
لم يظهر فيها المُذيع، كيف كانت أول نشرة أخبار تلفزيونية لبي بي سي؟
وعلى الرغم من أن خدمة التلفزيون كانت تعمل منذ فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، إلا أن بي بي سي كانت مترددة في السماح للتلفزيون بمنافسة الإذاعة كمصدر لنقل الأخبار.
وبعد نقاش طويل، تقرر تقديم نشرة إخبارية تلفزيونية مسائية، لكن دون أن يظهر مذيعو الأخبار أمام الكاميرات.
بدأت نشرة بي بي سي الإخبارية التلفزيونية في 5 يوليو/ تموز من عام 1954، من خلال برنامج "الأخبار والنشرة المصورة"، وقد بدأت النشرة بملخص للأخبار، مرفق بخرائط وصور ثابتة. وجاءت هذه الخطوة بعد سنوات من الاعتماد على الإذاعة المسموعة كوسيلة رئيسية لنقل الأخبار، وتزامنت مع تطورات تقنية ومجتمعية فرضت نفسها على صناعة الإعلام البريطاني والعالمي.
ولم تكن تلك الخطوة معزولة عن السياق العام الذي عاشته بريطانيا بعد الحرب، فقد كانت البلاد تشهد تحولات اقتصادية وسياسية عميقة، وبدأ التلفزيون يأخذ مكاناً متزايداً في الحياة اليومية للناس، خاصة بعد أن قررت الحكومة دعم التوسع في البث التلفزيوني ليصل إلى مختلف الأقاليم.
وقد أدركت بي بي سي أن عليها أن تتماشى مع هذه التحولات، لكنها في الوقت نفسه كانت حريصة على الحفاظ على طابعها الرسمي الرصين، الذي عُرفت به منذ نشأتها في عشرينيات القرن الماضي.
وفي أول نشرة تلفزيونية، قدّم قارئا الأخبار، ريتشارد بيكر وجون سناغ، النشرة دون أن يظهرا على الشاشة، حيث كان يُعتقد أن ظهورهما قد يشكل مصدر تشتيت للمشاهد، كما كان المسؤولون في بي بي سي يخشون من أن يؤدي ظهور المذيعين إلى تشخيص الأخبار وربطها بشخصيات محددة، مما قد يضعف الحيادية التي لطالما حرصت عليها بي بي سي.
وقال المذيع في بي بي سي حينها ريتشارد بيكر: "كل ما فعلته في ذلك البرنامج الأول، في الساعة 7:30 مساءً يوم 5 يوليو/تموز 1954، هو أنني قلت: ها هو موجزمصور للأخبار، سيتبعه أحدث فيلم عن الأحداث في الداخل والخارج. لم يكن من المفترض أن نُرى ونحن نقرأ الأخبار لأنهم كانوا يخشون أن نلوث تيار الحقيقة النقي بتعابير وجه غير مناسبة".
وأضاف: "تراجعت الإدارة عن هذا القرار في عام 1955 وسمحت لمذيعي الأخبار التلفزيونية بالظهور على الشاشة، وتمت تجربتي أنا وكينيث كيندال في موجز منتصف الليل، حيث كان يُأمل ألا يشاهدها الكثير من الناس".
وفي الواقع، ارتبط تغير موقف بي بي سي من ظهور مذيعي نشرة الأخبار على الشاشة مع انطلاق قناة "آي تي في" التجارية في عام 1955، التي كسرت احتكار بي بي سي للبث التلفزيوني، وبدأت في تقديم نشرات إخبارية تتضمن مذيعين يظهرون على الشاشة ويتحدثون مباشرة إلى الجمهور، مما زاد من الضغوط على بي بي سي لتحديث نهجها.
وكانت القصة الرئيسية في أول نشرة أخبار في تلفزيون بي بي سي تدور حول محادثات هدنة تُعقد في هانوي في فيتنام، بعد انتهاء حرب الهند الصينية الأولى، التي استمرت لعقد كامل بين عامي 1946 و1956.
أما ثاني أبرز أخبار النشرة، فكان حول تحركات القوات الفرنسية في تونس قبيل موافقة رئيس الوزراء الفرنسي بيير منديس فرانس على منح البلاد الاستقلال.
أما الفقرة الأخيرة من برنامج "الأخبار والنشرة المصورة"، فقد خُصصت لأفلام النشرة المصورة، في حين اختُتمت النشرة القصيرة بتقرير عن نهاية نظام تقنين المواد التموينية بعد الحرب العالمية الثانية.
مشكلات وصعوبات
وفي بدايته، تعرض البرنامج الذي استغرق 20 دقيقة لانتقادات شديدة.
وفي ذلك الوقت، لم يكن إنتاج نشرة أخبار تلفزيونية مهمة سهلة، فقد كانت التقنية المستخدمة بدائية نسبياً، والمونتاج يتم يدوياً باستخدام شرائط الأفلام السينمائية، مما كان يستغرق وقتاً طويلاً، كما أن نقل المواد من مراسلي الهيئة في الخارج كان يتطلب إرسال الأشرطة بالبريد الجوي، مما تسبب في تأخير نقل الأخبار الدولية، ومع ذلك، كانت النشرة الأولى علامة فارقة، إذ مثّلت أول محاولة منظمة لتقديم الأخبار بصورة مرئية منتظمة للجمهور البريطاني.
وقد اعترف المدير العام لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي في ذلك الوقت، السير إيان جاكوب، بأن هناك مشكلات مبدئية صاحبت إطلاق برنامج "الأخبار والنشرة المصورة".
وقال جاكوب إن "تقديم الأخبار على التلفزيون ليس أمراً سهلاً على الإطلاق، فالكثير من الأخبار الرئيسية يصعب تقديمها بصرياً، ولذلك نواجه تحدياً في تقديم الأخبار بنفس المعايير التي أرستها الهيئة في بثها الإذاعي".
ومع ذلك، راهن جاكوب على أن "هذه بداية لشيء نعتبره بالغ الأهمية للمستقبل".
وقد كتب مدير الأخبار، تاهو هول، في مجلة راديو تايمز عن الصعوبات المتعلقة بالحصول على أفلام إخبارية، حيث كانت تعتمد غالباً على الطائرات وتخضع لقيود الجمارك، وأعرب عن أمله في أن يأتي يوم تتوفر فيه المواد المصورة بشكل شبه فوري.
انتشار كبير
ورغم البداية المتعثرة، شهدت الأخبار التلفزيونية نمواً ملحوظاً وانتشاراً كبيراً، فبحلول عام 1955، تضاعف وقت بثها، وأدى إدخال ظهور المذيعين على الشاشة إلى زيادة شعبيتها تدريجياً.
وقد أثبتت الأخبار التلفزيونية قيمتها الحقيقية عام 1956، حين أدخلت مشاهد لأزمتَي السويس والمجر إلى منازل الناس.
وهكذا، وعلى الرغم من التذمر الأولي من البرنامج، بدأ عدد متزايد من الناس في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين يُقبلون على مشاهدة التلفزيون، مما دفع الهيئة إلى زيادة محتواها الإخباري، ولم تتراجع منذ ذلك الحين.
ومع استقرار التلفزيون وبدء جذب جمهور واسع، توسعت التغطية الإخبارية لتصبح جزءًا لا يتجزأ من الجدول اليومي، وأصبح بيكر وزملاؤه وجوهاً مألوفة على الشاشة.
وبالإضافة إلى تقديمهم للأخبار الوطنية، تناوبوا على استضافة برنامج الشؤون الإقليمية في لندن "تاون آند أراوند" بينما كان بيكر يقدم نشرة خاصة مساء الأحد موجهة للصم وضعاف السمع.
وفي ستينيات القرن الماضي مع أزمة الصواريخ الكوبية وحرب فيتنام، أصبحت نشرة بي بي سي أكثر نضجاً من حيث الشكل والمضمون حيث بدأت بي بي سي في استخدام اللقطات المصورة بشكل أكثر فاعلية، وأدخلت الخرائط التوضيحية ، كما بدأت في اعتماد ترتيب أكثر وضوحاً للأخبار من حيث الأهمية.
وفي عام 1964، أُطلق أول برنامج إخباري متكامل بعنوان "نيوز روم"، وكان يقدم الأخبار من استوديو مخصص مع مذيعين محترفين، وأصبح بمثابة النموذج الذي تبنته بي بي سي على مدى العقود اللاحقة.
تغيير النهج
وفي عام 1981، قررت بي بي سي إعادة التفكير في نهجها تجاه نشرات الأخبار التلفزيونية. فحتى ذلك الحين، كان العديد من مذيعي الأخبار، مثل بيكر، يُختارون من صفوف الممثلين الطموحين.
وكانت الفكرة الجديدة هي منح الدور للصحفيين ذوي الشهرة الكبيرة، الذين سيكونون أكثر انخراطاً وتفاعلاً من خلال إجراء بعض المقابلات بأنفسهم.
وتولى جون همفريس وجون سيمبسون تقديم النشرة الرئيسية في الساعة التاسعة مساءً، بينما قدّم بيكر فقرة قصيرة في الساعة السادسة مساءً، وبعد بضعة أشهر، قرر التخلي عن هذا الدور تماماً.
وحول رؤيته للصفات المطلوبة في مذيع الأخبار التلفزيوني، وصف ريتشارد بيكر نهجه الشخصي في مذكراته الصادرة عام 1966 بعنوان "ها هي الأخبار"، وقال: "أحاول أن أتخيل شخصين أو ثلاثة جالسين حول المدفأة في المنزل، ما سيصل إليهم هو نقل هادئ للحقائق، مع إظهار ثقة هادئة، ثقة دون غرور، تحفظ دون جمود، وودّ دون مبالغة في الألفة، وهناك، في مكان ما، يكمن ذلك التوازن المراوغ".
وأضاف:"نحن ننتمي إلى ذلك النوع الغريب من رجال التلفزيون الذين يُدفع لهم فقط ليتحدثوا إلى الآخرين، من المفترض أن الأمر ليس صعباً، لكن كلما مارسته، أدركت كم هو صعب فعلًا، إنها حرفة مليئة بالتناقضات".
واليوم، أصبحت النشرات الرئيسية على قناة بي بي سي 1 مدعومة بقناة الأخبار المستمرة، التي تقدم تغطية حية وآنية على مدار الساعة، إلى جانب خدمات إخبارية متاحة عبر الإنترنت والهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية.
وتحتل أخبار بي بي سي مكانة خاصة في قلوب المشاهدين، لا سيما بسبب بعض الهفوات الطريفة التي تُعرض أحياناً على الهواء.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شفق نيوز
منذ يوم واحد
- شفق نيوز
لم يظهر فيها المُذيع، كيف كانت أول نشرة أخبار تلفزيونية لبي بي سي؟
من الصعب تخيّل العالم اليوم بدون تغطية إخبارية تلفزيونية على مدار الساعة، في وقت يبدو فيه العديد من المذيعين البارزين مرهقين بعد ليلة كاملة من التغطية المتواصلة لحرب أو انتخابات في مكان ما على سبيل المثال. وعلى الرغم من أن خدمة التلفزيون كانت تعمل منذ فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، إلا أن بي بي سي كانت مترددة في السماح للتلفزيون بمنافسة الإذاعة كمصدر لنقل الأخبار. وبعد نقاش طويل، تقرر تقديم نشرة إخبارية تلفزيونية مسائية، لكن دون أن يظهر مذيعو الأخبار أمام الكاميرات. بدأت نشرة بي بي سي الإخبارية التلفزيونية في 5 يوليو/ تموز من عام 1954، من خلال برنامج "الأخبار والنشرة المصورة"، وقد بدأت النشرة بملخص للأخبار، مرفق بخرائط وصور ثابتة. وجاءت هذه الخطوة بعد سنوات من الاعتماد على الإذاعة المسموعة كوسيلة رئيسية لنقل الأخبار، وتزامنت مع تطورات تقنية ومجتمعية فرضت نفسها على صناعة الإعلام البريطاني والعالمي. ولم تكن تلك الخطوة معزولة عن السياق العام الذي عاشته بريطانيا بعد الحرب، فقد كانت البلاد تشهد تحولات اقتصادية وسياسية عميقة، وبدأ التلفزيون يأخذ مكاناً متزايداً في الحياة اليومية للناس، خاصة بعد أن قررت الحكومة دعم التوسع في البث التلفزيوني ليصل إلى مختلف الأقاليم. وقد أدركت بي بي سي أن عليها أن تتماشى مع هذه التحولات، لكنها في الوقت نفسه كانت حريصة على الحفاظ على طابعها الرسمي الرصين، الذي عُرفت به منذ نشأتها في عشرينيات القرن الماضي. وفي أول نشرة تلفزيونية، قدّم قارئا الأخبار، ريتشارد بيكر وجون سناغ، النشرة دون أن يظهرا على الشاشة، حيث كان يُعتقد أن ظهورهما قد يشكل مصدر تشتيت للمشاهد، كما كان المسؤولون في بي بي سي يخشون من أن يؤدي ظهور المذيعين إلى تشخيص الأخبار وربطها بشخصيات محددة، مما قد يضعف الحيادية التي لطالما حرصت عليها بي بي سي. وقال المذيع في بي بي سي حينها ريتشارد بيكر: "كل ما فعلته في ذلك البرنامج الأول، في الساعة 7:30 مساءً يوم 5 يوليو/تموز 1954، هو أنني قلت: ها هو موجزمصور للأخبار، سيتبعه أحدث فيلم عن الأحداث في الداخل والخارج. لم يكن من المفترض أن نُرى ونحن نقرأ الأخبار لأنهم كانوا يخشون أن نلوث تيار الحقيقة النقي بتعابير وجه غير مناسبة". وأضاف: "تراجعت الإدارة عن هذا القرار في عام 1955 وسمحت لمذيعي الأخبار التلفزيونية بالظهور على الشاشة، وتمت تجربتي أنا وكينيث كيندال في موجز منتصف الليل، حيث كان يُأمل ألا يشاهدها الكثير من الناس". وفي الواقع، ارتبط تغير موقف بي بي سي من ظهور مذيعي نشرة الأخبار على الشاشة مع انطلاق قناة "آي تي في" التجارية في عام 1955، التي كسرت احتكار بي بي سي للبث التلفزيوني، وبدأت في تقديم نشرات إخبارية تتضمن مذيعين يظهرون على الشاشة ويتحدثون مباشرة إلى الجمهور، مما زاد من الضغوط على بي بي سي لتحديث نهجها. وكانت القصة الرئيسية في أول نشرة أخبار في تلفزيون بي بي سي تدور حول محادثات هدنة تُعقد في هانوي في فيتنام، بعد انتهاء حرب الهند الصينية الأولى، التي استمرت لعقد كامل بين عامي 1946 و1956. أما ثاني أبرز أخبار النشرة، فكان حول تحركات القوات الفرنسية في تونس قبيل موافقة رئيس الوزراء الفرنسي بيير منديس فرانس على منح البلاد الاستقلال. أما الفقرة الأخيرة من برنامج "الأخبار والنشرة المصورة"، فقد خُصصت لأفلام النشرة المصورة، في حين اختُتمت النشرة القصيرة بتقرير عن نهاية نظام تقنين المواد التموينية بعد الحرب العالمية الثانية. مشكلات وصعوبات وفي بدايته، تعرض البرنامج الذي استغرق 20 دقيقة لانتقادات شديدة. وفي ذلك الوقت، لم يكن إنتاج نشرة أخبار تلفزيونية مهمة سهلة، فقد كانت التقنية المستخدمة بدائية نسبياً، والمونتاج يتم يدوياً باستخدام شرائط الأفلام السينمائية، مما كان يستغرق وقتاً طويلاً، كما أن نقل المواد من مراسلي الهيئة في الخارج كان يتطلب إرسال الأشرطة بالبريد الجوي، مما تسبب في تأخير نقل الأخبار الدولية، ومع ذلك، كانت النشرة الأولى علامة فارقة، إذ مثّلت أول محاولة منظمة لتقديم الأخبار بصورة مرئية منتظمة للجمهور البريطاني. وقد اعترف المدير العام لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي في ذلك الوقت، السير إيان جاكوب، بأن هناك مشكلات مبدئية صاحبت إطلاق برنامج "الأخبار والنشرة المصورة". وقال جاكوب إن "تقديم الأخبار على التلفزيون ليس أمراً سهلاً على الإطلاق، فالكثير من الأخبار الرئيسية يصعب تقديمها بصرياً، ولذلك نواجه تحدياً في تقديم الأخبار بنفس المعايير التي أرستها الهيئة في بثها الإذاعي". ومع ذلك، راهن جاكوب على أن "هذه بداية لشيء نعتبره بالغ الأهمية للمستقبل". وقد كتب مدير الأخبار، تاهو هول، في مجلة راديو تايمز عن الصعوبات المتعلقة بالحصول على أفلام إخبارية، حيث كانت تعتمد غالباً على الطائرات وتخضع لقيود الجمارك، وأعرب عن أمله في أن يأتي يوم تتوفر فيه المواد المصورة بشكل شبه فوري. انتشار كبير ورغم البداية المتعثرة، شهدت الأخبار التلفزيونية نمواً ملحوظاً وانتشاراً كبيراً، فبحلول عام 1955، تضاعف وقت بثها، وأدى إدخال ظهور المذيعين على الشاشة إلى زيادة شعبيتها تدريجياً. وقد أثبتت الأخبار التلفزيونية قيمتها الحقيقية عام 1956، حين أدخلت مشاهد لأزمتَي السويس والمجر إلى منازل الناس. وهكذا، وعلى الرغم من التذمر الأولي من البرنامج، بدأ عدد متزايد من الناس في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين يُقبلون على مشاهدة التلفزيون، مما دفع الهيئة إلى زيادة محتواها الإخباري، ولم تتراجع منذ ذلك الحين. ومع استقرار التلفزيون وبدء جذب جمهور واسع، توسعت التغطية الإخبارية لتصبح جزءًا لا يتجزأ من الجدول اليومي، وأصبح بيكر وزملاؤه وجوهاً مألوفة على الشاشة. وبالإضافة إلى تقديمهم للأخبار الوطنية، تناوبوا على استضافة برنامج الشؤون الإقليمية في لندن "تاون آند أراوند" بينما كان بيكر يقدم نشرة خاصة مساء الأحد موجهة للصم وضعاف السمع. وفي ستينيات القرن الماضي مع أزمة الصواريخ الكوبية وحرب فيتنام، أصبحت نشرة بي بي سي أكثر نضجاً من حيث الشكل والمضمون حيث بدأت بي بي سي في استخدام اللقطات المصورة بشكل أكثر فاعلية، وأدخلت الخرائط التوضيحية ، كما بدأت في اعتماد ترتيب أكثر وضوحاً للأخبار من حيث الأهمية. وفي عام 1964، أُطلق أول برنامج إخباري متكامل بعنوان "نيوز روم"، وكان يقدم الأخبار من استوديو مخصص مع مذيعين محترفين، وأصبح بمثابة النموذج الذي تبنته بي بي سي على مدى العقود اللاحقة. تغيير النهج وفي عام 1981، قررت بي بي سي إعادة التفكير في نهجها تجاه نشرات الأخبار التلفزيونية. فحتى ذلك الحين، كان العديد من مذيعي الأخبار، مثل بيكر، يُختارون من صفوف الممثلين الطموحين. وكانت الفكرة الجديدة هي منح الدور للصحفيين ذوي الشهرة الكبيرة، الذين سيكونون أكثر انخراطاً وتفاعلاً من خلال إجراء بعض المقابلات بأنفسهم. وتولى جون همفريس وجون سيمبسون تقديم النشرة الرئيسية في الساعة التاسعة مساءً، بينما قدّم بيكر فقرة قصيرة في الساعة السادسة مساءً، وبعد بضعة أشهر، قرر التخلي عن هذا الدور تماماً. وحول رؤيته للصفات المطلوبة في مذيع الأخبار التلفزيوني، وصف ريتشارد بيكر نهجه الشخصي في مذكراته الصادرة عام 1966 بعنوان "ها هي الأخبار"، وقال: "أحاول أن أتخيل شخصين أو ثلاثة جالسين حول المدفأة في المنزل، ما سيصل إليهم هو نقل هادئ للحقائق، مع إظهار ثقة هادئة، ثقة دون غرور، تحفظ دون جمود، وودّ دون مبالغة في الألفة، وهناك، في مكان ما، يكمن ذلك التوازن المراوغ". وأضاف:"نحن ننتمي إلى ذلك النوع الغريب من رجال التلفزيون الذين يُدفع لهم فقط ليتحدثوا إلى الآخرين، من المفترض أن الأمر ليس صعباً، لكن كلما مارسته، أدركت كم هو صعب فعلًا، إنها حرفة مليئة بالتناقضات". واليوم، أصبحت النشرات الرئيسية على قناة بي بي سي 1 مدعومة بقناة الأخبار المستمرة، التي تقدم تغطية حية وآنية على مدار الساعة، إلى جانب خدمات إخبارية متاحة عبر الإنترنت والهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية. وتحتل أخبار بي بي سي مكانة خاصة في قلوب المشاهدين، لا سيما بسبب بعض الهفوات الطريفة التي تُعرض أحياناً على الهواء.


ساحة التحرير
منذ يوم واحد
- ساحة التحرير
عواقب وخيمة لمهرطقي غلاستونبري!سعيد محمد
عواقب وخيمة لمهرطقي غلاستونبري! سعيد محمد* من بوابة فلسطين، وعلى منصة غلاستونبري، مهرجان الموسيقى الأهم في المملكة المتحدة، وجدت (أم الديموقراطيات الحديثة) نفسها في قلب عاصفة سياسية شرسة، أشعلتها عروض فرقة البانك راب 'بوب فيلان' وثلاثي الراب الأيرلندي (الشمالي) 'ني كاب'. فما بدأ كمظاهر تضامن من فنانين تقدميين مع قضية شعب يتعرض للإبادة الجماعية وسط صمت العالم وتواطؤ الحكومات الغربيّة، تصاعد سريعاً إلى جدل سياسي وثقافي واسع النطاق، استدعى تحريضاً علنياً من السفارة الإسرائيلية في لندن، وإدانة من أعلى المستويات الحكومية، وتقريعاً علنياً للإعلام، وأطلق تحقيقات جنائية، ودفع جهات مؤثرة تبدأ من حكومة الولايات المتحدة ولا تنتهي عند وكالات المواهب إلى اتخاذ إجراءات عقابية صارمة ضد الفنانين المهرطقين بما لا ترغب السلطات بسماعه ترقى في مجموعها إلى حرب ساحرات عصرية مكتملة الأركان. يتركز الجدل بشكل أساسي حول استغلال فرقة بوب فيلان نقل هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي المباشر فعاليات غلاستونبري لتمرير رسائل ذات مضمون سياسي، حيث قاد بوبي فيلان هتافات 'الموت، الموت للجيش الإسرائيلي' و'فلسطين ستكون حرة من النهر إلى البحر' فيما بينما كانت تُعرض على الشاشة خلفه رسائل تصف جرائم إسرائيل في غزة بأنها 'إبادة جماعية'. وقد سارعت وزيرة الثقافة ليزا ناندي إلى توبيخ بي بي سي، مشيرة إلى 'مشكلة قيادة' داخلها وطالبت بإجابات فورية حول سبب عدم قطع البث المباشر. ونددت الوزيرة – المكلفة بحماية الثقافة والمثقفين وحقوق التعبير الفني – بـما وصفته 'المشاهد المروعة وغير المقبولة'، وأكدت أن الحكومة لن تتسامح مع معاداة السامية – في خلط تام ساذج بين انتقاد الإبادة التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في قطاع غزة ومظاهر كراهية اليهود في أوروبا التاريخية -. والتحقت بي بي سي من جانبها بالوزيرة لتشير إلى أن 'المشاعر المعادية للسامية التي عبر عنها بوب فيلان كانت غير مقبولة على الإطلاق' وأعربت عن أسفها لعدم وقف البث في حينه، وقامت منذ ذلك الحين بإزالة العرض من خدماتها لمشاهدة التسجيلات. وأعلن في لندن عن محادثات مع هيئة تنظيم الإعلام (أوفكوم) بهذا الخصوص، ما يشير إلى مراجعة رسمية لطريقة تعامل بي بي سي مع الحادثة، لا سيما بعدما أن أدانها رئيس الوزراء، كير ستارمر. بدوره حظي حفل فرقة ني كاب باهتمام كبير، رغم أن بي بي سي تعمدت عدم بثه مباشرة. وقد واجهت الفرقة، المعروفة بتعليقاتها المؤيدة للفلسطينيين والسياسية، دعوات سابقة من كل أطياف النخبة الحاكمة في السلطة والمعارضة لمنعها من المشاركة في المهرجان بحجة اتهام مو تشارا، أحد أعضائها، بالإرهاب إثر رفعه علم حزب الله خلال حفل سابق. وقادت الفرقة هتافات 'فلينكح كير ستارمر'، رددها جمهور عريض تكراراً في تحدٍ مباشر للسلطات بينما غرقت الساحة أمامهم في بحر من أعلام فلسطينية. وبينما كانت السلطات تكافح لإرضاء السفارة الإسرائيلية واللوبي الصهيوني في المملكة أعاد المغني الأمريكي مارك ريبلليت نكأ جروحها بعدما استغل حفلته (أمس أول) لرفع علم فلسطيني وقيادة جمهوره للهتاف بالنكاح لنتانياهو (رئيس الوزراء الإسرائيلي) وللجيش الإسرائيلي كليهما! مطاردة مهرطقي غلاستونبري التي بدأت بالإدانات الرسمية وتأنيب ال بي بي سي انتقلت إلى حيز التحقيقات الجنائية عندما فتحت شرطة أفون وسومرست مراجعة للحفلات، مع تدقيق في اللقطات الصوتية والمرئية لتحديد ما إذا كانت أي هتافات فيها تشكل مادة ترقى إلى جرم جنائي، بما في ذلك جرائم الكراهية والتحريض. بالإضافة إلى الملاحقة القانونية، واجهت فرقة بوب فيلان عواقب مهنية وخيمة: فقد أُلغيت تأشيرات دخول الفرقة إلى الولايات المتحدة بعد تدخل مباشر من ماركو روبيو وزير خارجيّة الإمبراطوريّة شخصياً، وتخلت عنهم الشركة الأمريكية التي كانت تمثلهم فنياً – الوكالة المتحدة للمواهب – فألغت عقودها معهم بعد أن كان من المقرر أن تقدم الفرقة عروضاً في شيكاغو وبروكلين وفيلادلفيا الخريف المقبل. وقد رد فيلان على هذه الحملة من خلال مقطع فيديو على إنستغرام، قال فيه إن السياسيين البريطانيين يجب أن يخجلوا كثيراً من موضع 'ولاءاتهم'، مشدداً على أن 'الدعوة لإنهاء ذبح الأبرياء ليست خاطئة أبداً'، وأن غضبه موجه نحو الجيش وليس الشعب الإسرائيلي. على أن شركة ميتا (مالكة فيسبوك وانستغرام وواتس أب) سارعت إلى إزالة الفيديو من التطبيق، ما اضطر فيلان إلى إصدار نص مكتوب تداوله النشطاء كصورة عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي قال فيه: 'إن تعليم أطفالنا التحدث عن التغيير الذي نريده ويحتاجونه هو الطريقة الوحيدة التي نجعل بها هذا العالم مكانا أفضل. ومع تقدمنا في السن ونيراننا بالتلاشي تحت ضغوط حياة الكبار الخانقة ومسؤولياتها، من المهم للغاية أن نشجع ونلهم الأجيال القادمة لالتقاط الشعلة التي نقلت إلينا.' لقد تحول مهرجان غلاستونبري هذا العام – وبعكس رغبات منظميه – إلى منصة السياسة الشعبيّة الأهم في بريطانيا بعد تغوّل الصهينة على السياسيين، وغلبة الخنوع على الإعلام الرئيسي، وتردي مستوى الجدل الثقافي العام. وبفضل هذا النوع من الفنانين المنحازين بحكم فنهم وثقافتهم للإنسان ضد الإمبريالية ولحريّة التعبير ضد القمع والمقتلة، صار للناس العاديين من الأغلبية في هذا البلد منصة تطلق منها مواقفهم الصريحة الواضحة ضد جرائم الإمبريالية والحرب الطبقية التي تشنها النخب – وإن بهتافات بذيئة تبدأ بنكاح الحكام ولا تنتهي عند تمني موت جيوشهم -. – لندن 2025-07-05


شفق نيوز
منذ 2 أيام
- شفق نيوز
فيديوهات وتسجيلات صوتية تكشف تفاصيل صادمة من العالم الخفي لمغني الراب ديدي
تحذير: يحتوي التقرير على أوصاف صريحة وحساسة. هل يمكنكم المجيء وتنظيم المكان هنا؟ لا يبدو أن المكان يتمتع بالفخامة المطلوبة"، يقول شون "ديدي" في ملاحظة صوتية مسجلة لمساعديه الشخصيين، بينما تُسمع موسيقى "ريذام آند بلوز" في الخلفية. قبل ساعات، كان المكان يصخب بحفل جنس جماعي أو ما يُعرف بـ"فريك أوف"، أي ليلة جنس جماعي تحت تأثير المخدرات، يطلق عليها أيضاً اسم "ليلة الملك المتوحش". والآن، يُستدعى الموظفون لتنظيف المكان. وكتب رئيس طاقم الموظفين لدى ديدي بعد حفل ماجن آخر إنه "قال إنه بحاجة إلى تنظيف طارئ في الفندق. أحضِروا له مزيلاً للبقع (للكرسي والأريكة) وأكياس نفايات سوداء. كما طلب بيكربونات الصوديوم أيضاً". اطلعت بي بي سي على رسائل وتسجيلات صوتية من موظفين سابقين في منزل كومبز (الاسم الرسمي لديدي). كما سرد هؤلاء الموظفون تفاصيل عن العمل لدى قطب الموسيقى الذي تقدر ثروته بالملايين، من تأجير اليخوت الفاخرة إلى الإقامة في قصوره الفارهة في مناطق مختلفة في الولايات المتحدة، مثل هامبتونز وبيفرلي هيلز و"ستار آيلاند" في ميامي. وتمتد شهاداتهم ومعرفتهم به على مدى السنوات الخمس إلى العشر الماضية، وهي الفترة التي خضعت للتدقيق خلال محاكمته الجنائية في نيويورك. في ختام المحاكمة يوم الأربعاء، تم تبرئة الرجل البالغ من العمر 55 عاماً من أخطر التهم، وهي الانخراط في نشاطات منظمة، وتهمتين تتعلقان بالاتجار بالجنس بحق شريكته السابقة كاساندر فينتورا وامرأة أخرى أُشير إليها باسم "جين". إلا أن هيئة المحلفين أدانته بتهمتين أخريين تتعلقان بنقل المرأتين للمشاركة في الدعارة. وستُصدر المحكمة حكمها في وقت لاحق. اطلعت بي بي سي على مواد تُظهر صورة صاحب عمل ومدير "مخيف" ومتقلب كان يفرض "اختبارات ولاء" صادمة، وتزداد مطالبه تطرفاً مع الوقت. وصف الموظفون كيف كانت حفلات "فريك أوف"، التي كانت تستمر أحياناً لأيام، تُقام في مواقع مختلفة حول العالم، وكان كومبز يطلب من الموظفين إعداد حقيبة تحتوي على "زيت أطفال، ومواد مزلّقة، وأضواء حمراء"، لخلق الأجواء التي يفضلها، إلى جانب مخدرات من الدرجة الأولى أينما سافر. علمت بي بي سي أن كومبز كان يفرض سيطرة مشددة على دائرته المقربة داخل قصره الفاره الواقع على شاطئ ميامي، الذي تبلغ قيمته 48 مليون دولار، في جزيرة صناعية خاصة. "لن أكون شفافاً معكم"، حذر كومبز الموظفين في ملاحظة صوتية أرسلها إلى مجموعة على واتساب عام 2020. "هناك أماكن مظلمة، أنتم (كلمة نابية)، لا تريدون الذهاب إليها. ابقوا حيث أنتم". قال الموظفون إنه كان شديداً، ومتطلباً، ومتقلب المزاج، ونسب البعض تقلباته إلى نمط حياة يعتمد على السهرات التي تغص بالمخدرات. وكان معدل تبدل الموظفين مرتفعاً، إذ وصل عدد مرات تبديل مديري المنزل إلى 20 مديراً في غضون عامين فقط، بحسب ما قاله لنا أحد مديري منازله السابقين. وقال فيل باينز، البالغ من العمر 40 عاماً، وقد عمل مساعداً تنفيذياً رئيسياً بين عامي 2019 و2021، لبي بي سي: إن كومبز لم يتحدث معه مطلقاً عند بداية العمل. وأضاف: "بدا الأمر أشبه بطقس دخول طائفة ما. لم نتبادل كلمة واحدة طوال 30 يوماً". وقال مساعد آخر، أطلقنا عليه اسم إيثان (ليس اسمه الحقيقي): "كان رجلاً مريضاً للغاية بسلوكيات متقلبة، كان أحياناً عدوانياً جداً، وأحياناً لطيفاً للغاية". وقمنا بتغيير اسم إيثان لأنه لا يزال يعمل في مجال الضيافة المخصصة للأثرياء، ويخشى أن تؤثر الشهادة ضد كومبز على مستقبله المهني. أظهر لنا إيثان ندبة صغيرة على جبهته، قال إنها نتيجة لتحطيم كومبز كأساً زجاجياً على الحائط في نوبة غضب، فتطايرت الشظايا وأصابته. كان باينز وإيثان ضمن مجموعة صغيرة من المساعدين الموثوقين لدى كومبز، وقالا إنه كان كثيراً ما يمارس ألعاباً ذهنية على الموظفين. يتذكر إيثان أحد اختبارات الولاء، عندما خلع كومبز أحد خواتمه وألقاه في المحيط، ثم التفت إلى إيثان وقال له إنه عليه استعادته من الماء. BBC وكانا في مناسبة رسمية، ويرتدي كلاهما بدلات أنيقة. يقول إيثان إن ذلك لم يمنعه من القفز على الفور لاستعادته. في حادثة أخرى، قال باينز إن كومبز اتصل به بعد منتصف الليل، فقط ليطلب منه إحضار جهاز التحكم عن بعد من تحت السرير، حيث كان مستلقياً مع ضيفة. "أترين؟ إنه مخلص، ويمكنه العودة الآن"، يتذكر باينز أن كومبز قال ذلك للضيفة. وأضاف: "شعرت كأنني حيوان". BBC لكن ليالي "الملك المتوحش"، كما كانت رئيسة طاقمه كريستينا خورام تطلق عليها، كشفت جانباً أكثر ظلمة للعمل مع كومبز. قال باينز: "طلب مني إعداد قائمة طويلة من الأغراض له. وقلت في نفسي، لماذا لم يخبرني أحد بذلك من قبل؟". في إحدى الرسائل التي اطلعت عليها بي بي سي، أرسلت له خورام رسالة نصية تُنبهه فيها إلى ضرورة تجهيز حقيبة من أجل ليلة "الملك المتوحش" خلال ساعتين. وفي رسالة أخرى، طلبت توصيل سبع عبوات من زيت الأطفال وسبع عبوات من المزلق الجنسي، إلى جانب قهوة لاتيه مثلجة بنكهة الفانيلا. قال باينز: "شراء رف من زيت الأطفال والمزلقات من المتجر كان مهيناً جداً. كنت دائماً أتظاهر بأنني أتحدث عبر الهاتف". وفي محاكمته، قدّم الادعاء أدلة تُظهر شراء تلك المستلزمات من أجل "حفلات الفريك أوف". ووجدت الشرطة أثناء مداهمتها لقصر كومبز في لوس أنجلوس مخدرات وأكثر من ألف عبوة زيت أطفال. منذ ثلاثة أشهر فقط من توليه منصبه، بدأ باينز يشعر بالقلق من تكرار هذه الطلبات. قال: "أصبحت يومية، وأحياناً مرتين في اليوم، كل يوم، وكل أسبوع". أشار باينز إلى وجود توافد دائم من الشابات إلى منازل كومبز، على ما يبدو من أجل ممارسة الجنس. وأكد إيثان أن شباباً أيضاً كانوا يُستدعون إلى الحفلات. وقال باينز إن بعض هؤلاء الشبان والشابات كانوا أصدقاء لأبناء كومبز، وإن بعض النساء كن يظهرن لاحقاً مع كومبز. وأعرب باينز عن قلقه من أن بعض الضيوف -ممن بدوا في أوائل العشرينات- كانوا "صغاراً جداً" و"قابلين للتأثر" مقارنة بعمر رئيسه البالغ حينها 50 عاماً. وأضاف "كنت ألاحظ أن بعض النساء كنّ يشعرن بعدم الارتياح أو على الأقل يبدين وكأنهن قد مررن بليلة جامحة". وأضاف أنه غالباً ما كانت تزور المنزل في اليوم التالي امرأة تحمل سوائل وريدية لمساعدة الضيوف على التعافي بعد سهرات وحفلات قد تستمر لأكثر من 24 ساعة دون طعام. يتذكر باينز إحدى الضيفات وهي تقول له في حالة من الضيق: "لم أقم بشيء مماثل من قبل". طُلِب منه إيصالها إلى منزلها من مقر إقامة كومبز في ميامي: "كانت ترتجف وتبدو وكأنها تمر بأعراض انسحاب المخدرات". "اتهامات بالإكراه وتسجيلات جنسية" تكررت الإشارات إلى أن تلك السهرات والحفلات كانت تغص بالمخدرات مراراً خلال محاكمة كومبز. وأدلت كاساندر فينتورا، شريكة كومبز السابقة لأكثر من عقد، بشهادة قالت فيها إنها تعرضت لسنوات من علاقات جنسية قسرية مع مرافقين ذكور تحت التهديد بالضرب والابتزاز، في حين كان كومبز يصور هذه العلاقات. وقالت إن هذه الأحداث كانت تمتد أحياناً لأيام، مما تتطلب منها تناول كميات كبيرة من المخدرات للبقاء مستيقظة. كما أدلت امرأة أخرى، كانت على علاقة متقطعة بكومبز بين 2021 واعتقاله في سبتمبر/أيلول الماضي، بشهادة قالت فيها إنها شعرت بأنها مضطرة لتلبية رغباته جزئياً لأنه كان يدفع إيجار سكنها، وأنها شعرت بعد هذه اللقاءات بـ"التقزز" وبألم جسدي. في دفاعه أثناء المحاكمة، قال محامي كومبز إن موكله اعترف باستخدام العنف المنزلي، لكنه أشار إلى أن جميع اللقاءات الجنسية كانت "بموافقة الأطراف"، وأن كومبز كان يعيش نمط حياة "المنفتحين جنسياً". علمت بي بي سي أن موظفاً واحداً على الأقل طُلب منه البحث عبر الإنترنت عن مرافِقات للمشاركة في "ليالي الملك المتوحش"، ثم تم إرسال صورهن إلى كومبز لأخذ موافقته. وقال باينز إنه لا يعرف ما كان يحدث خلال تلك الليالي، لكن طُلب منه التعامل مع ما يخلفه الحدث من فوضى. وأضاف: "كانت فوضى تامة بكل ما للكلمة من معنى. زيت يملأ الأرض، سجائر ماريجوانا في كل مكان... كنت أرتدي قفازات وكمامة". وقال باينز "كان (كومبز) ينهض، يرتدي سترته ويخرج من الغرفة"، تاركاً الموظفين يتولون مهمة التنظيف. وقال باينز إنه في إحدى المرات شاهد كومبز وهو يدفع ويركل ضيفة في منزله خلال مشادة كلامية، امتدت لاحقاً إلى خارج المنزل. يتذكر باينز أن كومبز صرخ بها بألفاظ نابية، ثم قال: "أعطني سترتي". وأضاف: "خلعت السترة، وكانت عارية من الأعلى، لا حمالة صدر، لا قميص، لا شيء. فخلعت سترتي ولففتها حولها لتغطيتها". ويقول إن الضيفة غادرت المكان مستقلة سيارة أجرة وهي تبكي، لكنها عادت بعد أقل من أسبوع إلى منزل كومبز. وأضاف: "عادت بعد فترة قصيرة. عشاء، وهدايا... أعيد دمجها في الدائرة". وعندما أخبر باينز مشرفته المباشرة كريستينا خورام بما حدث، قال إنها كانت تعرف تماماً بماذا تجيب. قال: "أعطيتها وصفاً تفصيلياً لما جرى. وكانت ردها: لا تتحدث عن هذا الأمر مجدداً". ولم ترد خورام على طلب بي بي سي للتعليق، لكنها كانت قد نفت في السابق أي مخالفة. ففي بيان قدمته لشبكة "سي إن إن" في مارس/آذار الماضي، وصفت الاتهامات ضدها بأنها "باطلة"، وأنها "تسببت في أضرار لا يمكن إصلاحها أو احتسابها على سمعتي وراحتي النفسية ونفسيات أسرتي". وأضافت: "لم أوافق أو أساعد يوماً في ارتكاب اعتداء جنسي بحق أي شخص. ولم أقم يوماً بتخدير أحد". BBC وقال باينز إنه كان يُطلب من الموظفين إزالة أي دليل على حفلات "الفريك أوف"، من خلال تنظيف آثار سوائل جسدية من الملاءات، والتخلص من المخدرات، ومسح أي تسجيلات "محرجة" من الهواتف المحمولة وأجهزة الكومبيوتر الخاصة بكومبز. وذكر موظفون آخرون أنهم شعروا بالقلق والاضطراب من سلوك كومبز الجنسي. وقال إيثان: "هناك أشياء رأيتها بعيني، ذكريات ستبقى معي إلى الأبد". وأضاف أن كومبز كان يطلب منه أحياناً الدخول إلى الغرفة "لإحضار ماء أو حبوب منشّطة جنسياً"، بينما كانت تجري علاقات جنسية داخلها. ورفع باينز دعوى مدنية ضد كومبز. وعندما تواصلت بي بي سي مع طاقم الدفاع عن كومبز للتعليق على مزاعم باينز، ردّوا ببيان قالوا فيه: "مهما بلغ عدد الدعاوى المرفوعة، فإن ذلك لن يغيّر الحقيقة: كومبز لم يعتدِ جنسياً أو يستخدم الاتجار يوماً، لا برجال ولا نساء، ولا ببالغين ولا قاصرين. نحن نعيش في عالم يمكن فيه لأي شخص رفع دعوى قضائية لأي سبب كان". ويتذكر باينز حادثة مروّعة بشكل خاص وقعت في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، حيث طُلب منه، كما يقول، البقاء بعد انتهاء دوامه لإعداد حفل ما بعد السهرة في قصر في ميامي. ويقول إن كومبز وضيوفه كانوا قد أمضوا اليوم بأكمله تحت الشمس، يتناولون الفطر المهلوس، ويدخنون، ويشربون الكحول: "كانوا خارج الوعي تماماً بحلول ذلك الوقت"، حسب تعبيره. وخلال الحفل، يقول باينز إن كومبز دعاه لتناول كأس، ثم طلب منه أن "يُثبت ولاءه". BBC ثم أعطاه واقياً ذكرياً ودفعه نحو إحدى الضيفات اللواتي كن مستلقيات على أريكة قريبة. قال باينز: "في تلك اللحظة، تساءلت: ما الذي يحدث؟ شعرت كما لو أنني تجمدت. كنت مصدوماً تماماً مما يجري. شعرت بالبرد... وبالكثير من الضغط". وقال إن المرأة أعربت عن موافقتها، وأقاما علاقة جنسية استمرت حتى بدأ كومبز "يتجه إلى جزء آخر من الجناح". وأضاف: "لم أكن أرغب في أي من ذلك. وما إن لمحته يبتعد، حتى ارتديت ملابسي بسرعة وغادرت المكان... كان ذلك استعراضاً للسلطة. شعرت بأنني تعرّضت للإكراه. لقد كانت عملية تلاعب". حقيبة غوتشي السوداء قال الموظفون إنه أثناء السفر إلى الخارج، كانت المخدرات ترافق كومبز، مخفية داخل خزنة على متن طائرته الخاصة التي يقدر ثمنها بنحو 60 مليون دولار. يتذكر باينز أنه طُلب منه تجهيز كل شيء، حتى لو كانت الرحلة ليوم واحد فقط أو لمدة أربع ساعات على متن يخت. ويقول: "كان عليّ أن آخذ كل تلك الأشياء لأن هناك احتمال أن يستخدمها". وزعم باينز أن الفطر المهلوس والـ"كيتامين" وحبوب "الإكستاسي" كانت تُوضع في حقيبة غوتشي سوداء صغيرة إلى جانب زيت الأطفال والمزلقات والأضواء الحمراء. أقر محامو كومبز خلال المحاكمة بأن موكله حصل على مخدرات، لكنهم قالوا إنها كانت للاستخدام الشخصي فقط. BBC وفي حادثة مثيرة للتوتر في فينيسيا في إيطاليا خلال صيف عام 2021، قال باينز إن السلطات الإيطالية استجوبت موظفي كومبز لمدة ساعة. وأضاف أنه كان يخشى أن يُكتشف أمر المخدرات في الأمتعة، وأنه هو من سيتحمل العواقب بدلاً من كومبز. وكان مساعد شخصي سابق يُدعى بريندن بول قد اعتُقل بتهمة حيازة مخدرات أثناء وجوده مع كومبز في مطار ميامي في مارس/آذار 2024، في اليوم ذاته الذي داهمت فيه الشرطة منازل المغني. وأُسقطت التهم لاحقاً بعد إتمام بول لبرنامج إعادة تأهيل ما قبل المحاكمة. وخلال المحاكمة، أدلى بول، البالغ من العمر 26 عاماً، بشهادته قائلاً إنه عثر على الكوكايين أثناء تنظيف غرفة كومبز، ونسي أنه وضعه في حقيبته أثناء التحضير لرحلة إلى جزر البهاما. وقال للمحكمة إنه لم يُخبر السلطات بأن المخدرات تعود إلى كومبز بدافع الولاء. BBC قال باينز إنه وبحلول ديسمبر/كانون الأول 2021، شعر أنه لم يعد يتحمل أكثر من ذلك. "المال لم يعد يستحق كل ذلك... بسبب ما كنت أتعرض له من تجارب معه. لقد كان الأمر يفوق الاحتمال". وعندما سُئل باينز عن سبب عدم تحدث الموظفين في وقت مبكر، قال إنهم كانوا يخافون من كومبز. "إنه شخص مخيف للغاية. سواء كنت موظفاً لديه، أو متعاقداً، أو صديقة، أو ضيفاً، فإنك تعلم تماماً ما هو قادر على فعله". وقال إيثان إنه كان يعتقد سابقاً أن لدى كومبز "أشخاص يسبقونه بخطوتين" ويحمونه من التبعات. لكن بعد اعتقال رئيسه السابق، تغيّرت نظرته. قال: "ببساطة لم يكن بإمكان الموظفين الحيلولة دون ما كان قادماً". وأضاف: "من الواضح أنه بفضل شهرته، كان يستطيع التحايل على الكثير من الأمور، لكنه لم يتمكن من الإفلات من القانون". ويقول باينز إن ضباطاً فيدراليين من وزارة الأمن الداخلي تواصلوا معه في صيف العام الماضي ضمن التحقيق الجنائي، وتم استدعاؤه لاحقاً للإدلاء بشهادته قبيل المحاكمة. كما أدلى مساعدون سابقون آخرون، ممن عملوا لدى كومبز في عام 2014 وحتّى عام 2024، بشهاداتهم في المحكمة. قال باينز: "أكنّ كل التقدير لكاسي فينتورا لشجاعتها في الوقوف في وجهه". وكانت فينتورا قد رفعت دعوى مدنية في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، زعمت فيها أن كومبز حبسها في دائرة من العنف والانتهاك الجنسي. وتم تسوية الدعوى مقابل 20 مليون دولار في اليوم التالي لتقديمها. لكن سرعان ما تلتها عشرات الدعاوى الأخرى، حيث توجد الآن أكثر من 60 قضية مدنية ضد كومبز لم تُحسم بعد. يقول باينز: "لقد فتحت الباب لأشخاص مثلي كي يتقدموا بشهاداتهم، ولآخرين يمرون بتجارب مشابهة، ويشعرون بالصمت أو العجز أمام شخص بهذه القوة".