logo
"الماديون"... مشاعر تُدار بالأرقام والبيانات

"الماديون"... مشاعر تُدار بالأرقام والبيانات

العربي الجديد١٧-٠٧-٢٠٢٥
بعد فيلمها الساحر "حيوات سابقة" الذي قدمته منذ عامين، تعود المخرجة الكورية سيلين سونغ بفيلم جديد يحمل اسم "الماديون" (Materialists). شكلياً، يختلف هذا العمل عن سابقه، لكنه يحمل انشغالات قريبة: الحب، والزمن، والعلاقات، والحنين، والقرارات التي لا يمكن التراجع عنها، وما الذي يجعلنا نظن أننا نعرف ما نريده حقاً؟
نيويورك هي مسرح الأحداث، ولاعب أساسي في القصة. مدينة كاشفة لكل شيء: الطموح، والتعب، والأحلام، والأقنعة، والشعور بالعزلة وسط الزحام.
لوسي (
داكوتا جونسون
) تعمل وسيطةَ زواج. وظيفتها أن تبني علاقات ناجحة على الورق. علاقات محسوبة بدقة: العمر، والشكل، والخلفية العائلية، والثروة، وحتى أسلوب الحديث. كل شيء قابل للقياس. في هذا العالم الذي تتعاطى معه كما لو أنه صفقة تجارية، تحافظ لوسي على مسافة واضحة بين حياتها المهنية وحياتها الخاصة، أو تحاول.
لكن كل ذلك يبدأ بالتصدع حين تصادف رجلين في ليلة واحدة: حبيبها السابق، جون (كريس إيفانس)، الممثل المغمور الذي يعمل نادلاً ويذكّرها بحياة لم تعد ترغب بالعودة إليها، وهاري (بيدرو باسكال)، شقيق العريس المليونير الذي يبدي اهتماماً فورياً بها. ما يبدو أنه مثّلث حب تقليدي، يتحول تدريجياً إلى مساحة للتأمل في معنى العلاقات: هل نختار شركاءنا فعلاً؟ وهل الاستقرار العاطفي ممكن في عالم تُقيَّم فيه المشاعر كالعقارات؟
العلاقة مع جون لا تدور فقط حول الحنين، بل تتعلق بسؤال الهوية: من كانت لوسي حين كانت معه؟ ما الذي تغيّر؟ علاقتها فيه ليست مجرد ذكرى، بل احتمال كان يمكن أن يتحقق. أما هاري، فليس منقذاً بقدر ما هو بديل آمن، خيار واضح لمن يريد أن يبدأ من جديد، من دون مخاطرة.
المثلث هنا ليس صراعاً بين رجلين، بل بين فكرتين: أن تُبنى العلاقة على المشترك غير المعلن، أو على ما يبدو مناسباً كعملية حسابية. الحب بوصفه احتمالاً هشاً، أو استثماراً مضموناً.
تبدو لوسي طوال الفيلم كأنها تدير مشاعرها بنفس الطريقة التي تدير بها حياتها العملية: بأرقام، وبيانات، وإشارات واضحة إلى الجدوى. لكن خلف هذا التماسك الظاهري، هناك شك متصاعد، تسرّبه المخرجة بهدوء عبر التفاصيل الصغيرة: نظرات مرتابة، وتردد متكرر، وأحاديث مقتضبة تخفي تعباً داخلياً.
ما يطرحه الفيلم، من دون مباشرة، هو كيف تحوّلت العلاقات الإنسانية إلى نوع من الاستثمار؟ كيف أصبحت العاطفة جزءاً من دورة إنتاج، يعاد تدويرها ضمن شروط النجاح الاجتماعي، والمكانة، والراحة؟ كل قرار، وكل تقارب، وكل شعور، يخضع لتقييم: هل هو مجدٍ؟ هل يستحق العناء؟ هكذا، يتحوّل الحب نفسه إلى مخاطرة، إلى خسارة محتملة، إلى شيء قد يكلّف أكثر مما يمنح.
لكن سونغ لا تكتفي بالتشخيص. بل تُدخل بطلتها في دوامة أسئلة لا تنتهي، لأن ما تطرحه ليس نظاماً خارجياً فقط، بل تركيبة داخلية تترسّخ على مدى سنوات من العيش ضمن إيقاع المدن الكبرى، والاختيارات التي تبدو ملزِمة في نهاية المطاف. لا وجود لأحلام اليقظة في الفيلم، ولا استرسال في الندم. الحب ليس هاجساً روحانياً، بل عبء أحياناً، أو قراراً قابلاً للتعديل. إنه مشروع له جدول زمني، خطوات مدروسة، وتنازلات لا مفر منها.
يؤدي كريس إيفانس في الفيلم دوراً قد يكون من أكثر أدواره صدقاً. لا يتكئ على كاريزما نجم الحركة، فهو ليس بطلاً رومانسياً بالمعنى التقليدي، بل رجل واقعي أنهكته التجارب والمحاولات.
العلاقة بينه وبين لوسي لا تقوم على التفاهم، بل على التشارك في شعور الفقد. يتشابهان في الشيء الذي لا يريد أي منهما الاعتراف به: الخوف من ألا يكونا كافيين. في المقابل، يمثل هاري نقيضه: رجل ناجح، ولبق، ويعرف ما يريد، ويجيد الإنصات.
الانجذاب بين لوسي وهذين الرجلين ليس متعلقاً بشخصيتيهما بقدر ما هو انعكاس لصراع داخلي: هل تختار الأمان الذي يشبه عقداً واضح البنود؟ أم الحنين الذي يشبه حقيقتها؟
المعضلة ليست في المفاضلة بين رجلين، بل بين فكرتين عن الحب: الأولى يمكن ضبطها والتحكم بها، والثانية لا تخضع لأي منطق.
رغم أن الفيلم يهيّئ أرضية مبدئية لبناء توتر عاطفي، إلا أن هذا التوتر لا يتبلور فعلياً. لا يبدو الرابط بين الشخصيات نابعاً من تجربة مشتركة أو من إحساس متراكم يمكن تتبّعه. في العلاقة مع جون، الذي يُفترض أن يجسّد الجانب العاطفي من حياة لوسي، لا نجد ما يقنعنا بقوة الارتباط أو جدوى استعادته. تفتقر لحظاتهما إلى أيّ نوع من الحميمية أو الانكشاف الحقيقي. وعلى الجانب الآخر، لا تنجح المشاهد التي تجمعها بهاري في منح العلاقة ملمساً وجدانياً، وكأنها تبقى في مستوى التفاعل الخارجي من دون أن تتيح لنا استشعار ما يربطهما فعلاً.
سينما ودراما
التحديثات الحية
"كارلوفي فاري 59": أفلامٌ تكشف بعض جوّانية المرء
لا شك في أن فيلم "الماديون" أضعف من "حيوات سابقة"، لكنه لا يحاول أصلاً استنساخ تلك التجربة. سونغ تغيّر نبرتها هنا، وتتجه إلى نغمة أكثر واقعية، أقل شاعرية، وربما أكثر انكساراً. المثالية تتراجع أمام قسوة الحياة وتعقيداتها، ويحلّ التطلع إلى المستقبل محلّ النوستالجيا والتفكير في ما كان يمكن أن يكون.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

المغرب أول الواصلين للمشاركة بكأس أفريقيا للمحليين ويسعى لثلاثية تاريخية
المغرب أول الواصلين للمشاركة بكأس أفريقيا للمحليين ويسعى لثلاثية تاريخية

الجزيرة

timeمنذ 19 دقائق

  • الجزيرة

المغرب أول الواصلين للمشاركة بكأس أفريقيا للمحليين ويسعى لثلاثية تاريخية

أصبح منتخب المغرب، الفائز مرتين من قبل بلقب كأس أمم أفريقيا للمحليين لكرة القدم، أول منتخب يصل إلى كينيا للمشاركة في النسخة الجديدة من البطولة التي تقام بالتشارك بين كينيا وتنزانيا وأوغندا. وحطت بعثة "أسود الأطلس" الرحال، في مطار جومو كينياتا الدولي بمدينة نيروبي اليوم الاثنين، وحظيت باستقبال حافل تخللته فقرات فنية وموسيقية. ويسعى منتخب المغرب إلى أن يصبح أول فريق يتوج بلقب بطولة كأس أفريقيا للمحليين، 3 مرات، كما يتطلع لاستغلال وصوله المبكر من أجل التأقلم بسرعة مع الأجواء، قبل الدخول في المراحل الأخيرة من التحضيرات الخاصة بالمباراة الافتتاحية. وقال المدافع، مروان لوداني، لاعب نادي الجيش الملكي المغربي: "نحن متحمسون لوجودنا هنا، وجاهزون للبطولة، لقد أحببت نيروبي من اللحظة الأولى، الطقس رائع، ونتطلع لتقديم بطولة ناجحة". مجموعة المغرب يعكس وصول المغرب المبكر مدى جديته في المنافسة على صدارة المجموعة الأولى التي تضم إلى جانبه، كلا من البلد المضيف، كينيا والكونغو الديمقراطية وأنغولا وزامبيا. وسيستهل مشواره بمواجهة، أنغولا، الأحد القادم، على ملعب نيايو الوطني. وتوج منتخب المغرب بلقب البطولة عام 2018 على أرضه، ثم أعاد الكرة في نسخة 2021 التي أقيمت في الكاميرون ليصبح واحدا من منتخبين فقط أحرزا اللقب مرتين، إلى جانب منتخب جمهورية الكونغو الديمقراطية، الذي سيواجهه في دور المجموعات من النسخة الحالية. يمتلك المنتخب المغربي سجلا مرموقا، وتشكيلة غنية بالمواهب، وهذا يجعله من أبرز المرشحين لتصدر المجموعة، رغم قوة المنافسين الآخرين. وأجرى منتخب المغرب تحضيرات مكثفة قبل السفر، تخلله لقاءان وديان أمام منتخب بوركينا فاسو، إضافة إلى فوز كبير على منتخب تشاد ، بسداسية نظيفة. إعلان تتزايد مشاعر الحماس في مدينة، نيروبي، مع اقتراب موعد صافرة البداية، إذ تستعد لاحتضان واحدة من أكبر الفعاليات الرياضية التي شهدتها كينيا، على الإطلاق. وباشر الاتحاد الأفريقي لكرة القدم "الكاف"، ولجنة التنظيم المحلية، في تطبيق الإجراءات المتعلقة ببيع التذاكر، في وقت يستعد فيه عشاق كرة القدم في العاصمة لمتابعة الحدث المرتقب. موعد بطولة أفريقيا للمحليين وتقام البطولة في الفترة الممتدة بين 2 و30 أغسطس/آب، وتخصص حصريا للاعبين الذين ينشطون في دورياتهم المحلية، وهذا يتيح الفرصة للمواهب المحلية للتألق على الساحة القارية. وستجرى مباريات البطولة في عدد من الملاعب عبر، كينيا، تنزانيا وأوغندا، في خطوة تعكس قدرة منطقة شرق أفريقيا المتنامية على تنظيم بطولات كبرى، كما تعد اختبارا مهما قبل استضافة كأس أمم أفريقيا. ومن المنتظر أن تصل بقية منتخبات المجموعة الأولى تباعا، إذ يتوقع وصول زامبيا إلى مدينة نيروبي غدا الثلاثاء، وبعدها يصل منتخبا أنغولا والكونغو الديمقراطية الخميس المقبل.

«الإطفاء» تنفذ تمريناً عملياً
«الإطفاء» تنفذ تمريناً عملياً

الجريدة

timeمنذ 19 دقائق

  • الجريدة

«الإطفاء» تنفذ تمريناً عملياً

نفذت قوة الإطفاء العام، اليوم، تمريناً عملياً في أحد الفنادق بمنطقة شرق، الذي تم خلاله إخلاء الفندق وإنقاذ المصابين والسيطرة على الحريق الافتراضي الذي وُضع ضمن سيناريو التمرين. في مجال آخر، سيطرت فرق إطفاء مراكز الفحيحيل وميناء عبدالله والأحمدي، أمس، على حريق محول كهرباء بالأحمدي، ولم يُسفر الحادث عن أي إصابات.

الموت بقلب مكسور.. عواقب جسدية خطيرة للحزن قد تؤدي إلى الوفاة
الموت بقلب مكسور.. عواقب جسدية خطيرة للحزن قد تؤدي إلى الوفاة

الرأي

timeمنذ 19 دقائق

  • الرأي

الموت بقلب مكسور.. عواقب جسدية خطيرة للحزن قد تؤدي إلى الوفاة

حذر خبراء من أن الحزن الشديد بعد فقدان أحد الأحبة قد يؤدي إلى الوفاة المبكرة، في نتائج كشفت عنها دراسة دنماركية حديثة. وشملت الدراسة أكثر من 1700 مشارك ممن فقدوا أحد أفراد أسرهم، بمتوسط عمر 62 عاما، حيث قيمت شدة الحزن لديهم باستخدام مقياس الحزن المطول-13 (PG-13). وأظهرت النتائج أن الأشخاص الذين يعانون من أعلى درجات الحزن المستمر لديهم خطر مضاعف للوفاة المبكرة خلال فترة 10 سنوات، مقارنة بمن أبلغوا عن حزن أقل شدة. وقالت الباحثة الرئيسية من جامعة آرهوس، الدكتورة ميتا كيارغارد نيلسن، إن الدراسة تؤكد العلاقة بين الحزن الشديد ومشاكل صحية خطيرة، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية واضطرابات الصحة النفسية، بما في ذلك خطر الانتحار، وفق «سكاي نيوز». وأشارت إلى أهمية متابعة المصابين بحزن شديد من قبل الأطباء، للبحث عن علامات الاكتئاب والحالات النفسية الأخرى، وإحالتهم إلى الدعم والرعاية المتخصصة عند الحاجة. وشملت الدراسة متابعة المشاركين لمدة 10 سنوات، وحددت 5 مسارات مختلفة لتجربة الحزن، كان أبرزها مسار الحزن منخفض الأعراض المستمر، الذي شمل 38 في المئة من المشاركين، ومسار الحزن الشديد المستمر الذي ارتبط بارتفاع خطر الوفاة المبكرة. ويذكر أن الحزن الشديد قد يؤدي أحيانا إلى متلازمة القلب المكسور، حالة قلبية طارئة ناجمة عن استجابة هرمونية للتوتر النفسي، وقد تسبب أعراضا مشابهة للنوبات القلبية، مع إمكانية التسبب في مضاعفات تهدد الحياة. وشددت الدراسة على ضرورة توعية الأطباء والمرضى بخطورة الحزن المستمر ودوره في تدهور الحالة الصحية، ما يستوجب توفير الدعم النفسي والطبي المناسب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store