
حكم التوسعة على الأهل يوم عاشوراء.. الإفتاء تجيب
وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلة: إن التوسعة على الأهل والعيال في يوم عاشوراء سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة والسلف الصالح من بعده، ونص على الأخذ بها فقهاء مذاهب أهل السنة الأربعة المتبوعة من غير خلاف، وجرى عليها عمل جماهير الأمة في مختلف الأعصار والأمصار، فلا التفات إلى قول منكرها.
التوسعة على الأهل يوم عاشوراء
وأوضحت عبر موقعها الرسمى أن التوسعة على الأهل والعيال يوم عاشوراء سنَّةٌ نبوية جليلة؛ قوَّاها كبار الحُفَّاظ، وأخذ بها فقهاء المسلمين على اختلاف مذاهبهم الفقهية، وجرت عليها عادة جماهير الأمة عبر الأمصار والأعصار، وقد جاءت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حديث جماعة من الصحابة؛ منهم: جابر بن عبد الله، وعبد الله بن مسعود، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر، رضي الله عنهم.
وأمثل هذه الطرق وأقواها حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما:
فأخرج الحافظ أبو عمر بن عبد البر في "الاستذكار" (3/ 330-331، ط. دار الكتب العلمية) من طريق شعبة، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ وَسَّعَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ». قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "جَرَّبْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ"، وقال أبو الزبير مِثْلَهُ، وقال شعبة مِثْلَهُ.
قال الحافظ أبو الحسن بن القطَّان في "فضائل عرفة" (ق16): [إسناد هذا الحديث حسن] اهـ.
وقال الحافظ العراقي في "جزء التوسعة": [وهو على شرط مسلم] اهـ.
وقد ورد الأثر بهذه السُّنَّة عن الصحابيين الجليلين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وعن محمد بن المنتشر (وكان مِن أفاضل أهل الكوفة في زمانه؛ كما قال ابن عُيَيْنَةَ)، وابنه إبراهيم، وأبي الزبير، وشعبة بن الحجاج، ويحيى بن سعيد، وسفيان بن عُيَيْنَةَ.
فأخرج الدار قطني في "الأفراد"، وابن عبد البر في "الاستذكار" (3/ 331) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "مَن وسَّع على أهله يوم عاشوراء وسَّع الله عليه سائرَ سَنَتِه".
قال يحيى بن سعيد: "جرَّبنا ذلك فوجدناه حقًّا".
قال الحافظان العراقي والسخاوي في "المقاصد الحسنة": سنده جيد.
وقال سفيان بن عُيَيْنَةَ: "فجرَّبنا ذلك نحوًا مِن خمسين سنة فلم نَرَ إلا سَعةً".
وسُنَّة التوسعة قوَّاها جمعٌ من الأئمة والحفّاظ؛ كالإمام عبد الملك بن حبيب من المالكية، والحافظ البيهقي، وأبي موسى المديني، وأبي الفضل بن ناصر، والعراقي، وابن حجر في "الأمالي"، والسخاوي، والسيوطي، وغيرهم، ومن ضعَّف منهم أسانيد أحاديثها أو بعضها فقد قوَّاها بمجموعها؛ كما صنع الحافظ البيهقي في "شعب الإيمان" (5/ 333، ط. مكتبة الرشد) حيث يقول: [هذه الأسانيدُ وإن كانت ضعيفةً فهي إذا ضُمَّ بعضُها إلى بعض أخذَتْ قوةً، واللهُ أعلم] اهـ.
وروى الحافظ أبو موسى المديني هذا الحديث في "فضائل الأيام والشهور" ثم قال: حديث حسن؛ كما نقله الحافظ ابن الملقِّن في "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (13/ 542، ط. دار الفلاح).
وقال الحافظ السيوطي في "الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة" (ص: 186، ط. جامعة الملك سعود) ردًّا على من ادَّعَى عدم ثبوت الحديث: [كلَّا، بل هو ثابت صحيح] اهـ.
وقد صنف جماعةٌ من الأئمة الحفَّاظ في جمع طرق أحاديثها وتقويتها والرد على من أنكرها؛ كما صنع الحافظ أبو الفضل العراقي [ت806هـ] في رسالة "التَّوْسِعَةِ على العيال"، والإمام السيوطي [ت911هـ] في رسالته "فضل التوسعة في يوم عاشوراء"، والحافظ أحمد بن الصديق الغماري [ت1380هـ] في كتابه "هدية الصغرا، بتصحيح حديث التَّوْسِعَةِ على العيال يوم عاشورا".
نصوص المذاهب الفقهية في التوسعة على الأهل يوم عاشوراء
اتفقت المذاهب الأربعة بلا خلاف على استحباب التوسعة على الأهل في يوم عاشوراء.
قال الحافظ العيني الحنفي في "نخب الأفكار" (8/ 388، ط. وزارة الأوقاف القطرية): [وبالجملة هو يوم عظيم معلوم القدر عند الأنبياء عليهم السلام، والنفقة فيه مخلوفة. ثم روى حديث جابر رضي الله عنه مرفوعًا] اهـ.
وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار على الدر المختار" (2/ 419، ط. دار الفكر): [نعم، حديث التَّوْسِعَةِ ثابتٌ صحيحٌ كما قال الحافظ السيوطي في "الدرر"] اهـ.
وقال الإمام ابن العربي المالكي في "المسالك في شرح موطأ مالك" (4/ 205-206، ط. دار الغرب الإسلامي): [وأمَّا النَّفَقَةُ فيه والتَّوسعة فمخلوفَةٌ باتِّفَاقٍ إذا أُرِيدَ بها وجه الله تعالى، وأنَّه يخلف الله بالدِّرْهَمِ عشرًا] اهـ.
ثم ذكر الأبيات التي نظمها الإمام الفقيه عبد الملك بن حبيب المالكي [ت238هـ] في حث أمير الأندلس عبد الرحمن بن الحكم بن هشام على التوسعة يوم عاشوراء:
لا تَنْسَ لا ينسكَ الرحمنُ عاشورا ... واذكره لا زِلتَ في الأخيار مذكورا
قالَ الرَّســــــــــولُ صـــلاة الله تشمله ... قولًا وجدنا عليه الحـــــــــقَّ والنــــــــــورا
من بات في ليل عاشوراء ذا سعةٍ ... يكنْ بعيشتهِ في الحــــــول محبـــــــــــــــورا
فارغــــــــــــب فديتك فيما فيه رغَّبنا ... خيرُ الورى كلِّـــــهم حيًّا ومقبـــــــــــــورا
قال الحافظ السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (2/ 96، ط. دار الكتب العلمية) بعد أن ساق هذه الأبيات: [وهذا من الإمامِ الجليلِ دليلٌ على صحةِ الحديث] اهـ.
وقال العلامة الصاوي المالكي في "حاشيته على الشرح الصغير" (1/ 691، ط. دار المعارف): [ويندبُ في عاشوراء التَّوْسِعَة على الأهلِ والأقاربِ] اهـ.
وقال العلامة سليمان الجمل الشافعي في "حاشيته على فتح الوهاب" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (2/ 347، ط. دار الفكر): [ويستحبُّ فيه التَّوْسِعَةُ على العيال والأقارب، والتصدقُ على الفقراءِ والمساكين من غير تكَلُّفٍ، فإن لم يجد شيئًا فليوسع خلقه ويكفَّ عن ظلمه] اهـ.
وقال العلامة برهان الدين بن مفلح الحنبلي في "المبدع في شرح المقنع" (3/ 49، ط. دار الكتب العلمية): [فائدة: ينبغي فيه التوسعة على العيال، سأل ابن منصور أحمد عنه قال: "نعم"] اهـ.
وأكدت بناءً على ذلك أن التوسعة على العيال سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعن السلف الصالح، وقد نص على الأخذ بها فقهاء مذاهب أهل السنة الأربعة المتبوعة من غير خلاف، وجرى عليها عمل جماهير الأمة في مختلف الأعصار والأمصار، فلا التفات إلى قول منكرها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ 6 ساعات
- صدى البلد
أستاذ بالأزهر: النبي جسَّد الرحمة كقيمة دعوية وإنسانية شاملة
أكد الدكتور علي عثمان شحاتة، أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن وصف النبي محمد ﷺ بأنه "رحمة للعالمين" كما ورد في قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، لا يقتصر فقط على كونه صفة دعوية، بل هو مبدأ إنساني شامل تجلّى في حياة النبي، وفي دعوته، وسلوكه، وتعامله مع الناس كافة. أستاذ أزهري: الرحمة في شخصية النبي كانت تلازمًا بين الدعوة والخلق وقال أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الثلاثاء: "الرحمة في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم كانت تلازمًا بين الدعوة والخلق، فهو لم يكن فقط يدعو إلى الرحمة، بل كان متجسدًا فيها؛ ولذلك فإنها ليست فقط صفة دعوية، بل منهج حياة وقيمة كونية شاملة". وأوضح أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن مظاهر هذه الرحمة لم تقتصر على المسلمين فقط، بل شملت غير المسلمين، وحتى الحيوانات والبيئة، مشيرًا إلى أن النبي كان رحمة مهداة لكل الكائنات، وأن هذه الرحمة انعكست في كل تصرفاته، من أصغر المواقف إلى أعظم القرارات. وأضاف أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، النبي صلى الله عليه وسلم دعا إلى الرحمة، ومارسها واقعًا حيًّا، وكان مثالاً للداعية الذي يعيش ما يدعو إليه، وهذا ما يجعل وصفه بالرحمة للعالمين صفة متعدية تشمل كل ما يحيط بنا من بشر وكائنات". وشدد أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، على أن الأمة بحاجة في هذا العصر إلى استحضار هذه الرحمة في خطابها، ودعوتها، وسلوكها، لتعيد تقديم صورة الإسلام الحقيقي الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، والذي أساسه الرحمة لا العنف، والرفق لا الغلظة.


صدى البلد
منذ 6 ساعات
- صدى البلد
أستاذ بالأزهر: انتشار الرحمة فى المجتمع يخفي 90% من مشاكلنا
قال الدكتور علي عثمان شحاتة، أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن الرحمة ليست فقط خُلقًا عظيمًا بل هي منهج حياة إذا ساد في المجتمع، تحوّلت العلاقات إلى بيئة إيجابية وقلّت فيها الخلافات والاضطرابات. وأضاف أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، خلال في تصريحات تلفزيونية، اليوم الثلاثاء، أن التعامل مع الأبناء نموذج واضح لأهمية التوازن بين الحزم والرحمة، مشيرًا إلى أن الإفراط في التدليل يُفسد، والقسوة المفرطة تُرعب. ونوه أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر بأن الرسائل الإيجابية التي تبثها الرحمة في نفس الطفل تؤثر على تكوينه النفسي وتُنشئه سويًا غير معقد، والنبي ﷺ قدّم لنا النموذج في احتضانه وتقبيله لأحفاده، رغم اندهاش من حوله ممن لم يعتادوا هذه المظاهر من الرحمة. وأضاف أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر "الداعية الناجح لا يُيئّس الناس من رحمة الله ولا يُؤمّنهم من مكره، وكذلك المربي لا يفرط في الشدة ولا يتساهل بما يضر، بل يزن كل موقف بميزان الحكمة". وعن أثر الرحمة في المجتمع، قال أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر "لو سادت الرحمة في بيوتنا وشوارعنا وأماكن العمل، 90٪ من مشاكلنا ستختفي من تلقاء نفسها، لأنها تبدأ غالبًا بكلمة قاسية أو موقف متشنج.. الرحمة تبعث سكينة في القلوب، وإذا هدأ القلب هدأت الجوارح". وأضاف أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر "حتى في القصاص، الإسلام فتح باب الرحمة، فمن عفا وأصلح فله أجره عند الله، وهذا دليل أن الله يحب أن يسود خلق الرحمة حتى في أعقد المواقف".


صدى البلد
منذ 9 ساعات
- صدى البلد
من كرم الله علينا.. خالد الجندي: فضل صيام يوم عاشوراء يكفر سنة كاملة
قال الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إن من كرم الله سبحانه وتعالى أنه جعل في شهر المحرم يومًا خاصًا يُكفر فيه سنة من الذنوب والمعاصي، وهو يوم عاشوراء، مستشهداً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله". فضل صيام يوم عاشوراء وأوضح عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الثلاثاء، أن هذا اليوم العظيم فرصة عظيمة للمؤمنين، تخيل أن صيام يوم واحد فقط، وهو يوم السبت القادم إن شاء الله، يكفر سنة كاملة من الذنوب! وإن أردت الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فعليك بصيام يوم قبله أو بعده أيضًا". وأشار إلى قول الإمام ابن القيم في هذا السياق، حيث نصح بصيام ثلاثة أيام: يوم التاسع والعاشر والحادي عشر من محرم، لأن ذلك هو الأصح وأقرب للسنة. كما بيّن الشيخ خالد الجندي أن صيام عاشوراء يأتي في وقت شديد الحرارة، ما يجعل العبادة فيها أعظم أجرًا عند الله، إذ المجاهدة في الطاعات في الأوقات الصعبة أحب إلى الله من العبادة في أوقات اليسر والرخاء. وأضاف الشيخ خالد الجندي أن حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه وقد لفحته النار وهو يلهث من شدة العطش، فذكر أن صيام المؤمن يشفع له يوم القيامة فيشفع له بالسقي والنجاة من اللهب. وتحدث الشيخ خالد الجندي عن شدة العطش في الآخرة، مستشهداً بآيات من سورة الأعراف وسورة الكهف، التي تصف حال الكافرين في النار وعذابهم بالعطش، قائلاً: "إنه لا شيء أشد إيلامًا من العطش في الآخرة، فصيامك لله عز وجل هو حصنك من هذا العذاب." وختم الشيخ خالد الجندي حديثه بنصيحة مهمة: "لا تدع أي ضعف أو تعب يمنعك من الصيام في هذه الأيام المباركة، مهما كان العناء، فكلما بلغت في التقرب إلى الله بفعل ما يخالف ما يفعله الناس، كانت عبادتك أكثر ملاحظة وأحب إلى الله".