
الاتحاد العمالي لنقابات عمال الجنوب يصعّد: هذه السلطة مفروضة ومؤقتة!
ووجه الاتحاد تحية إلى عائلات الشهداء ، منتقداً ما صمت المسؤولين تجاه ما يحدث، وداعياً إلى تحرّك دبلوماسي فوري يشمل رفع دعاوى في مجلس الأمن ، واستدعاء سفراء الدول الراعية لوقف إطلاق النار، وشن حملة إعلامية ودبلوماسية لكشف جرائم العدو.
وفي الشأن المعيشي، اعتبر الاتحاد أن الحد الأدنى للأجور الذي أقرته السلطة "لا يلبّي أبسط حاجات العيش"، مطالباً برفعه إلى ما يعادل ألف دولار، وربط الأجور بمؤشر غلاء المعيشة، ومتهماً السلطة بـ"الارتهان لمصالح كبار الرأسماليين على حساب الطبقة العاملة".
ووصف المجتمعون السلطة الحالية

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


تيار اورغ
منذ 28 دقائق
- تيار اورغ
تعويضات معلّقة وبيوت مهدّمة.. مأساة أهالي الضاحية الجنوبية بين الوعود والانتظار
في أحياء الضاحية الجنوبية، وبين المباني التي تحمل ندوب الحروب يعيش السكان مأساة مستمرة بفعل الأضرار الكبيرة التي لحقت بمنازلهم خلال الحرب الأخيرة. في منطقة المريجة والسانت تيريز، يقف الأهالي أمام واقع مؤلم من بيوت مهدّمة، وتعويضات معلّقة، ووعود لم تُنفّذ، في حين تتوقف مشاريع إعادة الإعمار وسط غموض شديد يلفّ الملف. وعود كاذبة وواقع مؤلم في المريجةفي منطقة المريجة، حيث لا تزال آثار الدمار واضحة على جدران البيوت، تحدث علي، أحد السكان، لـ«الشرق الأوسط» عن وضع منزله الذي تعرّض لدمار شبه كامل. وقال: «بعد أن تضرّر منزلي بالكامل، قيل لنا إن هناك خطة عاجلة لإعادة الإعمار، وإنّ التعويضات ستُصرف في غضون أشهر قليلة. لكن الواقع مختلف تماماً. كل ما حصلنا عليه فعلياً كان بدل إيواء لأربعة أشهر فقط، بدءاً من شهر يناير (كانون الثاني)، بقيمة إجمالية لا تتجاوز ألفي دولار. بعد ذلك، توقفت المساعدات كلياً، ولم نتلقَّ أي دعم مالي لإصلاح ما تهدّم». وحول حجم الخسائر قال: «منزلي لم يعد صالحاً للسكن. تضرّر بشكل كامل، من الجدران إلى الأرضيات، ومن شبكات المياه والكهرباء إلى الأثاث الذي تلف بالكامل. لم أتمكن من استرجاع شيء تقريباً. ومع ذلك، لم أتلقَّ أي تعويض عن الخسائر. منذ وقوع الضرر وأنا أتحمّل كل التكاليف من جيبي الخاص. دفعت حتى الآن أكثر من عشرة آلاف دولار، ومع ذلك ما زلت في أول الطريق. بحسب تقديري، أحتاج إلى ما لا يقل عن ثلاثين ألف دولار إضافية لإعادة المنزل إلى وضع قابل للسكن». لكن الصدمة الكبرى جاءت مع إبلاغهم بشكل رسمي، خلال الأسابيع الماضية، بتوقف أعمال الترميم في المبنى «حتى إشعار آخر». إذ أوضح أنّ الجهة المسؤولة عن التنفيذ، والمكلّفة من قبل «حزب الله» أوضحت و«قالت لنا صراحة إنّ التمويل متوقف، وبالتالي لا يمكن استكمال أي عمل. كل ما أنجزوه هو ترميم حائط دعم في الطابق الأرضي، ثم توقفوا وغادروا، وكأنّ شيئاً لم يكن». المبنى أصبح مهدداً بالكامل، وعائلات عديدة إما هُجّرت أو تعيش في ظروف غير إنسانية. وحول ما أبلغوه من الجهات المسؤولة قال: «كل مراجعاتنا تُقابل بجواب موحّد: (لا يوجد تمويل حالياً، انتظروا)». وبحسرة من فقد ذاكرته قال علي: «نحن لا نطلب أكثر من حقّنا. خسرنا منازلنا، خسرنا أثاثنا، خسرنا استقرارنا. وكل ما نسمعه عبارة عن وعود مؤجلة وتعابير غامضة مثل الصبر والمتابعة. لا نعلم من المسؤول، ولا متى تنتهي هذه المهزلة». ثمانيني ينتظر الفرج بعد دمار بيته وذكرياتهفي منزل آخر بالضاحية، يروي محمد، وهو رجل ثمانيني، تفاصيل معاناة كبيرة مع تعويضات لم تصل حتى اليوم. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «دمّروا بيتي وذكرياتي... منزلي الذي عشت فيه طوال حياتي أصبح غير صالح للسكن؛ فقد تهدمت الجدران والسقف، فضلاً عن أن شبكة المياه والكهرباء تعرضت لأضرار جسيمة ولم تُصلح حتى الآن». وعن الأمور التي لم تُنجز أفصح: «المصعد الذي تكفلت الجهات المعنية بإصلاحه لم يُستكمل تشغيله حتى اليوم، بالرغم من أنه كان أحد الشروط الأساسية لضمان إمكانية العيش في هذا المبنى، خاصة بالنسبة لي وأنا في هذا العمر». وأشار إلى أن تعويضات الأثاث التي حصل عليها لم تتجاوز 8 آلاف دولار، رغم أن الخسائر الحقيقية في الأثاث تتخطى 15 ألف دولار، في حين أن إعادة تأهيل المنزل تتطلب نحو 25 ألف دولار، «ومع كل ذلك لم أتلقَ أي تعويض عن الأضرار التي لحقت بالبناء نفسه». وأضاف محمد أنه بدل الإيواء الذي كان يُصرف لمدة أربعة أشهر فقط قد انتهى، ولم يتسلم أي مبلغ يعوّضه عن الفترة التي تلت ذلك. كاشفاً أنه «بعد مراجعات عديدة للجهات المعنية، كدنا نصل إلى قناعة بأن التعويضات توقفت أو شبه معدومة، وأن الوعود المتكررة لا تتحقق». وبمرارة أضاف: «أنا مضطر لأن أبدأ ترميم منزلي على نفقتي الخاصة، لأنني لا أستطيع البقاء بعيداً عن بيتي، وأفضل العودة إليه مهما كان وضعه على أن أعيش في مكان غريب بعيداً عن كل ذكرياتي». وختم قائلاً: «كل ما نريده هو إنصاف حقيقي، وتعويض عادل يمكننا من استعادة بيوتنا، والعيش فيها بأمان وكرامة». مالك المنزل محروم من حقه في التعويضفي منطقة السانت تيريز، يقف قاسم، مالك منزل كان يؤجره، أمام مأساة مالية وإنسانية كبيرة. إذ ذكر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «خسرت منزلي ولم أتلقَ أي تعويض. كان هذا المنزل جزءاً من دخلي الأساسي، إذ كنت أعتمد على بدل إيجاره لدفع بدل المنزل الذي أقطنه حالياً مع عائلتي، إضافة إلى تغطية جزء من قسط مدرسة بناتي. هذا الدخل كان يشكل أماناً لنا، لكن مع فقدانه تغيرت حياتنا بشكل جذري». وأضاف: «رغم الخسائر الكبيرة التي تكبدتها، صرفت التعويضات للمستأجرين فقط، وعندما راجعت الجهات المعنية عدّة مرّات، أخبروني أن تعويضات المالكين ستصرف في مرحلة مستقبلية وغير محددة المدى». وتابع: «نعيش اليوم في منزل مستأجر أقل تكلفة، وأتحمل كامل نفقات الإيجار، إلى جانب أعباء تعليم بناتي التي ازدادت صعوبة بعد فقدان مصدر الدخل الأساسي. حاولت مراراً استرداد حقي، لكن كل ما ألقاه هو وعود الانتظار دون أي خطوات عملية ملموسة». وختم قائلاً: «كل ما أريده هو إنصاف أصحاب المنازل، وتأمين تعويضات عادلة تمكننا من إعادة بناء حياتنا وتأمين مستقبل أفضل لأطفالنا في ظل هذه الظروف الصعبة التي نعيشها».


التحري
منذ 37 دقائق
- التحري
التعويضات معلّقة… مأساة أهالي الضاحية بين الوعود والانتظار
جاء في 'الشرق الأوسط': في أحياء الضاحية الجنوبية، وبين المباني التي تحمل ندوب الحروب يعيش السكان مأساة مستمرة بفعل الأضرار الكبيرة التي لحقت بمنازلهم خلال الحرب الأخيرة. في منطقة المريجة والسانت تيريز، يقف الأهالي أمام واقع مؤلم من بيوت مهدّمة، وتعويضات معلّقة، ووعود لم تُنفّذ، في حين تتوقف مشاريع إعادة الإعمار وسط غموض شديد يلفّ الملف. وعود كاذبة وواقع مؤلم في المريجة في منطقة المريجة، حيث لا تزال آثار الدمار واضحة على جدران البيوت، تحدث علي، أحد السكان، لـ«الشرق الأوسط» عن وضع منزله الذي تعرّض لدمار شبه كامل. وقال: «بعد أن تضرّر منزلي بالكامل، قيل لنا إن هناك خطة عاجلة لإعادة الإعمار، وإنّ التعويضات ستُصرف في غضون أشهر قليلة. لكن الواقع مختلف تماماً. كل ما حصلنا عليه فعلياً كان بدل إيواء لأربعة أشهر فقط، بدءاً من شهر يناير (كانون الثاني)، بقيمة إجمالية لا تتجاوز ألفي دولار. بعد ذلك، توقفت المساعدات كلياً، ولم نتلقَّ أي دعم مالي لإصلاح ما تهدّم». وحول حجم الخسائر قال: «منزلي لم يعد صالحاً للسكن. تضرّر بشكل كامل، من الجدران إلى الأرضيات، ومن شبكات المياه والكهرباء إلى الأثاث الذي تلف بالكامل. لم أتمكن من استرجاع شيء تقريباً. ومع ذلك، لم أتلقَّ أي تعويض عن الخسائر. منذ وقوع الضرر وأنا أتحمّل كل التكاليف من جيبي الخاص. دفعت حتى الآن أكثر من عشرة آلاف دولار، ومع ذلك ما زلت في أول الطريق. بحسب تقديري، أحتاج إلى ما لا يقل عن ثلاثين ألف دولار إضافية لإعادة المنزل إلى وضع قابل للسكن». لكن الصدمة الكبرى جاءت مع إبلاغهم بشكل رسمي، خلال الأسابيع الماضية، بتوقف أعمال الترميم في المبنى «حتى إشعار آخر». إذ أوضح أنّ الجهة المسؤولة عن التنفيذ، والمكلّفة من قبل «حزب الله» أوضحت و«قالت لنا صراحة إنّ التمويل متوقف، وبالتالي لا يمكن استكمال أي عمل. كل ما أنجزوه هو ترميم حائط دعم في الطابق الأرضي، ثم توقفوا وغادروا، وكأنّ شيئاً لم يكن». المبنى أصبح مهدداً بالكامل، وعائلات عديدة إما هُجّرت أو تعيش في ظروف غير إنسانية. وحول ما أبلغوه من الجهات المسؤولة قال: «كل مراجعاتنا تُقابل بجواب موحّد: (لا يوجد تمويل حالياً، انتظروا)». وبحسرة من فقد ذاكرته قال علي: «نحن لا نطلب أكثر من حقّنا. خسرنا منازلنا، خسرنا أثاثنا، خسرنا استقرارنا. وكل ما نسمعه عبارة عن وعود مؤجلة وتعابير غامضة مثل الصبر والمتابعة. لا نعلم من المسؤول، ولا متى تنتهي هذه المهزلة». ثمانيني ينتظر الفرج بعد دمار بيته وذكرياته في منزل آخر بالضاحية، يروي محمد، وهو رجل ثمانيني، تفاصيل معاناة كبيرة مع تعويضات لم تصل حتى اليوم. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «دمّروا بيتي وذكرياتي… منزلي الذي عشت فيه طوال حياتي أصبح غير صالح للسكن؛ فقد تهدمت الجدران والسقف، فضلاً عن أن شبكة المياه والكهرباء تعرضت لأضرار جسيمة ولم تُصلح حتى الآن». وعن الأمور التي لم تُنجز أفصح: «المصعد الذي تكفلت الجهات المعنية بإصلاحه لم يُستكمل تشغيله حتى اليوم، بالرغم من أنه كان أحد الشروط الأساسية لضمان إمكانية العيش في هذا المبنى، خاصة بالنسبة لي وأنا في هذا العمر». وأشار إلى أن تعويضات الأثاث التي حصل عليها لم تتجاوز 8 آلاف دولار، رغم أن الخسائر الحقيقية في الأثاث تتخطى 15 ألف دولار، في حين أن إعادة تأهيل المنزل تتطلب نحو 25 ألف دولار، «ومع كل ذلك لم أتلقَ أي تعويض عن الأضرار التي لحقت بالبناء نفسه». وأضاف محمد أنه بدل الإيواء الذي كان يُصرف لمدة أربعة أشهر فقط قد انتهى، ولم يتسلم أي مبلغ يعوّضه عن الفترة التي تلت ذلك. كاشفاً أنه «بعد مراجعات عديدة للجهات المعنية، كدنا نصل إلى قناعة بأن التعويضات توقفت أو شبه معدومة، وأن الوعود المتكررة لا تتحقق». وبمرارة أضاف: «أنا مضطر لأن أبدأ ترميم منزلي على نفقتي الخاصة، لأنني لا أستطيع البقاء بعيداً عن بيتي، وأفضل العودة إليه مهما كان وضعه على أن أعيش في مكان غريب بعيداً عن كل ذكرياتي». وختم قائلاً: «كل ما نريده هو إنصاف حقيقي، وتعويض عادل يمكننا من استعادة بيوتنا، والعيش فيها بأمان وكرامة». مالك المنزل محروم من حقه في التعويض في منطقة السانت تيريز، يقف قاسم، مالك منزل كان يؤجره، أمام مأساة مالية وإنسانية كبيرة. إذ ذكر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «خسرت منزلي ولم أتلقَ أي تعويض. كان هذا المنزل جزءاً من دخلي الأساسي، إذ كنت أعتمد على بدل إيجاره لدفع بدل المنزل الذي أقطنه حالياً مع عائلتي، إضافة إلى تغطية جزء من قسط مدرسة بناتي. هذا الدخل كان يشكل أماناً لنا، لكن مع فقدانه تغيرت حياتنا بشكل جذري». وأضاف: «رغم الخسائر الكبيرة التي تكبدتها، صرفت التعويضات للمستأجرين فقط، وعندما راجعت الجهات المعنية عدّة مرّات، أخبروني أن تعويضات المالكين ستصرف في مرحلة مستقبلية وغير محددة المدى». وتابع: «نعيش اليوم في منزل مستأجر أقل تكلفة، وأتحمل كامل نفقات الإيجار، إلى جانب أعباء تعليم بناتي التي ازدادت صعوبة بعد فقدان مصدر الدخل الأساسي. حاولت مراراً استرداد حقي، لكن كل ما ألقاه هو وعود الانتظار دون أي خطوات عملية ملموسة». وختم قائلاً: «كل ما أريده هو إنصاف أصحاب المنازل، وتأمين تعويضات عادلة تمكننا من إعادة بناء حياتنا وتأمين مستقبل أفضل لأطفالنا في ظل هذه الظروف الصعبة التي نعيشها»


تيار اورغ
منذ ساعة واحدة
- تيار اورغ
مقاربة الحاكم: فصل الدَّين السيادي عن الدَّين التجاري
محمد وهبة - رغم تمسّك حاكم مصرف لبنان كريم سعيد بمهمة «تقديم المشورة للحكومة» استناداً إلى المادتين 71 و72 من قانون النقد والتسليف، إلا أنه يسعى جاهداً إلى تكريس رؤيته لتوزيع الخسائر وهذا ما كان واضحاً في خطّته التي لم يكشف عنها بعد إلا للمقربين وفي التعاميم التي يطلقها بمعزل عن رؤية الدولة الغائبة عن المشهد حتى الآن. وتتضمن رؤية سعيد فصل الديون التجارية عن الديون السيادية. وهي خطوة تتزامن مع ما يُنقل عن رئيس الجمهورية بأنه يرفض أن يكون صندوق النقد الدولي مسؤولاً عن كل ما يتعلق بإعادة هيكلة المصارف، لأنه ينوي شطب ما بين 75% و80% من الودائع. وقد ناقش سعيد رؤيته مع ممثلي صندوق النقد الدولي الذين زاروا لبنان أخيراً، ثم في واشنطن التي عاد منها قبل يومين. ويبدو أنه نال موافقة أولية على هذا الفصل الذي يفترض أن يحصر علاقة الصندوق مع لبنان بإعادة هيكلة الدين السيادي (الدين العام)، مقابل التزام مصرف لبنان بالتعامل مع كل ما يسمّى ديوناً تجارية سواء تجاه الدولة أو تجاه المصارف أو تجاه المودعين. عملياً، يحاول سعيد استعادة التوازن في ملاءة ميزانية مصرف لبنان، تمهيداً لإيجاد أرضية تتيح له التعامل مع مشكلة السيولة. لم يكن الفصل بين الديون التجارية والديون السيادية ضمن مقاربة الحكومات السابقة التي تعاملت مع الأزمة انطلاقاً من تشابك محاورها. فالمصارف استدانت الأموال من المودعين، ومصرف لبنان اقترض من المصارف، والدولة اقترضت من مصرف لبنان والمصارف. كان هذا السياق كافياً لمقاربة الأزمة بشكل شمولي، لذا اقتصر النقاش في المسائل المتعلقة بالمصارف القادرة على الاستمرار، وبكيفية ردّ جزء من الودائع، وبالمدى الذي يجب أن تتدخّل فيه الدولة لإعادة رسملة مصرف لبنان، وبالتالي حصّتها من ردّ الودائع. ولسنوات لم يغادر النقاش في توزيع الخسائر، هذا المربع، إذ كانت المصارف تطالب بزيادة حصّة الدولة من ردّ الودائع باعتبارها هي من أنفق الأموال سواء تلك التي استدانتها مباشرة من المصارف أو عبر مصرف لبنان، وكانت قوى السلطة أسيرة مبدأ «قدسية الودائع» الذي ألزمها بالامتناع عن حقيقة حجم الخسائر لما ترتبه من «هيركات» أو شطب للودائع. وبالتوازي كان صندوق النقد الدولي يتعامل مع الخسائر باعتبارها محققة بشكل كامل ويطالب بشطبها في أي خطّة، ما يعني أن الهيركات يفترض أن يصبح مقونناً ومعترفاً به من الجميع.الآن، أمام نسخة جديدة من التعامل مع الأزمة بعد مضي أكثر من ست سنوات على انفجارها. فالحاكم كريم سعيد، يروّج أنه يناقش مبادئ وخططاً ترمي إلى «تحقيق توازن مالي مستدام في ميزانيّته». وفي ترجمة لهذا الأمر يرى، نقلاً عن مقرّبين من الحاكم، أنه يمكن التعامل مع الأزمة استناداً إلى قاعدتين؛ أولاً، أولوية التعامل مع ملاءة المؤسسات المالية، ثم مع سيولتها. وثانياً، الفصل بين الدَّين السيادي المتعلق بإقراض الدولة، والدَّين التجاري المتعلق بعملياته في السوق استناداً إلى المادتين 71 و72 من قانون النقد والتسليف. ما يعنيه ذلك، هو أن مصرف لبنان يرى نفسه محور التوازن بين الدولة والمصارف والمودعين. لذا، يرى أن تحقيق شرط الملاءة يُعيد التوازن إلى ميزانيته. وأساس هذا التوازن بند يتعلق بـ16.6 مليار دولار. فبحسب ميزانية مصرف لبنان، تمثّل ودائع القطاع المالي نحو 90% من مجمل التزاماته، وهي تبلغ 85 مليار دولار. وفي مقابلها أصول موزّعة على أربعة بنود تمثّل 90% بقيمة 85 مليار دولار أيضاً، وهي: الذهب بقيمة 31.5 مليار دولار، الاحتياطات بالعملة الأجنبية 11.3 مليار دولار، وقروض للقطاع العام بقيمة 16.6 مليار دولار، ويملك أيضاً عقارات وشركات وسندات يوروبوندز بقيمة تصل إلى 4 مليارات دولار. بمعنى أوضح، إن حسم الجدل بشأن تلك الـ16.6 مليار دولار التي يسجّلها مصرف لبنان على الدولة على أنها دين، ستخلق له فرصة لاستعادة هذا التوازن. فصندوق النقد جادل كثيراً بأن هذا الدَّين يُفترض أن يخضع لعملية هيركات باعتباره جزءاً من ديون الدولة السيادية (الهيركات يعني خسائر في ميزانية مصرف لبنان) وأنه يخضع لعملية إعادة الهيكلة مثله مثل سندات اليوروبوندز. في المقابل، يتمسّك سعيد بأن مصرف لبنان أقرض الدولة هذا المبلغ باعتباره ديناً تجارياً مرتبطاً بتمويل شحنات الفيول للكهرباء، وأن تحويله إلى أصول غير مشمول بإعادة الهيكلة ممكن إذا أصدرت الدولة مقابل هذا الدين سندات دائمة بفائدة سنوية (1% أو 2%). وبهذا يبقى الدين في ميزانية مصرف لبنان من دون استحقاقات، وربما يكون قابلاً للتسييل في مرحلة ما. ففي المحصّلة تبلغ مجموع قيمة هذه الأصول نحو 63.4 مليار دولار إذا تمكّن مصرف لبنان من حسم الجدال بشأن الـ16.6 مليار دولار ويُضاف إليها ضخّ رساميل جديدة من الدولة في رأس مال مصرف لبنان بقيمة 2.7 مليار دولار. ما يعني أن هذه الأصول ستغطّي 77% من التزاماته تجاه المصارف. وبمعزل عن جدوى هذه الرؤية وتوزيع المسؤوليات المترتبة عنها بما يخفّف كثيراً عن المصارف، فإن المشكلة تظهر عندما يبدأ الحديث عن تغطية متطلبات السيولة. فالملاءة تعني أنه لدى مصرف لبنان تغطية لكل ديونه المترتبة عليه في السوق في إطار الاستحقاقات المتوسطة والطويلة الأجل، لكن هل هو قادر على الإيفاء بكل ديونه عند الطلب؟ في الواقع، ديونه السوقية هي عبارة عن ودائع القطاع المالي لديه، أي المبالغ التي أودعتها المصارف لديه أو وظّفتها لديه على شكل شهادات إيداع أو ضمن عقود قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد. وقد استحق جزء كبير من هذه المبالغ وليس في استطاعة مصرف لبنان تسديدها. وفي المقابل تتذرّع المصارف أنها لا تستطيع إيفاء ودائع الزبائن البالغة 84 مليار دولار، لأن مصرف لبنان لا يفي بما يستحق عليه تجاهها. هذه أزمة السيولة. فكيف سيموّل مصرف لبنان تسديد هذه الودائع للمصارف وعبرها للمودعين؟ حجم الفجوة أو الخسائر أكبر من أن تستطيع تسديدها المصارف أو مصرف لبنان أو الدولة. لكن سعيد يعتقد أنه بخطوات بسيطة يمكن القيام بذلك إذا وافق صندوق النقد الدولي على فكرة الفصل بين الدَّين التجاري والدَّين السيادي. فللآن يدفع مصرف لبنان نحو 2.3 مليار دولار للمصارف سنوياً لتدفعها للمودعين، وتدفع المصارف نحو 400 مليون دولار منها. ويحصل المودع، كما في آخر تعميم، على 800 دولار لمن كانت أمواله بالعملة الأجنبية قبل تشرين 2019، وعلى 500 دولار لمن حوّلها من ليرة إلى دولار بعد هذا التاريخ. رغم ذلك، يتراكم 84 مليار دولار ودائع، وبالتالي يَفترض سعيد أنه يمكن شطب مبالغ تصل إلى 20 مليار دولار من اقتراحات سابقة مثل «الفوائد الإضافية»، و«إثبات مصدر الوديعة»، و«تحويل بعض شطور الودائع إلى سندات دائمة»، و«شطب بعض شطور الودائع في مقابل تحويلات قام بها أصحابها من ليرة إلى دولار». إذاً، ستنخفض الالتزامات إلى 65 مليار دولار وسترتفع الأصول إلى 66 مليار دولار (كل الأرقام الواردة في هذا المقال تقريبية وقابلة للتعديل رغم أن النتائج المتصلة بهذه المقاربة لن تتغيّر كثيراً)، ما يُعيد لمصرف لبنان الملاءة المالية، نظرياً. وباعتبار أن المبالغ الجديدة التي سيتم ضخّها في اقتصاد حجمه لا يتجاوز الـ23 مليار دولار، فإن سيولة مصرف لبنان والمصارف ستكون كافية لتشغيل السوق ولتسديد ما تبقى من الودائع «بالتقسيط المريح» وفقاً لقواعد التعميمين 158 و166 التي يمكن أن تزداد قيمتها مستقبلاً. هذا أقصى ما يمكن أن يحصل عليه المودع من كريم سعيد. لكن السؤال الأساسي: ما الذي ستدفعه المصارف؟ حتى الآن، المعلومات الواردة من حسابات قامت بها لجنة الرقابة على المصارف، أن القطاع المصرفي يحتاج إلى ضخّ 4 مليارات دولار لاستعادة ملاءته المالية، وعليه تأمين هذا المبلغ لإعادة ضخّ الحياة في شرايينه. إذ إن المصارف سيكون لديها خسائر من شطب سندات اليوروبوندز، ومن بعض الخسائر المتوقعة على ودائع وتوظيفات لدى مصرف لبنان، بالإضافة إلى خسائر سوقية. «كابيتال كونترول» على الودائع المحجوزةأصدر مصرف لبنان قراراً أساسياً رقمه 13729 يمنع المصارف من تسديد أي جزء من ودائع الزبائن المكوّنة قبل 17/11/2019، أي الودائع المحجوزة لدى المصارف بطريقة غير شرعية، والخاضعة للتعميم 158 الذي يتيح للزبائن السحب ضمن سقف الـ800 دولار شهرياً. عملياً، يؤدي هذا القرار إلى منع الزبائن من تسييل ودائعها ولو وافق أي منهم على الحسم المفروض عليها بنسبة تتجاوز 88%. وهو في الوقت نفسه، يمارس نوعاً من الكابيتال كونترول على التجارة بالشيكات الذي يقوم بها أفراد ومؤسسات، سواء في القطاع التجاري أو في القطاع المصرفي. بعض المصارف هلّل لهذا القرار، وبعضها الآخر رأى فيه قراراً مضرّاً بمصلحتهم، فيما يرى فيه المودعون ضربة لهم لأنه يمنعهم من تسييل ودائعهم. وقد استند الحاكم كريم سعيد في إصدار هذا القرار على «مبدأ المعاملة المتساوية والعادلة بين المودعين»، وإلى مفهوم «الضرورات العامة ومبدأ الانتظام العام الاقتصادي»، بالإضافة إلى «الظروف الاستثنائية الحالية للأزمة المالية المستمرة، وبانتظار الحلّ الشامل الذي يجري العمل عليه بالتعاون مع مختلف الجهات اللبنانية المعنية».