
«سمسم» فيلم أردني صُنع بأيادٍ شابة... كي تحطّم المرأة الأقفاص
سمسم انعكاسٌ على الشاشة الكبيرة لحكايات نساءٍ كثيرات يعشن أسيراتٍ على أرض الواقع. من خلال تلك الشخصية، أرادت مخرجة الفيلم الأردني سندس السميرات وكاتبته تمارا عويس، أن ترفعا صوت المرأة الأردنية على طريقتَيهما.
A post shared by Noamani Art Production (@noamanii.production)
«سمسم» مشروعٌ سينمائيّ غير اعتياديّ، فهو نتاج ورشة عمل تبنّتها «الهيئة الملكيّة الأردنية للأفلام» دعماً للمواهب الناشئة في محافظة إربد شمالي العاصمة عمّان. أثمر عن تلك الورشة فريق عملٍ كامل من صنّاع الأفلام الشباب، الذين انطلقوا في مشروعهم بدعمٍ إنتاجيّ من الهيئة.
من الكتابة إلى المونتاج مروراً بالتصوير الذي استغرق نحو الشهر، ها هي المسيرة تُتوّج بالعرض العالمي والعربي الأول في بلد المنشأ، من ضمن فعاليات «مهرجان عمّان السينمائي الدولي»، الذي يُفرد مساحة خاصة لأولى الأفلام في مسيرة صنّاعها.
فريق عمل فيلم «سمسم» قبيل العرض الأول ضمن مهرجان عمّان السينمائي (الشرق الأوسط)
على توقيت غروب عمّان وفي الهواء الطلق، انطلق العرض في مقر الهيئة. لم يتأخر الحاضرون الذين ضاقت بهم المقاعد والأدراج، في التفاعل مع قصة سمسم التي أدّتها بتميّز الممثلة الصاعدة سجى كيلاني. ضحكوا كثيراً لمشاهد زوجها، الممثل مجد عيد، والذي قدّم أداءً مقنعاً وخفيف الظل. هو ليس الزوج المعنّف ولا المؤذي، غير أن سمسم ما عادت تريد ذاك الرجل الذي لا يشبهها في شيء والذي ارتبطت به بأمرٍ من والدها.
يلعب الفيلم على أوتار الرموز، فيسير على إيقاع صعود سمسم إلى سطح المنزل، حيث تعيش مع ابنتها ووالدتها، لمعاينة خزّان المياه. كلما ذهبت لتصليح العطل الذي فيه، رأينا وجهها يطفو على سطح مياه الخزّان، لتستيقظ بعد ذلك مذعورةً من كابوس.
عرضٌ في الهواء الطلق في مركز الهيئة الملكية للأفلام (الشرق الأوسط)
في حوار مع «الشرق الأوسط»، تتحدث المخرجة سندس السميرات عن تلك الرمزية: «تعاني سمسم من الضيق والاختناق بسبب حياتها الضاغطة». تضيف الشابة المتخرّجة حديثاً، والتي تخوض أولى تجاربها ضمن فيلم روائي طويل، أنها محظوظة شخصياً بوالدَين فتحا أمامها نوافذ الحرية لتحقق طموحها المهني في الإخراج. «رغم التحديات المجتمعية وصرامة التقاليد في منطقتنا، ورغم كلام الناس، انطلقت إلى حيث أريد والآن حان دوري كي أطلق أصوات النساء الصامتات من خلال أعمالي».
الطيور رمزٌ ثانٍ في الفيلم يتأرجح بين مفهومَي الأسر والحرية، وهو يتلاقى مع قضية طلاق المرأة. فزوج سمسم مربّي طيور ودجاج، والحساسين و«الدواري» تملأ وقته وتفكيره. كما أن زميلتها في العمل ابنةُ رجل معروف في تربية الطيور. كذلك في استوديو التصوير الفوتوغرافي حيث تعمل، ببغاء يعيش خارج القفص، وهو بمثابة الابن المدلّل لمديرة المحلّ «صباح»، والتي تجسّد المرأة المستقلّة والمتحررة.
لا تجهد سمسم فقط من أجل تحطيم القفص الزوجيّ، بل تريد أن تفرد جناحَيها خارج البلاد. تتواصل مع رجلٍ مقيمٍ في أوروبا ويتفقان على الارتباط، في ظنٍ منها بأن هذا هو حبل الخلاص. غير أن تطوّر الأحداث سيأخذها في اتجاهاتٍ أخرى، وسيطوّر مفهوم الحرية لديها.
مخرجة الفيلم سندس السميرات تخوض تجربتها الأولى ضمن فيلم روائي طويل (إنستغرام)
«سمسم» فيلمٌ اجتماعيّ ابنُ بيئته، وليس مستغرباً بالتالي أن يكون المرشّح الأوفر حظاً إلى جائزة الجمهور في مهرجان عمّان. صحيح أنّ الحبكة تفقد تماسُكَها في بعض الأحيان، مما يشتّت اهتمام المُشاهد، غير أنّ أداء الممثلين جميعاً يشكّل رافعةً للفيلم.
بالنسبة إلى تجربةٍ سينمائية أولى أنجزَها فريقٌ كامل من الخرّيجين الجدد والمواهب الأردنية الناشئة في مجال صناعة الأفلام، فالعمل يستحقّ التحية. لم يكتفِ ببَذل أقصى جهدٍ ممكن على مستوى الشكل تصويراً وإخراجاً وتمثيلاً، بل طرح قضيته بجرأة، وسط بيئةٍ لا تزال تقمع صوت المرأة التي تعاني في زواجها. تقول المخرجة سندس السميرات في هذا الإطار إن اختيار الموضوع لم يأتِ عبثاً، بل هو منبثقٌ من الواقع «لا سيّما عندنا في قرى إربد، حيث ما زال الطلاق يُعتبر عيباً بالنسبة للمرأة، كما أن القانون غالباً ما يقف في صف الرجل».
حوار بين الجمهور وفريق الفيلم بعد العرض (إدارة المهرجان)
سنةً تلو أخرى، ومهرجاناً تلو آخر، تُرسّخ السينما الأردنية الشابة اهتمامها بقضايا المرأة، ومن الواضح أن المتلقّين يتجاوبون مع هذا المحتوى الهادف. فالفيلم الذي نال جائزة الجمهور خلال الدورة الماضية من المهرجان «إن شاء الله ولد»، تطرّق هو الآخر إلى القضية ذاتها. من الواضح إذن أن غالبية صنّاع الأفلام الشباب يرغبون في أن يكونوا أصواتاً لمجتمعهم وأن يستقوا حكاياتهم من صلب واقعها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 2 ساعات
- الشرق الأوسط
سيلاوي لـ«الشرق الأوسط»: ألبومي الجديد يُلخّص عذاب حياتي
أطلق الفنان الأردني سيلاوي ألبومه الجديد (Bipolar) الذي يتضمن مجموعة كبيرة من الأغاني التي قرر جمعها في عمل واحد؛ إيماناً منه بأن الأفكار التي تحملها يجب أن تُروى معاً، وأن التجربة الكاملة ستترك أثراً أقوى لدى الجمهور. وكشف سيلاوي في حواره مع «الشرق الأوسط» عن تفاصيل ألبومه الجديد، وقصة معاناته مع والدته، وإمكانية دخوله عالم التمثيل. سيلاوي على غلاف ألبومه الغنائي الجديد (حسابه على انستغرام) اختيار سيلاوي اسم (Bipolar) أو «مرض اضطراب ثنائي القطب» عنواناً لألبومه، لم يكن صدفة، لكنه يحمل دلالات شخصية عميقة تعكس مشاعر متضاربة وتجربة حياتية مؤلمة مر بها سيلاوي: «الملامح التي عشتها في تلك المرحلة كانت نتيجة لتجربتي مع والدتي، وأنا قررت أخيراً أن أقول الحقيقة، حتى لو أغضب ذلك البعض، هذه هي حياتي التي عانيت فيها كثيراً، وأحببت أن أُظهِر لجمهوري كل ما عانيته في حياتي من عذاب». وتُعد أغنية «محكمة الدني» الأبرز والأجرأ في الألبوم، إذ تبرز مشاعر الألم والخذلان، التي مر بها خلال حياته، والتي فسرها قائلاً: «كان لا بد أن تُبصر قصة حياتي مع والدتي النور، ورأيت أن أهدي كل أم أو أب ترك أولاده في صغرهم هذه الأغنية، ليروا كيف يمكن أن تدمر حياتهم بسبب هذه المواقف الصعبة». لا يحمل سيلاوي أي خلافات مع الفنانين ومنفتح دوماً على الغناء المشترك والعمل الفني النزيه (حسابه على انستغرام) سيلاوي اعترف بأن هذه الأغنية كانت مصدراً لصراع داخلي يعاني منه، مشيراً إلى أن «البوح بالحقيقة كان خطوة صعبة لكنها ضرورية». وأوضح أن «قرار الحديث عنها لم يكن بدافع استدرار العاطفة أو الشفقة، بل لرغبته في عرض الحقيقة كما هي؛ فأنا لا أعرض معاناتي لأكسب تعاطف الناس، بل لأقول الحقيقة». وفق تعبيره. وتحدث سيلاوي عن ذكريات أليمة رافقته منذ أن كان طفلاً حين غادرت والدته، وتفاقمت العلاقة لاحقاً حتى وصلت إلى أروقة المحاكم: «حين بلغت العشرين من عمري فوجئت بدعوى قضائية ضدي من أُمي، بعد أن تركتني طفلاً رضيعاً، وطيلة سنوات حياتي مررت برحلة عذاب طويلة، لن أتحدث عنها حالياً، تعرضت خلالها لتشخيصات نفسية عديدة، ومن هنا استلهمت اسم الألبوم Bipolar ليحمل كل تلك الاضطرابات والمشاعر المتشابكة». ورغم «كل هذه التوترات، يظل والدي الداعم الأكبر في حياتي، حيث يشاركني في اختيار الأغنيات، ما يعكس توازناً عاطفياً في ظل هذه التحولات الصعبة». أُهدي أغنية «محكمة الدني» لكل أُم أو أب ترك أولاده في صغرهم سيلاوي أما عن الأغاني الرومانسية في الألبوم، فقد خصّ بها سيلاوي زوجته ساندرا، قائلاً: «كل أغنية حب أغنيها هي بمثابة هدية موجهة إليها. ساندرا هي كل شيء جميل في حياتي، وأهديها كل أعمالي الرومانسية بسبب وقوفها ومساندتها لي دائماً». سيلاوي أوضح أن «مشاركته لتفاصيل حياته الشخصية في أعماله ليست أمراً جديداً، بل هو ما يميزه ويُقربه من جمهوره الذي اعتاد على هذا الصدق»، مضيفاً: «أنا مختلف، وجمهوري اعتاد أن أشاركه أدق تفاصيل حياتي». وعن غيابه عن الأغنية المصرية في هذا الألبوم، أكد أنه يكنّ لجمهوره المصري كل التقدير، مشيراً إلى أنه يعمل على مشاريع جديدة تحمل الطابع المصري كما فعل في السابق. وفيما يخص علاقته بالفنان الشامي، أكد سيلاوي أنه لا يحمل أي خلافات مع أحد، وأنه يعتز بالتعاون مع أي فنان سوري أو عربي، منفتحاً دوماً على الغناء المشترك والعمل الفني النزيه. وعن إمكانية دخوله عالم التمثيل، نفى الفنان الشاب وجود أي خطط حالياً في هذا الاتجاه، مفضلاً التركيز على مشاريعه الموسيقية، التي يراها الطريق الأقرب للتعبير عن ذاته ومشاعره، قائلاً: «حالياً أركز على الغناء، ولكن التمثيل يعد خطوة ثانية لم أحسم أمرها بعد، ربما لو قمت بتنمية مهاراتي فيها أدخل هذا المجال الذي أحبه، والذي أحاول فيه من خلال تصوير أعمالي الغنائية».


الشرق الأوسط
منذ 14 ساعات
- الشرق الأوسط
الإنسانيّة في مواجهة القتل... مهرجان عمّان السينمائي بعيون رئيسته الأميرة ريم علي
يتحدّث الموسيقي اللبناني خالد مزنّر عن رحلته مع تأليف موسيقى الأفلام. يتوقف عن الكلام ليأخذ فاصلاً موسيقياً، فيسترجع مع الحضور نغماتٍ أحبّوها من «سكّر بنات»، و«هلأ لوين»، و«كفرناحوم». تصغى إليه وإلى ألحانه بإمعان الأميرة ريم علي؛ فـ«الموسيقى روح السينما»، وفق ما تقول مؤسِّسة ورئيسة «مهرجان عمّان السينمائي الدولي» في حوار خاص مع «الشرق الأوسط». حرصت على حضور الندوة المقامة على هامش «أيام عمّان لصنّاع الأفلام»، ليس لشغفها بالموسيقى والسينما فحسب، بل لأنّ اللقاء مع «أصوات المستقبل»؛ أي الجيل الصاعد، وفق تعبيرها، يبثّ فيها الحياة ويحرّضها على مزيدٍ من الأمل والاطّلاع. ومعظم الحضور هم من هذا الجيل الذي يرسم بأنامله وأفكاره ملامح السينما العربية الآتية. الأميرة ريم علي مشاركةً في ندوة الفنان خالد مزنّر عن الموسيقى والأفلام (إدارة المهرجان) السينما في مواجهة الصواريخ كان الطريق إلى الدورة السادسة من المهرجان هذه السنة محفوفاً بالمخاطر. «عندما بدأت الصواريخ تحلّق فوق رؤوسنا، وقعنا في الحيرة: هل نكمل أو نلغي الفعاليات؟»، تبوح الأميرة ريم علي. المواجهة بين إيران وإسرائيل التي طالت شظاياها الأردن، دفعت بعدد من ضيوف المهرجان السينمائي إلى الاعتذار عن عدم الحضور، إلا أن القرار النهائي صدر: «حتى لو استمر القصف كنا سنواصل. سنحرص على إحاطة ضيوفنا بأقصى تدابير الأمان، لكن ممنوع أن نقطع عن شبابنا ومجتمعنا جرعة الثقافة التي يترقّبونها من سنة إلى سنة». هذا الحدث السينمائي المستمر منذ 6 سنوات، يقدّم نفسه على أنه مرآة لقضايا الناس، وتعبير عن الثقافة الأردنية والعربية عموماً. «حملنا لواء المقاومة الثقافية والفنية. ليس من المنطقي بالتالي أن نسمح لأي شيء بأن يعترض طريق المهرجان أو أن يدمّره، ولا أن يخيّب آمال الأجيال الصاعدة التي لديها توقّعات من هذا الحدث الجامع»، تقول الأميرة ريم علي. تُرجمَ هذا الإصرار في الكلمة التي ألقتها خلال افتتاح المهرجان: «نعم تعمّدت أن أطلق موقفاً واضحاً في خطابي: قررنا أن نقيم هذه الدورة؛ لأننا نرفض الموت ثقافياً، حتى لو كانت أدوات القتل والدمار تحلّق فوق رؤوسنا». وتضيف: «لم نكن نريد لأي أحد لا يؤمن بالحياة ولا بقيَمِنا ولا بالإنسانية، أن يَحول دوننا ودون إقامة المهرجان». من حفل افتتاح مهرجان عمّان السينمائي (إدارة المهرجان) لحسن الحظ، توقفت المواجهات وسلك المهرجان طريقه إلى الدورة السادسة. من المنطقة العربية وعواصم العالم، حضر الضيوف من صنّاع أفلام وممثلين ونقّاد سينمائيين وإعلاميين. كانت الأميرة ريم في استقبالهم، برفقة زوجها الأمير علي بن الحسين، وهو كذلك منغمس في الشأن السينمائي من خلال ترؤسه «الهيئة الملكية الأردنية للأفلام»، والتي تركّز اهتمامها على تطوير المواهب السينمائية الشابة وتقديم الدعم لها. الأمير علي بن الحسين وزوجته الأميرة ريم وولداهما في مقدّمة الحضور (إدارة المهرجان) غزة أوّلاً ودائماً تحصّنت الكلمة الافتتاحية بأسلحتها الخاصة: اللطف في مواجهة الوحشيّة، والجمال في مواجهة القبح، والسينما في مواجهة الصور السوداء. فغزة، جارة الأردن، بحاجة إلى من يطبطب على جراحها ويعاينها عن قرب. لذلك، وكما في الدورة الماضية، شُرّعت شاشات المهرجان أمام الأفلام الفلسطينية، تحديداً تلك الطالعة من تحت ركام القطاع. من بين تلك الأفلام: «المهمة»، وهو وثائقي يواكب طبيباً في مهمته الإنسانية داخل غرف عمليات المستشفيات المنكوبة. إضافةً إلى مشروع «من المسافة صفر» المستمر للسنة الثانية على التوالي، فاتحاً المجال لمخرجين من داخل غزة كي يشاركوا العالم صورة ما يجري من دون تجميل ولا تلطيف. عن تلك الأفلام تقول الأميرة ريم علي: «اخترنا أفلاماً تعكس الواقع وتنقله بالعين المجرّدة؛ لأنه لا خيار أمامنا سوى الحديث عمّا يحصل على مرمى حجر منّا، حتى وإن كانت الصورة عنيفة في بعض الأحيان». ربما لا تستطيع السينما أن توقف الحرب، لكنها على الأقل قادرة أن تفضح قبحها، وأن تواجه القاتل الذي يحوّر المشهد والسرديّة. هذه الأفلام تقول للعالم إن التجاهل والصمت جريمة أيضاً. إذا سئلت رئيسة المهرجان عن قضيته الأساسية، تجيب من دون تردّد: «الإنسان». تتوسّع في فكرتها قائلةً: «لعل أهم ما نقوم به هنا هو الإضاءة على الإنسانية من خلال الأفلام والضيوف والقضايا المطروحة. نفعل ذلك في مواجهة أشخاص في منطقتنا يسعون إلى تجريدنا من إنسانيتنا، لكننا لن نتوقف عن رفع أصواتنا منعاً لذلك». تؤمن الأميرة ريم علي بأن «السينما توقظ الإنسانية واللطف في البشر». ترى في تلك الأفلام الوافدة إلى المهرجان من كل حدبٍ وصَوب، ومن كل لغةٍ وفئة سينمائية، «مساحة للتماهي والتشابك». جزء كبير من الأفلام المشاركة في المهرجان جرى تصويره في غزة (موقع المهرجان) الاستدامة والنوعيّة منذ دورته الأولى التي تزامنت وجائحة «كورونا»، تعلّم مهرجان عمّان السينمائي أن يسير بين الأشواك والألغام. بلغ سنته السادسة ملتزماً بإيقاعه: «لم يكن الهدف أن يكبر المهرجان قبل أوانه، ولم نؤمن بالتسرّع، بل كان همّنا الحفاظ على الاستدامة، وألّا يأتي النموّ على حساب النوعية»، توضح الأميرة ريم علي. ينطلق من بقعةٍ جغرافية صغيرة في هذا العالم. يحتضن براعم السينما الأردنية والعربية. يحتفي بالإنتاجات المحلية، تحديداً تلك التي أبصرت النور من داخل أروقته. لكنه يشرّع في الوقت ذاته نوافذه على البعيد؛ فللسينما العالمية حصتها الثابتة في المهرجان، إلى جانب تحية خاصة لبلدان رائدة في صناعة الفن السابع. والمحطة هذا العام مع السينما الآيرلندية، وأحد أعمدتها المخرج جيم شيريدان الذي يحلّ ضيف شرف على المهرجان. المخرج الآيرلندي جيم شيريدان... ضيف شرف مهرجان عمّان السينمائي (إدارة المهرجان) «لم يكن أي شيء من هذا ممكناً لولا جهود فريق العمل بإدارة ندى دوماني التي تضفي لمساتٍ من الحب والاحتراف»، تتحدث الأميرة ريم علي بامتنان عن «رؤية وجهود» مديرة المهرجان التي كانت لها اليد الطولى في تطويره عاماً تلو آخر. مديرة المهرجان ندى دوماني متوسطةً فريق العمل (إدارة المهرجان) كل ذلك انعكس إيجاباً على السينما الأردنية التي أثمرت 11 فيلماً مشاركاً في المهرجان هذا العام، وهو الرقم الأعلى منذ انطلاقة الحدث السينمائي «في دليل واضح على نمو الصناعة السينمائية الأردنية نوعيةً وكميةً، ومنها ما وصل إلى المهرجانات العالمية»، تقول الأميرة ريم علي بفخر. تغادر المكان وفي رأسها ألحان فيلم «كاراميل» لنادين لبكي الذي تحبه كثيراً، وفي عينَيها ابتساماتُ الجيل السينمائي الصاعد. فكما تبثّ الموسيقى روحاً في الأفلام، يبثّ المهرجان أملاً في قلوب المواهب الشابة.


الشرق الأوسط
منذ 14 ساعات
- الشرق الأوسط
«سمسم» فيلم أردني صُنع بأيادٍ شابة... كي تحطّم المرأة الأقفاص
صمّمت «سمسم» على تحطيم القفص. ما عادت تريد أن تكون تلك العصفورة التي يأسرها زوجها خلف القضبان كما يفعل مع طيوره، فعزمت على الطلاق حتى وإن لم يرغب هو في ذلك. تمرّدت على كل شيء، إلى درجة إسقاط اسمها الحقيقي «ابتسام» واتخاذ «سمسم» بديلاً عنه. سمسم انعكاسٌ على الشاشة الكبيرة لحكايات نساءٍ كثيرات يعشن أسيراتٍ على أرض الواقع. من خلال تلك الشخصية، أرادت مخرجة الفيلم الأردني سندس السميرات وكاتبته تمارا عويس، أن ترفعا صوت المرأة الأردنية على طريقتَيهما. A post shared by Noamani Art Production (@ «سمسم» مشروعٌ سينمائيّ غير اعتياديّ، فهو نتاج ورشة عمل تبنّتها «الهيئة الملكيّة الأردنية للأفلام» دعماً للمواهب الناشئة في محافظة إربد شمالي العاصمة عمّان. أثمر عن تلك الورشة فريق عملٍ كامل من صنّاع الأفلام الشباب، الذين انطلقوا في مشروعهم بدعمٍ إنتاجيّ من الهيئة. من الكتابة إلى المونتاج مروراً بالتصوير الذي استغرق نحو الشهر، ها هي المسيرة تُتوّج بالعرض العالمي والعربي الأول في بلد المنشأ، من ضمن فعاليات «مهرجان عمّان السينمائي الدولي»، الذي يُفرد مساحة خاصة لأولى الأفلام في مسيرة صنّاعها. فريق عمل فيلم «سمسم» قبيل العرض الأول ضمن مهرجان عمّان السينمائي (الشرق الأوسط) على توقيت غروب عمّان وفي الهواء الطلق، انطلق العرض في مقر الهيئة. لم يتأخر الحاضرون الذين ضاقت بهم المقاعد والأدراج، في التفاعل مع قصة سمسم التي أدّتها بتميّز الممثلة الصاعدة سجى كيلاني. ضحكوا كثيراً لمشاهد زوجها، الممثل مجد عيد، والذي قدّم أداءً مقنعاً وخفيف الظل. هو ليس الزوج المعنّف ولا المؤذي، غير أن سمسم ما عادت تريد ذاك الرجل الذي لا يشبهها في شيء والذي ارتبطت به بأمرٍ من والدها. يلعب الفيلم على أوتار الرموز، فيسير على إيقاع صعود سمسم إلى سطح المنزل، حيث تعيش مع ابنتها ووالدتها، لمعاينة خزّان المياه. كلما ذهبت لتصليح العطل الذي فيه، رأينا وجهها يطفو على سطح مياه الخزّان، لتستيقظ بعد ذلك مذعورةً من كابوس. عرضٌ في الهواء الطلق في مركز الهيئة الملكية للأفلام (الشرق الأوسط) في حوار مع «الشرق الأوسط»، تتحدث المخرجة سندس السميرات عن تلك الرمزية: «تعاني سمسم من الضيق والاختناق بسبب حياتها الضاغطة». تضيف الشابة المتخرّجة حديثاً، والتي تخوض أولى تجاربها ضمن فيلم روائي طويل، أنها محظوظة شخصياً بوالدَين فتحا أمامها نوافذ الحرية لتحقق طموحها المهني في الإخراج. «رغم التحديات المجتمعية وصرامة التقاليد في منطقتنا، ورغم كلام الناس، انطلقت إلى حيث أريد والآن حان دوري كي أطلق أصوات النساء الصامتات من خلال أعمالي». الطيور رمزٌ ثانٍ في الفيلم يتأرجح بين مفهومَي الأسر والحرية، وهو يتلاقى مع قضية طلاق المرأة. فزوج سمسم مربّي طيور ودجاج، والحساسين و«الدواري» تملأ وقته وتفكيره. كما أن زميلتها في العمل ابنةُ رجل معروف في تربية الطيور. كذلك في استوديو التصوير الفوتوغرافي حيث تعمل، ببغاء يعيش خارج القفص، وهو بمثابة الابن المدلّل لمديرة المحلّ «صباح»، والتي تجسّد المرأة المستقلّة والمتحررة. لا تجهد سمسم فقط من أجل تحطيم القفص الزوجيّ، بل تريد أن تفرد جناحَيها خارج البلاد. تتواصل مع رجلٍ مقيمٍ في أوروبا ويتفقان على الارتباط، في ظنٍ منها بأن هذا هو حبل الخلاص. غير أن تطوّر الأحداث سيأخذها في اتجاهاتٍ أخرى، وسيطوّر مفهوم الحرية لديها. مخرجة الفيلم سندس السميرات تخوض تجربتها الأولى ضمن فيلم روائي طويل (إنستغرام) «سمسم» فيلمٌ اجتماعيّ ابنُ بيئته، وليس مستغرباً بالتالي أن يكون المرشّح الأوفر حظاً إلى جائزة الجمهور في مهرجان عمّان. صحيح أنّ الحبكة تفقد تماسُكَها في بعض الأحيان، مما يشتّت اهتمام المُشاهد، غير أنّ أداء الممثلين جميعاً يشكّل رافعةً للفيلم. بالنسبة إلى تجربةٍ سينمائية أولى أنجزَها فريقٌ كامل من الخرّيجين الجدد والمواهب الأردنية الناشئة في مجال صناعة الأفلام، فالعمل يستحقّ التحية. لم يكتفِ ببَذل أقصى جهدٍ ممكن على مستوى الشكل تصويراً وإخراجاً وتمثيلاً، بل طرح قضيته بجرأة، وسط بيئةٍ لا تزال تقمع صوت المرأة التي تعاني في زواجها. تقول المخرجة سندس السميرات في هذا الإطار إن اختيار الموضوع لم يأتِ عبثاً، بل هو منبثقٌ من الواقع «لا سيّما عندنا في قرى إربد، حيث ما زال الطلاق يُعتبر عيباً بالنسبة للمرأة، كما أن القانون غالباً ما يقف في صف الرجل». حوار بين الجمهور وفريق الفيلم بعد العرض (إدارة المهرجان) سنةً تلو أخرى، ومهرجاناً تلو آخر، تُرسّخ السينما الأردنية الشابة اهتمامها بقضايا المرأة، ومن الواضح أن المتلقّين يتجاوبون مع هذا المحتوى الهادف. فالفيلم الذي نال جائزة الجمهور خلال الدورة الماضية من المهرجان «إن شاء الله ولد»، تطرّق هو الآخر إلى القضية ذاتها. من الواضح إذن أن غالبية صنّاع الأفلام الشباب يرغبون في أن يكونوا أصواتاً لمجتمعهم وأن يستقوا حكاياتهم من صلب واقعها.