
في مسألة السيادة والاستقلال
هناك توافق عام بين علماء السياسة على أن سلسلة الاتفاقات التي شكلَّت بمجموعها سلام ويستفاليا كانت الأرضية التي بُني عليها النظام الدولي الحديث، وعلى وجه التحديد، عدم التدخّل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى. أي أن ما نعيشه اليوم هو مفهوم الدولة الويستفالية، بغضّ النظر عن النظام السياسي لهذه الدولة أو تلك. بيد أن الإشكالية التي يقدّمها هذا المفهوم تتمثّل في أنه في صميم تكوينه النظري وتطبيقاته العملية يقدّم في حقيقة الواقع تفسيراً مغلوطاً لمفهوم السيادة والاستقلال، التي يراها هذا المقال مجرّد مسمّيات لا وجود لها أصلاً.
بالعودة إلى التاريخ، كانت حرب الثلاثين عاماً (1618 - 1648)، التي انتهت بتوقيع سلام ويستفاليا، صراعاً بين الكاثوليك الداعين إلى أن تكون أوروبا محميةً مسيحيةً يحكمها روحياً البابا وسياسياً إمبراطور صالح، مثلما كان الحال في الإمبراطورية الرومانية المقدّسة، من جهة، والإصلاحيين البروتستانت الذين رفضوا سلطة البابا الروحية ومثيلتها السياسية لأسرة هابسبورغ مطالبين بحقّ استقلال الدول جميعها، من جهة أخرى. هذا يدلّ على أن مفهوم ويستفاليا نشأ أصلاً من صراع مذهبي على السلطة في أوروبا ما قبل ظهور الحركات القومية. ولأن الحرب انتهت من دون حسم واضح لمصلحة أيّ من الطرفَين، جاءت معاهدة ويستفاليا تسويةً لا غالب ولا مغلوب فيها.
اكتست فكرة السيادة الويستفالية أوائل القرن السابع عشر تحوّلات جوهرية كُبرى مع ازدياد حدّة التوترات السياسية والاقتصادية بين الدول الأوروبية
اكتست فكرة السيادة الويستفالية أوائل القرن السابع عشر تحوّلات جوهرية كُبرى مع ازدياد حدّة التوترات السياسية والاقتصادية بين الدول الأوروبية، فقد فتح عصر الاستكشاف الطريق إلى موارد العالم الجديد، وانتشرت نظريات جديدة مثل المركنتلية الاستعمارية بين النُّخب السياسية، بالتزامن مع ظهور بواكير النزعة القومية الأولى التي ترعرعت في كنف الطبقة البرجوازية الأوروبية ورعايتها. أثمرت هذه التحوّلات الجديدة في القرن التاسع عشر افتراقاً تدريجياً للنظام الدولي عن نظيره الويستفالي القديم مع انتشار المكننة الصناعية، ومفهوم موارد الطاقة وديمومتها في اقتصاديات الدول. يلفت أندرياس أوسياندر في مقالته "السيادة، والعلاقات الدولية والأسطورة الويستفالية" (مجلة المنظّمة الدولية، المجلد 55، العدد 2، ربيع 2001)، إلى أن التصنيع هو ما أدّى إلى نشوء دوائر اقتصادية متكاملة ووسائل إدارتها بالتوازي مع ظاهرة القومية الحديثة بصفتها أيديولوجيا جامعة لا غنى عنها لهذا النمط السياسي الجديد، الذي يمكن توصيفه بالدول الكبرى، ليغدو مفهوم السيادة والاستقلال رمزاً للتنافس والصراع بين برجوازيات القوميات الأوروبية التي أنتجت ثقافةً عنصريةً لا تخلو في العديد من أدبياتها السياسية من جذور دينية.
وعلى المنوال نفسه، انبرى عديدون من مفكّري القرن العشرين لإحياء المفهوم الويستفالي، ليكون مفتاحاً تأويلياً ومعيارياً يتلاءم مع التطوّر التكنولوجي وانعكاساته على الاقتصاد على نحو يعزّز الإدارة المركزية لوحدات جغرافية كُبرى، ويمنح سلطةً أكبرَ للحكومات المركزية، لتصبح كلّ دولة في حدّ ذاتها دائرةً اقتصاديةً وسياسيةً واجتماعيةً تتحكّم بها علاقات الصراع والتنافس في إطار تركيبة النظام الرأسمالي، وتعيد إنتاج مصطلح لم يقدّم أصلاً أيَّ مضمون عملي للسيادة والاستقلال، بل تحول ذريعةً للهيمنة وإخضاع الآخرين، وقاد أوروبا إلى حربَين مدمّرتَين. في هذه الحيثية تحديداً، أخذت الدولة في صميم تكوينها البنيوي المؤسّساتي دور المراقب الراعي للدورة الاقتصادية التي يتحكّم بها مالكو وسائل الإنتاج، الذين باتوا هم من يعطون مفهوم السيادة والاستقلال "الويستفالي" دلالاته الواقعية، أي أن مفهوم السيادة للدولة ذاته أصبح رهينة الرأسمال. ومن أكثر الأمثلة وضوحاً شركة الهند الشرقية التي وظّفت قدرات الأسطول الحربي البريطاني لتعزيز مصالحها في الهند، وعلى نحوٍ لا يختلف كثيراً عن الدور الجيوسياسي الراهن للأساطيل الأميركية في رعاية المصالح الأميركية في الشرق الأوسط.
كانت الاتفاقات التي شكلَّت سلام ويستفاليا أرضية بُني عليها النظام الدولي الحديث، لا سيما عدم التدخّل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى
في هذا الإطار، تتلاعب سوزان سترينغ بكلمة ويستفاليا (Westphalia) لتحوّلها باللغة الإنكليزية إلى " إخفاق الغرب" (Westfailure)، في عنوان مقالتها "نظام إخفاق الغرب" (لندن، مجلة الدراسات الدولية، العدد 25، 1999)، التي أشارت فيها إلى أن تنامي مفهوم السيادة لهذه الدول وتأثيره على المجتمع والاقتصاد كان نتيجةً للتنافس في ما بينها أولاً على الأرض، ومن ثمّ السعي إلى تحقيق التفوق الصناعي والمالي، ومتطلّبات الإنتاج الرأسمالي القائم على آلية السوق. هذا التنافس، كما تقول الباحثة البريطانية، كان سبباً في نشوء ثلاث مشكلات كبرى، لا يستطيع النظام الويستفالي بطبيعته أن يحلّها، وهي الاضطرابات المالية، والكوارث البيئية، واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء. أي أن إخفاق النظام الويستفالي ليس سوى إخفاق النظام الرأسمالي نفسه، ودوره في تدمير كلّ ما يتعلّق بالسيادة والاستقلال.
لعلّ المشكلة الأساس التي أفرزها المفهوم الويستفالي لسيادة الدولة واستقلالها على رقعتها الجغرافية هي التي تحدّث عنها الفيلسوف الإنكليزي توماس هوبز (1679-1588) في كتابه "الإنسان والمواطن" (نيويورك، دبل داي، 1972) بقوله إن الإنسان كائن ينظر إلى محيطه من باب المصلحة الذاتية، الأمر الذي يستدعي ضرورةً أن تتوافق سيادة الدولة مع مجتمع بشري تتعدّد مصالح أفراده الذاتية التي ترتكز أساساً على قانون الطبيعة، بمعنى استمرارية الحياة. وهذا بدوره يدللّ على أن مشكلة الحكم السياسي تتمثّل في وضع الضوابط التي تنظّم هذه المصالح. أي أن الفرد بالنسبة إلى هوبز "نتاج مجتمع ينظّم حياته"، وكيفية التوفيق بين القانون الطبيعي والعقد الاجتماعي. لهذا السبب سقطت فكرة الاكتفاء الذاتي بصفتها تطبيقاً عملياً لفكرة السيادة والاستقلال التي انتشرت بكثرة في ثلاثينيات القرن الماضي في أوروبا، وتحديداً ألمانيا، التي كانت فيها هذه القضية مسألةً مركزيةً بالنسبة إلى الحزب النازي، وفي مقدمتهم جوزيف غوبلز، الذي كتب قائلاً إن أمّةً لا تستطيع أن تسيطر على فضاء وموارد وقوى طبيعية ضرورية لحياتها المادية، لا بدّ أن تسقط في فخّ الاتكال على دول أجنبية، وتخسر سيادتها واستقلالها. بيد أن المفارقة المثيرة للسخرية أن النازيين وظّفوا مسألة الاكتفاء الذاتي شعاراً لإخضاع الدول الأخرى ومواردها ضمن أيديولوجيا النقاء العرقي. هل يختلف كلام غوبلز عما ردّده الرئيس الأميركي ترامب بشأن الموارد الطبيعية في غرينلاند، والاستيلاء عليها بحجّة أهميتها للولايات المتحدة؟ والسؤال نفسه ينطبق على التدخّل الفرنسي في أفريقيا تحت شعار الفرانكوفونية لتوفير المواد الخام لمصانعها.
لا يمكن لأيّ دولة أن تكون مستقلّة تماماً عن دولة أخرى، إلا في الشكل القانوني أو السياسي
من هذا المنطلق، تبدو ثنائية السيادة والاستقلال، بوصفها معياراً ثابتاً في العلاقات الدولية، أمراً صعب التحقيق، إن لم يكن مستحيلاً، لعدّة أسباب أولها القوة والمصلحة القومية، كما يقول ألكساندر ويندت في كتابه "النظرية الاجتماعية للسياسة الدولية" (كيمبردج، 1999). يشير الباحث الأميركي إلى أن جميع الدراسات ما بعد الحرب العالمية الثانية فسّرت القوة بأنها مراكمة المقدرات العسكرية لتحقيق المصلحة الوطنية بصفتها رغبةً أنانيةً في امتلاك النفوذ والثروة والأمن. إن كانت هذه الأسباب شكّلت العامل المادي في إعادة رسم العلاقات الدولية كما يقول الباحث الأميركي، إلا أن ثمّة عنصرا جديدا دخل إلى الإرث الويستفالي متجسّداً بالتطوّر الهائل لتكنولوجيا المعلومات التي باتت وسيلةً جديدةً تقوّض السيادة والاستقلال بأدوات ناعمة لزعزعة المجتمعات من الداخل، وإعادة قولبتها ثقافياً بما يخدم غايات جيوسياسية ومراكمة الأرباح الاقتصادية، مع التنويه بأن توظيف تكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصال هو سلاح ذو حدَّين، ما دامت هذه الوسائل قادرةً على تخطّي الحدود بسرعة البرق.
إذا عدنا في جردة حساب تاريخية للمفهوم الويستفالي، يمكن للمراقب أن يلاحظ أولاً أن هذا المفهوم لم يكن يوماً معياراً عملياً للسيادة والاستقلال، وثانياً أن البرجوازيات القومية الأوروبية أسهمت في توظيف السيادة والاستقلال لخدمة الجشع الرأسمالي. بعبارة أخرى، لا يمكن لأيّ دولة (صغيرة أم كبيرة) أن تكون مستقلّة تماماً عن دولة أخرى، إلا في الشكل القانوني أو السياسي. في كتابه "نظرية السياسة الدولية" (كاليفورنيا، أديسون ويزلي، 1979)، يرى الأكاديمي الأميركي كينيث والتس ما يمكن تلخيصه بالقول إن العالم كلّه مكوَّن من وحدات تعتمد على بعضها بعضاً بدرجات مختلفة، تحدّدها ضروريات الحياة نفسها. إذ لا يمكن لأيّ دولة أن تحمي حدودها إلا بالتعاون مع دولة أخرى، كما لا يمكنها توفير ما تحتاجه من موارد لا تمتلكها إلا بالاعتماد على دولة أخرى. بيد أن الفهم الخاطئ لفكرة التعاون والاعتماد على الآخر ينبع، كما يقول والتس، من نقطتين هما، أولاً كيف يؤثّر اختلاف البنية المكوِّنة لدولة ما في معنى ومفهوم التطوّر والتنمية، أي كيف يمكن للتركيبة الاجتماعية والثقافية أن تفسّر هذا التعاون والتبادل المصلحي؟ وتتعلق النقطة الثانية بدرجة التعاون نفسها، قياساً إلى مقدرات دولة ما. بيد أن المشكلة الأساس التي نراها الآن في أمثلة عديدة تكمن في أيديولوجيا فائض القوة لدى دولة ما، تفسّر سيادتها واستقلالها استعباداً للآخرين.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 2 ساعات
- العربي الجديد
الرئيس اللبناني في الجزائر: أول زيارة رسمية منذ 2002
وصل الرئيس اللبناني جوزاف عون ، اليوم الثلاثاء، إلى الجزائر في زيارة رسمية تستمر يومين، استجابة لدعوة كان قد وجهها له الرئيس عبد المجيد تبون في التاسع من فبراير/ شباط الماضي، وهي الأولى من نوعها لرئيس لبناني منذ 23 عاماً. وسيلتقي الرئيسان لبحث قضايا تخص العلاقات بين البلدين، والمجالات التي يمكن فيها للجزائر مساعدة لبنان، وبخاصة في الشق السياسي المرتبط بدور جزائري في الأمم المتحدة، وفي قطاع الطاقة، إضافة إلى حزمة التطورات الصاخبة التي تشهدها المنطقة العربية. وأعلنت رئاسة الجمهورية اللبنانية، عبر حسابها على منصة إكس، وصول عون إلى مطار هواري بومدين "في مستهل زيارة رسمية، وكان في استقباله رئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون". وأعرب عون عن سعادته بزيارة الجزائر "التي كانت دائماً حاضرة إلى جانب لبنان في أصعب الظروف"، وفق ما نقلته الرئاسة، مشيراً إلى أنّ "الجزائر لم تتأخر يوماً عن دعم لبنان، سواء في المحافل الدولية أو من خلال المساعدات الميدانية المباشرة". الرئيس عون من الجزائر: • أعرب عن سعادتي بزيارة الجزائر الشقيقة، التي كانت دائمًا حاضرة إلى جانب لبنان في أصعب الظروف. • الجزائر لم تتأخر يومًا عن دعم لبنان، سواء في المحافل الدولية أو من خلال المساعدات الميدانية المباشرة. — Lebanese Presidency (@LBpresidency) July 29, 2025 ويرافق الرئيس اللبناني وزير الخارجية يوسف رجي، ووزير الإعلام بول مرقص، والمستشار المكلف إعادة الإعمار علي حمية، ويتوقع أن يجري خلالها توقيع عدد من اتفاقات التعاون في مجال الطاقة والتجارة والنقل والإنشاءات التحتية، تشمل مساعدة الجزائر في إعادة إعمار لبنان عبر تمويل إعادة بناء بعض المنشآت، وإرسال هبة من النفط الجزائري لصالح لبنان. وهذه أول زيارة رسمية يقوم بها رئيس لبناني للجزائر، منذ زيارة الرئيس إيميل لحود في يوليو/ تموز 2002، فيما كان الرئيس ميشال سليمان قد توقف في الجزائر لساعات فقط في مارس/ آذار 2013. وتأتي أهمية هذه الزيارة في توقيت حساس يرتبط بالتطورات القائمة في المنطقة العربية، ولا سيما في لبنان وسورية والأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تبدي الجزائر انشغالاً مستمراً بالدفاع عن مصالح لبنان ووحدته، ضد العدوان الإسرائيلي، وتؤكد وجود قناعة لدى الجانب اللبناني بحيوية الدور الجزائري على الصعيد العربي، والدور الجزائري المتقدم لصالح لبنان في مجلس الأمن. وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، عيّنت الجزائر سفيراً جديداً لها في بيروت، هو كمال بوشامة الذي نُقل من سورية إلى لبنان. طاقة التحديثات الحية الرئيس الجزائري يأمر بإرسال شحنات عاجلة من الوقود للبنان وتتيح زيارة الرئيس اللبناني للجزائر مناقشة ملف التعاون في مجال الطاقة بين البلدين، ولا سيما أنّ شركة سوناطراك الجزائرية كانت ترتبط بعقد مع الوزارة اللبنانية للطاقة والمياه منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2005، لتوفير الديزل وزيت الوقود لفائدة مؤسسة كهرباء لبنان، غير أنّ العقد تعطل تنفيذه في عام 2020، بسبب قضية ما يُعرف بـ"الفيول المغشوش"، الذي تورط فيه وسطاء من الجزائر وأجانب، قبل أن تُجرى مشاورات بشأن تجديد الاتفاق نهاية عام 2022. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أبدت وزارة الطاقة اللبنانية رغبتها في أن "تكون علاقة الشراكة مع مؤسسات الدولة الجزائرية ومنها سوناطراك ممتازة، ودعم جهود الحكومة اللبنانية لاستكمال مسار إعادة إحياء علاقة الشراكة ضمن الأطر القانونية التي ترعى مصالح البلدين". وفي حسن نية من الجانب الجزائري، أرسلت الجزائر نهاية العام الماضي حمولة من الوقود تُقدَّر بحوالى 30 ألف طن من مادة الفيول إلى لبنان للمساعدة في تشغيل محطات الكهرباء، تطبيقاً لقرار أصدره الرئيس تبون لتدعيم لبنان بالطاقة ومساعدته على تجاوز أزمته، والوقوف بجانبه في ظل الظروف الصعبة التي عاشها بسبب العدوان الإسرائيلي، من خلال تزويده فوراً بكميات من الفيول، من أجل تشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية، وإعادة التيار الكهربائي في البلاد. وتبرز في سياق العلاقات بين البلدين، مسألة مهمة بالنسبة إلى الجزائر خصوصاً، تتعلق بالتعاون في مجال مكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة، إذ يُعد لبنان واحداً من الدول التي تسعى الجزائر للتعاون معها في هذا المجال، حيث كانت الجزائر وبيروت قد وقعتا في إبريل/ نيسان 2022 اتفاقين يخصان تسليم المطلوبين للعدالة في البلدين، والتعاون القضائي بين الجزائر ولبنان في المجال الجزائي والإنابات القضائية. وقال الباحث الجزائري المتخصص في شؤون الشرق الأوسط محمد مغراوي لـ"العربي الجديد"، إن "زيارة الرئيس اللبناني ستتيح للجزائر فهماً أعمق للتطورات والسيناريوهات المطروحة في لبنان وسورية وعموم الشرق الأوسط، وتقرب الجزائر أكثر من المنطقة التي ابتعدت عنها في العقدين الماضيين بعدما كان للجزائر مساهمة وحضور مهم في المسألة اللبنانية في السابق، وصولاً إلى اتفاق الطائف، سنلاحظ أنها أول زيارة رسمية لرئيس لبناني إلى الجزائر منذ ربع قرن تقريباً، خصوصاً مع عودة قوية ومهمة للدبلوماسية الجزائرية للاهتمام والتركيز على منطقة الشرق الأوسط والسعي للعب دور سياسي في صياغة حلول عربية"، مضيفاً أن "الجزائر يمكن أن تلعب دوراً يتجاوز البعد السياسي بالنسبة إلى لبنان، على مستوى ملف الطاقة، حيث يمكنها المساعدة في تمكين لبنان من حسن إدارة ثرواته واستغلالها، خصوصاً في مجال الغاز وفي مجال الكهرباء، بحيث يمكن مد لبنان بالخبرة الجزائرية في هذا المجال، ولبنان مدخل مهم بالنسبة إلى الجزائر إلى سورية التي تتطلع الجزائر إلى العمل فيها أيضاً في مجال الطاقة والكهرباء، وتتطلع إلى المشاركة في التكوين وتدريب الجيش اللبناني".


العربي الجديد
منذ 2 ساعات
- العربي الجديد
أسوأ سيناريو للمجاعة في غزة... ومساعدات محدودة تفشل في تحريك السوق
رغم سماح الاحتلال الإسرائيلي باستئناف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، عبر معبر كرم أبو سالم، بعد دخولها من معبر رفح المصري، لم تشهد الأسواق المحلية في القطاع أي تحسّن فعلي في الأسعار أو توافر السلع، نظراً لضآلة الكميات المدخلة، وغياب التأمين اللازم لوصولها إلى مستحقيها. ففي يوم الأحد الماضي، دخلت إلى قطاع غزة 73 شاحنة محملة بالمساعدات، وهو عدد يقل كثيراً عن الحد الأدنى المطلوب لإحداث أي تأثير حقيقي في الأسواق التي تعاني من شح حاد منذ بداية الحرب. وزادت حالة الإحباط عند الغزيين مع دخول عدد 87 شاحنة، أمس الاثنين، وسط رفض إسرائيل تأمين الشاحنات، ما جعلها عرضة للسرقة والنهب قبل توزيعها. أسوأ سيناريوهات المجاعة يحتاج قطاع غزة، بحسب تقديرات حكومية وأممية، إلى ما لا يقل عن 600 شاحنة يومياً لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية والصحية، إلا أن إسرائيل تواصل فرض سياسة التقطير، حيث لم تسمح خلال الشهور الماضية سوى بإدخال ما لا يتجاوز 5% من هذه الاحتياجات، قبل أن تغلق المعبر كلياً في 2 مارس/آذار الماضي، لمدة 148 يوماً. وحول ملف المساعدات الشحيحة، أعلن المرصد الرئيسي للأمن الغذائي في العالم، أمس الثلاثاء، أن "أسوأ سيناريو مجاعة يحصل الآن" في قطاع غزة المحاصر والمدمّر بفعل الحرب المستمرة منذ 21 شهراً بين إسرائيل وحركة حماس. اقتصاد الناس التحديثات الحية مساعدات غزة: إسرائيل تواصل إرجاع الشاحنات وعرقلة دخول القطاع وحذّر "التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي" IPC الذي وضعته الأمم المتحدة بأن عمليات إلقاء المساعدات فوق القطاع غير كافية لوقف "الكارثة الإنسانية"، مشدداً على أن عمليات إدخال المساعدات برّاً "أكثر فاعلية وأماناً وسرعة". لكن حسب مراقبين، فإنّ المساعدات البرية الشحيحة وعرقلة الاحتلال دخول الاحتياجات الفعلية للقطاع، تساهمان في الاتجاه نحو تعميق كارثة التجويع. الأسعار تعاود الارتفاع في غزة عبّر الفلسطيني، عبد الله مقبل، من مخيم الشاطئ، غرب مدينة غزة، عن إحباطه من حجم المساعدات التي دخلت مؤخراً، قائلاً: "استبشرنا خيراً مع إعلان استئناف إدخال المساعدات وتوقعنا كميات كبيرة وتأميناً فعلياً لها، لكن للأسف لم يحدث شيء من ذلك". وأضاف لـ"العربي الجديد": "شهدت الأسعار انخفاضاً مؤقتاً صباح الأحد، لكنها سرعان ما عادت للارتفاع في المساء، مع اختفاء الشاحنات دون فائدة تذكر للسكان المجوّعين". وأكد بائع الطحين (الدقيق) في سوق دير البلح وسط القطاع، باسم العر، أن سعر كيلو الطحين انخفض من 55 شيكلاً إلى 23 شيكلاً صباح الأحد، أي بنسبة انخفاض بلغت 58%، نتيجة انتشار أخبار دخول المساعدات، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن السعر سرعان ما ارتفع مجدداً ليتراوح بين 45 و50 شيكلاً بسبب ندرة الكمية، وفشل إيصالها إلى الأسواق (الدولار = نحو 3.35 شواكل). في حين، ذكر بائع الأرز والبقوليات في سوق مخيم النصيرات، هيثم صلاح، أن أسعار الأرز لم تتأثر كثيراً، إذ انخفض الكيلو من 80 إلى 70 شيكلاً فقط، بسبب محدودية الكميات الواردة، وغياب الكميات التجارية الكافية. وقال صلاح لـ"العربي الجديد": "كان هناك أمل لدى الناس بانخفاض واسع في أسعار السلع الأساسية، لكن الكميات لم تكن كافية، ولم تصل فعلياً للغالبية، ما جعل الوضع كما هو والمجاعة مستمرة". واتهم المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الاحتلال الإسرائيلي بالاستمرار في هندسة المجاعة، وتكريس الفوضى الأمنية داخل القطاع، عبر سياسات ممنهجة تستهدف شاحنات المساعدات الإنسانية التي تدخل من معبر كرم أبو سالم. اقتصاد الناس التحديثات الحية المجاعة تزداد شراسة في غزة رغم دخول مساعدات... أسواق مدمّرة وقال المكتب، في بيان صحافي، إن عدد الشاحنات التي دخلت القطاع يوم الاثنين، لم تتجاوز 87 شاحنة، مؤكداً أن غالبيتها تعرضت للنهب والسرقة، بسبب الفوضى الأمنية التي يغذيها الاحتلال عمداً، دون توفير أي حماية أو تنظيم لعملية التوزيع". وأشار البيان إلى أن عمليات الإنزال الجوي التي تنفّذ كانت رمزية وعديمة الجدوى، حيث لم تتجاوز كميات المواد التي أُسقطت ما يعادل نصف شاحنة فقط، وجرى إسقاطها في مناطق قتال حمراء، شرق حي التفاح ومحيط جباليا، وهي مناطق تخضع لسيطرة الاحتلال، ولا يمكن للسكان الوصول إليها. سياسة التقطير مستمرة من جهته، يرى المختص في الشأن الاقتصادي عماد لبد، أن إسرائيل لا تزال تتّبع سياسة تجويع واضحة ومقصودة عبر التحكم في عدد الشاحنات الواردة لقطاع غزة، قائلاً: "الحديث عن إدخال عشرات الشاحنات لا يغيّر شيئاً، في ظل احتياج القطاع لأكثر من 600 شاحنة يومياً، تتضمن جميع السلع دون تمييز أو تغليب صنف على آخر". وأوضح لبد في حديث لـ"العربي الجديد" أن استمرار سياسة التقطير يُبقي حالة المجاعة قائمة، ويؤدي إلى تشوه اقتصادي دائم في الأسواق الغزية، مشيراً إلى أن الأسواق في غزة فقدت ديناميكيتها، ولم تعد تخضع لآليات العرض والطلب الطبيعية، ما جعل الأسعار تقفز بشكل كبير بين يوم وآخر. وأضاف: "خطة حرمان الأسواق من السلع كانت جزءاً من النهج الإسرائيلي منذ بداية الحرب، ولعل الحل الوحيد يتمثل في فتح المعابر بشكل دائم ومنتظم دون شروط، لضمان وصول الكميات الكافية، ومنع التلاعب أو الاحتكار". من جانبه، أكد المختص في الشأن الاقتصادي محمد بربخ، أن التجويع بات أداة رئيسية في يد إسرائيل ضمن سياق "حرب الإبادة الجماعية"، مشيراً إلى أن الندرة المتعمدة للسلع تسببت في ارتفاعات جنونية في الأسعار، وصلت إلى أكثر من 7000% على بعض المواد الأساسية. وقال بربخ في حديث لـ"العربي الجديد": "ما جرى في اليومين الماضيين، كان مجرد هالة إعلامية لتخفيف الضغط الدولي، لكن فعلياً الأسعار لم تتغير، والانخفاضات لم تتجاوز 12% في أفضل الحالات، وسرعان ما عادت الأسعار للارتفاع، مع عدم وصول المساعدات لمستحقيها". وحذّر من أن استمرار هذا النهج سيؤدي إلى مزيد من الانهيار الاقتصادي في غزة، داعياً إلى اعتماد سياسة السوق الحرة ورفع القيود بالكامل، مع ضمان وصول المساعدات فعلياً إلى السكان، الذين بات أكثر من 95% منهم يعتمدون بشكل كلي على هذه المساعدات للبقاء على قيد الحياة.


القدس العربي
منذ 7 ساعات
- القدس العربي
غوتيريش حول نتائج التصنيف الغذائي في غزة: يجب أن ينتهي هذا الكابوس الآن
الأمم المتحدة- 'القدس العربي': قال الأمين العام للأمم المتحدة، تعقيبا على نتائج أحدث تنبيه للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، إن غزة تواجه خطرا داهما بالمجاعة، حيث وصلت مؤشرات استهلاك الغذاء والتغذية إلى أسوأ مستوياتها منذ بداية الصراع. وأكد تنبيه التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أن اثنين من عتبات المجاعة الثلاثة قد تم تجاوزهما الآن في أجزاء من القطاع. وبناءً على نتائج هذا التصنيف، أصدر الأمين العام البيان التالي: 'يؤكد أحدث تنبيه للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي ما كنا نخشاه: غزة على شفا المجاعة. الحقائق واضحة لا يمكن إنكارها. الفلسطينيون يعانون في غزة من كارثة إنسانية ذات أبعاد مروعة. هذا ليس تحذيرا، بل هو واقع يتكشف أمام أعيننا. يجب أن يتحول سيل المساعدات إلى محيط. يجب أن يتدفق الغذاء والماء والدواء والوقود في أمواج ودون عوائق. يجب أن ينتهي هذا الكابوس. يتطلب إنهاء هذا السيناريو الأسوأ بذل قصارى جهد جميع الأطراف – الآن. نحن بحاجة إلى وقف إطلاق نار إنساني فوري ودائم؛ والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن؛ ووصول إنساني كامل وغير مقيد إلى جميع أنحاء غزة. هذا اختبار لإنسانيتنا المشتركة – اختبار لا يمكننا تحمّل الفشل فيه'. ومن جهة أخرى، أصدر برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) بيانا مشتركا حول الوضع الغذائي في غزة ونتائج التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، جاء فيه أن غزة تواجه خطر المجاعة الشديد حيث وصلت مؤشرات استهلاك الغذاء والتغذية إلى أسوأ مستوياتها منذ بدء الصراع، وفقا للبيانات التي تمت مشاركتها في أحدث تنبيه للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC). ويسلط تنبيه التصنيف الضوء على أن اثنين من عتبات المجاعة الثلاثة قد تم اختراقهما الآن في أجزاء من القطاع، 'ويحذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة واليونيسف من أن الوقت ينفد لبدء استجابة إنسانية شاملة'. وجاء في البيان المشترك أن استمرار الصراع وانهيار الخدمات الأساسية والقيود الشديدة المفروضة على إيصال وتوزيع المساعدات الإنسانية، دفعت الأمم المتحدة إلى التحذير من ظروف كارثية للأمن الغذائي تهدد مئات الآلاف من الناس في جميع أنحاء قطاع غزة. وتؤكد المنظمتان أن انخفاض استهلاك الغذاء – وهو أول مؤشر أساسي للمجاعة – قد ازداد بشكل حاد في غزة منذ آخر تحديث للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي في أيار/ مايو 2025. كما تُظهر البيانات أن أكثر من واحد من كل ثلاثة أشخاص (39 في المئة) يمرون الآن بأيام متواصلة دون طعام. ويعاني أكثر من 500,000 شخص – أي ما يقرب من ربع سكان غزة – من ظروف أشبه بالمجاعة، بينما يواجه السكان المتبقون مستويات طوارئ من الجوع. كما أن ارتفاع سوء التغذية الحاد – وهو المؤشر الأساسي الثاني للمجاعة – داخل غزة ارتفع بمعدل غير مسبوق. في مدينة غزة، تضاعفت مستويات سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة أربع مرات في شهرين، لتصل إلى 16.5 في المئة. وهذا يشير إلى تدهور خطير في الحالة الغذائية وارتفاع حاد في خطر الوفاة بسبب الجوع وسوء التغذية. بالإضافة إلى ذلك، يتابع البيان، فإن ازدياد سوء التغذية الحاد وتقارير الوفيات المرتبطة بالجوع – وهو المؤشر الأساسي الثالث للمجاعة – أصبح الآن أكثر شيوعا، لكن جمْع بيانات قوية في ظل الظروف الحالية في غزة لا يزال صعبا للغاية حيث تنهار النظم الصحية التي دمرتها بالفعل ما يقرب من سنتين من الصراع. وتضمن البيان مطالبات وكالات الأمم المتحدة ودعواتها المُلحّة إلى تحقيق ما يلي: – وقف إطلاق نار فوري ومستدام، لوقف القتل، والإفراج الآمن عن الرهائن، وتعزيز العمليات الإنسانية المُنقذة للحياة. – وصول إنساني مستدام وآمن ودون عوائق، لضمان تدفق المساعدات بأعداد كبيرة عبر جميع المعابر المتاحة، ولتوصيل الغذاء والإمدادات الغذائية والمياه والوقود والمساعدات الطبية الضرورية للأسر المحتاجة في جميع أنحاء غزة. – تدفق الحركة التجارية إلى غزة من خلال إعادة إحياء سلاسل التوريد التجارية لاستعادة الأسواق المحلية. – حماية المدنيين وعمال الإغاثة، إلى جانب إعادة تأهيل الخدمات الأساسية، ولا سيما البنية التحتية للصحة والمياه والصرف الصحي. – الاستثمار في إنعاش النظم الغذائية المحلية، بما في ذلك إعادة إحياء المخابز والأسواق وإعادة تأهيل القطاع الزراعي.