logo
الجالية المغربية بإسبانيا: فجوة بين الخطاب الرسمي ومرارة الواقع

الجالية المغربية بإسبانيا: فجوة بين الخطاب الرسمي ومرارة الواقع

إيطاليا تلغرافمنذ يوم واحد
إيطاليا تلغراف نشر في 1 يوليو 2025 الساعة 19 و 00 دقيقة
إيطاليا تلغراف
عبد الله مشنون
كاتب صحفي مقيم بايطاليا
بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب، وجه الملك محمد السادس تحية تقدير وإشادة إلى الجالية المغربية المقيمة بالخارج، مؤكدا على دورها المحوري في الدفاع عن الوحدة الترابية، وعلى ضرورة الانتقال من الاعتراف الرمزي إلى سياسات عمومية ومؤسساتية فعّالة، تُعزّز اندماج مغاربة العالم في المشروع التنموي الوطني، وترفع العراقيل التي تُضعف ارتباطهم العملي والوجداني بالوطن.
إن هذا الخطاب، كما في خطب ملكية سابقة، يعكس رؤية استراتيجية ترى في مغاربة المهجر رافعة وطنية لا غنى عنها، وضرورة دمجهم ضمن السياسات الوطنية ليس مجاملة، بل استحقاقًا ومصلحة عليا. لكن الملاحظ، للأسف، هو الفجوة العميقة بين هذا التوجه الملكي المتقدّم، وبين السياسات الحكومية التي غالبًا ما تتسم بالتقصير، إن لم نقل الغياب التام في بعض المحاور.
ومن خلال رصد واقع الجالية المغربية بإسبانيا، التي تُعد من أكبر الجاليات المغربية في أوروبا من حيث العدد والتنوع، تتّضح معالم هذا التناقض. إذ يشعر عدد كبير من أفراد الجالية بتهميش مستمر، سواء على مستوى التمثيلية السياسية، أو الإدماج في الوظيفة العمومية، أو الحماية من التمييز، أو حتى في ما يتعلق بأبسط الحقوق الرمزية والعملية للحفاظ على صلتهم بالوطن، والانخراط الفعلي في بنائه من موقعهم في الخارج.
■ إشكالية التمثيلية السياسية والإدارية: الحضور الغائب
رغم أن الدستور المغربي يقرّ بحقوق المواطنة الكاملة لجميع المغاربة أينما وُجدوا، إلا أن مغاربة العالم عمومًا، ومغاربة إسبانيا بشكل خاص، لا زالوا محرومين فعليًا من حقهم في التمثيلية السياسية داخل مؤسسات القرار، سواء في الداخل أو في بلدان الإقامة. فبينما يتيح لهم القانون الوطني التصويت في الانتخابات، تظل إمكانية الترشح وتمثيلهم في دوائر خاصة بهم مؤجلة، رغم التوجيهات الملكية الصريحة.
أما في السياق الإسباني، فإن الحضور المغربي في المجالس المحلية أو المؤسسات الإدارية يكاد يكون رمزيًا، في ظل حواجز قانونية وإدارية تمنعهم من الولوج إلى الوظيفة العمومية، وتتطلب شروطًا معقدة للحصول على الجنسية أو معادلة الشهادات. والنتيجة هي جالية تُقصى من مواقع القرار، وتُكتفى بدورها كمستهلكة أو ككتلة انتخابية محتملة دون أن تكون شريكة فعلية في السياسات العمومية.
■ من خطاب الإصغاء إلى واقع الصمت والتجاهل
الخطابات الرسمية تتحدث كثيرًا عن الاستماع إلى هموم مغاربة العالم، لكنها في الواقع تصطدم بجدار من الصمت البيروقراطي والتقاعس المؤسسي. فعلى الرغم من المبادرات الملكية الهادفة إلى تعزيز روابط الجالية بالوطن الأم، لا تزال الحكومة تتعامل بمنطق موسمي مع قضايا الهجرة، يبرز خلال فصل الصيف أو فترات الانتخابات، ويغيب باقي العام.
ولا يوجد إطار مؤسساتي فعّال يعالج قضايا الجالية المغربية في إسبانيا بصورة منهجية ومستدامة، بل تتكرر نفس الشكاوى: صعوبات في الوثائق، ضعف
التنسيق مع القنصليات، غياب تأطير ثقافي وديني جاد، وتجاهل تام لحاجات الجيلين الثاني والثالث الذين يواجهون تحديات مزدوجة في الهوية والانتماء.
■ حالة عبد الرحيم: حين يخنق الواقع صوت العدالة
ربما كانت مأساة الشاب المغربي الذي قُتل مختنقًا على يد شرطي خارج الخدمة في مدينة 'توريخون' لحظة كاشفة عن عمق المأساة التي يعيشها بعض أفراد الجالية في صمت. لم يكن عبد الرحيم مجرمًا خطرًا، بل شابًا مضطربًا نفسيًا يعيش ظروفًا اجتماعية صعبة، ورغم ذلك تعرّض لعنف مفرط أفضى إلى موته أمام أنظار المارة، بينما كان الشرطي يواصل الضغط على عنقه حتى لفظ أنفاسه.
هذا الحادث لم يكن معزولًا، بل هو تجسيد لحالات عديدة من سوء الفهم، أو التمييز المؤسسي، أو الإفراط في استخدام القوة ضد أبناء الجالية. المؤلم في الأمر ليس فقط الجريمة، بل غياب رد فعل حازم من الجهات الرسمية المغربية للدفاع عن كرامة أحد أبنائها، وكأن الأمر لا يعنيها، أو لا يستحق المرافعة.
حين تموت الكرامة على قارعة الطريق، في قلب أوروبا،
بصمت رسمي وبلادة إعلامية، فإن السؤال لا يعود فقط حول العنف، بل حول القيمة التي ما تزال الدولة المغربية تمنحها لأبنائها المهاجرين حين يُظلمون أو يُهانون في الخارج.
الأزمة الحقيقية التي تواجه مغاربة العالم ليست فقط إدارية أو سياسية، بل هي قبل ذلك أزمة هوية. الشباب المغربي في إسبانيا يعيش تمزقًا صعبًا: لا هو مندمج تمامًا في ثقافة البلد المضيف، ولا هو مرتبط فعليًا بثقافة الوطن الأم. في ظل غياب التأطير الثقافي والديني، وتراجع الدور الرمزي للمؤسسات الوطنية، تتنامى فجوة الانتماء وتطفو على السطح مظاهر من القلق، والانكفاء، وأحيانًا الانجراف نحو التطرف أو العزلة.
هذا الجيل لا يبحث عن الشعارات، بل عن معنى لانتمائه. وهو لا يُطالب بشيء غير طبيعي، بل فقط بأن يُعامل كمواطن له كرامة، وله وطن، وله صوت.
رغم هذا المشهد القاتم، هناك أصوات مدنية صادقة من داخل الجالية تبذل جهدًا حقيقيًا في الدفاع عن الحقوق، وتوفير الدعم القانوني والثقافي، ومحاولة مد الجسور بين الجيل الجديد والوطن. لكن هذه المبادرات غالبًا ما تُقابل بالتجاهل أو التهميش من طرف المؤسسات، وأحيانًا تُصدم بجدران الولاءات الضيقة التي تعلي من شأن الارتباط السياسي أو الحزبي على حساب الكفاءة والاستقلالية.
كيف يمكن لجالية أن تنهض، إذا كانت أصواتها النزيهة تُقصى، ومبادراتها تُدفن، وحضورها يُختزل في موسم الصيف فقط؟
في النهاية، لا يدعو هذا المقال إلى التأليب أو المواجهة، بل هو نداء صادق من مهاجر إلى وطنه، يسائله عن مدى انسجام خطابه مع فعله، وعن مدى احترامه لمن غادروا الأرض لكنهم لم يغادروا الوجدان. مغاربة المهجر ليسوا مجرد تحويلات مالية، ولا مجرد عناوين في نشرات الأخبار، بل هم امتداد للروح الوطنية خارج الحدود، وذراع استراتيجية في مجالات التنمية والدبلوماسية والثقافة.
هل نملك اليوم الشجاعة الكافية لنفتح هذا الورش بجدية؟ وهل في الدولة من يجرؤ على الإصغاء، لا في الصيف فقط، بل طيلة العام؟
الجواب لا يُنتظر من المقال، بل من إرادة سياسية حقيقية، تُخرج قضايا الجالية من دائرة المجاملة إلى ساحة التفعيل والإصلاح.
إيطاليا تلغراف

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مجلس الأمة : عرض مشروع القانون المتعلق بالتعبئة العامة – المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري
مجلس الأمة : عرض مشروع القانون المتعلق بالتعبئة العامة – المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري

التلفزيون الجزائري

timeمنذ 24 دقائق

  • التلفزيون الجزائري

مجلس الأمة : عرض مشروع القانون المتعلق بالتعبئة العامة – المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري

عرض وزير العدل حافظ الأختام, لطفي بوجمعة, مساء اليوم الاربعاء, أمام أعضاء مجلس الأمة, مشروع القانون المتعلق بالتعبئة العامة في جلسة علنية ترأسها رئيس المجلس, السيد عزوز ناصري, بحضور وزيرة العلاقات مع البرلمان, السيدة كوثر كريكو. و أوضح بوجمعة, خلال عرضه, أن مشروع هذا القانون يشكل 'منظومة شاملة وكاملة لمجابهة أي خطر يهدد استقرار البلاد وسلامتها الترابية', كما يحدد 'مهام كل هياكل و أجهزة الدولة, المجتمع المدني والمواطنين في إطار منظومة التعبئة العامة'. وتهدف التعبئة العامة إلى'تعزيز الطاقة الدفاعية للأمة ورفع قدرات القوات المسلحة, عن طريق وضع الوسائل البشرية والمادية والموارد الضرورية تحت تصرفها, للسماح لها بأداء مهامها للدفاع عن وحدة البلاد وسلامتها الترابية وحماية مجالها البري والجوي والبحري, في أفضل الظروف'. ويعدد نص القانون الحالات التي يقرر فيها رئيس الجمهورية, خلال مجلس الوزراء, التعبئة العامة وذلك طبقا للأحكام المنصوص عليها في الدستور, كما أن رئيس الجمهورية يحدد 'المحاور الأساسية للاستراتيجية الوطنية للتعبئة العامة والتوجيهات الخاصة بها, بموجب مرسوم رئاسي'. كما يتعين على المواطنين –وفق القانون–'الالتزام بالإجراءات والتدابير المتعلقة بالتعبئة العامة التي تخصهم', مع 'التقيد بالتدابير المتخذة من طرف السلطات المختصة المرتبطة بحالة التعبئة العامة'.

عقب استقباله من قبل الرئيس تبون.. هذا ما قاله وزير الفلاحة الفنزويلي
عقب استقباله من قبل الرئيس تبون.. هذا ما قاله وزير الفلاحة الفنزويلي

النهار

timeمنذ 41 دقائق

  • النهار

عقب استقباله من قبل الرئيس تبون.. هذا ما قاله وزير الفلاحة الفنزويلي

شكر وزير السلطة الشعبية للفلاحة الانتاجية والأراضي لجمهورية فنزويلا البوليفارية خوليو سيزار ليون إيريدي، اليوم الأربعاء. الرئيس الجزائري باسمه الخاص وباسم الرئيس نيكولاس مادورو موروس، والشعب الفنزويلي. و في تصريح له عقب استقباله من قبل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، عبّر وزير الفلاحة الفنزويلي عن أسمى عبارات الشكر والعرفان. للرئيس تبون وللحكومة الجزائرية، على مشاركة النشاطات لتقوية العلاقات بين البلدين. وتصبوا هذه الأخيرة، يضيف وزير الفلاحة الفنزويلي. إلى الرقي والازدهار لشعبي البلدين.

تطورات مخيفة في الأربع وعشرين ساعة الأخيرة بمالي
تطورات مخيفة في الأربع وعشرين ساعة الأخيرة بمالي

الخبر

timeمنذ ساعة واحدة

  • الخبر

تطورات مخيفة في الأربع وعشرين ساعة الأخيرة بمالي

أصدرت قيادة أركان الجيش المالي، أمس واليوم، عددا من البيانات والمضامين، إلى جانب التصريحات التلفزية، التي تتحدث عن "تحييد 80 إرهابيا وصد هجومات وخوض اشتباكات ونصب كمائن واستعادة عتاد وذخيرة مهمة في العديد من المناطق في البلد بشكل متزامن، ما خلف الانطباع بأن الجمهورية دخلت أجواء الحرب الأهلية. وورد في البيانات والتصريحات المتلفزة التي أدلى بها قيادي من الجيش، أن "العديد من المناطق شهدت اشتباكات وهجومات وسقوط ضحايا وسط صفوف الجيش والعدو ومن المدنيين، على غرار منطقة تمبكتو وتساليت، شمالي كيدال القريبة من الحدود الجزائرية"، بالإضافة إلى عمليات إحباط هجومات واستعادة وسائل اتصال لاسكلية في منطقة لاك تيلي وسيركل دو غوندام. كما عاشت مناطق ميوني ومولودو وساندار وديبولي ونيورو ساحل وغوغي وكايس، أهوال المواجهات المسلحة وتبادل إطلاق النار، وفق البيان، وأظهرت المشاهد المعروضة في الحساب الرسمي للجيش المالي، جثثا متناثرة مضرجة بالدماء ودراجات نارية وسيارات محطمة وسكانا في حيرة من أمرهم. ووصف الجيش المالي الهجومات التي تم صدها، أمس، بأنها متزامنة ومنسقة، ملمحا بأنها حظيت بدعم خارجي، من دون تحديده، في حين لم تتبن أي جهة هذه الهجمات أو الاشتباكات، سواء تعلق الأمر بالجماعات الإرهابية المسلحة، أو عناصر جبهة تحرير أزواد الناشطين بكثرة في الشمال، وسبق أن أعلنوا عن قيامهم بعمليات ضد الجيش المالي وعناصر الفيلق الإفريقي التابع لوزارة الدفاع الروسية. وبالرغم من أجواء الحرب التي تشكلت في يوميات مالي، إلا أن الجيش يبعث برسائل طمأنة وشكر للمواطنين والسكان على مستوى تلك المناطق التي كانت مسرحا لوقائع الحرب، وهي لأول مرة تتعدد وتتزامن بهذا الشكل، منذ انزلاق البلد إلى العنف تحت قيادة السلطات العسكرية الانتقالية، بعد أزيد من عشر سنوات من السلم، الذي ضمنه اتفاق السلم والمصالحة، المنبثق عن مسار الجزائر. وتظل السلطات الانتقالية في مالي مصرة على مقاربة المعالجة الأمنية، مستعينة بالقوى الأجنبية، ومجمدة لكل الأنشطة السياسية ومتجاهلة كل الدعوات الإقليمية والقارية بضرورة العودة إلى الحوار والمفاوضات، وتفعيل الحلول السياسية، تمهيدا لنقل السلطة بسلاسة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store