
السودان: مقتل «خفاش الظلام» يعيد جدل فض اعتصام القيادة العامة وملف العدالة
كمبالا: التغيير
أثار مقتل الكادر الإسلامي، أحمد محمد، الشهير بـ «خفاش الظلام» ردود أفعال واسعة وحادة على مواقع التواصل الاجتماعي بين من أبدى 'شماتة' و'فرحاً' ومن طالب بعدم الشماتة في الموت ومن رأى في الحادثة دافعاً جديداً للمطالبة بتحقيق العدالة الانتقالية لضحايا فض اعتصام القيادة العامة للجيش في يونيو 2019.
و أحمد محمد أحد أبناء منطقة صالحة بمدينة أم درمان وهو عضو في الحركة الإسلامية السودانية، قُتل قبل أيام خلال المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في كردفان.
مفاخرة بالجريمة
الكادر الشاب كان قد ظهر في عدة مقاطع فيديو وهو يتحدث مفاخراً بمشاركته في فض الاعتصام قائلاً بوضوح: نحن 'خفافيش الظلام' وقتلنا الثوار الساعة الثالثة صباحاً في القيادة العامة وهو التصريح الذي وثق تورطه في واحدة من أكثر الجرائم دموية في تاريخ السودان الحديث.
وتداول ناشطون خبر مقتله مصحوبا بفيديوهات سابقة له يظهر فيها متشفيا بمقتل المعتصمين ومبرئاً قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو 'حمديتي' من المسؤولية ومفتخراً بانتمائه لمجموعة «خفافيش الظلام» التي نسبت إليها أعمال القمع خلال فض الاعتصام.
و جاءت ردود الأفعال متباينة لكنها عكست عمق الجرح الذي لا يزال مفتوحا لدى السودانيين خصوصا أسر ضحايا الاعتصام و كتب محمد كمبل، كان يتحدث بالأمس مزهوا بقتل الثوار كأنما بينه وبينهم ثأر واليوم مضى إلى ربه تلاحقه اللعنات والدعوات قتله شريكه في الإثم بالسلاح ذاته الذي برأه بالأمس من جريمة فض الاعتصام.
مواقف مغايرة
وفي المقابل دافع البعض عن القتيل معتبرين أنه 'استشهد' في ساحة المعركة دفاعاً عن الوطن وكتب أحمد طاهر استشهد مدافعا عن وطنه اليوم وليس قتل ومن يهاجمونه الآن رفاقكم في الاعتصام هم شركاء في السلطة بل وحملوا السلاح ضد الوطن.
أما أبو سارة حميدان، قال بلغة لاذعة: والله 'الدعامه' قطعوا 'الكيزان' المتطرفين كلهم الكيزان الآن خوف كده ما بعده خوف من الدعامه.
و كانت هناك ردود أخرى حملت الجميع المسؤولية عن الدم السوداني دون استثناء كما كتبت سوسن محمد: ذهب إلى الله الحكم العدل الذي ينصف المظلوم من الظالم الحركة الإسلامية و الدعم السريع شركاء في دمنا اختلافهم بعد الحرب لا يجعل أحدهم ملاكا والآخر شيطانا.
أما جبار إبراهيم، فقد أشار إلى أن ما حدث هو جزاء من جنس العمل قائلاً: هذا الشاب يعترف بعجرفة بأنهم قتلوا الثوار فلقى جزاءه القتلة ودعاة الفتنة عليهم أن يتحسسوا مواقع أقدامهم فالدماء لا تسقط عند الله حتى لو سقطت من لجنة نبيل أديب.
جرح فض الاعتصام
وتبقى دعوة مصطفى أبو القاسم مؤثرة في هذا السياق إذ كتب: يلتقي بمن سفك دماءهم في اعتصام القيادة يقف أمام الحكم العدل وهم يأتونه بأحلامهم وسلميتهم وهو يأتيهم بدمائهم وفرحه بموته.
و الانقسام في الرأي العام لم يكن فقط حول الشاب ذاته بل حول معنى العدالة وأين تقف البلاد اليوم بعد سنوات من الثورة كثيرون رأوا في مقتله مناسبة لإعادة تسليط الضوء على أهمية العدالة الانتقالية خاصة بعد تعثر مساراتها الرسمية وفشل لجان التحقيق وعلى رأسها لجنة نبيل أديب في الوصول إلى نتائج ملموسة.
و الحادثة أعادت فتح جرح فض الاعتصام وأظهرت كيف أن الذاكرة الجماعية ما زالت تنزف وأن القصاص العادل لا يزال مطلبا مركزيا لضحايا ذلك اليوم الدموي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


التغيير
منذ 6 ساعات
- التغيير
السودان: مقتل «خفاش الظلام» يعيد جدل فض اعتصام القيادة العامة وملف العدالة
الكادر الشاب كان قد ظهر في عدة مقاطع فيديو وهو يتحدث مفاخراً بمشاركته في فض الاعتصام قائلاً بوضوح: نحن 'خفافيش الظلام' وقتلنا الثوار الساعة الثالثة صباحاً في القيادة العامة وهو التصريح الذي وثق تورطه في واحدة من أكثر الجرائم دموية في تاريخ السودان الحديث. كمبالا: التغيير أثار مقتل الكادر الإسلامي، أحمد محمد، الشهير بـ «خفاش الظلام» ردود أفعال واسعة وحادة على مواقع التواصل الاجتماعي بين من أبدى 'شماتة' و'فرحاً' ومن طالب بعدم الشماتة في الموت ومن رأى في الحادثة دافعاً جديداً للمطالبة بتحقيق العدالة الانتقالية لضحايا فض اعتصام القيادة العامة للجيش في يونيو 2019. و أحمد محمد أحد أبناء منطقة صالحة بمدينة أم درمان وهو عضو في الحركة الإسلامية السودانية، قُتل قبل أيام خلال المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في كردفان. مفاخرة بالجريمة الكادر الشاب كان قد ظهر في عدة مقاطع فيديو وهو يتحدث مفاخراً بمشاركته في فض الاعتصام قائلاً بوضوح: نحن 'خفافيش الظلام' وقتلنا الثوار الساعة الثالثة صباحاً في القيادة العامة وهو التصريح الذي وثق تورطه في واحدة من أكثر الجرائم دموية في تاريخ السودان الحديث. وتداول ناشطون خبر مقتله مصحوبا بفيديوهات سابقة له يظهر فيها متشفيا بمقتل المعتصمين ومبرئاً قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو 'حمديتي' من المسؤولية ومفتخراً بانتمائه لمجموعة «خفافيش الظلام» التي نسبت إليها أعمال القمع خلال فض الاعتصام. و جاءت ردود الأفعال متباينة لكنها عكست عمق الجرح الذي لا يزال مفتوحا لدى السودانيين خصوصا أسر ضحايا الاعتصام و كتب محمد كمبل، كان يتحدث بالأمس مزهوا بقتل الثوار كأنما بينه وبينهم ثأر واليوم مضى إلى ربه تلاحقه اللعنات والدعوات قتله شريكه في الإثم بالسلاح ذاته الذي برأه بالأمس من جريمة فض الاعتصام. مواقف مغايرة وفي المقابل دافع البعض عن القتيل معتبرين أنه 'استشهد' في ساحة المعركة دفاعاً عن الوطن وكتب أحمد طاهر استشهد مدافعا عن وطنه اليوم وليس قتل ومن يهاجمونه الآن رفاقكم في الاعتصام هم شركاء في السلطة بل وحملوا السلاح ضد الوطن. أما أبو سارة حميدان، قال بلغة لاذعة: والله 'الدعامه' قطعوا 'الكيزان' المتطرفين كلهم الكيزان الآن خوف كده ما بعده خوف من الدعامه. و كانت هناك ردود أخرى حملت الجميع المسؤولية عن الدم السوداني دون استثناء كما كتبت سوسن محمد: ذهب إلى الله الحكم العدل الذي ينصف المظلوم من الظالم الحركة الإسلامية و الدعم السريع شركاء في دمنا اختلافهم بعد الحرب لا يجعل أحدهم ملاكا والآخر شيطانا. أما جبار إبراهيم، فقد أشار إلى أن ما حدث هو جزاء من جنس العمل قائلاً: هذا الشاب يعترف بعجرفة بأنهم قتلوا الثوار فلقى جزاءه القتلة ودعاة الفتنة عليهم أن يتحسسوا مواقع أقدامهم فالدماء لا تسقط عند الله حتى لو سقطت من لجنة نبيل أديب. جرح فض الاعتصام وتبقى دعوة مصطفى أبو القاسم مؤثرة في هذا السياق إذ كتب: يلتقي بمن سفك دماءهم في اعتصام القيادة يقف أمام الحكم العدل وهم يأتونه بأحلامهم وسلميتهم وهو يأتيهم بدمائهم وفرحه بموته. و الانقسام في الرأي العام لم يكن فقط حول الشاب ذاته بل حول معنى العدالة وأين تقف البلاد اليوم بعد سنوات من الثورة كثيرون رأوا في مقتله مناسبة لإعادة تسليط الضوء على أهمية العدالة الانتقالية خاصة بعد تعثر مساراتها الرسمية وفشل لجان التحقيق وعلى رأسها لجنة نبيل أديب في الوصول إلى نتائج ملموسة. و الحادثة أعادت فتح جرح فض الاعتصام وأظهرت كيف أن الذاكرة الجماعية ما زالت تنزف وأن القصاص العادل لا يزال مطلبا مركزيا لضحايا ذلك اليوم الدموي.


التغيير
منذ يوم واحد
- التغيير
الكلام عن السيادة (جاب الكلام)..!
الكيزان الضلالية الكذَبَة آخر من يتكلم عن السيادة الوطنية..! والألزم لهم أن يصمتوا بعد ثلاثة عقود حسوما من تضييع السيادة والسرقات الفاجرة ومص (شطور الموارد) والإثراء الأرعن الفاحش على حساب إفقار الناس وتجويعهم وتجفيف عافيتهم وإجلاس التلاميذ على التراب وتحويل مال الصحة والتعليم إلي شراء اليخوت وبناء القصور..ثم خمس سنوات أخرى انتهت بالدمار الشامل للوطن والموت بالجملة وتشريد الملايين في أركان الدنيا الأربعة..! إنها أعوام الاستباحة والتنافس على النهب والسرقة حيث أن من طبيعة (الشحاد) أن يتشكك في كل من يحمل (مخلاية).. ! هذا هو نهجهم الذي يصدر عن (حقد ضرير) يسعى إلى تعويض سنوات الجوع الكافر و(النشأة المنحرفة) والتربية التنظيمية الضالة التي تحتقر الوطن وتريد أن تعوّض أزماتها النفسية وانكساراتها وعقدها الدفينة بالانتقام من الشعب وتحطيم المعالم الوطنية بوهم إلغاء الذاكرة الشعبية..! انتم أمام شعب يختزن في ذاكرته كل الصنائع والفظائع (ماركة مسجلة) باسمكم ودمغتكم..وكلها تناقض معانى سيادة الشعب في أرضه..! إنها عادتهم في اختلاق البلبلة في الاسافير واتهام الأحرار بالتفريط في السيادة الوطنية لإلهاء الناس..وكل هذه الأصوات العالية لم تنطلق الآن إلا للتغطية على فظائع الانقلاب وفساده وما جرّه على الشعب من موت وتشريد وويلات ومن تمزيق للوطن عبر تفريخ عشرات المليشيات بحجة محاربة مليشيا واحدة..! يريدون أن ينسى الناس استهلال عهدهم بهدر السيادة ومعاداة الوطن لصالح التنظيمات الاخوانية العالمية وتحويل النزاعات الأهلية إلى (حروب دينية) وجعل الوطن ملاذاً للإرهابيين من أفغان وتركمستان وشوام وشراكسة وألبان وتسكين الملثمين الأجانب في أحياء المواطنين ..! هل هناك ما هو أشد فتكاً بسيادة الأوطان من الفساد (الذي لم يُخلق مثله في البلاد) والذي مارسه الكيزان عبر لجان التصرّف في المرافق العامة باسم التحرير الاقتصادي الذي قصدوا به (تحرير الأيدي) وإغلاق عيون الرقابة..أيام عبد الرحيم حمدي وتاج السر مصطفى والأمين دفع الله وغيرهم من الذين أهدروا ثروات الشعب وموارد البلاد..و(أكثروا فيها الفساد)..! إنها أيام (القصص الحزينة) أيام نهب وتفكيك وبيع مشروع الجزيرة وسودانير والسكة حديد والبريد والنقل الميكانيكي والمخازن والمهمات والنقل النهري والخطوط البحرية وشركات الصمغ والأقطان والاسمنت ومؤسسات النيل الأبيض والنيل الأزرق وجبال النوبة والرهد وحلفا الجديدة والسوكي والحبوب الزيتية والمواصلات السلكية واللاسلكية والكناف والغزل والنسيج والتغليف والإمدادات والعقارات الحكومية والمدابغ والمحالج والأبحاث والأسواق الحرة والمعارض والمرطبات وتعليب الفاكهة والتمور واسماك النوبة وألبان كوكو وورش أخشاب أم حراز وكرتون أروما وشركات الأحذية والأغذية والفنادق الكبرى والفلل الرئاسية واستراحة وفنادق أركويت والمراسي والموانئ والحظائر والقروض والودائع والأرصدة وعوائد الإيجارات و(بيع المديونيات) وإنشاء شركات النهب الحكومية التي بلغ عدد (المعروف منها) 431 شركة منها 400 شركة لم يضرب بلاطها حذاء المراجع العام..و80% منها لا علم للخزينة العامة بإيراداتها.. هذا عدا أموال البترول والذهب المليارية وملف المصارف الرهيب…أما (أموال التجنيب) فعلمها عند (الرجل الثاني) وعند علّام الغيوب..و(يا فؤادي رحم الله الهوى)..!. ولا تسأل عن صندوق دعم الشريعة وصندوق الوحدة وصندوق الشرق ومال كنانة والرهد ودمغة الجريح ورسوم القناة الفضائية..فمصير أموالها سيظل ملتصقاً بمن تولوا رئاستها إلتصاق الحراشف بالزواحف..!! كل هذا غيض من فيض فساد الإنقاذ ونقطة ماء من المحيط الأطلنطي وقطرة ثلجية من (براري القطب الشمالي) وورقة شاحبة سقطت من فرع شجرة في غابة مدارية من البلوط..! أين بقية أموال القرض الخارجي الذي حمله البشير إلى غرفة نومه وأعطي منه خمسة مليون دولار (عطية مُزيّن) بغير مستند للواعظ الأراجوز (عبدالحي يوسف) فحملها في كيس وهرب بها إلى تركيا..ومن هناك قال إن السودان يرحّب باستضافة الكيزان الأردنيين المطاريد..ولكنه لا يستطيع مفارقة (الراحات) في اسطنبول لاستقبالهم في الخرطوم تحت الغبار وسخانة (مطاعم القراصة) ومع الكتاحة وقطوعات الكهرباء.,.؟! الناس يتذكَرون تلك (القصة القصيرة الطريفة) عن احد ظرفاء الإنقاذ..! كان 'مراسلة موتسيكل' وأصبح عضواً في مجلس إدارة (البنك الحكومي الشهير) فطلب قرضاً ميسّراً من البنك وصدّق لنفسه بالقرض.. ثم قام بشراء البنك نفسه بجزء من القرض الذي لم يقم بدفع أقساطه حتى الآن..! الله لا كسّب الإنقاذ..!


التغيير
منذ 2 أيام
- التغيير
المشروع الوطني السوداني بين رغائبية «دولة البحر والنهر» وأشواق «ثورة ديسمبر عائدة راجحة»
المشروع الوطني السوداني بين رغائبية «دولة البحر والنهر» وأشواق «ثورة ديسمبر عائدة راجحة» في تصريح له عام 2015، أعرب الروائي والفيلسوف الإيطالي الراحل أومبرتو إيكو عن قلقه بشأن الطريقة التي أدت بها وسائل التواصل الاجتماعي الرقمية إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على الخطاب العام بطريقة قد تكون ضارة، حيث اشتهر بقوله: ' تمنح وسائل التواصل الاجتماعي جحافل من الحمقى الحق في التعبير عن آرائهم، في حين أنهم كانوا في الماضي لا يتحدثون إلا في الحانات بعد كأس من النبيذ، دون أن يضروا بالمجتمع. ثم سرعان ما تم إسكاتهم، أما الآن فهم يتمتعون بنفس الحق في التعبير عن آرائهم مثل الفائزين بجائزة نوبل. إنها غزو الحمقى'. أدلى إيكو بهذا التعليق أثناء تلقيه درجة فخرية من جامعة تورينو الايطالية. لم يكن يقصد من ذلك معارضة حرية التعبير في حد ذاتها، بل كان يشير إلى تآكل دور الرقابة والخبرة في الخطاب العام بسبب ظهور منصات مثل فيسبوك وتويتر (والتى أعيد تسميتها ب اكس). بالطبع فقد أثار هذا التصريح من شخص بحجم هذا الكاتب الكبير الكثير من الجدل حول النخبوية ودور وسائل الإعلام الرقمية وقيمة التعليقات المستنيرة مقابل الضجيج الشعبوي. فبينما أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي لكتاب ومفكرين سودانيين وطنيين النهوض باستحقاق نشر الوعى والاستنارة عن هذه الحرب الكارثية ومخاطرها الوجودية للسودان ومستقبله، الا أنها أيضاً قد وفرت منابراً لبعض هؤلاء الحمقى لإغراق الحالة السودانية المأزومة جراء الحرب بالمخاطبات التقسيمية الغرائزية في سياق مقاربات بائسة تسعى للقفز فوق جذور أزمة المشروع الوطني السوداني ومحاولة بيع فكرة أن دار فور هي المشكلة وأن معالجة أزمة البلاد، حسب زعمهم، تتطلب فصل هذا الإقليم لكى 'يرتاح أهل دارفور ويريحوا ما تبقى من السودان'. أكثر من ذلك، ذهب البعض الى فصل كامل غرب السودان اذا لزم الأمر، بما في ذلك أجزاء من إقليم كردفان، لكى يتسنى بناء 'جنة' دولة 'البحر والنهر'. وهنا لا بد من التوقف عند مقال للكاتبة الصحفية الأريبة الأستاذة رشا عوض، حيث وصفت هذه الطروحات ذات النفس العنصري الفج التي يتبناها الناشط مصطفى عمسيب بـ'المشروع العمسيبي' الذي لا يستند إلى أي رؤية سياسية أو أخلاقية، بل إلى أوهام سلالية لا تليق إلا بـ'عالم الحيوان': 'فهل بلغ بنا الانحدار لدرجة المضي في طريق حيونة أنفسنا عبر المشروع العمسيبي في سبيل الحفاظ على السلطة والامتيازات التاريخية لطبقة سياسية فاسدة؟… هذا الهراء العمسيبي ليس بحجم دولة النهر والبحر! دا بالكثير ممكن يعمل دولة الخور والترعة التي ستنقسم إلى دولتين: جمهورية الخور وجمهورية الترعة!' قد يعتقد البعض أن مثل هذه الطروحات لا تعدو أن تكون مجرد ظواهراً سطحيةً كأحد افرازات الحرب يمكن أن تنزوي في غياهب النسيان اذا قدر للشعب السوداني، بعون الله وتوفيقه، انهاء هذه الحرب الماحقة. الا أنني أعتقد أن من الغفلة بمكان النظر الى هكذا طروحات بأنها منسحبة فقط على 'حمقى' وسائط التواصل الاجتماعي كما وصفهم الكاتب الإيطالي المشار اليه آنفاً أو كما صنفهم بصورة أكثر بلاغة الامام على بن أبى طالب، كرم الله وجهه، حين قال في احدى وصاياه لكُميل بن زياد النخعي، والذى كان من خاصته وأصحابه المقربين وواليه على مدينة هيت بالعراق (رواها أبو نعيم في الحلية والخطيب في تاريخ بغداد): ' ان هذه القلوب أوعية وخيرها أوعاها للعلم احفظ عني ما أقول لك يا كُميل، الناس ثلاثة: عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق …' الا ان الأمر أخطر مما يبدو لأن مثل هذه الدعاوى الحمقاء في ظاهرها قد تكون بمثابة حصان طروادة، توظف من فبل القوى الشمولية عند الضرورة اذا لم تسفر هذه الحرب عن انتصارٍ كاملٍ لأي من طرفيها كما هو متوقع، خاصة وأن مشروع معسكر الحرب الشمولي هذا تتسيده فئة قرمطية مجرمة معلومة للشعب السوداني، حكمت هذا البلد المنكوب لثلاثة عقود من الزمان وعندما أطيح بها جراء أعظم ثورة في تاريخ السودان الحديث، لم تكتفى بإعاقة مشروع الثورة في تحقيق شعارها الأيقونة في 'الحرية والسلام والعدالة'، مجترحة في سبيل ذلك مختلف الوسائل الهدامة بما في ذلك انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر المشئوم، بل أشعلت هذه الحرب الكارثية عندما أفشل شباب الثورة بتضحياتهم الجسام مشروع الردة الشمولية لذلك الانقلاب، وأصبح وقتها إعادة مسار الثورة نحو الانتقال المدني الديمقراطي قاب قوسين أو أدنى. بلا شك ستلجأ هذه القوى الى تبنى المشروع التقسيمي للحفاظ على سلطةٍ ما ولو كان ذلك على حساب تفتيت ما تبقى من أشلاء هذا البلد الجريح، ولهم سوابق في ذلك حيث فرضوا فصل الجنوب باستخفافهم ببنى الوطن في ذلك الجزء العزيز من السودان، اذ لم يلقوا بالاً لحقوقهم المشروعة في المواطنة في وطن متصالح مع تنوعه الديني والاثني. بل لقد ذهب رئيس النظام البائد لأبعد من ذلك، حيث أعلن متباهياً بأن السودان الشمالي قد أصبح الآن دولة متجانسة عرقياً ودينياً وبالتالي ليس هناك مجالاً 'للدغمسة'. في سياق محاولة شيطنة دارفور لتبرير مشروع دولة 'البحر والنهر' أو بالأحرى دولة 'الخور والترعة'، كما تفضلت الأستاذة رشا عوض، اشتكى دعاة هذه الدولة عن الاستغلال الجائر والنهب لموارد ولايتي نهر النيل والشمالية بواسطة الشركات والأفراد المرتبطين بقوات حركات دارفور المتحالفة مع الجيش. طبعاً، هذه بمثابة دعوة حق أريد بها باطل، حيث أن هذا الذى يجرى في ولايتي الشمال وغيرها من ولايات السودان هو مشروع استباحة شاملة لكل البلاد كثمن لبناء التحالفات العسكرية، مجازٌ ومتفقٌ عليه من الكل وليس تغولاً أحادياً من حركات دارفور وحدها. في المقال التالي سنورد بعض الأدلة والشواهد عن مشروع الاستباحة المليشياوى لموارد البلاد والذى هو بالضرورة أحد ركائز مشروع الحرب ووسيلته الرئيسة لتمويلها وتسبيك تحالفاتها. بالمقابل، سأستعرض فى المقالات الثلاث اللاحقة آفاق التحولات الاقتصادية الكبرى التى كانت تنتظر البلاد اذا قُدِّر للثورة أن تمضى فى تحقيق أهدافها، خاصة انفاذ 'استراتيجية مكافحة الفقر من منظور بناء السلام وأهداف التنمية المستدامة في السودان'، والتى تحتوى على المنهج الذى اعتمدته حكومة الثورة لتخصيص الموارد، خاصة لجهة التمييز الإيجابي للأقاليم المتأثرة بالحروب والنزاعات بما في ذلك إقليم دار فور وذلك حتى يتبين لأهل السودان قيمة الفرصة التي أضعناها. فى المقال السادس نفند أباطيل محاولات 'الشيطنة' و 'التطفيف' التى تعرضت لها وما تزال حكومة الثورة الانتقالية وأهمية الدفاع عنها وابانة انجازاتها الوطنية الهامة رغم مؤامرات الثورة المضادة وتحديات الانتقال. فى المحور الثانى من هذه المقالات، نقدم فى المقال السابع تحليلاً مرجعياً لتجارب الأمم التي خاضت الحروب الانفصالية وماذا كان كسبها من الاستقرار السياسي والتطور الاقتصادي، بينما نعرض في المقال الثامن لتجربة السودان وأزمته الاقتصادية والسياسية جراء تقسيم البلاد. أخيراً، فى المحور الثالث نستعرض فى المقالين التاسع والعاشر ملامح مشروع وطني سوداني لإنهاء الحرب وبناء السلام وتحقيق الانتقال المدني الديمقراطي النهضوي. خاتمة: في مواجهة الحرب الأهلية الكارثية التي يشهدها السودان بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، تبرز من جديد رواية خطيرة تتمثل في تقسيم البلاد بالقوة عن طريق اقتطاع دارفور وأجزاء من كردفان، باعتبار أنهما معقل قوات الدعم السريع. يؤطر هذا الاقتراح، الذي ينادي به بعض المتشددين من أنصار القوات المسلحة السودانية وبعض منسوبي ما يسمى بـ'الحركة الإسلامية'، الانفصال كطريق مختصر مفترض للخلاص الوطني. ولكن هذه ليست فكرة جديدة – ولا فكرة سليمة. فقد جرب السودان هذا المسار من قبل. ولم يؤد ذلك إلا إلى تعميق التجزئة والانهيار الاقتصادي والانحدار الحالي إلى وضع الدولة الفاشلة. الأدلة الأكاديمية والتاريخية واضحة لا لبس فيها: التقسيم ليس حلاً. إنه سراب سيغرق السودان في فوضى أعمق. تكرار خطأ 2011 سيكون كارثة لا تغتفر. أقاليم السودان أيً كانت ليست 'مشاكلاً يمكن بترها' كما يقول البعض، بل كل تراب الوطن ومكوناته جزء لا يتجزأ من الوطن ومن أي حل مستقبلي له. السودان الذي نحلم به ليس السودان الذي نُصغّره حتى يتسع لطبقة مستبدة فاسدة، بل السودان الذي نتسع نحن له جميعاً بتنوعنا وأحلامنا واختلافاتنا وأصواتنا