لماذا امتنعت إيران ومحور المقاومة عن قصف مفاعل ديمونة في حين قصفت إسرائيل منشآت نووية إيرانية..؟
1. مدخل الإشكالية
شكّل تصاعُدُ المواجهة الإسرائيلية- الإيرانية في ربيع وصيف 2024-2025 وصولاً إلى العملية الإسرائيلية الواسعة داخل إيران في يونيو 2025 مفارقة بارزة: إسرائيل استهدفت عشرات المواقع المرتبطة ببرنامج طهران النووي والصاروخي، بينما لم يُسجَّل أيّ هجوم صاروخي أو مسيَّر من جانب إيران أو حلفائها ضد مفاعل ديمونة الإسرائيلي، على الرغم من تهديدات متكررة من قيادات محور المقاومة، وفي مقدمتهم أمين عام حزب الله حسن نصر الله. فكيف يُفسَّر هذا «اللا-فعل»؟ وما الذي يمنع طهران وحلفاءها من ضرب أحد أهم رموز الردع النووي الإسرائيلي؟
2. أهمية ديمونة في معادلة الردع
يقع المفاعل في قلب المنظومة النووية الإسرائيلية غير المعلَنة رسميًّا. ويُصنَّف، وفق تقديرات غربية، على أنه ينتج البلوتونيوم المستخدم في ترسانة يُقدَّر حجمها بما بين 80-100 رأس نووي. ضربُه سيُثير احتمال تسرُّب إشعاعي ويهز صورة «المناعة المطلقة» التي تروّجها تل أبيب منذ عقود. لهذا السبب حوَّلته إسرائيل إلى هدف ذي حساسية ردعية قصوى، تحيطه بطبقات من الدفاع الجوي (حيتس-3، مقلاع داود، والقبة الحديدية) وبإجراءات حماية مدنية داخلية تجعل الوصول إليه وإحداث أضرار كارثية مهمة شبه مستحيلة من دون قدرات صاروخية دقيقة وكثيفة في آن واحد.
3. سجل الضربات الإسرائيلية الحديثة على إيران
الهجمات الإسرائيلية في أبريل 2024 ثم «عملية نارنيا/ Rising Lion» في يونيو 2025 جسَّدت عقيدة «الضربة الوقائية» الإسرائيلية: تدمير البنى التحتية النووية قبل أن تبلغ «نقطة اللاعودة». أكثر من 250 طائرة مسيَّرة ومقاتلة F-35I شاركت في قصف مواقع من نطنز إلى أصفهان وكيرمانشاه، مع دمج هجمات سيبرانية وتشويش GPS. الهدف المعلن: إطالة الجدول الزمني للوصول إلى سلاح نووي، وإضعاف قدرات الصواريخ الباليستية التي يفترض أن تحمل هذا السلاح مستقبلاً. التكرار والجرأة في هذه العمليات يعكسان الثقة بقدرة سلاح الجو الإسرائيلي على العمل بعيداً عن الحدود، وتأييداً أميركياً ضمنياً، مقابل إدراك بأن ردّ إيران سيكون «تحت العتبة».
4. ميزان الردع وعدم تماثل القدرات
يملك إيران ومحورها وفرة في الصواريخ الباليستية (حتى 2 000 كم) والمسيَّرات الانتحارية، لكنها تفتقر إلى التفوق الاستخباري والجوي المطلوب لاختراق عمق النقب وتنفيذ ضربة دقيقة تُعطِّل المفاعل. في المقابل، يتمتع الجيش الإسرائيلي بمنصات اعتراض متراكبة مع تغطية رادارية كثيفة، إلى جانب إمكانية رد تقليدي ساحق ضد أهداف حساسة داخل إيران ولبنان وسوريا ، وربما رد نووي تكتيكي إذا تعرضت «مواقع سيادية نووية» لهجوم كارثي. معادلة الردع هذه تُفسر أن كِلا الطرفين يتجنب استهداف «نواة» قدرة الخصم الردعية، مكتفياً بضربات «حولية» ومحدودة.
5. الكلفة البيئية-الإنسانية والحساب السياسي
أي صاروخ دقيق يضرب قلب ديمونة قد يُطلق مواد مشعة ويعرّض مئات الآلاف في النقب وجنوب الأردن للخطر، ما قد يستجلب إدانة دولية واسعة. يحرص إيران على تقديم نفسها خصوصاً بعد فتوى خامنئي بحرمة السلاح النووي بوصفها طرفاً «مسؤولاً» لا يستهدف منشآت نووية مدنية حتى لدى خصومه. بالمقابل، تُسوّق إسرائيل ضرباتها بأنها وقائية ومُوجَّهة إلى منشآت عسكرية أو أجهزة طرد مركزي «غير مشغَّلة»، لتتفادى اتهامها بارتكاب «تشيرنوبل شرق أوسطي». هذا البُعد الأخلاقي-الدعائي يجعل قرار ضرب المفاعل الإسرائيلي محفوفاً بخسارة «الحرب الإعلامية» التي يوليها محور المقاومة أهمية متزايدة.
6. رسائل طهران: التهديد بلا تنفيذ
منذ خطاب نصر الله عام 2016 وإعادته التهديد عام 2017، تُستخدم ديمونة كورقة تخويف لردع إسرائيل عن استهداف لبنان وإيران ، لا كهدف يُنوى ضربه فعلاً. فيديوهات الدعاية التي أصدرتها وحدة الإعلام الحربي في حزب الله أظهرت شعارات «لا خطوط حمر»، لكنها في الجوهر رسائل سيكولوجية تستند إلى مفهوم الردع بالإيحاء. فالمعركة الإعلامية أرخص ثمناً وأكثر قابلية للضبط من عمل عسكري قد يجر المنطقة إلى حرب شاملة.
7. استراتيجية «الرد في الساحات» بدلاً من «الرد في ديمونة»
أثبتت إيران بعد الهجمات الإسرائيلية أنها تفضّل الرد عبر وكلاء في اليمن أو العراق ، أو عبر هجمات سيبرانية ونقل أسلحة متطورة إلى غزة ولبنان ، لأنها أدوات تسمح بتدرُّج تصعيدي يمكن ضبطه. استهداف ناقلات نفط في بحر عُمان، أو إطلاق مسيَّرات على قواعد أميركية في سوريا ، يُحقِّق هدف «الثأر» دون تجاوز خط أحمر قد يُفجِّر مواجهة مع الولايات المتحدة وحلف «أبراهام» العربي-الإسرائيلي.
8. الحسابات القانونية والدبلوماسية
على رغم انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018، ما زالت طهران حريصة على عدم منح مجلس الأمن ذريعة لقرارات عقابية جديدة. ضربُ منشأة نووية مدنية حتى لو كانت إسرائيل خارج معاهدة عدم الانتشار سيُتَرجَم كخرق صريح لقرار 1998 الصادر عام 2011 القاضي بعدم استهداف منشآت نووية محمية بمنطقة خالية من السلاح النووي. ومن ثمّ، امتناع المحور عن قصف ديمونة يُبقي إيران داخل هامش «المظلومية المقبولة» دوليًّا، في حين يسلّط الضوء على إسرائيل كطرف يخرق القواعد باستهدافه منشآت نووية معلَنة وخاضعة للوكالة الدولية.
9. خلاصات واستشراف
يمتزج الامتناع الإيراني -الحزبللاوي عن ضرب ديمونة بمجموعة طبقات: (أ) معادلة ردع غير متماثلة تُفضّل فيها إيران الحفاظ على القدرة الصاروخية للمساومة لا للمقامرة بوجودها، (ب) فجوة تكنولوجية واستخبارية تجعل الوصول إلى المفاعل مخاطرة عالية مقابل عائد رمزي قد يكون محدوداً، (ج) كلفة بيئية-إنسانية-دبلوماسية هائلة قد تُفقد طهران ما تبقى لها من تعاطف دولي، (د) توفر بدائل رد غير مباشرة أقل كلفة وأقرب لمفهوم «حرب الظل». في المقابل، تُظهر العمليات الإسرائيلية الأخيرة أن تل أبيب مستعدة لاختبار سقف الردع كلما سمحت البيئة الدولية وخصوصاً الدعم الأميركي بذلك. ومع تصاعد الأصوات الإيرانية الداعية إلى «رد متماثل» أو حتى «تسريع برنامج الردع النووي»، فإن عدم استهداف ديمونة حتى الآن لا يعني انتفاء الخطر مستقبلاً، بل يدل على أن طهران تُدير صراعها ضمن سلّم تصعيد دقيق، تدرك فيه أن رصاصة واحدة على المفاعل قد تُشعل الحريق النووي الذي تخشاه جميع العواصم.
* كاتب وباحث سياسي عسكري يمني
—
المصادر والمراجع (مرتَّبة أبجديًّا)
1. The Wall Street Journal – تقرير «عملية نارنيا»، 27 يونيو 2025.
2. Wikipedia (June 2025 Israeli strikes on Iran) – تفاصيل المواقع المستهدفة.
3. The Guardian – «Monday Briefing: Four ways Iran could retaliate...»، 23 يونيو 2025.
4. Diplomat Magazine – «The Iranian - Israeli confrontation...»، 8 أكتوبر 2024.
5. The Times of Israel – تصريح رئيس هيئة الطاقة الذرية السابق حول أمان ديمونة، 2017.
6. The Sun – فيديو تهديد حزب الله لديمونة، نوفمبر 2024.
7. The Jerusalem Post – مقابلة نصر الله: «لا خطوط حمر»، فبراير 2017.
8. Anadolu Agency – خطاب نصر الله يطالب بتفكيك المفاعل، 16 فبراير 2017.
9. Modern Diplomacy – «Striking Complexity: The 2025 Israel - Iran War...»، 23 يونيو 2025.
10. Institute for the Study of War – «Iran Updates (Oct. 7 War)»، يناير 2025.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


نافذة على العالم
منذ 2 ساعات
- نافذة على العالم
أخبار مصر : بدون مقاومة من سوريا.. الاحتلال الإسرائيلي يتجول قرب دمشق
الجمعة 4 يوليو 2025 10:00 صباحاً نافذة على العالم - أفادت قناة الميادين اللبنانية، نقلًا عن مصادر محلية في سوريا، بأن قوة عسكرية إسرائيلية نفذت عملية إنزال جوي قرب العاصمة دمشق، في تطور ميداني لافت هو الأول من نوعه بهذا القرب من مركز الحكم السوري. وبحسب التقرير، هبطت 3 مروحيات إسرائيلية في محيط قرية "يافور"، الواقعة على بعد نحو 10 كيلومترات فقط من العاصمة، في منطقة يعتقد أنها كانت تابعة في السابق لفرقة الحرس الجمهوري خلال عهد الرئيس السوري بشار الأسد. وذكرت المصادر، أن القوة شرعت في عملية تمشيط موسعة استمرت خمس ساعات، دون تسجيل اشتباكات مباشرة أو إعلان رسمي من السلطات السورية أو الإسرائيلية بشأن طبيعة المهمة أو أهدافها. وفي ختام العملية، انسحبت القوة عبر المروحيات التي أقلتها من الموقع. تأتي هذه العملية في سياق سلسلة طويلة من الانتهاكات الإسرائيلية للأراضي السورية، والتي تسارعت وتيرتها منذ اندلاع الحرب السورية وتفكك مؤسسات الدولة، خاصة بعد تراجع نفوذ النظام السوري في عدد من المناطق الإستراتيجية، وتحوله إلى لاعب هامشي يخضع لمعادلات النفوذ الإيراني والروسي في آنٍ واحد. ويرى مراقبون أن إسرائيل باتت تتعامل مع الساحة السورية كمنطقة عمليات مفتوحة، مستغلة غياب الردع الفعلي وتشتت القرار السيادي، ما جعل الأراضي السورية عرضة لهجمات جوية وأخرى نوعية، كما هو الحال في عملية "يافور". كما تعكس هذه العملية تصعيدًا نوعيًا في مستوى المغامرة العسكرية، عبر تنفيذ إنزال جوي على بعد كيلومترات معدودة من قلب العاصمة دمشق، في مؤشر على تآكل الأمن العسكري السوري حتى في المناطق التي كانت تصنف سابقًا بأنها خطوط حمراء بحكم قربها من القيادة ومقار الحرس الجمهوري. ويؤشر هذا التوغل الإسرائيلي إلى تغير قواعد الاشتباك بشكل جوهري، حيث لم تعد إسرائيل تكتفي بضربات جوية تستهدف مخازن أو قوافل يعتقد أنها مرتبطة بإيران أو حزب الله، بل باتت تنفذ عمليات برية محدودة وعالية الدقة داخل العمق السوري دون أي رد يذكر.


نافذة على العالم
منذ 3 ساعات
- نافذة على العالم
أخبار قطر : لبنان: الموفد الأمريكي في بيروت الإثنين
الجمعة 4 يوليو 2025 09:00 صباحاً نافذة على العالم - عربي ودولي 46 04 يوليو 2025 , 07:00ص علم لبنان ❖ بيروت - حسين عبد الكريم لم يتمكن لبنان من إنجاز ورقة الرد على مقترحات المبعوث الأمريكي توم باراك في الأول من يوليو واستمر النقاش في اللجان المشكلة لهذا الغرض للوصول إلى رؤية مشتركة وموقف موحد على الورقة الأمريكية التي تتمحور حول نقاط أساسية ومهمة، أبرزها: تسليم السلاح. ترسيم الحدود البرية، لا سيما مع سوريا. ملف الإصلاحات، وإقفال فروع «القرض الحسن» ووقف التعامل بالأموال النقدية. ومن المنتظر أن يعود الموفد الأمريكي الإثنين المقبل للقاء الرؤساء الثلاثة والاستماع إلى «الجواب اللبناني النهائي». ووفقا للآلية السياسية المتبعة فإن الخطوة الأولى تبدأ بجواب لبنان على هذه الورقة، على أن يكون جواباً موحداً، بالتنسيق بين الرؤساء الثلاثة، كما مع حزب الله باعتباره الطرف المعني بهذا الأمر. وعُلم أن حزب الله يعتبر أن الجواب المقترح، وإن كان يفتقر إلى أي ضمانات للبنان أو له، ولا يقدّم تأكيدات بوقف الاعتداءات الإسرائيلية، فإنه سيتم التعاطي معه على أنه يعبر عن الإجماع اللبناني كونه صادرًا عن الرؤساء الثلاثة، وسيُعتبر امتحانًا للتاريخ بأن الحزب لم يقف في وجه هذا الإجماع الوطني. وتفيد معلومات أولية أن الرد المقترح قد يتضمن آلية عملية لجمع السلاح الثقيل والصاروخي، ربطًا بترسيم الحدود الشرقية والجنوبية، وبملف إعادة الإعمار، مع التأكيد على تفاهمات وقف الأعمال العدائية. وفي تصعيدٍ جديد، استهدفت مسيّرةٌ إسرائيليّةٌ، بصاروخين موجَّهين، سيارةً على الطريق العامّ في خلدة، جنوبيّ بيروت، مساء أمس. وأفادت مصادر إسرائيليّة بأنّ «سلاح الجوّ استهدف أحدَ العاملين في مجالِ تهريبِ الأسلحة».


بوابة ماسبيرو
منذ 3 ساعات
- بوابة ماسبيرو
إبراهيم المصرى : الأمن القومى المصرى يرتبط بفلسطين
لا سلام دون إقامة دولة فلسطينية إسرائيل تهدد المنطقة دون رقيب دولى.. ولا تخضع للتفتيش النووى فى ظل الأوضاع الملتهبة التى تمر بها منطقة الشرق الأوسط، وما شهدته الأيام الأخيرة من تطورات دراماتيكية على الساحة الإقليمية، بعد وقف الحرب بين الاحتلال الإسرائيلى وإيران، تتزايد التساؤلات حول مستقبل المنطقة، ومخاطر امتلاك إسرائيل لسلاح نووى دون رقيب، خاصة مع الحديث عن تدمير البرنامج النووى الإيراني. كما تزداد الأسئلة حول دور المجتمع الدولى فى كبح جماح امتلاك أسلحة الدمار الشامل. وفى هذا السياق، كان لنا هذا الحوار مع النائب اللواء إبراهيم المصري، وكيل لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب، الذى تحدث بصراحة عن الموقف من البرنامج النووى الإسرائيلي، وخسائر إسرائيل على المدى البعيد، وأبعاد العلاقات الدولية والإقليمية المرتبطة بالصراع الفلسطيني. كما قدم قراءة سياسية وأمنية متعمقة للمشهد الحالي، مؤكدًا أن حل القضية الفلسطينية هو مفتاح الاستقرار فى الشرق الأوسط. بعد وقف الحرب بين الاحتلال الإسرائيلى وإيران.. كيف ترى خطورة امتلاك إسرائيل لبرنامج نووى عسكري؟ بالتأكيد يشكل ذلك خطرًا كبيرًا، ولا أحد يجرؤ على مواجهته أو الحديث عنه. إسرائيل تملك سلاحًا نوويًا ومفاعل "ديمونة" العسكرى المعروف عالميًا، لكنها تظل حالة شاذة واستثنائية تحظى بحماية دولية. الجميع يعلم ببرنامجها النووي، ولكن لا يُطبق عليها القانون الدولي. لماذا لم تتخذ الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، موقفًا من البرنامج النووى الإسرائيلي؟ **لأن إسرائيل محمية دوليًا وتعتبر ولاية أمريكية وعين الغرب فى المنطقة. لا يُسمح لأحد بتهديدها أو الاقتراب من برنامجها النووي، وهذا ما يجعلها فوق المساءلة والتفتيش. القوى الكبرى تكيل بمكيالين. بعد الإعلان عن تدمير المنشآت النووية الإيرانية.. هل تتجه الدول الكبرى إلى دعم إيران فى إنشاء برنامج نووى سلمي؟ التهدئة الأخيرة بالتأكيد تضمنت مكاسب لإيران من خلف الكواليس، وربما قبولًا ضمنيًا بعدم استكمال مشروعها النووي. لكن لا يمكن إنكار أن إيران خسرت الكثير، بما فى ذلك ترسانتها والفصائل التى تدعمها مثل حزب الله وحماس. لماذا ترى إسرائيل نفسها فوق المساءلة؟ وهل يمكن أن يستمر هذا الوضع؟ لأنها مدعومة من قوى عظمى، ولأنها ببساطة لا تُحاسب. هذا الوضع سيستمر طالما بقيت هذه الحماية الدولية، إلا إذا تحقق حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية. هل يعطى عدم انضمام إسرائيل لمعاهدة حظر الانتشار النووى مبررًا لامتلاكها سلاحًا نوويًا؟ لا، لكنه يعطيها مساحة للمراوغة. إسرائيل ترفض الانضمام لأنها لا تريد رقابة ولا مساءلة. وهى الدولة الوحيدة فى المنطقة التى تملك سلاحًا نوويًا دون التزامات دولية. نعمٌ؛ الوكالة تتعرض لضغوط سياسية، وهذا واضح فى تعاطيها المختلف مع إيران مقارنة بإسرائيل. بعد تدمير البرنامج النووى الإيراني.. هل هناك حاجة لامتلاك إيران برنامجًا نوويًا عسكريًا؟ من وجهة نظر إيران، نعم، لضمان التوازن. لكن المجتمع الدولى يرى العكس. القضية الأعمق أن المنطقة كلها يجب أن تُخلى من السلاح النووي. فى ضوء تهدئة الأوضاع، هل يمكن لنتنياهو أن يلجأ إلى حرب جديدة؟ لا أستبعد ذلك، نتنياهو قد يبحث عن حرب أو تصعيد جديد لتمديد بقائه فى الحكم والهرب من المحاكمات التى تنتظره. ما المكاسب التى يمكن أن تحققها إيران من اتفاق وقف إطلاق النار؟ وهل حققت إسرائيل أهدافها الاستراتيجية من الهجوم؟ إيران قد تكون حصلت على بعض الضمانات مقابل وقف التصعيد، لكنها فى الواقع تعرضت لخسائر كبيرة. أما إسرائيل، فقد تسعى لتكريس هيمنتها، لكنها لن تنعم بالسلام الحقيقى طالما استمرت فى ارتكاب المجازر ضد الفلسطينيين، فستنشأ أجيال جديدة ترفض الاحتلال وتقاومه، ولن يتحقق الاستقرار إلا بحل الدولتين وإنهاء القضية الفلسطينية بشكل عادل. لماذا لا تنتفض الدول الكبرى ضد البرنامج النووى الإسرائيلي؟ ولماذا لا تُلزمها ببرنامج سلمي؟ لا تجرؤ أى دولة على انتقاد البرنامج النووى الإسرائيلي، وإن وُجدت حالات فردية هنا أو هناك فهى بلا أى صدى. القوة هى التى تحكم القرار الدولي، ولم تعد لمحكمة العدل الدولية أو الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أى تأثير يُذكر. لكن من وجهة نظري، إسرائيل خسرت كثيرًا على المدى البعيد. لقد فقدت سمعتها عالميًا، وأصبحت تُرى كدولة احتلال وإبادة وعدوان على الأطفال، خصوصًا بعد أن شاهد العالم مشاهد الإبادة الجماعية بأم عينه. الجيل الجديد فى أوروبا والعالم تأثر بذلك، وهذا له تبعات مستقبلية مؤكدة. كما أن فقدان الأمن الداخلى فى إسرائيل كان واضحًا خلال حرب الـ12 يومًا، إذ شهدنا هجرة من الداخل للخارج، فمعظم الإسرائيليين يحملون جنسيات أجنبية، بينما الفلسطينى راسخ فى أرضه. ولن توجد دولة اسمها إسرائيل ما لم يُنفذ حل الدولتين. هل تعتبر إسرائيل نفسها فوق المساءلة والتفتيش الدولي؟ نعم، إسرائيل تضع نفسها فوق المساءلة، وحتى عند ظهور أى انتقاد لها داخل محكمة العدل الدولية أو مجلس الأمن يتم تهديد أعضاء هذه الهيئات. ولكن هذا الوضع لن يستمر للأبد، ولن تنعم إسرائيل بالسلام ما لم تقم دولة فلسطينية. كيف تفسر رفض إسرائيل الانضمام لاتفاقية حظر الانتشار النووي؟ إسرائيل حالة شاذة ومارقة بكل ما تعنيه الكلمة، وتتصرف كدولة ذات سيادة مستمدة من نفوذ أمريكى مباشر، فهى فعليًا تُعامل كما لو كانت الولاية الأمريكية رقم 54. هل تساعد الدول الغربية إيران فى تبنى برنامج نووى سلمي؟ أعتقد أن هناك اتفاقًا بهذا الشأن وهو معلن، خصوصًا فى ظل غياب دعم فعلى من روسيا والصين لإيران بسبب ظروفهما، وهذا دفع طهران لقبول وقف إطلاق النار فى نهاية المطاف. فى رأيك، ما الحل للصراع فى المنطقة؟ لا يوجد حل سوى إقامة دولة فلسطينية، هذا هو جوهر المشكلة، وكل ما يحدث من صراعات إقليمية يعود أصله إلى عدم حل القضية الفلسطينية. كيف ترى مستقبل العلاقات العربية الإيرانية؟ بعض الخلافات بين الجانبين مفتعلة، والبعض الآخر حقيقى نتيجة للمد الثورى الإيراني. لا ننسى أن الخمينى عاش فى فرنسا وتلقى دعمًا وتوجيهًا من الخارج، كما أن هناك تعاونًا غير معلن بين إسرائيل وإيران، ليس وليد اليوم، بل ممتد من سنوات، ولكنه غير مرئى للرأى العام. ما مصير رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بعد التهدئة؟ نتنياهو نفّذ المخطط بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة، وهذا ما صعّد من شعبيته. اليوم يُنظر إليه كبطل قومى فى تل أبيب بسبب اقتحامه للأراضى الإيرانية. حتى دونالد ترامب يدافع عنه بشدة، والأيام المقبلة ستكون فى صالحه وصالح التيار المتشدد المسيطر على إسرائيل منذ أكثر من 30 عامًا. فى النهاية، يبقى القرار للشعب الإسرائيلى ليختار من يحكمه. كيف ترى ممارسات الاحتلال الإسرائيلى فى غزة فى ظل صمت المجتمع الدولي؟ الاحتلال الإسرائيلى لا يضع المجتمع الدولى أو المنظمات الدولية فى اعتباره إطلاقًا، ويتوحش فى ارتكاب الجرائم بحق الشعب الفلسطينى أمام أعين العالم أجمع. الاحتلال يعربد ويمارس الإبادة الجماعية بمباركة الدول الداعمة له، فى ظل غياب أى موقف حازم من القوى الكبرى. ما موقف مصر من هذه الجرائم بحق الفلسطينيين؟ موقف مصر واضح وصريح منذ عام 1948 وحتى الآن. القضية الفلسطينية تمثل عمود الخيمة بالنسبة للعرب جميعًا، وخاصة الأمن القومى المصرى المرتبط ارتباطًا وثيقًا بفلسطين. الدولة المصرية لم تدخر وقتًا أو جهدًا فى دعم القضية، وسعت إلى حشد الرؤى العربية والدولية لوقف الحرب فى غزة، والتأكيد على حل الدولتين، ومنح الشعب الفلسطينى حقوقه المشروعة ووقف نزيف دم الأبرياء. هناك من يشكك أحيانًا فى موقف مصر، ما تعليقك؟ لا يستطيع أحد أن يزايد على موقف مصر إطلاقًا. قبل اندلاع الحرب الأخيرة، كانت مصر بالفعل تتبرع وتشرع فى إعادة إعمار ما دمره الاحتلال الإسرائيلى فى غزة. وفور اندلاع حرب الكيان الصهيونى على غزة فى السابع من أكتوبر، تبنت مصر القضية الفلسطينية بشكل كامل، وحذّرت من العواقب الوخيمة لجرائم الاحتلال، وطالبت مرارًا بحل الدولتين كخيار وحيد لاستقرار المنطقة. للأسف، المجتمع الدولى لم يتبنّ الرؤية المصرية حتى الآن رغم أنها الرؤية الصائبة والداعمة للحق وللقضية الفلسطينية. بل إن المجتمع الدولى كان منحازًا بشكل واضح لإسرائيل، وهو ما شجع الاحتلال على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق أشقائنا فى غزة. الحلول المؤقتة والمسكنات لن تُجدى نفعًا، والحل الحقيقى يكمن فى تنفيذ حل الدولتين ورفع الظلم عن الشعب الفلسطيني.