
مستقبل التكنولوجيا في الحرب الباردة الثانية
اليوم، تقف الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واليابان وحلفاؤهم في مواجهة محور تقوده الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، وعلى الرغم من امتلاك بعض هذه الدول لأسلحة نووية قادرة على تدمير العالم، فإن الغالب أن تظل هذه الأسلحة أداة ردع متبادلة تمنع الطرفين من اتخاذ قرارات متهورة.
لكن من سيفوز في سباق التفوق التكنولوجي، سيكون هو الطرف الذي سيمسك بزمام القيادة في إدارة العالم، والتحكم في المال والتجارة والاقتصاد.
دعونا نستعرض أبرز ملامح هذا الصراع، وكيف تديره الولايات المتحدة والصين بأدوات القرن الحادي والعشرين.
معركة الرقائق: من يسيطر على عقل الآلة؟
ما تزال الولايات المتحدة تحتفظ بالريادة في مجال معالجات الحواسيب وأشباه الموصلات، وهي أساس معظم التقنيات الحديثة. إلا أن هذه الريادة تبدو هشة، خصوصًا في ظل التهديدات التي تلاحق جزيرة تايوان — موطن شركة TSMC التي تُنتج أكثر من 90% من أشباه الموصلات المتقدمة عالميًا — والتي تواجه خطر الغزو من الصين. إدراكًا منها لحساسية الموقف، خصّصت الولايات المتحدة ما يزيد على 52 مليار دولار لبناء مصانع جديدة في ولايات مثل أريزونا وتكساس وأوهايو، بهدف تأمين سلاسل التوريد وتقليل الاعتماد على الخارج. هذه المعركة التقنية لن تحدد فقط مصير الحواسيب، بل مستقبل الذكاء الاصطناعي، وأنظمة الأسلحة، والحوسبة المتقدمة.
الروبوتات والأنظمة الذاتية: معركة الذكاء المتحرّك
توشك الروبوتات، والذكاء الاصطناعي، والأنظمة الذاتية على إعادة تشكيل مستقبل الحروب، والتصنيع، والخدمات اللوجستية. وفي ظل النقص المتزايد في العمالة، وتفاقم المخاوف الأمنية، تسرّع الولايات المتحدة من استثماراتها في الطائرات المسيّرة، وأنظمة الدفاع الذاتي، وخطوط الإنتاج الروبوتية، لتعزيز تفوقها على الصين. وفي المقابل، فرضت واشنطن قيودًا صارمة على استخدام الرافعات المينائية والروبوتات الصناعية الصينية، بعد تقارير استخباراتية تُحذر من احتوائها على معدات قادرة على تنفيذ عمليات تجسس أو هجمات سيبرانية. واللافت أن 80% من الرافعات المينائية في الموانئ الأمريكية تأتي من شركة صينية واحدة، ما يبرر هذا القلق الأمني المتزايد.
من هنا، أصبح توطين صناعة الروبوتات والأنظمة الذاتية ركيزة محورية في الإستراتيجية الصناعية الأمريكية — وجبهة جديدة في الحرب الباردة الثانية.
الحوسبة الكمومية: من يملك مفاتيح الكون؟
إذا كانت الحوسبة التقليدية مبنية على البتات الثنائية (0و1)، فإن الحوسبة الكمومية تستند إلى ظواهر غريبة من ميكانيكا الكم، مثل 'التراكب' و'التشابك الكمومي'. التراكب ظاهره محيره مفادها ان الجسيمات تحت الذرية يمكنها الوجود في أكثر من مكان وبأكثر من صورة في نفس الوقت. والتشابك الكمومي ظاهرة لا تقل غرابة ومفادها أن الجسيمات تحت الذرية المتشابكة تربطها حركة دوران عكسية مهما ابتعدت المسافات حتى لو وصلت لسنوات ضوئيه. برغم أن العلماء لم يفهموا حتى اليوم أسباب تلك الظواهر المحيرة، فإن كثيرًا من المخترعات الحديثة تستفيد من تلك الظواهر، أهمها الحوسبة الكمومية والتي تتيح للكيوبتات أن تتواجد في حالات متعددة في آن واحد.
النتيجة؟ أجهزة كمبيوتر ذات قدرة خارقة على:
• تطوير الذكاء الاصطناعي بسرعة غير مسبوقة
• كسر أعقد أنظمة التشفير الحالية في دقائق
• تصميم أدوية جديدة تحاكي التفاعلات البيولوجية بدقة ذرية
• ومحاكاة الظواهر الطبيعية لفهم بنية الكون وأسراره
الولايات المتحدة تستثمر بكثافة في هذا المجال، بينما خصصت الصين أكثر من 10 مليارات دولار لمركز الحوسبة الكمومية الوطني، وتسعى للحصول على تفوق كمي بحلول نهاية هذا العقد.
سلاح التوريد: حين تتحول المعادن والتقنيات إلى أدوات حصار
فرضت الولايات المتحدة قيودًا مشددة على تصدير المعالجات المتقدمة وأشباه الموصلات إلى الصين، في محاولة لكبح طموحات بكين في الذكاء الاصطناعي والتسليح الذكي. وردّت الصين بفرض قيود على تصدير 'الغاليوم' و'الجرمانيوم'، وهما من المعادن النادرة الضرورية لتصنيع الرقائق. رغم امتلاك الصين عددًا كبيرًا من براءات الاختراع — بل تتفوق على الولايات المتحدة في بعضها — إلا أن واشنطن لا تزال تحتفظ بقيادة نوعية في البحوث العلمية والجامعات التقنية ومراكز الابتكار.
ما بين الصراع والتعاون
في قلب هذا السباق المحموم نحو الهيمنة التكنولوجية، تبدو الحرب الباردة الثانية وكأنها معركة مصير بين قوى كبرى تسعى للسيطرة لا على الأرض فقط، بل على المستقبل ذاته. التكنولوجيا — بما تحمله من وعود هائلة وإمكانات خارقة — أصبحت اليوم سلاحًا إستراتيجيًا لا يقل خطورة عن الصواريخ النووية، وربما يفوقها أثرًا في إعادة تشكيل ميزان القوى العالمي.
لكن وسط هذا التصعيد، لا بد من التذكير بأن هدف التقدم التكنولوجي لا ينبغي أن يكون الهيمنة، بل تحسين جودة حياة الإنسان، والارتقاء بمستوى الوعي والمعرفة، وحل المعضلات التي تعيق ازدهار البشرية. الحوسبة الكمومية، والروبوتات، والذكاء الاصطناعي — كل هذه أدوات يمكن أن توجّه إما نحو صراعات لا نهائية، أو نحو بناء عالم أكثر عدلاً واستدامة.
وهنا تبرز المفارقة الفلسفية: هل ستستخدم البشرية أكثر أدواتها تطورًا لتدمير ذاتها؟ أم ستنجح في تسخير هذا التقدم لفتح أبواب جديدة من التعاون، وتجاوز الحدود الجغرافية والأيديولوجية نحو مستقبل مشترك أكثر إشراقًا؟
لقد أثبتت الأزمات العالمية — من الأوبئة إلى تغيّر المناخ — أن لا دولة يمكنها النجاة بمفردها، وأن التكاتف أفضل كثيرًا من التناحر. وربما يكون التحدي الأكبر الذي تواجهه البشرية اليوم ليس في بناء أقوى كمبيوتر أو أسرع طائرة بدون طيار، بل في بناء الثقة المتبادله، وابتكار منظومات تكنولوجية تضع رفاهية الإنسان فوق إغراء القوة. فالحرب الباردة قد تكون قدرًا جيوسياسيًا، لكن السلام التكنولوجي لا يزال خيارًا ممكنًا — إن أراد صُنّاع القرار ذلك.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


نافذة على العالم
منذ 2 ساعات
- نافذة على العالم
أخبار التكنولوجيا : مواصفات ألعاب بلاى ستيشن 6 المسربة تكشف سرعتها الفائقة عن الإصدارات السابقة
الأحد 3 أغسطس 2025 08:30 صباحاً نافذة على العالم - كشف تقرير أحدث التسريبات حول جهاز PS6، والذى يُقال أن اسمه الرمزى هو "Orion"، وتشير التسريبات إلى أن الجهاز سيكون أسرع بثلاث مرات من جهاز PS5 الأساسي، مع استهلاك أقل للطاقة، والأهم من ذلك، يُتوقع أن يكون أداؤه مقاربًا لبطاقة الرسوميات RTX 4080، مع تقنية تتبع الأشعة (Ray Tracing) أفضل. السعر وتاريخ الإطلاق من أبرز النقاط فى هذه التسريبات هي التوقعات بشأن السعر، فبعد أن كان هناك تكهنات سابقة بسعر يتجاوز 1000 دولار، يشير مصدر التسريب إلى أن الشركة المصنعة قد تتمكن من طرح الجهاز بسعر 500 دولار، وهو ما يعتبر أكثر قبولًا للمستهلكين، أما بالنسبة لتاريخ الإطلاق، فالتسريبات تتوقع أن يبدأ تصنيع الجهاز في أواخر عام 2027. توافق كامل وقدرات فائقة وإذا كانت هذه المواصفات صحيحة، فمن المتوقع أن يقدم PS6 تجربة لعب استثنائية، حيث قد تتمكن الألعاب من العمل بدقة 4K بمعدل 60 إطارًا في الثانية، أو حتى 8K بمعدل 60 إطارًا في الثانية بفضل تقنية PSSR ، كما أن الخبر السار لمحبي ألعاب الأجيال السابقة هو أن الجهاز سيحتوي على توافق كامل مع الإصدارات السابقة لألعاب PS5 وPS4. وحذر التقرير من التعامل مع هذه المعلومات بحذر شديد، حيث إنها مجرد تسريبات على الرغم من أن مصدرها كان موثوقًا في بعض الأحيان، إلا أن الخطط والمواصفات يمكن أن تتغير كثيرًا على مدار السنوات القادمة.


الوفد
منذ 3 ساعات
- الوفد
زوكربيرج يكشف خطة "الذكاء الخارق الشخصي" ويضخ مليارات في Meta لتحقيقها
خلال الأشهر الماضية، كثّفت شركة Meta من جهودها في مجال الذكاء الاصطناعي، وخصّصت مليارات الدولارات لبناء ما يُسمى بـ"الذكاء الخارق الشخصي"، في خطوة استراتيجية يقودها مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي للشركة. وقد نشر زوكربيرج مؤخرًا مذكرة طويلة شرح فيها رؤيته لهذا التوجه الجديد، معتبرًا أن الذكاء الاصطناعي قادر على إحداث ثورة في حياة البشر وتمكينهم بطرق غير مسبوقة. في المذكرة التي تبدو أقرب إلى بيان فلسفي منها إلى خطة عملية، عبّر زوكربيرج عن "تفاؤله الكبير" بقدرة الذكاء الاصطناعي الخارق على تسريع تقدم البشرية، وخلق عصر جديد من التمكين الشخصي، حيث يمتلك الأفراد أدوات ذكية تُساعدهم على تحقيق أحلامهم والتأثير في العالم من حولهم بطريقة فردية ومباشرة. ويشير إلى أن الرؤية الأساسية لميتا تقوم على إتاحة هذا النوع من الذكاء للجميع، بدلًا من تركه حكرًا على الشركات أو الحكومات. رغم هذه الطموحات الكبيرة، لم تُحدّد المذكرة بدقة ما هو المقصود بـ"الذكاء الخارق"، أو كيف ستبنيه Meta، أو حتى كيف سيُستخدم، لكن زوكربيرج أشار إلى أن الشركة ستكون أكثر ملاءمة من غيرها لتطوير هذه التكنولوجيا، موجهًا انتقادًا ضمنيًا لبعض المنافسين الذين يرون أن الذكاء الاصطناعي يجب أن يُستخدم في أتمتة الأعمال فقط، في حين تسعى Meta لجعله أداة شخصية بيد كل فرد. التحرك الجديد يأتي في ظل تغييرات داخلية سريعة في فرق الذكاء الاصطناعي داخل Meta، حيث استثمرت الشركة مؤخرًا نحو 14.8 مليار دولار في شركة Scale AI، ما مكّنها من تعيين مؤسسها ألكسندر وانج رئيسًا تنفيذيًا للذكاء الاصطناعي في Meta. وتزامن ذلك مع حملة توظيف ضخمة شملت خبراء من شركات كبرى مثل Apple وOpenAI، من بينهم شنجيا زاو، الذي ساعد في تطوير نموذج GPT-4، وأعلن انضمامه لميتا الأسبوع الماضي. كما أفادت تقارير بأن Meta عرضت على بعض الباحثين رواتب بمبالغ ضخمة تتراوح بين عشرات ومئات الملايين من الدولارات، وأبدت استعدادها لتقديم عروض تفوق المليار دولار لبعض الشركات الناشئة، مثل Thinking Machines Lab، التي أسستها ميرا موراتي، المديرة التقنية السابقة لـOpenAI. وعلى الرغم من نفي بعض التفاصيل من قِبل إدارة العلاقات العامة في Meta، إلا أن هذه التحركات تُظهر بوضوح مدى جدية الشركة في السباق على مستقبل الذكاء الاصطناعي. في المقابل، تأتي هذه الموجة من الاستثمارات بعد تعثرات في تطوير نموذج Llama 4، الذي تأخر إطلاقه عدة أشهر، ما تسبب في إحباط لدى زوكربيرج ودفعه لإعادة تقييم سياسة المصادر المفتوحة داخل الشركة. وتُشير توقيتات الإعلان عن هذه المذكرة إلى أن Meta تسعى لتعزيز ثقة المستثمرين قبل ساعات من إعلان نتائج أرباحها الفصلية، إذ يُتوقع أن تتناول خططها للإنفاق المكثف على مشاريع الذكاء الاصطناعي خلال الفترة المقبلة. يبدو أن زوكربيرج يراهن على الذكاء الاصطناعي لإنهاء اعتماد Meta على منصات الهواتف المحمولة، وبالأخص على Apple، التي كثيرًا ما انتقدها بسبب سياساتها الصارمة في إدارة متجر التطبيقات. وفي هذا السياق، يشير إلى أن الأجهزة المستقبلية مثل النظارات الذكية ستُصبح المنصة الحاسوبية الأساسية للمستخدمين، وهو توجه يتماشى مع استثمارات الشركة في الواقع المعزز والواقع الافتراضي خلال السنوات الماضية. في النهاية، تمثل خطة "الذكاء الخارق الشخصي" فصلًا جديدًا في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، حيث تسعى Meta لتثبيت أقدامها كمنافس قوي، ليس فقط من خلال التكنولوجيا، بل من خلال فلسفة جديدة تركّز على تمكين الفرد وليس فقط خدمة السوق أو المؤسسات.


نافذة على العالم
منذ 7 ساعات
- نافذة على العالم
أخبار التكنولوجيا : أبل تفتح الطريق لدعم الذكاء الاصطناعى فى شركتها.. اعرف التفاصيل
الأحد 3 أغسطس 2025 02:50 صباحاً نافذة على العالم - تواجه شركة آبل تأخر بسباق الذكاء الاصطناعي، ويبدو أن الشركة مستعدة لحل المشكلة، حيث إنه خلال مكالمة أرباح الربع الثالث من عام 2025، قال تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة آبل، إن الشركة ليست منفتحة فقط على عمليات الاندماج والاستحواذ لمعالجة مشاكل الذكاء الاصطناعي، بل إنها مستعدة أيضًا لدفع مبالغ طائلة. ووفقا لما ذكره موقع "Phone arena"، فإنه في إجابته على أسئلة أحد المحللين، قال كوك إن آبل استحوذت بالفعل على سبع شركات هذا العام في صفقات لم تكن "ضخمة من حيث القيمة المالية"، ومع ذلك، أضاف أن آبل مستعدة لإنفاق المزيد من الأموال إذا كان ذلك سيدعم جهودها في مجال الذكاء الاصطناعى. لا تلجأ آبل إلى عمليات استحواذ كبيرة، حتى الآن، كانت أكبر عملية استحواذ للشركة هي صفقة Beats بقيمة 3 مليارات دولار، والتي أُبرمت عام 2014، ويؤكد تعليق كوك الشائعات المتداولة بأن هذا قد يتغير حيث تشعر آبل بالضغط لتحسين جهودها في مجال الذكاء الاصطناعي. وأفادت بلومبرج أن أبل قد تستعين بإحدى شركات الذكاء الاصطناعي العملاقة، مثل OpenAI وAnthropic، لتحسين مساعدها الصوتي "سيري"، وأيضا وردت معلومات تفيد بأن آبل تدرس الاستحواذ على شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة Perplexity AI. تتحدث آبل عن خططها الكبيرة لتطوير نسخة من Siri مدعومة بالذكاء الاصطناعي منذ أكثر من عام، لكن توقيتها لا يزال غير مؤكد، كان من المفترض إطلاق المساعد الصوتي المُحسّن مطلع هذا العام، لكن آبل أجّلته لاحقًا دون تحديد موعد إطلاق جديد. كما أنه في الوقت نفسه، يقدم هاتف Pixel 9 من جوجل، وهاتف Pixel 10 القادم، مجموعة متنامية من ميزات الذكاء الاصطناعي الفعالة بالفعل، وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجهها أبل في مجال الذكاء الاصطناعي، واصلت أبل نموها وأعلنت عن نتائج ربع سنوية جيدة، فقد نمت أعمال آيفون بنسبة 13% على أساس سنوي، لتصل إيراداتها إلى 40.22 مليار دولار، ولعل الأهم من ذلك هو أن وحدة الخدمات شهدت أيضًا زيادة بنسبة 13%، محققةً 27.4 مليار دولار، وهو رقم قياسي وفقًا للشركة. تُظهر النتائج المالية أهم نقاط قوة آبل، وهي كونها منصة للتقنيات المتطورة، ولهذا السبب، قد يكون الجمع بين الشراكات والاستحواذات على شركات الذكاء الاصطناعي هو الخطوة الصحيحة، حتى تتمكن آبل من التحرك بسرعة كافية واللحاق بمنافسيها قبل فوات الأوان.