logo
صواريخ تاوروس الألمانية فتيل نزاع جديد محتمل في أوروبا

صواريخ تاوروس الألمانية فتيل نزاع جديد محتمل في أوروبا

الجزيرةمنذ 5 ساعات
في كلمته أمام البرلمان الألماني (البوندستاغ) عام 2024، حث زعيم المعارضة آنذاك فريدريش ميرتس الحكومة على تزويد أوكرانيا بصواريخ "تاوروس" إذا لم تتوقف روسيا عن قصف الأهداف المدنية بهدف تدمير طرق الإمداد للجيش الروسي.
وبعد أشهر قليلة، ورغم تسلم ميرتس لمنصب المستشارية، لم تزود ألمانيا أوكرانيا بتلك الصواريخ، حتى كتابة هذا التقرير، ليبقي بذلك المستشار على الموقف الغربي المتحفظ من التورط المباشر في الحرب ضد روسيا.
ومع ذلك، عاد ميرتس مرة أخرى في بودكاست لقناة "إيه آر دي" في يوليو/تموز الجاري ليترك الباب مفتوحا لمد أوكرانيا بتلك الصواريخ، في وقت كررت فيه روسيا من جانبها تحذيراتها من تداعيات خطيرة لمثل هذه الخطوة، بما في ذلك ضمنيا إمكانية جر المنطقة إلى مواجهة مفتوحة.
فبالنسبة لألمانيا وروسيا -اللتين ترتبطان بعلاقات تاريخية شائكة- فإن الأمر أكبر من مجرد تهديدات وردود فعل محتملة، إذ عمليا تتواجه الدولتان بالفعل في ساحة الحرب الأوكرانية عبر أحدث التقنيات العسكرية في حدود ما يتم تقديمه من عتاد ودعم ألماني إلى أوكرانيا وما يتم تصنيعه في مصانع روسيا.
وفي تقدير الخبراء، فإن انضمام صواريخ "تاوروس" الألمانية إلى الحرب قد يقلب تماما موازين المعركة، ولكنه قد يجعل برلين هدفا محتملا للسلاح الروسي لأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية.
ألمانيا داعم رئيسي لأوكرانيا
منذ أن بدأت الحرب في أوكرانيا في فبراير/شباط عام 2022، قدمت ألمانيا لكييف، بحسب بيانات الحكومة، ما يقارب 47.8 مليار يورو (حوالي 51.8 مليار دولار) كدعم ثنائي إجمالي، مما يجعلها ثاني أكبر دولة مانحة لأوكرانيا.
ويغطي هذا الدعم المساعدات العسكرية البالغة وحدها حوالي 28 مليار يورو (30 مليار دولار)، إلى جانب المساعدات الإنسانية ودعم اللاجئين وإصلاح البنية التحتية والمساعدات المالية للطاقة والإغاثة الشتوية.
لم يتوقف الدعم الألماني عند ذلك الحد، فقد وافقت لجنة الموازنة في البرلمان الألماني على مساعدات عسكرية إضافية لأوكرانيا بقيمة 3 مليارات يورو (3.2 مليارات دولار) في العام 2025، بالإضافة إلى 8.3 مليارات يورو للفترة الممتدة من 2026 إلى 2029، وفقا لما ذكره مسؤولون في اللجنة لوكالة الأنباء الألمانية.
كما يجري مناقشة دعم إضافي يقدر بـ1.9مليار يورو بانتظار الموافقة النهائية من البوندستاغ، مما يرفع قيمة المساعدات الإضافية إجمالا إلى أكثر من 10 مليارات يورو.
وبحسب الحكومة الألمانية، ستتيح هذه الحزمة المالية تزويد أوكرانيا بذخائر على الفور وتصنيع أسلحة تكون قابلة للتسليم في غضون سنة أو سنتين، بما في ذلك أنظمة دفاع جوية من طراز "إيريس تي" التي يصل مداها إلى 40 كيلومترا وتستخدم لاعتراض الطائرات المقاتلة والمروحيات وصواريخ كروز والمدفعية الصاروخية ومسيرات "كاميكازي" الروسية.
وليس هذا فقط، فالحكومة الألمانية تخطط لاستخدام جزء من التمويل لأنظمة الأسلحة البعيدة المدى، وهو ما ورد في تصريح لوزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس، ويضع هذا صواريخ "تاوروس" في دائرة الضوء من جديد.
لكن لماذا هذا الاهتمام المتزايد؟
بالعودة إلى وثيقة الأمن الإستراتيجي الألماني لعام 2023، تصدرت الصين وروسيا لائحة الدول التي تشكل تهديدا مباشرا لألمانيا.
ويعتمد هذا التصنيف فيما يخص روسيا، على عدة مؤشرات يرصدها الكاتب الصحفي والخبير في الشؤون الألمانية والأوروبية منصف السليمي لموقع الجزيرة نت، من بينها:
ألمانيا تعرضت إلى سلسلة من العمليات التي استهدفت أمنها تتوزع بين عمليات تجسس استخباراتية وعمليات تخريب إلكتروني.
تعرض بعض المنشآت مثل شبكات الاتصال وبعض قطاعات التصنيع إلى حرب هجينة يقودها الهاكرز الروس.
مقتل رجال أعمال ألمان في ظروف غامضة سواء داخل ألمانيا أو خارجها، توجهت فيها الشكوك إلى روسيا بالوقوف وراءها.
محاولات روسية للتأثير على الانتخابات الألمانية عبر حملات "تضليل إعلامي"، وفق ما ذكرت الاستخبارات الألمانية.
وبناء على تلك المؤشرات وغيرها تضع ألمانيا، وفق تحليل السليمي، في اعتبارها أنها مستهدفة وتتصرف على هذا الأساس. يبرر ذلك، اتخاذها لخطوات احترازية عديدة على الأمد القصير أو البعيد، مثل التخطيط لبناء أقوى جيش في أوروبا في غضون السنوات القليلة القادمة.
ومع ذلك، فإن هذه التدابير لا تتضمن موقفا واضحا من مشكلة صواريخ "تاوروس"، ففي مطلع يوليو/تموز صرح ميرتس بأن تزويد أوكرانيا بهذه الصواريخ لا يزال قائما، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أنه في حال تأكيد هذه الخطوة، فإن تدريب الجيش الأوكراني على استخدام النظام المعقد لهذه الصواريخ سيحتاج إلى فترة لا تقل عن 6 أشهر.
وبينما يسيطر الغموض على قرار برلين، فإن ميرتس أكد أن حكومته لن تناقش علنا أنواع الأسلحة التي ستزود بها أوكرانيا أو الإجراءات التي تهدف إلى دعمها عسكريا.
ويعتقد السليمي أن هذا الموقف مرتبط أساسا بتوقف الدعم العسكري الأميركي لأوكرانيا في ظل إدارة دونالد ترامب والتزام ألمانيا بسد الفراغ الأميركي.
وفي كل الحالات لا يزال صاروخ "تاوروس" يتصدر مطالب أوكرانيا عند مناقشتها للمساعدات العسكرية الغربية مع شركائها، إذ يؤكد الخبراء العسكريون الأوكرانيون أن المئات من هذه الصواريخ كافية لإحداث تأثير كبير في مجرى الحرب مع روسيا.
"تاوروس" قوة اختراق وتدمير
"صاروخ تاوروس" هو صاروخ كروز ألماني سويدي الصنع مطور، بطول حوالي 5 أمتار، ووزن يعادل 1300 كيلوغراما، يطلق من طائرات مقاتلة ويبلغ مداه الأقصى 500 كيلومتر.
ويمكنه أن ينطلق بسرعة قصوى تبلغ حوالي 1170 كيلومترا في الساعة، أي ما يعادل تقريبا سرعة الصوت، وعلى ارتفاع 35 مترا فقط، مما يجعل اكتشافه صعبا للغاية على أنظمة الرادار.
بالعودة إلى إيضاحات فابيان هوفمان، وهو باحث دكتوراه في تكنولوجيا الصواريخ بجامعة أوسلو، على حسابه بمنصة إكس، فإن صاروخ "تاوروس" يملك قدرة على إحداث اختراق أعمق خلف خطوط العدو أكثر من أي صاروخ آخر بعيد المدى متوفر لدى أوكرانيا، بما في ذلك صواريخ "شتروم شادو" البريطانية بمدى يبلغ 250 كيلومترا، بالإضافة إلى نظام الصواريخ التكتيكية للجيش الأميركي "أتاكامس" بمدى يبلغ 300 كيلومتر.
وما يميز "تاوروس" عن غيره من الصواريخ البعيدة المدى التي تملكها أوكرانيا، هو نظام الرأس الحربي الذكي "ميفيستو"، المجهز بفتيل "استشعار الفراغات وحساب الطبقات"، والقادر على اختراق طبقات متعددة من المواد، وإحداث أقصى ضرر ممكن عند استهدافه للهياكل مثل الجسور.
ويعني ذلك، وفق الخبير هوفمان، أن صاروخ "تاوروس" لا يمكنه إتلاف سطح الجسر فحسب بل أيضا أساسه.
ويضع هذا نظريا الجسور الحيوية للقوات الروسية، مثل جسر "كيرتش" الذي يمثل طريق إمداد لوجستي رئيسيا إلى شبه جزيرة القرم ، في "وضع أكثر خطورة".
واستهداف الجسور هي إستراتيجية رئيسية في تكتيكات أوكرانيا، وقد سبق لها استهداف 3 جسور في هجوم "كورسك"، مما تسبب في تعقيدات لوجيستية بالغة للقوات الروسية وفي تعطيل الهجوم المضاد. كما وجهت ضربات لجسر "كيرتش" دون أن يحدث ذلك ضررا في أسسه.
وتقول الاستخبارات الروسية إنها تملك معلومات عن تنسيق عسكري ألماني يطرح فرضية ضرب الجسر الحيوي بصاروخ "تاوروس" بهدف اختراقه وتدميره، وهو ما تضمنته مكالمات بين ضباط ألمان تم تسريبها من قبل وسائل إعلام روسية في 2024.
وتفسر التطورات المتلاحقة وتداعيات العمليات العسكرية بعملية "شبكة العنكبوت" التي تسببت في تدمير 10% من القدرات الدفاعية الروسية الجوية وفق الاستخبارات الألمانية، وضع روسيا لخطط احترازية لحماية ترسانتها.
وقد كشفت صحيفة "تلغراف" البريطانية بعد عملية "شبكة العنكبوت" وبالاعتماد على صور التقطتها أقمار اصطناعية، أن روسيا نقلت طائرات من نوع "تو-160" وقاذفات من طراز "توبوليف تو-160" إلى قواعد عسكرية أقصى شرق البلاد. وبالنتيجة أشار لاحقا تقرير لمعهد دراسة الحرب (آي إس دبليو) إلى انخفاض في نشاط الطيران الروسي.
لكن تقرير المعهد لفت في الوقت نفسه إلى وجود ما يفوق 200 هدف عسكري في مدار الاستهداف الصاروخي، وتشمل هذه الأهداف قواعد عسكرية كبيرة ومحطات اتصالات ومراكز لوجستية ومرافق إصلاح ومستودعات وقود وذخيرة، ومقرات دائمة ترتبط بأجهزة القيادة والاستخبارات والاستطلاع والدعم اللوجستي للقوات الروسية التي تقاتل على خطوط المواجهة في أوكرانيا وكورسك.
ومن شأن رفع القيود المفروضة على استخدام الأسلحة البعيدة المدى على الأراضي الروسية، بجانب تزويد كييف بصاروخ "تاوروس"، أن يسمح لأوكرانيا بتوجيه ضربات دقيقة رئيسية على هذه الأهداف، وهو ما قد يؤثر بشدة على قدرات روسيا على الخطوط الأمامية.
إعلان
ويخلص التقرير إلى أن خطوة روسيا لنقل أصولها العسكرية إلى عمق أكبر بعيدا عن نطاق استهداف الصواريخ البعيدة المدى، سيحد أيضا من الفعالية القتالية للجيش الروسي.
تحذيرات روسية.. ماذا بعد؟
قبل شهر حذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ألمانيا من أن موسكو ستعتبرها متورطة بشكل مباشر في الحرب في أوكرانيا إذا زودت كييف بصواريخ كروز من طراز تاوروس، في تهديد صريح لبرلين.
وينطلق هذا الربط الروسي من حاجة أوكرانيا الضرورية إلى الاستعانة بمعلومات استخباراتية غربية عبر الأقمار الاصطناعية وإلى ضباط ألمان لتحديد أهداف الضربات في حال إطلاق تلك الصواريخ على روسيا، مما يعني ذلك، حسب موسكو، تورطا ألمانيا مباشرا.
وبينما تحفظ بوتين على طبيعة الرد الروسي المحتمل ضد أي خطوة ألمانية في هذا السياق، تظهر تصريحات مسؤولي الحكومة الألمانية، ومن بينها خاصة تصريحا وزير الدفاع بوريس بيستوريوس والمستشار فريديريش ميرتس، بشكل متضارب وغير مطمئنة لموسكو.
وفي الواقع، فإن التصعيد الروسي الألماني بدأ حتى قبل أزمة صواريخ "تاوروس" منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022، رغم تحفظات المسؤولين الألمان على جر بلادهم إلى صدام مباشر مع روسيا.
ولكن مضمون وثيقة داخلية ألمانية كشفت عنها وكالة رويترز في مايو/أيار الماضي بعنوان "أوليات توجيهية لتعزيز الاستعداد"، تعكس استعداد ألمانيا لنزاع عسكري محتمل مع روسيا في الأمد المتوسط، لهذا تحث الوثيقة السياسيين الألمان على الانتهاء من إعادة تسليح الجيش بالكامل بحلول عام 2029 ليكون أقوى جيش في أوروبا.
وينظر إلى هذا السيناريو على أنه قادح ممكن لحرب عالمية ثالثة يكون مسرحها أوروبا، ويطرح الكاتب السليمي قراءتين هنا:
من جهة، قالت روسيا إنها ستتخذ خطوات مضادة ضد ألمانيا إذا زودت أوكرانيا بصواريخ "تاوروس" لكنها لم تحدد بدقة طبيعة هذه الخطوات وما إذا كانت بالضرورة عسكرية، وهو خيار مستبعد في الوقت الحالي لأنه من الصعب على الجيش الروسي فتح جبهة أخرى ضد ألمانيا. وإلى جانب ذلك هناك ضغوط وجهود تبذلها الإدارة الأميركية من أجل التوصل إلى تسوية سلمية.
من جهة أخرى، فإن سيناريوهات التصعيد نحو صدام عسكري مباشر تبقى غير مستبعدة، بدليل أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه كان قد حذر من اندلاع حرب عالمية ثالثة في أي لحظة وعبر أي قادح كان، مما يعني مواجهة محتملة بين الناتو وروسيا يكون فيها لألمانيا دور محوري في أوروبا.
في غضون ذلك، ينشط كل طرف لتعزيز موقفه في الصراع؛ فوفق تحليل السليمي، تسعى ألمانيا للتوصل إلى تسوية أخرى ممكنة لدعم أوكرانيا وتعزيز قدراتها الدفاعية، كأن تقتني صواريخ "باتريوت" الأميركية وتسلمها إلى الجيش الأوكراني، بينما من المتوقع أن تكثف روسيا حربها الهجينة ضد شركاء أوكرانيا الغربيين وتحديدا ألمانيا بالذات، في إطار الرد على الدعم العسكري لكييف.
ويوم أمس الأحد، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه سيرسل صواريخ دفاع جوي من طراز باتريوت إلى أوكرانيا، مشيرا إلى أنها ضرورية لحمايتها من الهجمات الروسية.
ويخلص السليمي في تحليله للجزيرة نت إلى أن "الوضع الحالي الآن هو أن ألمانيا تحاول أن توازن بين جهودها للتوصل إلى تسوية سلمية مع روسيا ولكن بعيدا عن أي شروط من شأنها أن تضعف أوكرانيا والموقف الأوربي، ومن ثم فهي تبقي في الوقت نفسه على دعمها العسكري القوي في أوكرانيا لحماية أمنها القومي".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

روسيا تدمر مسيّرات أوكرانية وتوجه أميركي لدعم كييف بأسلحة هجومية
روسيا تدمر مسيّرات أوكرانية وتوجه أميركي لدعم كييف بأسلحة هجومية

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

روسيا تدمر مسيّرات أوكرانية وتوجه أميركي لدعم كييف بأسلحة هجومية

أسقطت روسيا طائرات أوكرانية مسيرة في مناطق مختلفة مساء أمس الأحد، في الوقت الذي تعتزم فيه الإدارة الأميركية إعلان خطة جديدة لتسليح كييف بأسلحة هجومية كما سيطرح مجلس الشيوخ مشروع قانون يتيح للرئيس دونالد ترامب فرض عقوبات صارمة على روسيا، بعد استيائه من نظيره الروسي فلاديمير بوتين. فقد قالت وزارة الدفاع الروسية في منشور على تطبيق تليغرام اليوم إن وحدات الدفاع الجوي دمرت 11 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل فوق مناطق روسية وشبه جزيرة القرم والبحر الأسود. كما ذكرت السلطات التابعة لروسيا في محطة زاباروجيا للطاقة النووية أن طائرات مسيرة أوكرانية هاجمت مساء أمس مركز تدريب بالمحطة التي تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا. وقالت الإدارة على تطبيق تليغرام إن أوكرانيا استخدمت 3 طائرات مسيرة، ولم تسجل أي أضرار جسيمة. وسيطرت القوات الروسية على المحطة في الأسابيع الأولى من حربها في أوكرانيا في فبراير/شباط 2022. ويتبادل الطرفان بشكل متكرر الاتهامات بإطلاق النار أو القيام بأنشطة يمكن أن تؤدي إلى وقوع حادث نووي. والمحطة هي أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا. ورغم أنها متوقفة عن العمل، فإنها لا تزال بحاجة إلى الكهرباء للحفاظ على تبريد وقودها النووي. وفي سياق آخر، أعلن جهاز الأمن الأوكراني، أمس، أنه قتل أشخاصا يشتبه في أنهم عملاء روس مسؤولون عن اغتيال ضابط استخبارات أوكراني. وقُتل الكولونيل إيفان فورونيتش الذي كان يعمل في جهاز الأمن الأوكراني بالرصاص الخميس الماضي في كييف. وقال جهاز الأمن الأوكراني إنه نفذ عملية في منطقة كييف لتوقيف المشتبه بهم في جريمة قتل فورونيتش والذين تم تحديدهم على أنهم عملاء لجهاز الأمن الروسي. الدعم الأميركي وذكر موقع أكسيوس نقلا عن مصدرين مطلعين أنه من المتوقع أن يعلن ترامب اليوم الاثنين عن خطة جديدة لتسليح أوكرانيا بأسلحة هجومية، في تراجع كبير عن موقفه السابق. وذكر المصدران لأكسيوس أن الخطة، التي اقترحها الرئيس الأوكراني خلال قمة الناتو قبل أسبوعين، ستشمل على الأرجح صواريخ بعيدة المدى قادرة على الوصول إلى عمق روسيا. كما نقلت أكسيوس عن السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام أن ترامب غاضب حقا من بوتين وإعلانه اليوم الاثنين سيكون عدوانيا للغاية. وكان ترامب أعلن مساء أمس أنه سيرسل صواريخ دفاع جوي من طراز باتريوت إلى أوكرانيا، مشيرا إلى أنها ضرورية لحماية أوكرانيا من الهجمات الروسية لأن بوتين "يتحدث بلطف ثم يقصف الجميع في المساء". وفي ذات السياق، يتوجه وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس إلى واشنطن اليوم للقاء وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث سعيا للحصول على توضيحات بشأن إمدادات الأسلحة الأميركية لأوكرانيا وخطط نشر الصواريخ ومستقبل مستويات القوات الأميركية في أوروبا. ومن المرجح أن يحظى بيستوريوس باستقبال حار بعد أن أصبحت ألمانيا، صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا، في الآونة الأخيرة لاعبا رئيسيا في أكبر عملية حشد عسكري لحلف شمال الأطلسي (الناتو) منذ الحرب الباردة ، بعد تأخر في الإنفاق الدفاعي عن باقي الدول على مدى عقود. وفي اجتماع مع هيغسيث في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، سيناقش بيستوريوس عرض برلين دفع ثمن أنظمة باتريوت الأميركية للدفاع الجوي من أجل أوكرانيا، وهو اقتراح أعلنه المستشار فريدريش ميرتس قبل أسابيع. من ناحية ثانية، أعلن أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي أمس الأحد عزمهم طرح مشروع قانون مشترك بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري يتيح للرئيس ترامب فرض عقوبات صارمة على روسيا. وألمح ترامب إلى أنه منفتح على مشروع قانون العقوبات في ظل تزايد الفتور في العلاقة بينه وبين نظيره الروسي فلاديمير بوتين. وفي ذات السياق، قال أندريه يرماك مدير مكتب الرئيس الأوكراني إن كيث كيلوغ مبعوث الرئيس الأميركي إلى أوكرانيا وصل إلى كييف اليوم لبحث مناقشة الأمن والعقوبات ضد روسيا. وكتب يرماك على تطبيق تليغرام: "الدفاع وتعزيز الأمن والأسلحة والعقوبات وحماية شعبنا وتعزيز التعاون بين أوكرانيا والولايات المتحدة.. هناك عدد من الموضوعات التي ستتم مناقشتها".

اقتحام الباستيل عام 1789.. شرارة الثورة الفرنسية
اقتحام الباستيل عام 1789.. شرارة الثورة الفرنسية

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

اقتحام الباستيل عام 1789.. شرارة الثورة الفرنسية

هجوم مسلح نفذه آلاف المواطنون الفرنسيون على سجن الباستيل الواقع شرق العاصمة الفرنسية باريس عام 1789، وشكل نقطة مفصلية في التاريخ الفرنسي، ومهد لتفجير الثورة الفرنسية ، التي أسهمت في إسقاط النظام الملكي تحت حكم لويس الـ16 ، وأصبح تاريخ الـ14 من يوليو/تموز يوما وطنيا يُحتفل به كل عام، باعتباره ذكرى قيام الجمهورية الفرنسية. النشأة والتشييد شيّدت قلعة الباستيل عام 1370 بأمر من المكلف بالشؤون المالية والمسؤول الإداري والقضائي الأعلى لباريس هوغ أوبريو في عهد الملك شارل الخامس، بهدف حماية المدينة من الهجمات الخارجية وتأمين مدخلها الشرقي من جهة باب "سانت أنطوان". وبُنيت حول القلعة أسوار عالية ومتينة بلغ طولها 24 مترا وسمك قاعدتها 3 أمتار، إضافة إلى 8 أبراج مراقبة وحولها خنادق عميقة، مما جعلها من أهم أجزاء النظام الدفاعي الفرنسي أثناء حرب المائة عام (1337ـ1453) ضد إنجلترا. تحولت القلعة الدفاعية في عهد الملك لويس الـ11 إلى سجن لاعتقال السياسيين الداخليين المعارضين للنظام، ثم إلى سجن عام للمواطنين. وبعد هذا التغير لم يعد للقلعة دور عسكري ودفاعي فعال، فقد أصبح السجن رمزا للسلطة الملكية وأداة للردع والتخويف، فقرر الملك لويس الـ14 -بعد تسلمه مقاليد الحكم- هدم الأسوار المحيطة بالقلعة. أعد الملك مرسوما تنفيذيا يسمح باحتجاز أي شخص معارض، خاصة المفكرين والأدباء والكتاب، بأوامر ملكية دون محاكمة أو حكم قضائي، من أجل إصلاحهم وتصحيح مفاهيمهم ومعتقداتهم والضغط عليهم، وأطلق على القلعة اسم "دهليز المجد الأدبي". كان السجن في البداية لا يستوعب أكثر من 45 سجينا في آن واحد، ومع ذلك في الفترة ما بين القرن الـ14 والـ17، وصل عدد السجناء السياسيون إلى 800، وبين عامي 1659 و1789 ارتفع العدد إلى 5279 شخصا، سجنوا جميعا في سرية تامة. كانت الحياة داخل سجن الباستيل انعكاسا مصغرا للمجتمع الملكي القديم، حين ساد التفاوت الطبقي حتى بين السجناء، فبينما حظي البعض بمعاملة مرفهة، مثل حصولهم على غرف مفروشة وطعام جيد وزيارات منتظمة من أقاربهم، عانى آخرون في زنازينهم الرطبة والمظلمة، وأرّخوا ذلك في مذكراتهم، واصفين السجن بـ"جحيم الأحياء". خلفية الأحداث شهدت فرنسا في أواخر القرن الـ18 أزمة مالية حادة، نتيجة لعجزها عن تسديد ديونها، ونفاد السيولة المالية اللازمة لتسيير شؤون الحكم ودفع مستحقات العمال. ولم تكن المشكلة فقط في الحجم الكبير للديون والقروض العامة، بل في فقدان الدولة لقدرتها على تسديد القروض القصيرة الأمد، وهي القروض التي كانت ضرورية لتأمين النفقات اليومية. وعقب نهاية حرب الاستقلال الأميركية -التي شاركت فيها فرنسا إلى جانب الأميركيين ضد بريطانيا – ظن المسؤولون الماليون في فرنسا أن الأزمة لن تطول، وقد عبر المستشار السياسي والاقتصادي دو بون دو نيمور عن هذا الاعتقاد عام 1783، بقوله إن الوضع المالي "ليس سيئا جدا". واعتقدت فرنسا أن مهلة الضرائب التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية في الحرب ستستمر حتى عام 1786، مما سيمنحها وقتا كافيا لتسديد الديون قصيرة الأجل، وفترة أطول للعمل على برنامج إصلاحي ضريبي شامل. لكن الأوضاع الاقتصادية للبلاد ازدادت سوءا بحلول عام 1789، وفقد الشعب ثقته في الملك لويس الـ16 وقدرة بلاده على تجاوز هذه الأزمة، خاصة في ظل تفاقم الفقر وغياب الإصلاحات. وبدأ الفرنسيون يتذمرون بسبب سوء المحاصيل الزراعية والارتفاع الهائل لسعر الخبز والمواد الغذائية الأساسية، إذ أصبحوا يعانون من مجاعة حقيقية. تشكّل الجمعية الوطنية كان المجتمع الفرنسي وقتئذ مقسما إلى 3 طبقات اجتماعية عرفت بـ"الطبقات الثلاث"، وهي الإكليروس (رجال الدين)، وطبقة النبلاء المنتمين إلى الطبقة الأرستقراطية، وعامة الشعب. تمتع الإكليروس والنبلاء بامتيازات عالية شملت الإعفاء من الضرائب واحتكار المناصب العليا في الدولة والجيش والكنيسة، في حين عانت الطبقة الثالثة التي تمثل النسبة الكبرى في المجتمع، وكانت تضم الفلاحين والحرفيين والمحامين والبرجوازيين والعمال، من الظلم الاجتماعي وفرض الضرائب، ولم تحظ بتمثيل سياسي عادل. دفع هذا التهميش الطبقة الثالثة إلى الانسحاب من مجلس الطبقات في 17 يونيو/حزيران 1789، وتشكيل ما سمي بـ" الجمعية الوطنية الفرنسية"، وقال أعضاؤها إنهم لا يمثلون أنفسهم فقط، بل يمثلون الشعب أيضا. ومنذ ذلك الحين أعلنت الجمعية الوطنية نفسها ممثلا شرعيا للشعب. في الوقت ذاته، انتشرت شائعة مفادها أن الملك لويس الـ16 رفض تسريح 20 ألف جندي هددوا بالتدخل وقمع الجمعية الوطنية، مما صعد التوترات لدى الشعب وأثار غضبه. شرارة الأحداث وفي 11 يوليو/تموز، أقال الملك وزير المالية جاك نيكر، مما فاقم من سخط الشعب، باعتباره كان مدافعا بارزا عن حقوق الطبقة الثالثة وذا شعبية واسعة بين أفرادها، وكان الشعب ينظر إليه على أنه الممثل لتطلعاتهم الخاصة بالإصلاحات. شعر الشعب باستياء شديد ورأى في إقالة الوزير تعبيرا من الملك عن تخليه عن البرنامج الإصلاحي للدولة، وتزامن ذلك مع تحريك الملك للقوات العسكرية وتوسعها في ضواحي باريس. وفي اليوم التالي، اندلعت الشرارة الأولى لأعمال الشغب وبدأت المظاهرات واقتحم الفرنسيون دير "سان لازار" واستولوا على الحبوب والقمح. ومع تصاعد التوتر بين الملك والبرلمان والثوار، شهدت باريس اضطرابات شعبية مدفوعة بالخوف من تدخل ملكي دموي لقمع الاحتجاجات، فقرر الثائرون حمل السلاح دفاعا عن أنفسهم، فتوجهوا إلى المستودعات العسكرية في "الأنفاليد" وأخذوا أسلحتها، لكن كانت تنقصهم الذخيرة والرصاص اللذان كانا موجودين في مستودع الأسلحة الملكي بقلعة الباستيل. وللحد من التمرد، حشد الملك لويس الـ16 القوات حول المدينة، وفي الوقت نفسه، شُكلت مليشيا برجوازية من 40 ألف رجل. مجريات الاقتحام وفي 14 يوليو/تموز 1789 تسلح الثوار بما وجدوه في بيوتهم لحماية أنفسهم في حال تعرضهم لهجوم، وتوجهوا صوب قلعة الباستيل وتجمعوا أمامها دون نية الهجوم على السجن "شبه الخالي". حاول الثوار في البداية التفاوض مع حاكم الباستيل آنذاك برنارد رينييه جوردن ماركيز دو لوني، وطلبوا منه تزويدهم بالذخيرة والسلاح، لكنه قابل طلبهم بالرفض. وسرعان ما لاحظ سكان حي سانت أنطوان مدافع قلعة الباستيل موجهة نحوهم وكأنها تستعد لضربهم في أي لحظة، فأصبحوا يرون في سجن الباستيل خطرا عسكريا حقيقيا. وفي تمام الساعة الواحدة والنصف ظهرا أمر دو لوني جنود الحامية المكلفة بحراسة السجن بإطلاق النار على المتظاهرين، وأدى ذلك إلى اندلاع اشتباكات بين الحامية الملكية والحرس الوطني برئاسة ماري‑جوزيف بول إيف روش جيلبير، ماركيز دو لافاييت. وامتلأ مدخل الجسر المتحرك لقلعة الباستيل بالجثث والرماح المضرجة بالدماء وكانت الحراب مرفوعة، وعم دخان الحرائق أرجاء المكان. وبعد مضي ساعات من الحصار والاشتباكات اقتحم الفرنسيون السجن وأعدموا الحاكم ماركيز دو لوني ـبعد استسلامه- و7 من حراسه، كما أطلقوا سراح السجناء وكان عددهم عندئذ لا يتجاوز 7 أشخاص. وبعد الاستيلاء على الأسلحة والذخائر أخذ الثوار كل الوثائق والمستندات المخبأة في خنادق السجن، وأحرقوا بعضا منها. وجاء في الأرشيف الفرنسي أن ملحقا روسيا أخذ رزمة منها ونقلها إلى سانت بطرسبورغ في روسيا ، وطالبت باستعادتها بلدية باريس فيما بعد وتمكنت بالفعل من استرجاع نحو 600 ألف منها. وقد كتبت الملكة ماري أنطوانيت -زوجة الملك لويس الـ16ـ رسالة إلى إحدى الأميرات المقربة منها، لتخبرها بما حدث قائلة: "لقد ضاع كل شيء، وسقطت الباستيل في أيدي الباريسيين". هدم القلعة ومع بزوغ فجر الـ15 من يوليو/تموز 1789، بدأ الثوار بهدم قلعة الباستيل، قبيل إعطاء مقاول بلدية باريس بيير فرانسوا بالو الأمر بهدمها بالكامل في اليوم الموالي. استخدم بالو الحجارة المستخرجة من زنازين السجناء وصنع منها قطعا تذكارية، كما نحت نماذج مصغرة للقلعة وجعلها ذكرى رمزية لتخليد نجاح الثوار، وكلّف أتباعه بتوزيعها في مختلف المقاطعات الفرنسية مطلقا عليهم لقب "رسل الحرية". وقد احتفظ بنسخ من تلك النماذج المصغرة في الأرشيف الخاص بالباستيل في المكتبة الفرنسية الوطنية. أصبح موقع الهدم فرصة دخل 700 رجل يوميا أسهموا في تفكيكها، وانتهت الأشغال رسميا في 21 يونيو/حزيران 1791. ما بعد سقوط الباستيل بعدما سقطت الباستيل ظهرت مشاريع لتخليد الحدث، فقد كان الاقتحام أول تدخل شعبي من الباريسيين الذي أدى إلى قيام الثورة الفرنسية ، وعلى إثر هذا الحدث انسحبت القوات العسكرية الملكية من باريس، وأعيد وزير المالية جاك نيكر إلى منصبه. إضافة إلى ذلك، عُين ماركيز دو لافاييت قائدا للمليشيا البرجوازية، التي عرفت فيما بعد بالحرس الوطني، كما أصبحت الجمعية الوطنية السلطة التشريعية الفعلية لفرنسا، وباشرت في صياغة دستور جديد حوّل البلاد من نظام ملكي إلى نظام دستوري. وفي الرابع من أغسطس/آب 1789 أصلحت الجمعية النظام الضريبي عبر إلغاء الضرائب التي كانت تفرض على العمال والفلاحين وألغت الامتيازات التي كان يحظى بها النبلاء ورجال الدين، كما نظمت شؤون الدولة وأنشأت هيئات جديدة لإدارتها، ووضعت قواعد لتسيير الأجهزة الحكومية بشكل أكثر شفافية وكفاءة. وأصدرت الجمعية في 26 أغسطس/آب من السنة ذاتها "قانون حقوق الإنسان والمواطن"، الذي نص على أن جميع الناس يولدون أحرارا ومتساوين في الحقوق، وأن الحرية والملكية والأمن وحق مقاومة الظلم هي حقوق طبيعية لا تسلب. وورد ضمن الإعلان أن السيادة تنبع من الأمة وحدها، ويجب أن يكون القانون تعبيرا عن الإرادة العامة، يطبق على الجميع دون تمييز، مع ضمان مشاركة المواطنين في صنعه. إعلان كما شدد الإعلان على حماية العدالة والحقوق القانونية، فلا يعتقل أحد أو يعاقب إلا بموجب قانون سابق وبتطبيق قانوني عادل ومحكمة علنية، عكس ما كان يحصل في عهد الملوك، مع افتراض براءة المتهم حتى تثبت إدانته. كما كفل حرية الفكر والتعبير، وأكد أن السلطة العامة يجب أن تخدم مصلحة المجتمع كله، مع التركيز على حفظ حق المواطنين في المشاركة والرقابة على الضرائب وإنفاق المال العام. وختم الإعلان بتأكيده على حماية الممتلكات الخاصة وضرورة تعويض أصحابها إذا اضطرت الدولة إلى مصادرتها لخدمة المصلحة العامة مثل تعبيد طريق عمومي أو بناء مستشفى. وشدد الإعلان على تقسيم وتوزيع السلطة بين البرلمان والحكومة والقضاء، حتى لا تتركز السلطة على جهة واحدة، ولضمان وجود دستور فعال يحمي حقوق الإنسان. ومنذ ذلك الحين، اعتبر سقوط الباستيل رمزا من رموز الحرية وانتصار الثورة على نظام الاستبداد، وأصبح تاريخ 14 يوليو/تموز علامة فارقة في فكر ووعي الفرنسيين، وتحول إلى عيد يحتفل به سنويا تعبيرا عن الوحدة الوطنية واعتزازا بتحقيق المساواة القانونية والعدالة الاجتماعية.

القنابل الانزلاقية هي سلاح روسيا المدمّر لتعويض إخفاقها الجوي
القنابل الانزلاقية هي سلاح روسيا المدمّر لتعويض إخفاقها الجوي

الجزيرة

timeمنذ 4 ساعات

  • الجزيرة

القنابل الانزلاقية هي سلاح روسيا المدمّر لتعويض إخفاقها الجوي

في صباح الرابع والعشرين من فبراير/شباط 2022، حين كانت الطائرات الروسية تحلّق بكثافة في سماء المدن الأوكرانية، ودوّي الانفجارات يملأ الأفق، بدا لكثيرين أن حسم السيطرة الجوية لصالح روسيا مسألة ساعات لا أكثر. ويبدو أن حسابات موسكو افترضت أن التفوق العددي والتكنولوجي لسلاح الجو سيكون كفيلا بتحقيق صدمة إستراتيجية، تقصم ظهر الدفاعات الأوكرانية وتفتح الطريق أمام القوات البرية نحو قلب العاصمة. لكن ما حدث كان عكس ذلك تماما. فقد اصطدمت الطائرات الروسية بجدار دفاعي كثيف، مدعوم بأنظمة غربية مثل " باتريوت" و"ناسامز"، وحوّلته كييف إلى شبكة مقاومة عالية الفعالية. وهكذا، بدلا من فرض الهيمنة الجوية، دخلت روسيا في معركة استنزاف طويلة، باتت فيها فعالية سلاحها الجوي متراجعة إلى حدٍّ ليس قليلا. ووفقا لتقرير صادر عن موقع "أوريكس" (Oryx) المتخصص في توثيق الخسائر العسكرية المؤكدة عبر الصور والفيديوهات، فقد الجيش الروسي منذ بدء الحرب أكثر من 305 طائرة بين مروحية ومقاتلة، أي ما يعادل نحو ثلث أسطوله الجوي القتالي. وشملت هذه الخسائر 63 مروحية هجومية من طراز "كا-52″، وأكثر من 40 مروحية نقل من نوع "مي-8″، بالإضافة إلى 36 مقاتلة من طراز "سوخوي-34". ونتيجة لهذه الخسائر، تقلص عدد الطلعات الجوية اليومية إلى نحو 60 طلعة فقط، مقارنةً بـ300 طلعة في الأيام الأولى من الحرب. وتشير مجلة القوات الجوية والفضائية إلى أن فشل موسكو في فرض التفوق الجوي، واضطرار مقاتلاتها وقاذفاتها إلى أداء أدوار ثانوية على هامش المعارك بدلا من تمهيد الطريق للقوات البرية، أفقد روسيا إمكانية تحقيق نصر حاسم في المراحل الأولى من النزاع. ومن أبرز مظاهر هذه الخسائر أن الطائرات الروسية لجأت إلى التحليق على ارتفاعات منخفضة لتفادي الرادارات الأوكرانية المرتبطة بأنظمة الدفاع الجوي، ما جعلها عرضة لصواريخ الدفاع الجوي المحمولة على الكتف، وعلى رأسها نظام "ستينغر" قصير المدى. ووفقا لتقرير صادر عن "مركز التميز الجوي المشترك" (JAPCC)، فإن معظم الطائرات الروسية التي أُسقِطت كانت تحلق على ارتفاعات منخفضة جدا، ضمن نطاق فعالية هذه الأنظمة المحمولة. والمفارقة أن هذا الإخفاق الروسي في تحقيق التفوق الجوي أثار قلقا لدى حلفاء أوكرانيا، وعلى رأسهم دول حلف الناتو، نظرا لاعتماد العقيدة العسكرية الغربية، بصورة مشابهة، على قوات برية صغيرة نسبيا مدعومة بقوة جوية متفوقة، وهي عقيدة أثبتت فاعليتها سابقا، كما في الحرب العالمية الثانية و حرب الخليج ، لكن الحرب الجوية الدائرة فوق أوكرانيا بدأت تثير تساؤلات جدية حول مدى ملاءمة هذا النموذج لمعارك المستقبل. لماذا أخفقت موسكو مبكرا في فرض الهيمنة الجوية؟ في الأيام الأولى للحرب، كانت روسيا تدخل المعركة بوهم النصر السريع، مسلّحة بأحد أضخم أساطيل الجو في العالم، ومطمئنة إلى أن السماء ستكون أول ما يُحسم في هذه الحرب، كما حدث في جورجيا عام 2008، وفي سوريا بعد ذلك بسنوات، لكن ما جرى في سماء أوكرانيا كان عكس كل ذلك. فقبل أن ينطلق أول الصواريخ الروسية بأيام، كانت أوكرانيا قد بدأت تنفيذ خطة طوارئ استباقية جريئة. وخلال ساعات، فُرِّغت القواعد الجوية الكبرى من الطائرات والذخائر، ونُقلت الأصول الحيوية إلى مطارات فرعية وأخرى مؤقتة، بعضها مدني، وبعضها خاضع للتمويه الكامل. لم تكتفِ كييف بذلك، بل نشرت بطاريات وهمية ورادارات مزيفة لتضليل الطيران الروسي، ووزّعت منصات إطلاق الصواريخ المحمولة على الكتف في مساحات مفتوحة يصعب تعقبها. وحتى وحدات الدفاع الجوي الثقيلة، فُكِّكت وأُعيد توزيعها ميدانيا قبل ساعات فقط من بدء الهجوم، ما جعل الضربة الروسية الأولى، رغم قوتها النارية، تُصيب فراغا. وصحيحٌ أن هذا التشتت السريع أضعف من قدرة كييف على تنسيق دفاعاتها الجوية في الساعات الأولى، لكنه في المقابل أنقذ بنيتها التحتية الجوية من التدمير الشامل. في المقابل، كانت الخطة الروسية تعتمد على تطويق الجيش الأوكراني في الشرق والجنوب الشرقي، وتحقيق تفوق جوي عبر هجمات صاروخية وجوية مركّزة تمهّد للسيطرة على السماء. بدأت العملية بضربات إلكترونية هدفت إلى تعطيل الرادارات الأوكرانية، أعقبتها موجة من القصف المكثف استهدفت أكثر من 100 هدف عسكري، شملت قواعد جوية، ومراكز قيادة، وبطاريات مضادة للطائرات. لكن المفاجأة كانت أن معظم هذه المواقع قد فُرّغت بالكامل من الأصول الحيوية، ما جعل الضربات تفقد قيمتها الإستراتيجية. وقد زاد من محدودية الأثر أن نسبة كبيرة من الذخائر الروسية المستخدمة لم تكن من النوع الموجَّه، مما قلّل من دقة الإصابة، وأدى إلى فشل الضربة الافتتاحية في شلّ الدفاعات الجوية الأوكرانية. ومع تعثّر التقدم البري لاحقا، انحرف سلاح الجو الروسي تدريجيا عن مهمته الإستراتيجية الأساسية، وبدأ يؤدّي أدوارا تكتيكية مباشرة لتقديم دعم أرضي، في مشهد يُجسد باكورة الإخفاقات في الحسابات الروسية. طائرات موسكو في مهبّ الصواريخ المحمولة كان تحول سلاح الجو من التركيز على الأهداف الإستراتيجية إلى المهام التكتيكية أحد أكثر وجوه الإخفاق الروسي كلفة في الحرب الجوية. فبدلا من مواصلة حملة منهجية للسيطرة على الأجواء، انزلق سلاح الجو الروسي إلى معارك استنزاف جانبية، محدودة الدقة والعائد العسكري، في مشهد أعاد إلى الأذهان مفهوم "المدفعية الجوية" الذي اشتهر به الجيش السوفياتي خلال الحرب العالمية الثانية، حين كانت الطائرات تُسخَّر لدعم القوات البرية مباشرة. في الوقت ذاته، عانت القوات الروسية من محدودية القدرة على التعامل مع الأهداف المتحركة، لا سيما منصات الدفاع الجوي المتنقلة التي اعتمدتها أوكرانيا بمرونة ميدانية عالية. وقد ازدادت هذه التحديات تعقيدا بفعل تدفق المعلومات الاستخباراتية الغربية إلى كييف على نحو متواصل، مما مَكَّنها من إعادة توزيع الوحدات الدفاعية في توقيتات حرجة، وسمح لها بتفادي الضربات الموجهة. ومع استمرار الدعم العسكري الغربي، بدأت روسيا تخسر السيطرة على سماء المعركة أكثر فأكثر. لجأ الطيارون الروس إلى التحليق على ارتفاعات منخفضة لتجنّب الرادارات، مستخدمين قنابل غير موجهة في ضرب الخطوط الأمامية، وهو ما جعلهم عرضة مباشرة لصواريخ "ستينغر" المحمولة على الكتف. وفي أسبوع واحد فقط، خسرت موسكو ما لا يقل عن 8 طائرات بسبب هذه التكتيكات، بل إن بعضها أُسقط بنيران صديقة، في مؤشر فاضح على الفوضى العملياتية داخل سلاح الجو الروسي. يُعلّق على ذلك اللواء المتقاعد ديفيد ديبتولا، رئيس معهد ميتشل الأميركي لدراسات الفضاء، مشيرا إلى أن بيئة العمليات الجوية فوق أوكرانيا بحلول صيف 2022 تشبه إلى حدٍّ كبير ما جرى في حرب أكتوبر 1973، حين أدت كثافة الدفاعات الجوية الأرضية إلى شلّ حركة الطيران الإسرائيلي خلال أيام، وأسقطت صواريخ "سام" السوفياتية نحو 60 مقاتلة في أربعة أيام فقط. كان هذا الدرس كفيلا بدفع الولايات المتحدة نحو تطوير تكنولوجيا التخفي الجوي، التي تجسّدت لاحقا في مقاتلات شبحية مثل "إف-117". ويرى ديبتولا أن الأجواء الأوكرانية شهدت، بحلول خريف 2022، ما يمكن وصفه بـ"توازن دموي"، وهو توازن غير متوقع نشأ بسبب فاعلية منظومات الدفاع الجوي الأوكرانية. فبينما أصبح التحليق الروسي على ارتفاعات منخفضة أشبه بالانتحار نتيجة كثافة الصواريخ المحمولة، غدا التحليق على ارتفاعات متوسطة وعالية مستحيلا هو الآخر بسبب شبكات الدفاع الجوي الغربية المتقدمة. دفعت هذه البيئة روسيا إلى تغيير تكتيكاتها مجددا، فلجأت إلى استخدام "القنابل الانزلاقية"، وهي ذخائر تُطلق من مسافات بعيدة خارج نطاق الدفاعات، وتتيح تنفيذ ضربات دقيقة نسبيا دون الحاجة إلى اختراق الأجواء المحمية، أو المخاطرة بطائراتها وطياريها. دقة بلا سيطرة جوية رغم أن هذه القنابل الانزلاقية تبدو حديثة، فإن جذورها تعود إلى الحرب العالمية الثانية. ففي عام 1943، استخدم الألمان قنابل "فريتز إكس" (Fritz X)، أول ذخيرة موجهة بدقة في التاريخ، التي كانت تُستخدم ضد السفن وتُوجَّه لا سلكيا. آنذاك، بدت هذه القنابل وكأنها سلاح معقد وباهظ، لكنها اليوم تحوّلت إلى أداة رخيصة نسبيا ضمن ترسانة متقادمة، أعادت روسيا تدويرها لتواكب متطلبات ساحة قتال حديثة. فأغلب هذه القنابل تعود إلى عصر الاتحاد السوفيتي، ولا تحتاج إلا إلى ترقية تُقدّر بنحو 20 ألف دولار للقنبلة الواحدة، وفقا لتقديرات مركز تحليل السياسة الأوروبية، وهي تكلفة ضئيلة جدا إذا ما قورنت بصواريخ موجهة مثل "كاليبر"، التي تتجاوز تكلفة الواحد منها 6.5 ملايين دولار. وفضلا عن الكلفة، فإن هذه الترقية تستهلك وقتا أقل من تصنيع صاروخ موجَّه جديد، مما يجعلها خيارا عمليا لتغطية نقص الذخائر عالية الدقة في ترسانة موسكو، خاصة مع امتداد الحرب وتحولها إلى استنزاف طويل الأمد. وهي عبارة عن قنابل تقليدية غير موجهة، من طرازات مثل "FAB-500" أو "FAB-3000″، زُوِّدت بحزمة توجيه ذكية وأجنحة قابلة للطي تُعرف بـ"UMPK kits". وبمجرد تركيب هذه الحزمة، تتحوّل القنبلة من قذيفة تُسقَط رأسيا إلى ذخيرة موجهة تنزلق أفقيا نحو الهدف لمسافة قد تتجاوز 70 كيلومترا، وفقا لسرعة وارتفاع الإطلاق. يُوجَّه مسار القنبلة عبر نظام "غلوناس" الروسي، وهو نظام ملاحة عبر الأقمار الصناعية يعادل نظام "GPS" الأميركي، ما يُمكِّن الطائرات الروسية من إطلاقها من خارج مدى الدفاعات الجوية الأوكرانية، وبالتالي تقليل فرص تعرّضها للاستهداف. ويُذكر أن الولايات المتحدة كانت أول مَن أعاد إحياء مفهوم القنابل الموجهة، حين طورت في التسعينيات نظام "JDAM" (ذخيرة الهجوم المباشر المشتركة)، الذي يضيف إلى القنبلة التقليدية وحدة توجيه خلفية تعتمد على "GPS" أو نظام ملاحة بالقصور الذاتي، بالإضافة إلى أجنحة انزلاقية تثبّت المسار. أما النسخة الروسية "UMPK" فقد بدأت بوصفها مقترحا من شركة "إن بي أو بازلت" عام 2003، ثم تطورت تدريجيا حتى طُرحت رسميا عام 2008 بوصفها سلاحا "اقتصاديا" لتحسين دقة ومدى القنابل السوفياتية القديمة، لكنها لم تُستخدم على نطاق واسع إلا بعد اندلاع الحرب الشاملة في أوكرانيا عام 2022، حين تحوّلت إلى أحد أكثر الأسلحة انتشارا على الجبهة. وتعمل القنابل الانزلاقية الروسية وفق مبدأ مشابه لنظيرتها الأميركية، لكنها تعاني من درجة دقة أقل، بسبب اعتمادها الحصري على نظام "غلوناس"، وغياب نظام توجيه نهائي يُصحح مسار القنبلة في لحظاتها الأخيرة. ومع ذلك، تبقى فعالة بدرجة معقولة، وتوفر للطائرات المُطلِقة هامش أمان تكتيكي بالغ الأهمية؛ إذ لم يعد مطلوبا من الطيار الاقتراب من الهدف أو إجراء تصويب بصري مباشر، بل يكفي الإطلاق من مسافة آمنة ثم الانسحاب، وهو ما يعدّ ميزة حاسمة في بيئة قتال تغصّ بأنظمة الرصد والاستهداف. ويؤكد إيان ويليامز، نائب مدير مشروع الدفاع الصاروخي في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن ، أن اعتراض القنابل الانزلاقية أصعب بكثير من اعتراض صواريخ فرط صوتية مثل "كينغال"، رغم أن الأخير يمكن أن تبلغ سرعته 12 ضِعْف سرعة الصوت. والسبب في ذلك أن "كينغال" يحلّق على ارتفاعات عالية لفترات طويلة نسبيا، ممّا يمنح أنظمة الدفاع الجوي وقتا كافيا لرصده واستهدافه، بينما تبقى القنابل الانزلاقية في الجو لفترة قصيرة لا تتجاوز 70 ثانية، وتُطلق غالبا من ارتفاعات منخفضة أو متوسطة، ما يجعل من الصعب على الرادارات التقاطها والتعامل معها في الوقت المناسب. في أفدييفكا وخاركيف.. حين فرضت القنابل الانزلاقية معادلتها يتجلى الأثر المتصاعد للقنابل الانزلاقية بوضوح في ميدان المعركة، حيث تجاوزت دورها الهجومي التكتيكي، لتتحول إلى أداة ضغط إستراتيجية فعالة، باتت تُعيد رسم موازين المعركة على بعض الجبهات الأكثر اشتعالا. في أفدييفكا، المدينة التي كانت من أكثر نقاط الدفاع الأوكراني تحصينا على الجبهة الشرقية، شكَّلت القنابل الانزلاقية رأس الحربة في الهجوم الروسي خلال شتاء 2024-2025. ووفقا لمصادر متعددة، أطلقت القوات الروسية أكثر من 250 قنبلة انزلاقية خلال 24 ساعة فقط، مستهدفة التحصينات والملاجئ وخطوط الإمداد الخلفية. وقد أدى هذا القصف الكثيف إلى إنهاك منظومات الدفاع الأوكراني تدريجيا، وفتح المجال أمام تقدّم القوات البرية داخل المدينة. أما في خاركيف، ثاني أكبر المدن الأوكرانية، فقد اتخذ استخدام القنابل الانزلاقية طابعا أكثر تركيزا، حيث استُخدمت في ضرب مستودعات الذخيرة والتجمعات اللوجستية، بالإضافة إلى منشآت حيوية مثل محطات الكهرباء والسكك الحديدية، بهدف تعطيل قدرة أوكرانيا على الحشد ونقل التعزيزات نحو خطوط القتال. ووفقا لتقارير ميدانية، أصابت هذه الضربات مواقع قريبة من مركز المدينة، مما رفع الكلفة المدنية وزاد من الضغوط السياسية على كييف. تكشف تقارير متقاطعة أن وتيرة تدمير المدن الواقعة على خطوط الجبهة خلال عام 2024 بلغت مستويات غير مسبوقة منذ بدء الحرب، ويُعزى ذلك، في جانب رئيسي منه، إلى الاستخدام المكثف للقنابل الانزلاقية. ويبدو أن موسكو راكمت خبرة ملحوظة في توظيف هذا السلاح، إذ تشير المقارنة الزمنية إلى أن السيطرة على باخموت -التي شهدت أول استخدام للقنابل الانزلاقية- استغرقت قرابة عام، فيما احتاجت معارك أفدييفكا إلى شهور، أما في فوفتشانسك وتشاسيف يار، فقد حققت القنابل الانزلاقية تأثيرا مماثلا في بضعة أسابيع فقط. وبحسب سلاح الجو الأوكراني، أطلقت روسيا أكثر من 51 ألف قنبلة جوية انزلاقية منذ بداية الغزو الواسع، ما يجعلها حاليا أحد أخطر التهديدات التي تواجه المدنيين في مدن المواجهة، وأحد الأسباب الرئيسية لارتفاع أعداد القتلى والجرحى في عام 2024 بنسبة 30% مقارنة بالعام السابق. هذا التحول الكمي والنوعي يوضح كيف أصبحت القنابل الانزلاقية سلاحا عملياتيا مزدوج الوظيفة، لا يضرب فقط أهدافا عسكرية تقليدية، بل يسعى إلى زعزعة العمق الإستراتيجي الأوكراني، من خلال استهداف منشآت الطاقة، ومستودعات الإمداد، وشبكات النقل. وقد مكّن هذا السلاح موسكو من فرض معادلة "القصف دون اشتباك"، وهو ما جعله إحدى أكثر أدواتها فاعلية في تعويض غياب السيطرة الجوية الكاملة. ولكن رغم هذه الفاعلية، فإن القنابل الانزلاقية لا تخلو من سلبيات، فهي تفتقر إلى المحركات، وتعتمد على الزخم والارتفاع وزاوية الإطلاق، ما يجعلها حساسة لأي خطأ حسابي أو تحرك مفاجئ للهدف. كما أن فعاليتها تظل رهينة بمدى دقة المعلومات الاستخباراتية المقدّمة للطيار قبل الضربة، ويُضاف إلى ذلك هشاشتها أمام إجراءات التشويش الإلكتروني في حالة نجاح الخصم في اعتراض إشارات الأقمار الصناعية. وفي هذا السياق، تعمل أوكرانيا على تطوير قدراتها في الحرب الإلكترونية، بهدف تعطيل إشارات التوجيه القادمة من نظام "غلوناس"، ما من شأنه التأثير على دقة القنابل وتوجيهها نحو مناطق غير مأهولة. في المقابل، تسرّع موسكو من تطوير أنظمة تصحيح مقاومة للتشويش، عبر إدماج وحدات التوجيه بالقصور الذاتي (INS) في الفئات الأحدث من هذه القنابل. لكن التهديد الأكبر الذي تواجهه موسكو على هذا الصعيد قد لا يكون إلكترونيا بقدر ما هو جوي، فحصول أوكرانيا على مقاتلات "إف-16" الغربية يُمثِّل خطرا نوعيا، نظرا لقدرتها على الرصد والاشتباك من مسافات بعيدة، وهو ما قد يتيح للقوات الجوية الأوكرانية فرض درجة جديدة من الردع الجوي ضد الطائرات الروسية التي تطلق القنابل الانزلاقية من خارج نطاق المواجهة. وبذلك قد لا يبقى نهج "القصف دون اشتباك" فعّالا في المستقبل القريب، وقد تصبح القنابل الانزلاقية ذاتها غير قادرة على تعويض ما افتقدته موسكو منذ الأيام الأولى للحرب؛ وهو الهيمنة من الأعلى.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store