
هكذا يستطيع ترمب معالجة مشكلة إيران والشرق الأوسط
لكنها ليست المرة الأولى التي تشهد فيها المنطقة فترة تفاؤل شبيهة بهذه: فهذا ما حصل بعد حرب يوم الغفران أو حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 أو هزيمة إيران وبعدها العراق بين 1988 و1991، وإطاحة "طالبان" في 2001. وفي كل حال من هذه الحالات، بلغ الشرق الأوسط مرحلة خطرة جداً دفعت بالولايات المتحدة إلى القيام بتدخل ناجح، تبعته حملات دبلوماسية لتثبيت مراحل الاستقرار هذه. ومن الأمثلة على ذلك اتفاقية كامب ديفيد التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين مصر وإسرائيل، وتوقيع إسرائيل والأردن في وقت لاحق على اتفاقية سلام بينهما.
لكن بعد فترات سلام قصيرة، كانت المنطقة تعود لتقع في براثن الفوضى مجدداً. في البداية، قامت الثورة الإيرانية، وتبعها الغزو السوفياتي لأفغانستان في 1979. ثم بعد عام 2000، انهارت اتفاقية أوسلو التي شقت الطريق أمام مسار سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين ما لبث أن انهار في عام 2000، فيما دام الاجتياح الأميركي لأفغانستان بعد هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول) أعواماً عدة، كما حصل مع الاجتياح السوفياتي في السابق، وانتهى الأمر بعودة "طالبان" إلى السلطة. أما غزو العراق، فقد آذن ببداية عقدين من الصراعات التي شملت حرباً غير مباشرة مع إيران ومواجهة مباشرة ضد تنظيم الدولة، أو "داعش"، المتفرع من تنظيم "القاعدة".
شهد هذا التاريخ إخفاقات لعقود في السياسات الأميركية. نجحت الولايات المتحدة على مدى أعوام طويلة في الحيلولة دون الهيمنة العدوانية على الشرق الأوسط لكن سياسة الاحتواء في تلك المنطقة اختلفت بصورة كبيرة عما هي عليه في آسيا وأوروبا. ففي نهاية المطاف، نجحت الدول الآسيوية والأوروبية في إنشاء مؤسسات محلية وأنظمة تعاون إقليمية ثابتة، مما سمح للولايات المتحدة بإيلاء الأولوية لتنظيم الأمن المشترك ضد الصين وروسيا. لكن في الشرق الأوسط، اضطرت الولايات المتحدة إلى التدخل مرات عدة في الصراعات الداخلية والإقليمية التي هددت الاستقرار وسياسة احتواء الأخطار- حتى بعد خروج الاتحاد السوفياتي من التوازنات [وأفوله].
لكن الوضع قد يختلف هذه المرة. بعد عام ونصف العام من الحرب، بلغ وكلاء إيران حالاً من الضعف الشديد. ويعمل قادة جدد على صياغة شكل جديد لديناميات القوى في المنطقة، في غياب طهران. ومن ثم تملك إدارة ترمب الفرصة كي تنجز ما عجزت عنه الإدارات السابقة، وترسي استقراراً فعلياً في المنطقة.
إدارة جديدة
منذ انهيار "داعش" شكلت إيران المصدر الأول للاضطرابات الإقليمية في الشرق الأوسط. فقد هاجم وكلاؤها إسرائيل والقوات الأميركية ودول الخليج العربي والسفن التجارية في البحر الأحمر. لكن بعد هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر 2023 على إسرائيل، تلاشى الجزء الأكبر من أدوات طهران. فقد أضعفت الضربات الإسرائيلية "حماس" و"حزب الله" إلى حد لافت، فيما انهار نظام الأسد في سوريا، ودمرت إسرائيل والولايات المتحدة أنظمة إيران النووية وصواريخها المعادية ودفاعاتها الجوية. لكن إيران لا تزال قادرة على الاعتماد على نفوذها في العراق وعلى الحوثيين ولا تزال تمسك بمقاليد ما تخلف عن برنامجها النووي في الأقل. لكن لا يمكنها تغيير حقيقة مسؤوليتها عن هذه النكسات، أولاً لأنها سمحت لوكلائها بالهجوم على إسرائيل ثم لأنها شاركت مباشرة في الهجوم في عام 2024. ونتيجة لذلك، أصبح الطريق نحو الاستقرار الإقليمي أسهل بكثير الآن.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تزامن تدهور نفوذ إيران مع بروز أوصياء جدد على الشرق الأوسط. فقد أصبحت كل من إسرائيل وتركيا ودول الخليج من اللاعبين الدوليين الكبار الذين دمجوا بلدانهم في الاقتصاد العالمي وقاموا بإصلاحات داخلية تعزز الصبغة الكوسموبوليتية لشعوبهم واقتصاداتهم وتمثلها. وباستثناء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لم يتخل قادة المنطقة عن علاقاتهم الرسمية وغير الرسمية مع إسرائيل على خلفية الخسائر المدنية الضخمة في غزة. وأظهر الزعماء العرب هذه الثقة الجديدة بأنفسهم من طريق ترحيبهم بصورة واسعة بالحكومة السورية الجديدة، حيث اختاروا أن يتغاضوا عن تاريخ الرئيس أحمد الشرع الإرهابي وينسقوا مع أردوغان لحمل إدارة ترمب على تقبل زعيم دمشق، بعدما كانت مترددة في ذلك في البداية.
ومن جانبها، لعبت الولايات المتحدة دوراً إقليمياً أكثر فاعلية في عهدي الرئيسين بايدن وترمب منذ اندلاع الحرب في غزة. فهي لم تنعطف عن المنطقة ولم تتدخل في كل مشكلة اجتماعية وسياسية وأمنية في الوقت نفسه. ففي خطاب ألقاه خلال جولته في الشرق الأوسط في مايو (أيار)، أعلن ترمب أن المنطقة قادرة على الازدهار وإحلال السلام وحدها، مع بعض الدعم الأميركي فحسب. وحين يتسنى ذلك، يعمل ترمب على حل التهديدات العسكرية من خلال المفاوضات. لكن حين تتعثر السبل الدبلوماسية، يعتمد على قوة عسكرية هائلة وسريعة لتحقيق بعض الأهداف المحددة التي يمكن للأميركيين أن يتقبلوها مثل حماية حرية الملاحة والحيلولة دون تطوير قنبلة ذرية إيرانية. وباختصار، فقد حدث عقيدة باول Powell Doctrine التي تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، والتي اعتبرت أن استخدام القوة العسكرية آخر الدواء، ويجب التوسل بها بشكل حاسم حين يقتضي الأمر مع تحديد أهداف واضحة تعزز المصالح الوطنية وتحظى بدعم شعبي. استفاد ترمب من وجود ستيف ويتكوف وتوم باراك كمبعوثين له، فهما يشكلان فريقاً واسع المعرفة يحظى بثقته. وليس مضطراً إلى الدخول في مواجهة كبيرة مع موسكو، مصدر المشكلات الأزلي والعاجز عن إسناد شركائه في إير
فرصة واعدة
إن بقيت هذه الفرصة سانحة، فإن الطريق نحو الاستقرار الدائم يتطلب احتواء الخطر الإيراني بشكل أكبر، وسعي واشنطن إلى جانب شركائها ومن خلالهم. وقد تكون هذه الغاية صعبة لكنها غير مستحيلة. في تسعينيات القرن الماضي، وعلى أثر هزيمتها في حرب العراق، دخلت إيران في حال ركود في المنطقة. وعلى إدارة ترمب أن تنتبه إلى دواعي خروج إيران عام 2000 من القمقم ونشرها الفوضى في بلاد المشرق وما بعدها وبنائها برامج نووية وباليستية ضخمة على رغم المعارضة الأميركية والعربية والإسرائيلية.
هناك تفسيران متكاملان لما حدث. أولهما أن هذا التحالف الفضفاض انشغل بقضايا أخرى كان تأثيرها في النهاية أقل زعزعة، بما فيها محاربة الإرهاب والحروب في أفغانستان والعراق والربيع العربي والعلاقات الإسرائيلية - الفلسطينية. أما ثانيها فهو التباين في نظرة الأطراف الإقليمية للتهديد الإيراني، ومحاولتها معالجته بطرق متنوعة وغير فعالة.
في سبيل معالجة القضية الإيرانية، درست واشنطن استخدام وسائل تغيير النظام كما التقارب. لكن تردد واشنطن وغيرها إزاء التعامل مباشرة مع الأخطار الكاملة التي تمثلها إيران دفعها إلى اللجوء للمفاوضات. وأملت هذه الأطراف في أن يؤدي التعامل مع إيران باعتبارها دولة عادية إلى تمكينها من حل مشكلات معينة وحمل البلاد على تقارب أكبر مع المنطقة في آن واحد. وافترضت أنه عندما تقابل إيران بتفهم كافٍ وحوار وتنازلات، فستتخلى عن شكوكها وتخلع عنها شعورها بانعدام الثقة، وتكف عن تطوير مشاريعها النووية والصاروخية وتتوقف عن تحريك شبكة وكلائها. ولم تر هذه المجموعة أي جدوى في التدخلات العسكرية لأنها اعتبرت أن إيران قادرة على تصعيد الموقف. ونتيجة لذلك، أبرمت واشنطن إلى جانب ائتلاف دولي اتفاقاً نووياً مع البلاد عام 2015. لكن الاتفاق كان موقتاً ولم يلجم سلوك إيران المزعزع بصورة عامة، فيما منح النظام موارد دخل إضافية. لذا انسحبت إدارة ترمب الأولى منه عام 2018.
أثبتت التطورات في الشرق الأوسط منذ السابع من أكتوبر أن إيران لن تتصرف كدولة عادية مهما كانت آمال المحللين. وقد تنجح المفاوضات وحدها في إبطاء مسيرة البلاد لكنها لن تروضها. بينما التدخل العسكري الحاسم قادر على شل قدرات إيران والحد من رغبتها في خوض الصراعات، كما حصل بعد هجوم العراق والمواجهة بين الولايات المتحدة وإيران في الخليج عام 1988 واغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني على يد الولايات المتحدة عام 2020 والعمليات العسكرية الإسرائيلية والأميركية.
بناء على ذلك، على الولايات المتحدة أن تعطي الأولوية للقضاء على برنامج إيران النووي وهزيمة أذرعها. وقد يفتح الانتصار في هذا المسعى أبواباً دبلوماسية شاملة أو يؤدي إلى تغيير إيران. لكن ينبغي ألا يكون تجديد الحوار أو تغيير النظام أهدافاً قائمة بحد ذاتها. بل يجدر بالولايات المتحدة أن تولي الأولوية للحرص على ألا يبقى في إيران برنامج نووي يمكنها من تطوير الأسلحة.
اقتناص الفرص
في سبيل تحقيق هذه الغاية، على واشنطن ممارسة الضغوط الاقتصادية والعسكرية إن لزم الأمر إلى أن تفصح إيران عن كل أوراقها المتعلقة ببرامج التسليح وتتخلى عن تخصيب اليورانيوم بشكل تام أو شبه تام إلى الأبد. إن هذه المهمة هي الأوضح والأهم الآن، وهي مهمة تحملها الولايات المتحدة على عاتقها تماماً الآن بعد قرارها استخدام القوة ضد إيران. وصحيح أن لإسرائيل في هذه المسألة مصلحة وجودية لكن عليها حتماً التنسيق مع واشنطن. إن منتقدي التدخل العسكري محقون في حسبان أن المفاوضات هي السبيل الوحيد لإنهاء الخلاف النووي مع إيران. لكن المفاوضات ليست غاية بحد ذاتها بل وسيلة للحيلولة دون أي احتمال يذكر للتسليح النووي في المستقبل. ولن تتحقق هذه الغاية ما لم يمارس ضغط هائل.
من المفترض أن تحسن واشنطن ضبط سياساتها لمنع أذرع إيران من العودة إلى غزة وسوريا وتقليص نفوذ إيران في العراق ولبنان واليمن. إن الضغط من الوكلاء صعب فيما تعج كل هذه البلدان بقضايا أخرى - من الطاقة إلى الإرهاب والإغاثة الإنسانية - تتطلب اهتمام واشنطن. لكن من أجل القضاء على النفوذ الإقليمي لإيران بحق، على الولايات المتحدة أن تضع هذه القضايا في مرتبة ثانوية وتعطي الأولية لمحاربة شركاء إيران. وينبغي على دول المنطقة التي هددت الاضطرابات في العراق وسوريا واليمن أمنها مراراً وتكراراً أن تضطلع بدور رائد في هذا الصدد. لكن مع ذلك على واشنطن أن تكون مستعدة للتصدي لأسلوب طهران بشن هجمات من خلال أذرعها من خلال الرد على إيران نفسها بدل الرد على الأذرع.
وخارج حدود إيران، على الولايات المتحدة الالتزام بكلام ترمب والسماح لدول المنطقة بأن تتخذ قراراتها باستقلالية كما تفعل إجمالاً في آسيا وأوروبا. ومع ذلك تبرز بعض الاستثناءات - وهي القضايا التي تؤثر في الأمن الشامل التي من الواضح أن الأميركيين قادرون على المساعدة فيها. وإحدى هذه القضايا هي المأزق الإسرائيلي - الفلسطيني، وهو ذو أهمية بارزة ليس المصدر الرئيس للاختلال الإقليمي. وإلى أن يدار بشكل أفضل، بدءاً بالتوصل إلى تسوية في غزة، سيظل يشكل عبئاً على الأهداف الإقليمية الأميركية والإسرائيلية بما فيها التكامل العربي - الإسرائيلي. كما ينبغي الالتفات إلى المنافسة الناشئة بين أقوى دولتين في المنطقة، أي إسرائيل وتركيا. ليس بين البلدين أي نزاع أمني [نزاع جغرافي سيادي] أساسي. لكن بعض هذه المنافسة مستمد من العداء المتبادل بين زعيمي البلدين فيما تعتبر جزئياً نتيجة حتمية للسياسة الواقعية. ومن مصلحة ترمب، الذي يستطيع العمل بشكل جيد مع الزعيمين، أن يهدئ العلاقات بينهما.
يتطلب الشرق الأوسط تدخلاً أميركياً بطرق أخرى كذلك، ومنها ضمان تصدير الهيدروكربونات، والحفاظ على ممرات النقل الدولية، ومعالجة أخطار الإرهاب وتدفق اللاجئين. لكن الفرصة سانحة أمام الولايات المتحدة الآن للتعاون مع الزعماء الإقليميين، في سبيل إرساء استقرار دائم في المنطقة والتخفيف إلى حد كبير من إدارة الأزمات الدبلوماسية التي لا تتوقف فيها ونصف قرن من العمليات القتالية المستمرة تقريباً. يجب أن ننتهز هذه الفرصة السانحة.
*شغل جيمس جيفري مناصب عدة في السلك الخارجي في سبع إدارات أميركية بما فيها إدارة ترمب الأولى، بصفته الممثل الخاص المعني بالشؤون السورية والمبعوث الخاص إلى التحالف الدولي ضد تنظيم داعش
مترجم من فورين أفيرز، 4 يوليو (تموز) 2025

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
ترمب يرسم صورته بالذكاء الاصطناعي: بطل خارق وملك متوج ورمز لمدينة فاضلة في غزة
نشر البيت الأبيض صورة جديدة للرئيس الأميركي دونالد ترمب، أثارت تفاعلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ظهر فيها مجسداً على هيئة البطل الخارق «سوبرمان»، مرتدياً عباءة حمراء وعليها شعار «S» الشهير. وقد أُرفقت الصورة، التي تم توليدها باستخدام الذكاء الاصطناعي، بعبارات تصف رئاسة ترمب بأنها «رمز للأمل، والحقيقة، والعدالة... على الطريقة الأميركية. سوبرمان ترمب»، إلى جانب صورة للعلم الأميركي. THE SYMBOL OF JUSTICE. THE AMERICAN TRUMP. — The White House (@WhiteHouse) July 11, 2025 وليست هذه المرة الأولى التي يُستخدم فيها الذكاء الاصطناعي لتشكيل صورة رمزية لترمب أو لدعم أجندته السياسية. ففي فبراير (شباط) الماضي، شارك ترمب مقطع فيديو مولّداً بالذكاء الاصطناعي يعرض رؤيته لما سمّاه «ريفييرا الشرق الأوسط»، في حال نجحت خطته للسيطرة على قطاع غزة. وبحسب تقرير لموقع «أكسيوس»، أعاد الفيديو تصوير غزة، التي دمّرتها الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس»، كواحة خيالية من تصور ترمب، تتضمن راقصات شرقيات، وتمثالاً ذهبياً له ولإيلون ماسك يرقصان تحت وابل من الأموال. يبدأ الفيديو بلقطة معنونة بـ«غزة 2025»، ثم ينتقل إلى مشاهد مثالية لأطفال يركضون على الشاطئ، وناطحات سحاب، وسفن سياحية، ومدينة أعيد بناؤها، بينما يُسمع صوت مولّد بالذكاء الاصطناعي يغني: «لا مزيد من الأنفاق. لا مزيد من الخوف. غزة ترمب هنا أخيراً». وقبل هذا الفيديو بأيام، وصف ترمب نفسه بـ«الملك» أثناء إشادته بقرار إدارته إنهاء الموافقة الفيدرالية على برنامج رسوم الزحام في نيويورك، حيث كتب على منصة «تروث سوشيال»: «انتهت رسوم الزحام. تم إنقاذ مانهاتن، وكل نيويورك. عاش الملك!». «CONGESTION PRICING IS DEAD. Manhattan, and all of New York, is SAVED. LONG LIVE THE KING!«–President Donald J. Trump — The White House (@WhiteHouse) February 19, 2025 ووفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز»، أعاد البيت الأبيض نشر هذا التصريح على «إنستغرام» و«إكس»، مرفقاً بصورة لترمب وهو يرتدي تاجاً على غلاف مجلة شبيهة بـ«تايم»، حملت اسم «ترمب». كما أثارت صورة جنائية لترمب، مؤطرة بإطار ذهبي فاخر ومعلقة قرب المكتب البيضاوي، جدلاً واسعاً على الإنترنت. وقد التُقطت هذه الصورة في سجن مقاطعة فولتون بولاية جورجيا في 24 أغسطس (آب) 2023، بعد أن سلّم ترمب نفسه على خلفية اتهامات بمحاولة قلب نتائج انتخابات 2020 في الولاية. HAPPY VALENTINE'S DAY!WELCOME TO THE BEAUTIFUL OVAL OFFICE @WHITEHOUSE❤️... — Dan Scavino (@Scavino47) February 14, 2025 وفي سياق الرمزية أيضاً، عرض ترمب تمثالاً برونزياً في المكتب البيضاوي يُجسد محاولة اغتياله خلال حملته الانتخابية في بنسلفانيا عام 2024. ويظهر التمثال، الذي يبلغ طوله نحو 12 بوصة، ترمب وهو يُسحب من فوق المنصة بواسطة ثلاثة من عناصر الخدمة السرية، من بينهم المدير الحالي للجهاز، شون كوران، بعد أن أطلق توماس ماثيو كروكس عدة رصاصات من سطح منزل قريب في 13 يوليو (تموز) 2024. تمثال يظهر أثناء حديث الرئيس دونالد ترمب مع الصحافيين في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض (أ.ب)


Independent عربية
منذ 7 ساعات
- Independent عربية
ترمب يعرب عن صدمته إزاء حجم الدمار جراء الفيضانات في تكساس
تحدث الرئيس الأميركي دونالد ترمب الجمعة عن دمار "لم يرَ مثيلاً له" من قبل، وذلك خلال جولته في أجزاء من تكساس التي شهدت فيضانات مباغتة ومدمرة أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 120 شخصاً، بينهم عشرات الأطفال. ووصل ترمب وزوجته ميلانيا إلى ولاية تكساس للقاء المستجيبين الأوائل وعائلات الضحايا والسلطات المحلية، بعد أسبوع على فيضانات نجمت عن أمطار غزيرة وجرفت منازل وموقع تخييم وسيارات وأشخاصاً. في مدينة كيرفيل الواقعة في مقاطعة كير الأكثر تضرراً حيث قتل ما لا يقل عن 96 شخصاً، قال ترمب "الوضع صعب. لم أر على الإطلاق مثيلاً لهذا". وتابع "لقد شهدت كثيراً من الأعاصير. لم أر مثيلاً لهذا". ورد ترمب بغضب على صحافيين شككوا في سرعة استجابة السلطات للكارثة وقال إنه يريد التركيز على التضامن مع عمال الإغاثة والمتطوعين. متحدثاً عند طاولة لُفت بقماش أسود كتب عليه "تكساس قوية "، قال ترمب "في مختلف أنحاء البلاد، قلوب الأميركيين محطمة"، وتابع "كان علي أن آتي إلى هنا بصفتي الرئيس. السيدة الأولى أرادت أن تأتي إلى هنا". وشبه الرئيس الأميركي منسوب المياه الذي ارتفع على نحو مباغت بـ"موجة عملاقة في المحيط الهادئ يخشاها أفضل راكبي الأمواج في العالم". في وقت سابق استقبل الحاكم غريغ آبوت ترمب والسيدة الأولى قرب نهر غوادلوبي في كيرفيل. وقدمت لهم سلطات إدارة الطوارئ في تكساس وجهاز الإطفاء في كيرفيل إحاطة كما ألقى عليهم التحية نحو 30 من عمال الإغاثة وعناصر خفر السواحل. ودخلت عمليات البحث عن أكثر من 170 شخصاً مفقوداً من بينهم خمس فتيات كن في مخيم صيفي، يومها الثامن فيما تقوم فرق الإنقاذ بتمشيط أكوام الحطام والطين. لكن مع عدم الإبلاغ عن أي عملية إنقاذ أشخاص هذا الأسبوع، تزايدت المخاوف من احتمال ارتفاع حصيلة القتلى. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) تأخر رسائل الإخلاء تجاهل ترمب أسئلة حول تأثير حملته الرامية إلى تقليص القوة العاملة في الوكالات الفيدرالية على الاستجابة للفيضانات التي وصفها بأنها "كارثة تحدث كل مائة عام" و"لم يتوقعها أحد". والخميس، دافعت وزيرة الأمن الداخلي كريستي نوم عن الاستجابة الفورية للكارثة وقالت إنها كانت "سريعة وفعالة". لكن سلطات تكساس تواجه أسئلة حول سبب تأخر رسائل الإخلاء الطارئ للسكان والزوار على طول نهر غوادلوبي، وقد أفادت تقارير بتأخر وصل في بعض الحالات إلى ساعات. في مقابلة هاتفية أجرتها معه شبكة "أن بي سي نيوز"، أعرب ترمب عن ثقته بنظام التحذير من الفيضانات. أعادت الفيضانات وهي من الأكثر حصداً للأرواح في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، إلى الواجهة التساؤلات حول خطط ترمب للتخلص التدريجي من الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ. وبدأت الإدارة استجابتها للفيضانات في تكساس خلال عطلة نهاية الأسبوع بعدما وقع ترمب إعلان كارثة كبرى لتوفير موارد فيدرالية لها. لكن الرئيس الجمهوري تجنب حتى الآن التطرق إلى مسألة مستقبل الوكالة، وشددت نوم على ضرورة "إلغاء" الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ بشكلها الحالي، وذلك خلال اجتماع مراجعة حكومي عقد الأربعاء. وقال مسؤولون في مقاطعة كير الواقعة عند ضفاف نهر غودالوبي في منطقة يطلق عليها اسم "فلاش فلاد آليه"، إن 36 طفلاً على الأقل لقوا حتفهم في الفيضانات التي ضربت في بداية عطلة الرابع من يوليو (تموز). ويقول خبراء إن العاملين في الأرصاد الجوية بذلوا قصارى جهدهم وأرسلوا تحذيرات دقيقة وفي الوقت المناسب رغم التغير المفاجئ في الطقس. كذلك، دافعت الناطقة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت عن التنبيهات التي أرسلتها هيئة الأرصاد الجوية الوطنية وقالت إنها كانت "مبكرة ومتسقة". وذكرت شبكة "إيه بي سي" الخميس أنه عند الساعة 04:22 فجر الرابع من يوليو، طلب رجل إطفاء في إنغرام، أعلى نهر كيرفيل، من مكتب رئيس شرطة مقاطعة كير تنبيه سكان هانت القريبة من الفيضانات. وأوضحت الشبكة أن وسيلة الإعلام "كاي-سات" التابعة لها حصلت على تسجيل صوتي للمكالمة، وأن التنبيه الأول لم يصل إلى إلى مقاطعة كير إلا بعد 90 دقيقة. وفي بعض الحالات، كما قالت، لم تصل رسائل التحذير إلا بعد العاشرة صباحاً، عندما كانت المياه قد جرفت مئات الأشخاص. وكان فيضان نهر غوادلوبي مدمراً بشكل خاص للمخيمات الصيفية الواقعة على ضفافه، ومن بينها مخيم ميستك حيث قضت 27 فتاة ومشرفون.


Independent عربية
منذ 11 ساعات
- Independent عربية
الجمهورية الإيرانية تلتقط أنفاسها
يعد هجوم إسرائيل على إيران في الـ13 من يونيو (حزيران)، الذي كان يهدف إلى شل البرنامجين العسكري والنووي لطهران، من أسوأ الانتكاسات التي تعرضت لها الجمهورية الإسلامية على الإطلاق. ففي أقل من أسبوعين، تمكنت قوات جيش الدفاع الإسرائيلي من اغتيال عشرات من كبار القادة الإيرانيين والعلماء النوويين، كما دمرت إسرائيل عدداً من أنظمة الدفاع الجوي في إيران وألحقت أضراراً بمنشآتها النووية. وقصفت البنية التحتية للطاقة الإيرانية، والقواعد العسكرية، ومواقع إنتاج الصواريخ المختلفة. لقد كانت الضربات بالغة الدقة، مما يشير إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية اخترقت أعلى مستويات القوات المسلحة والحكومة الإيرانية. ومع اقتراب نهاية الهجمات، شاركت الولايات المتحدة في العملية العسكرية. ونتيجة لذلك، أصبح الجيش الإيراني أضعف الآن مما كان عليه قبل شهر. ولكن بدلاً من الانهيار تحت وقع الصدمة، يبدو أن الجمهورية الإسلامية التقطت أنفاسها [ولدت من جديد]. في الواقع، تسببت الضربات في تأثير "الالتفاف حول العلم"، إذ ندد الإيرانيون بها وحيوا رد الحكومة عليها. وقد نعى النظام الإيراني مسؤوليه الذين فقدهم، لكنه سرعان ما استبدلهم. وبهذه الطريقة، جعلت العمليات الشعب الإيراني أكثر تماسكاً، وعززت من نفوذ الحرس الثوري الإيراني. من غير المرجح أن يصبح المجتمع الإيراني أكثر تشدداً من الناحية الإسلامية كرد فعل على الهجمات، ومن أجل الحفاظ على الاستقرار الداخلي، قد يتسامح النظام حتى مع مزيد من الحريات الاجتماعية، لكن من المحتمل أن يصبح أكثر قمعاً، فيعتقل كل من يشتبه في خيانته. والأهم من ذلك، أن الإيرانيين قد يصبحون أكثر استعداداً لتقبل الدولة على ما هي عليه، وقد يكون لدى البلاد الآن عقد اجتماعي جديد، يضع الأمن القومي فوق كل اعتبار. مع ذلك، تبقى استراتيجية الأمن القومي لإيران من دون تغيير يذكر، فقد تكون طهران أضعف في بعض الجوانب، لكن قادتها يفتخرون بقدرتهم على الصمود في وجه الهجمات الإسرائيلية والأميركية، ويرون أن الأضرار الكبيرة التي ألحقوها بالمدن الإسرائيلية تعد إنجازاً كبيراً. علاوة على ذلك، هم لا يزالون يؤمنون بأن إظهار العزيمة والصلابة في مواجهة العدوان هو السبيل الوحيد لردع خصومهم، ولذلك سيسعى القادة الإيرانيون إلى إعادة بناء شبكة وكلائهم في المنطقة: ما يسمى بـ"محور المقاومة"، وسيصبحون أقل ثقة في الدبلوماسية. وبدلاً من ذلك، سيمهدون لحرب استنزاف طويلة مع إسرائيل، وربما لتجاوز محتمل لمرحلة التخصيب النووي. الوحدة والمقاومة في الأسابيع التي سبقت هجوم إسرائيل على إيران، بدا وكأن طهران وواشنطن قد تتوصلان إلى حل سلمي لنزاعهما حول البرنامج النووي الإيراني، وللمرة الأولى منذ انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) في عام 2018، أي الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع الولايات المتحدة ودول كبرى أخرى قبل ذلك بثلاث سنوات، أبدى فريق الرئيس الأميركي دونالد ترمب استعداده لقبول ترتيب يسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم حتى نسبة 3.67 في المئة، أي المستوى الذي وافقت عليه الولايات المتحدة بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، بدلاً من المطالبة بعدم التخصيب على الإطلاق. من جانبها، أبدت طهران انفتاحها مجدداً على حوار مباشر مع المسؤولين الأميركيين عوضاً عن الاعتماد على الوسطاء فحسب، وقد اعتقد بعض المحللين أن اتفاقاً نووياً جديداً قد يكون وشيكاً. لكن مع تقدم المفاوضات، بدأت إدارة ترمب تتراجع عن مرونتها الأولية، متأرجحة بين المطالبة بعدم التخصيب على الإطلاق وبين التفكيك الكامل للبنية التحتية النووية الإيرانية. في الوقت نفسه، واصلت إسرائيل تقويض موقف طهران من خلال القضاء على قوة "حزب الله" (أقوى حليف لإيران)، وسحق حركة "حماس"، وتدمير بعض منظومات الدفاع الجوي الإيرانية. وتعاظم ضعف الجمهورية الإسلامية في ديسمبر (كانون الأول)، عندما أطاح المتمردون بالرئيس السوري بشار الأسد، وهو حليف مخلص آخر لإيران. وفي نهاية المطاف، ساد شعور بالاستسلام داخل طهران: وبدأ عدد من من المسؤولين والمحللين يعتقدون أن الهجوم الإسرائيلي أو الأميركي، أو كلاهما، بات محتماً، سواء بوجود اتفاق أو من دونه. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ومع ذلك، مضت طهران قدماً بحذر. فقد كانت تدرك أن الشعب الإيراني كان يغلي من الغضب بعد عقود من القمع، وأن إثارة أية مواجهة مباشرة مع واشنطن قد تشعل موجة جديدة من الغضب الشعبي، لذلك بقي المسؤولون الإيرانيون على طاولة التفاوض، على أمل تفادي الهجوم، وسعوا في الوقت نفسه إلى تعزيز الدعم الداخلي، على سبيل المثال، من خلال تعليق تطبيق القانون المثير للجدل الذي يفرض على النساء تغطية شعرهن بالكامل في الأماكن العامة، وتخفيف بعض القيود الأخرى على حرية التعبير. أدت الهجمات الإسرائيلية والأميركية إلى فورة في المشاعر القومية الإيرانية ليس من الواضح إلى أي مدى كانت هذه الخطوات فعالة في دعم الحكومة حين سقطت القنابل الإسرائيلية الأولى، ففي البداية اعتقد كثير من الإيرانيين العاديين أن النزاع سيكون مجرد مواجهة قصيرة بين حكومتين، ومن المستبعد أن يطاولهم بصورة مباشرة، ولكن مع تصاعد الضربات، واستهداف البنية التحتية وقتل المدنيين، بدأ كثير من الإيرانيين يستنتجون أن الهجمات لم تكن مجرد حرب ضد النظام، بل حرباً ضد الأمة بأسرها، وتعززت هذه المشاعر بعد أن حث ترمب والمسؤولون الإسرائيليون سكان طهران على إخلاء منازلهم. وقد قالت واحدة من سكان طهران لصحيفة "فاينانشال تايمز": "أنا لست من محبي الجمهورية الإسلامية، ولكن حان الوقت الآن لإظهار التضامن مع إيران. ترمب ونتنياهو يقولان 'أخلوا منازلكم' وكأنهم يهتمون بصحتنا، كيف يمكن إخلاء مدينة تضم 10 ملايين نسمة؟ أنا وزوجي لن نسهل عليهم الأمر، فليقتلونا إن أرادوا". وعوض إثارة الغضب الشعبي ضد الدولة الإيرانية، أدت الهجمات إلى فورة في المشاعر القومية. وبينما صمدت الجمهورية الإسلامية أمام الهجوم الإسرائيلي وردت بصواريخ باليستية، لاقى رد النظام ترحيباً وتأييداً من كتاب وفنانين ومطربين إيرانيين، كان كثير منهم عادة بعيدين من السياسة أو معارضين للحكومة. وقد شبه المعلقون الإيرانيون من مختلف الأطياف السياسية الهجوم الإسرائيلي بغزو ألمانيا النازية للاتحاد السوفياتي عام 1941، واصفين الصراع بأنه "حرب إيران الوطنية": نضال وطني يتجاوز السياسة، حتى أن بعض المنشقين القدامى والسجناء السياسيين السابقين انضموا إلى هذه الموجة وشاركوا في هذه الحالة من التعبئة الوطنية. على سبيل المثال، أطلق مئات من نشطاء الحقوق السياسية والمدنية، وكثيرون منهم سجنوا سابقاً، بياناً مشتركاً يدين الهجمات الإسرائيلية. وجاء في البيان: "دفاعاً عن وحدة أراضينا واستقلالنا وقدراتنا الدفاعية الوطنية، نقف متحدين وثابتين". وقد حرص هؤلاء على الحافظ على مسافة من النظام، لكن تأكيدهم على التضامن كان منسجماً مع رسالة الحكومة. وهكذا، خففت ضربات إسرائيل بعض الضغط الداخلي على الجمهورية الإسلامية. ومن المرجح أن تستغل الحكومة الإيرانية هذه الهدنة لتسريع وتيرة تسليحها استعداداً لصراع طويل الأمد، ومع تراجع الضغط الداخلي ستوجه مزيداً من الموارد إلى الحرس الثوري والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية، لا سيما وأن كثيرين في طهران يتوقعون انهيار وقف إطلاق النار الهش في أية لحظة، إلا أن النظام سيواجه صعوبة في إثبات قدرته على تحمل خوض حرب جديدة، خصوصاً في ظل مدى اختراق المخابرات الإسرائيلية لصفوفه. وقد اتهم النقاد النظام بإعطاء الأولوية للولاء العقائدي على حساب الكفاءة، مما سمح لأفراد يرددون شعارات متشددة بالترقي في المناصب بينما كانوا يخفون ولاءاتهم الحقيقية. وأشار بعضهم إلى المفارقة المتمثلة في أن الحكومة كانت منشغلة بفرض قوانين الحجاب وملاحقة المعارضين السياسيين بذريعة مكافحة التخريب الخارجي، في وقت كان خصومها الفعليون يتسللون بهدوء إلى أكثر مؤسساتها أهمية. وقد أثارت التداعيات الناجمة عن ذلك دعوات طالبت بإجراء التحقيقات والمساءلة، بل وحتى استقالة المسؤولين الكبار الذين اتهموا بالإشراف على هذا الفشل الاستخباري الكارثي. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان أي مسؤول رفيع سيواجه عواقب فعلية، لكن يبدو أن هناك رد فعل واحداً مؤكداً: من المرجح أن تطلق طهران حملات تطهير داخلي، وتوسع جهازها الرقابي، وتعتمد على المواطنين العاديين للمشاركة في رصد الأنشطة المشبوهة والإبلاغ عنها. تنفذ إيران أحكام الإعدام فوراً ومن دون محاكمة حقيقية في حق المتهمين بالتعاون مع إسرائيل وعلى رغم ذلك يسعى قادة البلاد إلى الحفاظ على تماسك المجتمع، فخطباء المساجد الموالون للحكومة بدأوا فجأة بمزج أناشيد وطنية أيقونية من حقبة ما قبل الثورة في الطقوس الدينية الشيعية، وهو مزيج من القومية والإسلام السياسي كثيراً ما تجنبه النظام تاريخياً، لكنه يبدو الآن مقبلاً على تبنيه. وعلى نحو مماثل، بدأت وسائل الإعلام الرسمية والمسؤولون المحليون يستحضرون الأساطير الفارسية القديمة التي تعود لما قبل الإسلام في رسائلهم، ويربطون بين شخصيات أسطورية وبين قادة الحرس الثوري الذين قتلوا. وقد أثار هذا المزيج ردود فعل متباينة، إذ اعتبر عدد من الإيرانيين المتشككين أن هذه المبادرات ما هي إلا تحركات انتهازية. لكن مواطنين آخرين شاركوا في هذا التوجه، بعد أن توصلوا إلى قناعة مفادها بأنه لا بد من مواجهة التهديدات الخارجية، بالحكومة الموجودة، وليس بالحكومة التي يشتهون [وصولها إلى السلطة]. ويعتقد بعض الإيرانيين أنه لكي يستمر هذا التماسك الاجتماعي في المستقبل لا بد من أن يتخذ كبار المسؤولين خطوات نحو الاعتدال، فقد اعترفت الحكومة بالدعم المقدم من الإيرانيين الذين كانوا تقليدياً معارضين للنظام، وفي خطوة تحمل إقراراً ضمنياً بأخطاء ماضية، وعدت بمعاملة أفضل للشعب. وقد تطلق سراح سجناء سياسيين وتحسن علاقاتها مع شخصيات معتدلة جرى تهميشها، مثل الرئيسين السابقين محمد خاتمي وحسن روحاني، من أجل إظهار صورة للوحدة الوطنية. ومن الممكن أن تستمر في السماح للنساء بعدم ارتداء الحجاب، وتفتح المجال أمام حرية تعبير أكبر. وقد همشت بالفعل بعض المتشددين الذين دعوا إلى مهاجمة إسرائيل قبل الـ13 من يونيو. (بعض هؤلاء الشخصيات والمحللين كانوا يرون أن البلاد في حالة حرب بالفعل، وبالتالي ويجب أن تبادر إلى وجيه ضربة، حتى لو كان الإقدام على ذلك يحمل خطر إثارة غضب شعب منقسم أصلاً). لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه الوعود بالاعتدال تشير إلى انفتاح حقيقي، يعتقد كثير من الإيرانيين أن النظام سيضاعف من تشدده، معتبراً أن التسامح في وقت الحرب مخاطرة كبيرة، ومراهناً على أن موجة التضامن القومي الحالية تمنحه غطاء لمزيد من القمع مع الحد من ردود الفعل السلبية. على سبيل المثال، شرعت الدولة في تنفيذ أحكام الإعدام فوراً ومن دون محاكمة فعلية في حق المتهمين بالتعاون مع إسرائيل. وأقامت نقاط تفتيش في المدن الكبرى لاعتقال المشتبه بهم، مثلما فعلت خلال ثمانينيات القرن الماضي، وهي آخر مرة تعرضت فيها إيران لهجمات مماثلة. وقد يتبع النظام نهجاً مزدوجاً، فيطلق العنان لبعض الحريات في بعض الجوانب بينما يشدد القيود في جوانب أخرى. فالإيرانيون، في نهاية المطاف، يحملون مشاعر متضاربة تجاه رد فعل الدولة. وقال أحد سكان طهران لصحيفة "فاينانشال تايمز"، عن متطوعي الباسيج شبه العسكريين التابعين للحرس الثوري: "إنه لأمر مقلق، لكنه أيضاً يبعث على الطمأنينة إلى حد ما أن أراهم قرب منزلي، لم أكن أتخيل يوماً أنني سأرى أفراد الباسيج وأشعر بالسعادة". الثبات على المسار بطبيعة الحال، يركز المسؤولون الإسرائيليون والأميركيون على ما إذا كانت طهران تمثل تهديداً لهم أكثر من تركيزهم على ما إذا كانت تمثل تهديداً لشعبها. وبعد عام ونصف عام من الصراع المباشر وغير المباشر، يعتقد كثير منهم أن النظام الإيراني لم يعد بمستوى التهديد نفسه الذي كان عليه سابقاً. ووفقاً لهؤلاء المراقبين، فإن استراتيجية إيران العدوانية في الشرق الأوسط باءت بالفشل، نظراً إلى انهيار "حزب الله" في لبنان، والأسد في سوريا، و"حماس" في غزة، إضافة إلى الأضرار التي لحقت بالجيش الإيراني نفسه. مع ذلك، يرى الحرس الثوري الإيراني الوضع بصورة مختلفة. يعتقد قادته أن استراتيجية الدفاع المتقدم للبلاد، أي محاربة الخصوم من خلال حرب غير متكافئة قرب حدودهم أو داخلها، بدلاً من خوض المعركة على الأرض الإيرانية، أثبتت فعاليتها. فقد نجحت هذه الاستراتيجية في ردع إسرائيل والولايات المتحدة عن مهاجمة إيران لسنوات، مما منح طهران وقتاً ثميناً لبناء البنية التحتية الصناعية والخبرة التقنية والمرونة المؤسسية التي يمكنها الآن استخدامها لإعادة بناء برامجها النووية والصاروخية الباليستية بسرعة، حتى بعد القصف المدمر. كثيراً ما جادل قادة الحرس الثوري بأن عليهم نقل المعركة إلى الخارج لحماية البلاد، زاعمين، على سبيل المثال، أن الفشل في دعم الأسد في دمشق سيؤدي إلى ضربات في طهران. وبطريقة ما، أثبتت التطورات أنهم كانوا على حق. فقد صممت إيران تموضعها الإقليمي لإقامة طبقات من الدفاع من خلال شبكة شركائها المتعددين، معتقدة أن هذه الشبكة الدفاعية ستجبر خصومها على اختراق جبهات متعددة قبل ضرب العمق الإيراني. وهذا، بطبيعة الحال، ما قامت به إسرائيل تماماً. بمعنى آخر، فإن مسار الحرب يسمح للحرس الثوري وحلفائه المتشددين داخل النظام بالزعم أن استراتيجيتهم نجحت كما هو مخطط لها. وقد يبدو من السهل دحض هذا الطرح: فالدفاع المتعدد الطبقات قد أجل الهجمات على الأراضي الإيرانية لكنه لم يمنعها، لكن بالنسبة إلى طهران، فإن هذا التأخير هو الهدف بحد ذاته: فقد منح النظام وقتاً للاستعداد، والتعلم من تكتيكات إسرائيل، وتصوير الحرب على أنها صراع وطني وجودي. لذلك من غير المرجح أن تغير إيران سلوكها بصورة كبيرة بعد هذا الهجوم، على رغم أنها ستجري بعض التعديلات لكي تبين الحقائق الجديدة التي ظهرت خلال عام ونصف عام ماضيين. قد يسعى النظام إلى إعادة تشكيل محور المقاومة من خلال إعادة بناء "حزب الله" كقوة صغيرة أكثر رشاقة وأقرب إلى شكله الأصلي، بدلاً من الجيش شبه النظامي الذي أصبح عليه (مع مواصلة تزويده بقدرات صاروخية متطورة). أما في سوريا، فستحاول طهران استغلال الفراغ السياسي الحالي من خلال تمكين جماعات مسلحة محلية، لكن لن يكون أي من هذه الخطوات سهلاً: فـ"حزب الله" يتعرض لضغوط من المسؤولين اللبنانيين ولا يزال يعاني القصف الإسرائيلي، والحكومة السورية الجديدة التي تعزز سيطرتها على أراضيها، معادية لإيران وبدأت في التقرب من إسرائيل. ومع ذلك ترى طهران فرصاً سانحة، فقد أججت الحرب في غزة غضباً واسع النطاق تجاه إسرائيل في جميع أنحاء المنطقة، مما أدى إلى تعاظم المطالبة الشعبية بتجديد المقاومة في وجه عدو الجمهورية الإسلامية، في الواقع كسبت إيران إعجاب عدد من الشعوب العربية بعد صمودها وضرباتها الصاروخية على الأراضي الإسرائيلية. من المرجح أن تواصل طهران انتهاج سياسة الغموض النووي في الوقت نفسه، أصبحت طهران أكثر تشككاً من أي وقت مضى حيال جدوى الدبلوماسية. فقد أدت صدمة الهجمات، بما في ذلك اغتيال كبار قادة الحرس الثوري ومحاولة فاشلة لقتل المفاوض النووي البارز علي شمخاني، إلى تقويض ما تبقى من صدقية الضمانات الأميركية. في السابق، كانت إيران لا تثق في واشنطن، لكنها كانت ترى في المفاوضات فرصة لتخفيف العقوبات وخفض التصعيد. أما الآن فلن يفترض المسؤولون الإيرانيون أن الولايات المتحدة لن تلتزم بأي اتفاق فحسب، بل سيفترضون أيضاً أن المفاوضات غطاء للإكراه أو العمل العسكري، خصوصاً وأن الهجوم الإسرائيلي وقع قبل يومين فقط من محادثات كانت مقررة بين طهران وواشنطن. مع ذلك من المرجح أن تظل إيران منخرطة في الدبلوماسية، جامعة بين أقصى درجات المقاومة للنظام الإقليمي وأقصى درجات الدبلوماسية، في محاولة لتوضيح خطوطها الحمراء والكشف عما تعتبره نفاقاً غربياً. وبهذه الطريقة، تستطيع طهران تسويغ مواقفها أمام جمهورها الداخلي والخارجي، وزيادة الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة. مع ذلك لا يبدو أن إيران تتجه بسرعة نحو امتلاك السلاح النووي، إذ إن تجاوزها عتبة التحول إلى دولة نووية، سيثبت صحة الاتهامات التي كثيراً ما نفتها طهران، ويخاطر بإشعال صراع أوسع مع القوات الأميركية، كما أن إيران لا ترى في الأسلحة النووية بديلاً عن جيش تقليدي قوي، فهي دولة مترامية الأطراف ذات حدود يسهل اختراقها مع عدد من الدول المجاورة غير المستقرة، وهي متورطة في نزاعات إقليمية متداخلة حول حقول النفط والموارد المائية والحدود البحرية. وهذه التحديات الخارجية تتفاقم بسبب نقاط الضعف الداخلية في إيران، بما في ذلك التوترات العرقية المزمنة على طول المناطق الحدودية. وتاريخ إيران مديد وحافل بالغزوات الأجنبية والتأثيرات الخارجية، لذا ثمة داع يعتد به وراء تمسك قادة إيران عبر الأجيال بالاستثمار بكثافة في بناء جيش تقليدي قوي، بغض النظر عن طبيعة النظام الحاكم. وبدلاً من الإسراع نحو امتلاك قنبلة نووية، من المرجح أن تواصل طهران انتهاج سياسة الغموض النووي، من خلال تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ويمثل هذا الموقف أيضاً وسيلة للضغط على الوكالة لكي تحول في المستقبل دون أية هجمات على إيران، إذ لا يمكن للوكالة استئناف عمليات التفتيش إلا إذا توقف التهديد لمواقع إيران النووية. وتعتقد طهران أن هذا النهج، الذي يخفي أنشطة التخصيب، سيمنحها مرونة أكبر لتطوير برنامجها من دون أن تثير الانتباه. إضافة إلى ذلك، ترى طهران أن تعليق التعاون هو جزاء مستحق للوكالة: إذ يشعر المسؤولون الإيرانيون بالغضب لأن الوكالة لم تدن الهجمات الإسرائيلية والأميركية، على رغم أن إيران طرف في معاهدة حظر الانتشار النووي (وقد هددت بالانسحاب منها)، التي تقر لأعضائها بحق الاستخدام السلمي للطاقة النووية. في الواقع، يعتقد المسؤولون الإيرانيون أن الوكالة زودت إسرائيل والولايات المتحدة بمعلومات استخبارية مفيدة، استغلت لتبرير الهجمات. وكما أشارت طهران، أصدرت الوكالة تقريراً قبل أيام قليلة من الهجوم، ذكرت فيه أن تعاون إيران مع مفتشي الوكالة كان "غير مرض". لكن هذا لا يعني أن إيران ستصنع سلاحاً نووياً في النهاية، ويبقى السؤال عما إذا كانت ستحوز طهران على الرادع المطلق [وسيلة الردع القصوى]، ومتى قد يحدث ذلك. لكن ما هو واضح بالفعل هو أن إيران لم تنكسر، ومن غير المرجح أن تعتمد سلوكاً جديداً يختلف عن الماضي. وهذا يعني أن إسرائيل قد تقرر شن ضربة جديدة، ومن الممكن أن ترد إيران بسرعة، فالنزاع بين الطرفين لم ينته بعد ولم يبلغ خواتيمه، وأبواب الاضطرابات مشرعة على الشرق الأوسط في المرحلة المقبلة. *محمد آية الله طبار،باحث في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، وأستاذ مساعد للشؤون الدولية في كلية بوش للإدارة الحكومية والخدمات العامة بجامعة تكساس "إي أند أم"، وزميل في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس، وهو مؤلف كتاب "فن الحكم الديني: السياسة الإسلامية في إيران". مترجم من فورين أفيرز، 8 يوليو (تموز)، 2025