
نزيف صامت على طرقات لبنان... السيارة اصبحت نعشاً مُحتملاً... والمشي مُخاطرة قاتلة
يموت اللبنانيون بصمت على الطرقات، وتتحوّل الشوارع إلى مسالخ مفتوحة لا ترحم السائق ولا المارّة. في كل صباح، يُفجَع اللبنانيون بخبر جديد عن ضحايا حوادث السير: أسماء تتكرّر، عائلات تتفكك، وأحلام تُدهس على طرق لا تعرف الشفقة. صور الضحايا تنتشر على مواقع التواصل، وجثامينهم تُجمع في نعوش متشابهة، فيما الدولة غائبة، والقوانين لا تُطبّق، والمحاسبة ضائعة.
وسط هذا المشهد السوداوي، تكثر الأسئلة وتقلّ الإجابات: من يحاسب؟ من يراقب؟ ولماذا يُترك المواطن وحيدا يواجه الموت على الطرقات؟ من هذا المنطلق، أجرت "الديار" تحقيقا موسّعا مع رئيس "المرصد اللبناني للسلامة المرورية" ميشال مطران، ورئيس "الأكاديمية اللبنانية الدولية للسلامة المرورية" كامل إبراهيم، للغوص في عمق الأزمة، وتحديد مكامن الخلل، ورسم خريطة قاتمة وواقعية لما يجري، في محاولة لرصد مدى جدية الدولة في مواجهة هذا النزيف المتنقّل.
لبنان في الصدارة... ولكن في عدد القتلى
يشير مطران إلى أن "واقع السلامة المرورية في لبنان يُعد من الأسوأ على مستوى دول العالم"، موضحا أن "لبنان يُصنّف من بين أكثر الدول سوءا في ملف السلامة المرورية، سواء في منطقة الشرق الأوسط أو شمال افريقيا التي تُسجل فيها نسب وفيات مرتفعة للغاية، تتراوح بين 22 و34 قتيلًا لكل مئة ألف نسمة".
ويتابع: "حاليا، يتراوح عدد القتلى في لبنان بين 500 و750 سنويا، أما عدد الجرحى فيبلغ ما بين 12 و15 ألفا سنويا". ويلفت إلى غياب الإحصاءات الدقيقة، قائلًا: "للأسف، لا تتوافر في لبنان أرقام دقيقة تُمكننا من إجراء مقارنات علمية بين السنوات، أو إصدار توصيات مبنية على بيانات موثوقة، فما لدينا لا يتعدى كونه تقديرات تقريبية".
وعن تطور الأرقام، يوضح: "لا يمكن تحديد إذا كان عدد الحوادث في تزايد أو تراجع، لأن الإجابة الدقيقة تستند إلى بيانات رسمية دقيقة، وهي غير متوفرة. أحيانا نشعر أن الحوادث ازدادت، وأحيانا أخرى نشعر أنها انخفضت، ويتأثر ذلك كثيرا بمدى تغطية الإعلام لها، لكن لا يمكننا إطلاق تقييم علمي حقيقي دون أرقام موثوقة".
البنية التحتية المتدهورة... أكثر من مجرد "زفت"
لا يتردد مطران في التأكيد على أن "تهالك أو غياب البنى التحتية يشكّلان عاملا خطيرا وأساسيا في ارتفاع عدد الحوادث، إذ يؤديان دورا رئيسيا لا يمكن تجاهله". ويضيف: "للأسف، ما زالت الإدارات في لبنان تعتبر أن الحديث عن البنى التحتية يقتصر على تأهيل الطرق بالزفت، بينما مفهوم السلامة المرورية أوسع بكثير، إذ يشمل نوعية الفواصل، فعالية الإشارات، طريقة تثبيتها، الخ... وكل هذه العناصر غائبة".
ويتابع: "غرفة التحكم المروري التي دُمّرت في انفجار الرابع من آب لم تُعد إلى سابق فعاليتها، كما لم تُمنح الصلاحيات اللازمة لإدارة الملف بشكل صحيح، مما جعلها غير مؤثرة على صعيد ضبط السلامة المرورية".
قانون السير لم يُطبق يوماً
ينتقد مطران أداء السلطات قائلاً: "لم نشهد يوما تطبيقا حقيقيا لقانون السير في لبنان. فمنذ إقراره عام 2012 وحتى اليوم، لم تلتزم أي وزارة داخلية أو قوى أمن داخلي بتنفيذه بالشكل المطلوب".
ويضيف: "لا يمكن الحديث عن انخفاض أو ارتفاع في الالتزام بالقانون، لأن الأصل أن القانون لم يُطبّق إطلاقا".
ويرى أن حملات التوعية، مهما بلغت من حجم، تظل عديمة الفعالية في غياب التطبيق الجدي للقانون، قائلا: "في التجارب الرائدة عالميا، لم يُسجّل أن حملات التوعية التي تنفذها المدارس أو الجامعات شكلت مؤشراً على تحسن مستوى السلامة المرورية. فالتوعية بلا قانون لا جدوى لها". كما يكشف عن أن "اللجنة الوطنية للسلامة المرورية لم تعقد اجتماعا منذ خمس سنوات، رغم أن صلاحياتها واسعة ومهمة".
ويختم كلامه بتوجيه رسالة إلى المواطنين قائلاً: "ننصح باستعمال حزام الأمان، والخوذة الواقية، ونشجّع على شراء سيارات ذات معايير سلامة عالية. فالحماية الذاتية ضرورية، لأن المواطنين لا يمكنهم الاتكال على شبكة أمان رسمية مفقودة أساسا".
السلامة غائبة في كل المفاصل
أما إبراهيم فيقول إن "واقع حوادث السير في لبنان مأساوي، بسبب غياب السلامة المرورية عن معظم القطاعات. فالحوادث تحصل نتيجة خلل كامل في المنظومة، من منح رخص القيادة، إلى سوء حالة الطرق، مرورا بعدم فاعلية القانون، ووصولا إلى وجود مركبات لا تستوفي شروط السلامة".
ويضيف: "لا توجد استراتيجية وطنية حقيقية للسلامة المرورية في لبنان. فالدول التي نجحت في خفض عدد القتلى اعتمدت على استراتيجية تتوزع على خمسة محاور: أولها إدارة السلامة المرورية، أي أن تتولى جهة رسمية التنسيق بين المؤسسات، ووضع السياسات، ومراقبة تطبيقها. أما في لبنان، فإدارة السلامة موجودة فقط على الورق".
طرق غير آمنة تقتل المشاة
ويشير إلى أن "الطرقات في لبنان تفتقر لأبسط مقومات الأمان، كالإشارات الواضحة، والعواكس الضوئية، والممرات الآمنة للمشاة". ويحذر من أن "40٪ من ضحايا الحوادث في لبنان هم من المشاة، وهي نسبة مرتفعة جدا". كما يُشير إلى أن "أعمدة الإنارة يجب أن تكون بعيدة عن حافة الطريق، لكن هذا لا يُطبق في معظم المناطق".
ويقول: "معظم المشاريع المتعلقة بالطرقات تُنفّذ لأهداف سياسية، ومن دون رقابة حقيقية. فالموظفون في الإدارات المعنية يقررون بشكل فردي كيف يجب أن تُصمّم الطرق، ما يفتح الباب أمام أخطاء فادحة".
مركبات الموت تدخل بلا رقابة
فيما يخص المركبات، يرى إبراهيم أن "عنصر السلامة في السيارة أساسي جدا، ومن الضروري تنفيذ المعاينة الميكانيكية بشكل صارم، للتأكد من صلاحية المركبات". ويكشف: "يتم استيراد مركبات مرفوضة في بلادها الأصلية بسبب عدم صلاحيتها، وتُباع في السوق اللبناني من دون أي رقابة تُذكر".
ويتحدث عن أهمية رفع مستوى الوعي في المدارس ومعاهد القيادة، وضرورة تطبيق امتحانات صارمة وتفعيل القوانين. كما يُشير إلى "أن الاستجابة لما بعد الحادث لا تقل أهمية، خاصة في المناطق النائية التي تفتقر إلى فرق إسعاف فعّالة".
ويؤكد أنه "منذ انتفاضة تشرين، أي منذ نحو خمس سنوات، لم يعد هناك أي وجود فعلي للقانون، ولا لحملات التوعية، ولا لحماية مرورية". ويُضيف: "أكثر من 60٪ من ضحايا حوادث السير هم من المشاة ومستخدمي الدراجات النارية، وهذا رقم صادم لا يمكن تجاهله".
حلول مستدامة لا آنية...
و يرى أن الحل يبدأ بتعيين قيادة وطنية دائمة تعنى بملف السلامة المرورية، بحيث تتابع وتنقذ وتنفّذ، مهما تبدّلت الظروف أو الحكومات. ويقول: "هذا ما نراه في معظم دول العالم المتقدمة".
ويختم ابراهيم قائلًا: "في فصل الصيف، من المتوقع أن تزداد الحوادث بشكل كبير. على الحكومة أن تتحمّل مسؤوليتها.، وعلى رئيس الحكومة أن يضغط لإعادة تفعيل المجلس الوطني للسلامة المرورية، ومنحه الصلاحيات الكاملة لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية، استنادا إلى خطط علمية مستدامة وفعّالة، لا مجرّد إجراءات ظرفية".
بين الإهمال والموت... اللبناني يُترك وحيدا على الطريق
في بلد تغيب فيه الأرقام الدقيقة، وتُهمل فيه الطرق، ويُنسى فيه القانون، تصبح السيارة نعشا محتملاً، والمشي مخاطرة قاتلة. فلم يعد الحديث عن حوادث السير مجرّد ملف تقني أو إحصائي، بل صار قضية حياة أو موت.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
منذ ساعة واحدة
- النهار
هذا الفيديو لا يظهر لحظة إغراق الحوثيين السفينة ماجيك سيز في البحر أخيراً FactCheck#
المتداول: فيديو يظهر، وفقاً للمزاعم، "لحظة إغراق الحوثيين اليمنيين السفينة ماجيك سيز في البحر"، بعد الهجوم عليها أخيرا. الحقيقة: هذا المقطع مجتزأ من مشاهد أطول وقديمة تعود الى 11 كانون الثاني 2024. وتظهر لحظة إطلاق الصين أول صاروخ يعمل بالوقود الصلب بالكامل في العالم. FactCheck# "النّهار" دقّقت من أجلكم المقطع قصير جداً. 6 ثوان فقط تظهر ما يبدو انه انفجار على سفينة في البحر، أجج نارا ودخانا كثيفا. وقد تكثف التشارك فيه أخيرا عبر حسابات كتبت معه (من دون تدخل): "اليمن استهدفت السفينة ماجيك سيز التي انتهكتْ حظر الدخول إلى موانئِ فلسطينَ المحتلة". اليمن استهدفت سفينة (#ماجيك_سيز)انتهكتْ حظرَ الدخول إلى موانئِ فلسطينَ المحتلةِ. #البحر_الأحمر — اقصى المدينة (@Hussin_H5) July 7, 2025 لقطة من الفيديو المتناقل بالمزاعم الخاطئة (اكس) جاء تداول الفيديو في وقت ب ث الإعلام الحربي التابع لجماعة الحوثي مشاهد استهداف سفينة "ماجيك سيز" وإغراقها في البحر الأحمر، بعد هجوم نفّذته الجماعة الأحد 6 تموز 2025. وأعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن الهجوم على الناقلة "ماجيك سيز" التي ترفع العلم الليبيري، وتديرها شركة يونانية قبالة جنوب غرب اليمن، وقالوا إن السفينة غرقت. مشاهد استهداف وإغراق السفينة 'ماجيك سيز' في البحر الأحمر في عملية نوعية للقوات المسلحة اليمنية - 6 يوليو 2025م — الإعلام الحربي اليمني (@MMY1444) July 8, 2025 وقال بيان مرفق بالمقطع إن استهداف السفينة جاء " بسبب انتهاك الشركة المالكة لها (باراجون شيبينغ اليونانية) قرار القوات المسلحة اليمنية (قوات الحوثيين) القاضي بحظر دخول السفن إلى موانئ فلسطين المحتلة (في إشارة إلى إسرائيل)". وكان المتحدث العسكري باسم جماعة الحوثي يحيى سريع أفاد في بيان سابق بأن السفينة ماجيك سيز "دخلت موانئ إسرائيلية 3 مرات خلال الأسبوع الماضي، رغم الإنذارات التي وجهت اليها". لا علاقة له بالسفينة ماجيك سيز، وفقاً لما يتوصل اليه تقصي حقيقته. فالبحث عنه، بتجزئته الى صور ثابتة (Invid)، يوصلنا الى خيوط تقودنا اليه منشورا بنسخة أطول (0.52 ثانية) في حساب شبكة تلفزيون الصين الدولية CGTN في يوتيوب، وفي موقعها الالكتروني ، في 11 كانون الثاني 2024، بعنوان: China launches world's first all-solid propellant rocket، اي الصين تطلق أول صاروخ يعمل بالوقود الصلب بالكامل في العالم. لقطة من الفيديو المنشور في حساب CGTN في يوتيوب، في 11 ك2 2024 في ذلك اليوم، "أطلقت شركة الفضاء الصينية الناشئة OrienSpace أول صاروخ لها يعمل بالوقود الصلب غرافيتي-1/ Gravity-1. وهو أقوى صاروخ يعمل بالوقود الصلب في العالم"، على ما أورد موقع شبكة CGTN. وأفاد بأنه "تمّت عملية الإطلاق من منصة بحرية متنقلة قبالة سواحل مدينة هاييانغ في مقاطعة شاندونغ شرق الصين. وقد حطم الإطلاق عددا من الأرقام القياسية في قطاع الفضاء التجاري الصيني". وأشار الى ان "الارتفاع الاجمالي لصاروخ غرافيتي-1 يبلغ حوالي 30 مترًا، ووزن إقلاعه حوالي 400 طن، وقوة دفعه 600 طن. وهو قادر على رفع نحو 6500 كيلوغرام من الحمولة إلى مدار أرضي منخفض (LEO)، أو 4200 كيلوغرام إلى مدار متزامن مع الشمس (SSO) على ارتفاع 500 كيلومتر. ويمكنه إطلاق أقمار اصطناعية عدة يزن كل منها أكثر من 100 كيلوغرام، بالإضافة إلى مركبات فضائية صغيرة لنقل البضائع تزن نحو 3 إلى 4 أطنان". تقييمنا النهائي: اذاً، ليس صحيحاً ان الفيديو المتناقل يظهر "لحظة إغراق الحوثيين اليمنيين السفينة ماجيك سيز في البحر"، بعد هجوم عليها أخيرا. في الحقيقة، هذا المقطع مجتزأ من مشاهد أطول وقديمة تعود الى 11 كانون الثاني 2024. وتظهر لحظة إطلاق الصين أول صاروخ يعمل بالوقود الصلب بالكامل في العالم.


الديار
منذ 7 ساعات
- الديار
انفجار يستهدف قاعدة عسكرية في مقديشو
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب قال شاهد إن انفجاراً هز قاعدة عسكرية في العاصمة الصومالية، وأعقبه إطلاق نار، في حين أعلنت حركة "الشباب" مسؤوليتها عما وصفته بـ"الهجوم الانتحاري". ووفقاً لوكالة "رويترز" فإنه لم يتضح على الفور ما إذا كانت هناك إصابات نتيجة الانفجار الذي وقع في قاعدة جالي سياد العسكرية في مقديشو. وقال شاهد عيان إنه "سمعنا انفجاراً مفاجئاً ثم إطلاق نار داخل القاعدة أثناء مرورنا بها، ولم نتمكن إلا من رؤية سحابة ضخمة من الدخان". وكانت القاعدة تعرّضت في 2023 لهجوم مماثل نفّذه انتحاري ما أسفر حينها عن مقتل 25 جندياً. وفي شهر أيار الماضي، هاجم انتحاري طابوراً لتجند الشباب في قاعدة دامانيو العسكرية، ما أسفر عن مقتل 10 أشخاص. من جهتها، أعلنت حركة "الشباب"، في بيان، أن "انتحارياً دخل القاعدة مستهدفاً الخبراء الغربيين الذين يقومون بتدريب الجنود"، مضيفة أن "هناك ضحايا في الهجوم"، من دون تقديم أي تفاصيل إضافية.


الديار
منذ 7 ساعات
- الديار
الشرطة الفرنسية تداهم مقر حزب لوبان
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب أعلن زعيم حزب التجمع الوطني في فرنسا جوردان بارديلا، أن الشرطة المالية الفرنسية داهمت مقر الحزب في باريس صباح اليوم الأربعاء، وصادرت وثائق تتعلق بالحملات الانتخابية الأخيرة، بحسب ما أفادت به صحيفة "فايننشل تايمز ". وأوضح بارديلا في منشورٍ على منصة "X"، أن نحو 20 ضابطاً مسلحاً من لواء الشرطة المالية شاركوا في المداهمة، واستولوا على رسائل بريد إلكتروني ومعلومات محاسبية ووثائق أخرى، مشيراً إلى أنه "لا يعرف السبب وراء العملية". وقال بارديلا إن "جميع الملفات المتعلقة بالحملات الإقليمية والرئاسية والبرلمانية والأوروبية الأخيرة، جميع الأنشطة الانتخابية للحزب، موجودة اليوم في أيدي القضاء"، مضيفاً أن الضباط كانوا برفقة قاضيي تحقيق. تحقيق بعد إنذارات متعددة من جهتها ذكرت النيابة العامة في باريس أن المداهمة تأتي ضمن تحقيق فُتح بعد تلقي "إنذارات متعددة من مصدر مؤسسي" اتهمت حزب الجبهة الوطنية بتمويل حملاته الانتخابية بشكل غير قانوني. تأتي هذه التطورات بعد أشهر من إدانة مرشحة الحزب السابقة للانتخابات الرئاسية مارين لوبان وأعضاء آخرين في الحزب، ثلاث مرات، بتهمة اختلاس أموال من الاتحاد الأوروبي. كما يُحتمل أن تؤثر هذه الإدانة على ترشح لوبان للانتخابات الرئاسية في عام 2027، رغم تأكيدها أنها ستظل مرشحة وتواصل الطعن في الحكم.