمل إسلام أباد ونيودلهي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 6 ساعات
- الرياض
وزيرا خارجية أستراليا والصين يبحثان العلاقات الثنائية
التقت وزيرة الخارجية الأسترالية بيني وونغ اليوم وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش اجتماعات وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) المنعقدة في ماليزيا. وجرى خلال اللقاء بحث العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها في مختلف المجالات، بالإضافة إلى مناقشة الموضوعات ذات الاهتمام المشترك.


الشرق الأوسط
منذ 7 ساعات
- الشرق الأوسط
القيادة العالمية وزمن «الباكسا الصينية»
هل يعاني عالمنا المعاصر أزمة حقيقية في القيادات العالمية؟ ما أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترمب، عن نيته فرض رسوم جمركية تصل إلى 10 في المائة على الدول المنتمية لمنظمة «البريكس» بعد قمتها الأخيرة في البرازيل الأيام القليلة الفائتة، يجعلنا نتساءل: هل قيادة عالمنا المعاصر تجري برسم التعاون من أجل استنقاذ البشرية، أم التناحر إمعاناً في هلاكها - لا قدر الله؟ هذا التساؤل يضعنا في حقيقة الأمر أمام أزمة «الباكسا أميركانا»، بنوع خاص، أو زمن السلام الأميركي، والذي لطالما تحدثنا عنه، وكتبنا بشأنه، منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، وانفراد الولايات المتحدة بقطبية المسكونة وساكنيها. في حاضرات أيامنا هناك من يتساءل هل هناك «باكسا صينية»، أي هل يمكن أن يعرف العالم زمناً تبسط فيه الصين نفوذها على الكرة الأرضية، لا سيما بعد أن بدا السلام الأميركي يتوارى، مخفقاً في خلق يوتوبيا أرضية جديدة، وهو ما يقطع به الكثير من المراقبين لواقعية السياسة الخارجية الأميركية، في زمن الرئيس ترمب، حيث أميركا أولاً وأخيراً؟ لم يعد خافياً على أحد أن الرئيس الصيني شي جينبينغ، يطمح قولاً وفعلاً إلى إعادة هيكلة العالم، فهو يريد تفكيك شبكة تحالفات واشنطن وتطهير الهيئات الدولية مما يصفه بالقيم الغربية، ويرغب في إطاحة الدولار الأميركي وإسقاطه من عليائه، عطفاً على تقليص سيطرة واشنطن الخانقة على التكنولوجيا الحيوية. لا يبدو المشهد مغايراً أو مختلفاً عن سعي الأقطاب الصاعدة كافة عبر التاريخ، وهو ما فعلته أميركا عينها، بعد الحرب العالمية الثانية، حين أزاحت بريطانيا عن القمة في العالم القديم. شي جينبينغ، وبما يتوافر له من مقدرات، يتطلع لنظام عالمي جديد، أو «باكسا صينية»، ترتكز فيها المؤسسات العالمية على المفاهيم الكونفوشيوسية الصينية، لا الأرسطية الغربية، والتي يظهر منها بنوع خاص على سطح الأحداث، الأمن المشترك، والتنمية الاقتصادية، والمبادئ الصينية حول الحقوق والسياسات التي ترسمها الدولة، بالإضافة إلى التكنولوجيا الصينية، وباختصار، لن تضطر الصين بعد الآن إلى النضال من أجل الزعامة، بل ستضمن دوراً عالمياً محورياً، لاستعلان زمن قطبيتها المنفردة بدورها. يبدو مصطلح «الباكسا الصينية» في واقع الأمر، عنواناً يكاد يطلقه الرئيس الصيني، حيث يرى بلاده دولة واثقة من نفسها، منفتحة وشاملة، أنشأت أكبر منصة للتعاون الدولي في العالم (البريكس)، ومهدت الطريق أمام إصلاح النظام الدولي. والشاهد، أن مفهوم الصين للنظام العالمي الجديد، يضع في الحسبان مجتمعاً ذا مستقبل مشترك للبشرية، يقوم على أربع ركائز: «مبادرة الحزام والطريق»، «مبادرة التنمية العالمية»، «مبادرة الأمن العالمي»، و«مبادرة الحضارة العالمية». لكن، هل يصدق العالم الصين ورؤيتها لزمن سلامها الأممي بديلاً عن الأميركي؟ الثابت، أنه رغم المسافات والمساقات الجديدة التي تقتطعها الصين من حيز النفوذ الأميركي، فإنها تبدو بعيدة عن مقدرات القيادة العالمية. في الواقع يقيم عدد كبير من جيران الصين علاقات أوثق مع واشنطن، بل إن روسيا - بوتين، بدورها، تتطلع إلى تهدئة ولو مرحلية مع واشنطن - ترمب، على أمل حلول أزمنة الوفاق مرة جديدة. لا يبدو الاقتصاد الصيني كاسحاً، والكثير من خطط الصين الاقتصادية تفشل أو تأتي بنتائج عكسية. وفيما يبدو الرئيس الصيني راضياً عن أسلوب دبلوماسية الذئب المحارب، القائمة على المواجهة، فإن هذا النهج لم يكسب سوى عدد قليل من الأصدقاء على الساحة الدولية. لا يعني القصور الصيني، أن هناك مستقبلاً لـ«الباكسا أميركانا»، والتي تحتاج إلى معالجة التدهور الواضح الذي تواجهه سياساتها الخارجية، من جراء رؤى انعزالية، تميل إلى القطع بأن صناعتها وشعبها في حاجة إلى الحماية والمساعدة من خلال التعريفات القاسية على بقية شعوب العالم، وقطع المساعدات الدولية، والانسحاب من الاتفاقيات المناخية، ولو أدى ذلك إلى انفجار إيكولوجي يذهب بالكوكب الأزرق. من حيث القوة العسكرية، تمضي واشنطن في طريق موازنة تريليونية للبنتاغون، وعلى صعيد العلوم والتكنولوجيا هناك تسع من أكبر عشر شركات تكنولوجية حول العالم أميركية، وسياسياً لا تزال مالئة الدنيا وشاغلة الناس. لكن، ماذا عن قوة أميركا الناعمة ونموذجها في أعين شعوب العالم؟ وهل الأخلاق لا تزال تهم كما تساءل حكيم أميركا الراحل مؤخراً جوزيف ناي رجل القوة الناعمة؟ يؤمن سيد البيت الأبيض بأنه من الأفضل أن يكون مرهوباً عن أن يكون محبوباً... تلميذ نجيب لمكيافيللي... لكن ذلك لا يصنع قادة عالميين، ولا يبسط «باكسا أميركية».


الشرق الأوسط
منذ 7 ساعات
- الشرق الأوسط
بنك أمستردام في لندن: كيف استنسخت بريطانيا معجزة هولندا؟
أطلقت هولندا الثورة الليبرالية بصيغتها الحديثة: تجارة حرة، واختراعات جديدة، وحرية التنقل. تسامح ديني، وفلاسفة لا يخشون أن تُقطع رؤوسهم بتهمة الهرطقة. مدن حقيقية، لا ريفية. رواد أعمال وفنانون ورجال تجارة يمتزجون ويشكلون ملامح العصر الحديث. انتقلت بعد ذلك العدوى إلى بريطانيا. لكن السؤال: لماذا وجدت الأفكار الليبرالية موطئ قدم لها في الجزيرة الإنجليزية؟ الطريق لم يكن سهلاً، كما يوضح الكاتب فريد زكريا في كتابه «عصر الثورات». رغم أن البلدين ينتميان إلى الطائفة البروتستانتية، فإنهما كانا متنافسين. دخلت أساطيلهما البحرية في صراعات للسيطرة على التجارة وخطوط الملاحة. كان الإنجليز يكرهون أن تلعب هولندا دور القطب العالمي للتجارة الدولية. ورغم أن «شركة الهند الشرقية البريطانية» تأسست عام 1600، قبل «شركة الهند الشرقية الهولندية» التي تأسست عام 1602، فإن الأخيرة توسعت سريعاً، وازدادت قوتها في وقت قصير. حكم الرومان الجزيرة البريطانية، ولكن بقبضة مرتخية. وعندما انهارت الإمبراطورية الرومانية، كانت بريطانيا من أولى المناطق التي خرجت عن سيطرتها. لم تترسخ فيها البنى الإمبراطورية؛ ما منحها فرصة لتعيش في أجواء من الحرية الفوضوية. كانت مشابهة لهولندا وتملك نفس المواصفات التي ساعدتها على التغيير: برلمان، وجماعات متنافسة، وقوى سياسية متعددة. بريطانيا في العصور الوسطى امتلكت حكومات محلية مستقلة. تمرد البارونات عام 1215 حدَّ من سلطة الملك جون لاكلاند، وأُقرت «وثيقة الماغنا كارتا». بقيت الملكية، لكنها راعت وجود قوى أخرى: النبلاء، والتجار، ورجال الدين. وكان على الملك أخذ رأيهم في القضايا الأساسية، مثل فرض الضرائب والتشريعات. الملك هنري الثامن قرر الانفصال عن الكنيسة الكاثوليكية بسبب خلاف حول زواجه. رفض البابا طلاقه؛ فقطع علاقته مع الفاتيكان. هذا الانفصال منح الملكية قوة غير مسبوقة؛ إذ وضعت يدها على ممتلكات الكنيسة من أراضٍ وأموال وأوقاف. لكنه أضعفها من جانب آخر؛ إذ خلق معارضة من الداخل. غياب الكنيسة الكاثوليكية أفسح المجال للإصلاح البروتستانتي الذي شجّع الأصوات المطالبة بمساءلة السلطة لا الخضوع لها. الملك تشارلز الأول لم تعجبه طريقة الحكم الإنجليزية القائمة على تشارك السلطة. لم ترُق له التسويات والتنازلات للنبلاء، وفضّل الطريقة الفرنسية في الحكم المطلق. لم تمضِ خطته كما رسم لها؛ دخل في صراعات مع البرلمان، وفي عام 1642 اندلعت الحرب الأهلية، وراح ضحيتها نحو 150 ألف شخص. انتهت بإعدامه عام 1649، وأُلغيت الملكية وأُعلنت الجمهورية. لكن الاحتفالات بالنصر وولادة الجمهورية لم تدم طويلاً. أولئك الذين اعتقدوا أنها بداية لحكم إنساني كانوا مخطئين. دخلت إنجلترا في فوضى، وظهرت نزعات قمعية غير ليبرالية. أبرزها الحركات التطهرية المتشددة (البيوريتانيون) التي شنت حروباً على الغناء والرقص والاحتفالات. الفنون، في نظرهم، خطيئة. حتى أعياد الميلاد عُدّت طقوساً وثنية. ومع تصاعد هذا الضغط، انفجرت الثورة المجيدة عام 1688. الثورة المجيدة الليبرالية كانت لحظة فاصلة. أطاحت بالملك جيمس الثاني. كان ملكاً كاثوليكياً مثيراً للجدل. أراد إخضاع البرلمان، وعندما فشل، وواجه معارضة شديدة، قرر البرلمان دعوة ويليام أوف أورانج، الحاكم الهولندي المتزوج من ماري ابنة جيمس الثاني، لتولي العرش. هذه الخطوة غيّرت مجرى التاريخ الإنجليزي. جلب ويليام معه أفكاراً ومؤسسات هولندية في التجارة والسياسة. الهولنديون والإنجليز لم يكونوا أصدقاء. خاضوا ثلاث حروب كبرى بين 1652 و1674. فرضوا تعريفات مرتفعة على بعضهم، وتنافسوا في الأسواق الأوروبية والآسيوية. لكنهم اتفقوا على عداء الملك لويس الرابع عشر الفرنسي الذي تحالف مع جيمس الثاني. ولهذا تحالفوا للإطاحة به، وقاموا بمغامرة تتويج الحاكم الهولندي. التف حوله التجار، ورجال الدين البروتستانت، والنبلاء، والساسة. الملك الهولندي – الذي أصبح ملكاً إنجليزياً – مُنح السلطة من البرلمان، ولأول مرة في التاريخ أصبحت سلطات الملك محدودة ودستورية. لم تكن مطلقة على الطريقة الفرنسية، ولا مدعومة بنظرية «الحق الإلهي». كانت نسخة محسّنة من النموذج الهولندي: تأخذ من الملكية قيادتها واستقرارها، ومن القوى المتنافسة مرونتها وقدرتها على المراقبة والمساءلة. لم تكن ديمقراطية، لكنها لم تكن سلطوية. ويليام الذي عُرف بدهائه استطاع أن يضع حداً للصراعات الدينية والسياسية بعد أن استقرت الأمور. وللمرة الأولى تنفست إنجلترا هواءً نقياً، بعد عقود من المؤامرات والصدامات. لم تعد الأولوية للتطرف السياسي أو الديني، بل لنجاح إنجلترا الاقتصادي. ووجد التجار في هذا المشروع مصلحتهم؛ فدعموا الدولة الجديدة. رغم الخلافات بين المحافظين والليبراليين، اتفقوا على أن مستقبل البلاد يعتمد على دعم هذا الشكل من الدولة. صدر قانون التسامح الديني عام 1689، فأقر الحرية والتعددية الدينية، وسمح للكنائس «المهرطقة» بالازدهار. تراجعت ملاحقة الساحرات، وأُزيح الدين عن كونه أداة تقسيم، وخرجت إنجلترا من فوضى الصراعات الطائفية. عاد المفكر جون لوك من منفاه في هولندا، بعدما أصبحت إنجلترا ترحب بالأفكار الجديدة. رسّخ الاستقرار السياسي هوية قومية صلبة، وشجّع الهجرة من أمستردام إلى لندن. رجال المال افتتحوا مشاريع في البلد المستقر الجديد. رجال الدولة المقربون من ويليام رافقوه ونصحوه في السياسة والاقتصاد. الطائفة البروتستانتية الفرنسية المضطهدة؛ الهوغونوت التي لجأت أولاً إلى هولندا، هاجرت إلى إنجلترا، حاملين معهم ثرواتهم ومهاراتهم في صناعة الزجاج والمنسوجات والساعات. طبقة ماهرة ومتعلمة خسرتها فرنسا وكسبتها إنجلترا. أُسّس بنك إنجلترا على غرار بنك أمستردام، وكانت 15 في المائة من ودائعه تعود للهوغونوت. يقول فريد زكريا إن ثورة 1688 حققت ثلاثة أشياء: أولاً، دمجت الإمبراطوريتين الهولندية والإنجليزية في التجارة والأسطول البحري. ثانياً، هدّأت من الصراع الحزبي بين المحافظين والليبراليين. ثالثاً، كرّست النموذج الهولندي المنفتح على حساب النموذج الفرنسي المغلق. ولم يمضِ وقت طويل حتى تجاوز البريطانيون الهولنديين. في مطلع القرن الثامن عشر، ومع انطلاق الثورة الصناعية، تسلّمت لندن زمام القيادة في التجارة والصناعة، في حين تقوقعت أمستردام على أمجادها. يُفرّق المؤرخون الاقتصاديون بين لحظتين فاصلتين في التاريخ الاقتصادي: الانفصال الصغير الذي قادته هولندا في القرن السادس عشر، وأسّس لاقتصاد السوق الحديث. والانفصال الكبير الذي قادته إنجلترا لاحقاً، فصارت قوة صناعية وتجارية عالمية. أخذت إنجلترا الابتكارات الهولندية – مثل البورصة والبنوك والملاحة – وعمّمتها على نطاق عالمي. الثورة المجيدة كانت لحظة الخروج من العصر الوسيط، وظهور هرمية جديدة لا تستند إلى النسب أو الدين، بل إلى الثروة والمكانة. صار الجنيه الإسترليني أهم من الأصل النبيل والانتماء الطائفي. أسهمت اللغة الإنجليزية في دفع هذه التجربة إلى مستوى أعلى، خصوصاً بعد الاتحاد مع اسكوتلندا عام 1707. أصبحت وسيلة للانصهار القومي، وأداة تجارية حملها البريطانيون إلى مستعمراتهم. جمعت اللغة والمشروع الإمبراطوري بين سكان المملكة في هوية مشتركة. وهكذا تحولت «بريطانيا الصغيرة» إلى «بريطانيا العظمى». مع زيادة الدخل وصعود الاقتصاد، ازدادت قوة الدولة. ارتفع دخل الأفراد لا النخب فقط، وازدادت عوائد الضرائب. الدولة المقسّمة والفقيرة تحولت إلى دولة ثرية وقوية. أصبح العمال البريطانيون يكسبون أكثر من نظرائهم الأوروبيين، وأكثر بكثير من نظرائهم في آسيا وأفريقيا. ومع التجارة الحرة، زادت وفرة المنتجات، وارتفع الاستهلاك. صار المواطن الإنجليزي الذي لم يكن يملك وقتاً أو مالاً للإفطار، يشرب الشاي من الصين والسكر من الكاريبي. ازدهرت النزعة الاستهلاكية، وصارت الدولة تجمع 60 إلى 80 في المائة من ضرائبها من سلع مثل الشاي والقهوة والسكر والتبغ. منتجات لم تكن متاحة سوى للأثرياء أصبحت في متناول الجميع. ماذا فعلت الدولة الصاعدة بهذه الأموال المتدفقة؟ استثمرتها في بناء الأسطول الملكي البريطاني الذي وسّع نفوذها حول العالم. السفن البريطانية الضخمة والمتقدمة تقنياً، لم يكن لها مثيل، وبدأ معها عصر الصناعات العسكرية الثقيلة. المال والتقنية جعلا الأسطول البريطاني بلا منافس، وأكبر من مجموع كل أساطيل العالم الأخرى. استُخدم في الحروب، لكنه خُصص أساساً لحماية طرق التجارة وملاحقة القراصنة، ومن هناك بدأت بذور العولمة. استعارت إنجلترا التجربة الهولندية وطوّرتها. استمدت منها بذور الليبرالية الفكرية والاقتصادية. توّجت الملك الهولندي على عرشها، وعدّت الملكية ركيزة للاستقرار ومصدراً للشرعية. التغيّرات العميقة، كما يقول الكاتب، أتت من الأسفل وليس الأعلى، ومن داخل المجتمع وليس خارجه. ماذا يحدث عندما تأتي التغيّرات من الأعلى وبالقوة والإكراه؟ هذا ما كانت عليه الثورة الفرنسية، وهو موضوع المقال القادم.