logo
د. بلال شنيكات يكتب : هل أخطأ الوزير؟ قراءة موضوعية في تصريحات النزاهة الأكاديمية

د. بلال شنيكات يكتب : هل أخطأ الوزير؟ قراءة موضوعية في تصريحات النزاهة الأكاديمية

أخبارنامنذ 3 أيام
أخبارنا :
د. بلال شنيكات ــ الشارقة
تابع المجتمع الأكاديمي في الأردن وخارجه باهتمام بالغ التصريحات الأخيرة المنسوبة إلى معالي وزير التعليم العالي حول مؤشر النزاهة الأكاديمية في الجامعات الأردنية، وهو مؤشر طوره أحد الأساتذة في الجامعة الأمريكية في بيروت. أثارت هذه التصريحات جدلاً واسعاً، بين من رأى فيها شجاعة في الطرح، وبين من اعتبرها غير مناسبة من حيث الوسيلة والتوقيت.
أولًا: ما قاله الوزير يعكس واقعاً لا يمكن إنكاره، وهو واقع يتحدث عنه كثير من الأكاديميين في جلساتهم الخاصة، لكن نادراً ما يُطرح بشكل علني. الإشكالية لم تكن في المضمون بقدر ما كانت في الأسلوب؛ إذ كان من الأفضل، وربما الأجدى، طرح الموضوع في اجتماع مغلق مع رؤساء الجامعات الأردنية، وفتح حوار وطني حول جودة البحث العلمي ومخاطر تراجع النزاهة.
ثانيًا: من المؤسف أن البعض انبرى لمهاجمة الوزير شخصياً والتشكيك في صدقية ما قاله، بدل التوقف عند جوهر القضية. كثير من هذه الانتقادات جاءت من خارج الوسط الأكاديمي، أو من أكاديميين لا يتابعون بعمق النقاشات العالمية الجارية بشأن النزاهة البحثية، ولا يدركون كيف تتعامل الجامعات الغربية بصرامة مع أي إخلال بمعايير البحث العلمي.
ثالثًا: مؤشر مخاطر نزاهة البحث الذي أشار إليه الوزير ليس مؤشراً عشوائياً، بل يقوم على معيارين رئيسيين:
1. مخاطر السحب (Retraction Risk): ويقيس مدى احتواء الإنتاج البحثي للمؤسسة على مقالات تم سحبها لأسباب أخلاقية أو علمية جسيمة، ويُحسب بعدد المقالات المسحوبة لكل 1000 مقالة منشورة خلال العامين الأخيرين.
2. مخاطر النشر في مجلات محذوفة (Delisted Journal Risk): ويقيس نسبة الأبحاث المنشورة في مجلات تم حذفها من قواعد بيانات Scopus أو Web of Science بسبب خروقات في آليات النشر أو المراجعة.
هذه المعايير تعتمدها جهات دولية مرموقة، وحذف المجلات من قواعد البيانات لا يتم اعتباطاً، بل بناءً على رصد خوارزمي وشكاوى رسمية، وأداء ضعيف في مؤشرات مثل معدلات الاقتباس أو الزيادة المفاجئة في عدد المقالات. وبالتالي، من الظلم وصف هذا المؤشر بعدم المصداقية دون الاطلاع الدقيق على آلياته.
رابعًا: من أبرز مسببات تراجع النزاهة في البحث العلمي في بعض المؤسسات الأكاديمية الأردنية هو الانشغال المحموم بتحقيق مراتب متقدمة في التصنيفات العالمية، وخصوصًا QS وتصنيف Times، واللذَين يركزان بدرجة كبيرة على الكمّ لا النوع. هذا ما دفع جامعات أوروبية عريقة مثل أوتريخت (هولندا) وزيورخ (سويسرا) إلى الانسحاب من تلك التصنيفات. ونتيجة لذلك التسابق الكبير لتسجيل مراكز متقدمة في التصنيفات، تطلب الجامعات من عضو هيئة التدريس أن ينشر أكبر عدد ممكن من الأبحاث في ظل عبء تدريسي وإداري كبير، مما قد يفتح الباب أمام ممارسات غير أخلاقية.
خامسًا: النزاهة البحثية ليست أزمة أردنية فحسب، بل قضية عالمية. وهناك حالات شهيرة لأكاديميين في جامعات مرموقة في الولايات المتحدة وأوروبا فقدوا وظائفهم بعد انكشاف تلاعبهم أو إخلالهم بالمعايير الأخلاقية في البحث العلمي.
خلاصة القول: التصريحات الأخيرة يجب أن تكون دافعاً نحو مراجعة السياسات البحثية، وتعزيز ثقافة النزاهة، وربط البحث العلمي بقيم الجودة والأصالة، لا بالكمّ والمنافسة الشكلية. النقاش الصادق هو السبيل الوحيد لتطوير التعليم العالي والبحث العلمي، وهو ما نحتاجه الآن أكثر من أي وقت مضى.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

د. رعد مبيضين يكتب: جامعاتنا الأردنية ،حصون علم وصروح إنجاز لا تُنكر .. !!
د. رعد مبيضين يكتب: جامعاتنا الأردنية ،حصون علم وصروح إنجاز لا تُنكر .. !!

سرايا الإخبارية

timeمنذ 9 ساعات

  • سرايا الإخبارية

د. رعد مبيضين يكتب: جامعاتنا الأردنية ،حصون علم وصروح إنجاز لا تُنكر .. !!

بقلم : في ظل موجة الانتقادات الصاخبة التي تصاعدت مؤخراً ضد جامعاتنا الأردنية، ومع صدور مؤشرات عالمية تُلمّح إلى ضعف النزاهة البحثية أو تراجع بعض التصنيفات، برزت حاجة وطنية وأكاديمية للحديث بعمق علمي متزن، ينصف الحقيقة ولا يركن للتشهير، ويوازن بين النقد البنّاء والدفاع الموضوعي، حماية لمنجزات وطنية لا يجوز أن تُختزل أو تُجتزأ تحت ضغط الإثارة الإعلامية أو الخطابات المتسرّعة ، ودعونا هنا نتوقف عند نقاط غاية في الأهمية ، وهي على النحو التالي : 1. الإرث الأكاديمي ، ذاكرة وطنية تستحق الاحترام ،فمنذ تأسيس الجامعة الأردنية عام 1962، كأول جامعة وطنية، لم يكن التعليم العالي في الأردن مجرد وسيلة معرفية، بل مشروعًا استراتيجيًا للنهوض الاجتماعي والاقتصادي ، حيث أنشئت الجامعات الأردنية في بيئة إقليمية شحيحة الموارد، لكنها استطاعت، بالإرادة والكفاءة، أن تنتج نخبة واسعة من الكفاءات في الطب، والهندسة، والعلوم، والآداب، والقانون، والتعليم، والبحث العلمي ، فأكثر من 350 ألف طالب وطالبة موزّعين على 32 جامعة (10 رسمية و22 خاصة)، يشكّلون نواة وطنية للتنمية، ويجعلون من الأردن اليوم أحد أكثر الدول العربية تصديرًا للكفاءات العلمية، وأحد أبرز مزوّدي المنطقة بالخبرات التعليمية والطبية والبحثية. 2. البحث العلمي ، جهود تفوق الإمكانيات ، سيما وأنه رغم التحديات المالية، فإن إنفاق الجامعات الأردنية على البحث العلمي بلغ في بعض الجامعات 4% من ميزانياتها العامة، وهو رقم جيد مقارنة بالمعدل الإقليمي، خصوصًا في ظل غياب دعم حكومي كافٍ، وتراجع تمويل صندوق دعم البحث العلمي الذي ظل يعاني من فجوة في التخصيصات ، وقد أظهرت قاعدة بيانات Scopus للعام 2023 أن عدد الأبحاث المنشورة من الأردن بلغ أكثر من 15,000 بحث علمي في سنة واحدة، وكان للأردن حضور مهم في مجالات الذكاء الاصطناعي، وعلوم النانو، والطاقة المتجددة، والتعليم الطبي، ما يدل على أن منظومتنا البحثية لا تزال فاعلة رغم القيود ، وشح الموارد المالية . 3. حول مؤشرات النزاهة: لا التعميم على المؤسسات كلها ، أما فيما يتعلق بتقرير مؤشر النزاهة البحثية، والذي صنّف الجامعات الأردنية ضمن الفئة "الحمراء"، فمن المهم أولاً فهم آلية هذا التصنيف، والتي تعتمد على نسب الإبلاغ عن سرقة الأبحاث أو إساءة استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، أو التلاعب بالمؤشرات، دون أن تأخذ بالاعتبار السياقات المحلية، أو قدرة الدول على الرصد الداخلي ، ومن هنا، فإن إطلاق التعميم بأن "جامعاتنا تفتقر للنزاهة العلمية" ليس فقط ظلماً، بل هو تجاوز خطير يُسيء لسمعة التعليم العالي الأردني عربيًا ودوليًا ، ومثل هذه التقارير يجب أن تُؤخذ كمؤشرات تحفيز على الإصلاح، لا كأحكام جاهزة لتصفية الحسابات أو النيل من منجزات عشرات السنين. 4. الجودة الأكاديمية ، أنظمة صارمة وإصلاحات متراكمة ، حيث تخضع الجامعات الأردنية اليوم لنظام صارم من الاعتماد العام والخاص، ومراقبة دقيقة من هيئة الاعتماد وضمان الجودة، كما أن كل البرامج الدراسية تمر بمراجعات دورية، وربط النتائج بمخرجات سوق العمل ، لا بل وتُعتبر جامعات كـ"الأردنية"، و"العلوم والتكنولوجيا"، و"اليرموك"، و"الهاشمية"، من بين الجامعات التي تحقق أداءً عاليًا في التصنيفات العالمية، ووفقًا لتقرير QS Ranking 2025، فإن 4 جامعات أردنية دخلت التصنيف العالمي العام، وأكثر من 6 في تخصصات دقيقة. 5. جامعاتنا في الخارج ، حضور مشرف ومطلوب ، ولعله من اللافت أن الجامعات الأردنية لا تُخرّج فقط أردنيين، بل طلابًا عربًا وأجانبًا من أكثر من 40 جنسية، أغلبهم يعودون إلى دولهم سفراء للعلم الأردني ، كما تحتفظ الكفاءات الأردنية بأدوار قيادية في جامعات الخليج، ومراكز الأبحاث الأوروبية، والجامعات الأمريكية، وهو ما يُثبت جودة المخرجات الأكاديمية الأردنية. 6. الدفاع عن جامعاتنا ليس ترفًا، بل ضرورة وطنية ، و نحن هنا لا نبرر أخطاء من تسوّل له نفسه التزوير أو التلاعب، بل نقولها بوضوح : "لا تهاون مع التزوير أو التزييف، لكن لا يجوز أن يُختزل تاريخ جامعاتنا في انتهاكات فردية." ، فالتحديات لا تواجه الجامعات الأردنية فقط، بل هي همّ عالمي تعاني منه حتى أعرق الجامعات العالمية ، لكن ما يميز المجتمعات الواعية هو قدرتها على مواجهة الخلل دون أن تهدم الجسور، وتقدير جهود العاملين دون أن تُغرقهم في دوامة اللوم الجماعي ، و ختامًا.نقول للجميع : جامعاتنا الأردنية هي صروح إنجاز لا تُنكر، وشهاداتها لا تزال موثوقة، وأساتذتها مرموقون، وباحثوها يواصلون مشوار العطاء رغم التحديات ، وإن كنا نريد إصلاح التعليم العالي، فلنبدأ بتعزيز الشراكات، وتحفيز التمويل، وتجديد الخطط البحثية، بدلًا من تصدّر المشهد بخطابات الإدانة الفارغة ، سيما وأن أي مشروع وطني للتنمية يبدأ وينتهي من بوابة الجامعات ، فلنحسن فتح هذه البوابة، لا أن نغلقها بالتشكيك والإحباط ... !! خادم الإنسانية . مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .

محمد ابو رمان : تصنيف الجامعات.. بين سوء الفهم وحقيقة التحوّل
محمد ابو رمان : تصنيف الجامعات.. بين سوء الفهم وحقيقة التحوّل

أخبارنا

timeمنذ 13 ساعات

  • أخبارنا

محمد ابو رمان : تصنيف الجامعات.. بين سوء الفهم وحقيقة التحوّل

أخبارنا : أثارت تصريحات وزير التربية والتعليم والتعليم العالي، عزمي محافظة، حول تصنيف الجامعات الأردنية، جدلاً واسعاً، لم يكن كله علمياً أو هادئاً، بل انزلق البعض إلى الشخصنة وسوء الفهم، في الوقت الذي استند فيه الوزير إلى ملاحظة واقعية استخدم فيها تعبير «جامعات»، لا للتعميم، بل لوصف ظاهرة موجودة، وتستحق الوقوف عندها بمسؤولية لا بمبالغات، ومن المعروف عن د. عزمي جرأته وصراحته ودقته، بما لا ينسجم مع كثير من الاستنتاجات والتأويلات التي أخرجت تصريحاته بصورة كاملة عن سياقها! هذا الجدل فتح الباب لطرح تساؤلات أعمق وأكثر أهمية حول حال التعليم العالي في الأردن، وهو أمر جيد في ذاته إن أخذ بوعي، لأنّه لا يخفى على أحد أنّ التعليم العالي لدينا ليس في أفضل أحواله، وأنّه شهد تراجعاً ملحوظاً خلال العقود الماضية مقارنة بالبدايات الطموحة التي رافقت تأسيس الجامعات الوطنية. مررنا بمراحل صعبة، سواء على مستوى البنية الأكاديمية أو مخرجات التعليم أو حتى ظواهر مقلقة كالعنف الجامعي، ناهيك عن ضعف البحث العلمي، خصوصاً في حقول العلوم الاجتماعية والإنسانية. في المقابل من غير المنصف تجاهل التحولات الإيجابية التي تشهدها العديد من الجامعات الأردنية اليوم، سواء في تطوير البنية التحتية، أو تجديد أدوات وأساليب التدريس، أو التوسع في الابتعاث الأكاديمي، أو حتى في إعادة الاعتبار لمفاهيم الجودة والاعتمادات الدولية، التي لم تكن من صميم التفكير الجامعي في المراحل السابقة. هنالك يقظة حقيقية في بعض الجامعات، واستفاقة لضرورة الانخراط في معايير الجودة العالمية، بل وتحقيق بعض الإنجازات اللافتة التي يجب أن تُذكر وتُكرّم لا أن تُطمس في خضم الجدل. ولعلّ إحدى أهم هذه النقاط تتمثل في موضوع تصنيف الجامعات، الذي يبدو أنّه لا يزال غير مفهوم بدقة - لدى كثيرين ممن تناولوا تصريحات الوزير- وكأنّه موضوع هامشي أو اختياري أو لا صلة له بجوهر العملية التعليمية. والحقيقة غير ذلك تماماً. فالتصنيفات العالمية، مثل QS وTimes Higher Education، أصبحت اليوم بمثابة «بطاقة الهوية» للجامعات، تحدد سمعتها، وجاذبيتها للطلاب المحليين والدوليين، وتنعكس بشكل مباشر على خريجيها في سوق العمل. الجامعات الغربية والعربية أيضاً باتت تولي هذه التصنيفات اهتماماً بالغاً، لأنها تدرك أن موقعها في هذه القوائم هو أحد أهم مقاييس النجاح في عصر تنافسي مفتوح لا يرحم. تجاوز الجامعة الأردنية لعدد كبير من الجامعات العالمية مؤخراً ليس مجرد «رقم» في قائمة، بل هو حصيلة جهد وتراكم طويل في تطوير المخرجات، وتحسين جودة التعليم، والارتباط بسوق العمل، والدخول في شراكات علمية ومجتمعية حقيقية. من يرى أن التصنيف مجرد ترف أو مظهر خارجي، يغفل أن معاييره تشمل الاقتباسات العلمية، ونسب التوظيف، والبحث العلمي، والتنوع الطلابي، والانخراط المجتمعي، والسمعة الأكاديمية – وهي جميعها مؤشرات نوعية جوهرية. صحيح أنّ بعض المؤشرات في التصنيفات بحاجة إلى مراجعة علمية، وبأنّ هنالك «اقتصاداً» كاملاً يقوم اليوم على هذه التصنيفات من قبل بعض الشركات العالمية، لكن هذا لا ينفي أهمية أن نخضع لها، ونحاول فهمها، وأن نطوّر أداءنا بناءً عليها، لا أن ننكر وجودها أو نقلل من أثرها. بل إنّ النقد الحقيقي يجب أن يأتي من داخل الحقل الأكاديمي نفسه، من المتخصصين والخبراء، لا من ردود فعل انفعالية أو غير دقيقة. ما هو مشجّع اليوم أنّ بعض الجامعات، بخاصة الجامعة الأردنية وجامعة العلوم والتكنولوجيا، بدأت فعلًا تتحرّك في الاتجاه الصحيح: برامج للإعداد الوظيفي، تطوير في البنية الرقمية، قاعات تدريس حديثة، تقليص ظواهر العنف، شراكات حقيقية مع القطاع الخاص، وتشبيك فعّال مع سوق العمل، تقدم مدهش في التصنيف الدولي للجامعات، ابتعاث أعداد كبيرة من طلاب الدراسات العليا للدراسة في أفضل الجامعات العالمية، والدخول بقوة إلى مجال الاعتمادات الدولية لتخصصات الجامعة،بما يجعلها مركزاً إقليمياً للتعليم العالي في المنطقة، فهذه المؤشرات يجب أن تُدعم وتُعزّز، لأنّها تشكّل الملامح الأولى لمسار تصحيحي طال انتظاره. في النهاية، لا أحد يعترض على أن يكون هناك نقد لمسيرة التعليم العالي، بل هو ضروري، لكن النقد الحقيقي لا يجب أن يكون إنكاراً للإنجازات، أو تقليلاً من الجهود، بل تفعيلاً للعقلية النقدية من داخل المنظومة نفسها، ومراكمة على ما تحقق، لتستعيد الجامعات الأردنية مكانتها التي تستحقها – لا فقط في الذاكرة، بل على أرض الواقع.

تصنيف الجامعات.. بين سوء الفهم وحقيقة التحوّل
تصنيف الجامعات.. بين سوء الفهم وحقيقة التحوّل

الدستور

timeمنذ 14 ساعات

  • الدستور

تصنيف الجامعات.. بين سوء الفهم وحقيقة التحوّل

أثارت تصريحات وزير التربية والتعليم والتعليم العالي، عزمي محافظة، حول تصنيف الجامعات الأردنية، جدلاً واسعاً، لم يكن كله علمياً أو هادئاً، بل انزلق البعض إلى الشخصنة وسوء الفهم، في الوقت الذي استند فيه الوزير إلى ملاحظة واقعية استخدم فيها تعبير «جامعات»، لا للتعميم، بل لوصف ظاهرة موجودة، وتستحق الوقوف عندها بمسؤولية لا بمبالغات، ومن المعروف عن د. عزمي جرأته وصراحته ودقته، بما لا ينسجم مع كثير من الاستنتاجات والتأويلات التي أخرجت تصريحاته بصورة كاملة عن سياقها!هذا الجدل فتح الباب لطرح تساؤلات أعمق وأكثر أهمية حول حال التعليم العالي في الأردن، وهو أمر جيد في ذاته إن أخذ بوعي، لأنّه لا يخفى على أحد أنّ التعليم العالي لدينا ليس في أفضل أحواله، وأنّه شهد تراجعاً ملحوظاً خلال العقود الماضية مقارنة بالبدايات الطموحة التي رافقت تأسيس الجامعات الوطنية. مررنا بمراحل صعبة، سواء على مستوى البنية الأكاديمية أو مخرجات التعليم أو حتى ظواهر مقلقة كالعنف الجامعي، ناهيك عن ضعف البحث العلمي، خصوصاً في حقول العلوم الاجتماعية والإنسانية.في المقابل من غير المنصف تجاهل التحولات الإيجابية التي تشهدها العديد من الجامعات الأردنية اليوم، سواء في تطوير البنية التحتية، أو تجديد أدوات وأساليب التدريس، أو التوسع في الابتعاث الأكاديمي، أو حتى في إعادة الاعتبار لمفاهيم الجودة والاعتمادات الدولية، التي لم تكن من صميم التفكير الجامعي في المراحل السابقة. هنالك يقظة حقيقية في بعض الجامعات، واستفاقة لضرورة الانخراط في معايير الجودة العالمية، بل وتحقيق بعض الإنجازات اللافتة التي يجب أن تُذكر وتُكرّم لا أن تُطمس في خضم الجدل.ولعلّ إحدى أهم هذه النقاط تتمثل في موضوع تصنيف الجامعات، الذي يبدو أنّه لا يزال غير مفهوم بدقة - لدى كثيرين ممن تناولوا تصريحات الوزير- وكأنّه موضوع هامشي أو اختياري أو لا صلة له بجوهر العملية التعليمية. والحقيقة غير ذلك تماماً.فالتصنيفات العالمية، مثل QS وTimes Higher Education، أصبحت اليوم بمثابة «بطاقة الهوية» للجامعات، تحدد سمعتها، وجاذبيتها للطلاب المحليين والدوليين، وتنعكس بشكل مباشر على خريجيها في سوق العمل. الجامعات الغربية والعربية أيضاً باتت تولي هذه التصنيفات اهتماماً بالغاً، لأنها تدرك أن موقعها في هذه القوائم هو أحد أهم مقاييس النجاح في عصر تنافسي مفتوح لا يرحم.تجاوز الجامعة الأردنية لعدد كبير من الجامعات العالمية مؤخراً ليس مجرد «رقم» في قائمة، بل هو حصيلة جهد وتراكم طويل في تطوير المخرجات، وتحسين جودة التعليم، والارتباط بسوق العمل، والدخول في شراكات علمية ومجتمعية حقيقية. من يرى أن التصنيف مجرد ترف أو مظهر خارجي، يغفل أن معاييره تشمل الاقتباسات العلمية، ونسب التوظيف، والبحث العلمي، والتنوع الطلابي، والانخراط المجتمعي، والسمعة الأكاديمية – وهي جميعها مؤشرات نوعية جوهرية.صحيح أنّ بعض المؤشرات في التصنيفات بحاجة إلى مراجعة علمية، وبأنّ هنالك «اقتصاداً» كاملاً يقوم اليوم على هذه التصنيفات من قبل بعض الشركات العالمية، لكن هذا لا ينفي أهمية أن نخضع لها، ونحاول فهمها، وأن نطوّر أداءنا بناءً عليها، لا أن ننكر وجودها أو نقلل من أثرها. بل إنّ النقد الحقيقي يجب أن يأتي من داخل الحقل الأكاديمي نفسه، من المتخصصين والخبراء، لا من ردود فعل انفعالية أو غير دقيقة.ما هو مشجّع اليوم أنّ بعض الجامعات، بخاصة الجامعة الأردنية وجامعة العلوم والتكنولوجيا، بدأت فعلًا تتحرّك في الاتجاه الصحيح: برامج للإعداد الوظيفي، تطوير في البنية الرقمية، قاعات تدريس حديثة، تقليص ظواهر العنف، شراكات حقيقية مع القطاع الخاص، وتشبيك فعّال مع سوق العمل، تقدم مدهش في التصنيف الدولي للجامعات، ابتعاث أعداد كبيرة من طلاب الدراسات العليا للدراسة في أفضل الجامعات العالمية، والدخول بقوة إلى مجال الاعتمادات الدولية لتخصصات الجامعة،بما يجعلها مركزاً إقليمياً للتعليم العالي في المنطقة، فهذه المؤشرات يجب أن تُدعم وتُعزّز، لأنّها تشكّل الملامح الأولى لمسار تصحيحي طال انتظاره.في النهاية، لا أحد يعترض على أن يكون هناك نقد لمسيرة التعليم العالي، بل هو ضروري، لكن النقد الحقيقي لا يجب أن يكون إنكاراً للإنجازات، أو تقليلاً من الجهود، بل تفعيلاً للعقلية النقدية من داخل المنظومة نفسها، ومراكمة على ما تحقق، لتستعيد الجامعات الأردنية مكانتها التي تستحقها – لا فقط في الذاكرة، بل على أرض الواقع.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store