
استراتيجية التجويع في غزّة... الأزمة الإنسانية بين القانون الدولي والإغاثة المخصخصة
التجويع سلاحَ حرب
تبعاً للقلق العالمي الذي رافق الآثار المدمّرة للحروب، يحظر القانون الدولي الإنساني حظراً باتاً استخدام التجويع أداةً في الحروب، ويشترط حماية وصول المدنيين إلى الغذاء والماء والمساعدات الإنسانية. تصبح هذه الواجبات القانونية أشدّ صرامةً في حالات الاحتلال أو الحصار، حين يكون المدنيون على نحو خاصّ أكثر عرضة للحرمان.
يجبر المدنيون للوصول إلى مواقع توزيع الغذاء لمؤسسة غزّة الإنسانية على دخول مناطق طُلب منهم سابقاً إخلاؤها
في أوقات الصراعات المسلّحة، يستدعي القانون الدولي الإنساني حماية المدنيين وتوفير الإغاثة. ثمّة أحكامٌ رئيسةٌ فيه كذلك تضمن ألا يُحرَم المدنيون من الغذاء أو الوصول إليه. على سبيل المثال، تحظر المادة 53 استخدام التجويع أداة حرب، إذ يستتيع ذلك التعمّد. حجب الغذاء والماء في أثناء فترات الحصار، تدمير المواد الغذائية والإمدادات، وتعطيل إنتاج وتوزيع الغذاء عمداً... كلّها تقع تحت نطاق التعمّد. المادّة 54 أيضاً، تحمي الأصول الضرورية من أجل البقاء، بما في ذلك المزارع، والمياه، والبنى التحتية، ومرافق الغذاء. المادة 55، زيادة على ذلك، تفرض على الأطراف المنخرطة في الحرب تسهيل الوصول السريع إلى المساعدات الإنسانية للمدنيين، ومن دون عوائق. تلك القواعد، المعترف بها من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تنطبق على جميع النزاعات المسلّحة، بما في ذلك غير الدولية منها، وهي ملزمة لجميع الأطراف. وإسرائيل، بصفتها طرفاً في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، مُلزمة بهذه القواعد. وبموجب اتفاقية جنيف الرابعة، تُلزم إسرائيل كذلك بضمان توفير الإمدادات الأساسية للسكّان المدنيين الخاضعين لسيطرتها أو احتلالها. كما تُلزمها تلك الاتفاقية بضمان توفير الإمدادات الغذائية والطبّية للسكّان، وتوريد المواد الضرورية في حال عدم كفاية المصادر المحلّية. وفي حال نقص الإمدادات الكافية لسكّان الأراضي المحتلة، فلِزامٌ على إسرائيل، بوصفها قوة احتلال، الموافقة على برامج الإغاثة الإنسانية وتسهيلها بجميع الوسائل المتاحة.
بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من أن إسرائيل ليست طرفاً في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، تظلّ لهذه المحكمة ولاية قضائية على قطاع غزّة والضفة الغربية والقدس بعد انضمام فلسطين إليها في عام 2015. وبموجب المادة 8 من نظام روما الأساسي، فإن استخدام تجويع المدنيين عمداً أسلوباً من أساليب الحرب، بما في ذلك حرمانهم من الأشياء التي لا غنى عنها لبقائهم، أو عرقلة إمدادات الإغاثة عمداً، يُعرّف صراحةً على أنه جريمة حرب. يجرّم نظام روما أيضاً ممارسات عديدة، بما في ذلك القتل العمد، والقتل العمد الذي يتسبّب في معاناة شديدة أو إصابة خطيرة للجسم أو الصحّة، واستغلال المدنيين لتحصين مناطق معيّنة محصّنة من العمليات العسكرية (دروعاً بشريةً مثلاً). من هنا، فإن الطبيعة المُتعمَّدة والمنهجية للأفعال التي ترتكبها إسرائيل قد تدعم تصنيفها جرائم ضدّ الإنسانية بموجب المادة 7 من نظام روما، بما في ذلك الإبادة، والاضطهاد، وسواها من الأعمال اللاإنسانية التي تسبّب معاناة شديدة أو إصابات جسيمة. يتأسّس نظام روما الأساسي (ويتفرّع من) على نظام "الانتهاكات الجسيمة" لاتفاقيات جنيف، كما هو موضّح في المادة 147 من اتفاقيته الرابعة. وبالإضافة إلى ما ينتج من ذلك من مسؤولية جنائية، فإن هذه الانتهاكات تُفعّل أيضاً مبدأ الولاية القضائية العالمية، والذي يُلزم أيّ دولة طرف في اتفاقيات جنيف بالبحث عن (وملاحقة)، أو تسليم الأفراد المشتبه في ارتكابهم لهذه الجرائم، بغضّ النظر عن جنسيتهم أو مكان وقوع الجريمة.
في ديسمبر/ كانون الأول 2019، فتح مكتب المدّعي العام للمحكمة الجنائيّة، رسميّاً، تحقيقاً رسميّاً بخصوص جرائم حرب مدّعاة أو جرائم ضدّ الإنسانية اقترفت في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ وفي نوفمبر/ كانون الثاني 2024، أصدرت مذكّرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت، بتهم استخدام المجاعة أداة في الحرب، والقتل العمد للمدنيين. بحلول فبراير/ شباط 2025، أكّدت التحقيقات في شأن فلسطين تتواصل على وجه السرعة، وأن مذكّرات الاعتقال لا تزال سارية. أخذاً بمبدأ الولاية القضائية العالمية، كلّ الدول الأعضاء، بما في ذلك معظم الدول الأوروبية، ملزمة قانوناً بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية. يشمل هذا تنفيذ أوامر اعتقال، وضمان ألا يجد الأفراد المشتبه بهم في ارتكاب جرائم دولية منتجعاً آمناً أو حصانة.
أثارت عمليات مؤسّسة غزّة الإنسانية مخاوف جدية، وتتهمها أكثر من 170 منظّمة غير حكومية بأنها تعمل بما يخالف القانون الدولي الإنساني
خصخصة الإغاثة: أزمة في حيادية العمل الإنساني
في مايو/ أيار الماضي (2025)، وفي ظلّ حصار كامل على دخول المساعدات إلى غزّة، جرى إطلاق "مؤسّسة غزّة الإنسانية" بديلاً من جهود الإغاثة الإنسانية التقليدية، وبمزاعم أنها تقدّم الغذاء "بأمان وبشكل مباشر". يقع المقرّ الرئيس للمؤسّسة في ولاية ديلاوير الأميركية، وكان لها فرع في سويسرا حُلَّ لاحقاً لأسباب إدارية، منها الفشل في الامتثال لمعايير الشفافية وعدم الالتزام باللوائح التنظيمية السويسرية. يتولّى إدارة المؤسّسة حالياً المدير التنفيذي المؤقّت جون أكري، خلفاً لجيك وود الذي استقال من منصبه، بسبب ما وصفه بعدم قدرة المؤسّسة على الالتزام بمبادئ القانون الدولي الإنساني، متمثّلة في الحياد، وعدم التحيّز، والاستقلالية. بموجب القانون الدولي الإنساني، يجب أن يلتزم العمل الإنساني التزاماً صارماً بهذه المبادئ كما صكّت في المادة 60 من الاتفاقية الرابعة من اتفاقيات جنيف، التي تنصّ على ضرورة استخدام الإغاثة لأغراض إنسانية خالصة، وتحظر استخدامها لأيّ أهداف سياسية أو عسكرية أو تجارية. كذلك، تفترض المادة المشتركة الثالثة، والبروتوكول الإضافي الأول - المادة 70، وكلاهما يمثّل القانون الدولي العرفي، أن تُقدَّم الإغاثة الإنسانية من جهات محايدة ومستقلة، تحظى بقبول جميع أطراف النزاع.
أثارت عمليات مؤسّسة غزّة الإنسانية تلك مخاوف جدية، إذ تتهمها أكثر من 170 منظّمة غير حكومية بأنها تعمل بما يخالف القانون الدولي الإنساني، وتطالب بإغلاقها. اليوم، وبدلاً من 400 نقطة توزيع مساعدات غير عسكرية كانت تشرف عليها الأمم المتحدة، تشغّل مؤسّسة غزّة الإنسانية أربع نقاط توزيع محصّنة، مزوّدة بنقاط تفتيش بيومترية، تقع في مناطق نزاع نشطة، وتخدم نحو مليوني فلسطيني في جنوب غزّة، بعيداً عن أماكن وجود نازحين عديدين. هذا النقاط، الموصوفة بأنها "مصائد موت"، مؤمّنة بقوات مسلّحة تفيد تقارير عن استخدامها الرصاص، والقنابل الصوتية، ورذاذ الفلفل. تقع مواقع توزيع الغذاء التابعة للمؤسّسة في مناطق الإخلاء، ما يعني أن المدنيين الباحثين عن الطعام يُجبرون على الدخول إلى مناطق طُلب منهم سابقاً مغادرتها. بوصفها أُنشئت لتجاوز قنوات الأمم المتحدة الإنسانية المستقلة وخبرائها، تعمد تلك المؤسّسة إلى إجبار المدنيين على قطع مسافات طويلة من أجل الوصول إلى المساعدات، غالباً عبر مناطق خطرة، ما يُقصي الفئات الضعيفة من استحقاق الإغاثة. وبين نهاية مايو/ أيار حتى أواخر يوليو/ تموز، قُتل أكثر من ألف فلسطيني على يد قوات الأمن الإسرائيلية، كما تفيد تقارير، في أثناء محاولتهم الوصول إلى مواقع توزيع الغذاء التابعة للمؤسسة، وكثيرون آخرون أصيبوا. هذا القتل وقع أيضاً داخل مواقع تخضع لحراسة أمنية من قِبل المؤسّسة نفسها، إلا أن المؤسّسة تصرّ على أنها غير مسؤولة عن أي حالات وفاة تقع خارج حدود منشآتها.
يشغّل مؤسّسة غزّة الإنسانية، خارج آليات التنسيق الإنساني المقرّرة، التقاء الخدمات اللوجستية العسكرية والتمويل الخاصّ بدلاً من المبادئ الإنسانية
بدعم وترويج من إسرائيل والولايات المتحدة، تعتمد مؤسّسة غزّة الإنسانية على شركات أمنية ولوجستية خاصّة لإيصال المساعدات إلى داخل قطاع غزّة. تفيد التقارير بأن من بين هذه الشركات UG Solutions وSafe Reach Solutions، وقد تأسّست الأخيرة على يد فيليب ف. رايلي، وهو ضابط سابق في الوحدات شبه العسكرية التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وقد عمل أيضاً في شركة Constellis - الشركة الأمّ لشركة بلاك ووتر العسكرية الخاصة. حتى الآن، لم تكشف مؤسّسة غزّة الإنسانية قائمة الجهات المانحة لها، ولم تفصح عن تقاريرها المالية، كما رفضت الإفصاح عن الحكومة التي قدّمت لها مائة مليون دولار تمويلاً أساسيّاً، رغم أن تقارير تفيد بأن التمويل مصدره الحكومة الإسرائيلية نفسها. أعلنت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في شهر يوليو الماضي، بعد وقوع مئات القتلى المبلّغ عنهم، أنها ستتبرّع بمبلغ 30 مليون دولار للمؤسّسة، وقد أُصدر هذا الدعم من دون مراجعات محاسبية معتادة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) أو التحقّق من الجهات المرتبطة بالإرهاب. وبالإضافة إلى توزيع الغذاء، تعمل المؤسّسة على مشروع بمليارات الدولارات لإنشاء "مخيّمات عبور" داخل غزّة وخارجها، تسوّقها تحت مسمّى "مناطق عبور إنسانية". وتشير تقارير إلى أن ثمّة مصالح استثمارية من القطاع الخاص متورّطة مالياً في عمليات المؤسّسة، ما يثير تساؤلاتٍ جدّية بشأن الدوافع التجارية الكامنة وراء عملية إيصال المساعدات. تمثّل هذه المحاذير تهديداً بتحويل الإغاثة الإنسانية إلى خدمة انتقائية مسيّسة بدلاً من أن تكون التزاماً قانونياً عالمياً قائماً على المبادئ الإنسانية؛ وكما أشارت المقرّرة الخاصّة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في فلسطين، فرانشيسكا ألبانيز، فإن "الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل مستمرّة... لأنها تدرّ الأرباح لكثيرين".
على ذلك، مؤسّسة غزّة الإنسانية كيان خاص مُسجَّل محلّياً، لا يتمتّع بأيّ صفة قانونية دولية، ولا يخضع لأيّ تفويض بموجب أيّ معاهدة. وعلى عكس الجهات الفاعلة الإنسانية التقليدية، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر، تعمل هذه المؤسّسة خارج آليات التنسيق الإنساني المقرّرة، ويشغّلها التقاء الخدمات اللوجستية العسكرية والتمويل الخاصّ، بدلاً من المبادئ الإنسانية. هذا الحضور لشركات الأمن والخدمات اللوجستية الخاصّة، بما فيها تلك التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بالأجهزة العسكرية والاستخباراتية، يُرسي "منطقاً ربحياً يُعطي الأولوية للأمن" في بيئة يقتضيها القانون الدولي الإنساني غير معسكرة ومستقلّةً.
ومع هذا، ليست "مؤسّسة غزّة الإنسانية" محصّنة عن القانون؛ إذ يفيد مبدأ التواطؤ المؤسّسي بأن الشركات قد تُعتبر مساهمة أو متواطئة في انتهاكات ترتكبها الدول. كذلك، ينصّ القانون الجنائي الدولي على أن التواطؤ المباشر يتطلّب مشاركة متعمدة، وهو أيضاً لا يشترط وجود نيّة لإلحاق الضرر، بل يكفي العلم بالآثار الضارة المتوقّعة. ومن الممكن القول إن الآثار الضارّة التي تلحق بالسكّان الفلسطينيين الذين يعانون من الجوع كانت متوقّعةً نتيجةً لطبيعة تصميم مؤسّسة غزّة الإنسانية وطريقة عملها. تبعاً لذلك، فإن أيّ كيان تجاري أو رجل أعمال يقدّم دعماً متعمّداً لدولة تنتهك القانون الدولي العرفي من شأنه أن يكون متواطئاً في هذا الانتهاك. ولا يُشترط أن يكون لدى الشريك المؤسّسي رغبة في ارتكاب الجريمة الأصلية حتى يُعد مسؤولاً، ومن ثمّ فإن الشركة أو المسؤول التنفيذي فيها قد يُعتبر متواطئاً في ارتكاب جرائم دولية إذا قرّر المشاركة من خلال تقديم المساعدة في تنفيذ الأفعال التي ترتكبها دولة إسرائيل؛ وكانت هذه المساعدة مساهمة في ارتكاب تلك الجرائم. ويُعد الدعم المباشر، سواء عبر المشاركة الفعلية أو توفير الوسائل الأساسية لتنفيذ الجريمة، أساساً لتحميل الأفراد المعنيين المسؤولية الجنائية الدولية. من هنا، فقد تضع طريقة تصميم مؤسّسة غزّة الإنسانية القائمين عليها وعملها تحت طائلة التواطؤ في جرائم دولية ترتكبها القوات الإسرائيلية.
قُتل أكثر من ألف فلسطيني على يد القوات الإسرائيلية محاولين الوصول إلى مواقع التوزيع التابعة للمؤسّسة
خاتمة
قد يكون الوضع الراهن في غزّة بمثابة نقطة تحوّل للقانون الدولي الإنساني. الفشل في احترامه وفرض أحكامه قد يجرّ بنتائج ممتدّة الأثر في ما يتّصل بمستقبل الصراعات العسكرية. الحصار المتواصل، والمنع المتعمّد للغذاء، والوقود، والغوث الإنساني، تظهر قلّة اعتبار للقانون الدولي الإنساني منذرةً بالخطر. هي تكشف أيضاً أزمةً بنيويةً أعمق: انهيار الحياد في توفير الغوث الإنساني لمصلحة النموذج المخصخص والمُعسكر، ممثّلاً في حالة مؤسّسة غزّة الإنسانية؛ وهو ما من شأنه أن يقضم الحاجز الفاصل ما بين المساعدة الإنسانية والاستراتيجيا العسكرية. منع الإمدادات الغذائية التجارية، تدمير المرافق الزراعية، استبدال شبكات الغوث المحايد بالمبادرات الخاصّة المسيّسة، ذلك كلّه ينتهك الالتزامات الإنسانية، وكذلك يفكّك بشكل فعّال الدور الحمائيّ للقانون الدولي الإنساني. استخدام التجويع سلاحاً، وتعطيل المساعدات، واستهداف المدنيين في النقاط التي يتوفّر فيها الغذاء، ليست محضَ خيارات سياسية؛ بل جرائم حرب تقع تحت طائلة الملاحقة القضائية. زيادة على ذلك، فإن عمليات "مؤسّسة غزّة الإنسانية"، واستخدام متعاقدين أميركيين من القطاع الخاصّ وقوات أمن بصلات وثيقة مع الجيش الإسرائيلي، قد ترقى إلى التواطؤ في جرائم حرب وانتهاك القانون الدولي الإنساني. اليوم، تجري المساءلة القانونية على عدّة جبهات، من التحقيقات الجارية في المحكمة الجنائية الدولية بخصوص جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية المحتملة، إلى محاضر قضية الإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية؛ وهذا يؤكّد وجود توافق متنامٍ على أن المعايير الدولية الجوهرية يجري انتهاكها على نطاق ممنهج.
أبعد من المساءلة، تعرّي غزّة هشاشة عملية إنفاذ القانون على المستوى الدولي في الصراعات الحديثة. هي تثير تساؤلاً أساسيّاً حول ما إذا كانت المعايير الدولية، مهما بلغت من الرسوخ، قابلة للإفراغ من مضمونها عبر الوقائيّة السياسية، والتطبيق الانتقائي، والتنصّل من المسؤولية عبر إحالتها إلى طرف آخر. ضمن هذه السياق، فإن الأمر لا يتّصل باحترام وتطبيق الالتزامات الإنسانية فقط، بل مصداقية القانون الدولي نفسه وشرعيته. حينما يجري بشكل منهجي، وعواقب محدودة، انتهاك المعايير التأسيسية التي تحظر التجويع، العقاب الجماعي، واستهداف المدنيين، فإن ذلك يقوّض الادّعاء بأن القانون الدولي يعمل بوصفه تقنيناً عالميّاً لإعمال القوّة. حتى يظلّ القانون الدولي الإنساني إطاراً ذا معنى، فإن ذلك لا يعتمد على التناسق الفقهي فقط، في مضامينه، ولكن أيضاً على الرغبة السياسية والنزاهة المؤسّسية في إنفاذه بشكل متناسق، وبحيادية، ومن دون استثناء.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


القدس العربي
منذ 3 ساعات
- القدس العربي
خلية أزمة درزية في إسرائيل لدعم السويداء السورية
حملة خيرية لجمع مساعدات في جوليس لإرسالها إلى السويداء في سوريا، 28 يوليو 2025. رويترز جولس: في قرية جولس الهادئة في الجليل، يعمل متطوعون دروز إسرائيليون على تنظيم المساعدات لأبناء طائفتهم في سوريا، الذين عانوا من أعمال عنف طائفية دامية وقعت في أواخر تموز/يوليو. على أحد جدران المركز الاجتماعي في القرية، المجاور لضريح الزعيم الروحي للطائفة الدرزية الشيخ أمين طريف، الذي يُعد مزارًا لأبناء طائفة الموحدين، عُلِّق العلم الدرزي بألوانه الخمسة، إلى جانب لافتة كُتب عليها بالعبرية: 'خلية أزمة الطائفة الدرزية'. ويشهد المركز حركةً مكثفة، حيث ينشط المتطوعون بين مركز اتصال لجمع آخر المعلومات الواردة من سوريا، وركن لوجستي لتنسيق جمع المساعدات وتوزيعها، وخلية إعلامية تُدير حملة عبر الإنترنت للتوعية بمحنة الدروز هناك. وقال الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي الحالي للدروز في إسرائيل: 'أنشأنا غرفة عمليات هنا لمراقبة ما يحدث في السويداء، وفي جميع أنحاء المنطقة، حتى نتمكن من مساعدة إخواننا وأخواتنا هناك'. وشهدت محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية في جنوب سوريا، بدءًا من 13 تموز/يوليو، ولمدة أسبوع، اشتباكات بين مسلحين من البدو ومقاتلين دروز، قبل أن تتسع بدخول القوات الحكومية ومسلحين من العشائر إلى جانب البدو. وأسفرت الاشتباكات عن مقتل أكثر من 1400 شخص، غالبيتهم من الدروز، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، قبل أن يُعلن عن وقف لإطلاق النار دخل حيز التنفيذ في 20 تموز/يوليو. ويتهم السكان السلطات بفرض 'حصار' على السويداء من خلال تقييد الحركة إليها، وانتشار القوات في مناطق عدة من المحافظة، وهو ما تنفيه دمشق. ولا يزال الطريق الرئيسي الذي يربط السويداء بدمشق مقطوعًا، مع تمركز مجموعات مسلحة موالية للسلطة، تمنع حركة المرور واستئناف النشاط التجاري، بحسب المرصد. Earlier this week, our President Mitch Aeder travelled to Julis, a Druze village in northern Israel, to meet with Sheikh Mowafak Tarif, the spiritual leader of the Druze community. He also visited the operations room and logistics center where all of the much-needed humanitarian… — Orthodox Union (@OrthodoxUnion) July 31, 2025 وأعرب طريف عن أسفه لهذا الوضع، في وقت تتباطأ فيه عمليات إيصال المساعدات منذ وصول أول قافلة إنسانية في 20 تموز/يوليو، مع عودة الهدوء إلى السويداء، حيث أبلغت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن 'ظروف صعبة للغاية'، ورفوف خالية في المتاجر، وانقطاعات متكررة في التيار الكهربائي. وأفادت الأمم المتحدة بأن نحو 175 ألفًا من سكان السويداء نزحوا منها. جئنا على الفور في جولس، قال سليمان عامر، الذي اندفع للمساعدة: 'بمجرد أن سمعنا أن غرفة عمليات أُقيمت هنا، جئنا على الفور'. عاد المهندس البالغ من العمر 35 عامًا إلى المركز بعد يوم قضى فيه ست ساعات متواصلة في العمل التطوعي. وأوضح، وهو ينظر إلى خريطة السويداء، أن فريقه يساعد في 'جمع المعلومات وإجراء بعض الأبحاث… كم عدد القرى التي تعرضت للهجوم؟ كم عدد القتلى؟ وكم عدد المخطوفين؟' وتضم إسرائيل أكثر من 150 ألف درزي، بينهم نحو 23 ألفًا في الجولان المحتل. وتقدّم نفسها على أنها حامية لهذه الأقلية، وقد تدخلت في النزاع السوري، فشنّت في الأيام الأولى ضربات طالت القصر الرئاسي، ومقر هيئة الأركان في دمشق، وأهدافًا عسكرية في السويداء. ونظم دروز في إسرائيل تظاهرات طالبوا فيها الحكومة بالدفاع عن أبناء طائفتهم في سوريا، بل عبَر مئات منهم من الجولان إلى سوريا، رغم أن البلدين لا يزالان رسميًا في حالة حرب منذ عام 1967، تاريخ احتلال إسرائيل لجزء من هضبة الجولان، وخاضا آخر حرب عام 1973. وقال المتطوع أكرم، الذي أفصح عن اسمه الأول فقط لأسباب تتعلق بالخصوصية: 'أن تعيش كدرزي في إسرائيل، يعني أن تملك القدرة على التأثير… لأنها دولة ديمقراطية'. وندّد بقلة الاهتمام والدعم الدوليين، معربًا عن خشيته من أن القادة الجدد في سوريا 'لم يقطعوا صلتهم بماضيهم الجهادي'. وعلى جدران المركز، علّقت ملصقات للرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، الذي تولى السلطة بعد الإطاحة ببشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر، تصفه بأنه 'إرهابي يرتدي بدلة'، ما يعكس الخطاب الرسمي الإسرائيلي. في مستودع قريب، كان عشرات الأشخاص، بينهم إسرائيليون يهود ودروز متدينون ونساء درزيات، يعملون على تجهيز حزم مساعدات غذائية وحفاضات. 'إنسانية مشتركة' وقال الشيخ طريف: 'نقوم اليوم بإرسال المساعدات عبر الطائرات… وهناك مساعدات نشتريها ونرسلها عبر الهلال الأحمر'. ولم تتمكن وكالة فرانس برس من التأكد بشكل مستقل من كيفية وصول المساعدات الإسرائيلية إلى السويداء. وقد نشرت وزارة الصحة الإسرائيلية صورًا على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر صناديق مساعدات قيل إنها أُلقيت بالمظلات في المنطقة. ووصف أكرم، الذي أنهى مؤخرًا خدمته في الجيش الإسرائيلي، غرفة عمليات جولس بأنها 'نصف مدنية'، إذ يضم فريقها متطوعين يستخدمون خبراتهم العسكرية في جمع المعلومات والخدمات اللوجستية. ويقول بعض المحللين إن إسرائيل تستخدم قضية الدروز كذريعة لتحقيق هدف عسكري يتمثل في إبعاد القوات الحكومية السورية عن حدودها. لكن في جولس، يؤكد السكان المشاركون في العمل أنهم يقومون بذلك بدافع الشعور بالمسؤولية الجماعية. قالت طالبة شابة لم تذكر اسمها: 'حتى لو كان ذلك في بلد آخر، فهذا مجتمعنا'. أما الشيخ أنور حمودي، البالغ من العمر 62 عامًا، فقال: 'بسبب إنسانيتنا المشتركة، يجب علينا الوقوف إلى جانبهم ومساعدتهم بقدر ما نستطيع'. (أ ف ب)


العربي الجديد
منذ 15 ساعات
- العربي الجديد
مؤتمر نيويورك... إلى مواجهة سياسية حازمة
ليس أمراً روتينياً أن تشهد الأمم المتحدة ظهور ائتلاف دولي واسع يدعم حلّ الدولتَين، ويجمع اليابان مع السنغال، وكندا مع إندونيسيا، وإيطاليا مع المكسيك، والنرويج مع قطر، وإسبانيا مع تركيا، ومصر مع المملكة المتحدة، وفق إطار زمني يستغرق 15 شهراً. ففي وقت تنتقل فيه حكومة مجرمي الحرب في تل أبيب من العمل على تصفية قضية فلسطين إلى العمل على التصفية المادّية لشعب فلسطين، وشيطنة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ومحاولة طيّ ملفّ القضية... في هذا الوقت، تتنادى دول عديدة وكبيرة في عالمنا من بينها دول الغرب، إلى وضع وثيقة سياسية أساساً لإبرام تسوية تاريخية تكفل لشعب فلسطين إقامة كيانه الوطني المستقل (منزوع السلاح)، وبضمانة أوسع مكوّنات المجتمع الدولي، مع استذكار أن الدولة الإسرائيلية المقامة في أرض فلسطين قد انتزعت قبولاً دولياً بها من خلال الأمم المتحدة، المنظّمة الدولية نفسها التي تعترف 143 دولة من أعضائها بدولة فلسطين. ومن يلحظ أن الاعتراف الدولي بالدولة الإسرائيلية جاء بعد قيام هذه الدولة أو تتويجاً لقيامها، خلافاً لحال دولة فلسطين التي ما زالت ترزح تحت الاحتلال، فإن ملاحظته صائبة، فقد كان المشروع الصهيوني جزءاً من مشروع استعماري، حتى إن مهمّة الانتداب البريطاني على فلسطين تمحورت حول تطبيق وعد بلفور الصادر عام 1917، وقد رحلت القوات البريطانية عن فلسطين في اليوم نفسه الذي أعلن فيه قيام الدولة العبرية يوم 15 مايو/ أيار، والمعروف بيوم النكبة. إذ مع تأسيس عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى، فُوّضت بريطانيا بإدارة فلسطين دولةً تحت الانتداب، وتضمّن وعد بلفور هدفاً يجب تحقيقه ضمن هذا الانتداب. ما يدلّل على أن الحركة الصهيونية، وحليفتها بريطانيا، قد طرقتا باب الشرعية الدولية آنذاك لشقّ الطريق نحو إقامة دولة إسرائيل في أرض فلسطين. وهو ما اختطته الحركة الوطنية الفلسطينية منذ العام 1974 مع خطاب ياسر عرفات في الأمم المتحدة، في وقت كان فيه الشطر الأكبر من دول الغرب (ودول أخرى) ينكرون على منظّمة التحرير صفتها حركة تحرّر وطني. والفرق في الحالتَين أن الحركة التحرّرية الفلسطينية لم تتمتّع بظهير دولي كحال الحركة الصهيونية، وإن لم تعدم أصدقاء دوليين، لكن من دون أن يتبنوا المسألة قضيةً خاصّةً بهم. مع ضعف السياسة الدولية تجاه محاسبة مجرمي الحرب، سيردّ نتنياهو وحكومته على مؤتمر نيويورك بمزيد من المجازر اليومية بحقّ الغزّيين وواقع الحال أن الأصدقاء الدوليين ما زالوا ينظرون إلى القضية من الخارج، من خارج مصالحهم الاستراتيجية والمباشرة معاً، وقد لوحظ (للأسف!)، وعلى سبيل المثال، أن الصين وروسيا لم تكونا بين الدول التي نشطت في التحالف الدولي لتنفيذ حلّ الدولتَين (عقد أول اجتماع له في الرياض في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي)، ولا بين الدول التي نشطت لتنظيم مؤتمر حلّ الدولتين برعاية الأمم المتحدة الثلاثاء الماضي. ورغم ما يثيره مؤتمر نيويورك من آمال كبيرة، إلا أن الأوضاع في الظرف الراهن لا تحمل صورة وردية، فقد تطرّقت وثيقة المؤتمر الختامية إلى حرب الاحتلال الإسرائيلي على غزّة وأفردت لها حيّزاً كبيراً ودعت إلى وقفها فوراً، وشدّدت على إنقاذ القطاع بعد وقف الحرب وتشكيل بعثة أممية وتسهيل عمل "أونروا" وتسليم سلاح حركة حماس إلى السلطة الفلسطينية، وهو ما دأب بنيامين نتنياهو على رفضه جملة وتفصيلاً، مستميلاً إدارة دونالد ترامب إليه، التي لم تتصل بالجانب الفلسطيني منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض. والأسوأ أن شهيّة نتنياهو للقتل لم تنقطع، ومن غير أن تلاحظ واشنطن أن الجانب الأكبر من الحرب هو الذي يتّجه إلى الفتك بالأطفال والنساء والعائلات. وليس الأمر بحاجة إلى البرهنة عليه، إذ إن نجاعة الرؤية السياسية التي تضمّنتها وثيقة مؤتمر نيويورك تقترن وجوباً ببذل جهد جدّي ومكثّف، يأخذ عامل الوقت في الاعتبار لإيقاف الحرب، وبعبارة أوضح لإرغام حكومة مجرمي الحرب على وقف حربهم الغاشمة، ومن دون وقفها في أقرب الآجال فإن الآمال السياسية التي تنبض بها وثيقة نيويورك ستظلّ معلّقة في الهواء. لقد تعهّدت الدول الموقّعة على البيان الختامي للمؤتمر "باتخاذ إجراءاتٍ تقيد نشاط المستوطنين العنيفين ومن يدعمون المستوطنات غير الشرعية، واتخاذ إجراءات محدّدة ضدّ الكيانات والأفراد الذين يتصرّفون ضدّ مبدأ التسوية السلمية لقضية فلسطين، من خلال العنف أو أعمال الإرهاب، وفي انتهاك للقانون الدولي". وتدل خبرة العامَين الماضيَّين أن بضع دول أوروبية فقط أقرّت إجراءات ضدّ وزيرَين في حكومة نتنياهو، أما بقيّة الدول، ومنها دول عربية، فلم تتخذ أيّ إجراءات ضدّهما، وضدّ وزراء آخرين يعتنقون السياسات نفسها، كما لم تتخذ إجراءات ضدّ المنظّمات الإرهابية للمستوطنين في الضفة الغربية، إلا على نحو رمزي وجزئي لا يشكّل قلقاً للمؤسّسة الصهيونية. وعليه، ومع الضعف الذي يعتري السياسة الدولية تجاه محاسبة مجرمي الحرب، فسوف يردّ نتنياهو وحكومته، ومعهما المؤسسّة الأمنية، على مؤتمر نيويورك بارتكاب مزيد من المجازر اليومية بحقّ المنكوبين في غزّة، وقد وصفهم ترامب بأنهم يتضوّرون جوعاً متجاهلاً مسؤولية إدارته في الانزلاق إلى هذا الدرك الوحشي، ومتجاهلاً جرائم القتل المقزّزة التي يقترفها عناصر ما تسمّى "مؤسّسة غزّة الإنسانية ضدّ المُجوَّعين". يثير مؤتمر حلّ الدولتين آمالاً كبيرة، لكن ينبغي توجيه ما يلزم من ضغوط مشروعة كي يحقق بعض نتائجه وليست 15 شهراً (المحدّدة لتطبيق حلّ الدولتَين) فترة طويلة لمعالجة مظالم مضى عليها 77 عاماً، غير أن الطرف الآخر الجاني سوف يستغلّ هذه الفترة لمضاعفة الغزو الاستيطاني، ولوضع أبناء غزّة أمام التهجير خياراً وحيداً للبقاء في قيد الحياة، مع حركة سياسية محمومة تجاه سورية لحملها على تطبيع متدرّج وإجباري، وكذلك الحال مع لبنان، وما يتخلّل ذلك من شقّ ما سمّي "ممرّ داوود"، وقد بدأت ملامحه تتضح في الأرض، فهل تعمد الدول الراعية مؤتمر حلّ الدولتَين إلى اتخاذ ما يقتضيه الحال من إطلاق دينامية سياسية ومواجهة سياسية حازمة تقترن بإجراءاتٍ لكبح جماح التوسّع وحرب الإبادة؟ فلن يتوقّف كبار مجرمي عالمنا عن اقتراف جرائمهم بمجرد تذكيرهم بمقتضيات القانون الدولي، وتوبيخهم على سلوكهم الشائن، إذ يتطلّب الأمر تذكير المجرمين بأنهم مطلوبون للعدالة الدولية، وبأنه سيُتّخذ كلّ ما يلزم للتضييق على حركتهم وتجفيف الدعم الممنوح لهم، واستخدام ترسانة العقوبات الاقتصادية والسياسية ضدّهم بطريقة منهجية متدرّجة ومتسارعة. وبما أن المؤتمر قد أقرّ عقد اجتماع متابعة قبل نهاية هذا العام لمراجعة الموقف، فإن المطلوب بداهةً توجيه ما يلزم من ضغوط مشروعة وواجبة خلال هذه الفترة، كي يحقّق هذا الحدث الدولي المهيب بعضاً من نتائجه المرجوّة.

العربي الجديد
منذ يوم واحد
- العربي الجديد
وزير الخارجية الألماني: اعتداءات المستوطنين في الضفة إرهاب منظم
زار وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول ، الجمعة، بلدة الطيبة شرقي رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، واطلع على اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين بها، واصفاً الهجمات بأنها "بمثابة إرهاب منظم". وكان في استقبال الوزير رئيس بلدية الطيبة سليمان خورية، ورعاة الكنائس في البلدة، وبعض الأهالي. ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" عن الوزير الألماني قوله إن "اعتداءات المستوطنين بحق بلدة الطيبة، وغيرها من المناطق، ليست أعمالاً أحادية، وهي بمثابة إرهاب منظم وجرائم بحق المواطنين، ويجب أن يتم متابعتها وإيقافها". وأضاف فاديفول أن هناك تقارير أفادت بأن الجيش الإسرائيلي لم يمنع تلك الاعتداءات أو ربما قد يكون شارك فيها، و"هذا ما يقلق الحكومة الألمانية". ودعا إسرائيل إلى الالتزام بالقوانين الدولية، وملاحقة المستوطنين المعتدين، وتوفير الحماية للمواطنين الفلسطينيين. واعتبر فاديفول، التوسع الاستيطاني عقبة أمام حل الدولتين، ويحد من حركة الفلسطينيين، مؤكداً ضرورة سن قوانين رادعة للمستوطنين المعتدين. وقال إن برلين ستواصل الضغط على المستوى الأوروبي لفرض عقوبات على المستوطنين الذين ينفذون أعمال عنف. وفي 28 يوليو/تموز الماضي تسلل مستوطنون إسرائيليون إلى بلدة الطيبة وهاجموا منازل المواطنين، وأضرموا النار في مركبتين، ما أدى إلى احتراقهما بالكامل. وأوضحت مصادر محلية في حينه أن "المستوطنين خطوا شعارات عنصرية وتهديدات على الجدار الخارجي لأحد المنازل". وفي 4 يونيو/ حزيران الماضي، أقام مستوطنون بؤرة استيطانية جديدة على أنقاض بيوت عائلة فلسطينية جرى تهجيرها قبل نحو عام، بعد سلسلة هجمات عنيفة في بلدة الطيبة. وفي 7 يوليو الماضي، أضرم مستوطنون النار قرب مقبرة وكنيسة القديس جاورجيوس (الخضر) التاريخية في البلدة، ما أثار ردات فعل كنسية ودولية واسعة، نددت باعتداءات المستوطنين على المقدسات ودور العبادة. وعقب الهجوم زار عدد من بطاركة الكنائس ورؤسائها في القدس، ودبلوماسيون من أكثر من 20 دولة عربية وأجنبية، بلدة الطيبة، في ظل تصاعد اعتداءات المستوطنين. والطيبة بلدة فلسطينية تقع على السفوح الشرقية للضفة الغربية، وسكانها من المسيحيين الفلسطينيين. أخبار التحديثات الحية رام الله: مستوطنون يهاجمون بلدة الطيبة بعد أسبوع على زيارة هاكابي إلى ذلك، سعى وزير الخارجية الألماني إلى التخفيف من حدة تعليقاته السابقة حول موقف بلاده من الدولة الفلسطينية خلال رحلته إلى الضفة الغربية، قائلاً إن ألمانيا ليست لديها خطط فورية للاعتراف بدولة فلسطينية. ويأتي تعليق فاديفول في أعقاب انتقادات حادة من مسؤولين إسرائيليين بسبب مقترحه السابق، قبل مغادرته للزيارة، بأن ألمانيا قد ترد على أي إجراءات إسرائيلية أحادية الجانب بالاعتراف بدولة فلسطينية. وكان إيتمار بن غفير الوزير المنتمي إلى تيار اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية كتب على منصة إكس "بعد 80 عاماً من المحرقة النازية (الهولوكوست)، تعود ألمانيا إلى دعم النازية". وبعد لقاء فاديفول مع وزير الخارجية الإسرائيلي ورئيس الوزراء والرئيس الإسرائيلي مساء أمس الخميس، أوضح اليوم أن ألمانيا لا تخطط للاعتراف بدولة فلسطينية بعد "لأن هذه إحدى الخطوات النهائية التي يجب اتخاذها" في إطار حل الدولتين. وتسلط محاولة فاديفول لتوضيح تصريحاته الضوء على الصعوبة التي تواجهها ألمانيا منذ فترة طويلة في اتخاذ موقف واضح من هذه القضية لأنها عالقة بين الضغوط الدولية المتزايدة لمحاسبة إسرائيل على أفعالها والتزامها بعد المحرقة بضمان أمن إسرائيل. ودعا إسرائيل إلى ضمان تأمين وصول منظمات الأمم المتحدة من أجل إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، قائلاً إن القيود الحالية تفاقم الأزمة. وقال فاديفول "يجب أن تنتهي الكارثة الإنسانية في غزة الآن"، مشدداً على أن توزيع المساعدات من خلال الأمم المتحدة كان يجري بفاعلية لفترة طويلة ويجب استئنافه من دون عوائق. وذكر أن ألمانيا ستقدم خمسة ملايين يورو (5.7 ملايين دولار) إضافية لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة لدعم المخابز والمطابخ وتمويل مستشفى ميداني في مدينة غزة. ورداً على سؤال بشأن مزاعم إسرائيل ومخاوفها إزاء إمكانية تحويل حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) مسار المساعدات، أقر فاديفول بأن إساءة استخدام المساعدات لا يمكن استبعادها بصورة كاملة، لكنه قال إن ذلك ليس سبباً لعرقلة جهود الإغاثة. وأضاف "أفضل طريقة لمنع حماس من إساءة استخدام الإمدادات هي تقديم مزيد من المساعدات وضمان تغطية السكان بالكامل". في الإطار، بحث فاديفول مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الجمعة، مستجدات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، خصوصاً الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة، والانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة في الضفة الغربية. جاء ذلك خلال لقاء عقد في مقر الرئاسة الفلسطينية بمدينة رام الله، وفقًا لما أفادت به "وفا". وأطلع عباس الوزير الألماني على حجم المعاناة في قطاع غزة جراء العدوان الإسرائيلي المستمر، وما يرافقه من جريمة تجويع ممنهجة بحق السكان، مشيرًا أيضًا إلى تصاعد اعتداءات الجيش والمستوطنين في الضفة الغربية. وشدد على أن الوقف الفوري والدائم لإطلاق النار يمثل أولوية قصوى، إلى جانب إدخال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل لوقف المجاعة، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين، وتمكين دولة فلسطين من تولي مسؤولياتها الكاملة في قطاع غزة، بدعم عربي ودولي، ضمن انسحاب إسرائيلي كامل من القطاع. ودعا عباس إلى وقف الاستيطان ومحاولات الضم والإفراج عن أموال المقاصة المحتجزة، مؤكداً التزامه بحل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، كما جاء في مؤتمر السلام في نيويورك. وأبدى استعداد السلطة لإجراء انتخابات عامة، باستثناء القوى والأفراد "الذين لا يلتزمون ببرنامج والتزامات منظمة التحرير والشرعية الدولية، ومبدأ الدولة الواحدة، والقانون الواحد، والسلاح الشرعي الواحد". وأكد الرئيس الفلسطيني: "نريد دولة فلسطينية غير مسلحة، بما في ذلك في قطاع غزة". وثمن عباس التصريحات التي أدلى بها الوزير الألماني، والتي أكد فيها دعم حل الدولتين وبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، بالإضافة إلى وحدة الأراضي الفلسطينية تحت إدارة السلطة الفلسطينية. فيما، أكد الوزير الألماني أهمية تولي الحكومة الفلسطينية إدارة قطاع غزة، عقب نهاية الحرب "كونها الجهة الشرعية الوحيدة التي تمثل الفلسطينيين، ومن الضروري أن تساهم في إعادة إعمار القطاع"، بحسب المصدر ذاته. وأشار إلى استعداد بلاده لتقديم الدعم والمساهمة اللازمة للسلطة الوطنية في إعادة الإعمار. ودعا إسرائيل إلى الإفراج عن الأموال الفلسطينية المحتجزة لديها، قائلاً إن "هذه الأموال حق للفلسطينيين، واستمرار احتجازها يشكل خطراً على الاستقرار". وتحتجز إسرائيل أموال المقاصة وهي ضرائب مفروضة على السلع المستوردة إلى الجانب الفلسطيني، سواء من إسرائيل أو من خلال المعابر الحدودية التي تسيطر عليها تل أبيب، وتجمعها الأخيرة لصالح السلطة الفلسطينية، لكن بدءاً من 2019 قررت إسرائيل اقتطاع مبالغ منها واحتجازها بذرائع مختلفة. وتشهد الضفة الغربية منذ أسابيع تصاعداً في هجمات المستوطنين، ولا سيما شرقي رام الله، حيث أحرقت منازل ومركبات، وسجلت اعتداءات متكررة على الفلسطينيين. وبالتزامن مع الحرب في غزة، قتل الجيش الإسرائيلي والمستوطنون ما لا يقل عن 1011 فلسطينياً في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وأصابوا نحو 7 آلاف آخرين، واعتقلوا أكثر من 18 ألفًا، بحسب بيانات رسمية. أما في قطاع غزة، فتواصل إسرائيل ارتكاب إبادة جماعية منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أسفرت عن نحو 208 آلاف شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، وأكثر من 9 آلاف مفقود، إلى جانب مئات آلاف النازحين ومجاعة أودت بحياة كثيرين. (الأناضول، رويترز، العربي الجديد)