logo
إرث من الإقصاء .. صراع آل خليفة مع الوجود الشيعي في البحرين

إرث من الإقصاء .. صراع آل خليفة مع الوجود الشيعي في البحرين

مرآة البحرينمنذ 9 ساعات

مرآة البحرين : الصراع في البحرين ليس خلافًا مذهبيًا سطحيًا كما يحاول البعض تصويره، بل هو في جوهره مواجهة بين مشروعين متضادين: مشروع مقاومة حيّ وفاعل يستلهم قيمه من ثقافة أهل البيت عليهم السلام، و من جهة أخرى، مشروع السلطة المتغطرسة، يستقي قيمه وثقافته من إرث بني أمية، حيث يعتمد القمع والتهديد كوسائل لفرض السيطرة.
في جوهر هذا الصراع، ترتكز العقيدة الشيعية على رفض الخضوع للحاكمٍ الظالم، إذ تُشترط العدالة في الحكم، بينما تميل بعض الاتجاهات الإسلامية إلى تغليب طاعة وليّ الأمر، حتى وإن كان جائرًا، بدعوى اتّقاءً الفتنة وحفاظًا على الاستقرار.
لذا فإن الحاكم الظالم لا يرى في صوت الوعي سوى أنه خطر وجودي، لا يملك أمامه إلا أن يلاحقه بالتهم المفبركة، ليُبرر قمعه، وسجنه تمهيدا لتصفيته.
يخبرنا التاريخ أن نظام بني أميّة لم يكن يستند إلى المشروعية الأخلاقية أو العدالة، بل اعتمد على ضعف الوعي الديني والسياسي لدى عامة الناس، خصوصًا في الشام، حيث كان السكان بعيدين عن جوهر الإسلام وتعاليمه الأصيلة.
عمل الأمويون بذكاء على تشويش المفاهيم وتحريف الحقائق، ويكفي أن معاوية نفسه قال مهددًا أمير المؤمنين في صفّين: "أقاتله بمئة ألف لا يفرّقون بين الناقة والجمل"، في إشارة صريحة إلى اعتماده على جهل جنوده، وتوظيف هذا الجهل كوسيلة للسيطرة وقلب المفاهيم بما يخدم مشروعه، حيث كان الجيش أداة الحسم: قوة عسكرية شديدة القسوة تسحق كل حركة تحرّر أو تصحيح، وتؤمّن استمرار الحكم بالقهر لا بالرضا.
هذا النموذج من السلطة - المعتمدة على تغييب الوعي والقمع العسكري - لم يُدفن في التاريخ، بل أعيد إنتاجه بوجوه جديدة، ومنها ما نراه في سياسة الدول المحاربة ومنها المعادية لمنهج أهل البيت عليهم السلام.
على امتداد قرنين، تنوّعت أساليب الاستهداف الممنهج للشيعة على يد شيوخ آل خليفة، وصولًا إلى الملك الحالي، من فرض للضرائب ومصادرة الأملاك في بدايات الحكم، إلى الهجمات على القرى والتهجير القسري، ثم القمع العنيف للاحتجاجات في الثلاثينيات، وصولًا إلى سياسات الإقصاء السياسي والثقافي في القرن العشرين، وانتهاءً بالمجزرة الكبرى بعد ثورة 14 فبراير، وما تبعها من هدم للحسينيات والمساجد، واعتقالات وتعذيب، وتضييق مستمر على كل مظهر من مظاهر الهوية الشيعية. إنه تاريخ طويل من الإقصاء، لا يمكن عزله عن حاضر البحرين اليوم.
ولعل من أبرز مظاهر هذا الاستهداف المتواصل، حملات التضييق التي يقودها وزير الداخلية منذ سنوات ضد مراسم عاشوراء، والتي تتكرّر سنويًا مع اقتراب شهر المحرّم. من إزالة للرايات، وتهديد للخطباء، واستدعاء للرواديد، ومنع للمواكب، وحتى فرض قيود على المجالس الحسينية. هذه الإجراءات لا تعبّر عن "حساسية أمنية"، كما أنها ليست رد فعل سياسي، بل هي تعبير عن كراهية دفينة وحقد متجذّر تحمله العائلة الحاكمة تجاه الغالبية الشيعية، التي لا ترى فيها مجرد معارض سياسي، بل خطرًا وجوديًا على شرعيتها.
ومن المؤسف أن هذا الحقد يتغذى على رواسب طائفية متوارثة، ويُترجم إلى سياسات قمعية ممنهجة، لا تفرّق بين طفل ورجل دين، بين شعيرة دينية وموقف سياسي
منذ القدم رفع البحرينيون شعار "الموت لإسرائيل والموت لأمريكا"، ورددوا الشعارات في المساجد ومواكب العزاء باستمرار، بنبرة تحدي ونغمة حماسية؛ وكنا نرى الشعارات مكتوبة على جدران المنازل داخل القرى وعلى جدران المدارس منذ كنا أطفالا وحتى الآن.
وفي هذا السياق يشير الدكتور السيد السّواد، عالم الأنثروبولوجيا المتخصص في دراسة الطقوس الشيعية، والذي عكف على دراسة المجتمع البحريني بشكل خاص، أن شعب البحرين يرى أن الشعائر الحسينية تُعدّ "أداءً جسديًا جماعيًا" يُجسّد رفض الظلم، حيث تتحوّل الأجساد المشاركة إلى أدوات تعبير رمزية تعبّر عن معاناة اجتماعية وسياسية. ويؤكد السّواد أن هذه الطقوس ليست مجرد مظاهر حداد، بل وسيلة احتجاج تُمارَس في الفضاء العام، حيث يتقاطع البُعد الديني مع البُعد السياسي.
ويُفسّر السّواد شعار "الحسين باقٍ وحيّ" بوصفه موقفًا أخلاقيًا وسياسيًا، يُجسّد بقاء الإمام الحسين كرمز دائم للعدالة والمقاومة، ويُستحضر في مواجهة أنظمة القمع، حيث تُعاد من خلاله كربلاء كمرآة للواقع المعاصر.
صوتكم أنشأ جيلًا: مهدي سهوان، صالح الدرازي، عبدالأمير البلادي، علي حماد، ابو غايب، يوسف الرومي
ساهمت المواكب الحسينية في البحرين في بناء ثقافة ثورية، فجّرت الوعي السياسي في أجيال متعاقبة. طوّر الرواديد هذه الثقافة من خلال الألحان والأنغام الحماسية التي جذبت مختلف شرائح المجتمع، ولم تقتصر القصائد على الحزن والمأساة، بل حملت رسائل سياسية وثورية شكّلت وعيًا جمعيًا ضد الظلم.
وقد اعتُقل عدد من الرواديد بسبب ما أنشدوه في مواكب العزاء، فصار الصوت الحسيني متداخلًا بالصوت السياسي. وبمرور الوقت، أصبحت المواكب مرتبطة بالمشهد السياسي المحلي، وامتدت رموزها وشعاراتها إلى ما يتجاوز حدود البحرين، لتتفاعل مع قضايا الأمة في فلسطين، ولبنان، والعراق، وإيران، وباكستان، وأمريكا، والكيان الصهيوني. وفي جوهرها، بقيت المواكب الحسينية مساحة مقاومة علنية في وجه الأنظمة الاستبدادية.
و تحولت مراسم إحياء شعائر أهل البيت عليهم السلام في البحرين عن غيرها من البلدان الإسلامية إلى علامة جودة ومضرب مثل، ومقياسًا يفاخر به البحرينيون في المحافل والمناسبات، حتى لقبت البحرين بكربلاء الثانية، وبحر الولاية، لما تحمله من تنظيم رفيع، وروح تضحية، ورسائل سياسية وأخلاقية عابرة للزمان والمكان.
وهكذا، يبقى الصراع في البحرين شاهدًا على معركة لا تزال مفتوحة بين الحق والباطل، بين مشروع يريد إذلال الناس، ومشروع يُحيي فيهم الكرامة.
وإذا كان نظام البحرين يظن أنه قادر على تحدّي العقيدة، ومواجهة شعبٍ يؤمن بها، فليقرأ مصير من سبقه من طغاة العصر: يزيد، ومعاوية، وسقيفة بني أميّة. من يضع نفسه في مواجهة الحسين وأتباعه، لا ينتصر، وإن امتلك السيف والسلطة، لأن المعركة هنا ليست في موازين القوّة، بل في ميزان الحق، والحق لا يموت ما دام هناك من يهتف: "فليسمع رأس الدولة هيهات منا الذلة" "الموت لأمريكا الموت لأسرائيل".

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أعرف لماذا استهدفوني.. الأدميرال علي شمخاني يروي تفاصيل محاولة اغتياله (فيديو)
أعرف لماذا استهدفوني.. الأدميرال علي شمخاني يروي تفاصيل محاولة اغتياله (فيديو)

الوطن

timeمنذ ساعة واحدة

  • الوطن

أعرف لماذا استهدفوني.. الأدميرال علي شمخاني يروي تفاصيل محاولة اغتياله (فيديو)

قال مستشار المرشد الإيراني الأعلى، الأدميرال علي شمخاني، إن المفاوضات التي جرت مع إيران لم تكن بهدف التوصل إلى اتفاق، بل كانت "خدعة لإثارة الفوضى والاحتجاجات في الشارع الإيراني"، على حد وصفه. وأضاف شمخاني، في مقابلة بثّتها الإذاعة الإيرانية، أن "إسرائيل كانت تعتقد أن إيران جاهزة للاضطرابات الداخلية، لكن الشعب الإيراني لقّنهم درسًا وأثبت أنهم حمقى"، وفق تعبيره. وكشف شمخاني عن نجاته من محاولة اغتيال إثر غارة جوية إسرائيلية استهدفت منزله، مشيرًا إلى أنه بقي تحت الأنقاض لمدة 3 ساعات بعد الهجوم، وتعرض لكسور في صدره، مؤكدًا "صليت الصبح وأنا تحت الأنقاض". وقال شمخاني "كنت أعلم أننا نوجه ضربات مؤثرة للعدو، وكان واضحًا من غضب وسائل الإعلام الغربية"، مضيفًا: "كذبوا عندما قالوا إنه تم بتر أقدامي، وحتى لو قُطعت، فماذا أفعل بها؟" وفق تعبيره. وأكد شمخاني أن إيران كانت على علم مسبق بالهجوم الإسرائيلي، وتم استبدال القادة خلال 12 ساعة فقط، وبدأت العمليات الإيرانية وفق خطط معدة سلفًا. واختتم بالقول "أعرف لماذا كنت هدفًا للاغتيال، لكن لا يمكنني الحديث عن السبب الآن، ويمكنني فقط القول إنني أرهقتهم كثيرًا". وكان شمخاني، قد ظهر، في وقت سابق السبت، خلال تشييع القادة والعلماء الإيرانيين الذين قضوا في الحرب الأخيرة. ويُعد ذلك الظهور العلني الأول لشمخاني منذ تعرض مكان إقامته لهجوم صاروخي إسرائيلي في الليلة الأولى من اندلاع الحرب. وكانت قد ترددت آنذاك تقارير عن مقتله في تلك الضربة، إلا أن مصادر قريبة من الحكومة نفت ذلك لاحقًا، أن شمخاني أُصيب بجروح. وقد أثار ظهوره في مراسم اليوم تفاعلات واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اعتبره البعض "عودة رمزية" لأحد أبرز الوجوه الأمنية في النظام الإيراني، لا سيما بعد أسابيع من الغموض حول مصيره. ​

وزير الخارجية عباس عراقجي: إيران ليست لبنان وأيّ اعتداء سيُقابَل بردّ فوري
وزير الخارجية عباس عراقجي: إيران ليست لبنان وأيّ اعتداء سيُقابَل بردّ فوري

الوطن

timeمنذ 2 ساعات

  • الوطن

وزير الخارجية عباس عراقجي: إيران ليست لبنان وأيّ اعتداء سيُقابَل بردّ فوري

أثار تصريح وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الذي قال فيه «إيران ليست لبنان وأيّ اعتداء سيُقابل برد فوري»، جدلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي في لبنان والمنطقة. التصريح، الذي جاء في سياق رسالة موجهة للولايات المتحدة وإسرائيل، اعتُبر من قبل البعض إهانة لحليف إيران الوثيق، حزب الله، واستهزاءً بالوضع اللبناني، بينما رأى آخرون أنه يعكس تأكيد إيران على قوتها السياسية والعسكرية مقارنة بالتحديات التي يواجهها لبنان. ووفقاً لما نقلته قناة «سكاي نيوز عربية» عبر منصة إكس في 27 يونيو 2025، أشار عراقجي إلى أن أي خرق لوقف إطلاق النار سيواجه برداً إيرانياً حاسم، مما أثار تفسيرات متباينة حول دلالات التصريح.

السودان.. الأمم المتحدة تطالب بمعالجة سريعة للوضع الإنساني
السودان.. الأمم المتحدة تطالب بمعالجة سريعة للوضع الإنساني

البلاد البحرينية

timeمنذ 3 ساعات

  • البلاد البحرينية

السودان.. الأمم المتحدة تطالب بمعالجة سريعة للوضع الإنساني

دعت الأمم المتحدة ودول أعضاء في مجلس الأمن الدولي لاتخاذ إجراءات سريعة لوقف الأزمة الإنسانية المتصاعدة في السودان. وحذر مشاركون في اجتماع عقده مجلس الأمن الدولي الجمعة، من أن ملايين السودانيين ومن بينهم 15 مليون طفل يواجهون أوضاعا مأساوية بسبب التداعيات الإنسانية المتصاعدة الناجمة عن الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل 2023. وتعهد المجلس بالعمل على بناء خطوط استجابة بديلة في حال واصلت السلطات السودانية عرقلة وصول المساعدات وإصدار التأشيرات والتصاريح للعاملين في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في الوقت المناسب. وأكد المجلس أن عملية شاملة تضم جميع الأطراف والمجتمع المدني السوداني بأكمله هي وحدها التي ستمكن من تحقيق انتقال سياسي نحو حكومة مدنية ديمقراطية، "بما يتوافق مع تطلعات الشعب السوداني، ويعيد إحياء الزخم الديمقراطي الذي قُوبل بوحشية في عام 2021". تطورات خطيرة قالت مارثا أما أكيا بوبي، مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون إفريقيا إن خطوط المواجهة لا تزال تشهد تطورات خطيرة مع إصرار طرفي القتال على تحقيق أهدافهما العسكرية. وأشارت المسؤولة الأممية إلى الاستخدام المتزايد للأسلحة المتطورة، بما في ذلك الطائرات المسيرة بعيدة المدى، مما أدى إلى اتساع نطاق العنف ليشمل مناطق كانت مستقرة سابقا. كما لفتت بوبي إلى تقارير الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي وثّقت تضاعف عمليات قتل المدنيين تعسفيا ثلاث مرات بين فبراير وأبريل من هذا العام. وأوضحت: "الإفلات من العقاب الراسخ يُؤجج هذه الانتهاكات والتجاوزات الجسيمة لحقوق الإنسان. يجب محاسبة جميع أطراف النزاع". عوائق المساعدات اتهم المجلس أطراف القتال بمنع وصول المساعدات الإنسانية كتكتيك حربي، و"التلاعب بالعمليات الإنسانية لتحقيق أهداف عسكرية". ودعا المجلس جميع الأطراف بالسماح بمرور المساعدات والرد في غضون 72 ساعة من إخطار الجهات المنفذة بالاستخدام المقصود للمساعدات الإنسانية ومحتوياتها ووجهتها. كما طالب بفتح جميع المعابر الحدودية إلى السودان للأغراض الإنسانية، بما في ذلك المعابر من جنوب السودان إلى دارفور، وإصدار التأشيرات وتصاريح الحضور للعاملين في المجال الإنساني في جميع أنحاء السودان خلال أسبوع واحد من تقديم الطلب. وشددت فرنسا على ضرورة حماية العاملين في المجال الإنساني في جميع الظروف، وفقًا للقانون الدولي، وعلى أن تحترم أطراف النزاع التزاماتها بموجب إعلان جدة بشأن حماية المدنيين واحترام الالتزامات الإنسانية، الذي ينطبق على كامل أراضي السودان.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store