
مهرجان الفن والثقافة الكردية.. مستقبل اللغة والهوية في سورية
اختُتم مساء أمس الاثنين مهرجان الفن والثقافة الكردية في دورته الرابعة، الذي يقام سنوياً في العاصمة الألمانية برلين على مدار أربعة أيام، ويجمع بين فعاليات في الأدب والفن والسياسة والفكر. وقد جاءت دورة هذا العام تحت عنوان: "نقطة تحوّل في سورية – مستقبل جديد للكرد"، متفاعلةً مع المستجدات السياسية الأخيرة في
سورية
، وعلى رأسها سقوط
نظام بشار الأسد
في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، وتسلّم قيادة جديدة مقاليد الحكم.
وجاء في الكلمة الافتتاحية للمهرجان "بعد 54 عاماً، سقط الحكم الدكتاتوري لعائلة الأسد وحزب البعث، ما فتح آفاقاً جديدة ل
لكرد
والمكونات الأخرى في سورية"، فيما وصف المنظمون الدورة الحالية بأنها "فرصة للتأمل في الماضي والحاضر والمستقبل"، مؤكدين على رسالة المهرجان في "تعزيز الحوار الثقافي وتلاقي الثقافات وخلق بيئة شاملة ترحب بالجميع".
بداية المهرجان كانت في السادس من حزيران/ يونيو، بكلمات ترحيبية وتقديم تعريفي بالمهرجان ومركز "ميتاني" المنظّم له، كما تم تكريم الفنان العربي السوري سعد الحرباوي الذي غنّى على مدى ستة عقود في حفلات العرب والكرد والسريان والآشوريين، إلى جانب تكريم العازف والفنان الكردي خضر قادري، واختتم اليوم الأول بأمسية موسيقية لفرقة "سامال".
اللغة والهوية
خصص المهرجان حيزاً مهماً لمسألة اللغة الكردية والهوية الثقافية، من خلال سلسلة ندوات ولقاءات شهدت نقاشات عميقة حول مستقبل الأدب واللغة الكردية في سورية ما بعد نظام الأسد، حيث شارك فيها باحثون وباحثات في اللغويات والقانون الدولي وكتّاب ومترجمون. ومن بين أبرز هذه الفعاليات: اللغة والثورة: تأثير الثورة في سورية على اللغة والأدب الكرديين (بالكردية مع ترجمة فورية للعربية والألمانية)، واستمرارية أم نقطة تحوّل؟ المطالب الكردية في سورية بين المشروعية التاريخية والرفض السياسي" (بالألمانية مع ترجمة للعربية والكردية)، والنضال من أجل الاعتراف: التحديات التي تواجه الكاتبات في نشر وتوزيع أعمالهن (بالكردية مع ترجمة فورية). سلّطت هذه الفعاليات جميعها الضوء على تاريخ تهميش الكرد في سورية، ومنعهم من استخدام لغتهم كتابةً وتعليماً، ما دفع الكثير من كتّابهم إلى الكتابة باللغة العربية، مثل سليم بركات، ونزار آغري، وإبراهيم محمود، وجان دوست، وحليم يوسف، ومها حسن وآخرين.
تركيز على دور المرأة في صناعة أدب يتجاوز الحدود القومية
ورغم تعلم بعضهم الكردية لاحقاً، فإنه لا يزال هناك جدل حول "الانتماء الأدبي" لهؤلاء الكتاب، إذ يعتبر أدبهم ضمن الأدب العربي بسبب لغة النشر. وفي هذا السياق، طُرحت تساؤلات حول مدى قدرة السلطة الجديدة على ضمان حرية تعليم اللغة الكردية، وفتح المجال لإعلام ونشر أدبي كردي مستقل، في ظل غياب "الآباء المؤسسين" للكتابة الأدبية الكردية المعاصرة.
منصات للحوار الأدبي النسوي
من الفعاليات الأدبية اللافتة التي جرت في الأيام اللاحقة لليوم الأول، كانت: الأدب بين اللغات والثقافات والقصص، بمشاركة الشاعر حسين درويش، والقاصة وجيهة سعيد، والشاعر علي جازو، والكاتبة والصحافية سميرة المسالمة، والصحافية نهى سلوم؛ والحيّز البيني: أصوات ووجهات نظر نسائية من سورية"، بمشاركة الكاتبة غيثاء الشعار، والمترجمة سولارا شيحا، والشاعرة وداد نبي، والباحثة جولييت كورية، والكاتبة نور حريري. وقد اتسمت هذه النقاشات بتناول قضايا الهوية والتعدد الثقافي والنسوية وتعدد اللغات، مع التركيز على دور المرأة في صناعة أدب يتجاوز الحدود القومية واللغوية. وقد عُقدت هذه الندوات بالعربية، مع ترجمة إلى الألمانية والكردية.
المسرح والسينما: مقاومة فنية
كما اهتم المهرجان هذا العام بالمسرح بوصفه أداة مقاومة ثقافية، من خلال ندوة بعنوان "المسرح كشكل من أشكال المقاومة: تطور المسرح الكردي (الكرمانجي)"، شارك فيها المخرج عادل إسماعيل، والكاتب ميرزا متين، والمخرج زردشت إبراهيم. وتناولت الجلسة التحديات التاريخية والمستقبلية التي يواجهها المسرحيون الكرد، من رقابة وقمع إلى غياب الدعم والبنية التحتية.
أما في مجال السينما، فعُرض فيلمان بارزان، هما: "كُن الفائز" (Becoming Winner) للمخرجة الكردية الألمانية سولين يوسف، ويتحدث عن عائلة كردية من كوباني تلجأ إلى ألمانيا، وقد نال جائزة "أفضل فيلم للأطفال" في جوائز الفيلم الألماني لعام 2024. أما الفيلم الثاني فكان "جيران" للمخرج السويسري الكردي مانو خليل، الذي يعود إلى الثمانينيات ليحكي قصة قمع النظام البعثي في قرية كردية على الحدود السورية – العراقية، بأسلوب يجمع بين السخرية والمرارة.
استمرارية رغم التحديات
يُقدِّم مهرجان الفن والثقافة الكردية سنوياً مجموعة من الفعاليات الجانبية التي تُثري برنامجه الأساسي، من بينها معرض للكاريكاتير، ومعرض للكتاب، وخيمة فنية مخصصة للأطفال، تتضمن ورشات عمل في الفنون والمسرح. كما يُعرّف الزوّار من مختلف الخلفيات — الألمان والكرد والعرب وغيرهم من الجاليات — على جوانب من الثقافة الكردية، من خلال عروض للمطبخ التقليدي والحلويات والشاي الكردي، إضافة إلى فنون الوشم، والأزياء والرقصات الفولكلورية.
انطلقت فكرة المهرجان قبل أربع سنوات بصفة مبادرة من مجموعة أصدقاء يجمعهم الشغف بالفن والثقافة، وتمكّنت من الاستمرار حتى اليوم رغم غياب التمويل، إذ يُفتح المهرجان مجاناً أمام الجمهور، وتُقدَّم فعالياته بثلاث لغات، من دون انغلاق على لغة أو هوية واحدة. ويؤكد يوسف عيسى، المتحدث باسم المهرجان، أن الرهان كان منذ البداية على "الإيمان المطلق بأهمية دعم الفن والثقافة الكردية، ونقل رسالة الشعب الكردي من خلال المحاضرات والندوات والأمسيات المتنوعة".
آداب
التحديثات الحية
في ذكرى ميلاد توماس مان.. تجديد الثقة بدور المثقف

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 20 ساعات
- العربي الجديد
"مطبخ المدينة" خالٍ من الطّهاة
في العام الماضي قبل إسقاط نظام بشار الأسد ، أُعلِن عن عمل درامي سوري جديد يحمل عنوان "مطبخ المدينة" من تأليف الكاتبين علي وجيه وسيف رضا حامد، في تعاون جديد أثار فضول المتابعين. يُصنَّف المسلسل ضمن الأعمال الاجتماعية المعاصرة، وتدور أحداثه حول عائلة تمتلك مطعماً في دمشق، لتتشعب القصة لاحقاً في مزيج بين عالم الطهاة والنشالين، وتتناول قضايا اجتماعية مستمدة من واقع المجتمع السوري المتغير. كان من المقرر أن تنتجه شركة "بينتالنس"، التي خططت لتقديمه إلى جانب مسلسل "البطل" في موسم رمضان الماضي. إلا أن مجموعة من الأحداث، أبرزها انشغال المخرجة رشا شربتجي بتصوير مسلسل "نسمات أيلول"، إضافة إلى التطورات السياسية التي تمثلت في سقوط النظام السوري، حالت دون تنفيذ المشروع في موعده، فتأجّل إلى الموسم التالي. وأعربت شربتجي حينها عن حماستها للعمل باعتباره من النوعيات التي تفضل تناولها لما تحمله من صراعات واقعية وقضايا مجتمعية حيوية، لا سيما أن مسلسل "نسمات أيلول" تولّى شقيقها يزن شربتجي إخراج الجزء الثاني منه، ما أتاح لها التركيز أكثر على التحضير لـ"مطبخ المدينة". ورغم مرور عام تقريباً على الإعلان الأول عن المشروع، إلا أن المسلسل ما زال يواجه تحديات كبيرة على عدة مستويات، منها ما يتعلق بالإنتاج، ومنها ما يخص استقرار طاقم العمل؛ فأُعلن في البداية عن قائمة أبطال قوية ضمت أسماء لافتة في الدراما السورية، من بينهم سلافة معمار وعبد المنعم عمايري وقيس الشيخ نجيب وسامر إسماعيل وعباس النوري وميسون أبو أسعد. إلا أن هذه التوليفة بدأت تتفكك تدريجياً نتيجة مشاكل في الإنتاج وتأجيلات متكررة، إلى جانب الحديث عن انسحابات غير متوقعة لبعض الممثلين. أولى العقبات الكبرى التي واجهت العمل كانت تتعلق بشركة الإنتاج التي يملكها محمد حمشو، رجل الأعمال المرتبط اسمه بعدد من القضايا، بما في ذلك مزاعم عن علاقات تجارية تجمعه بماهر الأسد وشخصيات من النظام السوري السابق. هذه الخلفية خلقت حالة من التوتر منذ العام الماضي، وازدادت تعقيداً مع تصاعد الأزمة السياسية، ما ألقى بظلاله على استمرارية الشركة وسمعتها في الوسط الفني، رغم أنها - في مسمييها السابقين "سورية الدولية" و"سما الفن" - أنتجت أبرز الأعمال الدرامية السورية في العقدين الماضيين. إضافة إلى ذلك، انسحب الفنان سامر إسماعيل من المسلسل، ما شكّل خسارة كبيرة للعمل، خصوصاً أنه يُعد من أبرز وجوه الصف الأول حالياً. وجرى تداول اسم الممثل الشاب ملهم بشر بديلاً له، ما أثار نقاشاً حول قدرة الأخير على ملء هذا الفراغ الفني. وطُرحت علامة استفهام أخرى حول مشاركة سلافة معمار، بعدما انضمت إلى بطولة مسلسل "المماليك"، ما جعل مشاركتها في "مطبخ المدينة" مرهونة بتوافق النص وجدول التصوير بين العملين. ومع إعلان شركة إيبلا تأجيل تصوير "المماليك"، يبدو أن الفرصة لا تزال قائمة لعودة سلافة معمار إلى دور البطولة إذا ما ناسبتها التعديلات التي طرأت على السيناريو بعد التطورات السياسية الأخيرة.


العربي الجديد
منذ 2 أيام
- العربي الجديد
الدراما السورية في حالة انتظار
على مدار عقد مضى، لم تكن الدراما السورية بخير. فقد تداخلت الثورة والحرب في سورية مع الإنتاج الدرامي ، ووُضع هذا الإنتاج في إطار يرتكز على المحسوبيات التي لم يوفرها نظام الأسد. وعلى الرغم من هذه الظروف الصعبة، فإن الدراما السورية استطاعت أن ترفع عنها سقف التدخلات والمصالح، وأن تقدم على الأقل روايات تستحق المشاهدة. من أبرز هذه الأعمال التي برزت في عز الحرب، مسلسلات "الندم" (2016) للمخرج الليث حجو، و"عندما تشيخ الذئاب" (2019) لعامر فهد، وصولاً إلى إنتاجات حققت نجاحاً خلال السنوات التي سبقت سقوط النظام في ديسمبر/كانون الأول 2024، مثل "كسر عضم" (2022) لرشا شربتجي و"الزند: ذئب العاصي" (2023) لسامر البرقاوي. ومع تولي الإدارة الجديدة زمام السلطة في سورية ، طرحت أسئلة كثيرة عن مستقبل الدراما. بدا الخوف على الحريات سؤالاً ملحاً، خصوصاً مع توجه عدد كبير من نجوم الفن السوري، من ممثلين ومغنين، إلى العاصمة اللبنانية بيروت، حيث قاموا بشراء أو استئجار منازل للإقامة. ويسعى هؤلاء إلى التوفيق بين الإقامة في بيروت وبين المشاركة في أعمال داخل سورية حال تحسنت الأوضاع. وهذا يعيد إلى الواجهة تساؤلات عن توجه شركات الإنتاج الدرامي السورية إلى دول مجاورة، كما حصل أيام تصاعد المعارك في البلاد. وفي هذا السياق، أعلنت شركة غولدن لاين للإنتاج الفني، الثلاثاء، عن نقل إنتاجها من سورية إلى الإمارات العربية المتحدة ولبنان، "بعد ما يناهز عشرين عاماً حاولنا فيها، موسماً بعد موسم، تقديم ما يليق بالمشاهد السوري والعربي، وتنقل كاميراتنا على معظم الأراضي السورية الغالية، لا سيما دمشق العظيمة، فخرجنا مع كل شركائنا من مخرجين وكتاب وممثلين وفنانين وفنيين وعاملين، بمسلسلات تحدثّت عن أهلنا، وبأعمال نالت خواطرهم وعبّرت عن هواجسهم حيناً وأحلامهم وخيالاتهم أحياناً، وبإنتاجات حملت دوماً اسم الدراما السورية عالياً محلياً وعربياً". وهو إعلان لم يكن مفاجئاً بعد محاولات الشركة المستمرة خلال الأشهر الستة الماضية للعمل داخل سورية التي لم تكلل بالنجاح بسبب الأجواء العامة السائدة، ومماطلة بعض الفنانين داخل البلاد وخارجها في الموافقة على العمل. الجميع يبدو في حالة انتظار لقرارات رسمية تحدد علاقة السلطة بالإنتاج ومساحات الرقابة المسموح بها. ولا يقتصر الانتظار على شركات الإنتاج أو الممثلين فقط، بل يشمل مشاريع درامية عدة لا تزال عالقة حتى اليوم، منها مسلسل "مطبخ المدينة" الذي أعلن عنه في الموسم الماضي، وكان من المتوقع أن يتصدر المشهد في دراما رمضان، لكن تصويره لم يبدأ بعد، مع حديث عن احتمال نقله إلى بيروت، حيث تعمل الشركة ومخرجة العمل رشا شربتجي في مشاريع أخرى. وتشير المعلومات إلى أن شركات الإنتاج اللبنانية المتعاونة مع شركات سورية، مثل "سيدرز برودكشن" لصادق صبّاح، ستركز مشاريعها مستقبلاً داخل بيروت. ويطرح موسم رمضان 2026 تساؤلات حول مصير الإنتاج السوري، وإمكانية الانتهاء خلال الأشهر الثلاثة المقبلة من ورش الإعداد والبدء بالتصوير مع بداية الخريف، لكن كل هذه الخطوات تبقى ضمن مربع "الانتظار" حتى الآن. وفيما يقضي الفنانون السوريون عطلة الصيف، يدرسون القرارات والعروض المحتملة التي من المرجح تنفيذها خارج بلدهم، لتبقى الدراما السورية، رغم كل الظروف، "عملة" مطلوبة على صعيد المنصات والمحطات العربية، تنتظر فرصتها للعودة إلى المشهد بقوة.

العربي الجديد
منذ 3 أيام
- العربي الجديد
المعهد العالي للفنون المسرحية... مخاوف تتبدّد بانتظار الدعم
عشرات نجوم الدراما السورية الذين عرفتهم الشاشة العربية على مدى عقود انطلقوا من المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، الذي تأسّس عام 1977 ورفد الدراما السورية بكثيرين من كوادرها، والتي وصلت منذ الثمانينات إلى الشاشات العربية، ولا تزال تحتل موقعا مهماً عليها، إلا أن رفده المسرح السوري والعربي لا يزال قاصراً نتيجة عوامل عدة. تجوّل ملحق "سورية الجديدة" في أروقة المعهد، بأقسامه: التمثيل، السينوغرافيا، الدراسات المسرحية، الرقص، الفنون الصوتية والضوئية. تعرّفنا قدر الممكن إلى أبرز المشكلات التي تواجهه، ومخاوف كوادره وطلابه بعد تحرير البلاد، وقد بدأت تتبدّد شيئا فشيئا، سيما أن المعهد استأنف نشاطه ودروسه بعد سقوط نظام الأسد بيوم، ولا يزال مستمرّاً كما المعتاد، وقد زار "سورية الجديد" المعهد في وقت يتهيأ الطلّاب لتقديم امتحانات العام الحالي. كان من أول الاستفهامات، وأكثرها إلحاحاً، ما يتعلق باسم المعهد المفترض أن يخرّج ممثلين مسرحيين، لا سيما من قسم التمثيل، لكن الغالبية العظمى من الخرّيجين ما إن ينفذوا خارج بوابة المعهد حتى يقصدوا طريق الدراما. غير أن الطالب أحمد الدرويش صنّف المسرح أنه وُجد ليكون من أدوات الترفيه للشعوب، وفي ظل الوضع الحالي لسورية، حاجات الشعب كثيرة حتى يصل إلى طلب الترفيه. ونوّه إلى أن الوصول إلى مسرح يقصده الناس سيجعل الممثل مهتمّاً بتقديم مسرح حقيقي وعدم وضع الذهاب إلى الدراما أولوية لتامين مردوده للعيش. يقف أحمد على الخشبة إلى جانب زملائه في دفعة التخرّج للعام الدراسي الحالي، لوضع اللمسات الأخيرة على العرض النهائي الخاص بالتخرّج، وكلهم أمل بمستقبل أفضل بعيداً عن سلطة الرقيب بعد سقوط النظام الذي كان يفرض رقابة صارمة على كل النصوص الفنية في المسرح والدراما، فيما عبّر أحمد عن ارتياح للوضع الجديد في البلاد مع السلطة الحالية، وقال: "كانت هناك قيود، ملموسة وغير ملموسة في السابق، لكننا اليوم نشعر بالحرية في التعبير، هناك فسحة أمل كبيرة، جعلتنا نغير أنا ومعظم زملائي من وضع السفر أولوية بعد التخرج، إلى بناء الأحلام على أساس صناعة فن حقيقي في البلاد، لكن ما ينقصنا مزيد من الاهتمام". الصورة أحمد (يمين) في بروفة واحد من عروض التخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية (عامر سيد علي) يريد أحمد أن يبعد رؤيته إلى المستقبل عن التنميط الذي يطاول السلطات الحالية، القادمة من خلفياتٍ محافظة بمعظمها، موضحاً أن الانفتاح الذي أبدته في كل المجالات وليس الفن فقط، يترجم على أرض الواقع، عن قناعة أو من دونها، حسب تعبيره، إلا أن ما يهم الفنانين، والسوريين في العموم، ما يلمسونه في حياتهم اليومية، وقال: "هم يقومون بخطوات إيجابية، تجعلني أتفاءل بمستقبل أفضل". يدخل الطلاب إلى المعهد في التاسعة صباحا، وقد تستمر دروسهم النظرية والعملية حتى التاسعة ليلا، ما يجعل الارتباط وثيقاً بين الطلاب والأساتذة مع المكان، لكن ذلك لا يخلو من منغّصات، فالبنية التحتية للمعهد بدت مستهلكة بشكل كبير، علاوة على أن الوضع الاقتصادي والمادي يرخي بظله على المدرسين والطلاب، فلدى معظم الطلاب الذين تحدثنا إليهم همّ تأمين أجور التنقل والمواصلات من المعهد وإليه، أما المدرّسون، فيكفي القول إن أكبر مرتب لمدرس لا يتجاوز عتبة 40 دولاراً شهرياً. بدا هامش الحرية ملحوظاً داخل المعهد، مع اختيار نصوص لكتاب سوريين، منعت أعمالهم في عهد النظام المخلوع على ذلك، تحسين وضع المدرسين والطلاب على حد سواء حاجةٌ ملحّةٌ وليس كمالية، بحسب الأستاذ المشرف على دفعة التخرج في قسم التمثيل في المعهد، يزن الدهوك، الذي يختلف مع الطالب أحمد الدرويش بأن المسرح ليس رفاهية، بل هو حاجة، لكن "ابتلاع سوق الدراما الخرّيجين والممثلين بالعموم لا ينبع من رغبة بذلك، وإنما من أن العمل للمسرح لا يجعل الممثل يعيش حياة كريمة من النهاية المادية"، معبّراً عن أسفه لهذه الحقيقة. أبدى الداهوك تفاؤله بالطلاب الـ 16 الذين سيتخرّجون من قسم التمثيل لهذا العام، معتقداً أن مستقبلهم الفني سيكون واعداً في حال توفرت لهم الظروف الملائمة لصناعة فن حقيقي، ولم يبد الداهوك أي مخاوف أو تفاؤل بشأن مستقبل الفن في ظل السلطة الحالية، سيما فيما يخص التعامل مع المعهد، قائلا: "لم يكن هناك اختبار حقيقي مع السلطة يخصّ هذا المكان بالتحديد، لكن ما نتمنّاه منهم الاهتمام وإعطاؤنا هامش الاستقلالية الذي يتطلبه الفن وصناعته". الصورة الأستاذ في المعهد يزن الداهوك يتوسط طلاباً من دفعة التخرج في قسم التمثيل (عامر...) بدا هامش الحرية ملحوظاً داخل المعهد، سيّما مع حضورنا محاضرة الإلقاء المسرحي لأستاذة المادة، ندى العبد الله، حيث بدأت باختيار نصوص لكتاب سوريين، منعت أعمالهم في عهد النظام المخلوع، أو تعرّضوا للتهميش والإهمال بسبب مواقفهم المعارضة، كأعمال إبراهيم صموئيل وخالد خليفة وغيرهما. وقد زار وزير الثقافة محمد صالح المعهد، إلا أن العبد الله ولكن لقاء عمل حقيقي معه أو مع الوزارة لوضع خطط وآليات للعمل لم يحدُث، منوهة إلى أن الإدارة الحالية للبلاد، وفيما يخص التعاطي مع الفنون أبدت اهتماما بالدراما وإنتاجها، لكنها قالت: "يبدو أن المسرح خارج اهتماماتهم، ويجب معالجة هذا الجانب". وعبرت ندى العبد لله عن مخاوف مشروعة تخصّ النواحي الأمنية، سيما مع قلاقل تتكرّر بين فينة وأخرى، كذلك كرّرت شكاوى الأساتذة والطلاب من قلة الدعم اللوجستي والهيكلي للمعهد وكوادره، منوّهة إلى أن "تحسين أداء المعهد وزيادة فاعليته يحتاج الكثير". الصورة ندى العبد الله في إحدى محاضرات الإلقاء المسرحي في المعهد (عامر...) معظم طلاب قسم الرقص في المعهد من الإناث، هذا ما يجعل المخاوف في حضور المرأة داخل هذا الحقل الفني في ظل العهد الجديد مشروعة، لكن الطالبة في السنة الثالثة في القسم، دانة أبو حسّون، نوّهت إلى أن المؤشّرات لتعاطي الحكومة مع الفنون تسير نحو الإيجابية، متوقّعة أن ينسحب ذلك على فن الرقص وتعليمه في المعهد. وقالت أبو حسون إن النظرة غير الراضية عن فن الرقص في المجتمع السوري غير مرتبطة بسلطة أو حكومة، وإنما هناك شريحة واسعة من المجتمع تنمّط هذا الفن في قوالب مختلفة، أقله أنه ليس حاجة ولا نفع من وجوده، بحسبها، ولكنها أشارت إلى أن هناك دعم من المهتمين بهذا الفن، وأضافت "في أي هواية أو فن أو أي عمل تقوم به، هناك من يتقبل وهناك من يرفض، وهذا طبيعي، المهم أن نستمر نحن من دون يوضع أمامنا عوائق". الصورة طالبات من السنة الثالثة في قسم الرقص في المعهد أثناء أحد الدروس (عامر...) كان ختام الجولة في المعهد في مكتب عميد المعهد بالوكالة والأستاذ في قسم الفنون الصوتية والضوئية، عمّار الحامض، الذي تحدّث عن تحدّيات واحتياجات كثيرة يجب أن تتوفر للمعهد في أقرب وقت، وقال: "أنشئ المعهد منذ نحو 50 عاماً، من دون أنْ يُضاف له أي شيء يدعم بنيته التحتية. ورغم أنه بدأ بقسمين، فإنه اليوم يضم خمسة أقسام. الاستديوهات والمسارح لدينا مستهلكة نتيجة التدريب المتواصل، والمعدّات لدينا بأقل إمكاناتها. وباختصار، البنية التحتية لدينا مهترئة، ونحن بحاجة إلى سرعةٍ في ترميم ذلك نظراً إلى حاجته". الحامض: "يجب تحسين دخل المدرسين وأجورهم، فمدرس المعهد يتقاضى مبلغ 30 إلى 40 دولارا شهريا". يعرف المعهد العالي للفنون المسرحية، منذ تأسيسه، بصرامته في عملية قبول الطلاب، لا سيما في قسم التمثيل، حيث يتقدم كل عام لهذا القسم مثلا، حوالي 800 إلى ألف طالب وربما أكثر، سيقبل منهم ما بين 12 إلى 16 أو 17 بالحد الأعلى. وبشأن إمكانية فتح المجال بشكل أكبر أمام الموهوبين للدراسة في المعهد، قال الحامض: "أولاً، نحتاج المكان الواسع، والمجهز تجهيزاً لائقاً يناسب استيعاب عدد أكبر من الطلاب، وهذا غير كاف إن لم تتوفر الكوادر والخبرات التدريسية، مثلا اليوم معظم الأساتذة لدينا من الخرّيجين. كما أن لدى المدرّسين القدامى في المعهد انقطاع كبير عن الخارج والبعثات التي تطوّر من أداء المدرّس، ولكي نستطيع أن نطلب من الخبرات والكفاءات السورية في الخارج والداخل الانضمام لأسرة المعهد والتدريس داخله، يجب تحسين دخل المدرّسين وأجورهم، فلا يعقل أن مدرّساً في المعهد الذي يُصدر واحدة من أهم الواجهات الثقافية في البلد، أن يتقاضى مبلغ 30 إلى 40 دولاراً شهرياً". الصورة عميد معهد الفنون المسرحية عمار الحامض: تضاءلت المخاوف ونسير اليوم جيداً (عامر...) وقال الحامض إن كل هذا المطالب موضوعة أمام وزارة الثقافة. ونوّه إلى وعود بتحقيق ما يمكن لتحسين وضع المعهد للأفضل، أما بخصوص المخاوف التي كانت حاضرة ولا تزال، فقال: "لا ننكر أنه كانت في بداية التحرير مخاوف من إغلاق المعهد، ثم بعد شهر أو شهرين تضاءلت هذه المخاوف إلى توقع بإيقاف قسم الرقص. وبعد مضي أكثر من ستة أشهر، نجد أن الأمور تسير جيداً، فلم نتعرّض لمضايقات أو حتى تدخل في عملنا، على العكس نلقى تشجيعا من الوزارة، وزارنا الوزير وسنحدد لقاء عمل معه، بالتالي نحن نسير كما المعتاد ولدينا نتاج نحافظ عليه".