logo
التغييرات الأمنية في إيران... ضرورة حربية أم رسالة دبلوماسية؟

التغييرات الأمنية في إيران... ضرورة حربية أم رسالة دبلوماسية؟

الشرق الأوسطمنذ يوم واحد
غداة مصادقة قرار المجلس الأعلى للأمن القومي بتدشين لجنة فرعية عليا للقضايا الدفاعية، تباينت الردود الداخلية على التطور الذي يأتي في إطار مراجعة شاملة للأجهزة الأمنية والعسكرية، وقال نائب بارز إن التغييرات في أعلى هيئة أمنية في البلاد «ضرورية في الظروف الحربية الراهنة»، بينما قال مسؤول سابق إنها «رسالة إلى الغرب».
وكانت التغييرات متوقعة في ظل تصاعد ضغوط الرأي العام، وقد مثلت تداعيات الحرب الجوية القصيرة مع إسرائيل في يونيو (حزيران) أكبر تحدٍ عسكري لإيران منذ حربها مع العراق في الثمانينات.
وقالت الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي إن الهيئة الدفاعية الجديدة «ستتولى مراجعة الخطط الدفاعية، وتعزيز قدرات القوات المسلحة الإيرانية بطريقة مركزية». وقال التلفزيون الرسمي إن أعضاء مجلس الأمن القومي صادقوا على تشكيل اللجنة، بينما كان الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، يترأس المجلس في زيارة إلى باكستان، الأحد. ولن تختلف تشكيلة أعضاء اللجنة عن المجلس الأمن القومي كثيراً، إذ يترأسها رمزياً بزشكيان، وستضم رئيس البرلمان والسلطة القضائية وكبار قادة القوات المسلحة ووزارات الدفاع والاستخبارات والخارجية. وسيقود اللجنة رئيس مجلس الأمن القومي الحالي علي أكبر أحمديان لإعداد الخطط الدفاعية، وتعزيز قدرات القوات المسلحة الإيرانية. وسيضم في عضويته رئيس البرلمان، ورئيس السلطة القضائية، وقادة فروع القوات المسلحة والوزارات المعنية، بحسب التقرير.
وذكرت كثير من التقارير أن علي لاريجاني سيعود لمنصبه السابق، أميناً عاماً للجنة، على أن ينحصر دور أحمديان، وهو جنرال كبير في «الحرس الثوري»، على القضايا الدفاعية.
ونشط لاريجاني خلال العام الأخير في منصب مستشار المرشد، وتوجه إلى لبنان وسوريا قبل سقوط بشار الأسد. وحمل رسالة مؤخراً من خامنئي إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وسبق أن تحدثت تقارير عن محاولة بزشكيان لإعادة لاريجاني إلى منصبه السابق. وعمل الاثنان في البرلمان عندما كان بزشكيان نائباً لرئيس البرلمان لمدة 3 سنوات.
صورة أرشيفية منشورة على موقع المرشد الإيراني من مستشاره علي لاريجاني
ولم تعلن السلطات بعد رسمياً تعيين لاريجاني رغم التسريبات التي بدأت من وكالة «نور نيوز» التابعة لمجلس الأمن القومي، وكذلك وسائل إعلام بارزة في «الحرس الثوري» مثل وكالتيْ «تسنيم» و«فارس». ومن المتوقع الإعلان رسمياً في وقت لاحق من هذا الشهر.
ويحمل لاريجاني في سجله رئاسة الأمانة العامة للمجلس لمدة عامين، قبل أن يصبح رئيساً للبرلمان لمدة 12 عاماً، وبذلك حافظ على دور أساسي في مجلس الأمن القومي. ولكن في المجموع كان لاريجاني عضواً في المجلس لمدة 25 عاماً، وفقاً لصحيفة «هم ميهن» الإصلاحية.
وكانت إيران قد أنشأت مجلساً مشابهاً خلال حرب الثمانينات بين إيران والعراق، وترأسها حينذاك الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني الذي كان يشغل منصب رئيس البرلمان في فترة الحرب.
وقال عضو اللجنة الداخلية في البرلمان، النائب كامران غضنفري إن تشكيل الهيئة «كان ضرورياً في الظروف الحربية الراهنة». وأرجع التغيير بشكل أساسي إلى «ضعف المجلس الأعلى للأمن القومي وأمانته العامة».
وشدد النائب لموقع «إيران أوبزرفر» الإخباري المقرب من الأوساط البرلمانية على أن تعيين علي لاريجاني، «ليس أمراً جديداً؛ فهو يتمتع بكفاءات خاصة، لكن لديه أيضاً نقاط ضعف»، لكنه أضاف: «إذا قرر المسؤولون الاستفادة من وجوده في أمانة المجلس الأعلى للأمن الوطني، فقد يكون مفيداً في بعض الجوانب، ولن يؤدي إلى حل جميع نقاط ضعف المجلس».
من جانبه، قال النائب السابق، حشمت الله فلاحت بيشه، الذي ترأس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية خلال المفاوضات النووية لعام 2015، إن «الحقائق الميدانية لا تزال تشير إلى احتمال تجدد الحرب بنسبة 90 في المائة، لأن الكيان الصهيوني لا يريد سوى الحرب».
لكنه رأى أن «تعزيز الآليات الدبلوماسية سيزيد من فرصها». وقال في حديث لموقع «فرارو» المختص بالسياسة الداخلية الإيرانية: «أرى أن تعيين لاريجاني جاء في إطار جهود الإيرانيين لتخفيف التوتر». وقال: «يمكن اعتبار هذا الأمر تصحيحاً لخطأ مكلف في نظام الإدارة السياسية للبلاد»، وانتقد هيمنة العسكريين على هذا المنصب، وتراجُع السياسيين في السنوات الأخيرة.
وأضاف: «حتى إن وزير خارجية حكومة بزشكيان - كي يحصل على ثقة البرلمان - استعرض سجله العسكري في البرلمان». ورأى أن «أحد الفراغات التي تسببت في فقدان إيران لبعض خيارات الدبلوماسية هو أن مجلس الأمن القومي قبل الحرب لم يلعب أي دور في الدبلوماسية. للأسف، كانت أمانة المجلس تفتقر إلى التحليل السياسي للتطورات والتهديدات القائمة». وتوقع أن تكون النتيجة الأولى لتعيين لاريجاني هي «رسالة إلى الأطراف الغربية مفادها أن إيران ترى موضوع أمنها القومي في إطار الدبلوماسية».
وأضاف: «كانت الحرب الماضية قابلة للتفادي، وكذلك الحرب المحتملة؛ لذلك، فإن الدبلوماسيين هم مهندسون لطاولة المفاوضات. إنهم ملزمون بإظهار المصالح الوطنية لجميع الأطراف، بمن في ذلك الأصدقاء والأعداء، وعلى أساس ذلك يرتبون طاولة المفاوضات».
وأعرب فلاحت بيشه عن اعتقاده أن ترمب «يملك فرصة محدودة لتحقيق صفقة الـ4 تريليونات دولار قبل فقدان الأغلبية في الكونغرس، وسط مخاوف الشركات من انعدام الأمن في المنطقة»، لافتاً إلى أن إيران «تسعى للاستقرار، بينما يتهم نتنياهو بالسعي لإطالة الحرب لخدمة مصالحه السياسية».
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

السعودية تحشد الدعم الدولي لفلسطين وتدين انتهاكات الاحتلال
السعودية تحشد الدعم الدولي لفلسطين وتدين انتهاكات الاحتلال

الشرق الأوسط

timeمنذ 20 دقائق

  • الشرق الأوسط

السعودية تحشد الدعم الدولي لفلسطين وتدين انتهاكات الاحتلال

جدّدت السعودية دعوتها المجتمع الدولي إلى دعم حل الدولتين لإنهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، مؤكدة أن الإعلانات المتتالية من عدد من الدول للاعتراف بالدولة الفلسطينية تمثل خطوة داعمة للشرعية الدولية، وتعكس زخماً متزايداً تجاه تسوية عادلة وشاملة للقضية. الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي خلال ترؤسه الجلسة التي عقدت في نيوم (واس) جاء ذلك خلال جلسة مجلس الوزراء السعودي التي ترأسها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، الثلاثاء، في نيوم، وتناول المجلس نتائج المؤتمر الدولي رفيع المستوى حول التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، الذي ترأسته المملكة بالشراكة مع فرنسا، وشكّلت مخرجاته وثيقة ختامية دعت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى تأييدها كإطار قابل للتنفيذ. في السياق ذاته، شدد المجلس على استمرار الدعم الإنساني المقدم من السعودية للشعب الفلسطيني، خصوصاً في قطاع غزة، عبر الجسرين الجوي والبحري، مشيراً إلى استمرار إرسال المساعدات الإغاثية والطبية. وأدان المجلس الممارسات الاستفزازية المتكررة من مسؤولي حكومة الاحتلال الإسرائيلي بحق المسجد الأقصى، داعياً المجتمع الدولي إلى وقف الانتهاكات التي تتعارض مع القوانين الدولية. في الشأن الاقتصادي، نوّه المجلس بنمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.9 في المائة خلال الربع الثاني من عام 2025، مدفوعاً بالأداء الإيجابي للأنشطة غير النفطية، وبما يعكس متانة الاقتصاد الوطني، وفق ما ورد في تقرير «مشاورات المادة الرابعة» الصادر عن صندوق النقد الدولي، الذي أكد قدرة المملكة على التعامل مع التحديات الاقتصادية العالمية. وفي ملف التنمية الصناعية، عدّ المجلس تدشين مشاريع صناعية جديدة في المنطقة الشرقية امتداداً لحراك اقتصادي شامل يستهدف تعزيز المحتوى المحلي ورفع تنافسية الصناعة الوطنية. جانب من جلسة مجلس الوزراء السعودي التي عقدت في نيوم (واس) كما أثنى المجلس على اعتماد منظمة الصحة العالمية مدينتي جدة والمدينة المنورة ضمن المدن الصحية المليونية في الشرق الأوسط، وارتفاع عدد المدن الصحية في المملكة إلى 16 مدينة، ضمن جهود تعزز الوقاية الصحية وجودة الحياة. وفي استعراض لملف البيئة، أشار المجلس إلى إعادة تأهيل أكثر من 500 ألف هكتار من الأراضي المتدهورة وزراعة 151 مليون شجرة، ضمن «مبادرة السعودية الخضراء»، في خطوات تستهدف مكافحة التصحر وتنمية الغطاء النباتي. وفي قراراته، وافق المجلس على عدد من مذكرات التفاهم والتعاون المشترك، شملت مجالات المعادن، الصحة، الجمارك، المنافسة، العمل الرقابي، التدريب المهني، وتنمية الصادرات غير النفطية، وذلك مع كل من منغوليا، الصين، نيوزيلندا، الكويت، باكستان، سلطنة عمان، تايلند، ومركز «سيسرك» للدول الإسلامية. جانب من جلسة مجلس الوزراء السعودي التي عقدت في نيوم (واس) كما أقر المجلس الاستراتيجية الخليجية لمكافحة المخدرات (2025 - 2028)، واعتمد فصلين دراسيين للتعليم العام في العام الدراسي المقبل، ووافق على اعتماد الترقيم المستخدم في العنوان الوطني لترقيم العقارات وفق قواعد تسمية الشوارع. وشملت قرارات المجلس تعديل تنظيم المركز الوطني للأرصاد، وتعيينات وترقيات في عدد من الجهات، من بينها تعيين وكيل لإمارة منطقة مكة المكرمة، وترقية مسؤولين في وزارتي التعليم والداخلية، وتجديد عضوية عدد من الأعضاء في مجلس إدارة صندوق النفقة. كما اطّلع المجلس على عدد من التقارير والموضوعات المدرجة على جدول أعماله، واتخذ بشأنها ما يلزم.

"التعليم": اعتماد الفصلين الدراسيين يُرسّخ مرونة التقويم ويواكب معايير دولية
"التعليم": اعتماد الفصلين الدراسيين يُرسّخ مرونة التقويم ويواكب معايير دولية

صحيفة سبق

timeمنذ 20 دقائق

  • صحيفة سبق

"التعليم": اعتماد الفصلين الدراسيين يُرسّخ مرونة التقويم ويواكب معايير دولية

ثمّنت وزارة التعليم صدور موافقة مجلس الوزراء على إقرار فصلين دراسيين لمدارس التعليم العام بدءًا من العام الدراسي القادم 1447 / 1448هـ، مع الإبقاء على الإطار الزمني العام المعتمد مسبقًا للتقويم الدراسي للأعوام الأربعة القادمة، متضمنًا الفترات التي تحدد بداية ونهاية العام الدراسي. وأكدت الوزارة أن قرار اعتماد نظام الفصلين الدراسيين يأتي استنادًا لما تحقق من مكتسبات نوعية خلال تطبيق نظام الفصول الثلاثة، الذي أسهم في ترسيخ عدد أيام الدراسة عند حد أدنى يبلغ 180 يومًا سنويًا، وهو معيار يتوافق مع متوسط الأيام الدراسية في الدول المتقدمة وفق منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "OECD"، ويتماشى كذلك مع أنظمة دول مجموعة العشرين التي يتراوح فيها عدد أيام الدراسة بين 180 و185 يومًا، ويصل في بعضها إلى 200 يوم دراسي. وأوضحت الوزارة أنها أجرت دراسة شاملة بمشاركة واسعة من المتخصصين والقيادات التربوية والمعلمين والطلبة وأولياء الأمور، هدفت إلى تقييم النماذج المطبقة وتعزيز التوجهات المستقبلية في ضوء مستهدفات رؤية المملكة 2030، وبرنامج تنمية القدرات البشرية كأحد برامج تحقيق الرؤية. وتوصلت الدراسة إلى أن جودة التعليم لا ترتبط بعدد الفصول الدراسية بقدر ما تعتمد على عناصر أساسية، أبرزها تأهيل وتحفيز المعلمين، وتطوير المناهج، وتحسين البيئة المدرسية، ورفع مستوى الحوكمة والتحول المؤسسي، إضافة إلى تمكين المدارس كجهات تغيير من خلال منحها مزيدًا من الصلاحيات والمرونة. كما أكدت الدراسة أهمية تعزيز مرونة التقويم الدراسي بما يتلاءم مع التنوع الجغرافي والثقافي للمملكة، ويُسهم في تنوع واستدامة الأنشطة الطلابية. وأشارت وزارة التعليم إلى استمرار منح المرونة لبعض المدارس والمؤسسات التعليمية، كمدارس التعليم الخاص والعالمي، والجامعات، والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، في تحديد النظام الدراسي المناسب لها، بالإضافة إلى الصلاحيات الممنوحة لإدارات التعليم في مكة المكرمة والمدينة المنورة ومحافظتي الطائف وجدة، بما يراعي خصوصية مواسم الحج والعمرة والزيارة، ويعزز التكامل مع الجهات الحكومية والأعمال المجتمعية.

لهجة حاسمة خلال "مؤتمر نيويورك"
لهجة حاسمة خلال "مؤتمر نيويورك"

العربية

timeمنذ 20 دقائق

  • العربية

لهجة حاسمة خلال "مؤتمر نيويورك"

إعلان نيويورك (42 بنداً) الصادر عن المؤتمر الدولي لحل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية مطلع الأسبوع الماضي لم يكن مجرد خطوة إعلامية موسمية، فالمؤتمر الذي قادته وسعت إلى عقده السعودية بمشاركة فرنسا لم يولد من العدم أو الصدفة، والصيغ التي أوردها في إعلانه الختامي تخطت لغة التمني إلى لغة الفعل والاتفاق على خطوات ملموسة، وهو إلى ذلك يكتسب أهمية مميزة ربطاً بالظروف المأسوية التي يمر بها الشعب الفلسطيني ومستوى التوتر الشامل الذي تعيشه المنطقة. منذ أشهر أعلنت الرياض عزمها عقد هذا اللقاء الدولي وكثفت مساعيها في هذا الاتجاه منذ اندلاع حرب غزة المدمرة، ويمكن أن نجد لبنود "إعلان نيويورك" أساساً في القمم والاجتماعات التي خصصتها السعودية لمعالجة نتائج الحرب المستمرة والخروج منها إلى حلول دائمة تضمن حقوق الشعب الفلسطيني، ومنها خصوصاً القمة العربية - الإسلامية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 التي ركزت على وضع حد للحرب وإغاثة سكان غزة، وأقرت التمسك بقيام الدولة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل، وقد تحفظت إيران في حينه على هذا القرار . لقد زاد حجم الدمار والموت والجوع في القطاع أهمية البحث عن الحلول الحقيقية، فمغامرة "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 فتحت الباب أمام كارثة تاريخية جديد لحقت بالفلسطينيين وزادت من حدة التطرف الإسرائيلي، مما أدى إلى طرح المشاريع الصهيونية القصوى على بساط التنفيذ، فلم تعد إسرائيل مستعدة للعودة إلى الوضع السابق في غزة ولا لبنان، بل هي تطرح إعادة احتلال القطاع وتهجير أهله تحت وطأة الحصار والقتل والتجويع، وما عادت تتحدث سوى عن توسيع الاستيطان في الضفة وصولاً إلى ضمها بعد تفريغ ما أمكن من سكانها طرداً وتهجيراً، وفتحت معركة السابع من أكتوبر 2023 الباب واسعاً من جهة ثانية أمام التوسع الإسرائيلي في جنوب سوريا وجنوب لبنان، حيث زادت الأمور تعقيداً وكان لا بد لأحد من أن يعيد الأمور لنصابها. الدور السعودي بمشاركة فرنسا كان تحديداً محاولة إعادة الأمور لحقيقتها انطلاقا من المصلحة العربية العميقة وموجبات السلام الدائم، والحقيقة ألا حل يرسي سلاماً شاملاً من دون تسوية جدية للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وهذا الحل يبدأ بوقف الحرب المريعة في غزة، وفي نيويورك ومن داخل مقر الأمم المتحدة التقت دول أوروبية أساس ومعها نحو 100 دولة من العالم لترسم الطريق إلى تسوية الدولتين، وقد حصل ذلك في توقيت حساس بالنسبة إلى إسرائيل التي تتعرض لضغوط وانتقادات من جانب حلفائها ويخشى قادتها السفر بسبب قرارات القضاء الدولي، ومع أن الولايات المتحدة قاطعت "مؤتمر نيويورك" فإن حلفاء بارزين لها حضروه وشاركوا في أعماله بقوة، ودعوا إلى أن تكون دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الشهر المقبل فرصة لجعل موضوع حل الدولتين عنوان أساساً لها ومناسبة لتوسيع دائرة الدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية المستقلة، مما يتيح إعادة طرح الموضوع على مجلس الأمن الدولي لاتخاذ القرارات المناسبة، وفي إعلان نيويورك عزم على السير في هذا الاتجاه، فهو يتحدث عن خطوات ملموسة زمنياً لتحقيق حل الدولتين، ويؤكد ضرورة اتخاذ إجراءات جماعية لإنهاء الحرب في غزة وانسحاب إسرائيل وتسليم القطاع للسلطة الفلسطينية، وقال الإعلان "يجب أن تنتهي الحرب في غزة الآن وأن تكون الحكومة وإنفاذ القانون والأمن في جميع الأراضي الفلسطينية بيد السلطة، دولة واحدة، قانون واحد، حكومة واحدة وسلاح واحد، ويجب على حركة 'حماس' إنهاء حكمها في غزة وتسليم سلاحها للسلطة تماشياً مع هدف إقامة الدولة". المشروع الطموح الذي تقوده السعودية وفرنسا اعتبره الإعلام الإسرائيلي بمثابة "تسونامي" يضرب إسرائيل، نظراً إلى جذبه دولاً أساسية منها بريطانيا وهولندا، والرد الإسرائيلي الرسمي على إعلان نيويورك لم يتأخر فقد قال نتنياهو لرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إن الاعتراف بالدولة المستقلة هو "عقاب للضحية"، وشرح أن قيام "دولة جهادية عند حدود إسرائيل سيهدد بريطانيا غداً"، أما مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون فقد بادر إلى الهجوم على "الإعلانات الجوفاء" باعتبارها "نفاقاً وإهداراً للوقت يمنح شرعية للإرهاب". ورحبت السلطة الفلسطينية بإعلان نيويورك ومثلها فعلت حركة "حماس" التي رأت "مواقف إيجابية" في المؤتمر الدولي، لكنها أصرت على أن "سلاح المقاومة حق باق طالما بقي الاحتلال"، فلم تقفل الحركة الباب وإن كان موقفها يختلف عن الترحيب العارم من جانب السلطة، غير أن توقيع حليفيها تركيا وقطر على إعلان نيويورك وبند نزع سلاحها لم يدع مجالا للشك في أن هامش التحرك يضيق أمامها، على أن الأمر منوط في النهاية بالموقف الأميركي، فقبل عام تحدث الرئيس الأميركي الأسبق جو بايدن عن حل الدولتين وضرورة قيام دولة فلسطينية، وفي رد فعله على موجة الاعتراف بهذه الدولة رأى الرئيس الحالي دونالد ترمب أن الاعتراف "خطوة من دون وزن"، لكنه يعرف في النهاية ألا مفر من تسوية تحفظ حق الفلسطينيين في الدولة إذا أراد تطبيق نظريته حول السلام في الشرق الأوسط، إبراهيمياً كان أو غير إبراهيمي . لقد تمكنت السعودية ومعها فرنسا وبانضمام دول فاعلة أخرى من رسم خريطة طريق لا بديل عنها للخروج من مأساة غزة وكارثة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي المتواصلة، وربطت هذا الخروج بمواعيد ومحطات وشروط واضحة، والشروط مطلوب من إسرائيل والفلسطينيين التزامها، والمواعيد مرتبطة بانعقاد الجمعية العامة واجتماعات مجلس الأمن المتزامنة، وحتى ذلك الحين نشاط هادئ ومكثف يمكنه للمرة الأولى أن يحدث تحولاً في موقف أميركي يتبنى كلية موقفاً إسرائيلياً لا يرى ضرورة لسلام متفق عليه. كتب بطرس بطرس غالي في مذكراته متحدثاً عن المؤتمرات الدولية: "إنه لشيء مؤثر أن تسمع الأصوات الجهورية نفسها تدافع عن القضايا نفسها، فهل هي عبثية الكلام أم عدم فعالية العمل؟ أم هو قدر يعرضه نظام العالم؟"، وقد يصح هذا التقدير في وصف أي مؤتمر دولي، لكن ما جرى في لقاء حل الدولتين والظروف التي انعقد فيها والإرادة الصلبة لراعيه يجعل غالي للمرة الأولى يبدل نظرته إلى المؤتمرات، وما علينا سوى بعض العمل والانتظار.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store