
الإعلام... و«نظريات المؤامرة» في «حريق السنترال»
لا يمكن التقليل من آثار هذا الحادث المؤسف بطبيعة الحال؛ إذ ضرب «القلب النابض» للاتصالات القومية، وعطّل جوانب من الحياة، وأربك أخرى بشكل واضح، وقد امتد أثره إلى شبكات الهاتف الثابت والمحمول، كما أعاق عمل مرافق حيوية؛ مثل البنوك، وماكينات السحب الآلي، وبطاقات الدفع الإلكترونية، وأنظمة حجز الطيران والسكك الحديد، فضلاً عن الإضرار بحالة التداول في البورصة، وحرمان قطاعات واسعة من الجمهور من الوصول إلى شبكة «الإنترنت».
ستُسارع الحكومة لاحقاً إلى محاولة إدراك أبعاد الأزمة، ثم ستعمل على إخماد الحريق، وإيجاد نقاط اتصال بديلة عوضاً عن تلك التي تم شلها، قبل أن تحاول تقييم الخسائر، وتعويض الضحايا، حيث تسبب الحريق في مقتل أربعة أشخاص، وإصابة 27 آخرين، فضلاً عن هؤلاء الذين انقطعت الخدمات الاتصالية عنهم، وتضررت أعمالهم.
وبموازاة ذلك، ستجري أيضاً محاولة سياسية وعملية، لمراجعة الأخطاء، التي أدت إلى تفاقم تأثير هذا الحريق، وتحوله عنواناً رئيساً في التغطيات الإعلامية المحلية والدولية، وموضوعاً للمساءلة البرلمانية، وطوفاناً من الانتقادات والسخرية والمخاوف العميقة.
لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فمع سخونة الأجواء المعتادة في شهر يوليو (تموز)، وتصاعد «نظريات المؤامرة»، واستئثار الحادث باهتمام طاغٍ من وسائل الإعلام، سرت في المنصّات الإعلامية المختلفة أحاديث لا تنقطع عن «مؤامرة» تستهدف البلاد، وشاهِدها ارتفاع مُفترض في عدد الحرائق التي تندلع بموازاة الحريق الشهير.
ولم يقتصر الأمر في هذا الصدد على المستخدمين العاديين على وسائل «التواصل الاجتماعي»، أو حتى أعضاء «اللجان الإلكترونية» صاحبة الأغراض المشبوهة، لكنه امتد أيضاً ليشمل إعلاميين بارزين على منصات الإعلام «التقليدي» وبعض السياسيين والمشاهير، الذين راحوا يجزمون بأن هناك تدبيراً شريراً يستهدف «إشعال البلاد» بالحرائق، سعياً لتحقيق مصالح سياسية مُعينة.
فلماذا حدث هذا الميل الواضح لتبني «نظريات المؤامرة»؟ ولماذا وجدت هذه النظريات مؤيدين كثيرين ضمن أفراد النُّخبة والجمهور العادي؟
من جانبي، بدأت محاولة تقصّي هذه المسألة عبر استعراض عدد الحرائق التي تقع في البلاد عادةً، وقد وجدت الرقم مُثبتاً في بيانات «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء»، التي أشارت إلى أن عدد الحرائق التي وقعت في مصر العام الماضي 2024، بلغ 46 ألفاً و925 حريقاً، وأن عدد هذه الحرائق في شهر يوليو من العام نفسه بلغ 3677 حريقاً، فضلاً عن الإفادة بأن عدد هذه الحرائق يزداد تاريخياً في أشهر الصيف مقارنةً بفصل الشتاء.
ثمة ثلاث نظريات إعلامية توضح أسباب تصديق البعض أن هذا الحريق الكبير هو حلقة من سلسلة حرائق كبرى مُدبرة تستهدف أمن البلاد واستقرارها:
أولى هذه النظريات هي نظرية «الانتباه الانتقائي»، وهي ظاهرة نفسية تجعل أفراداً من الجمهور وبعض المؤسسات أكثر حساسية لأي خبر عن حريق في أعقاب وقوع حريق كبير بأي مجتمع من المجتمعات.
أما النظرية الثانية، فتتعلق بـ«هوس الرصد»؛ إذ يُمعن الجمهور ووسائل الإعلام في تقصي أخبار الحرائق في أعقاب وقوع حريق كبير، مما يوحي للمجال العام بأن الحرائق تقع بوتيرة أكبر من اللازم، وأنها حتماً تحمل دلالات أمنية وسياسية.
وتتعلق النظرية الثالثة بـ«تأثير العدوى السلوكية»؛ حيث يؤدي النشر الكثيف لأخبار حادث ما إلى تشجيع المُقلدين من أصحاب السلوك الإجرامي أو الاضطراب النفسي على تقليد مثل ذلك الحادث، في فورة الاهتمام الإعلامي به.
لذلك، يجب ألا يندهش مَن يطالع الأخبار الواردة من مصر في أعقاب هذا الحادث حين يقرأ العناوين التالية في أهم المصادر الإعلامية: «مصرع سيدة مُسنة في حريق شقة»، و«حريق يلتهم عدداً من المقاعد الدراسية في قرية بصعيد مصر»، و«حريق يشتعل في مخبز بمحافظة الجيزة»، أو «حريق في مشتل على بُعد كيلو مترين من متحف».
يؤدي الإعلام دوراً مُهماً وحيوياً في تقديم الحقائق للناس عمَّا يحدث في مجال اهتمامهم، وفي الرقابة على أداء السلطات العامة، لكنَّ بعض الأعراض الثانوية للنشر المُكثف، والاهتمام الإعلامي المُضاعف، تؤدي إلى تأثيرات غير مرغوبة؛ مثل «تأثير العدوى السلوكية»، و«الانتباه الانتقائي»، و«هوس الرصد»، وهنا يكمن أحد أخطر أضرار التغطيات الإعلامية الضخمة للحوادث والجرائم.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

العربية
منذ ساعة واحدة
- العربية
جهد أميركي لإيجاد حل لأزمة سد النهضة ونهر النيل
أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على أن بلاده ستحاول التوصل لحل أزمة سد النهضة ونهر النيل بين مصر وإثيوبيا. محاولات لإيجاد حل وأضاف خلال مؤتمر صحافي مع مارك روت الأمين العام الحالي لحلف شمال الأطلسي من البيت الأبيض الاثنين، أن واشنطن ستحاول التوصل لحل بشأن مسألة سد النهضة ونهر النيل. كما أعلن ترامب أنه سيعمل على الحل بين مصر وإثيوبيا لأن حياة المصريين تعتمد على المياه في النيل. وكان الرئيس الأميركي قد تحدث عن مشكلة مياه نهر النيل في يونيو/حزيران الماضي، حيث كتب منشورا على حسابه بمنصة "تروث سوشيال" رأى في أنه يستحق جائزة نوبل للسلام، عندما ينجح فى فرض السلام بين مصر وإثيوبيا، رغم قيام الأخيرة ببناء سد ضخم يقلل من نسب مياه النيل لدولتي المصب السودان ومصر. الأزمة تتجدد يذكر أن الأزمة كانت تجددت الأسبوع الماضي، بين مصر واثيوبيا على خلفية إعلان رئيس وزراء اثيوبيا افتتاح سد النهضة رسميا في سبتمبر/أيلول المقبل. وأكد المهندس هاني سويلم وزير الري المصري رفض بلاده القاطع لاستمرار سياسة إثيوبيا في فرض الأمر الواقع من خلال إجراءات أحادية تتعلق بنهر النيل، مضيفا أن الجانب الإثيوبي دأب على الترويج لاكتمال بناء السد غير الشرعي والمخالف للقانون الدولي رغم عدم التوصل إلى اتفاق ملزم مع دولتي المصب، ورغم التحفظات الجوهرية التي أعربت عنها كل من مصر والسودان. وطوال السنوات الأخيرة ظل ملف سد النهضة يثير خلافا بين مصر والسودان وإثيوبيا بسبب عدم الاتفاق على التشغيل والملئ. وقال مساعد وزير الخارجية المصري لشؤون السودان ياسر سرور في تصريحات سابقة لـ "العربية/الحدث.نت"، إن التحركات الدبلوماسية فيما يتعلق بملف السد لم تتوقف، مشددا على أن بلاده مستمرة في شرح القضية على المستويات الفنية والسياسية، لكونها قضية وجودية لمصر ومرتبطة بوجود وحياة الشعب المصري. يشار إلى أن الاجتماع الرابع والأخير من مسار مفاوضات السد والذي عقد نهاية العام 2023 بالفشل حيث لم يسفر عن أية نتيجة. وقالت مصر إن فشل الاجتماعات يرجع لاستمرار ذات المواقف الإثيوبية الرافضة عبر السنوات الماضية للأخذ بأي من الحلول الفنية والقانونية الوسط التي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث، وتمادي إثيوبيا في النكوص عما تم التوصل له من تفاهمات ملبية لمصالحها المعلنة.


الشرق الأوسط
منذ 3 ساعات
- الشرق الأوسط
احتراماً للقانون الدولي
في خضم التصعيد الإقليمي القابل للتجدد بين إيران وإسرائيل، وبعد الغارات الأميركية التي استهدفت من دون أن تنجح بالكامل منشآت نووية، أو مواقع سيادية، تتخذ دول كبرى في العالم السني مثل السعودية وتركيا ومصر وعموم دول الاعتدال، مواقف ثابتة تعبّر عن رفضها لأي تدخل عسكري أو خرق للسيادة. هذه المواقف لا تصدر عن عداء ديني أو آيديولوجي لليهود؛ أو إظهار التعاطف مع إيران، بل عن منطلقات مبدئية واستراتيجية تتمثل في احترام القانون الدولي، وسيادة الدول، وتفضيل المقاربات الدبلوماسية، ورفض أوهام «الشرق الأوسط الجديد» الذي لا يحمل جديداً سوى الخراب المعاد إنتاجه. السعودية، التي تقود اليوم قطار التنمية الإقليمي، تجاوزت ثنائية محور «الممانعة أو الاعتدال»، وتحولت إلى أنموذج للمنطقة في السعي نحو تحقيق الرفاه والانتقال من اقتصاد ريعي إلى دولة استثمار، وتحول اجتماعي منغمس في بناء الإنسان السعودي والاستثمار فيه، وتمكين الشباب، والانفتاح على العالم وفق مرجعية وطنية هي رؤية 2030. الرياض دائماً تذكر الجميع بالثمن الباهظ الذي دفعته المنطقة منذ غزو العراق، مروراً بحروب التدخلات السريعة، وصولاً إلى الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، إذ ليس لدول المنطقة «ذاكرة قطط» لأنَّها تدرك بوعيها السياسي آثار تلك التجارب العبثية، وتدرك أن «تفكيك الدول» لم يأتِ يوماً بنتائج أفضل من النظم التي كان يُراد إسقاطها. فالبديل في كل مرة كان الفوضى، والطائفية، وانتشار الميليشيات، وخراب المؤسسات، وملايين اللاجئين الذين لم تجد لهم الأمم المتحدة مأوى حتى الآن. في هذا السياق، يأتي الموقف الجديد لمحور ما يمكن تسميته «محور السيادة» بوصفه مرآة لحسابات الدولة، لا انفعالات اللحظة. فرغم التنافس مع طهران، وصراع النفوذ على مناطق أخرى وتعقيدات الوضع في غزة، لم تنزلق هذه الدول إلى مواجهة مفتوحة مع إيران، مدركةً أن هذا سيخلق فوضى عارمة لا يمكن السيطرة عليها، ويضيف ساحة اضطراب جديدة إلى حدودها. أما العلاقة مع إسرائيل وكل ما يسوق له من فرص السلام، فلا يمكن أن يدخل ضمن خانة المفكر فيه مع هذا التوغل في غزة والضفة، والاستخدام الوحشي المفرط للقوة ضد الأطفال والمدنيين، وهذا موقف يتطابق فيه الرأي السياسي والمجتمعي، ولا يعبر عن كره أو معاداة للسامية، أو عدم رغبة في السلام، بل هو ينطلق من احترام قرارات الشرعية الدولية، والحفاظ على أهل غزة والفلسطينيين وحقهم المشروع والعادل. المعادلة الجديدة التي تتبناها «دول محور السيادة» لا تقوم على حب طهران أو كره تل أبيب؛ بل على رؤية صلبة تقول: لا يمكن للمنطقة أن تستمر رهينة تناقضات دولية لا تخدم سكانها. فالجيل الجديد في الشرق الأوسط لا يعرف حروب 1967، ولا اتفاقيات 1978، ولا يشعر بأن الصراع العربي - الإسرائيلي يختزل حياته، هذا الجيل - الذي يشكل غالبية السكان - يريد العمل، والتعليم، والإنترنت، وسوقاً حرة، لا تستهلكها العقوبات ولا تدمّرها الانفجارات، ومع ذلك، لا يمكن أن يظل حبيس «العدمية» القاسية التي تفرزها لغة الأرقام ومنطق الصورة في عالم شديد التواصل اليوم تجاه ما يحدث ضد الأبرياء في غزة وفلسطين. هذا التحول الجيلي في الأولويات، والموقف الاستراتيجي في الدول، يعكس لحظة فارقة قابلة للاستثمار تقول بوضوح: الشرق الأوسط لم يعُد ذلك الإقليم القابل للتلاعب، ولا البيدق الذي يُحرّك في صراع القوى الكبرى. فالدول الإقليمية لم تعُد تعاني عقدة «الحماية الغربية»، ولا ترى في كل منافسة إقليمية تهديداً وجودياً؛ بل تملك من الثقة والرؤية ما يجعلها تتحدث بنديّة، وتفاوض على المصالح، وتضع الحدود لما يُقبل وما يُرفض. ما تطلبه دول محور «السيادة» - رغم الخلافات بينها - ليس مستحيلاً: احترام سيادة الدول، وكبح التوسع العسكري، وتحجيم الميليشيات، وإعادة الروح إلى القانون الدولي. وليس من العقل في شيء أن تبقى منطقة تمتد من كابل إلى غزة، ساحة مفتوحة للضربات والتجارب، بينما تتفرج الأمم المتحدة، وتغيب التفاهمات الكبرى، ويعلو صوت المدافع على صوت التنمية. أما على الجانب الأميركي، فالسؤال اليوم لم يعُد عن كيفية التعامل مع إيران أو الدفاع عن إسرائيل، بل: ماذا تريد واشنطن من المنطقة؟ وهل تدرك أن حلفاءها الإقليميين لم يعودوا أدوات تنفيذ؛ بل شركاء في صنع القرار، يملكون مقارباتهم، وأولوياتهم، وهموم شعوبهم؟ وإذا كانت إسرائيل تسعى لتوسيع نفوذها بحجج «الأمن» أو بأوهام شرق أوسط جديد، فإن الأمن لا يُصان بالقصف، ولا تُبنى الشرعية على أنقاض القانون. كما أن الحجج التي حاولت إسرائيل تسويقها لم تعُد تقنع أحداً، فالمنطقة اليوم أكثر وعياً، وأكثر انفتاحاً، وأكثر واقعية. من يُرِد الأمن، فليصنع السلام. ومن يُرِد السلام، فليعترف بأن للآخرين سيادة لا يجوز انتهاكها، وحقوقاً لا يمكن القفز عليها. والحال أن المواقف الإقليمية الرافضة للتدخلات الخارجية لا يمكن اختزالها في شعارات آيديولوجية. إن السعودية وتركيا ومصر وغيرها من دول الإقليم، تقول بوضوح: نريد شرقَ أوسط جديداً، لكنه لا يُبنى على الأنقاض، ولا يُدار بالمظلات العسكرية، ولا يُختزل في خطوط حمراء ترسمها واشنطن أو تل أبيب؛ بل نريد شرقَ أوسط تُصنع فيه النهضة من الداخل، وتحترم فيه الهويات، وتعلو فيه رايات التنمية على دمار الجغرافيا السياسية. إنها ليست مسألة حب أو كره؛ إنها مسألة وعي إقليمي يتجذّر، واحترام للقانون الدولي الذي طالما استُخدم أداة للمصالح، لا مرجعية للعدالة.


صحيفة سبق
منذ 4 ساعات
- صحيفة سبق
"ترامب" يتعهّد بحل أزمة سد النهضة سريعًا: النيل شريان حياة لا يُنتزع
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن الولايات المتحدة تعمل على حل أزمة سد النهضة الإثيوبي، مؤكداً أن بلاده "ستحل هذه المشكلة بسرعة كبيرة". وجاء ذلك خلال لقائه مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته في المكتب البيضاوي، حيث أشار إلى أن مصر كانت جارة جيدة وصديقة لواشنطن، لكن جارتها – في إشارة إلى إثيوبيا – قامت ببناء سد أوقف تدفق المياه إلى نهر النيل، واصفًا المشروع بأنه "مشكلة كبيرة". وأضاف ترامب: "عملنا على ملف مصر مع جارتها، ولا أعلم لماذا لم تُحل المشكلة قبل بناء السد، لكنه من الجميل أن يكون هناك ماء في نهر النيل، لأنه مصدر مهم للغاية للدخل والحياة. إنه شريان الحياة بالنسبة لمصر، وأخذ ذلك بعيدًا أمر لا يُصدق". وأوضح أن الولايات المتحدة هي من موّلت بناء السد، مشيرًا إلى أن بلاده تُبرم صفقات جيدة، وستعمل على حل هذه المسألة. ويُعد مشروع "سد النهضة الإثيوبي الكبير"، الذي انطلق في عام 2011 بميزانية تُقدّر بأربعة مليارات دولار، أكبر مشروع كهرومائي في القارة الأفريقية، إذ يبلغ عرضه 1.8 كيلومتر وارتفاعه 145 متراً. ووفق ما أوردته سكاي نيوز عربية، تعتبر أديس أبابا أن المشروع ضروري لتوفير الكهرباء، في حين يثير مخاوف مستمرة في مصر والسودان بشأن تأثيراته المحتملة على إمدادات المياه.