
معضلة ضخمة تقترب من نهايتها في جهة الدار البيضاء–سطات
فقد شكّلت الروائح الكريهة والتلوث الناتج عن تدبير غير محكم للنفايات مصدر قلق دائم في عدة أقاليم بالجهة، في ظل فشل المجالس المنتخبة السابقة في إيجاد حلول جذرية ومستدامة لهذه الظاهرة التي وُصفت مرارًا بـ"القنابل البيئية الموقوتة".
وقد أعرب عدد من الفاعلين الحقوقيين في مناسبات متعددة عن غضبهم من استمرار الأوضاع على حالها، محذرين من التداعيات الصحية والبيئية الناجمة عن الاستمرار في تجاهل المشكلة. غير أن المجلس الجهوي الحالي، وفي خطوة وُصفت بالجريئة والمهيكلة، قرر التعامل مع الملف من زاوية التخطيط الاستراتيجي، من خلال مشروع بيئي متكامل يستهدف معالجة أصل الأزمة بدل الاكتفاء بالحلول الترقيعية.
ففي دورته العادية المنعقدة يوم 7 يوليوز الجاري، صادق مجلس جهة الدار البيضاء–سطات على واحد من أضخم البرامج البيئية في تاريخ الجهة، والرامي إلى إعادة هيكلة تدبير النفايات بشكل شمولي.
البرنامج، الذي سيمتد على مدى عشر سنوات من 2025 إلى 2034، يهدف إلى إنشاء مراكز متقدمة لطمر وتثمين النفايات وفق أحدث المعايير التقنية والبيئية، مع إغلاق شامل للمطارح العشوائية المنتشرة في عدد من الأقاليم التابعة للجهة.
وتبلغ الكلفة الإجمالية لهذا المشروع ما مجموعه 18,455 مليار درهم، من بينها مساهمة مباشرة من مجلس الجهة تناهز 1,650 مليار درهم.
ويعتمد البرنامج على شقين أساسيين: الأول يتعلق بإحداث خمس مراكز جديدة لفرز وتثمين النفايات، فيما يركز الشق الثاني على إغلاق وتأهيل 16 مطرحًا عشوائيًا كانت تشكل بؤرًا بيئية سوداء.
فيما يخص المراكز الجديدة، فإن الغلاف المالي المخصص لهذا المحور يبلغ 18,179 مليار درهم، تشارك فيه الجهة بـ 1,623 مليار درهم. وقد تم تحديد المواقع الخمسة لإنشاء هذه المراكز وفقًا لأولويات بيئية وجغرافية، حيث سيتم إنشاء مركز كبير بمديونة بميزانية ضخمة تبلغ 18 مليار درهم، إضافة إلى مركز بالجديدة بتكلفة 110 ملايين درهم، وآخر بالمحمدية بكلفة 37,5 مليون درهم، إلى جانب مركز بسيدي بنور بكلفة 14,8 مليون درهم، وأخيرًا وحدة للمعالجة بمدينة برشيد بتكلفة 16,4 مليون درهم.
أما بخصوص المحور الثاني من البرنامج، المتعلق بإغلاق وتأهيل المطارح العشوائية، فقد تم رصد ميزانية قدرها 276 مليون درهم، تساهم الجهة فيها بـ 27 مليون درهم.
ويتوزع هذا التدخل على خمس أقاليم، تشمل سطات بـ 5 مطارح، والجديدة بـ 5 مطارح أيضًا، فيما سيتم إغلاق مطرحين بكل من برشيد، وسيدي بنور، وبن سليمان، وهو ما يعكس اتساع رقعة التدخل الميداني التي سيغطيها البرنامج.
ويُنتظر أن يُنفذ هذا البرنامج ضمن شراكة استراتيجية تجمع بين وزارة الداخلية، وزارة الاقتصاد والمالية، وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ولاية جهة الدار البيضاء–سطات، والمجلس الجهوي.
هذه التركيبة التشاركية تهدف إلى ضمان التمويل والتتبع والتقييم المؤسساتي الدقيق، وهو ما يُعزز فرص نجاح المشروع على المدى البعيد، خاصة في ظل تعقيد منظومة تدبير النفايات وتعدد المتدخلين فيها.
وتعكس المصادقة على هذا البرنامج التحول الحاصل في أولويات الجهة، والتي باتت تولي أهمية متزايدة للملفات البيئية ذات الصلة بجودة الحياة، بعد سنوات من التركيز على البنيات التحتية والتنمية الاقتصادية.
ويُراهن على هذا المشروع لإحداث تحول نوعي في تدبير ملف النفايات، عبر خلق وحدات متخصصة تعتمد على الفرز والمعالجة والتثمين، بما يتماشى مع التوجهات الوطنية والدولية الرامية إلى تقليص حجم النفايات المدفونة وتحقيق الاستدامة البيئية.
كما ينتظر من هذا البرنامج أن يساهم في خلق مناصب شغل جديدة وتحسين ظروف العمل في قطاع جمع وتدبير النفايات، فضلًا عن تحفيز الاستثمارات في مجالات الاقتصاد الأخضر، بما فيها إعادة التدوير والطاقة من النفايات.
وسيُشكل المشروع، في حال تنزيله الفعلي وفق الجدولة الزمنية المحددة، نموذجًا يحتذى به في باقي الجهات، خاصة تلك التي تعاني من تراكمات مماثلة.
في ظل هذا المسار الجديد، يأمل سكان الجهة أن يتم الالتزام الصارم بالمواصفات التقنية والمواعيد الزمنية للمشروع، وأن يُرفق بورشات توعوية وتحسيسية تشمل المواطنين والجماعات الترابية والفاعلين المحليين، من أجل ضمان انخراط الجميع في تحقيق هذا التحول البيئي.
ذلك أن نجاح المشروع لا يرتبط فقط بالبنيات التحتية، بل أيضًا بالوعي الجماعي بأهمية الحفاظ على البيئة كجزء لا يتجزأ من تحقيق التنمية الشاملة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


هبة بريس
منذ 2 ساعات
- هبة بريس
إرتفاع أسعار اللحوم الحمراء في الأسوق المغربية
هبة بريس – الشاهد صابر صحفي متدرب رغم التدخلات الحكومية الرامية إلى ضبط السوق واستقرار الأسعار، لا تزال أسعار اللحوم الحمراء في المغرب تُسجل مستويات مرتفعة خلال شهر يوليوز الجاري، مُكرِّسة بذلك حالة 'الاستقرار على وقع الغلاء' التي أصبحت سمة بارزة لهذا القطاع منذ أشهر، باستثناء الانخفاض المؤقت الذي عرفته خلال الفترة السابقة لعيد الأضحى. وفي جولة بسيطة في الأسواق ومحلات الجزارة قامت بها 'هبة بريس' صباحا، يلاحظ استمرار ارتفاع أسعار اللحوم دون تغيّر يُذكر. إذ لا يزال سعر الكيلوغرام الواحد من لحم الغنم 'الجيكو' يتجاوز 120 درهمًا، بينما يُباع لحم الخروف والعجل بالتقسيط بحوالي 110 دراهم للكيلوغرام. وتتراوح أسعار أصناف مثل 'الكفتة' و'الهبرة' و'الصوصيص' بين 120 و130 درهمًا، ما يعكس ارتفاعًا عامًا في أسعار اللحوم بجميع أنواعها. وفي ظل هذه الأوضاع، يؤكد مهنيون لـ 'هبة بريس' أن الطلب على اللحوم الحمراء لا يزال ضعيفًا، حيث لم تُسجل الأسواق أي انتعاشة تُذكر رغم حلول فصل الصيف، الذي يُفترض أن يشهد نشاطًا بفعل المناسبات الاجتماعية كحفلات الزواج والعقيقة. ويبدو أن المستهلك المغربي، خصوصًا من الفئة المتوسطة، بدأ يتكيف مع هذا الواقع المفروض، ولم يعد يُظهر احتجاجًا كبيرًا كما في السابق. ويشير متابعون للوضع داخل المجازر الجهوية إلى أن أسعار البيع بالجملة لا تزال بدورها مرتفعة، حيث تُراوح أثمان لحم العجل بين 90 و100 درهم، بينما يُباع لحم الغنم بالجملة بما لا يقل عن 110 دراهم للكيلوغرام، في حين تصل أسعار بعض الأعضاء مثل الكبد إلى 120 درهمًا. ويتحدث العاملون في القطاع عن تنوّع في المعروض، بين اللحوم المحلية وتلك المستوردة من الخارج، إلا أن تفضيل المستهلكين لا يزال يميل بوضوح نحو اللحوم المحلية، سواء من حيث الجودة أو الطعم. أما اللحوم المستوردة، فرغم محاولة البعض تسويقها كبديل أرخص، إلا أنها لم تلقَ إقبالًا واسعًا، خاصة تلك القادمة من دول أمريكا اللاتينية، التي تُوصف بأنها أقل جودة.


مراكش الإخبارية
منذ 2 ساعات
- مراكش الإخبارية
إيرادات المغرب من السفر تفوق 45 مليار درهم في الأشهر الخمسة الأولى من 2025
بلغت إيرادات المملكة المغربية من السفر ما يفوق 45,1 مليار درهم خلال الأشهر الخمسة الأولى من السنة الجارية، بنمو تصل نسبته إلى 8.5 بالمائة بالمقارنة مع نفس الفترة من سنة 2024 (زيادة 3,5 مليار درهم)، وفق الإحصائيات الواردة في النشرة الأخيرة لمكتب الصرف حول المؤشرات الشهرية للمبادلات الخارجية. أما نفقات السفر فقد ارتفعت لتناهز 13,3 مليار درهم، مسجلة ارتفاعا بنسبة 7,3 بالمائة على أساس سنوي، وبذلك تجاوز رصيد ميزان السفر 31,8 مليار درهم عند متم ماي الماضي، مسجلا تحسنا بنسبة 9 في المائة مقارنة بنهاية ماي 2024. وتجدر الإشارة إلى أن إيرادات السفر في سنة 2024 (من فاتح يناير إلى متم دجنبر)، بلغت ما مجموعه 112.48 مليار درهم، بزيادة بلغت 7.5 بالمائة مقارنة مع سنة 2023 التي سجلت 104.67 مليار درهم.


أخبارنا
منذ 2 ساعات
- أخبارنا
البيض يُلهب جيوب المغاربة في عز الصيف واتهامات للوسطاء بفرض زيادات غير مبررة
تفاجأ المغاربة خلال الأيام الأخيرة بارتفاع صاروخي في أسعار البيض بمختلف الأسواق، حيث تجاوز ثمن البيضة الواحدة 1.50 درهم، في حين لا يتعدى سعرها الحقيقي في الضيعات 1.15 درهم فقط، مما فجّر موجة من التساؤلات والاستياء وسط المستهلكين. ورغم أن فصل الصيف يُسجل عادة انخفاضًا في استهلاك البيض، فإن الأسعار واصلت الارتفاع، في مشهد وُصف بـ"غير المفهوم" و"المضارب فيه". خبراء القطاع عزوا هذه الزيادات إلى عوامل مناخية واقتصادية، على رأسها موجة الحر التي ضربت مناطق واسعة من المملكة، والتي تسببت في تراجع كبير في إنتاج البيض، بسبب توقف الدجاج عن تناول الأعلاف بشكل طبيعي، واعتماده على كميات كبيرة من الماء، ما انعكس سلبًا على قدرته الإنتاجية. وإلى جانب التغيرات المناخية، لا تزال تكاليف الإنتاج تثقل كاهل المربين، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الأعلاف، الكهرباء، والنقل، وهو ما دفع العديد منهم إلى بيع البيض في فترات سابقة بأقل من كلفة الإنتاج، ما أدى إلى خسائر متتالية. لكن المفارقة الكبرى، حسب مهنيين، تكمن في تدخل الوسطاء والمضاربين الذين استغلوا الظرفية لرفع الأسعار بشكل غير مبرر، تحت غطاء 'حرية السوق'، محققين بذلك أرباحًا مضاعفة تفوق ما يجنيه المنتج نفسه. أمام هذا الوضع غير المتوازن، يعيش المواطن والمربي معاناة مزدوجة؛ فالأول يدفع الثمن باهظًا في الأسواق، والثاني يُصارع من أجل تغطية كلفة الإنتاج، دون أن يجني أرباحًا تُذكر. ويأمل المغاربة أن تساهم نهاية موجة الحر في تراجع الأسعار خلال الأيام المقبلة، كما يطالبون بتدخل عاجل من الجهات المعنية لضبط السوق وردع المضاربات، التي تحوّلت إلى سلوك متكرر ينهك القدرة الشرائية للمواطنين في مختلف القطاعات.