
الحرية الإعلامية: حقيقة أم مجرد كذبة مريحة؟
في عالم الإعلام المتغير، ومع تطور التكنولوجيا، لم يعد المتلقي مجرد مستقبل للرسالة كما كان في الإعلام التقليدي (الصحف، الإذاعة، التلفزيون). لقد تحول الجمهور إلى منتِج ومستهلك في آنٍ واحد، فيما يسمى اليوم بـ"المجتمع المنتج-المستهلك". ومع هذا التحول، يبرز سؤال جوهري: هل نمتلك حقًا حرية إعلامية؟ أم أن هناك من يوجّهنا ويصنع اختياراتنا دون أن ننتبه؟
لفهم ذلك، لا بد أن نتوقف عند نظريات الاتصال والإعلام التي ناقشت طبيعة العلاقة بين الجمهور والرسالة الإعلامية. فـ"نظرية الرصاصة السحرية" ترى الجمهور متلقيًا سلبيًا، يتأثر بشكل مباشر بالمحتوى. بينما تذهب "نظرية تحديد الأولويات" إلى أن وسائل الإعلام لا تخبر الناس بما يفكرون فيه، لكنها تحدد لهم ما يجب أن يفكروا فيه.
لكنني هنا لا أريد الوقوف كثيرًا عند هذه النظريات، بل أود أن أتجاوزها إلى ما هو أعمق: من يُحرّك الإعلام فعليًا؟ لا أقصد فقط المؤسسات الإعلامية العالمية مثل BBC أو CNN، فهي مجرد أجزاء من منظومة إعلامية ضخمة تُدار في النهاية من قبل من يملكون رأس المال والنفوذ. هؤلاء هم الذين يحددون الاتجاهات، ويصنعون الخطاب، ويعيدون تشكيل وعي المجتمعات.
وهنا نعود إلى السؤال الأهم: هل نمتلك حرية إعلامية؟
في رأيي، علينا الانطلاق من مقولة الإعلامي الكبير محمد حسنين هيكل: "لا يوجد إعلام لوجه الله تعالى". وهي مقولة تكاد تختصر كل شيء. فحتى في الإعلام الرقمي، حيث نظن أننا أحرار ونصنع رسائلنا بأنفسنا، نحن في الحقيقة نعمل داخل حدود مرسومة لنا بدقة.
سأشرح الأمر بمثال من واقع عملي في مجال الطفولة، حين كنا نعلّم الأهل طريقة تربوية تُعرف بـ"الحرية المقيدة" أو "الاختيار ضمن الحدود". المربي لا يقول للطفل: هل تريد أن ترتدي هذا اللباس أم لا؟ بل يقدّم له ثلاث خيارات محددة مسبقًا، ويطلب منه أن يختار من بينها. يبدو الطفل حينها كأنه حر في قراره، لكنه في الحقيقة يتحرك ضمن إطار رسمه له الكبار.
وهذا بالضبط ما يفعله الإعلام اليوم. يمنحنا خيارات عديدة، لكنه يُغفل طرح أسئلة جوهرية. يسألك: هل تفضل الفن الحديث أم القديم؟ لكنه لا يفتح باب السؤال: هل تشاهد إلى الفن أصلًا؟ هل تراها مناسبة لقيمك ومبادئك؟
وهنا مكمن الخطورة. الإعلام لا يوجهنا بشكل مباشر، لكنه يُشكّل عقولنا عبر آليات ناعمة، ويزرع فينا أفكارًا وسلوكيات ومفاهيم ما كنا لنقبل بها قبل عقد أو عقدين من الزمن.
وبالتالي، فإننا – شئنا أم أبينا – أدوات داخل ماكينة إعلامية ضخمة. نعتقد أننا نختار بحرية، بينما نتحرك ضمن خيارات مرسومة بدقة من قبل من يملكون أدوات التوجيه، وأهدافهم لا ترتبط بالضرورة بالمصلحة العامة أو القيم المجتمعية، بل أحيانًا بما هو تجاري أو أيديولوجي بحت.
نعم، نحن نعيش حرية إعلامية... لكن ضمن حدود لم نخترها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النشرة
منذ 43 دقائق
- النشرة
مقام النبي شمعون الصفا: موقع للسياحة الدينية والاثرية وشاهد على عدوانية إسرائيل
يوغل مقام النبي شمعون الصفا (المعروف أيضاً بمقام مار بطرس)، في بلدة شمع الجنوبية، في التاريخ، وشهد حروباً مع مرور الزمن. في العدوان الإسرائيلي على لبنان ، في أيلول 2024، استدعت القوات الإسرائيلية، بعد احتلاله، خبراء آثار، للتوثيق وسرقة عدد من اثاره، قبل أن يقدم "حزب الله" على شن هجوم عليهم وقتل أحد الخبراء والمؤرخين، ما اعتبره قادة إسرائيليون خسارة كبيرة، في حين كانت الدولة اللبنانية قد قدّمت شكوى ضد تل أبيب، بسبب السرقة الموصوفة، أمام منظمة اليونيسكو ، المعنية بالمعالم الثقافية والتاريخية، ولأن جنود الجيش الإسرائيلي أقدموا على تفخيخه ونسفه، قبل انسحابهم من البلدة. والمقام، يعتبر موقعاً للسياحة الدينية والاثرية والثقافية، وقام العديد من المؤرخين باعداد دراسات عنه، ليبقى محفوظاً في الذاكرة والوجدان الجنوبي. وتتفق المعلومات التاريخية على أن مقام النبي شمعون بن حمون بن عامة، الملقب بالصفا، قد سبق بناء جارته قلعة شمع في العام 1116، المستمد اسمها من اسم القرية المخفف من اسم صاحب المقام، النبي شمعون. وتؤكد وثيقة حجر المئذنة، الذي ظهر بعد عملية الترميم بعد العام 2000، أن تاريخ بنائها هو في سنة 490 هجرية (1096/1097 ميلادية)، أي قبل دخول الصليبيين القرى المشرفة على مدينة صور. وكان البناء القديم يتألف من طبقتين، إلى أن أقيمت الأسوار فطمرت الطبقة السفلى نهائياً من الناحية الغربية. وظل تاريخ بناء المقام مجهولاً، بيد أن بعض الدراسات توصلت إلى أن الضريح كان محط زيارة العديد من علماء ومشايخ الإسلام قبل سنة 1100هجرية (1688 و1689 ميلادية)، وكتبوا عنه وحوله العديد من القصائد والدراسات. صاحب المقام حواري عظيم، والده حمون يعود في نسبه إلى النبي سليمان بن داود، وأمه أخت النبي عمران والد السيدة مريم العذراء بحسب ما ينقل في بعض المراجع (الدكتور السيد حسين الموسوي الصافي، اُمَّهات الأئمة المعصومين عليهم السلام، المجلد الثاني، صفحة 222) وهو وصي روح الله وخليفته ومستودع سرّه، وأول الناس به إيماناً وأكثرهم بين يديه تصديقاً. وفي الكتب الإسلامية تواترت الأحاديث في كونه وصياً للمسيح، منها حديث النبي (ص) "إن الله جعل لكل نبي وصياً، جعل شيث وصي آدم؛ ويوشع وصي موسى؛ وشمعون وصي عيسى". (ينابيع المودة: ج2 ص 280). ويقول المؤرخ الجنوبي والناشط الإعلامي الكاتب الزميل كامل جابر: "في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي في العام 2000، سارع الأهالي إلى ترميم المقام المذكور، وفق القواعد الاثرية وباشراف المديرية العامة للآثار، وذلك لكون البناء قديماً جداً، إذ يرجّح تاريخه إلى نحو 600 سنة". يتألف المزار من رواق خارجي محمول على ثلاثة عقود تحملها أعمدة حجرية ضخمة، ويتخلل الرواق مدخلان: الاول على يمين الزائر، وهو الرئيسي، يؤدي إلى غرفة مربعة ذات عقود متداخلة، تحمل مثبتين، وقد اقيما فوق ضريح النبي مباشرة الذي يعلوه قفص خشبي، ويقع الضريح في أسفل البئر، ويتوسط الجدار الجنوبي محراب متواضع. وازاء الغرفة من الجهة الشرقية غرفتان متلاصقتان بنيتا في ما بعد، وذلك لتداخل العقود بينهما وللاختلاف الواضح في نوع الحجارة وطريقة البناء: الأولى فتحت على الضريح مباشرة، فيما الثانية والتي تعرف بـ"أم النبي" فهي للجهة الجنوبية. وتقوم في الجهة الشرقية للمزار مئذنة حجرية ترتفع حوالي 17 متراً، وعند مدخلها ثبتت لوحة حجرية عسرة القراءة، تم العثور عليها عند كشط ورقة البناء الخارجية. تنتشر في باحة المزار الأضرحة من كل جانب، وقد اختلط قديمها بحديثها. وعند الزاوية الشرقية للحفرة درج حجري ينزل إلى صهريج حجري مخصص للماء، حيث بني عقد كبير يستوعب كميات ضخمة من مياه الأمطار، وتشير سعته إلى قدرته لاستيعاب الاف الزوار الذين كانوا يتقاطرون اليه، لا سيما في الخامس عشر من شعبان وفي أيام عاشوراء، وهذا الصهريج جاء مشابهاً إلى حد بعيد بالصهريج الذي اكتشف عند النبي عمران في القليلة، عندما قصفته الطائرات الاسرائيلية، أثناء عدوان نيسان 1996. وقد أعادت المديرية العامة للآثار ترميمه مجدداً في العام 2007، بتمويل من "البرنامج القطري لبناء دور العبادة"، بناءً على مسح هندسي شامل للمبنى الديني نفذه طالبان إيطاليان من جامعة فلورنسا تعبيراً عن تضامنهما مع لبنان. كما أعيد بناء المئذنة، التي كان القصف المباشر قد أغرقها عدة أمتار في الأرض، وهي من الحجر الكلسي الأبيض الذي يتماشى شكلاً وهندسةً مع أبنية المقام التاريخية. وكذلك رممت القبب وسقف المقام ودعمت، وأعيد إبراز النقوش التي تشير إلى أن المبنى جدد في فترة الحكم الفاطمي على جدرانه.


صدى البلد
منذ 5 ساعات
- صدى البلد
أمين الإفتاء: "يحكم ما يريد بعزته كأننا صلينا ألف ركعة" لم ترد في كتب السنن
نفى الشيخ محمود الطحان، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، صحة القصة المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي التي تزعم أن النبي ﷺ قال للإمام عليّ رضي الله عنه إن قول: "يفعل ما يشاء بقدرته ويحكم ما يريد بعزته" يعادل أجر ألف ركعة في ليلة واحدة. الإفتاء: هذه القصة لا أصل لها في كتب السنن والآثار وأوضح أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الجمعة، أن هذه القصة لا أصل لها في كتب السنن والآثار، مؤكدًا أنها غير صحيحة سندًا ولا متناً، رغم أن المعنى العام للجملة صحيح من حيث العقيدة، فالله عز وجل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد بعزته، لكن ربط ذلك بفضل مخصوص يعادل ألف ركعة لا دليل عليه من النصوص المعتبرة. وقال أمين الفتوى في دار الإفتاء "انتشرت القصة على الفيسبوك ومواقع السوشيال ميديا، وتزعم أن النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم سأل الإمام علي: ماذا فعلت البارحة؟ فقال: صليت ألف ركعة. فقال له النبي: لو قلت: يفعل ما يشاء بقدرته ويحكم ما يريد بعزته، لكان كأجر ألف ركعة. وهذه الرواية لا وجود لها في كتب الحديث الموثوقة". وأشار أمين الفتوى في دار الإفتاء إلى أنه لا مانع من ترديد الجملة من حيث المعنى، فهي حق وثابتة من حيث دلالة أسماء الله الحسنى، لكنه شدّد على ضرورة عدم نشر فضائل أو ثواب معين دون دليل صحيح، لأن ذلك قد يدخل في باب الكذب على النبي ﷺ.


الديار
منذ 7 ساعات
- الديار
مصر تحذر من دمار كبير في السودان بسبب سد النهضة
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب وصف وزير الموارد المائية والري المصري الدكتور هاني سويلم، سد النهضة الإثيوبي بأنه "غير شرعي" ومخالف للقانون الدولي. وأكد أن إثيوبيا انتهكت بنود "إعلان المبادئ" الموقع عام 2015 بين مصر والسودان وإثيوبيا. جاء ذلك خلال مداخلة له في برنامج "يحدث في مصر" على قناة "MBC مصر" مع الإعلامي شريف عامر. وأوضح سويلم أن البند الخامس من الإعلان ينص على ضرورة التوصل إلى اتفاق حول ملء وتشغيل السد، وهو ما لم يحدث، بالإضافة إلى إخفاق أديس أبابا في: تبادل البيانات مع مصر والسودان. إخطار الجانبين بأي ظروف طارئة تؤثر على تدفق مياه النيل. كما أشار إلى أن إثيوبيا تجاهلت توصية خبراء عام 2013 بإعادة تدقيق دراسات أمان السد، قائلا: "بهذه الإجراءات، انتهكت إثيوبيا إعلان المبادئ". واعتبر الوزير المصري أن التصريحات الإثيوبية الأخيرة مجرد "محاولة لتحسين الصورة أمام العالم"، الذي أدرك -بحسب قوله- حقيقة الموقف. وتحدى سويلم الرئيس الإثيوبي بترجمة تصريحاته إلى "اتفاق مُلزم" يضمن عدم الإضرار بحصتي مصر والسودان المائية، قائلًا: "لم يحدث هذا طوال 13 عامًا من التفاوض". وأكد سويلم أن مصر استنفدت جميع الخيارات التفاوضية والمقترحات الدولية، مشددًا على أن بلاده "تدافع عن حقوقها العادلة لحماية موارد الشعب المصري والأجيال القادمة". وأضاف أن القضية لم تعد تقتصر على الجانب الفني، بل أصبحت "مسألة سيادة وأمن قومي". وقال إن مصر تتابع كل ما يحدث في سد النهضة الإثيوبي، مضيفًا: "نتابع كل حركة تتم في هذا السد عن طريق الأقمار الصناعية والبيانات حتى نستطيع توقع موعد قدوم المياه، وفي أي ساعة وبأي كمية، لكن من الصعوبة توقع التصرفات العشوائية دون أي مبرر فني". وشدد على أن الدولة المصرية تملك سياسة النفس الطويل ولكنها لا تنسى حقوقها على الإطلاق، مؤكدًا أن السد الإثيوبي تم بناؤه بطريقة غير شرعية. وأوضح أن السودان الأكثر تضررا من مصر في بعض الحالات نظرا لقربه من السد، قائلا: "السودان يتأثر بالسد في بعض الحالات أكثر من مصر، لأن مصر لديها عدد أيام تستطيع اتخاذ رد فعل أمام التصرفات العشوائية من الفتح أو الإغلاق العشوائي، لكن السودان أمامه 100 كيلو.. وتصله المياه بعد قائق أو سويعات قليلة، فأي خطأ متعمد أو غير متعمد من الجانب الإثيوبي لا قدر الله ممكن يهدم سد الروصيرص". يأتي تصريح الوزير المصري في ظل استمرار الجمود في مفاوضات سد النهضة، بينما أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أن سد النهضة اكتمل بناؤه وأنه سيتم افتتاحه في سبتمبر القادم بعد انحسار الأمطار في نهاية موسم الصيف، ودعا مصر والسودان لحضور الافتتاح، قائلا: "لا نريد أي ضرر لإخواننا المصريين والسودانيين، وندعو مصر والسودان رسميا، وكذلك جميع حكومات دول المصب، للانضمام إلينا في افتتاح السد". وتصر مصر على ضرورة وجود ضمانات قانونية ضد أي تأثيرات سلبية على حصتها المائية، والتي تعتمد عليها بنسبة 97% في مواردها من المياه العذبة. يذكر أن مصر كانت قد صنفت السد سابقا كـ"تهديد وجودي"، بينما تؤكد إثيوبيا أن المشروع يهدف إلى التنمية ولا يهدد مصالح الدول الأخرى.