logo
ذاكرة الألم والإبداع في أدب "أفريقيا المدهشة" بعين كتّابها

ذاكرة الألم والإبداع في أدب "أفريقيا المدهشة" بعين كتّابها

الجزيرةمنذ يوم واحد

تكشف الحوارات التي يتضمنها كتاب "أفريقيا المدهشة: حوارات مع كتاب أفارقة" الصادر حديثا عن دار العين للكاتب المغربي حسن الوزاني، عن الغنى الجمالي والفكري الذي تزخر به هذه القارة، رغم ما عاشته من تهميش وإقصاء طويلين، كما تفتح نوافذ على ذاكرة الألم المزروعة في جسد القارة وروحها، حيث يضم 23 حوارا مع كتاب من جغرافيات وثقافات مختلفة.
وينفتح العمل الجديد، كما يوحي عنوانه، على عدد من الأسماء الأدبية البارزة في القارة، في خطوة تعكس اهتمام الوزاني بإبراز التعدد الثقافي والإبداعي داخل الفضاء الأفريقي، بعيدا عن الصور النمطية المتداولة عنه، وهو التوجه الذي يشكل استمرارا لتجربة سابقة للكاتب المغربي في كتابه "يتلهون بالغيم" الصادر سنة 2018 عن منشورات المتوسط، حيث حاور شعراء من 17 بلدا غير عربي، كاشفا عن تجربة فريدة في الإنصات لصوت الآخر.
ويعتبر الكاتب الفلسطيني علي العامري في تقديمه لهذا الكتاب أن هذه الحوارات تضيء على القارة "الساحرة بشعوبها وثقافاتها وأحلامها وأحزانها وتراثها ولغاتها وجراحها وإبداعاتها المدهشة في كل الحقول" مضيفا أن هذا الكتاب الذي يعد إضافة للمكتبة العربية "يشكل دعوة لإعادة ترميم الجسور الثقافية بين العرب والأفارقة، واستكشاف الضوء المطمور في التاريخ والحاضر والمستقبل".
ومن بين الإشارات اللافتة في الكتاب، أن أفريقيا، رغم غناها الأدبي والثقافي، لا تزال بالنسبة لكثير من القراء العرب والعالميين قارة ثقافية مجهولة، غائبة عن دوائر التداول، ويكرس هذا الغياب ضعف حركة الترجمة بين العربية واللغات الأفريقية، والتي تبقى نادرة إذا ما قورنت بثراء النتاج الأدبي في الضفتين، مما يفضي -حسب العامري- إلى خسارات ثقافية متبادلة.
وبالإضافة إلى واقع الأدب الأفريقي الذي يعاني من التهميش، تبين هذه الحوارات عمق التداخل الثقافي بين العرب والأفارقة، من خلال استكشاف حضور العربية والتراث العربي في أفريقيا، كما تسلط الضوء على مكانة القضية الفلسطينية في وعي عدد من أبرز الكتاب في القارة، باعتبارها رمزا للنضال ضد الظلم والاستعمار، وحافزا لتكريس التضامن الثقافي والإنساني عبر القارات.
أدب يواجه التهميش
سعى الوزاني، عبر الأسئلة التي طرحها في هذه الحوارات المطولة، إلى استكشاف الأدب الأفريقي من خلال إنصاته إلى تجارب متعددة داخل بلدان القارة، بما تحمله من خصوصيات لغوية وثقافية وتاريخية، وما تعكسه من هواجس وقلق وارتباط بالواقع والمجتمع.
ففي مدغشقر -مثلا- لا يخفي الكاتب جون لوك رهاريمننا خيبته وإحباطه من وضع الأدب في بلده، لأنه لا يزال يعيش حالة من الهشاشة والإقصاء، حيث إن القليل من الكتاب فقط ينجحون في نشر أعمالهم، بينما تظل نصوص كثيرة حبيسة الأدراج، وسط مشهد يصفه بمرارة قائلا "نحن مثل يراعات في فراغ كبير". ومع ذلك، فإن هذا الأدب، وإن بدا محدود الانتشار، يحمل في طياته ذاكرة عميقة ويقاوم بصمت في ظل الفساد السياسي وتدهور البيئة في الجزيرة.
وأما في الكونغو برازافيل (جمهورية الكونغو) فتأخذ التجربة الأدبية منحى مغايرا، حيث يرى الكاتب كايا مخيلي أن جزءا من الأدب هناك قطع مع مرحلة "الزنوجية" وتوجه نحو بناء هوية حديثة لا تظل أسيرة مآسي الماضي، مشيرا إلى أن أدب ما بعد الاستعمار -في نظره- ينصت لتحولات المجتمع، ويلامس آثار الثورات و"الانحرافات الأيديولوجية" مثلما يلامس تداعيات الاستبداد.
وحسب نفس الكاتب فقد تم بناء الأدب الكونغولي حول مفهوم "الأخوة" الذي يقوم على سهولة تداول المخطوطات بين الكتاب، سواء المكرسين منهم أم الشبان، وعلى سهولة التواصل بينهم وتبادل الرأي بعيدا عما وصفه بـ"لغة الخشب" بالإضافة إلى تميز هذا الأدب بروح السخرية التي تستعمل لتحويل الواقع إلى ما يمكن تحمله، وذلك كأسلوب مراوغة في وجه الرقابة، ووسيلة للحفاظ على حرية التعبير الفردي ضمن مصير جماعي مشترك.
وفي الغابون، يشير الكاتب إريك جويل بيكال إلى أن الأدب المكتوب تأخر في الظهور حتى ستينيات القرن الماضي، رغم قدم التقاليد الثقافية الشفهية، حيث نشرت الرواية الأولى "قصة طفل لقيط" عام 1971، ومنذ ذلك الحين أخذت الكتابة الغابونية تنمو بهدوء، مع اهتمام واضح بمواضيع الطقوس والتقاليد والعلاقات الاجتماعية والمنفى والسياسة، غير أن هذه الحيوية الإبداعية تصطدم بغياب الدعم.
وإذا كان المشهد الأدبي في الكاميرون قد بدأ يتشكل في سياق استعماري معقد، كما يروي أديبها تيمبا بيما، فإن جذوره تمتد إلى ما قبل دخول الاستعمار الفرنسي والبريطاني عام 1919، إذ تشير أعمال مبكرة مثل "نصوص ياوندي" (عام 1913) وكتاب "سانجان" لسلطان نجويا إلى أن النصوص الأولى هناك سبقت الاحتلال. غير أن القرن الحالي عرف تحولا نوعيا بفعل تراجع تكاليف النشر وظهور دور نشر محلية، وازدياد عدد الكتب المطبوعة، بل وتعدد أنواعها، حيث ظهرت رواية الجريمة والرواية الرومانسية. وبرزت جوائز أدبية ومهرجانات وورشات كتابة، مما أسهم في إيجاد دينامية جديدة بالمشهد الأدبي في هذا البلد.
وهذه الدينامية تؤكدها أيضا المواطنة دجايلي أمادو أمال التي تقترح تقسيم المشهد الأدبي الكاميروني إلى 3 لحظات: مرحلة استعمارية ذات نفس احتجاجي، ومرحلة ما بعد الاستعمار المثقلة بالثورة وانعكاساتها، ثم مرحلة الجيل الجديد الذي جاء محمولا على رياح الديمقراطية والتعددية السياسية والعولمة. وهو جيل نجح بعض أفراده في الوصول إلى أرقى الجوائز الأدبية الأفريقية والفرانكفونية "على الرغم من ضعف الجهات الفاعلة في سلسلة الكتب، وتأثر الإنتاج الداخلي بمجال تحريري متساهل وغير محمي بشكل جيد".
فلسطين جرح مشترك
في زمن الإبادة التي ترتكبها إسرائيل في غزة، لم يفوت الوزاني فرصة طرح أسئلة تهم القضية الفلسطينية، فجاءت معظم الإجابات لتعكس أن فلسطين ليست مجرد قضية محلية أو عربية، وإنما قضية عالمية تمس جوهر القيم الإنسانية، وترتبط بمفاهيم العدل والرحمة والكرامة التي يفترض أن توحد البشر، بغض النظر عن العرق أو الدين.
ففي سياق إجابتها عن سؤال "ماذا تعني لك فلسطين؟" تقول الشاعرة الجنوب أفريقية سيندوي ماكونا إن "فلسطين انعكاس محزن لافتقارنا الجماعي لقيم الإنسانية التي يجب أن تستند إلى المحبة". وتؤكد الروائية -التي ولدت سنة 1942 وتقلدت عدة مناصب أممية قبل عودتها إلى بلادها عام 2003 للتفرغ للكتابة- أن الآلام المرعبة التي تعيشها فلسطين والأعداد الكبيرة من ضحايا النيران الإسرائيلية دليل على "فشلنا في العيش وفقا لقانون خالقنا" مضيفة أن لا وجود لدين يدعو للقتل الجماعي للأطفال والأبرياء والنساء والمسنين غير المسلحين.
وبدوره يعتبر مواطنها شابير بانوبهاي، وهو ينحدر من عائلة مسلمة، أن فلسطين "جرحنا المشترك" وأنها "المكان الذي ترتكب فيه الإبادة الجماعية بأشكالها الأكثر فظاعة" مؤكدا أن دور الكاتب في خضم الصراعات الاجتماعية والسياسية هو أن يكون "صوت من لا صوت لهم" وذلك بأن يسلط الضوء بشجاعة على الجرائم التي يرغب الظالمون في إخفائها، حرصا على "الحفاظ على الحقيقة للأجيال القادمة".
ويعيد الشاعر ناثان ترانترال أسباب ارتباط وتعاطف كتاب جنوب أفريقيا مع مآسي الفلسطينيين إلى أن البلد عانى هو الآخر من الفصل العنصري، تماما كما هو الشأن بالنسبة لفلسطين، مما يجعل المثقفين فيها أكثر حساسية تجاه مظاهر الظلم والاستعمار، وبالتالي يرون في فلسطين مرآة لمعاناة مشابهة عاشتها شعوبهم، مشيرا إلى أن وعيه السياسي والاجتماعي نشأ انطلاقا من محنة الشعب الفلسطيني.
ارتباط وثيق بالثقافة العربية
رغم ضعف حركة الترجمة بين العربية واللغات الأفريقية، تظهر هذه الحوارات ارتباطا وثيقا بين عدد من الكتاب الأفارقة والثقافة العربية، إما انطلاقا من إجادة بعضهم القراءة بالعربية، أو عن طريق احتكاكهم بهذه الثقافة عبر الأدب المترجم أو المكتوب بالفرنسية عن طريق كتاب عرب، لدرجة أن الكاتب السنغالي أمادو لمين سال وصفها بأنها "المشعل الذي يضيء الكون" وذلك لأن "الشعر العربي يقول كل شيء".
ويعد شعب مدغشقر خليطا من الثقافات، ومن بينها يظهر التأثير العربي في بعض مناطقها الساحلية، حيث خلفت العائلات التي حلت في البلد ابتداء من القرن الـ11 إرثا ثقافيا ودينيا كبيرا. وبهذا الصدد يبرز الملغاشي جون لوك رهاريمننا كأحد الكتاب الذين لهم ارتباط وثيق بالأدب العربي، إذ قرأ أعمال أبو نواس وكثير من المؤلفين الجزائريين والمغاربة واللبنانيين المعاصرين ومنهم أمين معلوف والطاهر بن جلون ومحمد ديب ورشيد بوجدرة.
كما تظهر السنغالية نافيساتو ضيا ضيوف باعتبارها أحد الكتاب الأفارقة الذين كان للثقافة العربية أثر استثنائي على مسارهم الإبداعي، ويقدمها النقاد كدينامو الجيل الجديد بالأدب السنغالي. وهي تقول إن لها ارتباطا وثيقا بالموسيقى والسينما والكتاب والعمارة والخط العربي، مضيفة أن كتابات عمر الخيام كانت تشدها بالمراحل المبكرة من عمرها، وأنها تعتبر معلوف كاتبها المفضل.
ومن جهتها تعتبر الشاعرة كاثرين بودي، التي تنحدر من جزيرة لا ريونيون وتقيم بجزيرة موريشيوس، نفسها صديقة وفية للثقافة والأدب العربي، مشيرة إلى أن حلمها الكبير أن تترجم أعمالها الشعرية إلى العربية.
وإذا كانت صلة كثيرين بالثقافة العربية انطلقت من احتكاكهم بالأدب، فإن الكاميرونية دجايلي أمادو أمال -وهي أول كاتبة أفريقية تصل إلى نهائي جائزة غونكور الفرنسية- صرحت للوزاني بأنها انغمست في هذه الثقافة بفضل والدتها المصرية، وتعلمت العربية بالمدرسة الثانوية كلغة ثالثة، بل إن والدها الذي يدرس العربية اختار أن يسميها "أمال" تأثرا بأغنية أم كلثوم "أمل حياتي".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الطفل المغربي عدنان الحجام.. لامين جمال الجديد ويعشق ريال مدريد
الطفل المغربي عدنان الحجام.. لامين جمال الجديد ويعشق ريال مدريد

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

الطفل المغربي عدنان الحجام.. لامين جمال الجديد ويعشق ريال مدريد

يبدو أن الكرة المغربية تسير بخطى ثابتة نحو إعداد موهبة كروية سيكون لها شأن كبير في مستقبل كرة القدم ليس في البلاد فحسب، بل على مستوى العالم. الحديث هنا عن عدنان الحجام ذو الـ8 أعوام، الذي انتشرت له عدة مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي أبهرت كل من شاهدها، أظهر خلالها عن موهبة فذّة ومهارات استثنائية في هذا العمر المبكر. وعدّت تقارير مغربية عديدة طريقة لعب ومراوغة الحجام بأنها تشبه إلى حد كبير أسلوب لامين جمال موهبة برشلونة، ذو الأصول المغربية من طرف عائلة والده، كما أطلقت عليه أخرى لقب "ميسي المغرب". View this post on Instagram A post shared by African Folder (@africanfolder) البداية من أكاديمية الرجاء التحق الحجام المولود في مدينة "سيدي سليمان" التي تبعد عن العاصمة الرباط مسافة 100 كيلو متر شمالا، بأكاديمية نادي الرجاء البيضاوي بشكل رسمي يوم 13 يناير/كانون الثاني 2024. وجاءت هذه الخطوة بعد أن انتشرت مقاطع فيديو للحجام في أحد شوارع المدينة التي وُلد فيها، كما عبّر في أخرى عن حبه للنادي البيضاوي. View this post on Instagram A post shared by Adnan el hajam (@adnan_el_hajam_officiel) ونشر النادي في ذلك الوقت صورا للطفل الحجام من داخل أكاديمية النادي وهو يرتدي قميص الرجاء وعلّق عليها "بدأت القصة بانتشار مقاطع فيديو ظهر فيها الطفل عدنان بموهبته الفريدة وعبّر عن حبه لنادي الرجاء الرياضي، تم استقباله بأكاديمية الرجاء وتوقيع اتفاقية تكوين وتأطير مع ولي أمره". ولم يكن انضمام الحجام لأكاديمية الرجاء مجرد أمر عادي، بل شملت الاتفاقية التي وقعها والده خالد بالنيابة عنه، رعاية اللاعب رياضيا بالإضافة إلى تقديم الدعم اللازم لإكمال مسيرته الدراسية دون عوائق. كما تكفل النادي بمصاريف السكن لأسرة الطفل، إذ تم الاتفاق على توفير سكن لهم بالقرب من النادي والأكاديمية حتى يظل الطفل عدنان قريبا من والديه. إعلان ولم يقتصر الاهتمام بالموهبة الحجام على نادي الرجاء فقط، إذ عرض فوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية المغربية (الاتحاد المغربي لكرة القدم) عليه الانضمام إلى أكاديمية محمد السادس لكرة القدم لكن اللاعب وأسرته فضلوا الانتقال إلى الرجاء. حلم الاحتراف وتأمل عائلة اللاعب في أن يواصل عدنان مسيرته بكرة القدم وتمثيل نادي الرجاء وارتداء قميص المغرب، والاحتراف أيضا بأكبر الأندية العالمية. وقال خالد الحجام والد اللاعب الموهوب في مقابلة سابقة "ابني عاشق لكرة القدم. وهو يتمتع بموهبة من الله، أتوقع أن يكون له مستقبل كبير". وأضاف "على الصعيد الشخصي أتمنى أن أراه يحمل قميص الرجاء والمنتخب الوطني، وأتمنى كذلك أن يلعب لريال مدريد الفريق الذي يعشقه عدنان". وأتم والد اللاعب "نشكر كل من آمن بقدرات وموهبة عدنان، أشعر بالسعادة لاهتمام الجامعة الملكية ورئيسها لقجع الذي اتصل بنا كي ينضم ابني لأكاديمية محمد السادس".

ذاكرة الألم والإبداع في أدب "أفريقيا المدهشة" بعين كتّابها
ذاكرة الألم والإبداع في أدب "أفريقيا المدهشة" بعين كتّابها

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

ذاكرة الألم والإبداع في أدب "أفريقيا المدهشة" بعين كتّابها

تكشف الحوارات التي يتضمنها كتاب "أفريقيا المدهشة: حوارات مع كتاب أفارقة" الصادر حديثا عن دار العين للكاتب المغربي حسن الوزاني، عن الغنى الجمالي والفكري الذي تزخر به هذه القارة، رغم ما عاشته من تهميش وإقصاء طويلين، كما تفتح نوافذ على ذاكرة الألم المزروعة في جسد القارة وروحها، حيث يضم 23 حوارا مع كتاب من جغرافيات وثقافات مختلفة. وينفتح العمل الجديد، كما يوحي عنوانه، على عدد من الأسماء الأدبية البارزة في القارة، في خطوة تعكس اهتمام الوزاني بإبراز التعدد الثقافي والإبداعي داخل الفضاء الأفريقي، بعيدا عن الصور النمطية المتداولة عنه، وهو التوجه الذي يشكل استمرارا لتجربة سابقة للكاتب المغربي في كتابه "يتلهون بالغيم" الصادر سنة 2018 عن منشورات المتوسط، حيث حاور شعراء من 17 بلدا غير عربي، كاشفا عن تجربة فريدة في الإنصات لصوت الآخر. ويعتبر الكاتب الفلسطيني علي العامري في تقديمه لهذا الكتاب أن هذه الحوارات تضيء على القارة "الساحرة بشعوبها وثقافاتها وأحلامها وأحزانها وتراثها ولغاتها وجراحها وإبداعاتها المدهشة في كل الحقول" مضيفا أن هذا الكتاب الذي يعد إضافة للمكتبة العربية "يشكل دعوة لإعادة ترميم الجسور الثقافية بين العرب والأفارقة، واستكشاف الضوء المطمور في التاريخ والحاضر والمستقبل". ومن بين الإشارات اللافتة في الكتاب، أن أفريقيا، رغم غناها الأدبي والثقافي، لا تزال بالنسبة لكثير من القراء العرب والعالميين قارة ثقافية مجهولة، غائبة عن دوائر التداول، ويكرس هذا الغياب ضعف حركة الترجمة بين العربية واللغات الأفريقية، والتي تبقى نادرة إذا ما قورنت بثراء النتاج الأدبي في الضفتين، مما يفضي -حسب العامري- إلى خسارات ثقافية متبادلة. وبالإضافة إلى واقع الأدب الأفريقي الذي يعاني من التهميش، تبين هذه الحوارات عمق التداخل الثقافي بين العرب والأفارقة، من خلال استكشاف حضور العربية والتراث العربي في أفريقيا، كما تسلط الضوء على مكانة القضية الفلسطينية في وعي عدد من أبرز الكتاب في القارة، باعتبارها رمزا للنضال ضد الظلم والاستعمار، وحافزا لتكريس التضامن الثقافي والإنساني عبر القارات. أدب يواجه التهميش سعى الوزاني، عبر الأسئلة التي طرحها في هذه الحوارات المطولة، إلى استكشاف الأدب الأفريقي من خلال إنصاته إلى تجارب متعددة داخل بلدان القارة، بما تحمله من خصوصيات لغوية وثقافية وتاريخية، وما تعكسه من هواجس وقلق وارتباط بالواقع والمجتمع. ففي مدغشقر -مثلا- لا يخفي الكاتب جون لوك رهاريمننا خيبته وإحباطه من وضع الأدب في بلده، لأنه لا يزال يعيش حالة من الهشاشة والإقصاء، حيث إن القليل من الكتاب فقط ينجحون في نشر أعمالهم، بينما تظل نصوص كثيرة حبيسة الأدراج، وسط مشهد يصفه بمرارة قائلا "نحن مثل يراعات في فراغ كبير". ومع ذلك، فإن هذا الأدب، وإن بدا محدود الانتشار، يحمل في طياته ذاكرة عميقة ويقاوم بصمت في ظل الفساد السياسي وتدهور البيئة في الجزيرة. وأما في الكونغو برازافيل (جمهورية الكونغو) فتأخذ التجربة الأدبية منحى مغايرا، حيث يرى الكاتب كايا مخيلي أن جزءا من الأدب هناك قطع مع مرحلة "الزنوجية" وتوجه نحو بناء هوية حديثة لا تظل أسيرة مآسي الماضي، مشيرا إلى أن أدب ما بعد الاستعمار -في نظره- ينصت لتحولات المجتمع، ويلامس آثار الثورات و"الانحرافات الأيديولوجية" مثلما يلامس تداعيات الاستبداد. وحسب نفس الكاتب فقد تم بناء الأدب الكونغولي حول مفهوم "الأخوة" الذي يقوم على سهولة تداول المخطوطات بين الكتاب، سواء المكرسين منهم أم الشبان، وعلى سهولة التواصل بينهم وتبادل الرأي بعيدا عما وصفه بـ"لغة الخشب" بالإضافة إلى تميز هذا الأدب بروح السخرية التي تستعمل لتحويل الواقع إلى ما يمكن تحمله، وذلك كأسلوب مراوغة في وجه الرقابة، ووسيلة للحفاظ على حرية التعبير الفردي ضمن مصير جماعي مشترك. وفي الغابون، يشير الكاتب إريك جويل بيكال إلى أن الأدب المكتوب تأخر في الظهور حتى ستينيات القرن الماضي، رغم قدم التقاليد الثقافية الشفهية، حيث نشرت الرواية الأولى "قصة طفل لقيط" عام 1971، ومنذ ذلك الحين أخذت الكتابة الغابونية تنمو بهدوء، مع اهتمام واضح بمواضيع الطقوس والتقاليد والعلاقات الاجتماعية والمنفى والسياسة، غير أن هذه الحيوية الإبداعية تصطدم بغياب الدعم. وإذا كان المشهد الأدبي في الكاميرون قد بدأ يتشكل في سياق استعماري معقد، كما يروي أديبها تيمبا بيما، فإن جذوره تمتد إلى ما قبل دخول الاستعمار الفرنسي والبريطاني عام 1919، إذ تشير أعمال مبكرة مثل "نصوص ياوندي" (عام 1913) وكتاب "سانجان" لسلطان نجويا إلى أن النصوص الأولى هناك سبقت الاحتلال. غير أن القرن الحالي عرف تحولا نوعيا بفعل تراجع تكاليف النشر وظهور دور نشر محلية، وازدياد عدد الكتب المطبوعة، بل وتعدد أنواعها، حيث ظهرت رواية الجريمة والرواية الرومانسية. وبرزت جوائز أدبية ومهرجانات وورشات كتابة، مما أسهم في إيجاد دينامية جديدة بالمشهد الأدبي في هذا البلد. وهذه الدينامية تؤكدها أيضا المواطنة دجايلي أمادو أمال التي تقترح تقسيم المشهد الأدبي الكاميروني إلى 3 لحظات: مرحلة استعمارية ذات نفس احتجاجي، ومرحلة ما بعد الاستعمار المثقلة بالثورة وانعكاساتها، ثم مرحلة الجيل الجديد الذي جاء محمولا على رياح الديمقراطية والتعددية السياسية والعولمة. وهو جيل نجح بعض أفراده في الوصول إلى أرقى الجوائز الأدبية الأفريقية والفرانكفونية "على الرغم من ضعف الجهات الفاعلة في سلسلة الكتب، وتأثر الإنتاج الداخلي بمجال تحريري متساهل وغير محمي بشكل جيد". فلسطين جرح مشترك في زمن الإبادة التي ترتكبها إسرائيل في غزة، لم يفوت الوزاني فرصة طرح أسئلة تهم القضية الفلسطينية، فجاءت معظم الإجابات لتعكس أن فلسطين ليست مجرد قضية محلية أو عربية، وإنما قضية عالمية تمس جوهر القيم الإنسانية، وترتبط بمفاهيم العدل والرحمة والكرامة التي يفترض أن توحد البشر، بغض النظر عن العرق أو الدين. ففي سياق إجابتها عن سؤال "ماذا تعني لك فلسطين؟" تقول الشاعرة الجنوب أفريقية سيندوي ماكونا إن "فلسطين انعكاس محزن لافتقارنا الجماعي لقيم الإنسانية التي يجب أن تستند إلى المحبة". وتؤكد الروائية -التي ولدت سنة 1942 وتقلدت عدة مناصب أممية قبل عودتها إلى بلادها عام 2003 للتفرغ للكتابة- أن الآلام المرعبة التي تعيشها فلسطين والأعداد الكبيرة من ضحايا النيران الإسرائيلية دليل على "فشلنا في العيش وفقا لقانون خالقنا" مضيفة أن لا وجود لدين يدعو للقتل الجماعي للأطفال والأبرياء والنساء والمسنين غير المسلحين. وبدوره يعتبر مواطنها شابير بانوبهاي، وهو ينحدر من عائلة مسلمة، أن فلسطين "جرحنا المشترك" وأنها "المكان الذي ترتكب فيه الإبادة الجماعية بأشكالها الأكثر فظاعة" مؤكدا أن دور الكاتب في خضم الصراعات الاجتماعية والسياسية هو أن يكون "صوت من لا صوت لهم" وذلك بأن يسلط الضوء بشجاعة على الجرائم التي يرغب الظالمون في إخفائها، حرصا على "الحفاظ على الحقيقة للأجيال القادمة". ويعيد الشاعر ناثان ترانترال أسباب ارتباط وتعاطف كتاب جنوب أفريقيا مع مآسي الفلسطينيين إلى أن البلد عانى هو الآخر من الفصل العنصري، تماما كما هو الشأن بالنسبة لفلسطين، مما يجعل المثقفين فيها أكثر حساسية تجاه مظاهر الظلم والاستعمار، وبالتالي يرون في فلسطين مرآة لمعاناة مشابهة عاشتها شعوبهم، مشيرا إلى أن وعيه السياسي والاجتماعي نشأ انطلاقا من محنة الشعب الفلسطيني. ارتباط وثيق بالثقافة العربية رغم ضعف حركة الترجمة بين العربية واللغات الأفريقية، تظهر هذه الحوارات ارتباطا وثيقا بين عدد من الكتاب الأفارقة والثقافة العربية، إما انطلاقا من إجادة بعضهم القراءة بالعربية، أو عن طريق احتكاكهم بهذه الثقافة عبر الأدب المترجم أو المكتوب بالفرنسية عن طريق كتاب عرب، لدرجة أن الكاتب السنغالي أمادو لمين سال وصفها بأنها "المشعل الذي يضيء الكون" وذلك لأن "الشعر العربي يقول كل شيء". ويعد شعب مدغشقر خليطا من الثقافات، ومن بينها يظهر التأثير العربي في بعض مناطقها الساحلية، حيث خلفت العائلات التي حلت في البلد ابتداء من القرن الـ11 إرثا ثقافيا ودينيا كبيرا. وبهذا الصدد يبرز الملغاشي جون لوك رهاريمننا كأحد الكتاب الذين لهم ارتباط وثيق بالأدب العربي، إذ قرأ أعمال أبو نواس وكثير من المؤلفين الجزائريين والمغاربة واللبنانيين المعاصرين ومنهم أمين معلوف والطاهر بن جلون ومحمد ديب ورشيد بوجدرة. كما تظهر السنغالية نافيساتو ضيا ضيوف باعتبارها أحد الكتاب الأفارقة الذين كان للثقافة العربية أثر استثنائي على مسارهم الإبداعي، ويقدمها النقاد كدينامو الجيل الجديد بالأدب السنغالي. وهي تقول إن لها ارتباطا وثيقا بالموسيقى والسينما والكتاب والعمارة والخط العربي، مضيفة أن كتابات عمر الخيام كانت تشدها بالمراحل المبكرة من عمرها، وأنها تعتبر معلوف كاتبها المفضل. ومن جهتها تعتبر الشاعرة كاثرين بودي، التي تنحدر من جزيرة لا ريونيون وتقيم بجزيرة موريشيوس، نفسها صديقة وفية للثقافة والأدب العربي، مشيرة إلى أن حلمها الكبير أن تترجم أعمالها الشعرية إلى العربية. وإذا كانت صلة كثيرين بالثقافة العربية انطلقت من احتكاكهم بالأدب، فإن الكاميرونية دجايلي أمادو أمال -وهي أول كاتبة أفريقية تصل إلى نهائي جائزة غونكور الفرنسية- صرحت للوزاني بأنها انغمست في هذه الثقافة بفضل والدتها المصرية، وتعلمت العربية بالمدرسة الثانوية كلغة ثالثة، بل إن والدها الذي يدرس العربية اختار أن يسميها "أمال" تأثرا بأغنية أم كلثوم "أمل حياتي".

مهرجان موازين يحتفي بدورته العشرين بحضور فني عربي وعالمي مميز
مهرجان موازين يحتفي بدورته العشرين بحضور فني عربي وعالمي مميز

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

مهرجان موازين يحتفي بدورته العشرين بحضور فني عربي وعالمي مميز

انطلقت في العاصمة المغربية الرباط فعاليات الدورة الـ20 لمهرجان "موازين- إيقاعات العالم" الذي يقام بين 19 و28 يونيو/حزيران الجاري، وسط أجواء احتفالية مبهرة وحضور جماهيري كبير، وبمشاركة نخبة من أبرز نجوم الغناء العرب والعالميين. واستضاف مسرح محمد الخامس عروضا لفنانين بارزين، من بينهم النجم الأميركي ويل سميث والفنان العراقي كاظم الساهر، في حين تُختتم فعاليات المهرجان بأمسيتين غنائيتين تحيي إحداهما المطربة اللبنانية ماجدة الرومي والأخرى الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب، إلى جانب عروض فنية أخرى متنوعة. تضامن مع غزة وأعربت المطربة المصرية كارمن سليمان عن سعادتها بالمشاركة في افتتاح مهرجان فني، وذلك خلال مؤتمر صحفي أقيم على هامش الحفل، حيث أكدت تضامنها الكامل مع الشعب الفلسطيني، قائلة "نتألم جميعا لما يحدث في غزة، ونتمنى انتهاء الأزمة قريبا". وخلال حفلها الذي أقيم على مسرح محمد الخامس أدت كارمن مجموعة من الأغاني المغربية، مشيرة إلى أنها اختارت هذه الأغاني احتراما للجمهور المغربي، وأنها تخطط لتقديم أعمال جديدة باللهجة المغربية خلال الفترة المقبلة. ويل سميث بالقفطان المغربي وشهد مسرح السويسي في العاصمة المغربية الرباط حضورا جماهيريا حاشدا خلال الحفل الذي أحياه الفنان الأميركي ويل سميث ضمن مشاركته الأولى في مهرجان "موازين- إيقاعات العالم". وافتتح سميث عرضه بأغنيته الشهيرة "نندمج مع الإيقاع" (Gettin' Jiggy Wit It)، ليواصل أداء مجموعة من أبرز أعماله، وسط تفاعل كبير من الجمهور الذي رافقه بالغناء والرقص. ولفت النجم الأميركي الأنظار بإطلالة مغربية تقليدية، حيث ارتدى قفطانا من تصميم فاطمة الزهراء الفيلالي الإدريسي اختاره من بين 5 تصاميم قدّمت له. وتميز القفطان بتطريزات مستوحاة من نقوش الزليج المغربي، مما أضفى على مظهره لمسة فنية تعكس عمق الهوية الثقافية للمغرب وروحه التراثية. وإلى جانب مشاركة الممثل والمطرب الأميركي شهدت الدورة الـ20 لموازين حضور عالمي بمشاركة "50 سنت" (50CENT)، وليل بيبي، وبيكي جي، ودي جي لوست فريكوينسيز، وفريق إيسبا الكورية، وفريق دي لا سول. حضور عربي شهد مهرجان موازين حضورا لافتا لنجوم الغناء العرب، حيث تألق عدد من الفنانين على مختلف المسارح. وأحيا الفنان العراقي كاظم الساهر حفله المنتظر على مسرح محمد الخامس، في حين قدمت اللبنانية ميريام فارس حفلها على مسرح النهضة. ومن مصر، شارك محمد حماقي، وتامر عاشور في أولى مشاركاته، إلى جانب روبي التي أضفت حضورا مميزا. وقدّم وائل جسار حفله على مسرح النهضة بأغانٍ شهيرة، منها "غريبة الناس" و"بتوحشيني"، معبرا في المؤتمر الصحفي عن قلقه من تراجع الذوق الفني وداعيا إلى فن يحمل قيمة. كذلك، أحيا راغب علامة حفلا جماهيريا، وشاركت من لبنان أيضا نانسي عجرم وزياد برجي وسط حضور كثيف. أما من المغرب فتألق نجم الراب سبعتون على منصة سلا، إلى جانب سليم كرافاطا، كما قدّم كل من حمزة الصنهاجي -الذي غنى "عائشة" تكريما لوالده سعيد الصنهاجي- وعادل المدكوري وحجيب عروضا شعبية لاقت تفاعلا واسعا. هولوغرام "حليم" وعلى مسرح محمد الخامس في الرباط أقيم حفل بتقنية الهولوغرام للفنان المصري الراحل عبد الحليم حافظ رغم الجدل الذي أثير بعد الإعلان عنه، واعتراض أسرته على إقامته دون التنسيق معها. وافتتح الحفل بأغنية "الماء والخضرة والوجه الحسن"، والتي كان عبد الحليم قد أداها خصيصا للملك الراحل الحسن الثاني، ثم تتابعت مجموعة من أشهر أغنياته، من بينها "أول مرة تحب يا قلبي"، و"بلاش عتاب"، و"أسمر يا أسمراني"، و"جبار"، و"بتلوموني ليه"، و"جانا الهوا"، و"حبك نار"، و"سواح". ورغم نجاح الحفل جماهيريا فإن عائلة عبد الحليم حافظ أعلنت نيتها مقاضاة إدارة مهرجان موازين لإقامة الحفل دون موافقتها، في حين أكدت الإدارة أن الاتفاق تم مع المنتج محسن جابر صاحب الحقوق الحصرية. كما أوضحت أن العرض اعتمد على تجسيد فني دون استخدام صور أو مقاطع أصلية، مما لا يتطلب موافقة الورثة قانونيا. ختام مصري لبناني وتختتم فعاليات الدورة الـ20 لـ"موازين- إيقاعات العالم" الفنانة اللبنانية ماجدة الرومي بحفل فني كبير مساء السبت المقبل على المسرح الوطني محمد الخامس في الرباط، وفي اليوم نفسه تحيي الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب حفلا غنائيا على منصة النهضة بقيادة المايسترو مدحت خميس. وتعد مشاركة شيرين في ختام الدورة محطة في مسار عودتها إلى الساحة الفنية بعد فترة من التأجيلات والغياب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store