
تساؤلات حول الشرق الأوسط الجديد
مع الإشارة مقدماً إلى أن الكثير من المشاريع الأميركية التي استهدفت المنطقة بقيت حبراً على ورق في كثير من الأحيان، فهي ليست قدراً محتوماً، خاصة إذا ما لقيت رفضاً من شعوب المنطقة.
معالم الشرق الأوسط الجديد تُرسم على إيقاع الحرب في غزة، وما يسمّى السلام الإبراهيمي، الذي يبدو أن قطاره سينطلق من جديد ليشمل بعض الدول العربية ذات التأثير في معادلة الصراع العربي الصهيوني.
'السلام مقابل الازدهار'، هي الفكرة التي تحرص أميركا و'إسرائيل' على الترويج لها، لكن الواقع يقول إن الدول العربية التي وقعت اتفاقاً للسلام مع 'إسرائيل' لم تعد تعيش واقعاً اقتصادياً أفضل.
ظهرت كلمة 'الشرق الأوسط' لأول مرة في العام 1902، في مقالة نشرها البحار الأميركي ألفريد ماهان، صاحب نظرية القوة البحرية.
لا يوجد تحديد دقيق لمصطلح 'الشرق الأوسط'، والدول التي يشملها، وخاصة أن الهدف منه كان دمج 'إسرائيل' مع دول المنطقة العربية، عبر تسميتها دول الشرق الأوسط، كي لا تبدو 'إسرائيل' جسماً غريباً فيه، باعتبارها ليست عربية ولا إسلامية، كما أن مستوطنيها لا يشبهون سكان المنطقة العربية.
يعد شيمون بيريز رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق الأب الروحي للمصطلح، حيث تحدث عن مشروع 'السوق الشرق أوسطية' في العام 1967، وكان الهدف منه تأسيس شراكة اقتصادية بين 'إسرائيل' والدول العربية على غرار السوق الأوربية المشتركة.
بعد معركة طوفان الأقصى بات من الواضح أن المنطقة مقبلة على تغيرات جيو استراتيجية، وأن خرائط جديدة يجري العمل على تنفيذها، وحدود سايكس بيكو التي رسمت معالم الدولة القومية الحديثة لم تعد استمراريتها متاحة.
تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، لكن هذه المرة بناء على أسس دينية وإثنية ومذهبية، لحرف الصراع عن حقيقته، وإدخالنا في صراعات طائفية لا تُبقي ولا تذر.
لقد استطاعت 'إسرائيل' تكريس فكرة أنها 'دولة خارجة على القانون'، وبالتالي لا مجال لمحاسبتها، وأصبح نتنياهو 'أزعر الشرق الأوسط'الذي يفعل ما يريد، وهو المطلوب للعدالة الدولية والقضاء في 'إسرائيل'.
'مواجهة إيران وتركيا' هي الخطوة المقبلة لـ'إسرائيل'، والمطلوب من العرب أن يكونوا أداتها في تلك المواجهة، عبر قدرتها على إثارة النعرات بين أبناء المنطقة. وخاصة أن تركيا تسير على خطى إيران في دعمها للجماعات الإسلامية، وفقاً للتصورات الإسرائيلية.
الدور الوظيفي لهذه الجماعات يمكن الاستثمار به إسرائيلياً، لكن القدرة على احتوائها مستقبلاً أمر غير مؤكد، ويحمل العديد من المخاطر التي يتوجب على 'إسرائيل' أخذها بعين الاعتبار. مؤتمر مدريد للسلام والشرق الأوسط الجديد…
انطلاقاً من فكرة أن 'العرب لا يستطيعون هزيمة 'إسرائيل'، و'إسرائيل' لا تستطيع فرض شروط السلام على العرب'، كان لا بد من التوجه إلى السلام لوضع نهاية لهذا الصراع العبثي، كما يروق للغرب تسميته.
عقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وعاد معه الحديث عن الشرق الأوسط الجديد وفقاً للتصورات الإسرائيلية والمدعومة أميركياً، ولا سيما أن الظروف لم تعد في مصلحة العرب الذين ذهبوا إلى المؤتمر من موقع المهزوم لا المنتصر.
فالاتحاد السوفياتي كان قد تفكك، وهو الذي كان حليفاً للعرب وداعماً لهم طوال فترة الحرب الباردة، وخاصة خلال حرب تشرين التحريرية، حيث شكل 'الموازن الدولي' للدعم الأميركي المطلق لـ'إسرائيل'.
الجيش العراقي كان قد جرى تدميره من قبل التحالف الدولي بعد الغزو العراقي للكويت، ففقد العرب خامس أقوى جيش في العالم في حينه، وهو الذي كان في طليعة الجيوش العربية المستعدة لقتال 'إسرائيل'.
كان توقيت المؤتمر بمناسبة مرور 400 عام على طرد العرب من الأندلس، ما أضفى على المكان إحساساً بوقع الهزيمة التي على العرب تقبلها.
مفاوضات السلام بين العرب و 'إسرائيل' ركزت على تفتيت المسارات، وضرورة استفراد إسرائيل بكل طرف عربي على حدة، كي يسهل عليها فرض شروطها وإملاءاتها.
كانت الولايات المتحدة تتحدث عن 'نهاية التاريخ'، حيث سيطرت القيم الغربية وثقافة العولمة، وباتت أميركا القطب المهيمن على العالم، وأن هذه السيطرة باتت حتمية وخاصة أن التاريخ قد انتهى ولن يعيد نفسه هذه المرة بظهور دولة تنافس الولايات المتحدة في تربعها على عرش العالم.
'إسرائيل' كانت منشغلة في الترويج لفكرة 'الشرق الأوسط الجديد' التي عبّر عنها شيمون بيريز في كتابه الذي عنونه بهذا الاسم، والذي صدر في العام 1993.
يطرح بيريز معادلة مفادها (النفط العربي+اليد العاملة العربية= الخبرة الإسرائيلية)، فالصهاينة يمتلكون التفوق الذهني والحضاري الذي يمكنهم من قيادة المنطقة، وفقاً لتصوراته.
في تلك الفترة جرى الحديث عن تحويل اسم 'جامعة الدول العربية' إلى 'جامعة الشرق الأوسط' لتكون 'إسرائيل' عضواً فيها، وربما تركيا لاحقاً، ولا سيما أن التنسيق التركي الإسرائيلي كان في أوجه حينذاك.
وإرضاءً لتركيا، طرح بيريز فكرة تقوم على ضرورة مقايضة كل برميل ماء تقدمه تركيا للدول العربية ببرميل نفط، فالمياه ثروة تركية كما النفط ثروة عربية.
نتج عن هذا المؤتمر توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، ووادي عربة عام 1994، لكن الصراع العربي الصهيوني لم ينتهِ، وبقيت القضية الفلسطينية قضية العرب والمسلمين، التي لا يمكن لسلطة التفريط بها.
هذا الكلام ليس خطاباً أيديولوجياً، بل هو الحقيقة التي يثبتها الواقع الذي نعيشه، والدليل أن السلام لم يتحقق، والدولة الفلسطينية ما زالت حلماً بعيد المنال، أياً كان الطرف المسؤول عن ذلك.
كما أن 'إسرائيل' رغم قوتها والدعم الغربي الذي يقف خلفها، لم تعد قادرة على حماية أمنها القومي، وهو ما تجسد في عملية طوفان القصى.
الحديث عن مخاض لولادة الشرق الأوسط الجديد، كان أول ما تحدثت به كونداليزا رايس بعد بدء حرب تموز 2006، وها هو اليوم يُطرح من جديد بعد مرور عقدين من الزمن، بمعنى أن ما تريده أميركا و'إسرائيل' ليس قدراً بكل تأكيد.
تلاشي 'الصراع العربي الصهيوني' وتحوّله إلى نزاع فلسطيني إسرائيلي هو المكسب الذي حققته 'إسرائيل'، فلم تعد القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى، بل إن بعض الدول العربية باتت تقف في المكان المعادي لتلك القضية.
موت جامعة الدول العربية هو أحد أهداف مشروع الشرق الأوسط الجديد، فلا مجال للحديث عن أمن قومي عربي، أو مصير عربي مشترك في ظل هذا المشروع، لذا نرى اليوم كيف باتت الجامعة العربية 'جثة هامدة' لا دور لها ولا فائدة. ترامب والشرق الأوسط الجديد..
الرئيس ترامب شخصية غير توقعية، لا يمكن التنبؤ بسلوكه وردود أفعاله، يحاول الظهور بمظهر 'الرجل المجنون' الذي يمتلك القوة المفرطة، والذي لن يتردد في استخدامها عند الضرورة.
رؤية ترامب للشرق الأوسط تقوم على سردية تقديم نفسه كصانع للسلام، ورجل قوي قادر على فعل ما لم يستطع غيره من الرؤساء فعله.
نتنياهو الذي يؤمن بالقوة، والمهووس بفكرة 'إسرائيل الكبرى'، يحسن فن التعامل والحديث مع ترامب ودغدغة مشاعره النرجسية، ويختلف معه في أنه أكثر تطرفاً وحسماً إزاء قضايا المنطقة.
يسعى ترامب لتحقيق أهدافه بصفاقة مطلقة، من دون الأخذ في الاعتبار بعض الشكليات التي تحكم أصول التعاطي الدبلوماسي بين الدول. وهو ما تسبب في الحرج للكثير من قادة الدول، الذين شعروا بالإذلال والإهانة، لأن استحقارهم جرى في العلن، لا في الاجتماعات المغلقة، كما جرت العادة.
الجميع تهيأ لكيفية التعاطي مع ترامب قبل وصوله إلى السلطة، والكل يدرك أن لا مناص من الانحناء للعاصفة، إذا ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
'أميركا أولاً' ليس مجرد شعار طرحه ترامب، بل استراتيجية يعمل على تطبيقها، تعني أن المصالح الأميركية يجب تحقيقها مهما كان الثمن، وبغض النظر عن الوسائل المتبعة، في تجسيد مطلق لأسوأ معاني 'الميكافيلية'.
الحديث عن الخلاف بين ترامب ونتنياهو لم يعد ممكناً، وخاصة بعد التدخل الأميركي المباشر في العدوان على إيران، بعد فشل 'إسرائيل' في تحقيق أهدافها، والزيارة الحالية لنتنياهو للبيت الأبيض والتي يحمل فيها ثلاثة ملفات: وقف الحرب في غزة، والسلام مع سوريا وضرورة الضغط على إيران بعد أن اعترف الأميركيون بفشل الضربات الجوية في تدمير مفاعلات طهران النووية.
يسعى ترامب لتحقيق السلام في الشرق الأوسط تطبيقاً لاستراتيجيته 'السلام من خلال القوة'، بغض النظر عن شكل هذا السلام، وخاصة أنه لا معنى للحق في قاموسه السياسي، فهو من اعترف بالقدس عاصمة موحدة لـ'إسرائيل' في العام 2017، كما اعترف بضم 'إسرائيل' للجولان السوري المحتل بموجب مرسوم رئاسي وقعه بتاريخ 25 آذار 2019، خلال ولايته الأولى.
المهم بالنسبة لترامب أن يجري الإعلان عن شيء يُحسب له، ويشكل قيمة مضافة إلى تاريخه السياسي، ويعزز فرصه في الحصول على جائزة نوبل للسلام، حتى لو كان ترشيحه من قبل نتنياهو الملطخة يداه بدماء أطفال غزة.
فشل ترامب في وضع نهاية للحرب الأكثر دموية في القرن 21 (حرب غزة)، وكل ما هو مطروح هو وقف الحرب من خلال هدنة تستمر لستين يوماً، ثم وضع إطار عام وشامل لوقف الحرب بشكل كامل، على ألّا يكون هناك وجود لحماس بعد الحرب.
الحتمية التاريخية تؤكد أن الشعوب لا يمكن أن تُقهر، ولا يوجد احتلال كُتب له الاستمرار عبر التاريخ، وأن الشعب العربي لم يقل كلمته بعد، وأن حركة التاريخ مع العرب، لو أحسنوا استثمارها.
مع التأكيد أن المقاومة ليست مجرد فعل آني، بل هي حركة تاريخية متجددة، وحق شعبي لا يمكن لأي سلطة احتكاره، وإلا ستجد نفسها في صف العدو، وهو ما لا تطيقه أي سلطة بكل تاكيد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاهر الشاهر
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليمن الآن
منذ 3 ساعات
- اليمن الآن
لن تصدق السبب...ترامب يهين زعيم دولة عربية ويمسح بكرامته الأرض "شاهد"
الأسلوب الذي يتبعه الرئيس ترامب مع كبار الشخصيات من شتى أرجاء العالم، يتسم بالوقاحة والاستخاف وقلة الإحترام، وترامب يفعل ذلك مع الكثير من زعماء الدول في مختلف القارات، خاصة حين يشعر أنهم ضعفاء ولا حول لهم ولا قوة، كما فعل مع الرئيس الأوكراني، وكذك مع رئيس وزراء كندا. لكن سخرية ترامب وغطرسته والتعالي على الزعماء، تتوقف تماما، ويتعامل بكل جدية واحترام، وينتقي كلماته، ويحرص بشدة على إظهار التقدير عندما يلتقي أو يتحدث مع زعماء لهم هيبتهم وقوتهم، وهو ما يظهر جليا وواضحا في تعامله مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو مع الرئيس الصيني أو الزعيم الكوري الشمالي " كيم". في هذه المرة كان ضحية ترامب زعيم عربي، هو الرئيس الموريتاني، فقد أظهر له ترامب قلة احترام وتعامل معه بشكل غير لائق وصل إلى حد المهانة، جاء ذلك خلال استقباله لرؤساء 5 دول أفريقية، في البيت الأبيض، فكان أسلوبه مهينا ومتعجرفا، وأظهر لضيوفه غطرسة واستعلاء، أثارت موجة انتقادات واسعة على مواقع التواصل الإجتماعي ومنصات السوشال ميديا، والتي كشفت ان ترامب تعامل مع رؤساء تلك البلدان وكأنهم موظفين لديه، فيما أثار هذا التصرف المهين غضبا عارما من قبل ناشطون ورواد مواقع التواصل الإجتماعي في الدول التي يحكمها الرؤساء الأفارقة الذين التقاهم ترامب، وتمنوا لو انهم إنسحبوا من اللقاء حفاظا على كرامتهم وكرامة شعوبهم. فحين كان الرئيس الموريتاني "محمد ولد الغزواني" يتحدث عن أهمية الموقع الإستراتيجي لبلاده وفرص الاستثمار فيها، قاطعه ترامب بشكل فج وبطريقة غير لائقة، ولم يدعه يكمل حديثه، بل انه تصرف بوقاحة متناهية مع الرئيس الموريتاني، وأشار بيده ورأسه إلى الغزواني ليتوقف عن الكلام، قبل أن يعلق الغزواني قائلا: "لا أريد أن أضيع الكثير من الوقت في هذا"، ليقاطعه ترامب بنبرة انزعاج واضحة قائلا: "ربما يتعين علينا الإسراع قليلا في الحديث، لأن لدينا جدولا زمنيا حافلا. لكن ترامب وقع في شر أعماله ودفع ثمن غطرسته على الزعماء الأفارقة، وصار الجميع يتندر عليه ويسخرون منه، بعد ان أظهر جهل وقلة معرفة في كثير من الأمور، جعلت السحر ينقلب على الساحر، فقد أبدى ترامب اعجابه ودهشته من طلاقة الرئيس الليبيري جوزيف بواكاي في اللغة الإنجليزية،وسأله: "إنجليزيتك رائعة! أين تعلمتها؟"، ليبتسم بواكاي في محاولة لكتم حرج واضح قبل أن يجيب ببساطة: "نعم سيدي.. في ليبيريا". هذا السؤال الذي وجهه ترامب للرئيس الليبيري عن تمكنه من التحدث بالإنجليزية بكل طلاقة، جعل ترامب يبدوا ساذجا وجاهلا، وهو ما أشعل موجة تعليقات ناقدة، فاللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية في ليبيريا التي أسسها الأميركيون لتوطين العبيد المحررين، كما سخر مغردون على موقع اكس من جهل ترامب بمثل هذه المعلومة التي يعلمها الجميع، فدولة "ليبيريا" لغتها الأم هي الإنجليزية، بل ان البعض أكد ان ترامب لا يفقه شيء عن كثير من الدول التي يستقبل قادتها.


وكالة الصحافة اليمنية
منذ 5 ساعات
- وكالة الصحافة اليمنية
رسائل البحر الأحمر.. صنعاء ترسم معادلة الردع العسكري
تقرير/ وكالة الصحافة اليمنية// رسخت صنعاء خلال الأسبوع الجاري معادلة ردع عسكرية غير مسبوقة في المنطقة، بعدما أثبتت قدرتها على فرض حصار بحري شامل، على الاحتلال الإسرائيلي، في تطورٍ يُعتبر الأهم منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى في أكتوبر 2023. من البحر الأحمر إلى سماء اليمن، بدت صنعاء أكثر جرأة وإصرارًا على توسيع دائرة المواجهة، ورفع كلفة العدوان الإسرائيلي على غزة، مع تزايد فاعلية العمليات المشتركة بين البحرية والجوية والدفاعات الصاروخية لقواتها. في تصعيد استراتيجي بالغ الأهمية، أعلنت صنعاء تنفيذ عمليات بحرية دقيقة أدت إلى إغراق سفينتين تجاريتين كانتا في طريقهما إلى ميناء أم الرشراش 'إيلات' المحتل، في ظرف أقل من 24 ساعة، ردًا على محاولات كسر الحظر المفروض على الملاحة 'الإسرائيلية'. هذه الضربة المزدوجة لم تكن مجرد رد فعل، بل حملت رسائل صارمة: أولاً: أن قرار الحظر البحري لم يُرفع، ولن يُرفع طالما استمر العدوان والحصار على غزة. ثانيًا: أن صنعاء تملك القدرة الفعلية على مراقبة تحركات السفن في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، ورصد أي خرق في لحظته. ثالثًا: أن الرد على خرق الحظر لم يعد مجرد هجمات تحذيرية أو اعتراض طريق العبور لتلك السفن، بل انتقل إلى مرحلة الإغراق المباشر بعد سلوك الطرق القانونية في التحذير والتواصل المباشر مع طواقم السفن. العمليات البحرية هذه المرة لم تكن منفصلة، بل ناتجة عن تنسيق دقيق بين سلاح البحرية، والقوة الصاروخية، والطيران المسير، ما يعكس تطور القدرات العملياتية وتكاملها. وفي موازاة الحصار البحري، حققت الدفاعات الجوية لقوات سلطة صنعاء إنجازًا عسكريًا نوعيًا، بإفشال محاولات الطيران الإسرائيلي شن غارات داخل الأجواء اليمنية. وبحسب تصريحات قائد أنصار الله السيد عبدالملك الحوثي، فإن طائرات الاحتلال لم تتمكن من تنفيذ هجماتها من داخل المجال الجوي اليمني، واضطرت إلى تنفيذ ضرباتها من خارج الأجواء، ما يكشف فعالية المنظومات الدفاعية، وقدرتها على تحييد طائرات معادية في سماء بلد يعيش تحت الحصار منذ أكثر من 10 سنوات. هذا النجاح يعزز القناعة بأن الدفاعات الجوية لصنعاء أصبحت اليوم جزءً مهمًا من معادلة الردع الإقليمية، خصوصًا مع قدرتها على طرد طائرات معادية تمتلك تقنيات متطورة، وهو تحول استراتيجي لافت. لم تقتصر عمليات صنعاء على الحصار البحري والجوي، بل تواصلت الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة باتجاه العمق الإسرائيلي. ففي الأسبوع الأخير نفذت صنعاء عمليات نوعية بـ 45 صاروخ وطائرة مسيرة، استهدفت مدنًا فلسطينية حساسة تسح سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، بينها: يافا، عسقلان، أسدود، أم الرشراش (إيلات). إلى ذلك نفذت عمليات بحرية استهدفت مرافئ ومصالح إسرائيلية، وكذا هجمات طالت مطار 'بن غوريون'، ما أدى إلى تعليق مؤقت للرحلات الجوية، وإجبار ملايين المستوطنين على التوجه إلى الملاجئ في مشهد مذلّ للاحتلال. وتؤكد صنعاء أن بنك الأهداف قابل للتوسيع، وأن العمليات البحرية ستُكرر ضد أي سفينة تنقل بضائع إلى الاحتلال الإسرائيلي، في تهديد واضح لشركات الملاحة الدولية. تبدو رسالة صنعاء واضحة وصارمة: لا تراجع عن الحصار البحري والجوي، ولا مجال لأي هدنة جزئية طالما العدوان الإسرائيلي مستمر ضد غزة. وتعتبر صنعاء موقفها قرارًا سياديًا أخلاقيًا دينيًا غير خاضع للمساومة أو الضغوط الدولية، كما أن اليمن بات اليوم في موقع الرقابة الكاملة على مسارات الملاحة والتجارة المرتبطة بالاحتلال في البحر الأحمر. ومع تنامي قدرات صنعاء البحرية والجوية، تشير المعطيات إلى أن، البحر الأحمر قد يتحول إلى ساحة اشتباك مفتوحة في أي لحظة، وأن معادلة 'إما وقف العدوان على غزة أو استمرار الحصار' أصبحت راسخة ومُلزمة لكل الأطراف، بما في ذلك شركات الشحن العالمية. ولعل نجاح صنعاء في إغراق سفينتين بعمليتين متزامنتين يعكس تطورًا نوعيًا يُعيد رسم موازين القوى في المنطقة. في ظل هذا التصعيد المنظم، يبدو أن اليمن لم يعد مجرد طرف داعم لغزة، بل بات فاعلاً مؤثرًاً في معركة 'طوفان الأقصى'، عبر أدوات عسكرية واقتصادية ناجعة. فكل شركة شحن ستجد نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الالتزام بالحظر البحري المفروض من صنعاء، أو مواجهة مصير السفينتين اللتين أصبحتا في قاع البحر الأحمر. أما الاحتلال الإسرائيلي، فيجد نفسه أمام جبهة ردع جديدة، جبهة 'اليمن البحرية والجوية'، والتي باتت تصنع المعادلات وتفرض خطوط الاشتباك وحدود العمليات. وعليه يمكننا القول إن صنعاء تثبت اليوم، عبر العمليات النوعية البحرية والجوية، أن الحرب لم تعد تقتصر على حدود فلسطين المحتلة، بل باتت معركة مفتوحة، فيها للبحر والجو دورٌ أساسي في كسر الحصار وكبح العدوان.


اليمن الآن
منذ 11 ساعات
- اليمن الآن
ترامب يهين زعيم دولة عربية ويمسح بكرامته الأرض
الأسلوب الذي يتبعه الرئيس ترامب مع كبار الشخصيات من شتى أرجاء العالم، يتسم بالوقاحة والاستخاف وقلة الإحترام، وترامب يفعل ذلك مع الكثير من زعماء الدول في مختلف القارات، خاصة حين يشعر أنهم ضعفاء ولا حول لهم ولا قوة، كما فعل مع الرئيس الأوكراني، وكذك مع رئيس وزراء كندا. لكن سخرية ترامب وغطرسته والتعالي على الزعماء، تتوقف تماما، ويتعامل بكل جدية واحترام، وينتقي كلماته، ويحرص بشدة على إظهار التقدير عندما يلتقي أو يتحدث مع زعماء لهم هيبتهم وقوتهم، وهو ما يظهر جليا وواضحا في تعامله مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو مع الرئيس الصيني أو الزعيم الكوري الشمالي " كيم". في هذه المرة كان ضحية ترامب زعيم عربي، هو الرئيس الموريتاني، فقد أظهر له ترامب قلة احترام وتعامل معه بشكل غير لائق وصل إلى حد المهانة، جاء ذلك خلال استقباله لرؤساء 5 دول أفريقية، في البيت الأبيض، فكان أسلوبه مهينا ومتعجرفا، وأظهر لضيوفه غطرسة واستعلاء، أثارت موجة انتقادات واسعة على مواقع التواصل الإجتماعي ومنصات السوشال ميديا، والتي كشفت ان ترامب تعامل مع رؤساء تلك البلدان وكأنهم موظفين لديه، فيما أثار هذا التصرف المهين غضبا عارما من قبل ناشطون ورواد مواقع التواصل الإجتماعي في الدول التي يحكمها الرؤساء الأفارقة الذين التقاهم ترامب، وتمنوا لو انهم إنسحبوا من اللقاء حفاظا على كرامتهم وكرامة شعوبهم. فحين كان الرئيس الموريتاني "محمد ولد الغزواني" يتحدث عن أهمية الموقع الإستراتيجي لبلاده وفرص الاستثمار فيها، قاطعه ترامب بشكل فج وبطريقة غير لائقة، ولم يدعه يكمل حديثه، بل انه تصرف بوقاحة متناهية مع الرئيس الموريتاني، وأشار بيده ورأسه إلى الغزواني ليتوقف عن الكلام، قبل أن يعلق الغزواني قائلا: "لا أريد أن أضيع الكثير من الوقت في هذا"، ليقاطعه ترامب بنبرة انزعاج واضحة قائلا: "ربما يتعين علينا الإسراع قليلا في الحديث، لأن لدينا جدولا زمنيا حافلا. لكن ترامب وقع في شر أعماله ودفع ثمن غطرسته على الزعماء الأفارقة، وصار الجميع يتندر عليه ويسخرون منه، بعد ان أظهر جهل وقلة معرفة في كثير من الأمور، جعلت السحر ينقلب على الساحر، فقد أبدى ترامب اعجابه ودهشته من طلاقة الرئيس الليبيري جوزيف بواكاي في اللغة الإنجليزية،وسأله: "إنجليزيتك رائعة! أين تعلمتها؟"، ليبتسم بواكاي في محاولة لكتم حرج واضح قبل أن يجيب ببساطة: "نعم سيدي.. في ليبيريا". هذا السؤال الذي وجهه ترامب للرئيس الليبيري عن تمكنه من التحدث بالإنجليزية بكل طلاقة، جعل ترامب يبدوا ساذجا وجاهلا، وهو ما أشعل موجة تعليقات ناقدة، فاللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية في ليبيريا التي أسسها الأميركيون لتوطين العبيد المحررين، كما سخر مغردون على موقع اكس من جهل ترامب بمثل هذه المعلومة التي يعلمها الجميع، فدولة "ليبيريا" لغتها الأم هي الإنجليزية، بل ان البعض أكد ان ترامب لا يفقه شيء عن كثير من الدول التي يستقبل قادتها.