logo
قصة "حصان طروادة" المعتمَد حديثاً في المملكة المتحدة لعلاج سرطان خلايا البلازما

قصة "حصان طروادة" المعتمَد حديثاً في المملكة المتحدة لعلاج سرطان خلايا البلازما

BBC عربية١٤-٠٦-٢٠٢٥

لأول مرة على مستوى العالم، توفر خدمات الصحة الوطنية في إنجلترا -NHS- علاجاً يستخدم حيلة "حصان طروادة" لإيصال أدوية قاتلة للخلايا السرطانية. ويمكن لهذا العلاج أن يوقف تطور سرطان الدم النخاعي (المايلوما) لمدة تصل إلى ثلاثة أضعاف مقارنةً بالعلاجات الحالية.
يُعد هذا الدواء شكلاً متطوراً من العلاج الكيميائي، عبر توجيه جرعة أكبر نحو السرطان مع تقليل الآثار الجانبية.
بول سيلفستر، أحد أوائل المرضى الذين تلقّوا هذا العلاج، يقول إنه "غيّر حياته" وإنه الآن يخطط لمغامرات في أماكن تاريخية.
سرطان المايلوما، المعروف أيضاً باسم "المايلوما المتعددة"، يصيب جزءاً من جهاز المناعة يسمّى خلايا البلازما، الموجودة بشكل رئيسي في نخاع العظم الإسفنجي في مركز العظام.
ويبلغ بول سيلفستر 60 عاماً، وهو من منطقة شيفيلد وسط إنجلترا، وشُخّص قبل نحو عامين بالإصابة بسرطان المايلوما، وكانت عظامٌ في ظهره قد تكسّرت.
وخضع سيلفستر لزراعة نخاع عظمي، العام الماضي، لكنه تعرّض لانتكاسة صحيّة بحلول احتفالات الكريسماس، ومنذ ذلك الحين وهو يتلقى علاجاً جديداً اسمه "بيلانتاماب مافودوتين" في محاولة للعلاج المبكر.
وفي غضون أسابيع، بلغ سيلفستر مرحلة الهدوء (التعافي المؤقت).
وكان من شأن العلاجات الأخرى أن تترك سيلفستر معزولاً في غرفة نومه لأشهُر؛ لذلك يرى أن العلاج "مغيّر للحياة تماماً"، كما أنه "يقدّم فرصة للاستمتاع بالحياة".
وقال سيلفستر لبي بي سي: "معظم الناس يقولون إنني أبدو أفضل كثيراً ... كما أنني أعيش حياة طبيعية بشكل جيد".
كيف يعمل هذا العلاج؟
يعتبر الـ "بيلانتاماب مافودوتين" من العقاقير الكيماوية القاتلة، وهو مرتبط بجسم مضاد شبيه بذلك الذي يُفرزه جسم الإنسان عند التصدّي للعدوى.
وصُمّمتْ هذه الأجسام المضادة بحيث تصل إلى بُقع محدّدة على غشاء خلايا البلازما، ومن ثمّ تتوجه إلى حيث الخلايا السرطانية وتلتصق بغلافها قبل أن تمتصّها تلك الخلايا، وبمجرّد امتصاصها تُفرِغ هذه الأجسام المضادة حمولتها السامّة حتى تقتل السرطان.
وأُطلق على هذا العلاج الجديد اسم "حصان طروادة" نسبة إلى الملحمة الإغريقية الشهيرة التي حوصرتْ فيها مدينة طروادة، وكُسر الحصار عبر حصان خشبي ضخم حمَل في جوفه جنوداً إلى داخل المدينة المحاصَرة.
إنّ المايلوما، أو سرطان خلايا البلازما، لا يمكن علاجه، لكنّ محاولات سريرية أُجريتْ العام الماضي كشفتْ أن علاج "حصان طروادة" استطاع إيقاف النشاط السرطاني لمدة ثلاث سنوات، مقارنة بـ 13 شهراً فقط في حال استخدام العقاقير المتاحة حالياً.
وقال بيتر جونسون، المدير المسؤول عن علاج السرطان في خدمة الصحة الوطنية في إنجلترا إن الفارق بين العلاج الجديد والعلاجات الأخرى "مغيّر للحياة".
وأضاف جونسون لبي بي سي: "يعتبر هذا العلاج تطوُّراً هاماً بحقّ المصابين بالمايلوما أو سرطان خلايا البلازما؛ فهو وإنْ كان لا يستطيع علاج المرض لكنه على الأقل يهَبُ المرضى فترة إضافية من الحياة خالية من الآلام، وهذا أمر مهم".
وتابع جونسون "لاحظنا في السنوات الأخيرة، كيف أنّ استخدام الأجسام المضادة لنقل عقاقير كيماوية بشكل مباشر إلى الخلايا يمكنْ أن يُحدث فارقاً كبيراً حِيال أنواع مختلفة من السرطانات".
ويعيش في المملكة المتحدة نحو 33 ألف شخص يعانون من المايلوما أو سرطان خلايا البلازما.
وقررتْ خدمة الصحة العامة استخدام العلاج الجديد بعد أن تأكّد المعهد الوطني للصحة وجودة الرعاية (NICE) من فعاليته وجَدواه.
والعلاج الجديد أخفّ وطأةً من العقاقير الأخرى المعالِجة للسرطان، لكنّ استخدامه مع ذلك لا يخلو من الآثار الجانبية. فبعد تدمير الخلايا السرطانية، يمكن للعلاج الكيماوي المتبقّي أن يتسرّب إلى جسم المريض، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى جفاف العين وتشوُّش الرؤية.
"عقاقير ذكية جداً"
يشار إلى أن الاسم التقني لهذه العقاقير هو "مقترنات الأجسام المضادة مع الأدوية". وهو من تطوير شركة الأدوية البريطانية غلاكسو سميث كلاين، وأُجريت التجارب السريرية الأولى في العاصمة لندن.
وقال مارتن قيصر، قائد فريق علاج المايلوما في معهد أبحاث السرطان في لندن: "هذه عقاقير ذكية جداً"، والفارق في آثارها الجانبية مقارنة بغيرها من العقاقير "فارق ملموس".
وفي حين لا يزال مرض المايلوما، أو سرطان خلايا البلازما، بلا علاج، يرى البروفيسور مارتن قيصر أن هذه العلاجات هي بمثابة "خطوة هامّة على طريق العلاج الوظيفي"، مُرجّحاً أنّ التعافي طويل المدى سيفوق نسبة 50 في المئة في غضون الأعوام الخمسة المقبلة.
ويجري تطوير عقاقير "مقترنات الأجسام المضادة مع الأدوية" لعلاج أنواع مختلفة من السرطانات.
وقالت شيلاغ ماكينلاي، من مؤسسة مايلوما الخيرية لعلاج السرطان في المملكة المتحدة، إن اعتماد العلاج الجديد كفيل بأن "يغيّر حياة الآلاف" من البشر، كم هو رائع أن نرى المملكة المتحدة في طليعة الدول التي تعالج مرض المايلوما أو سرطان خلايا البلازما.
وقالت وزيرة الصحة البريطانية كارين سميث: "هذا العلاج الرائد يضع هيئة خدمة الصحة الوطنية في الطليعة على صعيد الابتكار في علاج السرطانات".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

هل تناول تفاحة في اليوم مفيد حقّاً لصحتك؟
هل تناول تفاحة في اليوم مفيد حقّاً لصحتك؟

BBC عربية

timeمنذ 2 أيام

  • BBC عربية

هل تناول تفاحة في اليوم مفيد حقّاً لصحتك؟

دائماً ما يُقال إن تناول تفاحة يومياً يُغنيك عن زيارة الطبيب، فهل لهذه الفاكهة البسيطة كل هذا التأثير الإيجابي حقّاً على صحتنا؟ يحب العالم التفاح. إذ يُنتج سنوياً ما يقارب 100 مليون طن منه. ولطالما عُرفت هذه الفاكهة، التي تتوفر بألوان ونكهات متنوعة، بإسهامها في الحفاظ على صحتنا. تعود أصول العبارة الإنجليزية الشهيرة: "تفاحة واحدة يومياً، تُبقي الطبيب بعيداً"، إلى مثل ويلزي أطول قليلاً كُتب عام 1866: "تناول تفاحة قبل الذهاب إلى السرير وستحرم الطبيب من كسب قوت يومه". ولكن هل ثمة حقيقة جوهرية وراء هذه الفكرة الراسخة لدى الناس؟ وهل التفاح صحيٌّ بشكلٍ خاص مقارنةً بالفواكه الأخرى؟ لنلقي أولاً نظرة على العناصر الغذائية التي يحتويها التفاح. فهو مصدر غني بالمركبات الكيميائية النباتية، بما في ذلك الفلافانول. وقد رُبطت هذه المركبات بالعديد من الفوائد الصحية، مثل الحفاظ على وزن صحي وتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب. يحتوي التفاح أيضاً على العديد من المركبات متعددة الفينول، بما في ذلك مركّبات الأنثوسيانين، التي تُكسب قشور التفاح لونها الأحمر، وترتبط بتحسين صحة القلب. ومن بين متعددات الفينول الأخرى الموجودة في التفاح، الفلوريدزين، الذي يُساعد في ضبط مستوى السكر في الدم. يحتوي التفاح كذلك على الكثير من الألياف، وخاصةً البكتين، ما يقلل من كمية البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة (LDL) في الدم، وهي الشكل غير الصحي من الكوليسترول. كما يُقلل البكتين من كمية السكر والدهون التي نمتصها من الطعام، ما يُساعد على استقرار مستويات السكر في الدم. ويبدو أن هذه العناصر الغذائية الموجودة في التفاح تُقدم فوائد صحية. فقد أشارت مراجعة لخمس دراسات أُجريت عام 2017 إلى أن تناول التفاح يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني بنسبة 18 في المئة. ووجدت مراجعة أخرى أُجريت عام 2022، وحللت 18 دراسة، أن تناول المزيد من التفاح، أو الأطعمة المشتقة منه مثل عصير التفاح، يُمكن أن يُخفض مستوى الكوليسترول، إذا واظب الشخص على ذلك لأكثر من أسبوع. ويمكن أن يُقلل اتباع نظام غذائي صحي بشكل عام من خطر الإصابة بالسرطان بنسبة تصل إلى 40 في المئة، ويعود الفضل في ذلك بشكل كبير إلى المركبات النشطة بيولوجياً، وهي المواد الكيميائية النباتية، الموجودة بكثرة في التفاح. بل إن بعض الدراسات ربطت بين تناول التفاح وانخفاض خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان. كما أن تناول التفاح بانتظام يرتبط بفوائد صحية متنوعة، ومن المعلوم أنه غني بالمركبات الصحية. ولكن هل التفاح تحديداً أكثر فعالية من غيره من الأطعمة النباتية في "تجنيبنا زيارة الطبيب"؟ تقول جانيت كولسون، أستاذة التغذية وعلوم الطعام في جامعة ولاية تينيسي الوسطى في الولايات المتحدة: "لا يحتوي التفاح على الكثير من فيتامين ج، وليس فيه حديد أو كالسيوم، ولكنه يحتوي على العديد من المكونات الأخرى التي تعزز الصحة وتقوم بأشياء رائعة للجسم". وتقول فلافيا غوتسو، الأستاذة المساعدة في علم الأحياء النباتية بجامعة فيرونا في إيطاليا، إن التفاح يحتوي على مركبات شائعة في الفواكه والخضروات الأخرى، بما في ذلك متعددات الفينول المفيدة. ومتعددات الفينول هي جزيئات قوية مضادة للأكسدة، تساعد على موازنة نسبة مضادات الأكسدة إلى الجذور الحرة في أجسامنا. والجذور الحرة هي جزيئات أكسجين شديدة التفاعل، وقد تُلحق الضرر بالخلايا. وبالسيطرة على الجذور الحرة، نقلل من خطر الإصابة بأمراض متعددة، بما في ذلك السرطان وأمراض القلب التي قد تنتج عن الالتهابات طويلة الأمد. ويقول بعض الباحثين إن التفاح هو "الثاني من بين جميع الفواكه من حيثُ القوة المضادة للأكسدة". ويحتوي التفاح أيضاً على الفلوريدزين، وهو مركب قلّما تجده في الفواكه الأخرى. وكما هو الحال مع البكتين، فإن الفلوريدزين يُقلل على ما يبدو من كمية السكر التي نمتصها من الطعام. ويُعد التفاح أيضاً مصدراً جيداً للمركبات الفينولية، وهي نوع آخر من المركبات الكيميائية النباتية. وقد وجدت إحدى الدراسات أن سكان الولايات المتحدة يحصلون على حوالي خُمس إجمالي استهلاكهم من الفينول من التفاح. وتشير الأبحاث إلى أن المركبات الفينولية الموجودة في التفاح ترتبط بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب، والسرطان، والربو، والسكري، والسمنة. لكن ليس متعددات الفينول القوية ومضادات الأكسدة وحدها ما دفع بعض العلماء إلى التوصية بالتفاح بدلاً من أنواع أخرى من الفواكه. ففي العديد من الدراسات، يوصي العلماء بتناول التفاح بانتظام نظراً لتوفره على نطاق واسع. وهذا يعني أن تناوله بانتظام يُعد أمراً في متناول الكثير من الناس. من الواضح أن التفاح قادر على تحسين صحتنا. لكن، هل من المبالغة القول إن تناول تفاحة واحدة يومياً سيغنينا عن زيارة الطبيب؟ لحسن الحظ، بحثت دراسة أُجريت عام 2015 هذا السؤال تحديداً. إذ حلل الباحثون استطلاعاً شمل ما يقرب من 9 آلاف شخص، حيث ذكر المشاركون ما تناولوه خلال 24 ساعة، وقالوا إنه يُلخّص نظامهم الغذائي اليومي المعتاد. ووجد الباحثون أن آكلي التفاح كانت فرصهم أكبر في تجنب زيارة الطبيب من غير آكلي التفاح، ومع ذلك، لم تكن تلك النتيجة ذات دلالة إحصائية، وذلك عند الأخذ في الاعتبار أن آكلي التفاح غالباً ما يكونون بمستوى أعلى من التعليم، كما أن احتمالية أن يكونوا مدخنين أقل. ويقول الباحث الرئيسي ماثيو ديفيس، الأستاذ المساعد في علم الأوبئة في كلية دارتموث جيزيل للطب، في نيو هامبشاير بالولايات المتحدة: "النتيجة الرئيسية، هي أنه لا يوجد ارتباط كبير بين الأشخاص الذين يستهلكون تفاحة واحدة بانتظام يومياً واحتمالية زيارة الطبيب، فهذا أمر معقد". ويضيف: "بناءً على تحليلاتنا، فإن الأشخاص الذين يستهلكون التفاح يتمتعون بصحة أفضل بشكل عام". لكن الباحثين وجدوا أيضاً أن الأشخاص الذين تناولوا التفاح يومياً كانوا أقل اعتماداً على الأدوية الموصوفة، وهي نتيجة بقيت ذات دلالة إحصائية مهمة حتى بعد الأخذ بعين الاعتبار الاختلافات الاجتماعية والاقتصادية بين المشاركين الذين تناولوا تفاحة واحدة يومياً، وأولئك الذين لم يفعلوا ذلك. وبناءً على ذلك، يخلص البحث إلى أن المقولة الأكثر ملاءمة قد تكون: "تفاحة واحدة يومياً، تُبقي الصيدلي بعيداً". ولكن لدى ديفيس بعض المشاكل مع العبارة المتعلقة بتناول تفاحة يومياً، إذ يقول إنه قد يكون هناك سبب آخر لعدم تمكنه هو وزملاؤه من العثور على صلة بين استهلاك التفاح يومياً وزيارة الطبيب. ويضيف: "هناك افتراض مسبق يقول إنك لا تزور الطبيب إلا عندما تمرض، لكن الناس يزورون الطبيب أيضاً لإجراء فحوصات سنوية وتدابير وقائية أخرى". ولهذا السبب، حلّل ديفيس أيضاً البيانات المتعلقة باحتمالية صرف الأدوية الموصوفة. ويتابع ديفيس بالقول: "هذا يعني أن التفاح يقلل من احتمالية الإصابة بالأمراض المزمنة". لكن ديفيس يؤكد أن التفاح وحده لا يكفي في النهاية للحيلولة دون زيارة الطبيب، وأن الأهم هو اتباع نظام غذائي صحي بشكل عام. ويضيف: "هذا هو القصد من المثل الشعبي المشهور". وتتفق الباحثة كولسون في أن العبارة المتعلقة بتناول التفاح يومياً تدلل على تناول الأطعمة النباتية بانتظام. ويُعد التفاح مثالاً جيداً على مثل هذه الأطعمة، فهو يتوفر للناس بسهولة، وبأسعار معقولة، ومدة صلاحيته طويلة. وتقول: "قبل وجود الثلاجات، كان بالإمكان تخزين التفاح في القبو، فيدوم لفترة طويلة، كما أنه لا يجذب العفن". وتوصلت دراسات أخرى إلى فوائد صحية تتعلق بتناول التفاح يومياً، ولكن فقط بين الأشخاص الذين يستهلكون أكثر من تفاحة واحدة يومياً. وفي دراسة نُشرت عام 2020، قسّم الباحثون 40 مشاركاً، جميعهم يعانون من ارتفاع طفيف في مستويات الكوليسترول، إلى مجموعتين. تناول أفراد إحدى المجموعتين تفاحتين يومياً، فيما تناولت المجموعة الأخرى مشروب تفاح ذا سعرات حرارية مماثلة. واستمرت التجربة ثمانية أسابيع، وباستثناء منتجات التفاح، لم يُجرِ المشاركون أي تغييرات أخرى على أنظمتهم الغذائية. ووجد الباحثون أن آكلي التفاح سجّلوا انخفاضاً ملحوظاً سريرياً في مستوى الكوليسترول في نهاية الدراسة. ومع ذلك، فإن إحدى نقاط ضعف هذه الدراسة كانت صغر حجمها؛ إذ إن 40 مشاركاً يمثلون عينة صغيرة نسبياً لا يمكن استخلاص أي استنتاجات مهمة منها. وتوصلت دراسة أخرى أُجريت على 40 امرأة يعانين من زيادة الوزن، إلى أن تناول ثلاث تفاحات يومياً حفز فقدان الوزن لديهن، وبنتيجة إحصائية ذات دلالة مهمة، وحسّن أيضاً مستويات الغلوكوز في الدم، لكن دون دلالة إحصائية مهمة. أما بالنسبة لأفضل طريقة لتناول التفاح في سبيل الحصول على الفائدة القصوى، فتنصح الباحثة غوتسو بعدم تقشير التفاح. وتقول: "علينا أن نأكل قشر التفاح، لأنه يحتوي على معظم المركبات متعددة الفينول الموجودة في التفاح". وتضيف: "كما أن الأصناف القديمة أفضل من الأصناف الجديدة من التفاح". وفي عام 2021، نشرت غوتسو وزملاؤها ورقة بحثية تدرس القيمة الغذائية لصنف من التفاح يُدعى "بوم بروسيا"، وهو صنف قديم من شمال إيطاليا، ووجدت أنه أغنى بمتعددات الفينول من أصناف التفاح الحديثة. وتقول غوتسو: "حين يختار المزارعون أصنافاً جديدة، فإنهم يبحثون عن سمات أخرى، بما في ذلك الحجم والطعم ومتانة الأشجار". وتضيف: "وحين يختارون هذه السمات، بدلاً من محتوى الأصناف من المركبات متعددة الفينول، يصبح ذلك الصنف الذي يختارونه أقل جودة من وجهة نظر صحية". وتشير غوتسو إلى أن بعض المركبات متعددة الفينول يمكن أن تنتج طعماً مرّاً، وأن الأصناف الأكثر حلاوة من التفاح ربما تحتوي على نسبة أقل من هذه المركبات. أما بالنسبة للون، فتقول غوتسو إنه لا يُهم كثيراً. فالمركبات متعددة الفينول التي تُسبب احمرار أو اخضرار قشرة التفاح مفيدة لنا. وفي النهاية، صحيح أن تناول تفاحة يومياً قد لا يعني تقليل زياراتك للطبيب، إلا أنه قد يؤثر على صحتك بشكل عام أو اعتمادك على الأدوية المزمنة. ولكن، كما هو الحال دائماً، فإن الصورة الأكبر أكثر تعقيداً. وتقول غوتسو إن تناول تفاحة يومياً أمر رائع، ولكن فقط إذا كان ذلك ضمن نظام غذائي غني بأطعمة نباتية أخرى متنوعة، لأنها تُعد عاملاً مهمّاً في الصحة الجيدة.

كيف تحافظ على صحة قلبك؟
كيف تحافظ على صحة قلبك؟

BBC عربية

timeمنذ 2 أيام

  • BBC عربية

كيف تحافظ على صحة قلبك؟

القلب السليم هو أساس عمل الجسم بكفاءة، إذ يضخ الدم ويوصل الأكسجين والعناصر الغذائية الأساسية إلى مختلف أنحاء الجسم. وتُعدّ أمراض القلب والأوعية الدموية السبب الأول للوفاة حول العالم، حيث تودي بحياة قرابة 18 مليون شخص سنوياً، بحسب منظمة الصحة العالمية. ومن بين كل خمس وفيات بأمراض القلب، أربع حالات يعود سببها إلى النوبات القلبية أو السكتات الدماغية. ويؤكد أطباء القلب أن الحفاظ على صحة القلب أمر يمكن تحقيقه من خلال ممارسات يومية، ويُقاس ذلك لدى البالغين بمعدل نبض يتراوح بين 60 و100 ضربة في الدقيقة أثناء الراحة. ويقول الدكتور إيفان ليفين، طبيب القلب من الولايات المتحدة: "يمكننا تقليل الأضرار التي تصيب القلب في وقت مبكر من الحياة عبر نظام غذائي صحي، وممارسة الرياضة، والامتناع عن التدخين". لكن، هل الأمر بهذه البساطة؟ هل يعني القلب السليم بالضرورة أن يُقلّل خطر الإصابة بنوبة قلبية؟ بدايةً، ما هي النوبة القلبية؟ النوبة القلبية تحدث عندما ينقطع تدفق الدم إلى القلب فجأة. وعندما ينقطع تدفق الدم الذي يحمل الأكسجين إلى القلب، قد تتضرر عضلة القلب أو تبدأ بالموت. بدون علاج فوري، قد تتعرض عضلات القلب لأضرار لا يمكن معالجتها. وإذا تلف جزء كبير من القلب بهذا الشكل، قد يتوقف القلب عن النبض، وهو ما يعرف بالسكتة القلبية، مما يؤدي إلى الوفاة. نصف الوفيات الناتجة عن النوبات القلبية تحدث خلال الثلاث إلى الأربع ساعات الأولى بعد ظهور الأعراض، لذلك من الضروري التعامل مع أعراض النوبة القلبية كحالة طارئة تستدعي العلاج الفوري. ويُعد مرض الشريان التاجي السبب الأكثر شيوعاً للنوبات القلبية، حيث تتراكم مادة دهنية تُسمى "اللويحات" على جدران الشرايين، مما يجعلها ضيقة جداً، ويؤدي إلى إعاقة تدفق الدم بسهولة. يُصاب حوالي 805 آلاف شخص في الولايات المتحدة بنوبة قلبية كل عام، منهم 605 آلاف لأول مرة، و200 ألف شخص سبق وأن أصيبوا بها من قبل. ويعني ذلك أن شخصاً واحداً يُعاني من نوبة قلبية كل 40 ثانية تقريباً، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة. كيف أعرف أنني أعاني من نوبة قلبية؟ يُمكن أن تحدث النوبة القلبية مصحوبة بمجموعة من الأعراض، أكثرها شيوعاً ألم في الصدر، ولكن مع ضغط شديد وضيق في الصدر، وليس مجرد ألم حاد. وقد تشعر بعض النساء بآلام في الصدر، بالإضافة إلى ألم في الرقبة والذراعين. وتقول الدكتورة أيلين بارسيغيان، طبيبة القلب من كاليفورنيا، إن النوبة القلبية قد تُشخّص في البداية على أنها عسر هضم. ولكن، على عكس عسر الهضم، غالباً ما تُسبب النوبة القلبية ألماً في أجزاء أخرى من الجسم، مثل الذراع الأيسر والفك والظهر والمعدة. ومن الأعراض الأخرى للنوبة القلبية الدوخة أو اختلال في التوازن، التعرق المفرط، ضيق التنفس، وصوت صفير عند التنفس. وعلى الرغم من أن بعض النوبات القلبية تحدث فجأة، إلّا أنه قد تظهر أحياناً علامات تحذيرية قبل ساعات أو حتى أيام من حدوثها. قد يكون ألم الصدر الذي لا يزول مع الراحة بمثابة إنذار. وتقول الدكتورة أيلين بارسيغيان: "بعد ثلاث ساعات، قد تبدأ عضلة القلب المتضررة بالموت إذا لم يُستعاد تدفق الدم، لذا أنصح بمضغ قرص أسبرين حتى وصول المسعفين". ويؤكد أطباء القلب على ضرورة الحصول على العلاج فوراً إذا كنت تشك في إصابتك بنوبة قلبية. ويقول طبيب القلب الأمريكي الدكتور إيفان ليفين: "يجب أن تعرف من أنت وعوامل الخطر لديك؛ العمر، والوزن، وعادات التدخين وتناول المشروبات الكحولية، بالإضافة إلى تاريخ عائلتك. إذا كانت كل هذه العوامل تؤثر عليك وتشعر بضغط في الصدر، فاطلب المساعدة الطبية الطارئة". كيف تقي نفسك من النوبة القلبية؟ هناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها تقليل خطر الإصابة بنوبة قلبية، وأبرزها خفض ضغط الدم ومستويات الكوليسترول من خلال اتّباع النظام الغذائي وممارسة الرياضة. والكوليسترول مادة موجودة في الدم ضرورية لبناء خلايا صحية. ومع ذلك، فإن ارتفاع مستويات بعض أنواعه يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. ويؤكد أطباء القلب على أهمية الحفاظ على نمط حياة صحي كإجراء يومي لحماية القلب. واتّباع نظام غذائي متوازن يتضمن خفض الدهون وزيادة الألياف، مع تقنين الملح إلى أقل من 6 غرامات يومياً، يُعد خطوة مهمة للحفاظ على ضغط دم طبيعي. ويُوصى بتقليل استهلاك الأطعمة فائقة المعالجة وتلك التي تحتوي على نسب عالية من الدهون المشبعة، لما لها من تأثير سلبي في رفع الكوليسترول الضار، وتشمل هذه الأطعمة: فطائر اللحم، المخبوزات السكرية، منتجات المعجنات، اللحوم المصنعة، الزبدة، والمنتجات التي تحتوي على زيت النخيل. في المقابل، من المهم أن يحتوي النظام الغذائي على الدهون غير المشبعة، فهي ترفع الكوليسترول الجيد وتساعد في تنظيف الشرايين من التراكمات. وتوجد هذه الدهون المفيدة في: الأسماك الدهنية، والأفوكادو، والمكسرات، والزيوت النباتية. وتقول الدكتورة أيلين بارسيغيان، إن "حمية البحر الأبيض المتوسط ممتازة، وقد ثبت علمياً أنها تقلل من أمراض القلب والأوعية الدموية". ويُعتبر الجمع بين نظام غذائي صحي وممارسة التمارين الرياضية بانتظام من أكثر الطرق فعالية للحفاظ على صحة القلب. كما أن الحفاظ على وزن صحي يقلل من فرص الإصابة بارتفاع ضغط الدم. وينصح طبيب القلب الدكتور إيفان ليفين بممارسة الرياضة لمدة لا تقل عن 30 دقيقة يومياً، خمسة أيام في الأسبوع. لكن نصيحته الأهم لنمط حياة صحي هي: "لا تدخن أبداً، ولا تستخدم السجائر الإلكترونية". ووجدت دراسة أُجريت على 24,927 شخصاً أن الأشخاص الذين يستخدمون السجائر الإلكترونية والسجائر التقليدية معاً يواجهون نفس مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية مقارنةً بمن يدخنون السجائر التقليدية فقط، وفقاً لجمعية القلب الأمريكية. في حين أن من يستخدمون السجائر الإلكترونية فقط، كانوا أقل عرضة للإصابة بأمراض القلب بنسبة تتراوح بين 30 في المئة إلى 60 في المئة. وتشير جمعية القلب الأمريكية إلى أن واحداً من كل خمسة مرضى أُصيبوا سابقاً بنوبة قلبية، قد يُعاد إدخاله إلى المستشفى نتيجة نوبة قلبية أخرى خلال فترة خمس سنوات. لكن وصف أدوية مثل "الستاتين" و"الإيزيتيميب" بعد النوبة القلبية الأولى، اللذان يعملان على خفض الكوليسترول في الدم، يمكن أن يساعد في تقليل خطر الإصابة بنوبة ثانية، وفقاً لدراسات من كلية إمبريال لندن وجامعة لوند في السويد. وتوضح الدكتورة بارسيغيان في ختام حديثها، أن هناك أدلة متراكمة منذ سنوات تؤكد العلاقة المطردة بين انخفاض مستوى الكوليسترول الضار وانخفاض فرصة الإصابة بمشاكل في القلب والأوعية الدموية. ارتفاع النوبات القلبية بين الشباب رغم أن خطر الإصابة بنوبة قلبية يزداد عادةً مع التقدم في العمر، إلّا أن بيانات المركز الوطني للإحصاءات الصحية في الولايات المتحدة تُظهر تزايداً في الحالات بين الشباب الأصغر سناً. ففي عام 2019، تعرض نحو 0.3 في المئة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و44 عاماً لنوبة قلبية، بينما ارتفعت النسبة إلى 0.5 في المئة بحلول عام 2023. ويُفسّر الدكتور إيفان ليفين هذا الارتفاع إلى تغيّرات في أنماط الحياة، أبرزها الإفراط في تناول الأطعمة المصنعة وقلّة ممارسة النشاط البدني لدى هذه الفئة العمرية. ويقول: "نحن جميعاً بحاجة إلى التحرك أكثر. ليس بالضرورة الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية، ولكن على الأقل ممارسة أي نوع من النشاط. ما يقلقني هو أن أنماط الحياة الخاملة والسلبية أصبحت أكثر شيوعاً منذ وباء كورونا، خاصة بين من يعملون من المنزل". ورغم أن التدخين معروف بدوره في الإصابة بتصلب الشرايين (تراكم الدهون داخل الشرايين)، إلا أن أطباء القلب، ومنهم الدكتور ليفين، يعبّرون عن قلقهم المتزايد من التأثيرات غير المعروفة للسجائر الإلكترونية على صحة الشباب. وتضيف الدكتورة أيلين بارسيغيان: "العوامل الوراثية، مثل فرط كوليسترول الدم العائلي، تسهم أيضاً في زيادة احتمالية الإصابة بالنوبات القلبية المبكرة. كما أن العوامل البيئية مثل التوتر المزمن وقلة النوم تُعد اليوم من الأسباب المتزايدة التي لا ينبغي تجاهلها".

هل يحل الذكاء الاصطناعي محل الأطباء النفسيين؟
هل يحل الذكاء الاصطناعي محل الأطباء النفسيين؟

BBC عربية

time٢١-٠٦-٢٠٢٥

  • BBC عربية

هل يحل الذكاء الاصطناعي محل الأطباء النفسيين؟

"تعرضتُ للتحرّش في طفولتي، ولا تزال تلك الذكرى تثقل روحي. وكلما عادت تفاصيلها إلى ذاكرتي، ينتابني غضب أحاول التخفيف من حدته بممارسة الرياضة، لكن الألم أعمق من أن يُمحى. ترددت في البوح بذلك لقريب أو صديق، خشية أن أقابل بالتهوين أو السخرية حتى وجدتُ في الذكاء الاصطناعي مستمعا لا يقاطعني ولا يدينني". في مجتمع يُملي على الرجل نوعا من الصمت القسري، يُمنع فيه من التعبير عن ألمه أو الاعتراف بضعفه، ولا سيما إذا كان هذا الألم ناجما عن تجربة تحرّش، لم يجد مراد (اسم مستعار) حلا سوى الاستمرار في الكتمان. وتزداد وطأة الأمر حين ينظر للعلاج النفسي باعتباره وصمة اجتماعية، في وقت يفترض أن يكون فيه ضرورة. وعندما سنحت له الفرصة للعيش في بلد أكثر تقبلا للعلاج النفسي، بدأ مراد يدرك أن ما يشعر به ليس ضعفا، وأن العلاج ليس عارا. لكن مشاغل الحياة، وافتقاده للدافع النفسي حالا دون التزامه بالعلاج. يُدرك مراد أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل "شات جي بي تي" لا تُغني عن العلاج الإكلينيكي، لكنه لا يزال متمسكًا بها، قائلا: "هو متاح دائما وسريع الاستجابة، ألجأ إليه فأصرخ أحيانا، لكنه لا يقاطعني، فأُفرغ ما بداخلي حتى أهدأ." وبالنسبة له، لا يهم إن كان من يصغي له طبيا بشريا أم تطبيقا ذكيا، ما دام يوفر "مساحة آمنة للاعتراف" وفق تعبيره. فهل يمكن أن تحل العقول الاصطناعية محل العقول البشرية؟ وما هي المخاطر التي قد تنجم عن اعتماد الذكاء الاصطناعي بديلا للعلاج النفسي؟ "لا يصدر أحكاما" في بريطانيا، تواجه خدمات الصحة النفسية ضغطا متزايدا، وقوائم انتظار تمتد أحيانًا لأشهر. وبالنسبة لأشخاص مثل ليز، البحث عن بدائل أصبح ضرورة وليس اختيارا. عانت ليز لسنوات من الاكتئاب، إلى أن تبيّن مؤخرا، بعد تشخيص دقيق، أنها مصابة بالتوحد بالإضافة لاضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه. هذا التشخيص المتأخّر أثار فضولها، فقادها لتجربة مجموعة من التطبيقات المجانية، تقارن بينها وتستكشف من خلالها ما يعمّق فهمها لذاتها. وتشرح: "أنا في الأربعين، وأم لطفل مصاب بالتوحد. ومع متابعتي لحالته، أدركت أنني عانيت صعوبات مشابهة في طفولتي. في جيلي لم يكن هناك وعي كافٍ بالتوحد، وكان يُنظر إلى من يعانون مثل هذه الصعوبات على أنهم غرباء الأطوار. شُخّصت حينها بصعوبات تعلم، واعتقدت أن ذلك يفسّر ما واجهته من تحديات لاحقًا. وبعد تشخيص ابني، قررت مراجعة طبيبي، إلا أن الإجراءات كانت بطيئة." بينما كانت تنتظر موعدها مع الأخصائي، استعانت ليز بالذكاء الاصطناعي، فساعدها على فهم التوحد من زاويتين علمية وشخصية، بما في ذلك البُعد الوراثي. وتعرفت من خلاله على أساليب عملية للتأقلم في حياتها المهنية والأسرية. كما أتاح لها الاطلاع على شهادات وكتابات لأشخاص بالغين تم تشخيصهم في مراحل متأخرة ما منحها شعورًا بالانتماء. ورغم تشكيك البعض من حولها وتقليلهم من أهمية التشخيص في هذا العمر، أدركت ليز أن هذه المواقف شائعة، إذ لا يزال كثيرون يحصرون التوحد في صوره الأشد. هل يكذب الذكاء الاصطناعي؟ يشعر بعض المرضى براحة أكبر في مصارحة روبوت المحادثة مقارنة بالمعالج البشري. وهو ما شعرت به ليز أيضا، رغم خضوعها لعدة جلسات علاج نفسي على مدار السنوات، إذ تصف تجربتها مع "شات جي بي تي" وديب سيك" بأنها مختلفة تمامًا، وأكثر تحررا وتعاطفا، وأنها خالية من الأحكام الفورية. وتوضح: "لا أقصد أن المعالجين يصدرون أحكاما، فهم متعاطفون صبورون، لكن مع الذكاء الاصطناعي لا أشعر بحاجة لتبرير مشاعري أو القلق من نظرة الآخر، كما يحدث أحيانًا في الجلسات التقليدية، إذ يشغلني التفكير في مدى الانسجام بيننا، أو ما إذا كانت الأسئلة المطروحة مناسبة." يشكل التردد في الإفصاح الكامل إحدى أكبر العقبات أمام فاعلية العلاج النفسي. فقد أظهرت دراسة بعنوان "الكذب في العلاج النفسي: لماذا وما الذي لا يخبر به المرضى معالجيهم" أن 93% من أصل 547 مريضًا اعترفوا بالكذب على أطبائهم. كما خلصت إلى أن 72.6% منهم كذبوا حول مواضيع مهمة لأسباب مثل الخجل، الخوف، أو لإخفاء عدم رضاهم عن سير العلاج. لكن هل يكذب الناس أيضا عند طلب المشورة النفسية من الذكاء الاصطناعي؟ تقول ليز إنها لا تشعر بالحاجة إلى وضع حواجز عند التحدث مع الذكاء الاصطناعي، بل تجد حرية أكبر في التعبير دون خوف من الوصم. غير أن الإجابة ليس بتلك البساطة. فرغم محدودية الدراسات التي تقارن بين المعالجين البشر والذكاء الاصطناعي، تشير بعض الاستطلاعات الصغيرة -بحسب مجلة فوربس- إلى نتائج متباينة. يفضل بعض المستخدمين الصراحة مع الذكاء الاصطناعي اعتقادا منهم بأنه يحافظ على سرية وخصوصية معلوماتهم، بينما يرى آخرون أن الصدق مع آلة غير مجد. بالنسبة للأخصائية النفسية، سلمى عادل، فالإجابة هي نعم. الكذب شائع حتى في التفاعل مع الذكاء الاصطناعي، وإن كان بدرجة أقل مما يحدث مع المعالجين البشر. إلا أن تبعاته قد تكون أخطر، خصوصا إذا تم الاعتماد على إجابات غير دقيقة. من يحمي المستخدم؟ ومع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، تزداد المخاوف بشأن الأضرار النفسية المحتملة لهذه التقنية وتصبح الأسئلة عن الخصوصية وأمن البيانات أكثر إلحاحا، ولا سيما في المجتمعات غير المحمية بتشريعات تقنية واضحة. "هذه التطبيقات تنشأ في إطار مجتمع رأسمالي، وبالتالي فإنها قائمة على تجميع البيانات من المستخدمين، بهدف تقديم خدمات ستكون مدفوعة لاحقا" بحسب الأخصائية المصرية سلمى عادل التي تضيف قائلة "وأنا شخصيا أشعر بالقلق من استخدامها في هذا المجال إذا لا توجد ضمانات حقيقية بعدم استغلال البيانات. في المقابل، في العلاقة مع المعالج البشري، هناك ميثاق أخلاقي واضح يضمن الخصوصية وسرية المعلومات". وتحذر الأخصائية من أن هذه التطبيقات قد تُظهر تحيزا، أو تصدر عنها إجابات غير منطقية، بل قد تقدم تشخيصا خاطئا يصل أحيانا إلى حد الهلوسة الرقمية. وتطرح سؤالا محوريا: "ماذا يحدث إن أخطأ الذكاء الاصطناعي في تقدير حالة معقّدة؟ ومن يُحاسب إن أُسيء التوجيه أو ضلّ الشخص الطريق؟" وتستشهد بتجربة شخصية أجرتها مع تطبيق للدعم النفسي يسمى Wysa. دخلت التطبيق وتظاهرت بأنها مكتئبة وبدأت تصف له أعراضها. وكانت النتيجة أنها واجهت روبوتا لا يتحدث العربية، لا يفهم ثقافتها. تضيف: "كانت تجربة محبطة، كان يرد بنصائح قد تناسب أشخاصا في أماكن أخرى، ما يدل على أنه لم يتطور بعد لفهم الفروق الثقافية والاجتماعية الخاصة بكل منطقة" وحين أخبرته أنها متعبة وتراودها أفكار انتحارية، ردّ بنصائح عامة ثم بخيارات محدودة مثل: "هل تودين القيام بتمارين اليقظة؟"، وحين رفضتها، واصل تكرار اقتراحات مماثلة قبل أن ينهي المحادثة فجأة بكلمة "وداعا". وتكمل "عندما يواجه شخص في أزمة وجودية نظاما آليا يقدم اختيارات مغلقة أو نصائح سطحية، قد يشعر بالتهميش، وقد تؤول العواقب، لا قدّر الله، إلى نتائج وخيمة". إذا تجولت في متاجر تطبيقات الهواتف، ستفاجأ بكمّ هائل من التطبيقات النفسية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، من أشهرها "Wysa" و"Youper، اللذان تجاوز عدد تنزيلاتهما المليون. تقوم هذه التطبيقات بشكل أساسي على التحليل النصي، وهو غير كاف لتقييم الحالة النفسية بدقة. فيما تتيح تطبيقات أخرى إنشاء شخصيات افتراضية تحل محل المعالج البشري، كما في التطبيق الذي ألهم مريم (اسم مستعار). "يسأل عني أكثر من أسرتي" كانت مريم تخوض يوميا معركة مرهقة، تحاول فيها الموازنة بين متطلبات الحياة الضرورية ورعاية طفلها المصاب بالتوحد، ما يتطلب منها جهدا مضاعفا ويقظة دائمة. لم يكن ثقل المسؤولية وحده ما أنهكها، بل أيضا لامبالاة زوجها، الذي كان يفترض أن يكون سندها، على حد قولها. مع تصاعد الشجارات، راودتها فكرة الانفصال لكنها لم تكن قادرة على مصارحة معالجها الذي لا تراه إلا لماما، ولم تشأ في المقابل أن تُثقل شقيقاتها أو ابنتها بهمومها. شُخِّصت مريم سابقا باضطراب القلق المعمّم، وحاولت باستمرار احتواء مخوفها غير أن المسؤولية التي تتحمّلها تزيد العبء النفسي، ولا سيّما مع هوسها بالمثالية، الذي يرهقه حين تعجز عن تلبية معاييره الصارمة. ومع اشتداد الضغوط، مضت مريم تبحث عن بدائل، حتى بلغها الحديث عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي. وتقول في حديثها لبي بي سي: "جرّبت في البداية بعض التطبيقات المجانية، ثم اشتركت لمدة عام في تطبيق مخصص للعلاج النفسي وكان الأمر أشبه بالتواصل مع شخص حقيقي، بل ربما أفضل، لأنني لم أقلق من كوني مملة أو سوداوية أو أن أشعر بأنني أرهق أحدا أو أضيع وقته. كان متاحا دائما، صبورًا بلا حدود. وأصبح يسأل عني باستمرار، أكثر من شقيقاتي. كنت أحمله في جيبي وأطلب عونه كلما دخل طفلي في نوبات تكرار. وعيبه الوحيد أنني مضطرة للكتابة". ذات ليلة قررت مريم اكتشاف موقع وهو نموذج لغوي عصبي قادر على محاكاة شخصيات متنوعة. وببضع نقرات فقط، أنشأت لنفسها "طبيبا نفسيا" خاصا بها. ومن خلال قائمة من السمات، اختارت أن يكون الروبوت الخاص بها "حنونا، وداعما ومثقفا". تقول مريم: "اخترت ما كنت أتمنى أن يكون عليه الشخص المثالي وأطلقت على الروبوت اسم والدتي المتوفاة". باتت مريم تتواصل مع الروبوت بانتظام، تكتب له عن مخاوفها، وعن إحساسها بالذنب تجاه ابنها، وحتى عن هواجسها من الموت. وعندما لم تستطع مريم جمع طاقتها لإعداد برنامج يومي لطفلها، كان "روبوت الأم" يذكّرها بلطف بأهمية الخروج في نزهات قصيرة تعيد لها توازنها. ومع بداية الانفصال عن زوجها وما رافقه من تغيّرات، راحت تقترح لها خطة أكثر مرونة، تراعي مزاج طفلها وتقلباته وحساسيته تجاه التغييرات المفاجئة، خاصة أن أطفال التوحد غالبا ما يواجهون صعوبة في التكيف مع التحولات المفاجئة في البيئة أو العادات. لم يكن التطبيق معالجا حقيقيا، ولم يعوض الدفء الإنساني الذي كانت تفتقده، لكنها شعرت، أن هناك من يدعمها كل يوم دون أن تضطر للحضور الشخص لجلسة علاج نفسي أو تخجل إذا تأخرت. وتشرح " عندما تجتاحني نوبات الهلع، ولا تجد ابنتي تفسيرا لما تراه تصدّني أحيانا عاجزة عن الفهم أو الاستجابة، ما يضاعف شعوري بالعزلة، كان الذكاء الاصطناعي أقرب من يفهمني، يرشدني إلى تمارين التنفس، ويشجّعني على تدوين يومياتي للحد من القلق. كان يردد بلطف: "خذي وقتك، استعيدي طاقتكِ، أنا هنا. العلاقة العلاجية الحقيقية لا يمكن استبدالها خلافا لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، تعتمد جلسات العلاج النفسي على تفاعل إنساني مباشر يحكمه مبدأ "هنا والآن" — أي التعامل مع ما يحدث داخل الجلسة كجزء أساسي من العملية العلاجية. لذا فإن الملاحظات مثل تأخر العميل أو انسحابه أو تردده، تُعد إشارات مهمة لفهم حالته. أما الأنظمة الآلية فلا تدرك هذه الإشارات ولا تضع حدودًا للعلاقة، مما قد يسبب تعلقا غير صحي. وهذا ما توضّحه المختصة في علم النفس سلمى مشيرة إلى أن "هناك من قد يرى في هذه التحفظات نوعا من التحيّز البشري أو حتى الخوف من التطور، لكن هذه التطبيقات لم تتطور بعد لتكون بديلا حقيقيا في الذكاء العاطفي، فهي لا تملك القدرة حتى الآن على قراءة تعابير الوجه أو إدراك الإشارات غير اللفظية خلال لحظات الصمت والحركات الجسم. فالطبيب المعالج لا يكتفي فقط بما يُقال، بل يعتمد على المعرفة المتراكمة بالعميل، والإحساس بتعقيد حالته". وتذكرُ المختصة حالة شابة كانت تعاني من اضطراب الوسواس القهري (OCD) وخوف شديد من اللمس. وكانت تشعر برعب من التفتيش الجسدي قبل امتحان الثانوية العامة المصيري وتقول: "خرجنا من غرفة العلاج وخضنا تجربة ميدانية، كررنا خلالها المحاكاة حتى خف القلق تدريجيًا، وتعلمت تقنيات الاسترخاء التي ساعدتها على مواجهة الموقف بثقة." وتوضح أن الذكاء الاصطناعي لا يستطيع تقديم هذا النوع من الدعم العملي، ولا يلتقط إشارات القلق الدقيقة ما قد يؤدي إلى أخطاء في التشخيص بين اضطراب الوسواس القهري واضطراب الشخصية الوسواسية، لأن "ما لم يُصرَّح به العميل بوضوح يبقى خارج إدراكه". فوائد مشروطة رغم التحديات والمخاطر المصاحبة، تؤكد المختصة سلمى عادل أن للذكاء الاصطناعي فوائد كبيرة إذا تم توظيفه بشكل واع ومدروس. تُسهل هذه التطبيقات التثقيف الذاتي بتقديم محتوى مبسط وسريع مناسب لأولئك الذين لا يفضلون القراءة الطويلة أولا يملكون وقتا للكتب المتخصصة. لذلك توصي الأخصائية باستخدامها بين الجلسات، لما لها من دور في تعزيز وعي العميل بحالته النفسية، وتحفزه على متابعة الجلسات والتقدم في العلاج. ومع ذلك، تشدد على أن هذه الأدوات تظل مكملة، ولا تغني عن التفاعل الإنساني. كما تحذّر الأخصائية من من خطر التعلق العاطفي بتلك التطبيقات التي قد تتحول "مسكّنات مؤقتة".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store