
فوز زهران ممداني مفاجأة أبعد من نيويورك
ليست الولايات المتحدة بغريبة عن الدراما السياسية، لكن المفاجأة التي شهدها الحزب "الديمقراطي" في مدينة نيويورك أدهشت حتى أكثر المتابعين تشاؤماً.
فقد تمكن زهران ممداني، الذي يصف نفسه بأنه اشتراكي ديمقراطي (كلمة "اشتراكي" كثيراً ما اعتبرت بمثابة "نقطة ضعف سياسية" في الولايات المتحدة)، وعضو حديث العهد في "الجمعية التشريعية لولاية نيويورك" New York State Assembly، من إلحاق الهزيمة بالحاكم السابق أندرو كومو، ليصبح مرشح الحزب "الديمقراطي" الرسمي لخوض انتخابات عمدة مدينة نيويورك في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وكان كومو الذي أجبر على ترك منصبه بسبب فضيحة تحرش جنسي قبل نحو أربعة أعوام، يخطط للعودة للساحة السياسية. لكن مع هذا الفوز، لم يكتف الوافد الجديد زهران ممداني البالغ من العمر 33 سنة، بإقصاء أحد أقطاب السياسة في نيويورك فحسب، بل ضخ أول جرعة حقيقية من الطاقة في الحزب الديمقراطي منذ خسارته للبيت الأبيض العام الماضي.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لم يكن فوز ممداني مجرد تصويت احتجاجي من نوع "أي أحد سوى كومو"، فبالنسبة إلى كثيرين خارج حدود الولايات المتحدة - أو حتى خارج مدينة نيويورك نفسها - لا يزال ممداني اسماً غير مألوف. هو نجل الأكاديمي الأوغندي محمود ممداني والمخرجة ميرا ناير، وأمضى جزءاً من طفولته في شرق أفريقيا قبل أن يستقر في نيويورك. وكان انتخب في عام 2020 لعضوية "جمعية الولاية" - وهي المجلس التشريعي الأدنى في الولاية، الذي يمكن مقارنته، بصورة عامة، بالبرلمانات المفوضة في المملكة المتحدة - وينتمي إلى حركة "الاشتراكيين الديمقراطيين في أميركا" Democratic Socialists of America (DSA)، ويمثل جزءاً من حي غرب كوينز، المنطقة التي تشهد عملية تحول عمراني.
إنه يتحدث بلغة يفهمها المستأجرون والمهاجرون والعمال ذوو الدخل المحدود، وبعيداً من التعقيدات والمصطلحات السياسية المجردة، ويخاطب الناخبين بوضوح وإلحاح، وهذا بالتحديد ما منح حملته زخماً وجعلها تنطلق بقوة. فقد تمحور برنامجه حول تجميد أسعار الإيجارات، وتعزيز حقوق المستأجرين، وتوفير خدمة حافلات مجانية، بتمويل يعتمد إلى حد كبير على فرض ضرائب جديدة كبيرة على الأثرياء، وهي مقترحات دأبت المؤسسة السياسية على رفضها ووصفها بأنها متطرفة للغاية.
لكن ممداني أدار حملة شعبية منظمة بانضباط، تمكنت من التفوق على خصومه من خلال التواصل المباشر مع الناخبين، وبناء الثقة داخل المجتمع، والتمسك برسالة مقنعة. ويعكس ذلك مؤشراً على نضج الحركة التقدمية، التي لم تعد تكتفي بإطلاق الشعارات من الهامش، بل أصبحت قادرة اليوم على التنافس وخوض معارك صعبة ضمن آليات الحزب والفوز بها.
هذا السباق الانتخابي يؤكد أيضاً وجهة نظري بأن المزاج السياسي الراهن في الولايات المتحدة ينطوي رغبة عميقة في التغيير، فبغض النظر عن الانتماءات الأيديولوجية، بات الناخبون الأميركيون يتطلعون إلى شخصية قادرة على "قلب الطاولة بالكامل" [تحقيق تغيير جذري].
كنت ابتكرت هذه العبارة أثناء عملي في الحملة الرئاسية لكامالا هاريس العام الماضي، وما زلت أعود لها، فالناخبون لم يصوتوا لدونالد ترمب لأنهم معجبون بسجله الجنائي أو عنصريته أو كرهه للنساء - بل دعموه، على رغم كل ذلك، لأنه كان المرشح الوحيد الذي وعد بتفكيك النظام القائم.
لا يكترث أفراد الطبقة العاملة بمن يحدث التغيير الجذري - سواء كان ترمب أم ممداني – ما دام أن أحدهما سيفعل ذلك في النهاية.
أشعر بفخر كبير لعملي ضمن حملة هاريس، لكننا واجهنا تحدياً حقيقياً في تقديم رؤية واضحة ومقنعة لتغيير ملموس في حياة الناخبين الذين يشعرون بالتهميش والتجاهل والخداع، فالنظام ببساطة لا يعمل لصالحهم، ولم تمنحهم حملتنا ما يكفي من الأمل بأن التغيير ممكن. هؤلاء الناخبون، سواء انحازوا إلى اليمين الشعبوي أم اليسار الديمقراطي، يبحثون في نهاية المطاف عمن يشعرهم بأن أصواتهم مسموعة. في عام 2024، كان ذلك الشخص هو ترمب، أما اليوم، فهو زهران ممداني.
بالطبع، ليس ممداني بمنأى عن الجدل. فقد جذب الأضواء على المستوى الوطني بسبب مواقفه السابقة الداعمة للقضية الفلسطينية، بما في ذلك مشاركته في احتجاج عام 2021 الذي ردد هتافات تدعو إلى "عولمة الانتفاضة". وفي مدينة يفوق عدد سكانها اليهود عدد سكان تل أبيب، يعد هذا النوع من المواقف ضرباً من الانتحار السياسي. إلا أن ممداني حرص على رسم حدود واضحة بين انتقاد سياسات الحكومة الإسرائيلية من جهة، ومعاداة السامية من جهة ثانية - وهو تميز عجز عنه معظم سياسيي اليسار حول العالم (يكفي تذكر مواقف جيريمي كوربين الزعيم السابق لحزب "العمال" البريطاني). وأكد ممداني باستمرار وبصورة لا لبس فيها، أن تحرير فلسطين يجب أن يسير جنباً إلى جنب مع ضمان أمن وسلامة اليهود في نيويورك.
كما قال براد لاندر، المراقب المالي اليهودي في مدينة نيويورك، الذي قاد حملته الانتخابية بالتعاون مع ممداني لتحقيق الاستفادة القصوى من نظام التصويت التفضيلي [نظام انتخابي يسمح للناخبين بترتيب المرشحين بحسب الأفضلية – وفي هذا السياق يعني أن براد لاندر وزهران ممداني طلب كل منهما من مؤيديه تصنيف الآخر كخيار ثان]، في مقابلة أجراها معه ستيفن كولبير: "لا أحد يتوقع من أية عمدة أن يكون مسؤولاً عما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، لكن ما يبعث فعلاً على الأمل هو أن يقف يهودي من أبناء نيويورك إلى جانب مسلم من أبناء المدينة نفسها ليقولا معاً: 'هكذا نحمي جميع سكان نيويورك. لن نسمح بأن يزرع الانقسام بين اليهود والمسلمين في هذه المدينة'".
إذاً، ماذا حقق "الديمقراطيون" للتو؟ سواء أدركوا ذلك أم لا، ربما يكونون اعتمدوا أخيراً مساراً واضحاً. من المؤكد أن فوز ممداني لن يلقى ترحيباً لدى المانحين من الشركات أو الاستراتيجيين الوسطيين داخل الحزب، لكن تجربتهم أثبتت فشلها عام 2016، وعام 2024. أما هذا الفوز - على عكس ذلك - فيمنح الحزب ما كان يفتقده منذ أشهر: وهو الرؤية.
فوز ممداني يثبت أن الأفكار التقدمية قادرة على تحقيق انتصارات انتخابية، وأن الأصالة بإمكانها أن تتغلب على الرداءة السياسية، وأن الناخبين ضاقوا ذرعاً بالشعارات الفارغة، فهم يبحثون عن قادة يشعرون بمعاناتهم اليومية ويملكون النية الصادقة لتغيير هذا الواقع. لقد قام زهران ممداني أخيراً بما كنت أنتظره وأطالب به وأتمنى أن يقدم عليه أحدهم منذ زمن، ألا وهو: إحداث تغيير جذري.
يتوق سكان نيويورك بحق إلى ممثل لهم يفهم واقع الحياة في شقق ضيقة ومبالغ في أسعارها، وتحمل متاعب التنقلات اليومية الطويلة في مترو أنفاق متهالك. ولعل اشتراكياً مسلماً من "جيل الألفية"، مولوداً في أوغندا، قدم جرعة نشاط وتجدد كان الحزب "الديمقراطي" في أمس الحاجة إليها.
بابلو أوهانا هو مستشار سياسي بارز ومخطط حملات انتخابية مقيم في مدينة نيويورك، وقد عمل في الحملة الانتخابية لكامالا هاريس مرشحة الحزب "الديمقراطي" للرئاسة الأميركية في انتخابات عام 2024.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شبكة عيون
منذ 5 ساعات
- شبكة عيون
موجة منشورات معادية للمسلمين بعد فوز ممداني بالانتخابات التمهيدية لنيويورك
مباشر- قال مدافعون عن حقوق الإنسان اليوم الجمعة إن المنشورات الإلكترونية المعادية للمسلمين والتي تستهدف المرشح لمنصب رئيس بلدية مدينة نيويورك زهران ممداني قد ارتفعت بشكل كبير منذ فوزه في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي هذا الأسبوع . وشملت التعليقات تهديدات بالقتل وتعليقات تشبه ترشيحه بهجمات 11 سبتمبر أيلول 2001 . وقالت "كير أكشن"، وهي الذراع المدافعة عن الحقوق لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية الأمريكية والتي ترصد مثل هذه الأمور، إنه كان هناك ما لا يقل عن 127 بلاغا عن منشورات تنطوي على كراهية وعنف تتعلق بممداني أو حملته في اليوم التالي لإغلاق صناديق الاقتراع . وذكر مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية الأمريكية في بيان أن هذا يمثل زيادة بخمسة أمثال عن المعدل اليومي لمثل هذه البلاغات التي تم رصدها في وقت سابق من هذا الشهر . وبشكل عام، رصدت المنظمة حوالي 6200 منشور على الإنترنت تتضمن شكلا من أشكال الإساءة أو العداء للإسلام في اليوم نفسه . وأعلن ممداني، وهو مشرّع عن الولاية يبلغ من العمر 33 عاما ويصف نفسه بأنه اشتراكي ديمقراطي، فوزه بالانتخابات التمهيدية يوم الثلاثاء بعد أن أقر حاكم نيويورك السابق آندرو كومو بالهزيمة . وُلد ممداني في أوغندا لأبوين هنديين، وسيكون أول رئيس بلدية مسلم وأمريكي هندي للمدينة إذا فاز في الانتخابات العامة المقررة في نوفمبر تشرين الثاني . وقال باسم القرا المدير التنفيذي لكير أكشن "ندعو المسؤولين الحكوميين من الحزبين، بما في ذلك أولئك الذين يروج حلفاؤهم لهذه الممارسات المشوهة، إلى التنديد بالإسلاموفوبيا بشكل قاطع ". وقال المدافعون عن حقوق الإنسان إن أشخاصا مقربين من الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، بما في ذلك أحد أبنائه، من بين من يرددون الخطاب المعادي للمسلمين . فقد كتب دونالد ترامب الابن، نجل الرئيس، على موقع إكس يوم الأربعاء أن "مدينة نيويورك قد سقطت" بينما شارك منشورا جاء فيه أن سكان نيويورك "صوتوا لصالح" أحداث 11 سبتمبر أيلول . ويتبع الرئيس ترامب سياسات داخلية يصفها المدافعون عن حقوق الإنسان بأنها معادية للمسلمين، تتضمن حظر السفر من بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة أو العربية في ولايته الأولى ومحاولة ترحيل طلاب مناصرين للفلسطينيين في ولايته الحالية . ولم يرد البيت الأبيض على طلب للتعليق، لكنه عادة ما ينفي اتهامات التمييز ضد المسلمين. ويقول ترامب وحلفاؤه إنهم يعارضون ممداني وغيره بسبب ما يسمونه أيديولوجية "اليسار الراديكالي" للديمقراطيين. تابعوا آخر أخبار البورصة والاقتصاد عبر قناتنا على تليجرام للتداول والاستثمار في البورصة المصرية اضغط هنا لمتابعة قناتنا الرسمية على يوتيوب اضغط هنا ترشيحات ما هي مخاطر التلوث النووي الناجمة عن الهجمات على إيران؟ فرنسا: على أوروبا الرد بشكل موحد على رسوم ترامب الجمركية وزير المالية الألماني: روسيا لن تعود لمجموعة السبع رهان بافيت يثير ارتفاعًا بأسهم شركات التداول اليابانية مخاطر النمو ببريطانيا تضع مستثمري السندات في حالة تأهب قصوى وزراء مالية مجموعة السبع يبحثون التجارة العالمية والنمو الاقتصادي الطاقة الدولية تخفض توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط تفاصيل حول المنشآت الرئيسية ببرنامج إيران النووي بعد الضربة الأمريكية Page 2 الجمعة 13 يونيو 2025 04:53 صباحاً Page 3


Independent عربية
منذ 12 ساعات
- Independent عربية
فوز زهران ممداني مفاجأة أبعد من نيويورك
ليست الولايات المتحدة بغريبة عن الدراما السياسية، لكن المفاجأة التي شهدها الحزب "الديمقراطي" في مدينة نيويورك أدهشت حتى أكثر المتابعين تشاؤماً. فقد تمكن زهران ممداني، الذي يصف نفسه بأنه اشتراكي ديمقراطي (كلمة "اشتراكي" كثيراً ما اعتبرت بمثابة "نقطة ضعف سياسية" في الولايات المتحدة)، وعضو حديث العهد في "الجمعية التشريعية لولاية نيويورك" New York State Assembly، من إلحاق الهزيمة بالحاكم السابق أندرو كومو، ليصبح مرشح الحزب "الديمقراطي" الرسمي لخوض انتخابات عمدة مدينة نيويورك في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وكان كومو الذي أجبر على ترك منصبه بسبب فضيحة تحرش جنسي قبل نحو أربعة أعوام، يخطط للعودة للساحة السياسية. لكن مع هذا الفوز، لم يكتف الوافد الجديد زهران ممداني البالغ من العمر 33 سنة، بإقصاء أحد أقطاب السياسة في نيويورك فحسب، بل ضخ أول جرعة حقيقية من الطاقة في الحزب الديمقراطي منذ خسارته للبيت الأبيض العام الماضي. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) لم يكن فوز ممداني مجرد تصويت احتجاجي من نوع "أي أحد سوى كومو"، فبالنسبة إلى كثيرين خارج حدود الولايات المتحدة - أو حتى خارج مدينة نيويورك نفسها - لا يزال ممداني اسماً غير مألوف. هو نجل الأكاديمي الأوغندي محمود ممداني والمخرجة ميرا ناير، وأمضى جزءاً من طفولته في شرق أفريقيا قبل أن يستقر في نيويورك. وكان انتخب في عام 2020 لعضوية "جمعية الولاية" - وهي المجلس التشريعي الأدنى في الولاية، الذي يمكن مقارنته، بصورة عامة، بالبرلمانات المفوضة في المملكة المتحدة - وينتمي إلى حركة "الاشتراكيين الديمقراطيين في أميركا" Democratic Socialists of America (DSA)، ويمثل جزءاً من حي غرب كوينز، المنطقة التي تشهد عملية تحول عمراني. إنه يتحدث بلغة يفهمها المستأجرون والمهاجرون والعمال ذوو الدخل المحدود، وبعيداً من التعقيدات والمصطلحات السياسية المجردة، ويخاطب الناخبين بوضوح وإلحاح، وهذا بالتحديد ما منح حملته زخماً وجعلها تنطلق بقوة. فقد تمحور برنامجه حول تجميد أسعار الإيجارات، وتعزيز حقوق المستأجرين، وتوفير خدمة حافلات مجانية، بتمويل يعتمد إلى حد كبير على فرض ضرائب جديدة كبيرة على الأثرياء، وهي مقترحات دأبت المؤسسة السياسية على رفضها ووصفها بأنها متطرفة للغاية. لكن ممداني أدار حملة شعبية منظمة بانضباط، تمكنت من التفوق على خصومه من خلال التواصل المباشر مع الناخبين، وبناء الثقة داخل المجتمع، والتمسك برسالة مقنعة. ويعكس ذلك مؤشراً على نضج الحركة التقدمية، التي لم تعد تكتفي بإطلاق الشعارات من الهامش، بل أصبحت قادرة اليوم على التنافس وخوض معارك صعبة ضمن آليات الحزب والفوز بها. هذا السباق الانتخابي يؤكد أيضاً وجهة نظري بأن المزاج السياسي الراهن في الولايات المتحدة ينطوي رغبة عميقة في التغيير، فبغض النظر عن الانتماءات الأيديولوجية، بات الناخبون الأميركيون يتطلعون إلى شخصية قادرة على "قلب الطاولة بالكامل" [تحقيق تغيير جذري]. كنت ابتكرت هذه العبارة أثناء عملي في الحملة الرئاسية لكامالا هاريس العام الماضي، وما زلت أعود لها، فالناخبون لم يصوتوا لدونالد ترمب لأنهم معجبون بسجله الجنائي أو عنصريته أو كرهه للنساء - بل دعموه، على رغم كل ذلك، لأنه كان المرشح الوحيد الذي وعد بتفكيك النظام القائم. لا يكترث أفراد الطبقة العاملة بمن يحدث التغيير الجذري - سواء كان ترمب أم ممداني – ما دام أن أحدهما سيفعل ذلك في النهاية. أشعر بفخر كبير لعملي ضمن حملة هاريس، لكننا واجهنا تحدياً حقيقياً في تقديم رؤية واضحة ومقنعة لتغيير ملموس في حياة الناخبين الذين يشعرون بالتهميش والتجاهل والخداع، فالنظام ببساطة لا يعمل لصالحهم، ولم تمنحهم حملتنا ما يكفي من الأمل بأن التغيير ممكن. هؤلاء الناخبون، سواء انحازوا إلى اليمين الشعبوي أم اليسار الديمقراطي، يبحثون في نهاية المطاف عمن يشعرهم بأن أصواتهم مسموعة. في عام 2024، كان ذلك الشخص هو ترمب، أما اليوم، فهو زهران ممداني. بالطبع، ليس ممداني بمنأى عن الجدل. فقد جذب الأضواء على المستوى الوطني بسبب مواقفه السابقة الداعمة للقضية الفلسطينية، بما في ذلك مشاركته في احتجاج عام 2021 الذي ردد هتافات تدعو إلى "عولمة الانتفاضة". وفي مدينة يفوق عدد سكانها اليهود عدد سكان تل أبيب، يعد هذا النوع من المواقف ضرباً من الانتحار السياسي. إلا أن ممداني حرص على رسم حدود واضحة بين انتقاد سياسات الحكومة الإسرائيلية من جهة، ومعاداة السامية من جهة ثانية - وهو تميز عجز عنه معظم سياسيي اليسار حول العالم (يكفي تذكر مواقف جيريمي كوربين الزعيم السابق لحزب "العمال" البريطاني). وأكد ممداني باستمرار وبصورة لا لبس فيها، أن تحرير فلسطين يجب أن يسير جنباً إلى جنب مع ضمان أمن وسلامة اليهود في نيويورك. كما قال براد لاندر، المراقب المالي اليهودي في مدينة نيويورك، الذي قاد حملته الانتخابية بالتعاون مع ممداني لتحقيق الاستفادة القصوى من نظام التصويت التفضيلي [نظام انتخابي يسمح للناخبين بترتيب المرشحين بحسب الأفضلية – وفي هذا السياق يعني أن براد لاندر وزهران ممداني طلب كل منهما من مؤيديه تصنيف الآخر كخيار ثان]، في مقابلة أجراها معه ستيفن كولبير: "لا أحد يتوقع من أية عمدة أن يكون مسؤولاً عما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، لكن ما يبعث فعلاً على الأمل هو أن يقف يهودي من أبناء نيويورك إلى جانب مسلم من أبناء المدينة نفسها ليقولا معاً: 'هكذا نحمي جميع سكان نيويورك. لن نسمح بأن يزرع الانقسام بين اليهود والمسلمين في هذه المدينة'". إذاً، ماذا حقق "الديمقراطيون" للتو؟ سواء أدركوا ذلك أم لا، ربما يكونون اعتمدوا أخيراً مساراً واضحاً. من المؤكد أن فوز ممداني لن يلقى ترحيباً لدى المانحين من الشركات أو الاستراتيجيين الوسطيين داخل الحزب، لكن تجربتهم أثبتت فشلها عام 2016، وعام 2024. أما هذا الفوز - على عكس ذلك - فيمنح الحزب ما كان يفتقده منذ أشهر: وهو الرؤية. فوز ممداني يثبت أن الأفكار التقدمية قادرة على تحقيق انتصارات انتخابية، وأن الأصالة بإمكانها أن تتغلب على الرداءة السياسية، وأن الناخبين ضاقوا ذرعاً بالشعارات الفارغة، فهم يبحثون عن قادة يشعرون بمعاناتهم اليومية ويملكون النية الصادقة لتغيير هذا الواقع. لقد قام زهران ممداني أخيراً بما كنت أنتظره وأطالب به وأتمنى أن يقدم عليه أحدهم منذ زمن، ألا وهو: إحداث تغيير جذري. يتوق سكان نيويورك بحق إلى ممثل لهم يفهم واقع الحياة في شقق ضيقة ومبالغ في أسعارها، وتحمل متاعب التنقلات اليومية الطويلة في مترو أنفاق متهالك. ولعل اشتراكياً مسلماً من "جيل الألفية"، مولوداً في أوغندا، قدم جرعة نشاط وتجدد كان الحزب "الديمقراطي" في أمس الحاجة إليها. بابلو أوهانا هو مستشار سياسي بارز ومخطط حملات انتخابية مقيم في مدينة نيويورك، وقد عمل في الحملة الانتخابية لكامالا هاريس مرشحة الحزب "الديمقراطي" للرئاسة الأميركية في انتخابات عام 2024.


الموقع بوست
منذ يوم واحد
- الموقع بوست
ترامب يهاجم المرشح المسلم لبلدية نيويورك زهران ممداني.. "شيوعي متطرف"
هاجم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المرشح الديمقراطي المسلم الذي فاز بالانتخابات التمهيدية على منصب عمدة مدينة نيويورك زهران ممداني، واصفا إياه بأنه "شيوعي متطرف". وقال ترامب في منشور على حسابه بمنصة "تروث سوشيال" الأربعاء: "تجاوز الديمقراطيون الحدود. فاز زهران ممداني، الشيوعي المهووس تماما، بالانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، وهو في طريقه لمنصب عمدة المدينة". وأضاف ترامب: "سبق لنا أن رأينا يساريين متطرفين، لكن الوضع أصبح سخيفا بعض الشيء. مظهره بشع، صوته مزعج، ليس ذكيا". وتابع: "جميع الحمقى يدعمونه". وبات ممداني هدفا رئيسيا للرئيس دونالد ترامب مؤخرا، إذ أنه يدلي بتصريحات مؤيدة للفلسطينيين واتّهم إسرائيل بـ"الإبادة". وفاز عضو مجلس ولاية نيويورك زهران ممداني بالانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي للترشح لمنصب عمدة نيويورك، بحسب نتائج أولية، الأربعاء. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز، أن 11 مرشحا تنافسوا في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي من أجل الترشح لمنصب عمدة نيويورك. وأشارت إلى أن ممداني مسلم من أصل هندي، تجاوز جميع منافسيه وأبرزهم حاكم نيويورك السابق أندرو كومو، وحصل على 43.5 بالمئة من الأصوات. ممداني الذي يبرز باعتباره اشتراكيا ديمقراطيا، أطلق وعودا خلال حملته الانتخابية مثل جعل النقل العام مجانيا، وتجميد زيادات الإيجار، وفرض ضرائب أعلى على سكان نيويورك ذوي الدخل المرتفع. ولم يجر الحزب الجمهوري انتخابات تمهيدية بسبب ترشيحه شخصًا واحدًا للانتخابات القادمة في 4 نوفمبر، وهو كورتيس سليوا، مقدم برامج إذاعية ومؤسس منظمة "الملائكة الحارسة" لسلامة الشوارع. ولد ممداني في أوغندا، وهاجر إلى الولايات المتحدة عندما كان طفلا وتخرج من كلية بودوين في عام 2014. عمل كمدافع عن الإسكان ومنتجا موسيقيا في نيويورك قبل دخوله السياسة. تم انتخابه لأول مرة لعضوية مجلس ولاية نيويورك في عام 2020. وتضمنت أولوياته التشريعية إصلاح الإسكان والنقل والطاقة. قبل الترشح للمنصب، عمل ممداني مستشارا لمنع الرهن العقاري والإسكان، حيث ساعد أصحاب المنازل من ذوي الدخل المنخفض في قضايا الإخلاء وجهود إبقائهم في منازلهم. أفكار طموحة يتميّز ممداني الذي يمثّل منطقة كوينز في جمعية ولاية نيويورك بأسلوبه الحماسي في الحملات الانتخابية ومقترحاته اللافتة التي تشمل منع زيادة الإيجارات للعديد من أهالي نيويورك وتوفير خدمة حافلات مجانية وخدمة رعاية الأطفال الشاملة. لامست رسالته قلوب بعض الناخبين في المدينة حيث كلفة المعيشة مرتفعة جدا إذ يمكن أن تكلف شقة من ثلاث غرف 6000 دولار شهريا. وقال الناخب إيمون هاركن (48 عاما) إن الأسعار تمثّل "القضية رقم واحد" بالنسبة إليه. لكن شيرل ستاين التي تعمل في التسويق في قطاع السياحة، شككت في سياسات ممداني. وقالت الناخبة وهي في الخمسينات من عمرها "أحب الشباب" لكن ممداني "لا يملك أي خبرة أو سجل إنجازات لإدارة أكبر مدينة في البلاد والتي تعد من بين كبرى مدن العالم، وهو أمر مخيف". وسيواجه المرشح الذي يتم تثبيت فوزه بترشيح الحزب الديموقراطي عددا من المنافسين في تشرين الثاني/نوفمبر بينهم رئيس البلدية الحالي إريك آدامز، وهو ديموقراطي تعهّد الترشح مجددا كمستقل. وقال آدامز إن "ما تستحقه مدينة نيويورك هو رئيس بلدية فخور بالترشح على أساس سجله، بدلا من شخص هرب من سجله أو آخر لا سجل لديه".