
«الجونة السينمائي» يطلق مسابقة «عيش» للأفلام القصيرة
تهدف المسابقة إلى توفير منصة للمبدعين وصناع السينما العرب لتسليط الضوء على واقع يعيشه الملايين في المنطقة، وطرح قضايا إنسانية مُلحة، مثل قضية الأمن الغذائي، وزيادة الوعي بهذه القضايا من خلال الأفلام القصيرة، من منطلق الإيمان بالدور الذي تلعبه السينما في إلهام المجتمعات وتحفيز التغيير المجتمعي، وفق بيان صدر عن المهرجان، الخميس.
وأُعلن فتح باب التقديم للمسابقة حتى يوم 30 أغسطس (آب) المقبل. وسيجري الإعلان عن الفائز في احتفالية على هامش فعاليات الدورة الثامنة لمهرجان الجونة السينمائي التي تعقد خلال الفترة من 16 إلى 24 أكتوبر (تشرين الأول) 2025.
وأعرب عمرو منسي، المدير التنفيذي والمؤسس الشريك لمهرجان الجونة السينمائي، عن فخره لإطلاق الدورة الثانية من مسابقة «عيش» بالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«زست»، من منطلق الإيمان بأن السينما قادرة على إحداث فارق حقيقي، قائلاً: «نحن نمنح مساحة لصانعي الأفلام العرب لرواية قصص تنبع من واقعهم، وتتناول قضايا تمس حياة الناس بشكل مباشر، كالأمن الغذائي».
ومن جانبه يلفت جون بيير دي مارجية، ممثل برنامج الأغذية العالمي والمدير الإقليمي، إلى أن افتتاح المهرجان يواكب، هذا العام، يوم الأغذية العالمي، ما عَدّه مناسبة للتأمل في كيفية دعم الحصول على الغذاء للاستقرار والصمود والكرامة الإنسانية، مؤكداً إيمانهم بأن السينما لا تقتصر على التأثير على الناس، بل تدفعهم نحو العمل أيضاً، متطلعاً إلى رؤية «كيف يُجسّد صانعو الأفلام مجدداً قوة الأمن الغذائي من خلال السينما».
في حين علق عبد الله دنوار، مدير «زست» ومدير المسابقة، قائلاً: «نؤمن بأن الطعام هو شكل من أشكال الفن حيث يلعب دوراً محورياً في التأثير على الثقافات، وبصفتنا شركة متخصصة في تقديم تجارب طعام تفاعلية، فإن أحد أهدافنا الأساسية هو تمكين المبدعين من مشاركة أفكارهم وسرد حكاياتهم، مع استخدام الطعام بوصفه عنصراً محورياً في رواياتهم».
تأتي دورة هذا العام بعد النجاح الذي حققته الدورة الأولى العام الماضي 2024، والتي شهدت عدداً كبيراً من المشاركات خلال فترة زمنية قصيرة، ما يعكس رغبة قوية لدى المبدعين الشباب في التفاعل مع القضايا المجتمعية المُلحة من خلال عدسة السينما، وكان قد فاز بالجائزة فيلم «خوفو» للمخرج محمد خالد العاصي، وتدور قصته حول عائلة تواجه ظروفاً صعبة بعد مرض جملهم الذي يمثل مصدر دخلهم الوحيد.
وعَدّ الناقد الفني المصري خالد محمود إقامة مثل هذه المسابقة للعام الثاني واختيار موضوع «الأمن الغذائي» محوراً لهذا العام سيسهم في تحفيز المشاعر لتحقيق العدالة في الأمن الغذائي، قائلاً، في تصريحات، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «لا يوجد أقوى من الصورة السينمائية في توصيل هذه الرسالة، وإلقاء الضوء على هذه القضية المهمة»، مؤكداً أنها «ستمنح فرصة لصناع هذه النوعية من الأفلام للعرض على شاشة مهرجان الجونة». وأشار إلى أن «المشهد الأخير في القضية الفلسطينية وما يواجهه أهلها ومشاهد الزحام المميت في توزيع الطعام وموت الأطفال بسبب الجوع، لا شك أن هذه المشاهد المؤلمة ستكون مجالاً لأفلام عدة تنطلق من فلسطين ومن صناع الأفلام العرب».
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مجلة سيدتي
منذ ساعة واحدة
- مجلة سيدتي
كيف أجعل ابني عبقرياً؟ و5 أفكار مبتكرة للأطفال
إن أفكار الاختراع للأطفال ليست مجرد مشاريع ممتعة، بل هي بوابة للإبداع وحل المشكلات والتأثير في الحياة الواقعية، فكل طفل بعمر 12 عاماً فأكثر لديه القدرة على أن يصبح مخترعاً، حيث يكون الأطفال قد كبروا، وأصبحوا أكثر فضولاً وملاحظة، فهم في هذه السن يلاحظون أموراً لا تسير على ما يرام، ويواجهون إحباطات صغيرة في حياتهم اليومية، وتكون لديهم أفكارهم الفريدة حول كيفية تحسين الأمور، وتتبادر الاختراعات إلى أذهانهم، وكأنها أصوات. . هذا إذا تم دعمهم وتوجيههم بطريقة سليمة، في هذه المقالة، سنستعرض 5 أفكار اختراع مثيرة مثالية للأطفال الفضوليين ، ونشرح كيف يمكنهم البدء في إنشاء ابتكاراتهم، ونرشدك عبر برنامجنا القوي لتعلم الاختراع المصمم لرعاية المبدعين الشباب من الصفر. 1. اختراع منظم المدرسة الذكي مشروع منظم مدرسي ذكي ملون للأطفال، يتميز بحجرات مُسمّاة وأدوات إبداعية وزخارف مصنوعة يدوياً لتنظيم اللوازم المدرسية وتعزيز الإنتاجية. وهو حل قابل للتخصيص يُمكّن الطلاب من إدارة واجباتهم المدرسية ولوازمهم اليومية، كل ذلك في وحدة واحدة مدمجة، ليس تطبيقاً أو أداة، بل أداة مادية يمكن للأطفال صنعها باستخدام مواد مُعاد تدويرها وحقائب وأدوات بسيطة. ما فائدة هذا الاختراع؟ غالباً ما يواجه الأطفال صعوبة في تنظيم مساحة دراستهم أو حقيبتهم المدرسية، يوفر لهم منظم المدرسة الذكي طريقة مخصصة لتخزين الأقلام، وبطاقات الملاحظات، ووحدات التخزين المحمولة، وقوائم الواجبات. إنه مصمم بشكل معياري، مما يعني أنه يمكن للأطفال إعادة تصميمه حسب احتياجاتهم. كيف أطبق مع أطفالي هذا الاختراع؟ استخدمي الورق المقوى القديم أو ألواح الرغوة لبناء المقصورات. أضيفي جيوباً مُسمّاة باستخدام مجلدات من القماش أو البلاستيك. قومي بإرفاق قائمة مرجعية محمولة باستخدام مشبك أو سبورة بيضاء صغيرة. 2. اختراع رقعة التبريد الصديقة للبيئة في الصيف هذه رقعة غير إلكترونية يُمكن للأطفال لصقها على ملابسهم أو قبعات الأطفال خلال فصل الصيف. مصنوعة من مواد بسيطة، مثل قماش ماص للماء وجل مُبرِّد، تُحافظ هذه الرقعة على برودة مُستخدميها أثناء ممارسة الرياضة أو اللعب في الهواء الطلق. ما فائدة هذا الاختراع؟ قد يكون الصيف في العديد من المناطق حاراً للغاية، ولا يتوفر لجميع الأطفال مراوح أو مكيفات هواء للتبريد أثناء تواجدهم في الخارج، هذه الفكرة المبتكرة تحل هذه المشكلة الحقيقية بطريقة مستدامة ومنخفضة التكلفة. كيف أطبق مع أطفالي هذا الاختراع؟ ابحثي عن الأقمشة التي تحتفظ بالماء. اصنعي قطعاً صغيرة وخيطيها في حبات هلام التبريد. قومي باختبار الرقعة تحت أشعة الشمس وقومي بتحسينها بناءً على الراحة. أضيفي عناصر صديقة للبيئة مثل التغليف القابل للتحلل الحيوي. اصنعي نسخة معلقة لحقائب الظهر أو أحزمة المدارس. 3. اختراع رفيق المكتب الفوري هو اختراع محمول يحول أي سطح، مثل الأرضية أو الأريكة، إلى مكتب صغير منظم، مزود بفتحات للأدوات المكتبية، وحاملات الورق، وأرجل قابلة للطي. ما فائدة هذا الاختراع؟ ليس لدى الجميع مكتب دراسة مخصص في المنزل، يمكن للأطفال تصميم مكتب صغير يناسب أسلوبهم واحتياجاتهم، ويمكن طيه وحمله في حقيبة الظهر. كيف أطبق مع أطفالي هذا الاختراع؟ استخدمي ألواحاً خشبية أو صوانيَ بلاستيكية أو ألواحاً خفيفة الوزن. أضيفي أرجلاً قابلة للتعديل باستخدام أنابيب أو مفصلات قابلة للطي. قومي بتصميم حجرات لأدوات الكتابة والوجبات الخفيفة والأجهزة. يمكن تضمين الاختراع بمنفذ الشحن أو حاملاً للهاتف. قومي بإجراء جماليات ذات طابع أنمي، أو ألوان باستيلية، أو هندسية. 4. اختراع سوار مساعد السلامة هذا الاختراع عبارة عن سوار معصم بسيط يستخدم أكواد الألوان أو الرموز أو البقع العاكسة الصغيرة ل مساعدة الأطفال على التواصل بسرعة في الأماكن المزدحمة أو الإشارة إذا شعروا بالتوعك أو الضياع. ما فائدة هذا الاختراع؟ السلامة الشخصية مصدر قلق متزايد. هذا السوار ليس رقمياً أو مزوداً بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، بل مصمم للرؤية والتواصل، يمكن للأطفال تخصيصه للرحلات العائلية، أو الرحلات المدرسية، أو نزهات الأحياء. كيف أطبق مع أطفالي هذا الاختراع؟ اختاري حزاماً متيناً وآمناً على البشرة (فيلكرو، سيليكون، إلخ). استخدمي ترميز الألوان للحصول على معانٍ مختلفة (على سبيل المثال، الأحمر = مساعدة). أضيفي شريطاً عاكساً أو علامات تعريف أو حقيبة اتصال للطوارئ. 5. اختراع مجلة رسم خريطة الحالة المزاجية تظهر مجموعة من المجلات الخاصة بتخطيط الحالة المزاجية للطفل ملصقات مختلفة للمزاج (سعيد، حزين، غاضب، وما إلى ذلك)، ومقياس متدرج لشدة التقييم، ومخطط ملون للتتبع اليومي، مصحوباً بأقلام ملونة. ما فائدة هذا الاختراع؟ هو ابتكار مُخصّص يُتيح للأطفال تصميم مُتتبّع مزاج ورقي خاص بهم، قد يتضمن مُلصقات مُعبّرة عن الحالة المزاجية، أو مقاييس مُتحرّكة، أو مُخططات مُلوّنة، مما يُتيح لهم التأمّل في مشاعرهم يومياً. ولا يقتصر الابتكار على حل المشكلات الخارجية فحسب، بل يشمل أيضاً بناء الوعي الذاتي، تساعد مجلة تخطيط الحالة المزاجية للأطفال على إدارة التوتر والقلق والحماس بشكل إبداعي وبناء. كيف أطبق مع أطفالي هذا الاختراع؟ استخدمي دفاتر ملاحظات فارغة أو دفاتر رسم. قومي بإنشاء تخطيط يحتوي على أقسام للمشاعر والأفكار والرسومات والأهداف. أضيفي صفحات قابلة للطي أو علامات تبويب للتأملات الأسبوعية. قومي بإدراج "وحوش المزاج" كشخصيات مرئية. أضيفي اقتباسات ملهمة أو مطالبات الامتنان عند الأطفال. كيف يمكنك دعم رغبة الطفل الصغير في أن يصبح مخترعاً وصانعاً؟ علميه أن يجرب الأمر فقط! إذا صحّ المثل القائل "الحاجة أم الاختراع" ، فإنّ "التسويف عاقبته الحتمية " لا بدّ أن تكون خاتمته، حالما يأتي إليك طفلك بفكرة، اتركي كلّ شيء وساعديه على البدء، وإلا فقد تتلاشى الفكرة أو الدافع وراء تنفيذها. اتبعي دليلنا المكوّن من خمس خطوات لكسر دائرة التسويف لتضعي طفلك على الطريق الصحيح نحو إنجاز شيء عظيم. اذكري له الأمثلة يستلهم الأطفال من غيرهم، من المخترعين الصغار ، حيث يمثلون قدوة حسنة لطفلك الصغير، ابحثي عن آخرين حققوا نجاحاً في الاختراع، على سبيل المثال، كان صموئيل هوتون في الخامسة من عمره فقط عندما حصل على براءة اختراع لمكنسته ذات الرأسين، خطرت الفكرة له بينما كان يشاهد والده يكنس أوراق الشجر من الفناء الخلفي باستخدام مكنستين - واحدة لكنس كومة الأوراق، والأخرى لكنس الحطام المتروك، إن التعرّف إلى اختراعات الأطفال الآخرين لن يلهم طفلك فحسب، بل سيقدم له فهماً أعمق للعملية، والأهم من ذلك، سيعلمه أن ذلك ممكن بالفعل! أحضري له الأدوات والموارد سيحتاج طفلك إلى "أدوات" لتحويل أفكاره إلى أشكال ملموسة. بناءً على اهتماماته، استثمري مبلغاً صغيراً في الموارد، سواءً كانت مكعبات بناء أو مواد رسم أو نحت، أو تطبيقات برمجية تُمكّنه من التعديل والتحسين وفقاً لذلك. شجعيه على سؤال الخبراء قد يتعثر طفلك مع اختراعه على طول الطريق، وقد يحتاج حتى إلى التغلب على عقبة واحدة للبدء، شجعيه على الاعتماد على معارف ومهارات الخبراء في المجالات التي تنطبق على المشاريع التي يعمل عليها، قد يكون هذا الخبير أنت (والد أو معلم) أو محترف آخر موجود في العالم، على سبيل المثال، إذا كان طفلك يعمل على بناء، فيمكنه (تحت إشرافك) إرسال بريد إلكتروني أو رسالة مباشرة (على وسائل التواصل الاجتماعي) إلى شخص ما من كلية العلوم المعمارية في جامعة محلية بأسئلته، إذا كان يعمل على شيء ميكانيكي، فقد يتواصل مع شخص ما من كلية العلوم التطبيقية والهندسة، سيكون معظم المعلمين والمحترفين سعداء بمساعدة العقل الناشئ الذي اتخذ زمام المبادرة للتواصل وطلب المساعدة. إذا كان طفلك عادةً ما يكون متردداً عندما يتعلق الأمر بطرح الأسئلة، فساعديه على التخلص من هذا الخجل. اعرضي اختراعه في السوق إذا أكمل طفلك اختراعه، فقد نجح بالفعل! مع ذلك، إذا رغب في مشاركة اختراعه مع العالم، وكان يحمل إمكانيات حقيقية (حتى كحرفة يدوية)، يمكنك تعليمه كيفية تسويقه، إذا كان ذلك ممكناً (كما حدث مع ليلي بورن أو سام هوتون)، يمكنك شرح عملية طلب براءة الاختراع مع طفلك، وستكون تجربة تعليمية للغاية، إذا كان ذلك أكثر ملاءمة لإبداعه، يمكنك محاولة بيع الاختراع/ الحرفة في سوق حرفي محلي أو عبر سوق إلكتروني. اكتشفي ما يريد اختراعه بصراحة، احتمالات نجاح ابتكار شيء ما في السوق ضئيلة، لكن الأمر لا يتعلق بالنتيجة النهائية بقدر ما يتعلق بالرحلة، تُعلّم عملية الابتكار الأطفال قيمة العمل الجاد، وتُشركهم في التفكير الإبداعي وحل المشكلات، كما تشجعهم على مواصلة العمل حتى النهاية، حتى لو لم يُفلح مشروعهم، يمكنهم تطبيق ما تعلموه على المشروع التالي، والذي سيقودهم في النهاية إلى أشكال أخرى من النجاح. وربما. لماذا يكون الأطفال في أغلب الأحيان أكثر إبداعاً من البالغين؟ ملاحظة من «سيدتي»: قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص


الشرق السعودية
منذ 3 ساعات
- الشرق السعودية
الفنانة نازلي مدكور: الدول التي تكرّم فنانيها تقدّر الإبداع
على مدى أكثر من أربعة عقود، استطاعت الفنانة نازلي مدكور، أن تقدّم رؤية بصرية خاصة، جعلتها واحدة من أبرز الأسماء في مجال الفن التشكيلي في مصر والعالم العربي. حصلت أخيراً على جائزة الدولة في مجال الفنون، التي تقدّمها وزارة الثقافة المصرية، ضمن جوائز الدولة التشجيعية. في حوار مع "الشرق"، كشفت الفنانة عن تفاصيل ترشّحها للجائزة، وكيفية تشكّل تجربتها الفنية. كيف تلقيت خبر فوزك بجائزة الدولة للتفوّق في مجال الفنون هذا العام؟ كنت ضمن أربعة مرشّحين على القائمة القصيرة للجائزة، وهذا يعني توقّع الفوز إلى حد ما، لكن لحظة تأكدي من الحصول على الجائزة، كان شعوري بالسعادة كبيراً. تقولين إن الجوائز غالباً تذهب للكوادر الأكاديمية، فما هي الرسالة التي يحملها فوزك للتشكيليين الجدد؟ عادة ما تطرح الجامعات أسماء المرشّحين من الكوادر الأكاديمية فعلاً، لكن من المهم كذلك وجود جهات أخرى موثوقة تقدّم ترشيحاتها، كي تكون الفرص أكبر أمام المبدعين للحصول على الجوائز، وتقييم عملهم وإنتاجهم، ومدى وصول رسالتهم إلى الناس. بالنسبة لي، ترشيحي جاء من خلال مكتبة الإسكندرية. وبشكل عام، الفنان الجاد يعمل ويقدّم فنه ورسالته من دون انتظار أوسمة، وفي الوقت نفسه حصوله على جائزة يشعره بالدفء، وأن الناس يقدّرون عمله ومجهوده، ويحفّزه على العمل. أرى أن الدول التي تكرّم فنانيها وعلماءها، تعطي رسالة لشعوبها أولاً، وللعالم ثانياً، بأنها تقدّر الفن والعلم والمبدعين، وهي رسالة مهمة. طرحت فكرة أن الفنان يعمل سواء حصل على أوسمة أو لا. فهل الإبداع فعل عفوي مزاجي، أم مثابرة وعمل يومي؟ الحالة المزاجية لا يمكنها أن تتحكم بعمل الفنان بالكامل، ويجب أن يكون هناك عمل يومي. بالنسبة لي الفن عمل أمارسه يومياً، فأذهب في العاشرة صباحاً إلى الأتيلييه وأظل أعمل حتى الثالثة والنصف، كي أستطيع الإنتاج وتوليد الأفكار الجديدة. أحياناً يجد الفنان أن العمل الذي أنجزه ليس ناجحاً، لكنه في اليوم الثاني ينظر إليه ويعيده من البداية، أو يعمل عليه مرة أخرى، والفنان يجب أن يكون ملتزماً بمواعيد عمل. هل دراستك للاقتصاد والعلوم السياسية وعملك السابق في الأمم المتحدة ترك أثره على خطط الزمنية وجدول عملك الفني؟ الفن له طرق أخرى مختلفة تماماً، إذ يعتقد البعض أن كل الفنانين لديهم الطريقة نفسها في العمل، لكننا لا نتعامل بالشكل نفسه مع العملية الفنية، لأن "كل شيخ وله طريقة"، وأسلوبي الفني يعتمد على العفوية، وهي مسألة لا يمكن وضعها في جداول ومواعيد وخطط؛ فاللوحات قد تكون بالمقاس نفسه، لكن الأولى يستغرق العمل عليها أسبوعاً، والثانية قد تستغرق شهراً. وبالفعل فإن دراستي السابقة وعملي في الأمم المتحدة، انعكسا على جدية العملية الفنية والتعامل معها؛ صحيح أنني لم أدرس الفن في الجامعة، لكني أؤمن بأهمية الدراسة، فوضعت لنفسي جدولاً تثقيفياً وتعليمياً لتعويض الدراسة الأكاديمية. سافرت إلى إيطاليا ودرست في كلية "ساتشي" للفنون (SACI) وهي جامعة صيفية في فلورنسا، ودرست مع فنانين مصريين، وقرأت في فلسفة الجمال، بالإضافة إلى جولاتي على المعارض والمتاحف. لديك حب كبير للثقافة الإسبانية، هل تأثرت أعمالك بها؟ بالفعل أحب الثقافة الإسبانية جداً، وتعلمت اللغة الإسبانية وسافرت مرات عدّة إليها. فنون إسبانيا تأثرت بدورها بالثقافة الإسلامية، لكن الفنان يتأثر بمجموع الفن العالمي القديم والحديث، وثقافته البصرية والحياة اليومية والأحداث من حوله، وهي كلها عبارة عن تراكم يظهر صداه في العمل. الفنان يشبه الإسفنجة التي تمتصّ كل شيء، إما يخرجه في أعمال تنغمس بشكل كبير مع الواقع، أو تهرب منه، وأنا أحد الهاربين من الواقع. هل كان معرضك الأخير "أثير الأرض" تجسيداً لهذا الهروب، وخصوصاً أنك قدّمت فيه رؤية مختلفة للطبيعة؟ بالفعل لم أرسم الطبيعة كما نراها، لكني قدّمت رؤيتي الداخلية لها. صحيح أنني من مدرسة الهروب، لكنه ليس هروباً كاملاً، وعندما تكون حولنا قتامة وحزن، فهي تظهر في العمل بصورة أو بأخرى، حتى لو أن موضوع العمل في الأصل مبهج وزاهي. في جزء من هذا المعرض، كانت الأعمال تعبّر عما تتعرّض له الطبيعة من انتهاكات، ويختلط فيها إحساس الحزن على الطبيعة، والمآسي التي تحدث حولنا؛ لهذا كان الشجن مسيطراً على الأعمال في المعرض. درست الاقتصاد والعلوم السياسية، وعملت كخبيرة اقتصادية في الأمم المتحدة. كيف جاء قرار التفرّغ للفن؟ حصل ذلك في بداية الثمانينيات، وكان قراراً صعباً استغرق مني ثمانية أشهر ، كي أنهي 11 عاماً من العمل في مجال مختلف تماماً، يختلف عن سنوات الدراسة التسع الأخرى، لكني لا أندم لحظة على هذا القرار، لأني وصلت إلى قناعة، أن الفن هو المجال الذي أحب أن أقضي معه عمري الباقي. ما التحديات التي تواجه الفنانات التشكيليات، وكيف تغيّر المشهد اليوم مقارنة بعقود سابقة؟ أعمل في الفن منذ 45 عاماً، والفنانات المصريات لهن دور رائد في الحركة التشكيلية المصرية، منذ بدايتها في عشرينيات القرن الماضي، ساعدهن في ذلك أن الفن المصري الحديث كان اتجاهاً جديداً اقتحموه مع الرجال في الوقت نفسه، وصادف في هذه المرحلة ظهور حركات تحرّر المرأة التي استفادوا منها. على الجانب الآخر في الغرب، كانت فترة إعادة النظر في أعمال الفنانات الغربيات، بعد سنوات من التمييز ضدهن. وبهذا كانت الظروف مساعدة للفنانات المصريات، وظهرت أعمال جاذبية سري، وعفت ناجي، وإنجي أفلاطون، وتحية حميم وغيرهن، ممن تركن بصمة مؤثرة في الحركة التشكيلية المصرية. عندما عملت في بداية الثمانينيات، كان عدد الفنانات لا بأس به، لكنه انخفض في فترة التسعينيات. ومع بداية الألفية الجديدة، ارتفع عدد الفنانات بشكل ملحوظ، وكثيراً منهن قدّمن أعمالاً مهمة. يستوقفني جداً إلى جانب الرسم، تزايد الفنانات اللواتي يعملن في النحت، وأعمالهن قوية ومعبّرة، علماً أنني ضمن لجنة تحكيم "جائزة آدم حنين للنحت"، فأرى عن قرب قوّة أعمال الفنانات. لديك تجربة فنية مختلفة في رسم رواية "ليالي ألف ليلة" للأديب العالمي نجيب محفوظ، هل يمكن اعتبارها لقاءً بين الأدب والفن؟ هي تجربة مختلفة، والقصة أن دار نشر أميركية متخصّصة بنشر نسخ محدودة من الأعمال الأدبية المميزة، تدعى "Art Books" ويصل طول الكتاب إلى أكثر من 30 سم، اختارت كتاب "ليالي ألف ليلة وليلة" للأديب نجيب محفوظ، وطلبوا مني رسومات للكتاب. كانت المرّة تلك تجربتي الأولى في رسم الكتب، لاقت نجاحاً، صوّرت فيها روح شخصيات الرواية، مثل شهرزاد وشهريار، قدّمتهم بروح المنمنمات العربية القديمة، وكان عددهم 7 لوحات في الكتاب و10 لوحات في مجلد. أصدرت كتاب "المرأة المصرية والإبداع الفني" وهو عبارة عن أرشيف لأعمالك، فهل يجب على الفنان أن يوثّق أعماله بنفسه؟ يضم الكتاب حواراً مع الناقدة مي يني، ودراستان نقديتان للفنان والناقد المصري الراحل عز الدين نجيب، وللشاعر والناقد العراقي فاروق يوسف. الفكرة أن الكتاب يقدّم وجهة نظر الفنان عن عمله، ويمنحه الفرصة لشرح أسلوبه في العمل ووجهة نظره بشكل أكثر دقة وتعبيراً، لأن الناقد عندما يتحدث عن عمل، فهو يحلله كما يراه من خلال تجربته وثقافته، وفي هذه النوعية من الكتب، لا يتمّ شرح كل لوحة، بل روح الفنان نفسه وتوجهاته واستراتيجيته الفنية العامة.


الشرق السعودية
منذ 5 ساعات
- الشرق السعودية
في ذكرى يوسف شاهين: "اليوم السادس".. عن الأرض والسينما والموت والبحر
- مش إحنا اللي راكبين المركب.. الموت هو اللي راكبها - يبقى نتوِّهُه! هكذا يرد أبو نواس، البحّار النيلي العجوز، على شكوى عوكا القرداتي من أن الموت هو المسافر الخفي على سطح المركب، حين يكتشف أن حسن، حفيد صديقة المصاب بالكوليرا، موجود معهم، وأن صدّيقة كذبت بشأن أنه مات مع جده سعيد حين احترق جُحرهم الضيق. في ذكرى رحيله الـ17، ومع اقتراب الاحتفال بمئوية ميلاده في 2026، يمكن أن نعود إلى فيلم "اليوم السادس" الذي أنجزه يوسف شاهين (1926-2008)، ليس فقط كواحد من تجربتين استثنائيتين تخصان الاقتباس المباشر من الأدب – رواية الأرض لعبد الرحمن الشرقاوي التي أنجزها عام 1970، ورواية أندريه شديد التي اقتبسها بنفسه عام 1986 – ولكن كمجاز مكثّف للأسئلة والأفكار التي كانت تراوده في مرحلة فاصلة من رحلته السينمائية، أسئلة العلاقة بين الأرض والموت، وبين صناعة السينما والبحر! الأرض في عام 1954، وبعد عامين من حركة الجيش المصري ضد النظام الملكي ومنظومة الإقطاع، التي رسّخ لها حكم أسرة محمد علي على مدار قرن ونصف، صدرت رواية الأرض للكاتب عبد الرحمن الشرقاوي، التي تدور أحداثها في الريف المصري في ذروة حقبة الإقطاع. وعقب هزيمة نظام عبد الناصر في حرب 1967 وخسارة سيناء، أنجز شاهين فيلماً ملحمياً باقتباس مباشر للكاتب حسن فؤاد عن الرواية الضخمة، انطلاقاً من ردّة فعل وطنية ووجودية تلك التي جسّدها في المشهد الأخير، حين يتشبث بطل الفيلم، محمد أبو سويلم، بأرضه، حافراً بأظافره في طينها الأسود، رافضاً أن ينتزعه أحد منها. وفي عام 1960، تُصدر الكاتبة الفرنسية من أصل لبناني، أندريه شديد، والمولودة في مصر عام 1920، روايتها "اليوم السادس" – أُعيد طبعها في أعوام 1972 و1984 – والتي تدور أحداثها خلال موجة وباء الكوليرا التي ضربت مصر عدة مرات، كان أشدّها عام 1947. وتدور أحداثها حول شخصية "صدّيقة"، الملقبة بـ"أم حسن"، رغم أن حسن حفيدها وليس ابنها، هذه الجدة تمثل روح الأرض المصرية – كما صوّرتها لغة ومجازات الرواية عبر صفحاتها – وهي تتشبث بأمل رهيب أن ينجو ابن بنتها من الوباء الذي أصابه، إذا ما استطاع الصمود حتى ظهيرة اليوم السادس من الإصابة. وفي عام 1986، وعقب إنجازه لفيلم "الوداع يا بونابرت"، الذي انطلق فيه من حدث تاريخي ضخم وهو حملة الاحتلال الفرنسي لمصر أواخر القرن الثامن عشر، يقدِّم شاهين اقتباسه الخاص لرواية شديد، والتي قرأها في فترة مبكرة عقب صدورها، وظل يراوده حلم تحويلها إلى فيلم. لو أردنا أن نمد خطاً واضحاً ما بين روايتي "الأرض" و"اليوم السادس"، فيتوجب علينا أولا النظر إلى تاريخ علاقة أندريه شديد، المولودة في مصر والتي قضت فيها سنوات طفولتها ومراهقتها حتى غادرتها في الأربعينيات. شديد، التي لم تكتب بالعربية، لكنها أطلقت على مصر في أشعارها اسم "الأرض الحبيبة"، حيث تحمل مجموعاتها الشعرية الصادرة في الخمسينيات، قبل صدور روايتها الشهيرة، عناوين الأرض الحبيبة (مصر) (1955)، والأرض والشعر (1956)، والأرض المنظورة (1957). وفي "اليوم السادس"، يبدو حضور الأرض على مستوى المجاز – الخاص بشخصية صديقة، جدة حسن – أو على مستوى اللغة، من تشبيهات واستعارات، حضوراً باذخاً ومنمقاً ودقيقاً لا يمكن المرور دون استشعاره في سياق النص. هكذا يمكن أن نتصور – بجانب أن الحكاية تحتوي على علاقة أثيره في ذهنية شاهين ما بين الأم والابن، وهي ثنائية متكررة في الكثير من أفلامه، سواء بشكلها الأوديبي أو الهاملتي أو حتى الإيزيسي – نقول إننا يمكن أن نتصور لماذا وقع شاهين في حب "اليوم السادس"، وظلت الرواية عالقة في رأسه إلى أن أنجزها في ذروة فاصلة من رحلته السينمائية كما أشرنا. كان جو قد أنجز قبلها جزئين من سيرته الذاتية: إسكندرية ليه؟ (1979) وحدوتة مصرية (1982)، ثم عاد إلى قضايا التحرر والتشبث بطين الوطن والعلاقة مع الآخر في بونابرت1985. ومن بعدها، سوف تصبح مكاشفة الذات أو "سيرة الداخل" تتحرك بالتوازي مع سؤال الأرض والآخر في المرحلة التي تبدأ من "إسكندرية كمان وكمان" – الجزء الثالث من السيرة الذاتية – ثم أفلام "المهاجر" و"المصير" الذي يختم به حقبة التسعينيات، ويحصد بعده سعفة إنجاز العمر من مهرجان كان 1997. "اليوم السادس" رواية تتحدث عن العلاقة مع الأرض – أرض مصر تحديداً – مكتوبة برهافة شعرية خاصة لكاتبة عشقت هذه الأرض، وهي الرهافة التي لا شك لامست علاقة شاهين بسؤال الأرض، ربما من قبل فيلمه الشهير الذي يحمل اسمها - أحداث فيلم الناصر صلاح الدين، الذي أنجزه شاهين عام 1963، تدور حول الدفاع عن أرض أورشليم ضد واحدة من أعتى الحملات الصليبية-. ورغم أن اقتباس شاهين للرواية – بالتعاون مع مساعده حسن الجريتلي – لم يركّز على حضور الأرض بشكل مادي كما في فيلمه السابق عنها، إلا أن الحضور المكثف لعناصر ليست موجودة مادياً في الرواية مثل كراهية الاحتلال الإنجليزي، ومغامرات الطلبة الثوريين، واللغة الحوارية الحادة التي استخدمها لوصف حال مصر في عام 1947 في الفيلم (الإنجليز خرجوا من القاهرة ودخلوا الكوليرا)، كلها تعكس الحضور المجازي والسياسي والوجودي لعنصر الأرض، برؤية شاهينية للأفكار والمجازات التي صاغتها شديد في روايتها، أي أنه أعاد إنتاج عنصر الأرض في الرواية سينمائياً عبر سياقات الشخصيات المضافة والحوار المباشر وتحديد الزمن والحقبة بمختلف ملامحها التاريخية والتي تم تجريدها لصالح مجاز الأرض في رواية شديد. الموت اليوم السادس واحد من أكثر أفلام شاهين تشبعاً بسؤال الموت! تبدأ الرواية في الجزء الأول بزيارة صديقة لبلدتها "بروات"، لا أحد يعرفها ولا يذكرها، ومن يعرفونها يتساءلون: لماذا أتت؟ بينما في خاطر صديقة نسمع أفكارها تتحدث عن موت أختها بالوباء، وعن رغبتها في أن تطمئن أنه لا يزال لها جذور وأصل في مكان ما من الأرض والعالم. عودة صديقة في بداية الرواية – المحكية من وجهة نظر راوٍ لصيق بالشخصية، ليس عليمًا بشكل كلي، ولا هو بصوت صديقة نفسها – ليست من أجل خاطر الأخت المتوفاة فقط، بل كأنها تؤكد لنفسها أنه لا يزال ثمة حياة تتنفس يمكن أن تعود لها من حيث أتت، إذا أرادت أو احتاجت؛ وهو ما سيدفعها في الجزء الثالث لرحلة المركب نحو "بروات" – وهي من قرى البحيرة في دلتا مصر الشمالية – لكي تخفي الطفل المريض، وتستهلك أيام الانتظار الستة في الطريق، وتنجو به من الموت الذي حط عليه شبحه في المدينة الملعونة. وتعتمد الرواية التجريد في الزمن، رغم معرفتنا بالحقبة وتوقيت الوباء، وتنزع الأسماء عن احياء المدينة، وتكتفي بالإشارة إليها على اعتبار أنها "المدينة" فقط. في الفيلم، يبدأ شاهين بسؤال الموت الذي يطارد صديقة. هي قادمة من رحلة القرية، التي يقدمها السيناريو عبر حكيها في عدة مواضع ولا نراها كما في الرواية. تهبط صديقة من العربة التي تقلّها عند المقابر، وهناك، في مشهد ما قبل التيترات، تفاجأ بأطفال يلعبون لعبة "الكوليرا" – وهو مشهد مأخوذ من الرواية بالفعل – حيث يدهن طفل وجهه باللون الأخير صارخاً: "أنا الكوليرا!"، بينما يُصاب به أحدهم، وتأتي مجموعة أخرى تتصنّع أنها "الإسعاف" وتحمل الطفل المصاب – في إرهاصة واضحة لما سوف يحدث لصديقة بعد قليل. تنظر صديقة إلى مجموعة الأطفال وهي تقف وسط المقابر؛ نظرة مَن تنكر إن ما تراه لن يحدث لها أو لمن تحبهم، ولو حدث فلن تسمح أن يأخذ أحدٌ أيًا من أحبتها إلى معسكرات العزل في سيارات الإسعاف الهستيرية. ثم تبدأ التيترات. يظل سؤال الموت يطارد صديقة طوال الوقت! لا يفارقها لا عبر الرواية ولا الفيلم، وبما أن شاهين من أكثر المخرجين في جيله احتفاءً بقيم الحب والتجاذب الروحي والشعور الحميمي بالآخر وجودياً وأثيرياً، فإنه يعمّق الخوف من سؤال الموت عبر نظرات الحب الكثيرة المتبادلة بين الشخصيات، التي لا يكتفي بإعادة تأسيس العلاقة بينهم – وعلى رأسها علاقة الحب بين عوكا، الذي يحمل أوكازيون في الرواية، والجدة صديقة، وهي علاقة من ابتكار شاهين وصياغته العاطفية – لكنه يضيف في اقتباسه السينمائي عدة شخصيات، على رأسها شخصية الرفحي – التي مثلها شاهين نفسه – وهو صاحب السينما المجاورة لجُحر صديقة الضيق، الذي تعيش فيه مع زوجها المشلول سعيد. الرفحي يحب صديقة في صمت، ويحاول أن يقنعها بالعودة معه إلى فلسطين – اسم الرفحي والشال الفلسطيني الذي يرتديه شاهين كفيلان باختصار تاريخ الشخصية ووضعها بالكامل عام 47. وهناك علاقة الحب من طرف واحد، التي تثير لهب عوكا الداخلي، بين صديقة وبين المدرس أو "المعلم" كما يرد في الرواية، والتي يقرأها عوكا في عيون صديقة، حين يتحدث الأستاذ عن رغبته في اصطحابهم إلى الإسكندرية من أجل أن يلتقوا بالعروس التي اختارتها له أمه. من خلال علاقات الحب الجديدة على الشخصيات التي انتقلت من الرواية للفيلم، أو حتى التي أُضيفت عليها، يخلق شاهين إجابته الخاصة على سؤال الموت الذي يطارد الجميع. بداية من المعلم الذي يُصاب بالمرض ويذهب على أمل العودة في اليوم السادس ولا يعود، ثم حسن الصغير الذي يعلق به الوباء في إثر معلمه، مرورًا بسعيد الجد المنتحر – وهي إضافة شاهينية على الشخصية لم ترد في الرواية – على أثر الشعور بالعجز تجاه الحياة نفسها، ليس فقط لأنه مشلول، لكن لأن صديقة هجرته ماديًّا وعاطفيًّا منذ أن خانها في بداية زواجهما، ثم عاد إليها نصف حي، فحملته وانتبذت به حجرتها الضيقة، تخدمه بإخلاص حاد ليعذبه الندم حتى يدفعه إلى إشعال النار في نفسه. الكوليرا في الفيلم كما في الرواية هي ظل الموت الذي يطارد الجميع، لا أحد في منجى منه، حتى الذين يرشدون عن المصابين من أجل المال، مثل الدرويش "أبو النجوم" – الذي قدّمه صلاح السعدني في مشهدين رائعين – والذي يُصاب بالمرض الكامن في النقود التي يأخذها المسعفون من جيوب المصابين ويمنحونها لمن أرشد عنهم! صحيح أن حسن يموت في النهاية – نهاية الفيلم والرواية – وصحيح أن صديقة تتدفّق روحها بشكل مجازي عندما يصلها الخبر في الرواية، بينما تحاول الانتحار في الفيلم عندما تعلم، لكن شاهين يتمكن من الإجابة على سؤال الموت لا بالحياة كما في الرواية، بل بالحب. الحب هو الإجابة على سؤال الموت في سينما يوسف شاهين. فالعلاقة التي نشأت بين عوكا وصديقة، والتي لم ترد في الرواية، والمحبة العميقة التي تجذّرت في داخلهما – بعضها أوديبي من ناحيته مع فارق السن بينهما، وبعضها ذكوري من ناحيتها، حيث ترسّخت لديها محبته بسبب دعمه القوي لها في رحلة الهرب من الموت والشرطة والإسعاف بالطفل المصاب – هذه العلاقة هي التي تُكلل الحياة كإجابة على سؤال الموت في الرواية. إن آخر جملة حوار في الفيلم عند فراق صديقة وعوكا هي: "مسير الحي يتلاقى"، وذلك بعد موت الطفل وصعود صديقة في لقطة من زاوية سفلية لسلم يبدو أنه يرتفع إلى السماء نفسها، إلا أن هذه الجملة تتبعها نظرات الحب المتبادلة، والتلويحة التي تبدو وعدًا بلقاء قريب بين العشاق، هي التي تجعل الإجابة على سؤال الموت ليست فقط في لقائهم مرة أخرى كأحياء، ولكن كعشّاق أيضًا، لتصبح (مسير العشاق يتلاقوا) السينما لا يوجد أثر في الرواية لدار السينما الشعبية التي يمتلكها الرفحي الفلسطيني بجوار حجرة صديقة، هذه الدار التي تعرض ثلاثة أفلام في برنامج واحد – درجة ثالثة بمقاييس ذلك الزمن – والتي نتعرّف على عوكا لأول مرة وهو يخرج منها غاضبًا، شاكياً أن فيلم مغامرات القرصان الذي ينتظره لم يُعرض، رغم احتماله الفيلم المصري "السخيف" من وجهة نظره؛ تضحية أم – بطولة شخصية مُضافة على شخصيات الرواية، وهي الممثلة زينات التي تقدّمها شويكا-. تُذكّرنا السينما الشعبية لصاحبها الرفحي، وجمهورها من الغوغاء وسكان الحي، بسينما أخرى قدّمها شاهين قبل عقد تقريباً في "عودة الابن الضال"، وهي سينما ميت شابورة، لصاحبها طلَبة المدبولي! والذي كان يجلس أمامها "ليلحس الشاشة"، كما يصفه المهرّج المتجوّل. وكلا الشاشتين، شاشة سينما الروكسي لصاحبها الرفحي، وشاشة سينما ميت شابورة لصاحبها طلَبة المدبولي، تصبحان جسر الوصال مع الرغبات العاطفية والمشاعر الدفينة لكلا الشخصيتين. فطلبة يكتشف محبته للمرأة الخشنة المتوحشة من خلال أفلام الويسترن، وهو ما يدفعه للتحرش الدائم بحبيبة أخيه الغائب، حد اغتصابها، من أجل أن تخمشه وتدافع عن نفسها بعنف لتُثيره أكثر. بينما الرفحي، على العكس من طلبة، يكتفي بأن يترك فيلم تضحية أم الذي تحبّه صديقة وتبكي فيه دائمًا متأثرة بالمشهد الأخير – حيث تموت الأم فداءً لابنها، كما تودّ صديقة أن تفعل ولا تستطيع مع حسن – فقط لمجرد أن تظل صديقة تأتي إلى السينما، وتجلس في الظلام، ليسترِق النظر إليها، ثم يدعوها أخيرًا للعودة المستحيلة معه إلى فلسطين! في منتصف الثمانينيات، كانت العلاقة مع السينما قد أصبحت عنصرًا عضويًا وأساسيًا في كل أفلام شاهين. صديقة: إنت حتة كدّاب يا عوكا..عمرك ما شُفت البحر! عوكا: شُفته في السيما صديقة: وأنا زيك... في السيما الاثنان بصوت واحد: ده أنا أموت من غيرها! هكذا يُلخّص شاهين وجه علاقته بالسينما في تلك الفترة بالنسبة له. عوكا في الفيلم غير أوكازيون في الرواية، كلاهما "قَرَداتي"، لكن عوكا الفيلم أكثر من مجرد واشٍ حقير يتحول بشكل إنساني إلى واحد من حواريّي رحلة الأيام الستة كما صورته شديد. في الفيلم، هو كتلة لهب تجذبها أضواء السينما، يعشق جين كيلي ويحاكيه في الرقص (تحت المطره حركة خطرة)، كما يصدح في الأغنية التي كتبها شاهين بنفسه. ورغم أن جين كيلي لم تكن أفلامه معروفة في مصر في الأربعينيات، لكن شاهين لا يلتفت لذلك؛ إنه يصنع عالمه الخاص داخل الفيلم – ويبدو هذا واضحًا بشكل كبير في ديكورات الفيلم التي تبدو ناصعة الافتعال، باغتراب مقصود عن الواقع والواقعية. في أفلام شاهين يُعاد تشكيل الزمن بحسب رؤيته، وبالتالي يلمع نجم جين كيلي ويسعل مخيلة عوكا – الذي يذكرنا هوسه بالسينما بقناع شاهين الأثير "يحيى شكري مراد" في إسكندرية ليه؟، أولى أفلام السيرة الذاتية، مع اعتبار أن محسن محيي الدين هو نفس الممثل للشخصيتين. عوكا هو الوجه الشعبي العابث، المنفلت، صاحب الموهبة المنمّقة عشوائيّاً ليحيى/شاهين نفسه. وهو ليس مجرد فنان شارع يؤدي فقرة "نوم العازب" بمصاحبة قردته روز-مونجا في الرواية- لكنه صاحب مخيّلة سينمائية حقيقية، تشكلت عبر أطياف تسكن رأسه، يُحدّثها ويلاعبها ويستدعيها طوال الوقت، حتى في أكثر لحظاته الحميمية حباً وجنساً وخوفاً من الموت. ويكفي أن نضرب مثلاً بتنكره في هيئة عسكري إنجليزي أشقر من أجل أن يُلقى تحت رجل البرنسيسة، التي تصطاد العساكر بسيارتها الملكية الحمراء. هذه الرغبة المازوخية تبدو مجرد قشرة لرغبته في التمثيل والخروج من شخصيته إلى شخصيات أخرى، لكي يحقق ما يرغب به كل سينمائي في العالم: رواية القصص. أو في قول آخر: (ما سمعتش يا غاب... حدوتة حتتنا) كما صاغها شاهين في أغنية الفيلم. وأخيراً: البحر - والبحر يا محمود؟ - البحر هو آخر ملاذ، من حمورية الناس.. هكذا يعرّف شاهين البحر في أيقونته "الاختيار" 1969، على لسان البحّار محمود، الفنان الحر صاحب كل الخيال الملوّن والمفتوح. يحتاج الحديث عن علاقة شاهين بالبحر إلى دراسة منفصلة، لكنه من المؤكد أن الحضور الصوفي للبحر في الرواية كان واحداً من عناصر الانبهار الروحي والذهني بها. لدينا جدة إيزيسية ترعى حفيداً مريضاً في حجرها الذي ترطّبه بحكايات شعرية عطرة، لتزيح مرارة رائحة الموت الذي يطاردهم بدأب قدري، في رحلة تستغرق ستة أيام باتجاه البحر (الطفل سيرى البحر... قَسماً بالله سيدخل البحر)هكذا يصيح الريس أبو نواس في نهاية الرواية، لكي يطمئن صديقة أن رحلتها لم تذهب سُدى في سبيل أن يرى حسن البحر. مشهد كهذا لا يمكن إلا أن يطارد سينمائيًّا إسكندرانياً يشكل البحر رقعة أسطورية في مخيلته، منذ وعيه وإدراكه. يجسّد شاهين في نهاية الفيلم هذا المشهد الشعري جدًا في الرواية – والمكتوب برمزية شديدة – في تتابع يجعل من عوكا يرفع حسن في القُفّة التي كانت جدته تُخفيه فيها، إلى أعلى صاري المركب كي يرى البحر في ظهيرة اليوم السادس. ولكننا لا نرى البحر، بل نتمثّله، ويحضرنا موجه من عينا الطفل اللتين تذوبان في إغماءة أبدية. لتصبح رؤية البحر، مضافًا إليها قصة الحب المفتوحة بين صديقة وعوكا، وصعود صديقة على السلم السماوي في المشهد الأخير، وتلك التلويحة المقترنة بنظرة العشاق المتواعدين... تصبح كل هذه العناصر هي محصلة الإجابات التي حشدها شاهين في اقتباسه الملهم والمهم لهذه الرواية، والذي يستحق – مثل كثير من تجاربه في مراحل مختلفة – نظرة أخرى غير تلك التي تحشوها حكايات اعتذار الممثلات، واختيار داليدا الغريب، وتُهَم التطبيع، والتمويل الأجنبي، ومسوح الواقعية المفتقدة في فيلم لم يدّعِ صاحبه أنه ينتمي لتيار الواقعية أو لأي تيار آخر، سوى رؤيته الخاصة، وعالمه الخاص والأثير. إن الغلام موجود في كل مكان إنه كائن بالقرب منها وأمامها وفي صوت الرجال وفي قلوبهم إنه لم يمت ولا يمكن أن يموت ويَلوح للسامع، أن الأصوات تُغني... وبين الأرض والغد وبين الأرض وبين هناك لن ينقطع الغناء. (أندريه شديد – خاتمة الرواية) * ناقد فني