
في ظل الهجوم على أول مرشح مسلم لعمدة نيويورك ما تأثير والديه على أفكاره؟
نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرين تناولت في أولهما الهجمات المحمومة من اليمين الأميركي المتطرف ضد "اليساري المسلم" زهران ممداني ، الذي فاز بترشيح الحزب الديمقراطي لخوض الانتخابات العامة المرتقبة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لاختيار عمدة جديد لمدينة نيويورك.
وتطرق التقرير الثاني إلى مدى تأثير والدي ممداني في تشكيل آرائه السياسية، وما إذا كانا يتوقعان أن يأتي يوم يصبح فيه نجلهما عمدة لأكبر مدينة في الولايات المتحدة.
وذكرت الصحيفة في تقريرها الأول أن زهران ممداني -وهو أول مسلم يترشح لمنصب عمدة نيويورك عن الحزب الديمقراطي- بات هدفا للهجمات العنصرية من اليمين المتطرف، حتى قبل فوزه الأخير.
وأضافت أن تلك الهجمات اشتدت بعد إعلان نتائج التصويت يوم الثلاثاء، إذ اتهمه مسؤولو الحزب الجمهوري المنتخبون والشخصيات الإعلامية اليمينية بالترويج للشريعة الإسلامية ودعم "الإرهاب" وتشكيل تهديد لسلامة سكان نيويورك، خاصة اليهود منهم.
وأوردت الصحيفة أن ستيفن ميلر، مهندس سياسات الهجرة في إدارة الرئيس دونالد ترامب ، وصف فوز ممداني الكاسح بأنه "أوضح تحذير حتى الآن لما يحدث للمجتمع عندما يفشل في السيطرة على الهجرة".
وذهب أندي أوغليز، العضو الجمهوري في مجلس النواب عن ولاية تينيسي، إلى أبعد من ذلك متهما ممداني (33 عاما) بدعم "الإرهابيين"، وطلب من المدعية العامة للولايات المتحدة بام بوندي تجريده من جنسيته وترحيله.
وتضمنت الهجمات على ممداني -الذي سيصبح في حال انتخابه، أول عمدة مسلم لمدينة نيويورك- عبارات معادية للإسلام والمهاجرين.
ويعتقد البعض أن هذه الاتهامات ترديد لنظرية "الأخ الأكبر" التآمرية التي ظل ترامب يروج لها لسنوات قبل انتخابه رئيسا، عندما ادعى زورا -حسب نيويورك تايمز- أن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما مسلم ومولود في كينيا.
وتقول الصحيفة إن أوباما مسيحي وُلد في هاواي، بينما ممداني مسلم مولود في أوغندا لأبوين هنديين، وترى أن الانتقادات اللاذعة الموجهة إلى ممداني تهدف إلى تصويره كشخصية غامضة وخطيرة لا تشبه المرشح نفسه.
دعم محلي
وطبقا للتقرير، فإن ممداني فاز في الأحياء التي تضم عددا أكبر من السكان ذوي الدخل المرتفع والمتوسط، ومثلهم من خريجي الجامعات، ومن السكان البيض والآسيويين وذوي الأصول الإسبانية.
ونقلت الصحيفة عن براندون مانسيلا، المدير الإقليمي لنقابة عمال السيارات المتحدة، القول إنهم في النقابة أيدوا زهران "لأننا كنا نعلم أنه يستطيع التحدث إلى سكان نيويورك العاديين"، واصفا الهجمات ضده بأنها "حقيرة ومخيبة للآمال، لكنها متوقعة في ظل المناخ السياسي السائد في هذا البلد الآن".
ومن جانبه، أعرب عابد أيوب، المدير التنفيذي الوطني للجنة الأميركية العربية لمناهضة التمييز، عن اعتقاده بأن "الذعر العنصري" إزاء نجاح ممداني يشير إلى التهديد الذي يشكّله على المؤسسة من كلا الجانبين.
وفي تحليلها للبيانات التي جمعتها، خلصت نيويورك تايمز إلى أن العوامل التي ساعدت ممداني على استمالة الناخبين المتنوعين جغرافيا وديموغرافيا إلى جانبه، تمثلت في سياساته اليسارية وأسلوبه المتفائل، بالإضافة إلى توق الناخبين إلى التغيير بعد أن سئموا من منافسه الرئيسي أندرو كومو حاكم نيويورك السابق.
خلفية والديه
وفي تقرير ثانٍ، قالت الصحيفة إن ترشح زهران ممداني لخوض الانتخابات التمهيدية كان مفاجئا لوالديه مثلما باغت المؤسسة السياسية في البلاد.
وأضافت أن والديه اللذين اعتادا على الأضواء -حيث تعمل أمه مخرجة سينمائية مرشحة لنيل جائزة الأوسكار، وأبوه استاذا في جامعة كولومبيا – لم يكن أي منهما يتوقع أن يكون قريبا لهذه الدرجة من أروقة السلطة.
وحسب الصحيفة، ينسب زهران الفضل لوالديه في توفير "تربية متميزة" له تضمنت نقاشات مستمرة حول السياسة والشؤون العالمية. لكن في هذه اللحظة التي تشهد خلافات سياسية حادة حول الصراع في الشرق الأوسط، فإن آراء والديه الناقدة لإسرائيل وعمل والده الأكاديمي المختص بالاستعمار الاستيطاني وحقوق الإنسان قد يجعلهما هدفا لهجمات اليمين.
ونقلت عن محمود ممداني (79 عاما)، والد زهران وأستاذ الشؤون الدولية والأنثروبولوجيا الشهير، وصفه للإسرائيليين في بعض كتاباته، بالصهاينة الظالمين، وألقى العام الماضي محاضرات في مخيمات الاعتصام التي نصبها الطلاب في حرم جامعة كولومبيا احتجاجا على الحرب على غزة، منتقدا تعامل الجامعة مع التظاهرات.
وانتقد ابنه أيضا إسرائيل ومعاملتها للفلسطينيين، وهو ما أثار اتهامات بمعاداة السامية التي يرفضها بشدة.
صدى العائلة
ورغم ذلك، ينفى الوالدان أي تأثير لهما على أفكار ابنهما السياسية، فقد أكدا أن زهران -وهو اشتراكي ديمقراطي- أن زهران لم يلجأ إليهما طلبا للمشورة السياسية. لكن الصحيفة تتوقع أن يجد الوالدان نفسيهما منجذبين الآن إلى حملته الانتخابية.
وفي مقابلة أُجريت معه، اختلف محمود ممداني والسيدة ناير حول مدى تأثير عملهما على رؤية ابنهما للعالم. فقد وصف الوالد ابنه بأنه "شخص مستقل بذاته، وأن ما نفعله تجاهه الآن كوالدين هو جزء من البيئة التي نشأ فيها، ولا يسعه إلا أن يتفاعل معها. وهذا لا يعني أن أي شيء يعود إلينا".
لكن والدته ميرا ناير (67 عاما) لا تتفق مع زوجها في رأيه إذ تقول "بالطبع، إن العالم الذي نعيش فيه وما نكتبه ونصوره ونفكر فيه هو العالم الذي استوعبه زهران كثيرا".
تجدر الإشارة إلى أن ممداني سيواجه في الانتخابات العامة المزمع إجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الجاري عددا من المرشحين، أبرزهم الجمهوري كورتيس سليوا، والمستقل جيم والدن، إضافة إلى العمدة الحالي إيريك آدامز، في حين لا يستبعد بعضهم عودة أندرو كومو مستقلا، وهو ما قد يؤدي إلى انقسام أصوات الديمقراطيين وتقليص فرص ممداني، حسب مراسل الجزيرة نت في واشنطن محمد المنشاوي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
بول دانز مهندس الثورة الإدارية الأميركية ومنظر "الترامبية" الجديدة
في إحدى ليالي يوليو/تموز 2024، خرج بول دانز من مقر مؤسسة "هيريتيج" في واشنطن، يحمل مقتنياته الشخصية، بعد أن فُرضت عليه الاستقالة تحت ضغط حملة ترامب الرئاسية. بدا ذلك خاتمةً لمسيرة قصيرة ومثيرة في أروقة اليمين الأميركي. لكن في الحقيقة، كان الرجل قد زرع بذوره عميقا، وها هي تنبت بسرعة غير مسبوقة. ففي الشهور التالية، عادت ملامح مشروعه الذي حمل اسم "تفويض القيادة 2025" تتجلى في العديد من قرارات إدارة ترامب الثانية، وأصبح بول دانز أحد أكثر الرجال تأثيرا في واشنطن دون أن يكون له منصب رسمي. يحاول هذا المقال تفكيك شخصية دانز، وقراءة مسيرته الفكرية والمهنية، وتحليل المشروع الذي قاده، واللحظة السياسية الأوسع التي جعلت منه رمزا لتحوُّل راديكالي في الدولة الأميركية. من جذور ليبرالية إلى حامل لواء ثورة المحافظين في زمنٍ تربعت فيه الليبرالية في أميركا، وُلد بول دانز قبل أقل من ستين عاما في قلب عائلة تُجسِّد نموذج النخبة العلمية الليبرالية. والده بيتر طبيب بارز من أصول إسبانية، وأستاذ جامعي في كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز. والدته كوليت ليزوت تنحدر من أصول كندية فرنسية، وعملت مُعلمة لغة فرنسية وعالِمة كيمياء، أمضت سنواتها الأولى في المعاهد الوطنية للصحة قبل أن تتجه إلى التعليم. ولم يكن في الأفق ما ينبئ بأن أحد أبنائهم سيتحوّل إلى رأس حربة في معركة تهدف إلى تقويض الدولة الليبرالية التي استفادوا منها، بحسب ما يرى ناقدوه. كان دانز في شبابه شغوفا بالمحاججة، وأحبَّ التاريخ الأميركي، وبدأ في طرح تساؤلات غير مألوفة عن سلطة الدولة ودور المواطن، وتأثر بنزعة نخبوية محافظة ترى أن أميركا انحرفت عن مبادئها الأصلية. والتحق بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لدراسة الاقتصاد، حيث حصل على درجة الماجستير في تخطيط المدن، وتناولت أطروحته إعادة تطوير المناطق الصناعية في أحواض السفن، وخلال الدراسة تعرّف على زملاء من جمعية الطلاب الجمهوريين، ووصف لاحقا تلك المرحلة بأنها "سنوات التشكل الفكري". ثم التحق بكلية الحقوق بجامعة فيرجينيا للحصول على دكتوراه مهنية، وانضم إلى جمعية الفيدراليين، وشارك في نقاشات حول كيف يمكن للقانون أن يعيد صياغة دور الدولة، وليس فقط تنظيمها. دانز لم يكن فقط قارئا نهما، بل كان متحدثا لبقا يدمج بين الصرامة القانونية والخطابة المقنعة. كتب مقالات نقدية في مجلة القانون بجامعة فيرجينيا حول "التضخم البيروقراطي"، و"انفلات الهيئات المستقلة"، محذِّرا من ميل النظام الإداري للتحول إلى طبقة حاكمة. هذه الأفكار لم تكن شائعة آنذاك، لكنها ستُشكِّل لاحقا جوهر فلسفته في إدارة الدولة. عمل دانز في بداية حياته المهنية في مكاتب محاماة كبرى في نيويورك، حيث ترافع عن شركات نفطية مثل شيفرون ضد دعاوى بيئية، ما أكسبه صيتا في أوساط الجمهوريين بوصفه مدافعا عن السوق الحرة. لكنه سرعان ما شعر بالضيق من ثقافة الشركات الكبرى، التي وصفها لاحقا بأنها "ليبرالية في القيم، انتهازية في الاقتصاد". لقد جمع دانز بين خصائص متناقضة: ثقافة قانونية نخبوية، وخلفية محافظة عائلية من الطبقة الوسطى، وتجربة في القطاع الخاص، واحتكاك مبكر بالصراعات الأيديولوجية في الجامعات، وجعله ذلك يتبنى موقفا نقديا من الليبرالية الأميركية. وفي عام 2012، أنشأ مكتبه الخاص في تشارلستون بولاية ساوث كارولينا، واندمج في الحياة السياسية المحلية، وبدأ يقدم نفسه بصفته مستشارا قانونيا للمرشحين المحافظين، وكانت رسالته واضحة: "لن نحكم حتى نحرر المؤسسات من داخلها". من هامش الإدارة إلى مفصل السلطة مع صعود ترامب، وجد دانز ضالّته في شخصية الرئيس الجمهوري الجديد. فكتب أوراقا خلف الكواليس تُناقش كيف يمكن للرئيس استخدام سلطاته في التعيين والفصل بهدف التغلب على مقاومة الدولة العميقة، وظل يُراسل البيت الأبيض بعروض للمساعدة. لم يُستجب له أولا، لكن سنحت له فرصة في أواخر عام 2018، حين حضر في واشنطن اجتماعا للجمعية الفيدرالية، وتعرف على جيمس بيكون، الذي كان يعمل آنذاك مساعدا لوزير الإسكان والتنمية الحضرية. بمساعدة بيكون، انضم دانز في يوليو/تموز 2019 إلى مكتب التخطيط والتنمية المجتمعية التابع لوزارة الإسكان والتنمية الحضرية ليعمل مستشارا أول، وأتاح له عمله الجديد فرصة مراقبة آلية صنع القرار من موقع قريب، دون أن يكون جزءا من الصراعات الدائرة بين صقور الإدارة. وأظهر التزاما بتنفيذ أجندة ترامب دون صخب، ما أكسبه ثقة بعض رموز الجناح المحافظ. ومع ترقي بيكون للعمل في مكتب شؤون الموظفين الرئاسي أخذ معه دانز، الذي أصبح بحلول فبراير/شباط 2020 ضابط الاتصال بين البيت الأبيض ومكتب إدارة شؤون الموظفين الذي يشرف على إدارة الموارد البشرية للحكومة الفدرالية بأكملها، ويحدد قواعد التوظيف والتدريب والتقييم والتأديب لنحو مليونَيْ موظف فيدرالي. هذا الموقع مَكَّن دانز من اكتشاف ما اعتبره "الصدع الرئيسي" في جسد الدولة، وأدرك أن الصراع لا يدور فقط حول السياسات، بل حول مَن يُنفذها. اعتبر دانز أن مكتب شؤون الموظفين ذاته، مثل غيره من البيروقراطيات، قد تحوّل إلى حصن يعوق الإرادة السياسية للبيت الأبيض، ويضع طبقة من الحماية حول موظفين يتبنون توجهات ليبرالية، ويستخدمون سلطتهم لفرملة السياسات الجمهورية. بدأ يطّلع على البيانات الداخلية، واكتشف أن تعيين موظفين موالين للرئيس يصطدم بسلسلة طويلة من الإجراءات التي تتحكم بها لجان داخلية، وأن حتى ترقية موظف أو فصله قد يستغرق شهورا أو يعرقله القادة الإداريون داخل الوكالات الحكومية. ورأى دانز أن هذه البنية ليست مصادفة، بل نتاج عقود من التشريعات والقرارات التنفيذية التي تعزز استقلال الخدمة المدنية وتقيّد سلطات الرئيس. كانت قناعته أن هذه المنظومة نشأت من عقلية تكنوقراطية ترى في نفسها حامية للدولة من تقلبات السياسة. لكن من وجهة نظره أن ذلك يخلق دولة بلا مساءلة، حيث يفوز رئيس بالانتخابات ولا يستطيع تنفيذ سياساته. كان رد فعل دانز جريئا، إذ قدّم مقترحا بإعادة تصنيف فئات وظيفية عليا ضمن جدول جديد يُعرف باسم "الجدول F"، يسمح بإخراج هؤلاء الموظفين من نظام الحماية الإدارية، وتحويل تصنيفهم إلى مناصب سياسية قابلة للتبديل. كان التقدير الأولي أن نحو 50 ألف موظف قد يخضعون لهذا التصنيف، ما يمكّن الرئيس من تطهير الوكالات التنفيذية من معارضيه، أو على الأقل من أولئك الذين لا يؤمنون بأجندته. ولم يكتفِ دانز بإعداد المقترح، بل دفع نحو تنفيذه. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020، قبل أسابيع معدودة من الانتخابات الرئاسية، وقّع الرئيس ترامب على أمر تنفيذي بإنشاء "الجدول F"، ورغم أن إدارة بايدن ألغته لاحقا، فإن دانز اعتبر أن الفكرة وُلدت ولا رجعة عنها. كذلك خلال إدارة ترامب الأولى، بنى دانز شبكة من المتعاونين داخل وكالات مختلفة، وجمع تقارير عن مدى مقاومة بعض الدوائر لسياسات الرئيس، خاصة في مجالات الهجرة، وتنظيم البيئة، والتعليم. بدأ يبلور رؤيته لمشروع يعيد تشكيل آليات تعيين وتدريب موظفي الدولة بالكامل، واعتبر أن تصحيح المسار يتطلب ثورة تنظيمية لا مجرد إصلاح إداري. وتبلورت لديه الفكرة المؤسسة لمشروعه الكبير؛ الموظفون هم السياسة، والسلطة تنبع من وجود الأشخاص المناسبين في الوظائف المناسبة. مشروع أميركا 2025 اعتبر بول دانز أن التجربة القصيرة التي قضاها في مكتب إدارة شؤون الموظفين لم تكن نهاية المطاف، بل بداية إدراك عميق لمشكلة أوسع، وهي أن الرئيس القادم، حتى لو كان جمهوريا، لن يتمكن من الحكم إذا لم يسبق وصوله خطة متكاملة لتطويع الدولة وتوجيهها. ولذا، بدأ بعد خروجه من إدارة ترامب الأولى في البحث عن منصة فكرية وتنظيمية تُمكِّنه من تحويل هذا الإدراك إلى مشروع عملي. وجد ضالّته في مؤسسة "هيريتيج"، واقترح على قيادتها تبني مبادرة تهدف إلى إعادة بناء الدولة الأميركية. لم يكن المشروع مَعنيا فقط بوضع السياسات، بل بتحديد مَن سيُطبِّقها، وكيف، وبأي أدوات. وهكذا وُلد مشروع "تفويض القيادة 2025" بوصفه منصة تنفيذية أيديولوجية. وفي يناير/كانون الثاني 2023، اجتمع 15 شخصا لمدة ثلاثة أيام في مؤسسة "هيريتيج"، للبدء في بناء الإدارة الجمهورية القادمة، أي قبل عامين من تولي الرئيس الجمهوري منصبه مجددا. كان هدف دانز واضحا: إنشاء إدارة مستعدة مسبقا، لا تُكرر أخطاء 2016، حين فاز ترامب دون أن يمتلك طاقما مؤهلا. أراد أن يتحول المشروع إلى "لينكد إن المحافظين"، وأن يُشكِّل ما يشبه جيشا من الكوادر العقائدية التي تسيطر على الدولة من الداخل. احتوى المشروع أربعة مكونات رئيسية: وثيقة سياسات: تألفت من أكثر من 900 صفحة، وأشرف على كتابتها نحو 400 خبير وباحث. وقد تناولت مجالات حكومية متنوعة، من وزارة العدل إلى التعليم، ومن السياسة الخارجية إلى الموازنات، مع توصيات تفصيلية حول ما يجب فعله في كل مؤسسة بدءا من اليوم الأول. قاعدة بيانات للمرشحين: أنشأ الفريق ما يُشبه بنك كفاءات يضم أكثر من 10,000 اسم، جُمعت من شبكات المحافظين. وخضع كل مرشح بجوار مهاراته لاختبارات أيديولوجية، وسُئل عن مواقفه من قضايا مثل الإجهاض، والتحول الجنسي، والولاء لترامب، بل وحتى موقفه من الانتخابات الرئاسية لعام 2020. أكاديمية القيادة المحافظة: أُنشئت برامج تدريبية قصيرة للمرشحين، لتلقينهم أسس "القيادة التنفيذية المحافظة"، مع دروس في استخدام سلطات الطوارئ، وفهم النظام الإداري، وكيفية مجابهة مقاومة البيروقراطية من الداخل. خطط تنفيذية مفصلة: لكل وكالة حكومية، وُضعت خطة تتضمن اليوم الأول، والأسبوع الأول، وأول 100 يوم، مع سيناريوهات جاهزة لمواجهة المعارضات القانونية أو الإعلامية. طموح المشروع لم يكن خفيا. فقد كتب دانز في مقدمة المشروع أن الغاية ليست مجرد تقديم توصيات، بل إعداد جيش إداري محافظ جاهز لتولّي مفاصل الدولة عند اللحظة الحاسمة. وقد وُصف المشروع في الصحافة الأميركية بأنه "أطلس انقلابي إداري"، مُصمَّم للاستيلاء على السلطة بطريقة قانونية، لكنه جذري في جوهره. في مقابلات إعلامية، أقرَّ دانز بأنه استلهم النموذج من خطة روزفلت في الثلاثينيات، التي نقلت البلاد نحو الدولة الاجتماعية الحديثة التي تقوم على هيمنة النخبة البيروقراطية وافتراض أن الشعب غير مؤهل لحكم نفسه، لكنه أراد عكسها عبر تفكيك الدولة الحديثة والعودة إلى ما يعتبره الفلسفة الأصلية للجمهورية الأميركية القائمة على إرادة الناخبين، وذلك عبر إلغاء وزارات كاملة مثل التعليم والطاقة والأمن الداخلي، وإخضاع الهيئات الحكومية المستقلة للبيت الأبيض، وتطهير الخدمة المدنية من غير الموالين، وتعزيز الدور الديني المسيحي في التشريع والسياسة العامة. عمل دانز في قلب هذه العملية، بصفته مدير المشروع، فتنقل بين ورش العمل، وأشرف على صياغة المعايير، وأكد في كل مناسبة أن هذا ليس مجرد تمرين فكري، بل خطة تعبئة سياسية وإدارية كاملة. وبذلك تحوّل المشروع من وثيقة على الورق إلى ماكينة تعيين وتدريب وتوجيه أيديولوجي، تهدف إلى بناء طبقة بيروقراطية محافظة تحل محل الطبقة الحالية. وفي عام 2022، أطلق دانز مشروع "تفويض القيادة 2025" من داخل مؤسسة "هيريتيج"، بدعم من رئيسها كيفن روبرتس. السقوط الخادع مع اقتراب الانتخابات الرئاسية لعام 2024، بدأت حملة دونالد ترامب تدرك أن ارتباطها الوثيق بمشروع 2025 قد يُشكِّل عبئا انتخابيا. فقد بدأت وسائل الإعلام الرئيسية بتسليط الضوء على المشروع باعتباره انقلابا بيروقراطيا مغلفا بالشرعية، هدفه إنشاء دولة سلطوية يمينية. وكثرت المقارنات بين مشروع 2025 وأجندات الأنظمة الاستبدادية التي تستخدم الأدوات الإدارية لتصفية الخصوم. في هذا السياق، قررت حملة ترامب النأي بنفسها علنا عن المشروع. بدأت التصريحات تتوالى من المتحدثين باسم الحملة بأن الرئيس لا يعرف تفاصيل المشروع، ولم يشارك في صياغته، وأن "البيت الأبيض وحده هو مَن يضع السياسات". وزعم ترامب نفسه مرارا أنه لم يقرأ مشروع 2025، وأنه لا يعرف مَن يقف وراءه. ويبدو أن الهدف من هذه التصريحات كما أوردت أكثر من صحيفة أميركية هو امتصاص الانتقادات، خاصة من الناخبين المعتدلين والمستقلين، الذين أبدوا قلقا من الأفكار الجامحة الواردة في المشروع. لكن وراء الكواليس، وبحسب مراقبين، استمرت خطوط الاتصال. فالشخصيات التي أسهمت في صياغة مشروع 2025 كانت نفسها ضمن الفريق السياسي الذي يُعد لعودة ترامب إلى البيت الأبيض. وفُعِّلت قاعدة بيانات المرشحين، وبدأت فرق التقييم تُرسل توصياتها إلى الفريق الانتقالي غير الرسمي. في يوليو/تموز 2024، تحت ضغط بعد عدة مشاركات إعلامية استفزازية من بول دانز قال في أحدها: "نحن في خضم الثورة الأميركية الثانية، التي ستظل بلا دماء إذا سمح لها اليسار بذلك"، وهو التصريح الذي أثار ردود فعل واسعة مما دفع دانز للاستقالة من منصبه في مؤسسة "هيريتيج". لكنه أدرك أن الاستقالة ليست النهاية، بل لحظة مناسبة للانسحاب من الضوء، وترك البنية التي بناها تعمل من تلقاء نفسها، فقاعدة البيانات اكتملت، والكوادر تدربت، والخطة وُضعت. هكذا استمرت أفكار المشروع في الزحف إلى مراكز صنع القرار. وفي أول 100 يوم من ولاية ترامب الثانية، ظهرت بوضوح آثار مشروع 2025: إعادة تعريف النوع الاجتماعي والأسرة، ومحاولات تفكيك وزارة التعليم، وإعادة تفعيل "الجدول F" مما يسمح بإعادة تصنيف آلاف الموظفين المدنيين كمعينين سياسيين، بهدف تيسير فصلهم واستبدال موالين للإدارة بهم، وتعيين شخصيات أسهمت في صياغة المشروع في مناصب رفيعة مثل راسل فوغت رئيسا لمكتب الإدارة والميزانية، وجيمس برايد مديرا لمكتب الشؤون التشريعية، وبيتر نافارو مستشارا للرئيس للتجارة، وجون راتكليف مديرا لوكالة المخابرات المركزية. وفي المجمل، قدّر عدد من المراقبين أن إدارة ترامب نفذت أو بدأت في تنفيذ 153 من أصل 532 توصية تنفيذية واردة في المشروع. دانز نفسه، وإن غادر المنصب، ظل حاضرا في الخلفية. وفي مقابلات لاحقة، عبّر عن رضاه العميق قائلا: "ما يحدث الآن يفوق حتى أحلامي الجامحة. كنا نأمل نحن الذين عملنا على وضع مشروع 2025 أن يغتنم الرئيس المحافظ القادم الفرصة، لكن ترامب يغتنم كل دقيقة من كل ساعة"، وأكد دانز أن المشروع لم يكن خاصا بترامب، بل "بالمبادئ المحافظة التي تأخرت كثيرا في استعادة الدولة". مستقبل المشروع بعد أكثر من عامين على انطلاقه، بات من الواضح أن مشروع 2025 تجاوز كونه مجرد خطة لولاية رئاسية واحدة، بل أصبح بمنزلة مدرسة فكرية ومؤسسية داخل التيار المحافظ. وقد بدأت تظهر علامات التأثير بعيد المدى في أوساط الجمهوريين الشباب، خاصة أولئك الذين تلقّوا تدريبهم داخل الأكاديمية التي أسَّسها دانز. فهذا الجيل الجديد من المحافظين بات يتعامل مع وثيقة 2025 بوصفها دستورا موازيا للحكم التنفيذي، وهم يعتبرون أن الدولة الإدارية هي التحدي الأكبر أمام تنفيذ أي أجندة محافظة، وأن أدوات التغيير ليست في الكونغرس وحده، بل في مكاتب التوظيف، والميزانيات، واللوائح. في هذا السياق، تُطرح تساؤلات جدية داخل الحزب الجمهوري حول ما إذا كان المشروع قد يتحول إلى برنامج دائم لما بعد ترامب. فبينما يُنظر إلى ترامب بوصفه قائدا شعبيا مفجّرا، يُنظر إلى دانز بوصفه منظّرا بنى الركائز المؤسسية لتلك الشعبوية. وقد بدأت أصوات شبابية داخل الحزب الجمهوري تطالب بإضفاء طابع مؤسسي على المشروع، وتحويله إلى مؤسسة مستقلة تُدرّب القيادات وتنتج السياسات، تماما كما فعل الديمقراطيون في السبعينيات عبر معاهدهم البحثية. وهكذا فإن إرث بول دانز قد يكون أبعد مدى من مجرّد ولاية واحدة، إنه بداية لبناء طبقة بيروقراطية يمينية تعتقد أن الدولة يجب أن تُحكم من الداخل، وبعقيدة واضحة. الجدل حول دانز ومشروعه في الصحافة الليبرالية، وُصف دانز بأنه "الوجه البيروقراطي للسلطوية الأميركية الناشئة". مجلة "ذي أتلانتيك" خصصت له تحقيقا موسّعا تحت عنوان: "الرجل الذي يريد ترويض واشنطن"، وصوّرته مهندسا لانقلاب صامت يُنفذ بالأوامر التنفيذية وقواعد التعيين بدلا من الدبابات. أما صحيفة "نيويورك تايمز" فقد حذرت من مشروع 2025 باعتباره محاولة لإحياء الحقبة المكارثية، مع مطاردة فكرية للموظفين غير الموالين. شخصية بول دانز نفسها أصبحت مادة للسجال. فهناك مَن يراه تكنوقراطيا عبقريا يقود ثورة إدارية من الداخل، وهناك مَن يُصوِّره منظّرا سلطويا يسعى لبناء دولة الحزب الواحد. ورغم أن مشروع 2025 مُصمَّم خصوصا لإعادة هيكلة الدولة الأميركية من الداخل، فإن صداه بدأ يتردد خارج الحدود. ففي أوروبا، رُصد اهتمام متزايد من قِبَل حركات يمينية محافظة بالمقاربة التي ابتكرها بول دانز، خاصة في المجر وبولندا، حيث تحدث ساسة وكتّاب عن أهمية "السيطرة على الدولة من الداخل" بدلا من الاكتفاء بالفوز بالانتخابات. في إسرائيل، عبّر بعض أعضاء حزب الليكود عن إعجابهم بفكرة "الجدول F"، بوصفه وسيلة لتطهير الجهاز البيروقراطي من خصوم الحكومة في القضاء والإعلام والحقل الأكاديمي. وظهر في الصحافة العبرية أكثر من تحليل يقارن بين سعي نتنياهو لتقييد المحكمة العليا، وما يقوم به دانز من تقييد للبيروقراطية الأميركية. كل هذا يشير إلى أن مشروع بول دانز، رغم جذوره المحلية، قد يصبح نموذجا للحكم اليميني الجديد، نموذج لا يسعى لتقويض الدولة، بل لاختراقها وإعادة توجيهها، عبر أدوات قانونية وإدارية. وفي عالم يشهد صعودا مستمرا لليمين، فإن أثر دانز قد يتجاوز حدود واشنطن بكثير.


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
عراقجي: على ترامب التوقف عن استخدام لهجة غير لائقة تجاه المرشد
رد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على تلويح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بضرب إيران مجددا، وقال إن طهران لن تسمح لأحد بتقرير مصيرها، وإذا اضطرت فلن تتردد في كشف قدراتها الحقيقية. وكان ترامب لوّح أمس الجمعة بضرب إيران مجددا إذا عادت إلى تخصيب اليورانيوم، وأعلن أنه أوقف إجراءات كانت تهدف لتخفيف العقوبات عن طهران، وذلك بعد حديث المرشد الإيراني علي خامنئي عن انتصار بلاده في المواجهة مع إسرائيل. كما شدد ترامب على أنه لا يعتقد أن إيران ستعود إلى البرنامج النووي قريبا، وأنه ليس قلقا من وجود مواقع نووية سرية فيها. وجاء الرد الإيراني على تصريحات ترامب سريعا، حيث قال عراقجي إنه إذا كان الرئيس الأميركي صادقا في التوصل إلى اتفاق فإن عليه ترك نبرته غير المحترمة وغير المقبولة تجاه المرشد الإيراني. وقال عراقجي إن طهران لن تسمح لأحد بتقرير مصيرها، وإذا أدت الأوهام إلى أخطاء أسوأ فلن تتردد إيران في كشف قدراتها الحقيقية. وأضاف أن النظام الإسرائيلي لم يكن لديه خيار سوى اللجوء إلى الولايات المتحدة لتجنب القصف بصواريخ إيران. رسالة لمجلس الأمن وعلى صعيد آخر، أبلغت الولايات المتحدة مجلس الأمن الدولي في رسالة أمس الجمعة أن هدف الغارات التي شنتها على إيران قبل أيام "كان تدمير قدرة طهران على تخصيب اليورانيوم ومنع الخطر الذي يمثله حصول هذا النظام المارق على سلاح نووي واستخدامه له"، على حد قولها. وقالت وكالة رويترز للأنباء إنها اطلعت على الرسالة التي بررت فيها واشنطن هجماتها بأنها "دفاع جماعي عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تتطلب إطلاع مجلس الأمن المكون من 15 عضوا فورا على أي إجراء تتخذه الدول دفاعا عن النفس ضد أي هجوم مسلح". خطة إسرائيلية في الأثناء، أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس تعليمات للجيش بإعداد "خطة" ضد إيران تشمل الحفاظ على التفوق الجوي، ومنع تقدم البرنامجين النووي والصاروخي. وأضاف كاتس أن إسرائيل ستعمل بشكل دائم لإحباط ما وصفها بـ"أي تهديدات إرهابية من هذا النوع، والرد عليها". ووجّه الوزير الإسرائيلي تحذيرا لمن سماه "رأس الأفعى المنزوعة الأنياب في طهران" قائلا "إن حصانته انتهت، وإن العملية الإسرائيلية الأخيرة كانت مجرد مقدمة لسياسة جديدة لإسرائيل اعتمدتها بعد 7 أكتوبر"، على حد قوله.


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
ترامب: وقف إطلاق النار بغزة بات قريبا
أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن اعتقاده بإمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة خلال الأسبوع المقبل، واصفا الوضع في القطاع الفلسطيني بأنه مروع للغاية. جاء ذلك في تصريحات صحفية مساء أمس الجمعة على هامش احتفال عقد في البيت الأبيض باتفاق للسلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية بوساطة أميركية قطرية. وقال ترامب إنه "كان يتحدث للتو مع بعض المعنيين بمحاولة التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل و حركة حماس"، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الولايات المتحدة تقدم الكثير من الإمدادات والمساعدات الغذائية في هذه المنطقة. وأضاف "صحيح أننا غير منخرطين في الحرب، لكن الناس يموتون هناك ونراهم يحتشدون لأن لا طعام لديهم". الوسطاء يضغطون في الأثناء، عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية -أمس الجمعة- جلسة أمنية مصغرة لمناقشة الحرب على غزة وإعادة الأسرى، في حين كشف مسؤولون إسرائيليون أن الوسطاء يمارسون ضغوطا للدفع نحو مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وحماس. وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن نتنياهو ترأس جلسة أمنية مصغرة أمس، ومن المتوقع أن يعقد نتنياهو جلسة إضافية اليوم السبت. ونقلت الهيئة عن مصدر إسرائيلي قوله إن إسرائيل مستعدة للمفاوضات غير المباشرة، لكن يجب أن تكون في إطار مقترح المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف قبل إرسال وفد إلى القاهرة. وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن الخلاف بين إسرائيل وحماس ما زال متعلقا بمسألة وقف الحرب. من جانبها، دعت هيئة عائلات الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة إلى مشاركة واسعة في مظاهرة ستقام تحت شعار "نعيد المختطفين وننهي الحرب". وأفادت الهيئة بأن الوقت الحالي هو الأنسب للتوصل إلى اتفاق شامل ينهي الحرب ويضمن عودة الأسرى، مشيرة إلى أن عصر الصفقات الجزئية قد انتهى، وأن المطلوب إعادة الجميع دفعة واحدة.