
مرايا الحكم ، حين نحاكم الآخرين نكتب مصيرنا بأيدينا، بقلم: رانية مرجية
في عمق كل روح بشرية، توجد محكمة صامتة، تجلس فيها النفس على المنصة وتحاكم الآخرين في الخفاء. نصدر الأحكام على من نراهم 'أقل'، 'مذنبين'، 'مختلفين'، دون أن ننتبه أننا نحن المتهمون القادمون.
كأن الحكمة الإلهية تهمس في داخلنا: 'لا تُدينوا لكي لا تُدانوا' (إنجيل متى 7: 1) – كلمات خالدة، ليست مجرد وصية بل قانون روحي ونفسي واجتماعي يتردد صداه في كل الأديان.
لماذا ندين؟
من منظورٍ نفسي، تمثل الإدانة آلية دفاعية نحاول بها إسقاط مشاعرنا المكبوتة على الآخرين. نحكم على من حولنا لنخفي صراعاتنا الداخلية. كما قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام:
'من نظر في عيب نفسه شُغل عن عيب غيره، ومن رضي برزق الله لم يحزن على ما فاته، ومن سلّ سيف البغي قُتل به.'
ندين لأننا نرفض مواجهة هشاشتنا. نحكم على الضعيف كي لا نعترف بضعفنا. نحاكم المختلف لأننا نخشى الاختلاف فينا.
الإدانة في ميزان الدين
في الإسلام، تأتي آيات عديدة تحذّر من الحكم على الآخرين، ومنها قول الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ (الحجرات: 12)
تتجلى هذه الآية كدرع أخلاقي يحمي الإنسان من الوقوع في فخ إصدار الأحكام. الظن، التجسس، والغيبة ليست سوى صور مختلفة من الإدانة المغلّفة.
في المسيحية، يُذَكّرنا بولس الرسول أيضًا:
'فإذًا أنت بلا عذر أيها الإنسان، كل من يدين، لأنك في ما تدين غيرك تحكم على نفسك، لأنك أنت الذي تدين تفعل تلك الأمور بعينها' (رومية 2: 1)
وفي كلمات الحلاج – الصوفي المتصوف الشهيد:
'ما رأيت شيئًا إلا ورأيت الله فيه' – فكيف يمكن أن تدين مخلوقًا يسكنه الله، أو تتعالى على من يحمل من النور ما تحمله أنت؟
المجتمع: محكمة مفتوحة
في عالم تسوده المقارنات والنماذج المثالية الزائفة، تتحول الإدانة إلى عادة جماعية. نحن نعيش في ثقافة تخشى الاختلاف، فتصنع من الأحكام جدرانًا. نحكم على المرأة إذا لبست، ونحكم عليها إذا تحجّبت. نحاكم الفقير، ونزدري الثري، دون أن نسأل: من نحن حتى نصدر هذه الأحكام؟
الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قال:
'من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن فرّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة' (رواه مسلم)
والستر نقيض الإدانة. الساتر يرحم، والقاضي يعاقب، فأيّ الطريقين نسلك؟
هل نعرف الحقيقة أصلًا؟
كل إنسان قصة لا نعرف فصولها. نحكم عليه من لقطة عابرة، من كلمة، من موقف مجتزأ، وننسى أن الحقيقة أعمق مما نراه. كم من مذنب في نظرنا كان بريئًا؟ وكم من 'قديس' كان يخفي ظلامًا داخليًا؟
الرب وحده يرى القلوب، أما نحن فلا نرى سوى الوجوه.
النهاية: لنُنزِل الأحكام من قلوبنا
'لا تُدينوا لكي لا تُدانوا' ليست فقط تحذيرًا سماويًا، بل نداء للسلام الداخلي. عندما نتوقف عن إدانة الآخرين، نصغي أخيرًا إلى أنفسنا. حين نُمارس الرحمة، نُشفى. حين نفهم الآخر، نفهم ضعفنا. كما قال يسوع للمرأة الزانية التي كادت تُرجَم:
'من كان منكم بلا خطيئة، فليرمها أولًا بحجر' (يوحنا 8: 7)
فلنكن نحن من يُلقي الحجر جانبًا. لنكفّ عن بناء محاكم خفية داخل أرواحنا. لنجعل من قلوبنا أماكن سماح لا ساحات حرب.
فكل حكم تُصدره، ستدور دائرته، وربما يعود إليك يومًا في وقت ضعفٍ لم تتخيله.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شبكة أنباء شفا
منذ يوم واحد
- شبكة أنباء شفا
مرايا الحكم ، حين نحاكم الآخرين نكتب مصيرنا بأيدينا، بقلم: رانية مرجية
مرايا الحكم: حين نحاكم الآخرين نكتب مصيرنا بأيدينا بقلم: رانية مرجية في عمق كل روح بشرية، توجد محكمة صامتة، تجلس فيها النفس على المنصة وتحاكم الآخرين في الخفاء. نصدر الأحكام على من نراهم 'أقل'، 'مذنبين'، 'مختلفين'، دون أن ننتبه أننا نحن المتهمون القادمون. كأن الحكمة الإلهية تهمس في داخلنا: 'لا تُدينوا لكي لا تُدانوا' (إنجيل متى 7: 1) – كلمات خالدة، ليست مجرد وصية بل قانون روحي ونفسي واجتماعي يتردد صداه في كل الأديان. لماذا ندين؟ من منظورٍ نفسي، تمثل الإدانة آلية دفاعية نحاول بها إسقاط مشاعرنا المكبوتة على الآخرين. نحكم على من حولنا لنخفي صراعاتنا الداخلية. كما قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: 'من نظر في عيب نفسه شُغل عن عيب غيره، ومن رضي برزق الله لم يحزن على ما فاته، ومن سلّ سيف البغي قُتل به.' ندين لأننا نرفض مواجهة هشاشتنا. نحكم على الضعيف كي لا نعترف بضعفنا. نحاكم المختلف لأننا نخشى الاختلاف فينا. الإدانة في ميزان الدين في الإسلام، تأتي آيات عديدة تحذّر من الحكم على الآخرين، ومنها قول الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ (الحجرات: 12) تتجلى هذه الآية كدرع أخلاقي يحمي الإنسان من الوقوع في فخ إصدار الأحكام. الظن، التجسس، والغيبة ليست سوى صور مختلفة من الإدانة المغلّفة. في المسيحية، يُذَكّرنا بولس الرسول أيضًا: 'فإذًا أنت بلا عذر أيها الإنسان، كل من يدين، لأنك في ما تدين غيرك تحكم على نفسك، لأنك أنت الذي تدين تفعل تلك الأمور بعينها' (رومية 2: 1) وفي كلمات الحلاج – الصوفي المتصوف الشهيد: 'ما رأيت شيئًا إلا ورأيت الله فيه' – فكيف يمكن أن تدين مخلوقًا يسكنه الله، أو تتعالى على من يحمل من النور ما تحمله أنت؟ المجتمع: محكمة مفتوحة في عالم تسوده المقارنات والنماذج المثالية الزائفة، تتحول الإدانة إلى عادة جماعية. نحن نعيش في ثقافة تخشى الاختلاف، فتصنع من الأحكام جدرانًا. نحكم على المرأة إذا لبست، ونحكم عليها إذا تحجّبت. نحاكم الفقير، ونزدري الثري، دون أن نسأل: من نحن حتى نصدر هذه الأحكام؟ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قال: 'من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن فرّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة' (رواه مسلم) والستر نقيض الإدانة. الساتر يرحم، والقاضي يعاقب، فأيّ الطريقين نسلك؟ هل نعرف الحقيقة أصلًا؟ كل إنسان قصة لا نعرف فصولها. نحكم عليه من لقطة عابرة، من كلمة، من موقف مجتزأ، وننسى أن الحقيقة أعمق مما نراه. كم من مذنب في نظرنا كان بريئًا؟ وكم من 'قديس' كان يخفي ظلامًا داخليًا؟ الرب وحده يرى القلوب، أما نحن فلا نرى سوى الوجوه. النهاية: لنُنزِل الأحكام من قلوبنا 'لا تُدينوا لكي لا تُدانوا' ليست فقط تحذيرًا سماويًا، بل نداء للسلام الداخلي. عندما نتوقف عن إدانة الآخرين، نصغي أخيرًا إلى أنفسنا. حين نُمارس الرحمة، نُشفى. حين نفهم الآخر، نفهم ضعفنا. كما قال يسوع للمرأة الزانية التي كادت تُرجَم: 'من كان منكم بلا خطيئة، فليرمها أولًا بحجر' (يوحنا 8: 7) فلنكن نحن من يُلقي الحجر جانبًا. لنكفّ عن بناء محاكم خفية داخل أرواحنا. لنجعل من قلوبنا أماكن سماح لا ساحات حرب. فكل حكم تُصدره، ستدور دائرته، وربما يعود إليك يومًا في وقت ضعفٍ لم تتخيله.


قدس نت
منذ يوم واحد
- قدس نت
في العلاقة بين ترامب ونتنياهو...!
بقلم: أكرم عطا الله بقلم/ أكرم عطا الله / في العلاقة بين الثنائي بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب ما يدعو للسخرية أحياناً وللدهشة أحياناً أخرى، فهي تخرج عن التقاليد السياسية التي تتابعها دوماً أجهزة المخابرات وفضول الصحافة، وهي مهمة لفهم طبيعة السياسة في المنطقة، وتحديداً في الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل، لأن الخطأ في فهم تلك العلاقة يؤدي لاجتهاد سياسات خاطئة. لا يتشابه الرجلان كفاسدَين فقط لاحقتهما المحاكم التي تزخر بملفاتهما كلٌ في بلده، أو لأن كلاً منهما يسعى لتحطيم الدولة العميقة، بل يشتركان في الأهداف حد التماثل في إطار صداقة شخصية نادرة تعبر عن نفسها بمديح لا يتوقف من أحدهما للآخر، كأن هناك نوعاً من التوأمة بينهما، وبالنظر لتاريخ ولايتَي ترامب الأولى ومقدمات الثانية يمكن أن نستنتج ما ينفي أي تباين بينهما، بقدر ما يعكس تخطيطاً وتنسيقاً وطبخاً مشتركاً لكل شيء، وأن ادعاء الخلاف في لحظات ما ليس أكثر من ضرورات الخداع، كما حصل مع حماس وإيران والعرب سرعان ما أن تنكشف لحظة انتهاء المَهمة المطلوب التضليل من أجلها. وثِقت حماس بترامب في تهدئة كانون الثاني الماضي، وبلغ بها الانفعال أن طالبت بلقائه ووافقت على تجزئة الاتفاق، لتكتشف بعد التنصل الإسرائيلي أن ترامب يهدد بفتح الجحيم على غزة دون أن يشير لإسرائيل. ووثِقت إيران بترامب عندما كان على وشك جولة تفاوضية منتصف حزيران، مستبعداً ضرب إسرائيل لها لتكشف الصحافة المزهوة في إسرائيل أنهما كانا يطبخان الضربة سوياً، وكذلك الضربة الأميركية عندما أعطى إيران مهلة أسبوعين في تلك الليلة. هناك مدرستان في تحليل العلاقة، واحدة تتعاطى مع ترامب مجرد ذراع تنفيذي لبنيامين نتنياهو، وأخرى تعتقد في لحظات معينة أن هناك تباينات بين الرجلين، أو أن لترامب في لحظة معينة مصلحة يمكن أن تتضارب مع نتنياهو، أو أن الأول يمكن أن يضغط على الأخير في موضوع ما، هذه القراءة تضلل السياسيين إذا كانوا يقرؤون ليجازفوا باتخاذ قرارات أو توجهات ارتباطاً بذلك، وهو ما أدى لفشل سياسي في لحظات معينة. قبل زيارته للخليج في أيار الماضي كان مكتب ترامب يعلن بشكل مفاجئ أن ترامب غاضب على نتنياهو، وأنه قام بقطع كل الاتصالات معه ... ربما صدّق العرب ذلك، لكن الهدف حينها أن تلك كانت مقدمة تضليلية لازمة للزيارة لقطع الطريق أمام زعماء الخليج، إذا ما طالبوا بوقف الحرب أو بطلب أي شيء يتعلق بنتنياهو سيقول لهم «آسف أنا لا أتحدث معه وقد قطعت كل اتصالاتي معه» وربما يجامل بالقول: أنا أكرهه وهكذا. في ولايته الأولى كان بنيامين نتنياهو يقوم بشحن دونالد ترامب وترتيب عقله الفوضوي بما يتعلق بفلسطين والمنطقة، وقد تفاخر الأخير بخدماته الجليلة لإسرائيل، فقد حقق أحلاماً كبيرة جداً لنتنياهو، حيث اعترف في العام الأول من تلك الولاية بالقدس عاصمة لإسرائيل، واعترف بضم الجولان، وقدم صفقة القرن باعتبارها الحل النهائي، وحاول دمج إسرائيل بالمنطقة، فصنع لها اتفاقيات ابراهيمية وفوق ذلك انسحب من الاتفاق النووي مع ايران، واغتال لها قاسم سليماني، وهي إنجازات لم يكن يتخيلها نتنياهو في أسعد أحلامه. أما في الولاية الثانية فكان نتنياهو مستعجلاً ارتباطاً بموعد حكومته. فقد دُعي للبيت الأبيض ثلاث مرات في غضون خمسة أشهر، وهي سابقة لم تحدث، بالإضافة لرمزية استقبال الرئيس الأميركي لأول ضيف في المكتب البيضاوي، وهذا وفي العرف الأميركي رسالة بأن هذا الضيف هو الأقرب لعقله وقلبه خلال ولايته، وفي الزيارة الأخيرة هذا الأسبوع استضافه في مقر الضيافة الرسمي» بلير هاوس». وإذا كان ترامب قد ذهب في ولايته الأولى نحو تحقيق الأطماع الإستراتيجية، فقد ذهب في الولاية الثانية نحو المخاطر الإستراتيجية أو الأخطار الوجودية كما تسميها دوائر الأمن القومي، والتي تشمل الديمغرافيا الفلسطينية والبرنامج النووي الإيراني. وخلال الأشهر القليلة الماضية كان ترامب أكثر تهوراً وأسرع في الركض وراء بنيامين نتنياهو، ففي السابع من شباط تلقى العالم صدمة إعلان الرئيس ترامب الذي تم شحنه عن خطته لتهجير الفلسطينيين من غزة، بما يتنافى مع أبسط القوانين والأخلاق الكونية، ثم ينتقل في حزيران للهاجس التاريخي لنتنياهو بضرب البرنامج النووي الإيراني والمفاعلات النووية والعلماء القائمين عليه، فيعلن بعدها أن نتنياهو «بطل الأبطال». في هجوم ترامب على القضاء الإسرائيلي الذي يحاكم نتنياهو ما يشي بتلك العلاقة التي ذهب ترامب حد تهديد الدولة الإسرائيلية ومعاقبتها، إذا ما استمرت بملاحقة شريكه الذي يفاخر بتلك الشراكة، قائلاً «أنا وترامب لا نتقاسم فقط استراتيجية مشتركة بل أيضاً تكتيكاً مشتركاً»، بل وأبعد من ذلك يكذبون ويخدعون ويتآمرون بشكل مشترك وبالتفاصيل أو التكتيكات كما يصفها نتنياهو. من الخطأ تصور عكس ذلك، فترامب لا يحتمل عير البِيض، ويعتبر واسرائيل جزءاً من هذا العالم «الأبيض الحضاري»، ويشتركان في النظرة للعرب بأنهم متخلفون وبرابرة غير حضاريين، يتقاتلون على السلطة ولا يؤمنون بالديمقراطية، ولم يبنوا دولاً حديثة تحترم الإنسان، يكرهون بعضهم ويخونون بعضهم ويتعاونون مع الآخر، فلماذا يحترمونهم أو يتعاطون معهم بمصداقية وبلا خديعة إذا كانت الصورة الذهنية لدى ترامب تنبع من تقسيم العالم لبيض وملونين... ونحن ملونون. من يعتقد أن هناك تبايناً بين ترامب ونتنياهو أو بين واشنطن وتل أبيب بحاجة لإعادة النظر. فلم تكن صدفة التاريخ أن الإدارات الأميركية على تنوعها كانت خادمة لإسرائيل... فالمسألة ثقافية تاريخية، هي تنتمي لهذا العالم ونحن غرباء، والأسوأ أننا نهين تاريخنا لنصبح مدعاة للسخرية من الجميع... ليس من ترامب وحده...! جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت


فلسطين أون لاين
منذ 3 أيام
- فلسطين أون لاين
خاص قياديّ في أنصار اللَّه: العدوّ الإسرائيليُّ سيدفع ثمنًا باهظًا.. ودعمنا لغزَّة متواصل
غزة–صنعاء/ حوار محمد الأيوبي: أكد نائب رئيس الهيئة الإعلامية لجماعة أنصار الله في اليمن، نصر الدين عامر، أن التهديدات الإسرائيلية لن تُثني الجماعة عن مواصلة دعمها العسكري لغزة، مشددًا على أن العدو الإسرائيلي "هو من سيدفع الثمن باهظًا وباهظًا جدًا"، في مقابل كل قطرة دم سُفكت في غزة، وكل فلسطين والمنطقة. وفي حوار مع صحيفة "فلسطين"، شدد عامر على أن الجماعة مستعدة تمامًا لمواجهة أي تصعيد عسكري قد يقدم عليه الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدًا أن الجهوزية عالية وأن الرد سيكون بمستوى الاعتداءات، إن لم يكن أكبر، ومعتمدًا في ذلك – كما قال – على "التوكل على الله، والإعداد، والتطوير، والإبداع في مجالات المواجهة". وكان وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي يسرائيل كاتس قال أول من أمس إن سلاح الجو هاجم ما أسماها "أهدافا إرهابية" في موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى ومحطة رأس الخطيب للطاقة" في عملية سماها الراية السوداء، مضيفا "هاجمنا سفينة غالاكسي ليدر التي اختطفها الحوثيون قبل سنتين ويستخدمونها لأنشطة إرهابية" وفق تعبيره. وتوعد كاتس أنصار الله بـ"دفع ثمن باهظ"، مضيفا "كما حذرت سابقا، قانون اليمن هو قانون طهران نفسه.. من يحاول إيذاء (إسرائيل) سيتعرض للأذى ومن يرفع يده ضدنا ستقطع". لا نخشى التهديدات وتعليقه على تهديدات كاتس، أكد عامر أن "أنصار الله" لا تخشى تهديدات الاحتلال ولا تخضع لحساباته، وأضاف: "لو كنا نخاف تهديداتهم أو نخاف (إسرائيل) أو أمريكا، لما كنا تدخلنا منذ اليوم الأول، ولكننا انطلقنا استجابة لله سبحانه وتعالى تجاه ما يتعرض له إخواننا في غزة من جريمة إبادة، ومن ينطلق من هذا المنطلق لا يخش أحدًا إلا الله". وأكد أن التهديدات الإسرائيلية "مكررة بشكل ممل"، وأن جماعته سمعتها مرارًا "بنفس النص والمضمون"، لكن الواقع، بحسب تعبيره، أثبت عجز العدو عن تنفيذها. وقال: "فشلوا في تنفيذ تهديداتهم خلال كل الهجمات السابقة، ولم يفلحوا إطلاقًا في تحقيق أي هدف، فلا الصواريخ توقفت، ولا المسيّرات، ولا العمليات البحرية توقفت، ولا سفينة صهيونية مرت، ولا حتى العدوان الأمريكي أفلح في تحقيق شيء من ذلك سابقًا". وأضاف أن كل ذلك تحقق بتوكل الجماعة على الله، واعتمادها عليه، وثقتها به، مشيرًا إلى أن ما يجري يأتي في سياق "العمل والإعداد والاستعداد والتطوير والإبداع، وكله استجابة لله وطاعة له"، كما قال. وفي سياق متصل، جدد القيادي اليمني، التأكيد على أن جماعته مستعدة لأي عدوان جديد، موضحًا: "نحن مستعدون، وجهوزيتنا عالية لمواجهة أي عمليات عدوانية قد يقدم عليها العدو الإسرائيلي ومعه الأمريكي، مستعينين في ذلك بالله ومتوكلين عليه". وشدد على أن أنصار الله ستسعى "لبذل كل ما نستطيع من جهد في مساندة إخواننا في غزة"، مؤكداً أنهم مستمرون في "إعداد العدة وتطوير الأسلحة بشكل أكبر كماً ونوعاً، للتنكيل بهذا العدو المجرم حتى يتوقف العدوان ويرفع الحصار عن غزة"، ولفت إلى أن هذا الجهد هو جزء من مواجهة ما وصفه بـ"معادلة الاستباحة التي يريد العدو فرضها على منطقتنا وأمتنا". دعمنا مستمر وفي معرض رده على سؤال حول ما إذا كانت الضربات الإسرائيلية على اليمن ستدفع الجماعة لإعادة النظر في إسنادها العسكري لغزة، نفى عامر ذلك بشكل قاطع، مؤكدًا على أن "الدعم لقطاع غزة موقف ثابت ومبدئي" لا يتزحزح مهما كانت التحديات. وقال: "منذ اليوم الأول، وفي كل خطاب للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حفظه الله، وفي كل بيان عسكري للقوات المسلحة، وكل الشعب اليمني يؤكد أن موقفنا الإيماني في نصرة غزة ثابت ومبدئي حتى وقف العدوان ورفع الحصار، مهما كانت التحديات والأخطار". وأكد أن هذا الموقف ليس طارئًا أو ظرفيًا، بل هو خيار استراتيجي بالنسبة لأنصار الله، مشددًا على أن "هذا ما ثبت على مدى ٢١ شهرًا منذ بدء عملية طوفان الأقصى، ونحن أيضًا نؤكد هذا الموقف من جديد من على منبركم بأن هذا الإسناد لن يتوقف أو يتبدل أو يتراجع في جميع المجالات، بل سيتقدم ويتطور بإذن الله حتى وقف العدوان على غزة ورفع الحصار عنها". رسالة واضحة أما عن الرسالة التي أرادت "أنصار الله" إيصالها من خلال الرد الصاروخي السريع الذي جاء بعد وقت قصير من الغارات الإسرائيلية على اليمن، فأوضح عامر أن ما حدث يؤكد مجددًا فشل العدو في تحقيق أهدافه، مضيفًا: "أن عملياتنا العسكرية المساندة لغزة لم تتأثر نهائيًا، حيث انطلقت عملية عسكرية نوعية واسعة بعد العدوان الإسرائيلي مباشرة". وأضاف أن الدفاعات الجوية اليمنية قدّمت مفاجأة غير متوقعة للعدو، أربكت حساباته وأفشلت أهدافه، وقال: "المفاجأة غير المتوقعة أو المسبوقة للدفاعات الجوية اليمنية أربكت كل حساباته، وأجبرت معظم أسراب الطيران المعادي على التراجع دون الوصول لأهدافها، وما تم استهدافه هي أهداف مدنية تمامًا سبق أن استهدفها وأعلن تدميرها عدة مرات، هو والعدو الأمريكي". وفجر الاثنين، اعلن الناطق العسكري باسم أنصار الله العميد يحيى سريع إن قوات جماعته "نفذت عملية بـ3 صواريخ باليستية و8 طائرات مسيرة استهدفت مطار اللد (بن غوريون) وميناء أسدود ومحطة كهرباء عسقلان وميناء أم الرشراش (إيلات)". وعن ما إذا كانت تلك العملية تمثل بداية لتحول في قواعد الاشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي، أشار عامر إلى أن قواعد الاشتباك تتغير باستمرار مع تطور القدرات والتكتيكات، وقال: "هذا ملاحظ لمن يتابع سير عملياتنا المساندة لغزة منذ بدء معركة طوفان الأقصى وحتى اليوم، ولذا فإن عملياتنا مستمرة دون توقف، بل ومتصاعدة بإذن الله". وختم عامر حديثه بالتأكيد على أن كل يوم جديد في عمر العدوان الإسرائيلي على غزة، سيقابله مزيد من التطوير ومزيد من التخطيط للتصعيد من جانب جماعته، قائلا: "سنبذل كل جهد في سبيل ذلك، وكل يوم جديد يعني مزيدًا من التطوير ومزيدًا من التصعيد بإذن الله". واستأنفت جماعة أنصار الله قصف مواقع داخل الكيان الإسرائيلي وسفنا بالبحر الأحمر متوجهة إليها، ردا على استئنافه، منذ 18 مارس/آذار الماضي، حرب الإبادة بحق الفلسطينيين في غزة. وفي محاولة لردع انصار الله، شنت الولايات المتحدة ضربات جوية ضد هذه الجماعة منذ مطلع 2024، لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن في مايو/أيار الماضي وقف العمليات العسكرية في اليمن، في أعقاب اتفاق غير معلن بوساطة عمانية، نص على امتناع الجانبين عن استهداف بعضهما، بما في ذلك السفن الأميركية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب. المصدر / فلسطين أون لاين