logo
الليرة التركية تحت الضغط إثر تراجع سعر الصرف والتوسع النقدي

الليرة التركية تحت الضغط إثر تراجع سعر الصرف والتوسع النقدي

الجزيرةمنذ 3 أيام
تتجه الأنظار مجددا إلى الليرة التركية إثر تحذير صادر عن "مورغان ستانلي" يدعو المستثمرين إلى الحذر، وسط تصاعد المخاوف من الاكتظاظ في رهانات "تجارة العوائد"، وتسجيل العملة مستويات قياسية منخفضة جديدة مقابل الدولار.
ونقل تقرير نشرته وكالة بلومبيرغ توصية "مورغان ستانلي" باتباع نهج أكثر تحفظا تجاه الليرة، مشيرا إلى "وتيرة تراجع سريعة" في سعر صرفها و"تضخم المراكز الاستثمارية" التي تعتمد على الفارق بين أسعار الفائدة المرتفعة في تركيا وتلك المنخفضة في أسواق التمويل الدولية.
ورغم أن العملة التركية لا تزال تحقق مكاسب في العوائد الحقيقية -بعد احتساب التضخم – فإن هذا الزخم بات محفوفا بتحديات سياسية ونقدية قد تعيد رسم معالم المخاطرة في السوق.
سياسة نقدية ميسرة وسعر صرف تحت الضغط
وفي خطوة مفاجئة خفض البنك المركزي التركي أمس الخميس سعر الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس، لينتقل من 46% إلى 43%، وهو ما وصفته "بلومبيرغ" بأنه "عودة صريحة إلى سياسة التيسير النقدي" بعد فترة قصيرة من التشديد خلال النصف الأول من العام.
وتزامن القرار مع تراجع الليرة إلى مستوى قياسي بلغ 41.91 مقابل الدولار في التداولات المسائية، مما يرفع خسائرها منذ بداية العام إلى نحو 13%.
ورغم ذلك فإن العائدات الشهرية المقومة بالدولار لا تزال تبلغ نحو 1%، وهو ما اعتبرته مؤسسة "باركليز" في مذكرة أوردتها "بلومبيرغ" كافيا للإبقاء على اهتمام المستثمرين المحليين والدوليين بالعملة التركية.
لكن هذا الاتجاه لا يخلو من المخاطر، فوفقا لتحليل "بلومبيرغ" فإن الخفض المفاجئ لسعر الفائدة أثار تساؤلات بشأن مرونة السياسة النقدية واستقلاليتها، ولا سيما بعد التوترات السياسية التي أعقبت توقيف رئيس بلدية إسطنبول المعارض أكرم إمام أوغلو أحد أبرز وجوه المعارضة المحتملة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
من جهته، وصف "دويتشه بنك" القرار بأنه "تعديل استباقي مكثف"، مشيرا إلى أن البنك المركزي لا يزال يوازن بعناية بين أهداف النمو والاستقرار المالي.
تحذيرات من اكتظاظ تداولات الليرة
ما يثير القلق في رأي "مورغان ستانلي" -بحسب ما أوردته "بلومبيرغ"- هو أن الليرة باتت هدفا مركزيا لما تعرف بتجارة العوائد، حيث يقترض المستثمرون بعملات منخفضة الفائدة مثل الين أو اليورو، ويضخون أموالهم في أصول ذات عوائد مرتفعة مثل أدوات الدين التركية.
وتشير الوكالة إلى أن هذه الإستراتيجية باتت "مزدحمة للغاية"، وهو ما يضاعف المخاطر، إذ يمكن لأي صدمة سياسية أو نقدية أن تتسبب في انسحاب جماعي يضغط أكثر على سعر الصرف ويزيد تقلباته.
وفي وقت سابق من هذا العام، وصفت "غولدمان ساكس" الليرة بأنها "واحدة من أكثر عملات الأسواق الناشئة ربحية" من حيث العوائد الاسمية، لكنها حذرت من هشاشة هذه المكاسب إذا ما اتجهت السلطات إلى السماح بمزيد من التراجع في سعر العملة.
وأوضحت "بلومبيرغ" أيضا أن المكاسب في العائد الحقيقي لا تزال موجودة، لكن "استدامتها لم تعد مضمونة"، خصوصا في ظل استمرار تآكل الثقة على خلفية التقلبات السياسية وغياب رؤية واضحة للسياسة النقدية طويلة الأجل.
اختبار حقيقي للاستقرار المالي
وفي الوقت الراهن، تتجه أنظار المستثمرين إلى مراجعات التصنيف السيادي المرتقبة من مؤسستي موديز وفيتش، والمتوقعة في وقت لاحق من اليوم الجمعة، وفق ما أفادت به "بلومبيرغ".
موديز التي تصنف تركيا بـ4 درجات دون درجة الاستثمار تمنحها نظرة مستقبلية إيجابية، في حين تحتفظ "فيتش" بتصنيف أقل بدرجة واحدة فقط، مع نظرة مستقرة.
وسيكون الرهان الأكبر عما إذا كانت مؤشرات الاستقرار الكلي وتباطؤ التضخم كافية لدفع وكالات التصنيف إلى رفع تقييمها، أم أن الاضطرابات السياسية الأخيرة وإن كانت قصيرة ستدفعها إلى الإحجام.
ورأت الوكالة أن السوق ينظر إلى هذه التقارير بوصفها علامة فارقة ستؤثر على تدفقات المحافظ، وتكلفة الاقتراض الخارجي، والموقف العام تجاه أصول الأسواق الناشئة.
مؤشرات مالية رئيسية
سعر الدولار مقابل الليرة: 40.55 ليرة (بانخفاض 0.4%).
عائد السندات التركية لأجل 10 سنوات (ليرة): 31.4% (دون تغيير).
عائد السندات التركية لأجل 10 سنوات (دولار): 7.23% (انخفاض 5 نقاط أساس).
مؤشر الائتمان الافتراضي لأجل 5 سنوات (سي دي إس): 279 نقطة أساس.
مؤشر بورصة إسطنبول 100: تراجع 0.2% إلى 10 آلاف و672 نقطة.
وبين عوائد مرتفعة ومخاطر غير مرئية تجد الليرة التركية نفسها في قلب صراع بين سياسة نقدية مرنة ورغبة في الحفاظ على استقرار السوق، وسط ظروف سياسية داخلية مضطربة ومناخ عالمي متقلب.
وكما خلص تقرير "بلومبيرغ" فإن استمرارية رهانات العوائد على الليرة باتت مرتبطة أكثر من أي وقت مضى بإشارات التصنيف السيادي، وسقف التحمل الذي تبديه المؤسسات الدولية تجاه الانخفاض المتواصل للعملة التركية.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

هل تنفجر معدلات النمو الاقتصادي في زمن الذكاء الاصطناعي؟
هل تنفجر معدلات النمو الاقتصادي في زمن الذكاء الاصطناعي؟

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

هل تنفجر معدلات النمو الاقتصادي في زمن الذكاء الاصطناعي؟

منذ آلاف السنين، لم يكن النمو الاقتصادي العالمي سوى زحف بطيء يُلاحظ بالكاد. فحتى عام 1700، لم يتجاوز متوسط نمو الناتج العالمي نسبة 0.1% سنويًا، أي ما يعني أن الاقتصاد كان يحتاج نحو ألف عام ليتضاعف، لكن الثورة الصناعية غيّرت ذلك المسار، وتوالت القفزات في معدلات النمو حتى بلغ متوسطه 2.8% في القرن العشرين. واليوم، يقف العالم أمام وعود جديدة -وربما مخيفة- بانفجار اقتصادي يفوق كل ما عرفه التاريخ، مدفوعًا بما يُعرف ب الذكاء الاصطناعي العام، وفقًا لتقرير موسّع نشرته مجلة إيكونوميست. نمو سنوي يصل إلى 30%؟ وفقًا لمتفائلين من أمثال سام ألتمان ، المدير التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي"، فإن الذكاء الاصطناعي قادر في المستقبل القريب على أداء معظم المهام المكتبية بكفاءة أعلى من البشر. هؤلاء يرون أن النمو السنوي لل ناتج المحلي الإجمالي العالمي قد يقفز إلى ما بين 20% و30%، وهي نسب غير مسبوقة تاريخيًا، لكنها من وجهة نظرهم ليست أكثر جنونًا من فكرة "النمو الاقتصادي" التي كانت نفسها مرفوضة في معظم تاريخ البشرية. ومع تسارع تطور نماذج الذكاء الاصطناعي، لم يعد التهديد الأكبر يكمن فقط في إحلالها مكان العاملين، بل في احتمال أن تقود انفجارًا إنتاجيًا شاملًا، يبدّل ليس فقط سوق العمل، بل أسواق السلع والخدمات والأصول المالية أيضًا. من نمو السكان إلى نمو الأفكار.. والآن نمو الآلات ويعتمد جوهر نظرية النمو الكلاسيكية على زيادة السكان، التي كانت تسمح بإنتاج أكبر، لكن دون تحسن جوهري في مستوى المعيشة. ومع الثورة الصناعية، تغير هذا النمط، حيث أظهرت الأفكار -لا الأجساد- أنها قادرة على توليد الثروة، وفق ما أوضحه الاقتصادي مالتوس ثم دحضه الواقع لاحقًا. وبحسب ما نقله التقرير عن "أنسون هو" من مركز "إيبوخ إيه آي"، فإن الذكاء الاصطناعي العام قد يحقق قفزة شبيهة، حيث لا تعود الإنتاجية مرتبطة بزيادة السكان، بل بسرعة تحسين التقنية ذاتها. فحين تصبح الآلات قادرة على تطوير نفسها ومضاعفة قدراتها، فإن النمو يصبح نظريًا غير محدود. لكن بعض الباحثين -مثل فيليب تراميل وأنتون كورينيك -يشيرون إلى أن أتمتة الإنتاج وحدها لا تكفي لإحداث نمو متسارع ما لم تُستخدم لتسريع الابتكار ذاته، وهو ما قد يُحقق عبر مختبرات ذكاء اصطناعي مؤتمتة بالكامل بحلول 2027، وفقًا لتوقعات "إيه آي فيوتشرز بروجكت". الانفجار الاستثماري ومفارقة الفائدة المرتفعة وإذا صدقت هذه النماذج، فإن العالم سيشهد طلبًا هائلًا على رأس المال للاستثمار في الطاقة، ومراكز البيانات، والبنية التحتية. فمشروع "ستارغيت" من أوبن إيه آي الذي يُقدّر بـ500 مليار دولار، قد يُعتبر مجرد بداية. ووفقًا لنموذج "إيبوك إيه آي"، فإن الاستثمار الأمثل في الذكاء الاصطناعي لعام 2025 وحده يجب أن يبلغ 25 تريليون دولار. لكن هذه الوتيرة ستؤدي أيضًا إلى ارتفاع كبير في أسعار الفائدة الحقيقية. فمع توقع ارتفاع الدخول المستقبلية، قد يفضّل الأفراد الإنفاق بدل الادخار، مما يتطلب رفع العوائد على الادخار لجذب الأموال مجددًا. وهذا ما أشار إليه الاقتصادي فرانك رامزي منذ أوائل القرن العشرين، وأكدته النماذج الحديثة التي حللها التقرير. وفي ظل هذه الديناميكيات، تبقى الآثار على أسعار الأصول غير محسومة. فرغم النمو السريع في أرباح الشركات، فإن ارتفاع أسعار الفائدة قد يقلل من القيمة الحالية للتدفقات النقدية المستقبلية، مما يخلق صراعًا بين عاملَي النمو والعائد. أين يقف العامل البشري في كل ذلك؟ لكن ماذا عن العمال؟ وهنا، يبرز التحدي الحقيقي، فالذكاء الاصطناعي قد يجعل من التوظيف البشري خيارًا ثانويًا، إذ تضعف الحاجة للعمالة إذا باتت الآلة أرخص وأكثر كفاءة. ومع تقدم التقنية، تنخفض كلفة تشغيل الذكاء الاصطناعي، مما يُضعف الحد الأعلى للأجور التي يمكن دفعها للبشر. وبحسب دراسة ويليام نوردهاوس الحائز جائزة نوبل، فإن جميع العوائد ستتجه في النهاية إلى مالكي رأس المال، وليس إلى العمال. لذا، فإن من لا يمتلك أصولًا رأسمالية -شركات، أرضا، بيانات، بنية تحتية- سيكون في وضع هش، اقتصاديًا. رغم ذلك، لا يعني هذا أن الجميع سيخسر. إذ من الممكن أن تنشأ "أمراض باومول المعكوسة" -وهي ظاهرة اقتصادية تشير إلى ارتفاع أجور الأعمال التي يصعب أتمتتها، رغم بطء نمو إنتاجيتها-، حيث ترتفع أجور الأعمال التي يصعب أتمتتها، مثل التعليم، الطهي، ورعاية الأطفال، فقط لأنها تتطلب تفاعلًا بشريًا لا يمكن تعويضه بالكامل. لكن بالمقابل، فإن أي شخص ينتقل من وظيفة مكتبية تقليدية إلى قطاع يدوي مكثف بالعمل قد يجد أن قوته الشرائية تنخفض، رغم ارتفاع أجره، لأن كلفة هذه الخدمات سترتفع أكثر من أسعار السلع المؤتمتة بالكامل. هل يتحرك العالم فعلًا نحو "التفرّد الاقتصادي"؟ "التفرّد" -أو لحظة التحول حين تصبح المعلومات تُنتج المعلومات بلا قيود مادية- يبقى مفهومًا جدليًا، لكنه، بحسب نوردهاوس، يمثل الحد النظري النهائي لمسار الذكاء الاصطناعي. وبعض الاقتصاديين يرون هذا المفهوم دليلا على أن النماذج نفسها ستثبت خطأها، لأن اللانهاية في النمو مستحيلة نظريًا. لكن الوصول إلى مجرد نمو بنسبة 20% سنويًا، وفقًا لإيبوك إيه آي، سيكون حدثًا مفصليًا غير مسبوق في تاريخ البشرية. مع ذلك، تشير المجلة إلى أن الأسواق لم تُسعّر بعد هذا السيناريو بالكامل. فعلى الرغم من تقييمات التكنولوجيا المرتفعة، فإن عوائد السندات تنخفض غالبًا عقب الإعلان عن نماذج ذكاء اصطناعي جديدة، كما وجدت دراسة لباحثين من معهد ماساتشوستس. بكلمات أوضح: وادي السيليكون لم يُقنع العالم بعد. ماذا على الأفراد فعله إذا وقع الانفجار؟ التوصية التي تتكرر في جميع النماذج بسيطة، امتلك رأس المال. ومع ذلك، يبقى من الصعب تحديد أي نوع من الأصول هو الأفضل. الأسهم؟ الأراضي؟ النقد؟ كلها تواجه مفارقات في ظل مزيج من الفائدة المرتفعة، والتضخم المحتمل، والانفجار الاستثماري. وفي ختام التقرير، تستحضر إيكونوميست قول روبرت لوكاس، أحد أبرز منظّري النمو: "بمجرد أن تبدأ في التفكير في آثار النمو على الرفاه البشري، يصعب التفكير في أي شيء آخر". ومع الذكاء الاصطناعي العام، تضاعف هذا الشعور، وازداد إلحاحه.

ما أسباب حظر مؤسسة "القرض الحسن" في لبنان؟
ما أسباب حظر مؤسسة "القرض الحسن" في لبنان؟

الجزيرة

timeمنذ 15 ساعات

  • الجزيرة

ما أسباب حظر مؤسسة "القرض الحسن" في لبنان؟

بيروت – في خطوة تعكس تحولًا لافتًا في سياسة مصرف لبنان تجاه المؤسسات المالية غير النظامية، أصدر المصرف المركزي قرارًا يقضي بحظر التعامل مع عدد من الهيئات غير المرخصة، في مقدّمتها "جمعية القرض الحسن" التابعة ل حزب الله ، مما فتح الباب أمام سجال واسع حول قانونية هذه المؤسسات ودورها في المنظومة المالية الموازية التي نشأت في ظل الانهيار المصرفي اللبناني. وتُعد الجمعية من أبرز الركائز الاقتصادية التي يعتمد عليها حزب الله في تمويل أنشطته الاجتماعية وتقديم الخدمات المالية. ونشأت في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 تحت غطاء جمعية خيرية، قبل أن تحصل على ترخيص رسمي من وزارة الداخلية اللبنانية عام 1987، مما أتاح لها العمل بشكل قانوني ضمن الإطار الرسمي للجمعيات. ورغم أنها لا تخضع لقانون النقد والتسليف اللبناني الذي ينظم عمل المصارف، فقد تمكنت "القرض الحسن" من ترسيخ حضورها في السوق المالية اللبنانية، حيث تدير أكثر من 30 فرعًا موزعة على مختلف المناطق. وخلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، تحولت الجمعية إلى هدف مباشر للغارات الإسرائيلية، حيث استُهدفت معظم فروعها بالقصف، مما اعتُبر رسالة واضحة إلى البنية الاقتصادية الداعمة للحزب. تنظيم مالي يعلّق الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان على القرار بالقول إنه "خطوة إيجابية في سياق الحد من تمدد اقتصاد الكاش في لبنان"، لكنه يلفت في المقابل إلى أن التعميم الصادر عن مصرف لبنان لا يطول مؤسسة "القرض الحسن" فقط، بل يشمل المؤسسات والمصارف المالية الخاضعة لرقابته. ويُوضح أبو سليمان للجزيرة نت أن "القرض الحسن" هي جمعية مرخّصة من وزارة الداخلية، وبالتالي فإن أي إجراءات بحقها -إن ثبت أنها تمارس أنشطة مالية خارج الأطر القانونية- تُعدّ من مسؤولية السلطات المحلية، نظرًا إلى أن تقديم أي خدمات مالية يتطلب ترخيصًا رسميًا من المصرف المركزي. إعلان ويضيف أن هذا التعميم لا يُتوقع أن تكون له تداعيات مباشرة على الاقتصاد اللبناني، سواء سلبًا أو إيجابًا، بل يُقرأ بوصفه "إشارة سياسية موجّهة إلى الخارج، تفيد بأن لبنان بصدد تنظيم قطاعه المالي ووقف التعامل مع أي كيانات لا تخضع للرقابة". ويشير إلى أن القرار لا يترك تأثيرًا يُذكر على القطاع المصرفي، "إذ إن المصارف اللبنانية أساسًا لا تتعامل مع مؤسسة القرض الحسن، ولا تقدم لها أي خدمات". ازدواج مالي من جانبه، يقول خبير الاقتصاد والأسواق المالية الدكتور عماد عكوش للجزيرة نت، إن فهم الفروقات الجوهرية بين عمل المصارف وجمعية القرض الحسن يتطلب أولًا الإلمام بالإطار القانوني الذي ينظم القطاع المصرفي في لبنان. فمن أبرز القوانين التي تحكم عمل المصارف: قانون النقد والتسليف الصادر عام 1963، قانون السرية المصرفية لعام 1956، قانون مكافحة تبييض الأموال رقم 44 لعام 2015، يُضاف إليها قانون دمج المصارف، ومشروع قانون إعادة هيكلة القطاع الذي لا يزال قيد البحث في البرلمان، فضلًا عن سلسلة تعاميم صادرة عن مصرف لبنان، وقانون حماية المستهلك الذي يفرض معايير للشفافية والإفصاح في التعاملات المصرفية. لكن عكوش يشدد على أن هذه المنظومة القانونية لا تنطبق على "جمعية القرض الحسن"، التي تُصنّف خارج النظام المالي الرسمي، والاختلاف لا يقتصر على الإطار القانوني فحسب، بل يتعدّاه إلى الوظيفة. فالمصارف، بحسب عكوش، تستقبل الودائع بأنواعها كافة وتمنح قروضًا بفوائد، وتُعنى بأنشطة التمويل، والخصم، والضمانات المصرفية، وتسهيل عمليات الدفع، إلى جانب المتاجرة بالعملات والمعادن وتقديم الخدمات البنكية التقليدية. في المقابل، تقتصر وظيفة الجمعية على منح قروض بلا فوائد وبمبالغ محدودة، في سياق دعم الفئات الفقيرة والمجتمعات الهشّة. من هذا المنطلق، يرى عكوش أن تعميم مصرف لبنان رقم 169، الذي يمنع التعامل مع الجمعية، يأتي في سياق سياسي أكثر منه ماليا، إذ يستهدف ما يُعرف بـ"السلاح المالي لحزب الله" عبر تقويض الشبكة الاقتصادية التي ينسجها خارج النظام المصرفي الرسمي. وبرغم الطابع الخيري الذي تتسم به خدمات الجمعية، فإن الخبير الاقتصادي يشير إلى أنها تواجه اتهامات بأنها تُستخدم ذراعا تمويلية للحزب، ويأتي قرار الحظر في ظلّ أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، مما قد يفاقم الضغوط المعيشية على آلاف العائلات التي كانت تعتمد على هذه القروض الصغيرة لتسيير شؤونها اليومية. ويرى الخبير أن هذا القرار يشكّل رسالة سياسية موجّهة من مصرف لبنان إلى الخارج، بهدف الدفع نحو شطب اسم لبنان من "اللائحة الرمادية" التابعة لمجموعة العمل المالي (FATF)، التي تضم الدول المقصّرة -بحسب المفهوم الغربي- في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. رقابة مشددة وأبعاد سياسية يقول الباحث المالي والاقتصادي الدكتور عماد فران إن مؤسسة "القرض الحسن" لم تكن يومًا على ارتباط مباشر بالمصارف أو تملك حسابات مصرفية فيها، بل تتعامل غالبًا مع مؤسسات الصرافة، ومن هنا فإن التعميم يُعد إجراءً رقابيًا ضمن صلاحيات مصرف لبنان، يهدف إلى ضبط حركة الأموال خارج النظام المصرفي الرسمي. ويوضح أن الجمعية، رغم نشاطها المالي الواسع، فإنها لا تُعد مؤسسة مصرفية مرخّصة، بل تُشبه في طبيعة عملها بعض شركات التمويل أو الاستثمار، مما يضعها خارج المظلّة القانونية التي يخضع لها القطاع المصرفي اللبناني. لكن الإشكالية، بحسب فران، لا تنحصر في البعد التنظيمي أو المالي، بل تتجاوز ذلك إلى أبعاد سياسية، إذ يرى أن هناك ضغوطًا خارجية تُمارس على لبنان لوضع نظامه المصرفي تحت رقابة صارمة، بذريعة مكافحة تمويل جهات معيّنة أو الالتزام بالمعايير الدولية. ويعتبر أن ما يصدر عن مصرف لبنان أو لجنة الرقابة على المصارف، وحتى الجهات الدولية، يحمل في طيّاته رسائل سياسية واضحة تتصل بإعادة رسم التوازنات في المنطقة. ويحذر فران من أن هذا المسار قد يُفضي إلى ارتدادات داخلية، إذ إن أي توتر سياسي أو اجتماعي سيلقي بثقله على الوضع الاقتصادي الهش أصلًا. أما في ما يخص القطاع المصرفي، فيرى فران أنه لا يتأثر مباشرة بهذه التطورات، لكن استعادة الثقة به ستبقى مرهونة بقرارات مصرف لبنان، لا سيما ما يتعلق بأموال المودعين وإعادة تفعيل دور المصارف في تمويل الاستثمارات. ويؤكد أن هذه العودة مشروطة بتوفر التمويل بالدولار، وهو ما يفتقده لبنان حاليًا في ظل غياب "الدولار الاستثماري" الضروري لتحريك العجلة الاقتصادية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store