
نور شمس نموذجًا.. تفاصيل الخطة الأميركية لإعادة إعمار مخيمات شمال الضفة
كردٍّ أولي، رفضت اللجنة المشاركة في الزيارة التي جرت، ظهر اليوم الثلاثاء، بحضور محافظ طولكرم عبد الله كميل. وعبرت عن رفضها التام لفكرتها، وما يندرج تحتها من "تمرير للرؤية الإسرائيلية لمستقبل المخيم".
وقال شاويش للجزيرة نت إنهم يرفضون إعادة تأهيل الشوارع على أنقاض منازلهم، وإنهم أصحاب القرار الأول والأخير في ما يجب أن يحدث في المخيم بعد انسحاب جيش الاحتلال، والذي يقوم على عودة كل النازحين إلى منازلهم وليس جزءا منهم.
خطة خطيرة
ووفقا لشاويش، تكمن الخطورة في أن زيارة المنسق الأميركي تقود لجعل نور شمس نموذجًا، وإذا نجحت الخطة التي يسوّق لها، فسيتم نقل هذا النموذج إلى بقية المخيمات ليس فقط في جنين وطولكرم ولكن في عموم الضفة الغربية.
ويوضح أن خطة فنزل تقوم على تعبيد شوارع في المخيم على أنقاض البيوت المهدمة، وهي رؤية إسرائيلية وتطبيق لمخطط جيش الاحتلال بإفراغ المخيم من ساكنيه ومنعهم من العودة إليه، وتحويله إلى حي، وإنهاء فكرة المخيمات في الضفة.
وبحسب معطيات لجنة خدمات مخيم نور شمس، فإن الاحتلال شرد 400 عائلة من المخيم، ما يعني أن قرابة ألفيْ شخص أصبحوا دون مأوى، ولا يسمح الاحتلال لهم بالعودة وبناء منازل جديدة فوق تلك التي هدمتها جرافاته خلال أكثر من 5 أشهر، وهي عمر العملية العسكرية الاسرائيلية في نور شمس.
ويؤكد سكان المخيم أن كل من يحاول طرح حل لمشكلة نزوحهم، عليه أن يفرض أولًا على الاحتلال الانسحاب بشكل كامل منه ومن ثم العمل على إعادة إعماره، بكامل منازله وبالصورة التي كان عليها من قبل.
ويقول شاويش "الناس يريدون مخيمهم السابق بشوارعه وعيادته الصحية ومنازله، يريدون نور شمس محطة انتظارهم للعودة إلى قراهم ومدنهم التي هجروا منها عام 48، لا يمكن بعد كل هذه الأشهر من النزوح والمعاناة والتشريد أن نقبل أن تمحى فكرة المخيم، وتغير جغرافيّته وتطبق الرؤية الإسرائيلية عليه، لا نريد شوارع جديدة معبدة وجزءا من المنازل. أين سيذهب بقية النازحين؟".
تقصير رسمي
ويتهم النازحون الفلسطينيون المستوى السياسي بالتقصير في حل قضيتهم وتوفير حقوقهم البسيطة كإيجاد أماكن سكن لائقة بهم، أو توفير بدل إيجار. ووُجهت دعوات، أمس الاثنين، لنازحي المخيم لتنفيذ اعتصام في مركز مدينة طولكرم غدا الأربعاء، لمطالبة الحكومة الفلسطينية بتحمل مسؤوليتها تجاه أبناء المخيمات وإيجاد حل سريع وشامل لمشكلتهم.
ويرى أهالي نور شمس أن الخطة الأميركية لا تقدم حلا شاملا لهم، حيث قضى الاحتلال على حارات بأكملها داخل المخيم منها المنشية والمسلخ، ورحّل عائلات لها تاريخ فيه وهي غنّام والجندي وأبو صلاح وشحادة، وشمل الهدم كل المنازل.
من جانبها، تقول نهاية الجندي، النازحة من مخيم نور شمس "الأميركان يقدمون خطة لإعادة تأهيل بنية المخيم التحتية، والاحتلال يحرق الليلة الماضية بناية سكنية من 5 شقق فيه، أي إعمار في المخيم مرفوض إذا لم يتضمن عودة كل العائلات النازحة إليه".
في المقابل، يرى محافظ طولكرم عبد الله كميل أن زيارة المنسق الأميركي هي بداية الحل لمجمل قضية المخيمات في شمال الضفة بدءًا من نور شمس، حيث يطرح خطة لإعادة إعمار البنية التحتية بشكل كامل في المخيم بما فيها من شبكات مياه وكهرباء وصرف صحي، إضافة لتعبيد الشوارع وإزالة الركام المتكدس من البيوت التي تم هدمها ونسفها.
وقال للجزيرة نت "أكد لنا فنزل أن جيش الاحتلال أبلغه قبل وصوله الى طولكرم بانتهاء أعماله العسكرية بشكل كامل في نور شمس، لذا فإن المخيم سيكون البداية لخطة الإعمار والتأهيل، ومنه يتم الانطلاق لبقية المخيمات".
ولا ينفي كميل تعثر قضية إعادة إعمار المنازل التي هدمها الاحتلال في المخيم، وأضاف أن الجانب الأميركي نقل رفض إسرائيل إعادة بناء البيوت التي هدمتها بحجة الدافع الأمني، لكنه قال إن هذه القضية بقيت قيد النقاش في المراحل اللاحقة للخطة.
تصادم
وبحسب محافظ طولكرم، فإنه يجب البحث بكل الطرق والوسائل الممكنة لإزالة آثار العدوان الإسرائيلي على المخيمات، "ما يعني أنه يمكن الحديث مع أي طرف كان ولكن مع المحافظة على الموقف الفلسطيني الثابت تجاه المخيمات وقيمتها".
وبيّن عددا من النقاط التي يتصادم فيها الموقف الفلسطيني مع الطرح الاسرائيلي لقبول الخطة الأميركية، وأكد أن الأميركيين تحدثوا عن الموضوع المتعلق بشكل أساسي بالبنية التحتية، لكن إسرائيل ترفض التعاطي مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، سواء بخصوص عودتها للمخيم أو بإشراكها في الخطة.
كما أضاف أنه لا يستبعد وجود مركز أمني فلسطيني داخل المخيم، وهو مطلب شعبي على حد تعبيره، وكانت السلطة الفلسطينية تسعى لفرضه داخل المخيمات قبل بدء العملية العسكرية الإسرائيلية "السور الحديدي" فيها.
ووفقا له، فإن من مسؤولية السلطة الفلسطينية تأمين سكن لائق لكل لاجئ هجِّر من منزله في مخيمات جنين وطولكرم "سواء كان داخل هذه المخيمات أو خارجها، وأنه لا يمكن السماح بأن يبقى النازحون في الشوارع".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
شهيدان أحدهما أميركي الجنسية قرب رام الله وتجدد الاقتحامات بالضفة
أكدت مصادر فلسطينية أن أحد الشهيدين اللذين قتلهما مستوطنون قرب رام الله يحمل الجنسية الأميركية، في حين تجددت الاقتحامات الإسرائيلية في الضفة الغربية. واعتدى مستوطنون بالضرب المبرح أمس الجمعة على الشاب سيف الله كامل مسلَّط (23 عاما) في بلدة سنجل شمال رام الله مما أدى لاستشهاده. كما استشهد الشاب محمد الشلبي (23 عاما) في البلدة نفسها بعد أن أطلق مستوطنون النار عليه. وقالت صحيفة واشنطن بوست إن مسلَّط ولد في بورت شارلوت بفلوريدا وسافر إلى الضفة الغربية في يونيو/حزيران الماضي لزيارة عائلته في قرية المزرعة الشرقية شمال شرق رام الله. وقالت الخارجية الأميركية للجزيرة إنها على علم بتقارير عن وفاة مواطن أميركي في الضفة الغربية. وأضافت الوزارة أنه ليس لديها أي معلومات إضافية احتراما لخصوصية الأسرة في هذه الأوقات العصيبة، كما قالت إنه "ليست لدينا أولوية أعلى من سلامة وأمن المواطنين الأميركيين في الخارج". وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل سابقا عددا من الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الأميركية في الضفة الغربية، ولم تسفر التحقيقات عن أي إدانة أميركية لقتل هؤلاء المواطنين الأميركيين. الهجوم على سنجل وكان مستوطنون مسلحون هاجموا أمس سنجل مما دفع دفع عشرات الشبان للتصدي لهم. وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إنه بالإضافة للشهيدين أصيب 40 فلسطينيا خلال المواجهات مع المستوطنين في الأراضي الواقعة بين بلدتي سنجل والمزرعة الشرقية. وأفادت مصادر فلسطينية بأن هجوم المستوطنين الجديد على بلدة سنجل جرى تحت حماية قوات الاحتلال. وقالت المصادر إن مجموعات المستوطنين منعت الطواقم الطبية من الوصول إلى شبان محاصرين في الأحراج المحيطة بسنجل. من جانبها، أعلنت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أنها تعاملت مع المصابين في الرأس في البلدة جراء اعتداء المستوطنين على المواطنين، ونقل الجرحى إلى المستشفى للعلاج. وتم العثور على الشهيد محمد الشلبي مفارقا للحياة بعد ساعات من البحث عنه، وقالت مصادر فلسطينية إنه أصيب برصاصة في الصدر. وقد أدانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هجوم المستوطنين على بلدة سنجل، ورأت أنه تأكيد على نهج الاحتلال ومخططاته الاستئصالية بحق الفلسطينيين. وفي محافظة الخليل جنوبا، أعلن الهلال الأحمر الفلسطيني إصابة فلسطينيَيْن برضوض، في هجوم شنه مستوطنون أمس على قرية سوسيا. وأوضحت مصادر للجزيرة، أن مجموعة من المستوطنين هاجمت مساكن الفلسطينيين في القرية، فأصيب اثنان من الفلسطينيين الذين خرجوا للتصدي لهم. وتواترت هجمات المستوطنين على القرى والبلدات الفلسطينية في إطار التصعيد الإسرائيلي المستمر منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. اقتحامات جديدة في غضون ذلك، اقتحمت قوات إسرائيلية الليلة الماضية الحي الشرقي بمدينة جنين شمالي الضفة واعتقلت شابا. كما اقتحمت قوات الاحتلال أطراف مخيم الأمعري بمدينة رام الله. وقالت مصادر فلسطينية إن قوات إسرائيلية اقتحمت كذلك بلدات في الخليل (جنوبي الضفة) بينها حلحول والسموع. وشملت الاقتحامات الليلية أيضا بلدة تقوع جنوب شرق مدينة بيت لحم. ومنذ بدء الحرب على غزة، أسفرت الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة عن استشهاد 996 فلسطينيا على الأقل وإصابة 7 آلاف واعتقال أكثر من 18 ألفا آخرين.


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
شهداء بغارات ليلية وعمليات نسف جديدة للمباني في غزة
شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم السبت والليلة الماضية، غارات عنيفة أوقعت شهداء ومصابين في مدينتي غزة و خان يونس ، كما نفذت المزيد من عمليات نسف المباني بالقطاع. وفي أحدث التطورات، أفاد مصدر في مستشفى الشفاء باستشهاد 4 وإصابة 10 آخرين فجر اليوم، إثر غارة استهدفت منزلا في شارع يافا بحي التفاح شرقي مدينة غزة. كما أفادت مصادر فلسطينية بوقوع شهداء ومصابين جراء استهداف طائرات الاحتلال شقة سكنية بحي الشيخ رضوان شمال غرب مدينة غزة. وقبيل ذلك، قصفت طائرات الاحتلال مبنى يؤوي نازحين غربي المدينة، مما أسفر عن 4 شهداء ومصابين. وقالت وسائل إعلام فلسطينية إن الطائرات الإسرائيلية نفذت فجر اليوم والليلة الماضية غارات على المناطق الشرقية لمدينة غزة، والتي تشمل أحياء بينها التفاح والشجاعية. ورافق الغارات الجوية قصف مدفعي، كما أطلقت زوارق الاحتلال الحربية نيرانها بكثافة تجاه شمال غرب مدينة غزة. وفي حي الزيتون جنوبي مدينة غزة، فجرت قوات الاحتلال روبوتا في منازل بمحيط مسجد صلاح الدين. وشمال القطاع، أطلقت مسيّرة إسرائيلية من طراز "كواد كابتر" النار على منازل في منطقة الزرقاء بجباليا البلد. وإلى الشرق من جباليا البلد، نفذت قوات الاحتلال فجرا عمليات نسف ضخمة للمباني السكنية، وفقا لمصادر فلسطينية. وفي جنوب القطاع، تعرّضت منطقة المواصي المكتظة بالنازحين لسلسلة من الغارات الجوية فجر اليوم والليلة الماضية. فقبيل منتصف الليل، استهدفت إحدى الغارات خياما للنازحين في المنطقة، مما أسفر عن استشهاد 7 وإصابة آخرين، وفق أحدث حصيلة أعلنها مستشفى الكويت الميداني. وأسفرت غارة منفصلة على مواصي خان يونس عن استشهاد فلسطيني آخر. وقالت مصادر فلسطينية إن من بين شهداء الغارات الليلية الأسير المحرر عماد منصور. وكان جيش الاحتلال اغتال الثلاثاء الماضي 6 أسرى محررين، بينهم 5 من مبعدي صفقة وفاء الأحرار ، في كل من خان يونس ودير البلح. وبالتوازي مع استهدف خيام النازحين، نفذت قوات الاحتلال عمليات نسف جديدة لمبانٍ سكنية وسط مدينة خان يونس. وفي وسط القطاع، استُشهد 4 فلسطينيين وأُصيب آخرون الليلة الماضية في غارتين إسرائيليتين على دير البلح. وتجددت الغارات على دير البلح فجر اليوم، وبالتزامن قصفت المدفعية الإسرائيلية المناطق الشمالية لمخيم النصيرات. وكانت مصادر في مستشفيات القطاع أفادت بأن 45 فلسطينيا، بينهم 11 من المجوّعين، استُشهدوا جراء القصف وإطلاق النار أمس الجمعة. ومنذ استئناف العدوان على غزة في مارس/آذار الماضي، استُشهد 7300 فلسطيني وأُصيب ما يقرب من 26 ألفا، حسب أحدث بيانات وزارة الصحة بالقطاع. وبين الشهداء نحو 800 من المجوّعين الذين استهدفتهم قوات الاحتلال والمتعاقدون مع "مؤسسة غزة الإنسانية" عند مراكز أُقيمت لتوزيع المساعدات.


الجزيرة
منذ 7 ساعات
- الجزيرة
"المدينة الإنسانية" برفح.. دلالة المسمى الإسرائيلي ومدى جدية المخطط؟
في حين تنشغل الأطراف الدولية برسم مستقبل قطاع غزة ، تطرح إسرائيل تصورا جديدا لما أسمته "المدينة الإنسانية" بجنوب القطاع، وهو مشروع مزدوج لـ"اليوم التالي" يتجاوز الدلالات العسكرية والغذائية، ويستبطن تهجيرا قسريا محكما وتكتيكا تفاوضيا متطرفا في آن واحد. الخطة التي أعلنها وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس ، وتقدر تكلفتها بنحو 6 مليارات دولار، تقوم على إنشاء منطقة محصورة على أنقاض مدينة رفح ، يُدفع إليها نحو 600 ألف نازح قسرا، تحت غطاء فحوص أمنية صارمة، وداخل منطقة مغلقة لا يُسمح بمغادرتها إلا باتجاه البحر أو الأراضي المصرية. وتسويق هذا المخطط بلغة "الإنسانية" يخفي خلفه بنية هندسية للتهجير، لا تقتصر على إدارة لحظة الحرب، بل تصوغ هندسة سياسية وديمغرافية لغزة ما بعد الحرب. ومن وجهة نظر الدكتور مهند مصطفى، الخبير في الشأن الإسرائيلي، خلال مشاركته في برنامج "مسار الأحداث"، فإن الخريطة التي عرضتها تل أبيب خلال مفاوضات الدوحة ليست مجرد طرح فني، بل تمثل تصوّرا نهائيا للوجود الإسرائيلي في غزة. ويقوم هذا التصور على السيطرة الكاملة على 40% من مساحة القطاع، مع توسيع المنطقة العازلة، واحتلال كامل لرفح، وصولا إلى فصل غزة عن مصر نهائيا، حيث يرى مصطفى أن إسرائيل تراهن على التهجير المتدرج كبديل للترحيل الجماعي، وعلى الزمن كعامل ترسيخ للواقع المفروض. تصعيد تفاوضي في السياق نفسه، يقرأ الدكتور لقاء مكي، الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات، هذه الخطة باعتبارها تصعيدا تفاوضيا مقصودا، يهدف إلى رفع السقف إلى أقصى مدى، لفرض تنازلات لاحقة بوصفها "مكاسب" للطرف الفلسطيني. ويضع توقيت إعلان الخطة -المتزامن مع زيارة نتنياهو إلى واشنطن- في إطار لعبة سياسية تهدف إلى الضغط على المفاوضات دون نية حقيقية لتنفيذ الخطة بكل تفاصيلها، خاصة في ظل صمت مصري مثير للقلق، رغم أن التهجير المزمع يتم على حدودها المباشرة. لكن الإشكال لا يكمن فقط في طبيعة الطرح، بل في البنية التي يقترحها، فالخطة، كما يشير الدكتور عثمان الصمادي، الباحث والناشط في العمل الإنساني، لا تحمل أي ملامح لمدينة حقيقية، حيث لا توجد فيها بنية تحتية، ولا مرافق صحية أو تعليمية، ولا حتى نظام إداري. فما يُجهَّز في رفح، حسب الصمادي، هو مساحة مغلقة بأعلى كثافة سكانية يمكن تخيلها، أشبه ما تكون بمعسكر اعتقال، لا بمخيم لجوء أو منطقة عزل مؤقتة. أكثر من ذلك، ترى الأوساط العسكرية الإسرائيلية نفسها في مأزق أمام هذا المشروع، إذ يعارض الجيش الخطة، كونها تُحمّله عبئا إداريا ومدنيا لا يستطيع تحمله، وتعيده إلى نمط الحكم العسكري المباشر كما كان قبل اتفاق أوسلو. فالسيطرة على 700 ألف إنسان، وتأمين احتياجاتهم في منطقة محاصرة، يحوّل الجيش إلى شرطة احتلال مدني، وهو ما لا يريد خوضه، حسب تسريبات داخل الكابينيت نقلها ضيوف الحلقة. تصفية ديموغرافية وفي العمق، لا تكتفي الخطة بإعادة حشر الفلسطينيين داخل بقعة ضيقة، بل تُحاصرهم بلا أفق، فمن يُسمح له بدخول "المدينة" يخضع لفحص أمني صارم يستبعد كل من له صلة بالمقاومة، ما يعني عمليا فصل المجتمع عن أي روافع مقاومة مستقبلية. وتحت شعارات "الفرز الأمني" و"الاحتواء الإنساني"، تبرز نوايا التصفية السياسية والديموغرافية بصورة تدريجية وممنهجة، والخطير في المشهد، كما يلاحظ الدكتور مصطفى، هو أن إسرائيل لا تعاني داخليا من ضغط سياسي كافٍ لوقف هذه الخطة. فالمعارضة الفكرية داخل إسرائيل، رغم وجود أصوات بارزة مثل جدعون ليفي وسيفي براعيل، لا تمتلك تأثيرا سياسيا حقيقيا، في ظل غياب أي تبنٍ حزبي رسمي لمواقف تجرّم هذا التصور، رغم كونه يناقض جوهر دروس الهولوكوست التي ترفعها إسرائيل كعنوان أخلاقي دائم. وفي المحيط العربي، لا تزال القاهرة -المعنية الأولى- غائبة عن التعليق، رغم أنها عضو أساسي في وساطة الدوحة، والمضيفة المفترضة لأي موجة تهجير محتملة. وفي هذا السياق، يرى الدكتور مكي أن مجرد صمت مصر يُعد مساهمة غير مباشرة في تمرير الخطة، وتهديدا مباشرا لأمنها القومي، إذ لا مفر من أن أي تنفيذ حقيقي للخطة سيمر عبر معبر رفح. على الضفة الأخرى من المشهد الدولي، صدرت بعض الإشارات من دول غربية تعارض الخطة، مثل بريطانيا، لكن دون خطوات عملية حقيقية، بل إن واشنطن -الشريك الأساسي في صياغة ما بعد الحرب- لا تزال تلتزم الصمت، أو تكتفي بالتلميح إلى دعم فكرة "الإدارة البديلة" لغزة، دون أن تتخذ موقفا حاسما من الخطة الإسرائيلية. المقلق أن غياب الضغط الدولي الجدي قد يشجع إسرائيل على المُضي قدما، خاصة في ظل ظروف وصفها الصمادي بـ"الذهبية" للحكومة الإسرائيلية المتطرفة، فالدعم الأميركي، وانشغال العالم بأزمات متزامنة، والصمت العربي، تفتح جميعها شهية تل أبيب على الذهاب بعيدا، حتى في مشاريع مستحيلة التنفيذ. غير أن المآلات ليست محسومة، إذ تراهن بعض القراءات على فشل المشروع بسبب كلفته الأخلاقية والإنسانية الهائلة، واصطدامه بتعقيدات دولية وإدارية وحقوقية يصعب تجاوزها. لكن مجرد طرحه بوصفه خيارا قابلا للنقاش، دون رد فعل إقليمي ودولي حازم، يعكس تحولا خطيرا حسب محللين، في طبيعة الصراع من إدارة حرب إلى صياغة "حل نهائي" جديد، بأساليب قديمة وأدوات أكثر قسوة. وفي المحصلة، ليست "المدينة الإنسانية" إلا مرآة تعكس جوهر النوايا الإسرائيلية حيال غزة: خنق المقاومة، وتقليص الكتلة السكانية، وفرض وقائع ميدانية تُحول القطاع إلى سجن مفتوح بلا مستقبل. أما مصير هذا المخطط، فسيتوقف حسب المشاركين في حلقة "مسار الأحداث" على مدى قدرة الفلسطينيين، والداعمين الحقيقيين لقضيتهم، على التصدي له قبل أن يصبح واقعا لا يمكن التراجع عنه.