
الخيارات الضرورية للعالم العربي
كما لا يختلف أحد على أن الشرق الأوسط غير مستقر وفي مرحلة إعادة تشكيل، طبيعية وجبرية، نتيجة اختلاف نسب نجاح وفشل المنظومة الوطنية بين دولة وأخرى، وطموح دول غير عربية لتشكيل المنطقة على هويتها، وعلى رأس هذه الدول إسرائيل.
وأهم العناصر المشتركة بين المسرح الدولي والإقليمي أن الاضطرابات صاحبتها أو كانت نتيجة قرارات استراتيجية للأطراف المتطلعة للهيمنة، بالخروج عن التوافق والتوازن الدولي والإقليمي، والذي يشكل نظاماً دولياً وإقليمياً مستقراً وعلى أساس التعايش البارد حتى في ظل بعض التوترات.
واستبدلت بمرحلة التعايش البارد أخرى يغلب عليها المنظور الأحادي والحلول القريبة من الصفرية لحساب بعض الأطراف، على المستوى الدولي من قبل الغرب، بالتركيز على المحاور الاقتصادية لتوجيه المحاور الاجتماعية والسياسية، وفي الشرق الأوسط من قبل إسرائيل باستخدام القوة العسكرية والسياسية الخشنة، مدعومة من الولايات المتحدة خصوصاً، فغلب قانون القوة على قوة القانون، دون مراعاة الحقوق المشروعة للغير، أو سيادة الدول، واستخدام العنف وازدواجية المعايير على الملأ.
والأوضاع الدولية والإقليمية الآن بالغة الصعوبة والخطورة، وتتواصل تداعياتها عبر البحار والقارات، مما يفرض على الدول المستقلة عامة، وفي الشرق الأوسط على الدول العربية خاصة، أخذ زمام المبادرة برؤى شاملة، وثبات انفعالي، وشجاعة وحكمة في اتخاذ القرارات وترجمة سياساتنا إلى حيز التنفيذ.
ومع أهمية اللحظة وصعوبة الموقف، لا أبالغ في القول، أو أتهاون مع الظرف، بالتنويه أن تجاوز العالم العربي هذا الإعصار بأمان، مرهون أساساً بكلمات ثلاث، ألا وهي التحدي والتطوير والبناء.
علينا كعرب تقدير حجم التحدي، بل التحديات، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر، محاولة تمييع الهوية العربية في الشرق الأوسط، وفي الدول العربية ذاتها، واستبدالها خصوصاً بهوية شرق أوسطية، بنكهة إسرائيلية، أو هوية المصلحة المادية اللحظية قصيرة الأجل على حساب المصلحة الاستراتيجية الإقليمية إذا لزم ذلك، والدفع بأن المهيمن الجديد مدخل ووسيط العرب للعالم المتقدم تكنولوجياً ومالياً.
وتفتيت الهوية العربية لمصلحة الغير والسيطرة على القنوات المالية والتكنولوجية وتحجيم تمتع الدول العربية بها، فيه تهديد واضح وطويل الأجل على الأمن القومي للدول العربية، عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، وعلى مصر والسعودية والدول العربية المؤثرة وضع خطة وتصور للأمن القومي العربي لمناقشته على المستوى العربي، قبل التشاور مع دول الجوار غير العربي، باعتبار ما يجمعنا من مفاهيم ومصالح أكثر بكثير عن أي تباين في المواقف حول بعض القضايا.
وتقتضي الأمانة أيضاً المصارحة بضرورة التصدي لتحدٍ ذاتي على المستوى العربي، لإعادة الثقة واطمئنان المواطنين في صدقية الهوية العربية، بطموح واجب يستند إلى العناصر التي تجمعنا، وهي ليست قليلة، وبخاصة في المجالات الثقافية والتراثية والاقتصادية، مع التعامل بواقعية واحترام للأولويات المختلفة بين الحين والآخر وبخاصة على المستوى السياسي.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأدعو للاستفادة لأقصى درجة من تعدد التجمعات العربية على المستوى دون الإقليمي، وبتشجيعها إيجابياً، والعمل على توافق أعمالها وتكاملها في الإطار الإقليمي العربي الأوسع، باعتبارها إضافات تراكمية للعمل العربي العام.
وذاتياً يشمل التحدي تأمين وتدعيم مفهوم الدولة الوطنية في العالم العربي، مع احترام خصوصيات شعوبنا وطوائفنا المختلفة، حتى لا نترك مجالاً للتفتيت والفرقة، بخاصة واعتباراً من القرن الـ21 أو قبل ذلك بقليل، كانت الفتنة من أهم بذور عدم الاستقرار العربي والفرقة الوطنية والانشقاق، والمستغلة من قبل تيارات متعصبة منشقة أو جهات أجنبية.
ومن التحديات كذلك ضرورة التصدي لكل محاولات فرض الواقع وتشكيل النظام الإقليمي بالقوة، باعتبار أننا دول متوسطة ووسطية، ويعد القانون الدولي العمود الأساس في تغليب الحق على الباطل، وفي الحفاظ على الأمن القومي لأوطاننا وعالمنا، والضمان الآمن لاستقرار المنظومة الإقليمية العادلة، مع مراعاة الدول والشعوب كافة، وفقاً لمعايير واحدة ومشتركة للجميع. والممارسات الإسرائيلية خلال الأشهر الأخيرة داخل غزة والضفة، وسوريا ولبنان واليمن، فضلاً عن إيران، ترجمة عملية لسياسات معلنة للمسؤولين الإسرائيليين، أنها تعيد تشكيل المنطقة وستستخدم القوة وازدواجية المعايير ضد أية جهة تقف في طريقها.
ولعل من أفضل سبل الارتفاع إلى مستوى التحدي وتوفير فرص النجاح، تبني العالم العربي وطنياً وإقليمياً منهجية التطوير المتدرج المستمر، للحفاظ على خصوصياتنا وحقوقنا وثقلها الإقليمي والدولي في المقام الأول، ولمواكبة الأحداث لأن الأوضاع الدولية والإقليمية تتغير باستمرار. لا يكفي أن يكون العالم العربي على دراية ومتابع للتطورات الدولية والإقليمية، بل من الضرورة أن نسهم في تشكيل النظام المعاصر وتوجهاته ونتائجه وبخاصة على المستوى الإقليمي الشرق أوسطي، الذي تعبث وتجول فيه أطراف دولية وإقليمية غير عربية.
ولن ننجح في توجيه التطور الإقليمي إلى بر الأمان دون أن تبنى فلسفة التطوير الذاتي المستمر على المستوى الوطني والإقليمي العربي السياسي والاقتصادي والأمني، بما في ذلك بالنسبة إلى مؤسساتنا الوطنية والإقليمية، لتمثل جميع دولنا ويتحمس لها الكل، من المغرب العربي إلى المشرق والخليج، لتكون قادرة على التفاعل الشامل والسريع مع الأحداث المستجدة والمتشابكة والمتغيرة بمعدلات سريعة، في عصر الذكاء الاصطناعي والطائرات دون قيادة والابتكار الجيني ووسائل التوجيه الذكية ووسائل الإيصال بعيدة المدى، لأن قطار التطور السريع لا يتوقف، ويستفيد منه المواكبون والمشكلون له، ويترك الآخرون في مهب الريح، وأتمنى أن يتحول العالم العربي إلى مصدر لتوليد التكنولوجيا ليس مجرد مستخدم له.
وعلينا الاستمرار في بناء الدول الوطنية الحديثة والقوية، صاحبة القرار المستقل، القادرة على تحريك الأوضاع وتحمل الضغوط والأزمات، والساعية إلى المشاركة في المنظمات الإقليمية والدولية، ويتحقق ذلك بالاستناد في قراراتنا الخارجية على مزيج من قدراتنا الوطنية، والعلاقات الإقليمية والدولية، مما يحافظ على دورنا النشط في الساحة الدولية التي لا يمكن الانعزال عنها، ويؤمن لنا استقلالية القرار وتعدد الخيارات لمصلحة شعوبنا.
والبناء السياسي والمجتمعي الإقليمي والدولي يتطلب أرضية ومنظومة اقتصادية وطنية صلبة ومنتجة، لأنها المحك الرئيس للنجاح والمستهدف الأول، ومنظومة اقتصادية غاية الكفاءة في الأداء، بصرف النظر عن كونها رأسمالية أو اشتراكية أو غير ذلك، والكفاءة تتطلب الشفافية في المعلومات ذات الصلة، والمحاسبة على الإخفاء والمكافأة على حسن الأداء، وتمكين وتشجيع الكل على المشاركة والمنافسة، سعياً لخلق منظومات ومؤسسات اقتصادية قادرة على الاستجابة لمتطلبات المجتمع والمنافسة مع الشركات الدولية محلياً ودولياً، لأن اقتصادات العالم متصلة ومتواصلة، ولم يعد هناك مجال للتنمية المستدامة للدول المتوسطة في عزلة أو استقلال عن الأسواق الدولية المنافسة.
ارتفاعنا إلى مستوى التحدي وتبني فلسفة التطوير، وعقد العزم على البناء ضرورات لمستقبل أفضل للعالم العربي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 4 ساعات
- Independent عربية
روسيا لم تعد ملزمة وقف نشر صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى
قالت وزارة الخارجية الروسية أمس الإثنين إن موسكو لم تعد تعتبر نفسها ملزمة وقف نشر الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى. كانت الولايات المتحدة انسحبت من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى في عام 2019. وقالت روسيا منذ ذلك الحين إنها لن تنشر مثل هذه الأسلحة شريطة ألا تفعل واشنطن ذلك. ومع ذلك أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في ديسمبر (كانون الأول) 2024 إلى أن موسكو ستضطر إلى الرد على ما وصفه "بالإجراءات المزعزعة للاستقرار" من قبل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في المجال الاستراتيجي. وقالت الوزارة في بيانها "بما أن الوضع يتطور نحو النشر الفعلي لصواريخ برية متوسطة وقصيرة المدى أميركية الصنع في أوروبا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، فإننا نشير إلى أن شروط الحفاظ على وقف أحادي الجانب لنشر أسلحة مماثلة لم تعد قائمة". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) قالت أوكرانيا أمس الإثنين إنها اتهمت ستة أشخاص، من بينهم نائب في البرلمان ومسؤول حكومي، باختلاس أموال في شراء طائرات مسيرة ومعدات تشويش للجيش. وتعتمد كييف على إمدادات ثابتة من الطائرات المسيرة وأنظمة الحرب الإلكترونية للتصدي لروسيا، كما تشن حملة على الكسب غير المشروع الذي يعد أمراً بالغ الأهمية لمستقبلها في الاتحاد الأوروبي. وقالت سلطات مكافحة الفساد السبت إنها كشفت عن مخطط يضم نائباً بالبرلمان، ومسؤولين أحدهما لا يزال في منصبه والآخر أقيل، إضافة إلى قائد في الحرس الوطني واثنين من رجال الأعمال، كانوا يقدمون رشى في مقابل صفقات شراء بأسعار مبالغ فيها.


Independent عربية
منذ 5 ساعات
- Independent عربية
روسيا لم تعد ملزمة بوقف نشر صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى
قالت وزارة الخارجية الروسية أمس الإثنين إن موسكو لم تعد تعتبر نفسها ملزمة بوقف نشر الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى. كانت الولايات المتحدة انسحبت من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى في عام 2019. وقالت روسيا منذ ذلك الحين إنها لن تنشر مثل هذه الأسلحة شريطة ألا تفعل واشنطن ذلك. ومع ذلك، أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في ديسمبر (كانون الأول) إلى أن موسكو ستضطر للرد على ما وصفه "بالإجراءات المزعزعة للاستقرار" من قبل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في المجال الاستراتيجي. وقالت الوزارة في بيانها "بما أن الوضع يتطور نحو النشر الفعلي لصواريخ برية متوسطة وقصيرة المدى أميركية الصنع في أوروبا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، فإننا نشير إلى أن شروط الحفاظ على وقف أحادي الجانب لنشر أسلحة مماثلة لم تعد قائمة". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) قالت أوكرانيا الإثنين إنها اتهمت ستة أشخاص، من بينهم نائب بالبرلمان ومسؤول حكومي، باختلاس أموال في شراء طائرات مسيرة ومعدات تشويش للجيش. وتعتمد كييف على إمدادات ثابتة من الطائرات المسيرة وأنظمة الحرب الإلكترونية للتصدي لروسيا، كما تشن حملة على الكسب غير المشروع الذي يعد أمراً بالغ الأهمية لمستقبلها في الاتحاد الأوروبي. وقالت سلطات مكافحة الفساد السبت إنها كشفت عن مخطط يضم نائباً بالبرلمان، ومسؤولين أحدهما لا يزال في منصبه والآخر أقيل، إضافة إلى قائد في الحرس الوطني واثنين من رجال الأعمال، كانوا يقدمون رشاوى في مقابل صفقات شراء بأسعار مبالغ فيها.


Independent عربية
منذ 7 ساعات
- Independent عربية
بونتلاند الصومالية تفرج عن سفينة تحمل معدات عسكرية تركية
أعلنت ولاية بونتلاند المتمتعة بحكم شبه ذاتي في الصومال أمس الإثنين أنها نقلت إلى تركيا مسؤولية سفينة محملة بمعدات عسكرية كانت قد صادرتها قبل أسابيع قبالة سواحلها، مما أثار استياء الحكومة الفيدرالية الصومالية. أعلنت بونتلاند، المنطقة القاحلة الغنية بالنفط في شمال شرق البلاد، استقلالها في العام 1998 وتربطها علاقات متوترة مع مقديشو. احتجزت السفينة "سي وورلد" التي ترفع علم جزر القمر في 19 يوليو (تموز) قرب مدينة بريدة الساحلية على خليج عدن. وأعلنت بونتلاند حينها أن السفينة شوهدت "تتجول" قبالة سواحلها لعدة أيام، مما أثار الشكوك حول مالكها. وبعد بضعة أيام، طالبت مقديشو بالإفراج عنها، مؤكدة أن الشحنة الآتية من تركيا كانت متجهة إلى قاعدة عسكرية تركية في البلاد، واتهمت بونتلاند بـ"القرصنة". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) رفضت السلطات في بونتلاند هذه الاتهامات، معربة عن مخاوفها من وقوع الشحنة في أيدٍ غير أمينة. وفي ديسمبر (كانون الأول)، شنّت الولاية المتمتعة بحكم شبه ذاتي هجوماً على تنظيم "داعش" الناشط في المنطقة. وأكدت مصادر في شرطة بونتلاند لوكالة الصحافة الفرنسية العثور على ناقلات جند مدرعة ورشاشات وبنادق رشاشة وذخيرة على متن السفينة "سي وورلد". وجاء في بيان أصدرته السلطات الإثنين أنه بعد "محادثات مطولة" وإرسال وفد تركي إلى بونتلاند، "قدّمت الحكومة التركية لحكومة بونتلاند الدليل على ملكيتها لجميع الموجودات". وأضاف البيان "نظراً إلى الأدلة التي قدمتها الحكومة التركية لتأكيد ملكيتها للشحنة والتحقيقات التي أجرتها حكومة بونتلاند في الشحنة التي تحملها السفينة، قررت حكومة بونتلاند نقل مسؤولية السفينة والشحنة التي تحملها إلى الحكومة التركية".