logo
من سيبقى في لبنان: إسرائيل، إيران، أم ؟؟؟

من سيبقى في لبنان: إسرائيل، إيران، أم ؟؟؟

المركزيةمنذ 6 ساعات
عندما ينتقل الجهد الدبلوماسي من الترويج المنمّق لاقتراح إلى التجاهل المطلق لطرح بعض مفاصله الرئيسية على النقاش فهذا يعني أنّ المحاور دخل حقبة تحذير الطرف الآخر من إنعكاسات سلبية تطاله إذا لم يتجاوب مع الرغبة في التوصل إلى صيغة حاسمة لحل نزاع، وهو ما اعتمده الموفد الأميركي توم باراك في طرح مقاربته لأزمة لبنان.
باراك أبلغ اللبنانيين عموماً في مقابلة صحافية أن 'لا أحد سيبقى يفاوض مع لبنان حتى العام المقبل (الرئيس دونالد) ترامب يتمتع بشجاعة مذهلة وتركيز مذهل لكن ما ليس لديه هو الصبر.'
بذلك يكون باراك قد كشف للرأي العام اللبناني أنّ صيغة التسوية التي تسلّمها من الرؤساء عون وبري وسلام، والتي بقيت سرية ولم يتبلغ بها حتى وزراء الحكومة اللبنانية، لا تفي بالمطلوب، محلياً وإقليمياً ودولياً، ليُعمل بموجبها.
كما يُفهم من كلام باراك أنّ حزب الله يماطل في موضوع تسليم سلاحه الذي يريد الإحتفاظ به إلى ما بعد الإنتخابات النيابية في شهر أيار من العام المقبل لأنّ وجود السلاح يحول دون حرية ترشح القوى، الشيعية وغير الشيعية، التي تعارض الحزب.
وفي السياق بدا واضحاً أنّ المعضلة التي تواجه منظومة الترويكا الحاكمة تتلخص في أنها تنتظر موافقة حزب الله على صيغة معينة لنقلها إلى الدول الأعضاء في اللجنة الخماسية المعنية بالمسألة اللبنانية (أميركا-فرنسا-السعودية-قطر-مصر) ما يجعلها ناقلة لقرار بدلاً من أن تكون صاحبة القرار المتعلق بشأن سيادي كخطة لتسليم سلاح الحزب مقرونة بأجندة زمنية وتحقيق إصلاحات مالية متعلقة بالقطاع المصرفي وحظر مؤسسة القرض الحسن التابعة لحزب الله والمتهمة بتبييض الأموال والتهرب الضريبي إضافة إلى مستقبل تواجد قوة اليونيفل وحرية حركتها كونها تتعرض لإعتداءات شبه يومية من أنصار الحزب مضافاً إلى هذه العناوين مسألة ترسيم الحدود الإسرائيلية-اللبنانية والسورية-اللبنانة في ضوء علاقة لبنان بالسلطة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع والتي تحظى بدعم عربي ودولي وتركي ما يزعج إيران وأذرعها.
وفي السياق نفذت وحدات عسكرية إسرائيلية من قوات الإحتياط أربع عمليات إنزال في جنوب لبنان ودمرت ما قال بلاغ عسكري إنه 'بنى تحتية تابعة لحزب الله في عدة مناطق بجنوب لبنان …لمنع حزب الله من إعادة تمركزه في المنطقة'.
وتابع، 'وفي إحدى العمليات في منطقة جبل البلاط، عثرت قوات من اللواء 300 على مجمّع يحتوي على مستودعات أسلحة ومواقع إطلاق نار تابعة لحزب الله، وقام جنود الاحتياط بتفكيك البنية التحتية'.
وأضاف البيان، أنه 'في عملية أخرى، عثر جنود احتياط من اللواء التاسع على أسلحة مخبأة في منطقة كثيفة في منطقة اللبونة، بما في ذلك قاذفة متعددة الفوهات، ومدفع رشاش ثقيل، وعشرات العبوات الناسفة، وصادرت القوات وفككت المعدات والأسلحة العسكرية التي كانت موجودة في المنطقة'.
وزعم البيان أيضاً أنه في نفس المنطقة 'عُثر على مبنى تحت الأرض يُستخدم لتخزين الأسلحة، وتم تفكيك البنية التحتية في عملية هندسية نفذتها قوات اللواء'.
تتزامن العمليات الإسرائيلية الهادفة لتدمير مواقع ومنشآت حزب الله في الجنوب مع تردد معلومات حول توجه أميركي-إسرائيلي-أوروبي لترتيب إتفاقية سلام ثلاثية تضم سوريا وإسرائيل ولبنان لضمان إستقرار المثلث الحدودي للدول الثلاث، والذي يشمل القطاع الشرقي من جنوب لبنان.
الخطة التي تحظى باهتمام ترامب تتضمن تحييد المقلب الشرقي-السوري من جبل الشيخ والمقلب الغربي-اللبناني بمسافة العشرين كيلومتراً المقدرة من بلدة حضر السورية وصولاً إلى مربع العرقوب الذي يضم شبعا، كفرشوبا، الهبارية وكفرحمام في لبنان على أن يحسم مصير مزارع شبعا الـ 14 لصالح لبنان ومن ضمنها مزرعة مغر شبعا المصنفة سورية مع أنّ مالكيها جميعهم من اللبنانيين المسجلة ملكيتهم في الدوائر العقارية السورية.
يذكر أن مغر شبعا كانت مقراً لغرفة العمليات المصرية المكلفة بالإشراف على ثورة العام 1958 في لبنان أثناء الوحدة العربية بين دمشق والقاهرة ، وكانت تؤمن شحنات الأسلحة والذخائر للمعلم كمال جنبلاط في المختارة، والتمويل لقيادة الثورة في بيروت.
ثورة العام 1958 سلّحها وموّلها الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وأنهتها الولايات المتحدة الأميركية بإرسال مشاة بحريتها إلى لبنان بالتنسيق مع قائد الجيش اللبناني المحايد فؤاد شهاب حيث فرضوا وقفاً لإطلاق النار وفق تسوية أطلق لها الرئيس صائب سلام شعار 'لا غالب ولا مغلوب' أتاحت للرئيس كميل شمعون إكمال ولايته الرئاسية وعدم ترشحه لولاية جديدة وإنتخاب اللواء شهاب رئيساً للجمهورية .
وبقيت منطقة العرقوب محميّة بإتفاقية الهدنة لعام 1949 مع إسرائيل، ما أعطى لبنان إستقراراً من دون إتفاقية سلام لمدة 20 سنة، وإنهارت الإتفاقية عندما وقع لبنان إتفاق القاهرة الذي أعطى منظمة التحرير الفلسطينية حق محاربة إسرائيل عبر نقاط مرور' من العرقوب، وما زال البؤس مخيماً على الجنوب حتى الآن.
تتجه سوريا ولبنان إلى ما يشبه إتفاقية الهدنة مع إسرائيل، بحيث تؤمّن استقراراً وسلاماً من دون تطبيع، على أن يكون الرئيس السوري أحمد الشرع مسؤولاً عن الإشراف على إلتزام لبنان بمندرجاتها برعاية أميركية، بحيث لا يسمح لقوى إيرانية بالعودة إلى الجنوب لتهديد أمن المنطقة.
التقديمات التي ستؤمنها صيغة التسوية للبنان مغرية تساهم في إطلاق ورشة الإعمار وتحقيق الإصلاحات التي كانت متعثرة، وتبقى غير محرجة للبنان لأنها تكرار لما سبق، ولأنها تعفي لبنان من توقيع إتفاقية سلام وما تشمله من تطبيع وتبادل السفراء .
وفي محاولة لتشجيع لبنان على الدخول في التسوية، تفيد المعلومات أنه يتم تخصيص 'رزمة' حوافز مشتركة مع سوريا، ليس أقلها تخصيص مساعدات للنازحين السوريين للعودة إلى بلادهم، على أن تدفع في لبنان قبل العودة وفي سوريا بعد ذلك مباشرة، إضافة إلى تعهد السلطات السورية بترسيم الحدود المشتركة مع لبنان، على أن يبلغ لبنان للأمن العام السوري 'تفاصيل' فلول التحالف الأسدي-الفارسي البائد الذين هربوا إلى لبنان ولجأوا إلى حزب الله على أن تتولى 'الميكانيزم' أي آلية تنفيذ الإتفاقات، الإشراف على العملية.
فمن سيبقى في لبنان: إسرائيل، إيران، أم سوريا؟
محمد سلام - هنا لبنان
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

المخاوف وهمية أم جدية؟
المخاوف وهمية أم جدية؟

صوت لبنان

timeمنذ 26 دقائق

  • صوت لبنان

المخاوف وهمية أم جدية؟

شارل جبور - نداء الوطن ليس سرًا أن البلد منقسم بين من يقول بقدرة الدولة على بسط سيادتها على أرضها واحتكارها للسلاح، وبين من يقول إن خطوة من هذا القبيل تُدخل البلد في فوضى بالحد الأدنى، وحرب أهلية بالحد الأقصى، وفيما أصحاب وجهة النظر الأولى يعتبرون أن عدم المبادرة ينُم عن مخاوف وهمية مردها إلى مقاربة وضعية "حزب الله" وكأنها ما زالت نفسها قبل حرب الطوفان، فإن أصحاب وجهة النظر الثانية يعتبرون أن المخاوف جدية ولا يجوز التقليل من شأنها. الدولة قادرة تنطلق المقاربة المصرّة على قدرة الدولة بان تحتكر السلاح وتستعيد قرار الحرب من النقاط التالية: أولًا، اختلفت المعطيات العسكرية والميدانية، لـ "حزب الله"، والجغرافية، مع سوريا الجديدة، والإقليمية، مع تقطُّع أوصال محور الممانعة وخروجه من الخدمة العسكرية، عن الوضع الذي كان سائدًا وقائمًا قبل 7 تشرين الأول 2023، وبالتالي إذا لم تُقدم الدولة اليوم على إنهاء ازدواجية السلاح متى يمكن أن تُقدم؟ وهل من وضع أفضل من هذا الوضع؟ ثانيًا، أن تحتكر الدولة السلاح ليس مشروع غلبة ضد فئة من اللبنانيين، إنما خطوة ضرورية من أجل وقف الانقلاب المتمادي على الدولة والمستمر منذ العام 1991، حيث أثبتت التجربة بالوقائع التي لا تعدّ ولا تحصى بأنه لن تقوم قيامة للبنان في ظل سلاح خارج الدولة يستجر الحروب ويُبقي البلد في الفوضى وعدم الاستقرار. ثالثًا، أن تحتكر الدولة السلاح يشكل إنقاذا لجميع اللبنانيين والطائفة الشيعية تحديدًا من مستنقع الحروب والموت، خصوصًا أن "حرب الإسناد" التي أعلنها "حزب الله" أثبتت بأنه المسؤول عن دخول إسرائيل إلى الأراضي اللبنانية، وعجزه عن إخراجها، كما عجزه عن الدفاع عن كوادره وعن بيئته، وبالتالي تمسكه بالسلاح هو تمسُّك ببقاء إسرائيل واستمرار الحرب. رابعًا، لم تنشأ السلطة الجديدة سوى بسبب تراجع دور "حزب الله" وتأثيره، وهو كان ضد الخيار الثالث ومصرّ على الرئيس الذي "يحمي ظهر المقاومة"، وجاء خطاب القسم والبيان الوزاري تجسيدًا للمرحلة الجديدة، فهذا البيان الأول منذ العام 1991 الذي لا يتحدّث عما يسمى مقاومة، ويؤكد في نصوصه وروحيته على مرجعية الدولة وحدها من دون شريك في قرار الحرب وفي احتكار السلاح، ويفترض أن يُترجم الكلام المكرّر للرئيسين جوزاف عون ونواف سلام وليس أن يبقى ضمن حدود الموقف السياسي. خامسًا، لا تشكيك بنوايا عون وسلام ولا بهدفهما الوصول إلى دولة تبسط سيطرتها على البلد كله، خصوصًا أن مصلحتهما الشخصية والمباشرة بالتوازي مع المصلحة الوطنية تتطلّب قيام هذه الدولة من أجل أن يقال إنه في عهد الرئيس جوزاف عون وفي حكومة الرئيس نواف سلام خرج لبنان من إدارة الأزمة المستمرة منذ خمسة عقود إلى الحل اللبناني النهائي لسيادته. سادسًا، يفترض بالرئيسين مصارحة "حزب الله" بأن الدولة لا يمكن أن تبقى شاهد زور على موت لبنان واللبنانيين، وأنهما سيتصرفا انطلاقًا من مسؤوليتهما الوطنية لحماية اللبنانيين وإنقاذ لبنان، والمخاوف من حرب وفوضى في غير محلها ويروِّج لها "الحزب" عمدًا لتجميد أي خطوة من هذا القبيل، لأن من يخسر الحرب وظهره الأسدي وظهر ظهره الإيراني يُستبعد أن يلجأ إلى الانتحار في ظل بيئة لبنانية تريد الدولة، وبيئة إقليمية ودولية غير مؤاتية له، وحتى لو كان هناك مجازفة معينة فإنها تبقى أفضل بكثير من استمرار الوضع الحالي، لأنه في المجازفة يمكن العبور إلى الدولة الحقيقية والاستقرار المنشود. الدولة غير القادرة تنطلق هذه المقاربة من ثلاث نقاط أساسية: الأولى، أن الحلّ لسلاح "حزب الله" يأتي من الخارج إلى الداخل، ومن انتظر كثيرًا عليه أن ينتظر قليلًا، لأن الإدارة الأميركية لن تقبل باستمرار المشروع الممانع، وهذه المسألة ستحسم في المفاوضات المرتقبة بين واشنطن وطهران، و"الحزب" لن يتخلى عن مشروعه المسلّح قبل أن تطلب منه إيران ذلك، وستطلب حتمًا بعد حصولها على الضمانات التي تسعى إليها لاستمرار نظامها. الثانية، أن لبنان في غنى عن استقالات وتظاهرات وإقفال طرقات وفوضى تُدخله في حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني ومفتوحة على شتى الاحتمالات في ظل بيئة معبأة وانقسام عمودي. الثالثة، أن "حزب الله" أصبح في موقع الساقط عسكريًا بعد الحصار المُطبق عليه من إسرائيل ومن سوريا ومن الجو، ولم يعد باستطاعته لا العودة إلى الوراء ولا أن يتسلّح ولا أن يتموّل، والمتبقي له من سلاح سيتحوّل إلى خردة، كما لم يعد باستطاعته لا القتال ولا الحرب، وبالتالي، انتهى مشروعه المسلّح عمليا بمعزل عن حاجته للحفاظ عليه نظريًا حيال بيئته والبيئات الأخرى. وتأسيسًا على ما تقدّم، فإن المخاوف من احتكار الدولة للسلاح وهمية لا جدية، وما زالت تقارب "حزب الله" وكأن الطوفان لم يطُف عليه وعلى المحور برمته، وفي مطلق الحالات هناك دومًا حد أدنى وحد أقصى، فإذا كان هناك من محاذير للحد الأخير، فلا محاذير إطلاقًا من ترسيم علاقة الدولة مع الحزب بإعلان واضح وصريح بأن لا وجود لما يسمى مقاومة في لبنان، وأن أي كلام من هذا القبيل هو تحريض على العنف، وأن الدولة ستواجه كل من يستخدم السلاح، ومن يريد أن يتحدّث بهذا الأسلوب عليه الاستقالة من الحكومة ومن مجلس النواب.

هل يُجنّب لبنان شبح التصعيد العسكري؟
هل يُجنّب لبنان شبح التصعيد العسكري؟

صوت لبنان

timeمنذ 27 دقائق

  • صوت لبنان

هل يُجنّب لبنان شبح التصعيد العسكري؟

كتب ابراهيم العرب في 'اللواء': تزامناً مع وصول الموفد الأميركي توماس باراك إلى بيروت لتسلُّم الردّ اللبناني على المبادرة الأميركية الجديدة، تبلورت ملامح الموقف الرسمي، ففي أساسيات الردّ، تشديد على أن لبنان التزم بالقرار 1701، وباتفاق وقف إطلاق النار، وعمل على تفكيك بنية حزب الله العسكرية في جنوب نهر الليطاني، لكن الردّ لم يتحدث عن العمل في شمال الليطاني، ولم يحدّد مهلة زمنية لذلك. خصوصاً في ظل تمسّك «حزب الله» المطلق بسلاحه ورفضه غير المباشر أي نقاش بشأن حصر القوة بيد الدولة. ولا يبدو الرد اللبناني بأنه شفى «الغليل» الأميركي، فالمبادرة الأميركية، من وجهة نظر واشنطن، تنطلق من قناعة بأن استقرار لبنان وإعادة إعمار مناطقه المتضررة لا يمكن أن يتحققا في ظل وجود قوة مسلّحة موازية لمؤسسة الجيش. ومن هنا، اشترطت الورقة الأميركية ضمانات صريحة بعدم وجود تنظيمات عسكرية خارج إطار الشرعية. في المقابل، استند «حزب الله» في دوائره المغلقة إلى ما وصفه بـ«الانتصار» في الصمود أمام القصف الإسرائيلي و«منع الاجتياح الكامل» لجنوب لبنان، ليبرّر احتفاظه بالسلاح، معتبراً أن الظروف غير ملائمة لأي نقاش من هذا النوع. لا سيما أن بعض المقرّبين منه رأوا أن اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024 جاء نتيجة خطأ بالحسابات وشروط مجحفة وسوء بالتفاوض، لا بفعل ضغط عسكري على الحزب. ورغم حرص الرؤساء اللبنانيين الثلاثة على تهدئة الداخل وتفادي التصعيد، فإنهم يدركون في قرارة أنفسهم أن استعادة النقاط اللبنانية الخمس المحتلة ووقف العدوان الإسرائيلي يتطلبان دعماً أميركياً واضحاً، وسط وصول رسائل تحذّر من أن إضاعة هذه الفرصة قد تعيد لبنان إلى دوامة التصعيد العسكري الإسرائيلي. وفي هذا السياق، يبرز دور رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري كوسيط أساسي قادر على تليين موقف الحزب من خلال الضغط عليه، خاصة مع دخول المملكة العربية السعودية على خط الوساطة من خلال الأمير يزيد بن فرحان، الذي أعلن استعداد بلاده تقديم ضمانات لدعم إعادة الإعمار شرط الالتزام بالإصلاحات وحصر السلاح بيد الدولة. لكن الخطر لا يكمن فقط في المواقف السياسية، بل في ترجمتها على الأرض. فبينما كان البحث جارياً في مصير سلاح «الحزب»، شهدت شوارع بيروت ظهوراً مسلحاً علنياً خلال ذكرى عاشوراء، على بُعد مئتي متر من السراي الحكومي. هذا الاستعراض، الذي حمل شعارات طائفية، مثّل انقلاباً على روح المناسبة، التي لم يكن ليريدها الإمام الحسين رضي الله عنه إلّا ذكرى وحدة وعدالة، لا مناسبة لاستعراض القوة. وما يهدّد السلم الأهلي حقيقةً، ليس فقط وجود سلاح خارج الشرعية، بل أيضاً استغلال الشعائر المقدّسة لتحقيق أهداف فئوية غير مشروعة. وقد دان رئيس الحكومة الدكتور نواف سلام هذه العراضات المسلّحة واعتبرها «غير مقبولة بأيّ شكل»، مطالباً وزيري الداخلية والعدل باتخاذ إجراءات فورية تحفظ هيبة الدولة. وسرعان ما تحرّكت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، فأوقفت عدد من المشاركين في هذه العراضات، مؤكدة أن بيروت ليست ساحة مستباحة، بل عاصمة يجب أن تُحمى. هذه الخطوة، شكّلت رسالة واضحة بأن الدولة قادرة على بسط سلطتها، وأن الأمن لا يُفرض بالشعارات، بل بالقرار الحازم والعمل الميداني. وفي هذا السياق بالذات، لا بدّ من استحضار القيم التي مثلها الإمام الحسين – قيم الرحمة والعدالة والإصلاح – والتي تتناقض كلياً مع مشاهد الاستقواء بالسلاح. فحصر السلاح بيد الدولة لا يتعارض مع روحية عاشوراء، بل هو امتداد طبيعي لها. وكما لا يُبنى الاستقرار في ظل ازدواجية السلاح، لا تُحفظ المناسبات الدينية بالاستعراضات المسلحة، بل بالالتزام بالقانون ومنطق الدولة. وعليه، فإن «حزب الله» يقف اليوم أمام مفترق طرق: إما الانخراط في مشروع الدولة والتخلّي التدريجي عن السلاح ضمن تسوية وطنية تحفظ الاستقرار وتعزز مؤسسات الدولة، أو الإصرار على معادلة ازدواجية السلاح والسلطة، بما يحمله ذلك من مخاطر داخلية وعربية. والمبادرة الأميركية تتيح للحزب فرصة جدية للخروج من حالة العزلة، خصوصاً أنها تتكامل مع مضمون اتفاق الطائف، الذي نصّ بوضوح على تسليم جميع الميليشيات أسلحتها للدولة. هذا البند، الذي لم يُستكمل تنفيذه بسبب ظروف إقليمية سمحت بوضع استثنائي تمثّل في استمرار «الحزب» بالتسلّح، وهو ما بات يتطلّب، كما شدّد الرئيس نواف سلام، إعادة التأكيد على تطبيق كامل لبنود الطائف، في طليعتها احتكار الدولة وحدها لوسائل القوة. ولكن يُستشفّ من تصريحات المبعوث الأميركي توماس باراك في القصر الجمهوري، أنّ واشنطن تُفضل أن يتولى لبنان معالجة ملف سلاح حزب الله بنفسه، ولا تنوي التدخّل مباشرةً، بمعنى أنها تريد أن يتم سحب السلاح بشكل علني ورسمي، من خلال إصدار قرار واضح في مجلس الوزراء يلتزم بحصر السلاح بيد الدولة، ويتضمن آلية تنفيذية مفصّلة وجدولاً زمنياً دقيقاً للتنفيذ؛ فيما يرفض حزب الله طرح هذا الملف في مجلس الوزراء، محذراً من أن اتخاذ مثل هذا القرار قد يؤدي إلى اهتزاز الحكومة ودخول البلاد في أزمة سياسية جديدة قد تفتح الباب أمام توترات داخلية. وهنا يبرز التساؤل المشروع: هل يُمكن فعلاً اتخاذ قرار من هذا النوع في مجلس الوزراء في ظل الانقسام السياسي الحاد؟ وإن حصل، فهل ستُرفق به آلية تنفيذية تضمن التطبيق الفعلي، أم سيبقى حبراً على ورق في مواجهة الوقائع المعقّدة؟ ويبقى أن نؤكد، في الختام، أن حماية بيروت من الفوضى مسؤولية جماعية لكل القوى السياسية والدينية والاجتماعية، تماماً كما أن التمسّك بذكرى عاشوراء وتنوّعها وقدسيتها هو الترجمة الفعلية لقيمها. فالعاصمة ليست ساحة للاستقواء على أحد، بل منارة للعيش المشترك. وبيروت التي دفعت أثماناً باهظة في حروب الآخرين، تستحق أن تُحمى وتُكرّم، لا أن تُرعب وتُستباح. فبالله عليكم، احموها وأكرموها قبل فوات الأوان.

قاسم لم يكن يعلم أيضًا!
قاسم لم يكن يعلم أيضًا!

صوت لبنان

timeمنذ 27 دقائق

  • صوت لبنان

قاسم لم يكن يعلم أيضًا!

كتب معروف الداعوق في 'اللواء': تبريرات الامين العام لحزب الله نعيم قاسم عن نكبة الحزب وخسارته في حرب «الاسناد»، التي شنّها ضد اسرائيل لدعم حركةحماس، بعد عملية طوفان الاقصى، جاءت ركيكة وغير منطقية، ولا تتوافق مع الحد الادنى، لخطابات وشعارات قادة الحزب، الذين صمّوا آذان اللبنانيين، بقدرات الحزب العسكرية الخارقة بمواجهة اسرائيل، فيما اظهرت الوقائع الميدانية، ان كل هذه الشعارات، كانت فارغة المضمون، وتهاوت بسرعة فائقة، وتبين ان هدفها هو لتبرير احتفاظ الحزب بالسلاح الايراني غير الشرعي ومصادرة قرار الدولة ومقدراتها،وابقاء لبنان ساحة مشرَّعة لمصالح ايران ونفوذها بالمنطقة. نفى قاسم بداية، علم حزب الله بعملية طوفان الاقصى مسبقاً، ولكنه قال ان قائد حماس يحيى السنوار بعث برسالة بطريقة ما من غزة الى لبنان، مشددا على ان الحزب اتخذ قرار شن حرب محدودة سماها حرب «الاسناد» بعد يومين، لانه لم يكن مستعدا لحرب شاملة مع الاسرائيليين، والقى مسؤولية انفجار اجهزة «البيجرز»، التي شكلت تحولاً مهماً بمسار الحرب لصالح اسرائيل على الجهة التي اشترت هذه الاجهزة، فيما اعترف بأن اسرائيل خرقت شبكة الاتصالات، ولم يكن الحزب على علم بهذا الاختراق،و حصلت على «داتا» الاتصالات التي مكنتها من استهداف قادة الحزب وكوادره، وتحقيق تفوق نوعي، وحاول قدر الامكان التقليل من وجود عناصر بشرية اخترقت صفوف الحزب، وساهمت في اغتيالات قادة الحزب الكبار وكوادره. حاول الامين العام لحزب الله، شد عصب جمهوره باعطاء انطباع انتصار الحزب في المعركة التي سماها « اولي البأس» من خلال منع تقدم قوات الاحتلال الاسرائيلي الى داخل الاراضي اللبنانية، وتجاهل ما دمرته من عشرات آلاف المنازل في مناطق المواجهة وبالداخل اللبناني وتهجير مئات آلاف المواطنين من قراهم ومناطقهم، ومايزالون حتى اليوم خارجها . قدم الشيخ قاسم نفسه لباقي الاطراف بلهجة تصالحية، وناقض نفسه بنفسه، عندما قال ان الحزب يحترم الدستور والقوانين اللبنانية، ويطالب بتنفيذ اتفاق الطائف، مشدداً على ان الحزب على علاقة طيبة مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، ومؤكدا بأنه مايزال يتلقى الاموال والسلاح من ايران، وهو يعيد ترميم نفسه ويستعد لمواجهة اسرائيل اذا تقدمت لاحتلال مناطق بالداخل اللبناني. في الخلاصة غلبت على مقابلة الشيخ نعيم مقولة «لم اكن اعلم» هذه المرة ايضا، للتهرب من مسؤولية الحزب بجرِّ لبنان الى حرب «الاسناد» بقرار منفرد، وبعيدا عن سلطة الدولة، لنصرة فلسطين، وما تسببت به من ويلات ودمار، ماتزال تداعياته ومرارته تزنر مناطق وقرى الجنوب المواجهة للحدود، واحتلال اسرائيل للتلال الاستراتيجية، واعتداءاتها المتواصلة على اللبنانيين اكبر شاهد على ذلك، وهي تنغص حياتهم، بينما غابت طريق القدس هذه المرة عن مواقف قاسم ، كما غابت مصطلحات توازن الرعب والصواريخ الدقيقة، وسقطت كل ادعاءات قادة الحزب وتهديداتهم الصوتية، بأن السلاح الايراني هو لحماية لبنان.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store