
مدرجات الشوارع..الوجه القبيح للمقهى
كانت يوما ملتقى للأدباء والسياسيين، ومساحة للنقاش وتبادل الأفكار. اليوم، تحولت مقاهي المغرب إلى وجه آخر، وجه يعكس أزمات مجتمع بأسره: بطالة، وتفكك أسري، واستعراض طبقي زائف. لم تعد مجرد مكان لاحتساء القهوة، بل أصبحت مرآة لواقع معقد.
وتبدأ فصول هذه الأزمات من مشهد إهدار الوقت الذي تحول إلى سلوك منهجي للهروب. فمن الصباح حتى منتصف الليل، يفر آلاف المغاربة إلى المقاهي ليس فقط لمشاهدة المباريات الهامة، بل أي مباراة في أي دوري. بالنسبة للكثيرين، المقهى هو ملجأ نفسي ومهرب من ضغوط العمل، أو من التوتر داخل بيت الزوجية، أو من الفراغ القاتل الذي تفرضه البطالة. ساعات طويلة تهدر أمام الشاشات وألعاب الورق و"البارتشي"، تستنزف فيها الجيوب والأعمار، وتقتل فيها طموحات التغيير في دائرة مغلقة من الخمول.
ولا يقتصر الأمر على إهدار الوقت والمال، بل يتعداه إلى ثقافة استهلاكية مبالغ فيها. ففي مدن المغرب، تنتشر مقاه فاخرة بأسعار لا تتناسب مع القدرة الشرائية لغالبية روادها، ورغم ذلك تكتظ بالزبائن. السر ليس في جودة ما تقدمه، بل في الرغبة المحمومة بالتباهي والتقاط صورة لـ "السطوري" على إنستغرام وتيك توك. لقد أصبحت هذه المقاهي مسرحا لهوية أدائية، يوثق فيها الشباب حضورهم كدليل على الانتماء لطبقة اجتماعية لا ينتمون إليها حقيقة.
وخلف هذا الاستعراض الزائف، تختبئ أوجه أخرى أكثر قتامة، حيث تتحول بعض المقاهي إلى فضاءات خطرة تستخدم لاستدراج القاصرات. طبيعتها التي تجمع بين العلنية والخصوصية النسبية تجعلها بيئة مثالية لمواعيد غرامية مشبوهة، قد تصبح فخاخا لاصطياد فتيات صغيرات تغريهن الكلمات المعسولة، خاصة في ظل غياب الرقابة الأبوية والهشاشة الاقتصادية التي تدفع بالبعض إلى هذا المستنقع.
ويتعاظم هذا الخطر ليتحول إلى آفة منظمة في مقاهي الشيشة، التي لم تعد مجرد تهديد للصحة العامة، بل أضحت بؤرا للأنشطة غير المشروعة. كثير منها يعمل دون ترخيص، ويتحول ليلا إلى أوكار للدعارة وترويج المخدرات، خاصة تلك المنتشرة قرب المؤسسات التعليمية. وخلف واجهتها، تدار صفقات مشبوهة وتنتهي السهرات غالبا بمشاجرات في مخافر الشرطة، في ظل تناقض غريب يسمح باستيراد مكوناتها قانونيا ويجرم تقديمها.
وإلى جانب المخدرات، تنخر آفة أخرى لا تقل خطورة أركان المجتمع انطلاقا من هذه الفضاءات، وهي القمار. هوس الربح السريع يدفع بالآلاف إلى المراهنة بأموالهم وممتلكاتهم، مما يدمر أسرا بأكملها. وقد تفاقمت الظاهرة مع انتقالها للتطبيقات واستخدام العملة الافتراضية التي تباع سرا وتستخدم في مراهنات غير مرخصة تستهدف المراهقين بشكل خاص، بعيدا عن أي رقابة.
ولا تتوقف تجاوزات هذه المقاهي عند حدود جدرانها، بل تمتد لتعتدي على الحق العام في ظاهرة اغتصاب الملك العمومي. تبدأ القصة بكرسيين أو ثلاثة، وتنتهي باحتلال الرصيف بالكامل، مما يجبر الراجلين، بمن فيهم الأطفال وذوو الاحتياجات الخاصة، على السير في الشارع جنبا إلى جنب مع السيارات، معرضين حياتهم لخطر داهم، في فوضى تشوه جمال المدن وتهدد سلامة المواطنين.
لكن التعدي لا يتوقف عند احتلال الرصيف، بل يتجاوزه إلى انتهاك سافر لخصوصية وكرامة النساء. فبعض المقاهي، التي تستقطب هواة النظر إلى النساء، تتعمد نصب كراسيها في الشوارع الرئيسية أو ما يصطلح عليه بـ "شارع شوفوني"، وبجوار محطات القطار ومسالك الكليات والثانويات. حيث يحلو لجمهور المقهى التربص بالطالبات والنساء العاملات، وحتى أولئك اللاتي لا خيار أمامهن سوى المرور أمام الجمهور للتنقل. ولا يقتصر هذا التشييء على المارات في الشارع، بل يزداد الأمر سوءا في الداخل، حيث يصر بعض أصحاب المقاهي على توظيف نادلات بملابس مثيرة كأداة لجذب الزبائن. هؤلاء النادلات، اللاتي يعملن مقابل أجور زهيدة، يجدن أنفسهن عرضة لنظرات التحرش اللفظي والجسدي، في استغلال ممنهج لجسد المرأة وكرامتها.
إن كل ما يحدث في المقاهي ليس مجرد مشاكل معزولة، بل هو عرض لأمراض مجتمعية أعمق. ومواجهة هذا الواقع لا تتطلب تدخلا أمنيا فحسب، بل تستدعي وعيا مجتمعيا شاملا على أمل استعادة المجتمع لبوصلته الأخلاقية والقيمية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أخبارنا
منذ 14 ساعات
- أخبارنا
مدرجات الشوارع..الوجه القبيح للمقهى
كانت يوما ملتقى للأدباء والسياسيين، ومساحة للنقاش وتبادل الأفكار. اليوم، تحولت مقاهي المغرب إلى وجه آخر، وجه يعكس أزمات مجتمع بأسره: بطالة، وتفكك أسري، واستعراض طبقي زائف. لم تعد مجرد مكان لاحتساء القهوة، بل أصبحت مرآة لواقع معقد. وتبدأ فصول هذه الأزمات من مشهد إهدار الوقت الذي تحول إلى سلوك منهجي للهروب. فمن الصباح حتى منتصف الليل، يفر آلاف المغاربة إلى المقاهي ليس فقط لمشاهدة المباريات الهامة، بل أي مباراة في أي دوري. بالنسبة للكثيرين، المقهى هو ملجأ نفسي ومهرب من ضغوط العمل، أو من التوتر داخل بيت الزوجية، أو من الفراغ القاتل الذي تفرضه البطالة. ساعات طويلة تهدر أمام الشاشات وألعاب الورق و"البارتشي"، تستنزف فيها الجيوب والأعمار، وتقتل فيها طموحات التغيير في دائرة مغلقة من الخمول. ولا يقتصر الأمر على إهدار الوقت والمال، بل يتعداه إلى ثقافة استهلاكية مبالغ فيها. ففي مدن المغرب، تنتشر مقاه فاخرة بأسعار لا تتناسب مع القدرة الشرائية لغالبية روادها، ورغم ذلك تكتظ بالزبائن. السر ليس في جودة ما تقدمه، بل في الرغبة المحمومة بالتباهي والتقاط صورة لـ "السطوري" على إنستغرام وتيك توك. لقد أصبحت هذه المقاهي مسرحا لهوية أدائية، يوثق فيها الشباب حضورهم كدليل على الانتماء لطبقة اجتماعية لا ينتمون إليها حقيقة. وخلف هذا الاستعراض الزائف، تختبئ أوجه أخرى أكثر قتامة، حيث تتحول بعض المقاهي إلى فضاءات خطرة تستخدم لاستدراج القاصرات. طبيعتها التي تجمع بين العلنية والخصوصية النسبية تجعلها بيئة مثالية لمواعيد غرامية مشبوهة، قد تصبح فخاخا لاصطياد فتيات صغيرات تغريهن الكلمات المعسولة، خاصة في ظل غياب الرقابة الأبوية والهشاشة الاقتصادية التي تدفع بالبعض إلى هذا المستنقع. ويتعاظم هذا الخطر ليتحول إلى آفة منظمة في مقاهي الشيشة، التي لم تعد مجرد تهديد للصحة العامة، بل أضحت بؤرا للأنشطة غير المشروعة. كثير منها يعمل دون ترخيص، ويتحول ليلا إلى أوكار للدعارة وترويج المخدرات، خاصة تلك المنتشرة قرب المؤسسات التعليمية. وخلف واجهتها، تدار صفقات مشبوهة وتنتهي السهرات غالبا بمشاجرات في مخافر الشرطة، في ظل تناقض غريب يسمح باستيراد مكوناتها قانونيا ويجرم تقديمها. وإلى جانب المخدرات، تنخر آفة أخرى لا تقل خطورة أركان المجتمع انطلاقا من هذه الفضاءات، وهي القمار. هوس الربح السريع يدفع بالآلاف إلى المراهنة بأموالهم وممتلكاتهم، مما يدمر أسرا بأكملها. وقد تفاقمت الظاهرة مع انتقالها للتطبيقات واستخدام العملة الافتراضية التي تباع سرا وتستخدم في مراهنات غير مرخصة تستهدف المراهقين بشكل خاص، بعيدا عن أي رقابة. ولا تتوقف تجاوزات هذه المقاهي عند حدود جدرانها، بل تمتد لتعتدي على الحق العام في ظاهرة اغتصاب الملك العمومي. تبدأ القصة بكرسيين أو ثلاثة، وتنتهي باحتلال الرصيف بالكامل، مما يجبر الراجلين، بمن فيهم الأطفال وذوو الاحتياجات الخاصة، على السير في الشارع جنبا إلى جنب مع السيارات، معرضين حياتهم لخطر داهم، في فوضى تشوه جمال المدن وتهدد سلامة المواطنين. لكن التعدي لا يتوقف عند احتلال الرصيف، بل يتجاوزه إلى انتهاك سافر لخصوصية وكرامة النساء. فبعض المقاهي، التي تستقطب هواة النظر إلى النساء، تتعمد نصب كراسيها في الشوارع الرئيسية أو ما يصطلح عليه بـ "شارع شوفوني"، وبجوار محطات القطار ومسالك الكليات والثانويات. حيث يحلو لجمهور المقهى التربص بالطالبات والنساء العاملات، وحتى أولئك اللاتي لا خيار أمامهن سوى المرور أمام الجمهور للتنقل. ولا يقتصر هذا التشييء على المارات في الشارع، بل يزداد الأمر سوءا في الداخل، حيث يصر بعض أصحاب المقاهي على توظيف نادلات بملابس مثيرة كأداة لجذب الزبائن. هؤلاء النادلات، اللاتي يعملن مقابل أجور زهيدة، يجدن أنفسهن عرضة لنظرات التحرش اللفظي والجسدي، في استغلال ممنهج لجسد المرأة وكرامتها. إن كل ما يحدث في المقاهي ليس مجرد مشاكل معزولة، بل هو عرض لأمراض مجتمعية أعمق. ومواجهة هذا الواقع لا تتطلب تدخلا أمنيا فحسب، بل تستدعي وعيا مجتمعيا شاملا على أمل استعادة المجتمع لبوصلته الأخلاقية والقيمية.


عبّر
منذ 2 أيام
- عبّر
بالشفاف والخارج عن المألوف.. ظهور مايا دياب يثير الجدل
شاركت المغنية اللبنانية مايا دياب، مجموعة صور عبر حسابها على منصة التواصل الاجتماعي 'إنستغرام' لأحدث جلسة تصوير قامت بها. و ارتدت مايا في مجموعة إطلالات خارجة عن المألوف من سان لوي ساباجي، منها إطلالة باللون الأسود وكورسيه باللون الذهبي على شكل ريش، بالإضافة إلى إطلالة بيضاء بقبعة ضخمة. واعتبر العديد من المتابعين ان إطلالة مايا جريئة في وضح النهار، غير أن المتابع لمايا، ألف ظهورها بهذا الشكل وأكثر منه جرأة، مما جعله يكتفي بالتغزل بها. عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة Maya Diab (@mayadiab) وكانت مايا دياب أثارت أيضا الجدل مؤخرا بإطلالاتها في كليب أغنيتها الجديدة 'حرمت احبك' التي اعتبرها العديد من المتابعين غير لائقة لأغنية جددتها للفنانة الراحلة وردة.


العالم24
منذ 3 أيام
- العالم24
أمين بودشار يستعد لموازين بتوصيات خاصة لجمهوره
في أجواء تحضيراته لحفل طال انتظاره ضمن مهرجان 'موازين إيقاعات العالم'، وجّه المؤلف الموسيقي والمايسترو المغربي أمين بودشار رسالة غير تقليدية لجمهوره، مليئة بالحماس والتفاصيل التي تُنذر بعرض فني استثنائي. فقبل صعوده إلى منصة النهضة بالرباط، يومه الجمعة 27 يونيو 2025، أطل بودشار عبر حسابه الرسمي على إنستغرام بصورة تحمل عنوان 'Checklist موازين'، لا ليُعلن فقط عن حفل، بل ليصنع طقسًا جماعيًا. في هذا المنشور، دعا بودشار جمهوره إلى ارتداء اللون الأبيض، تقليد فني أصبح جزءًا من هوية عروضه، حيث لا تكون الأزياء مجرد لباس، بل امتدادًا للرؤية الجمالية والانسجام البصري الذي يميز حفلاته. الأبيض، هنا، ليس مجرد لون، بل رمز للصفاء والتواصل، منصة مفتوحة لتوحيد الجمهور على نغمة واحدة. أما التفاصيل الأخرى، فجاءت بروح تفاعلية شبابية: تحميل كلمات الأغاني سلفًا عبر رمز QR، التأكد من شحن الهواتف إلى أقصى حد، استخدام الوسم #BoudchartMawazine لنقل الأجواء إلى العالم الافتراضي، وأخيرًا، وصية ختامية من الفنان نفسه: 'استمتعوا باللحظة… عيشوا بكل حواسكم'. بهذه اللمسات، لا يكتفي بودشار بتقديم عرض موسيقي، بل يدعو إلى الدخول في تجربة كاملة، حيث يصبح الجمهور جزءًا من المشهد، لا مجرد متفرج. إنها حفلة موسيقية؟ نعم. لكنها أيضًا طقس جماعي، احتفال بالإيقاع، بالصورة، وبالروح.