logo
لا منافس لترمب داخل الشرق الأوسط

لا منافس لترمب داخل الشرق الأوسط

Independent عربيةمنذ 2 أيام
مهدت الحروب الموضعية التي شنتها إسرائيل ضد مواقع النفوذ الإيرانية في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن لتوجيه الضربة الأميركية - الإسرائيلية الأخيرة، إلى رأس "محور الممانعة" في طهران، والآن يبدو أن دورة الاستثمار السياسي لهذه الضربات قد انطلقت من النقاط التي بدأت فيها آلة الحرب عملها.
في غزة كانت بداية حرب الوجود التدميرية الإسرائيلية، وتنشط إسرائيل الآن في محاولة تثميرها هدنة تمهد لاتفاق سياسي، وفي لبنان كانت محطة الحرب الإسرائيلية الوجودية الثانية مع ما أسفرت عنه من إبادة لـ "حزب الله"، فرضت عليه الموافقة على اتفاق إذعان يقضي بتخليه عن المشاريع العسكرية، والترجمة السياسية لتلك الحروب تعني أميركياً وإسرائيلياً إنهاء عصر الميليشيات الإيرانية قبل الانتقال إلى المحطة الثالثة التي توجت تلك الحروب في معركة خاطفة ضد إيران استغرقت 12 يوماً، مهمتها كسر المشروع الإيراني التوسعي المخصب باليورانيوم والصواريخ، وضمان الذهاب نحو وضع إقليمي جديد يشمل سوريا ولا يعود فيه للنظام الديني الإيراني أي قدرة في التأثير أو وضع العصي في الدواليب.
وفي غزة كما في لبنان، تتزامن المواعيد وتترافق مع اهتمام خاص ورهانات كبيرة على سوريا وقيادتها الجديدة، وتقود إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب جهود فك الحصار عن سوريا بالتزامن مع حملة من الضغوط لنيل موافقة "حماس" وإسرائيل على اتفاق يتيح الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين وعن أسرى فلسطينيين، ووقفاً لإطلاق النار يتوج بإنهاء دور المنظمة الفلسطينية العسكري والسياسي.
في الوقت نفسه تنتظر الإدارة الأميركية من السلطات اللبنانية خطتها لتنفيذ القرار رقم (1701) الذي ينص منذ صدوره عام 2006 على حصرية السلاح في يد تلك السلطات، ثم جاءت الحرب الأخيرة بنتائجها الملموسة لتكرس عدم إمكان التلاعب ببنوده كما جرى طوال الأعوام الـ 19 التي انقضت على صدوره.
الأيام القليلة المقبلة ستكون حافلة برسم المستقبل القريب، وبينما ينتظر ترمب الإيرانيين في لقاء يتوقعه قريباً، ربما يعقد في أوسلو، فسيشدد خلال مناقشاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن مطلع هذا الأسبوع على إنجاز اتفاق لوقف النار في غزة مدته 60 يوماً، يتضمن إطلاق الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة "حماس" وإدخال مساعدات إنسانية إلى القطاع، على أن ترمب يطمح إلى ما هو أبعد من وقف للنار وعمليات تبادل إنسانية، فمن ضمن المقترحات الأميركية الانتقال إلى محادثات تنهي الحرب وإطلاق حوار إقليمي واسع يتجاوز ملف غزة إلى مستقبل العلاقات الفلسطينية – الإسرائيلية والعلاقات بين الدولة العبرية والدول العربية والإسلامية.
يدخل تنفيذ القرار (1701) في شأن نزع سلاح الميليشيات في لبنان، ويتزامن مع نقاشات بشأن غزة، والحالان تندرجان ضمن الورشة الإقليمية الكبرى التي تتحدث عنها الإدارة في واشنطن، وحينما يجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلي مع الرئيس الأميركي فيفترض أن تكون الحكومة اللبنانية أبلغت مبعوث ترمب، توم باراك، خطتها لحصر السلاح بيد الشرعية، بما في ذلك إنهاء الوجود المسلح لـ"حزب الله"، وهي الخطة التي تأخر تنفيذها منذ اتخاذ "مؤتمر الطائف" الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان قراره بنزع سلاح الميليشيات كافة، فنفذه الجميع إلا "حزب الله"، ولم يلتزم ببنوده الجنرال ميشال عون، مما استوجب جراحة لاحقة وترحيله عن لبنان.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع تقدم الجهود لحسم الأمور في غزة، تبدو الأمور محسومة في لبنان لجهة التنفيذ الكامل للقرار الدولي (1701) بصيغته وملاحقه المقرّة في اتفاق وقف النار بين "حزب الله" وإسرائيل في الـ 27 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، فإسرائيل مستظلة بورقة الضمانات الأميركية المرفقة بالاتفاق وتواصل ضغطها اليومي على حركة الحزب أفراداً ومواقع، واحتمالات المماطلة في التنفيذ ليست متاحة أمام التنظيم المسلح، على رغم ممانعته حتى اللحظة الأخيرة في تنفيذ ما التزم به، كما أن الاجتهاد اللفظي ليس مفتوحاً أمام سلطة لبنانية أمضت ربع قرن في ممارسة سياسات النعامة، وقبله مثله من الزمن في إرجاء القرارات الوطنية الكبرى.
ليس في يد الحزب الذي خسر النظام في سوريا وتركته إيران وحيداً في مواجهة آلة القتل الإسرائيلية أي مبرر للاستمرار في التمسك بالسلاح للسلاح، فبعد هزيمة المحور لم يعد لهذا السلاح أي معنى غير إثارة المخاوف بين سكان لبنان المتعددي الطوائف والانتماءات، والذين يجمعون في غالبيتهم العظمى على أولوية بناء الدولة والركون إليها، وإسرائيل مدعومة من الولايات المتحدة ولن تكتفي بالتمسك الحرفي بتنفيذ الشق المتعلق بلبنان في اتفاق الـ 27 من نوفمبر 2024 قبل أن تنفذ الجانب المتعلق بها، من إخلاء لبقية النقاط المحتلة في الجنوب، بل هي تنفذ الاتفاق على طريقتها اصطياداً لعناصر "حزب الله" وتدميراً لقدراته، والاتفاق المذكور باتت الدولة العبرية تراه نموذجاً لأية ترتيبات يجري التوصل إليها مع الأعداء المعلنين وفي مقدمهم إيران، وكان مثيراً للاهتمام أنه في الوقت الذي تخصص واشنطن جهوداً لإقرار اتفاق في غزة وآخر أمني بين إسرائيل وسوريا، إضافة إلى السعي الحثيث نحو تنفيذ ما اُتفق عليه في شأن لبنان، فقد كانت إسرائيل تجري محادثات مع موسكو تتناول أوضاع المنطقة والتنسيق في شأن سوريا وإيران، على أن النقطة البارزة في النقاشات الدائرة هي في سعي الدولة العبرية إلى بلورة تفاهمات مع أميركا حول الملف الإيراني، على غرار تلك التي أفضت إلى وقف لإطلاق النار في لبنان، مما يمنح إسرائيل دعماً أميركياً في كل هجوم مستقبلي تشنه على إيران، بحجة تعطيل برنامجها النووي.
تقول القناة الإسرائيلية "كان-11" إن نتنياهو سيبحث الموضوع مع ترمب توصلاً إلى صيغة مشابهة لصيغة وقف إطلاق النار في لبنان، ويحصل كل ذلك بإشراف ترمب وعلى خلفية حلمه بـ "الصفقة الكبرى" التي يعمل على تحقيقها في الشرق الأوسط على أنقاض محاولة إيرانية مديدة لتغيير الصورة والحسابات، ويبدو الرئيس الأميركي في كل هذا المشهد مطمئناً إلى كونه اللاعب الدولي الوحيد، فهو المستند إلى تسوية في شأن المعركة التجارية مع الصين عززت حضوره وتأثيره في حلف الأطلسي، وعندما هاتف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مدة ساعة قبل أيام، ظهر من المعلومات القليلة المسربة عن المحادثة أن سياسة ترمب الشرق أوسطية لا منافس لها ولا خصوم، من طهران إلى ساحل المتوسط.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الولايات المتحدة تعلن حل معظم النقاط الخلافية بين إسرائيل و"حماس"
الولايات المتحدة تعلن حل معظم النقاط الخلافية بين إسرائيل و"حماس"

Independent عربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • Independent عربية

الولايات المتحدة تعلن حل معظم النقاط الخلافية بين إسرائيل و"حماس"

أعلنت الولايات المتحدة، الثلاثاء، أن مفاوضات الدوحة التي تهدف لوقف إطلاق النار في غزة، شهدت حل معظم النقاط الخلافية بين حركة "حماس" وإسرائيل، وتوقعت الوصول إلى اتفاق بحلول نهاية الأسبوع. وذكر موقع "أكسيوس" نقلاً عن مصدر مطلع أن وفداً قطرياً وصل إلى البيت الأبيض الثلاثاء لإجراء محادثات بخصوص اتفاق لإطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة. وجاء في التقرير أن الوفد القطري التقى بكبار مسؤولي البيت الأبيض لساعات عدة، قبل وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب. ووسط تقدم في المفاوضات، يجتمع ترمب مجدداً مع نتنياهو في البيت الأبيض لمناقشة الجهود الرامية لوقف إطلاق النار في غزة. والتقى الجانبان على مأدبة عشاء الإثنين خلال الزيارة الثالثة لرئيس الوزراء الإسرائيلي للولايات المتحدة منذ تولي الرئيس الأميركي ولايته الثانية في 20 يناير (كانون الثاني). والتقى نتنياهو بنائب الرئيس جاي دي فانس، ثم زار مبنى الكونغرس الأميركي الثلاثاء حيث قال للصحافيين بعد اجتماعه مع رئيس مجلس النواب مايك جونسون إنه على الرغم مما يراه بأن الحملة الإسرائيلية على القطاع الفلسطيني لم تنته، إلا أن المفاوضين "يعملون بالتأكيد" على وقف إطلاق النار. وقال نتنياهو "لا يزال علينا إتمام المهمة في غزة وتحرير جميع رهائننا والقضاء على قدرات حماس العسكرية والحكومية وتدميرها". وأدت عودة نتنياهو إلى البيت الأبيض للقاء ترمب في الساعة 04:30 مساء بتوقيت شرق الولايات المتحدة (20:30 بتوقيت غرينتش) الثلاثاء إلى تأجيل اجتماعه مع قادة مجلس الشيوخ الأميركي إلى الأربعاء. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) النقاط الخلافية بعد وقت قصير من حديث نتنياهو، قال مبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف إن العقبات التي تحول دون التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل و"حماس" انخفضت من أربع إلى واحدة، وعبر عن أمله في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار هذا الأسبوع. وقال ويتكوف للصحافيين "نأمل أن نتوصل بحلول نهاية هذا الأسبوع إلى اتفاق لوقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً. سيتم إطلاق سراح عشرة رهائن أحياء، وتسليم جثث تسعة قتلى". وأفاد موقع "أكسيوس" الأميركي بأن نقطة الخلاف المتبقية بين إسرائيل و"حماس" تدور حول انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة. وقال مصدر مطلع إنه "خلال المحادثات الإثنين والثلاثاء، ناقش الطرفان خرائط إعادة الانتشار". وتطالب "حماس" بانسحاب الجيش الإسرائيلي إلى نفس الخطوط التي كانت عليها قبل انهيار وقف إطلاق النار السابق في مارس (آذار) الماضي. وترفض إسرائيل القيام بذلك. وإحدى القضايا التي تم حلها، هي إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وفق ما نقل الموقع عن مصدرين مطلعين. وقال أحد المصادر إن "الطرفين اتفقا على أن المساعدات في مناطق غزة التي ينسحب منها الجيش الإسرائيلي ستُسلم من قبل الأمم المتحدة، أو المنظمات الدولية غير التابعة لإسرائيل وحماس". ودعم ترمب نتنياهو بقوة لدرجة تدخله في السياسة الإسرائيلية الداخلية بانتقاده للمدعين العامين بشأن محاكمة الزعيم الإسرائيلي بتهم الفساد والرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، وهي اتهامات ينفيها نتنياهو. وفي حديثه مع صحافيين في الكونغرس، أشاد نتنياهو بترمب وقال إنه لم يسبق أن شهد تاريخ إسرائيل تنسيقاً أوثق مع الولايات المتحدة.

ترمب يفرض رسوما جمركية بنسبة 50% على واردات النحاس
ترمب يفرض رسوما جمركية بنسبة 50% على واردات النحاس

الوئام

timeمنذ ساعة واحدة

  • الوئام

ترمب يفرض رسوما جمركية بنسبة 50% على واردات النحاس

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، إنه سيعلن عن رسوم جمركية بنسبة 50% على النحاس، على أمل تعزيز إنتاج الولايات المتحدة من المعدن الحيوي للسيارات الكهربائية والمعدات العسكرية وشبكة الكهرباء والعديد من السلع الاستهلاكية. وقفزت العقود الآجلة للنحاس في بورصة كومكس الأميركية بأكثر من 12% إلى مستوى قياسي بعد أن أعلن ترامب عن الرسوم الجمركية المخطط لها، والتي جاءت في وقت أبكر مما توقعته الصناعة، وكان المعدل أعلى. وقال ترامب للصحفيين في اجتماع لمجلس الوزراء في البيت الأبيض إنه يخطط للإعلان عن الرسوم الجمركية على النحاس في وقت لاحق من اليوم لكنه لم يذكر موعد سريان الرسوم. وبعد أن تحدث ترامب، قال وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك في مقابلة على قناة سي إن بي سي إن الرسوم الجمركية على النحاس من المرجح أن يتم تطبيقها بحلول نهاية يوليو أو الأول من أغسطس. وقال إن ترامب سينشر التفاصيل على حسابه على وسائل التواصل الاجتماعي 'تروث سوشيال' في وقت ما يوم الثلاثاء.

هكذا يستطيع ترمب معالجة مشكلة إيران والشرق الأوسط
هكذا يستطيع ترمب معالجة مشكلة إيران والشرق الأوسط

Independent عربية

timeمنذ 2 ساعات

  • Independent عربية

هكذا يستطيع ترمب معالجة مشكلة إيران والشرق الأوسط

منذ توليه منصبه، وضع الرئيس دونالد ترمب نصب عينيه تحقيق إنجازات ضخمة في الشرق الأوسط. فقد شن عملية عسكرية قوية وصاعقة ضد برنامج إيران النووي، أدت على نطاق أوسع إلى تفكيك النفوذ الإقليمي للبلاد. ثم توسط من أجل وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، وأظهر استعداداً للحوار مع الحكومة الإيرانية. بثت هذه النتائج الأمل في أنه لو استمرت الولايات المتحدة بالتركيز على النقاط الأساسية - مثل مواصلة احتواء إيران والإمعان في إضعافها - وامتنعت عن الالتزام المبالغ به بعدد كبير من الأهداف السياسية الإقليمية، فسينعم الشرق الأوسط أخيراً بالاستقرار ويعيش وضعاً طبيعياً يفتقده منذ فترة طويلة. لكنها ليست المرة الأولى التي تشهد فيها المنطقة فترة تفاؤل شبيهة بهذه: فهذا ما حصل بعد حرب يوم الغفران أو حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 أو هزيمة إيران وبعدها العراق بين 1988 و1991، وإطاحة "طالبان" في 2001. وفي كل حال من هذه الحالات، بلغ الشرق الأوسط مرحلة خطرة جداً دفعت بالولايات المتحدة إلى القيام بتدخل ناجح، تبعته حملات دبلوماسية لتثبيت مراحل الاستقرار هذه. ومن الأمثلة على ذلك اتفاقية كامب ديفيد التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين مصر وإسرائيل، وتوقيع إسرائيل والأردن في وقت لاحق على اتفاقية سلام بينهما. لكن بعد فترات سلام قصيرة، كانت المنطقة تعود لتقع في براثن الفوضى مجدداً. في البداية، قامت الثورة الإيرانية، وتبعها الغزو السوفياتي لأفغانستان في 1979. ثم بعد عام 2000، انهارت اتفاقية أوسلو التي شقت الطريق أمام مسار سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين ما لبث أن انهار في عام 2000، فيما دام الاجتياح الأميركي لأفغانستان بعد هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول) أعواماً عدة، كما حصل مع الاجتياح السوفياتي في السابق، وانتهى الأمر بعودة "طالبان" إلى السلطة. أما غزو العراق، فقد آذن ببداية عقدين من الصراعات التي شملت حرباً غير مباشرة مع إيران ومواجهة مباشرة ضد تنظيم الدولة، أو "داعش"، المتفرع من تنظيم "القاعدة". شهد هذا التاريخ إخفاقات لعقود في السياسات الأميركية. نجحت الولايات المتحدة على مدى أعوام طويلة في الحيلولة دون الهيمنة العدوانية على الشرق الأوسط لكن سياسة الاحتواء في تلك المنطقة اختلفت بصورة كبيرة عما هي عليه في آسيا وأوروبا. ففي نهاية المطاف، نجحت الدول الآسيوية والأوروبية في إنشاء مؤسسات محلية وأنظمة تعاون إقليمية ثابتة، مما سمح للولايات المتحدة بإيلاء الأولوية لتنظيم الأمن المشترك ضد الصين وروسيا. لكن في الشرق الأوسط، اضطرت الولايات المتحدة إلى التدخل مرات عدة في الصراعات الداخلية والإقليمية التي هددت الاستقرار وسياسة احتواء الأخطار- حتى بعد خروج الاتحاد السوفياتي من التوازنات [وأفوله]. لكن الوضع قد يختلف هذه المرة. بعد عام ونصف العام من الحرب، بلغ وكلاء إيران حالاً من الضعف الشديد. ويعمل قادة جدد على صياغة شكل جديد لديناميات القوى في المنطقة، في غياب طهران. ومن ثم تملك إدارة ترمب الفرصة كي تنجز ما عجزت عنه الإدارات السابقة، وترسي استقراراً فعلياً في المنطقة. إدارة جديدة منذ انهيار "داعش" شكلت إيران المصدر الأول للاضطرابات الإقليمية في الشرق الأوسط. فقد هاجم وكلاؤها إسرائيل والقوات الأميركية ودول الخليج العربي والسفن التجارية في البحر الأحمر. لكن بعد هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر 2023 على إسرائيل، تلاشى الجزء الأكبر من أدوات طهران. فقد أضعفت الضربات الإسرائيلية "حماس" و"حزب الله" إلى حد لافت، فيما انهار نظام الأسد في سوريا، ودمرت إسرائيل والولايات المتحدة أنظمة إيران النووية وصواريخها المعادية ودفاعاتها الجوية. لكن إيران لا تزال قادرة على الاعتماد على نفوذها في العراق وعلى الحوثيين ولا تزال تمسك بمقاليد ما تخلف عن برنامجها النووي في الأقل. لكن لا يمكنها تغيير حقيقة مسؤوليتها عن هذه النكسات، أولاً لأنها سمحت لوكلائها بالهجوم على إسرائيل ثم لأنها شاركت مباشرة في الهجوم في عام 2024. ونتيجة لذلك، أصبح الطريق نحو الاستقرار الإقليمي أسهل بكثير الآن. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) تزامن تدهور نفوذ إيران مع بروز أوصياء جدد على الشرق الأوسط. فقد أصبحت كل من إسرائيل وتركيا ودول الخليج من اللاعبين الدوليين الكبار الذين دمجوا بلدانهم في الاقتصاد العالمي وقاموا بإصلاحات داخلية تعزز الصبغة الكوسموبوليتية لشعوبهم واقتصاداتهم وتمثلها. وباستثناء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لم يتخل قادة المنطقة عن علاقاتهم الرسمية وغير الرسمية مع إسرائيل على خلفية الخسائر المدنية الضخمة في غزة. وأظهر الزعماء العرب هذه الثقة الجديدة بأنفسهم من طريق ترحيبهم بصورة واسعة بالحكومة السورية الجديدة، حيث اختاروا أن يتغاضوا عن تاريخ الرئيس أحمد الشرع الإرهابي وينسقوا مع أردوغان لحمل إدارة ترمب على تقبل زعيم دمشق، بعدما كانت مترددة في ذلك في البداية. ومن جانبها، لعبت الولايات المتحدة دوراً إقليمياً أكثر فاعلية في عهدي الرئيسين بايدن وترمب منذ اندلاع الحرب في غزة. فهي لم تنعطف عن المنطقة ولم تتدخل في كل مشكلة اجتماعية وسياسية وأمنية في الوقت نفسه. ففي خطاب ألقاه خلال جولته في الشرق الأوسط في مايو (أيار)، أعلن ترمب أن المنطقة قادرة على الازدهار وإحلال السلام وحدها، مع بعض الدعم الأميركي فحسب. وحين يتسنى ذلك، يعمل ترمب على حل التهديدات العسكرية من خلال المفاوضات. لكن حين تتعثر السبل الدبلوماسية، يعتمد على قوة عسكرية هائلة وسريعة لتحقيق بعض الأهداف المحددة التي يمكن للأميركيين أن يتقبلوها مثل حماية حرية الملاحة والحيلولة دون تطوير قنبلة ذرية إيرانية. وباختصار، فقد حدث عقيدة باول Powell Doctrine التي تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، والتي اعتبرت أن استخدام القوة العسكرية آخر الدواء، ويجب التوسل بها بشكل حاسم حين يقتضي الأمر مع تحديد أهداف واضحة تعزز المصالح الوطنية وتحظى بدعم شعبي. استفاد ترمب من وجود ستيف ويتكوف وتوم باراك كمبعوثين له، فهما يشكلان فريقاً واسع المعرفة يحظى بثقته. وليس مضطراً إلى الدخول في مواجهة كبيرة مع موسكو، مصدر المشكلات الأزلي والعاجز عن إسناد شركائه في إير فرصة واعدة إن بقيت هذه الفرصة سانحة، فإن الطريق نحو الاستقرار الدائم يتطلب احتواء الخطر الإيراني بشكل أكبر، وسعي واشنطن إلى جانب شركائها ومن خلالهم. وقد تكون هذه الغاية صعبة لكنها غير مستحيلة. في تسعينيات القرن الماضي، وعلى أثر هزيمتها في حرب العراق، دخلت إيران في حال ركود في المنطقة. وعلى إدارة ترمب أن تنتبه إلى دواعي خروج إيران عام 2000 من القمقم ونشرها الفوضى في بلاد المشرق وما بعدها وبنائها برامج نووية وباليستية ضخمة على رغم المعارضة الأميركية والعربية والإسرائيلية. هناك تفسيران متكاملان لما حدث. أولهما أن هذا التحالف الفضفاض انشغل بقضايا أخرى كان تأثيرها في النهاية أقل زعزعة، بما فيها محاربة الإرهاب والحروب في أفغانستان والعراق والربيع العربي والعلاقات الإسرائيلية - الفلسطينية. أما ثانيها فهو التباين في نظرة الأطراف الإقليمية للتهديد الإيراني، ومحاولتها معالجته بطرق متنوعة وغير فعالة. في سبيل معالجة القضية الإيرانية، درست واشنطن استخدام وسائل تغيير النظام كما التقارب. لكن تردد واشنطن وغيرها إزاء التعامل مباشرة مع الأخطار الكاملة التي تمثلها إيران دفعها إلى اللجوء للمفاوضات. وأملت هذه الأطراف في أن يؤدي التعامل مع إيران باعتبارها دولة عادية إلى تمكينها من حل مشكلات معينة وحمل البلاد على تقارب أكبر مع المنطقة في آن واحد. وافترضت أنه عندما تقابل إيران بتفهم كافٍ وحوار وتنازلات، فستتخلى عن شكوكها وتخلع عنها شعورها بانعدام الثقة، وتكف عن تطوير مشاريعها النووية والصاروخية وتتوقف عن تحريك شبكة وكلائها. ولم تر هذه المجموعة أي جدوى في التدخلات العسكرية لأنها اعتبرت أن إيران قادرة على تصعيد الموقف. ونتيجة لذلك، أبرمت واشنطن إلى جانب ائتلاف دولي اتفاقاً نووياً مع البلاد عام 2015. لكن الاتفاق كان موقتاً ولم يلجم سلوك إيران المزعزع بصورة عامة، فيما منح النظام موارد دخل إضافية. لذا انسحبت إدارة ترمب الأولى منه عام 2018. أثبتت التطورات في الشرق الأوسط منذ السابع من أكتوبر أن إيران لن تتصرف كدولة عادية مهما كانت آمال المحللين. وقد تنجح المفاوضات وحدها في إبطاء مسيرة البلاد لكنها لن تروضها. بينما التدخل العسكري الحاسم قادر على شل قدرات إيران والحد من رغبتها في خوض الصراعات، كما حصل بعد هجوم العراق والمواجهة بين الولايات المتحدة وإيران في الخليج عام 1988 واغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني على يد الولايات المتحدة عام 2020 والعمليات العسكرية الإسرائيلية والأميركية. بناء على ذلك، على الولايات المتحدة أن تعطي الأولوية للقضاء على برنامج إيران النووي وهزيمة أذرعها. وقد يفتح الانتصار في هذا المسعى أبواباً دبلوماسية شاملة أو يؤدي إلى تغيير إيران. لكن ينبغي ألا يكون تجديد الحوار أو تغيير النظام أهدافاً قائمة بحد ذاتها. بل يجدر بالولايات المتحدة أن تولي الأولوية للحرص على ألا يبقى في إيران برنامج نووي يمكنها من تطوير الأسلحة. اقتناص الفرص في سبيل تحقيق هذه الغاية، على واشنطن ممارسة الضغوط الاقتصادية والعسكرية إن لزم الأمر إلى أن تفصح إيران عن كل أوراقها المتعلقة ببرامج التسليح وتتخلى عن تخصيب اليورانيوم بشكل تام أو شبه تام إلى الأبد. إن هذه المهمة هي الأوضح والأهم الآن، وهي مهمة تحملها الولايات المتحدة على عاتقها تماماً الآن بعد قرارها استخدام القوة ضد إيران. وصحيح أن لإسرائيل في هذه المسألة مصلحة وجودية لكن عليها حتماً التنسيق مع واشنطن. إن منتقدي التدخل العسكري محقون في حسبان أن المفاوضات هي السبيل الوحيد لإنهاء الخلاف النووي مع إيران. لكن المفاوضات ليست غاية بحد ذاتها بل وسيلة للحيلولة دون أي احتمال يذكر للتسليح النووي في المستقبل. ولن تتحقق هذه الغاية ما لم يمارس ضغط هائل. من المفترض أن تحسن واشنطن ضبط سياساتها لمنع أذرع إيران من العودة إلى غزة وسوريا وتقليص نفوذ إيران في العراق ولبنان واليمن. إن الضغط من الوكلاء صعب فيما تعج كل هذه البلدان بقضايا أخرى - من الطاقة إلى الإرهاب والإغاثة الإنسانية - تتطلب اهتمام واشنطن. لكن من أجل القضاء على النفوذ الإقليمي لإيران بحق، على الولايات المتحدة أن تضع هذه القضايا في مرتبة ثانوية وتعطي الأولية لمحاربة شركاء إيران. وينبغي على دول المنطقة التي هددت الاضطرابات في العراق وسوريا واليمن أمنها مراراً وتكراراً أن تضطلع بدور رائد في هذا الصدد. لكن مع ذلك على واشنطن أن تكون مستعدة للتصدي لأسلوب طهران بشن هجمات من خلال أذرعها من خلال الرد على إيران نفسها بدل الرد على الأذرع. وخارج حدود إيران، على الولايات المتحدة الالتزام بكلام ترمب والسماح لدول المنطقة بأن تتخذ قراراتها باستقلالية كما تفعل إجمالاً في آسيا وأوروبا. ومع ذلك تبرز بعض الاستثناءات - وهي القضايا التي تؤثر في الأمن الشامل التي من الواضح أن الأميركيين قادرون على المساعدة فيها. وإحدى هذه القضايا هي المأزق الإسرائيلي - الفلسطيني، وهو ذو أهمية بارزة ليس المصدر الرئيس للاختلال الإقليمي. وإلى أن يدار بشكل أفضل، بدءاً بالتوصل إلى تسوية في غزة، سيظل يشكل عبئاً على الأهداف الإقليمية الأميركية والإسرائيلية بما فيها التكامل العربي - الإسرائيلي. كما ينبغي الالتفات إلى المنافسة الناشئة بين أقوى دولتين في المنطقة، أي إسرائيل وتركيا. ليس بين البلدين أي نزاع أمني [نزاع جغرافي سيادي] أساسي. لكن بعض هذه المنافسة مستمد من العداء المتبادل بين زعيمي البلدين فيما تعتبر جزئياً نتيجة حتمية للسياسة الواقعية. ومن مصلحة ترمب، الذي يستطيع العمل بشكل جيد مع الزعيمين، أن يهدئ العلاقات بينهما. يتطلب الشرق الأوسط تدخلاً أميركياً بطرق أخرى كذلك، ومنها ضمان تصدير الهيدروكربونات، والحفاظ على ممرات النقل الدولية، ومعالجة أخطار الإرهاب وتدفق اللاجئين. لكن الفرصة سانحة أمام الولايات المتحدة الآن للتعاون مع الزعماء الإقليميين، في سبيل إرساء استقرار دائم في المنطقة والتخفيف إلى حد كبير من إدارة الأزمات الدبلوماسية التي لا تتوقف فيها ونصف قرن من العمليات القتالية المستمرة تقريباً. يجب أن ننتهز هذه الفرصة السانحة. *شغل جيمس جيفري مناصب عدة في السلك الخارجي في سبع إدارات أميركية بما فيها إدارة ترمب الأولى، بصفته الممثل الخاص المعني بالشؤون السورية والمبعوث الخاص إلى التحالف الدولي ضد تنظيم داعش مترجم من فورين أفيرز، 4 يوليو (تموز) 2025

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store